logo
في ذكراه الأليمة: الإمام الحسن وإرهاصات كربلاء

في ذكراه الأليمة: الإمام الحسن وإرهاصات كربلاء

شبكة النبأمنذ 2 أيام
لم يكن الامام الحسن، عليه السلام، يبغي مطلقاً أن يتحول أطفال عهد معاوية (الهدنة) عام أربعين للهجرة، الى رجال التخاذل والخيانة والجُبن في ظل حكم ابنه يزيد، والانجرار نحو حرب الامام الحسين عام واحد وستين للهجرة...
الحقُ أبلجُ ما يحيلُ سبيلهُ
والحقُ يعرفه ذَوو الألبابِ
الإمام الحسن المجتبى، عليه السلام
أحكم الباحثون الربط بين صلح الإمام الحسن، وقتال الامام الحسين، عليهما السلام، لما لمسوه من وحدة المنهج الرسالي، والمهمة الإصلاحية في الأمة، وكونهما الامتداد الطبيعي لجدّهما المصطفى، صلى الله عليه وآله، فقالوا: "لو لم ينتصر الإمام الحسن المجتبى في هدنته، على معاوية والنظام الأموي، لما تمكّن أخاه؛ الامام الحسين من تحقيق النصر المؤزر والمدوي عبر التاريخ على النظام نفسه، ودفعه سريعاً نحو الهاوية".
ولكن! من ناحية الطبيعة الانسانية للمجتمع الاسلامي آنذاك، وتحديداً مجتمع الكوفة المبتلى بشكل مرير وشديد، بالإيمان وبالاخلاق وبالوعي الديني منذ احتضانه حكومة أمير المؤمنين، عليه السلام، فان الأمر يختلف في رؤية الامام الحسن المجتبى الذي تمر علينا هذه الأيام ذكرى استشهاده الأليمة في السابع من شهر صفر، صحيح أنه، عليه السلام، اضطلع بدور أساس في نجاح النهضة الحسينية، من خلال تمهيد الأرضية السياسية، وإماطة اللثام عن حقيقة معاوية والأمويين، بيد أنه كان يريد في نفس الوقت نجاح العملية الإصلاحية في أمة جدّه بشكل عام، وفي المجتمع الكوفي بشكل خاص، والعمل على معالجة المشاكل النفسية والروحية المسببة لكل ما تجرعه من قبل، أمير المؤمنين من خذلان وخيانة وتمرّد وجهل بأحكام الدين وبالسيرة النبوية، فهو، عليه السلام، لم يكن يبغي مطلقاً أن يتحول أطفال عهد معاوية (الهدنة) عام أربعين من الهجرة، الى رجال التخاذل والخيانة والجُبن في ظل حكم ابنه يزيد، والانجرار نحو حرب الامام الحسين عام واحد وستين للهجرة، أي بعد واحد وعشرين سنة. ولكن! هذا هو شأن الاختبار في الحياة.
حبّ المال وكراهية الموت
إنها نزعة مغروزة في نفس كل انسان، وليس فقط هي مشكلة الانسان الكوفي آنذاك، إنما ظهور هذه النزعة والمشكلة على سطح الاحداث جاءت نتيجة لوجود أول تجربة إسلامية متكاملة ونموذجية على يد أمير المؤمنين في هذه البقعة الجغرافية المترامية الاطراف (الكوفة)، فقد حصل التقاطع بين العدل والمساواة والقيم الدينية والاخلاقية، وثقافة الحرب والعنف والعصبية للقبيلة، والولاء للأقوى المترسخة في نفوس سكان منطقة كانت تعد حامية عكسرية تضم أكثر من مليون نسمة، جلّهم من محترفي القتال تحت الطلب في الدولة الاسلامية.
وهذا ما ورثه الامام الحسن المجتبى منذ أول يوم لتوليه الخلافة بعد استشهاد أبيه امير المؤمنين، فقد بايعته الجموع الغفيرة في مسجد الكوفة، وتحت صرخات عبد الله بن عباس بأن "معاشر الناس! هذا ابن نبيكم و وصي إمامكم، فبايعوه"، فكان الرجل القوي الوحيد في الساحة، وربما لو كان ثمة من ينافسه، وإن كان أموياً، لمالوا اليه، يُذكر أن الامام الحسن، عليه السلام، كان يوم بويع للخلافة في عزّ شبابه، فقد كان في سن السابعة والثلاثين من عمره الشريف، وفي هذا العمر الغضّ لم تدم له الخلافة سوى اربعة أشهر فقط!
وبعد التوقيع على الهدنة قال معاوية للإمام الحسن: "أنا خيرٌ منك يا حسن! فقال، عليه السلام: وكيف ذاك يا بن هند؟ قال: لأن الناس أجمعوا عليّ ولم يجمعوا عليك، فقال له، هيهات هيهات، لشرّ ما علوت، يا بن آكلة الاكباد، المجتعون عليك رجلان: بين مُطيع و مُكره، فالطائع لك عاصٍ لله، والمكره معذور بكتاب الله، وحاش لله أن أقول: أنا خيرٌ منك، فلا خير فيك، ولكن الله برأني من الرذائل كما برأك من الفضائل".
هذه الثغرة النفسية الخطيرة كان مدركها معاوية منذ حربه الضروس مع أمير المؤمنين، بيد أنه لم ينجح حينها بتغرير القادة والأعيان كما فعل في عهد ولده الحسن، إنما اعتمد التضليل وتحريك حب الحياة والبقاء وإن كان على الذل والباطل، ولذا بدأ يعلن عن أسعار مغرية للذمم لكبار القادة العسكريين، وحتى رواة الحديث النبوي، أمثال سمرة بن جندب الذي اشتراه، واشترى أحاديثه الكاذبة على رسول الله بنصف مليون درهم.
وجاءت وعوده علانية للكوفيين بأن من يقتل الحسن له الاموال والمناصب العليا في الدولة، كما حصل مع عمرو بن حريث، والاشعث الكندي، وشبث بن ربعي، عندما وعد كلٌ منهم بـ 100الف درهم إن تمكن من قتل الامام الحسن، وجاء في التاريخ أن الامام تنبه الى هذه الدسائس فلبس الدرع للاحتراز، وذات يوم تعرض لسهم اثناء الصلاة فلم تثبت فيه، وبلغ الوقاحة بالبعض ان تحدث جهاراً بأن "اذا سلمنا الحسن الى معاوية لنا العراق"! فهمّ المقربون من الإمام بقتل القائل، ولكن الامام عفى عنه، وقال لهم: "ويلكم والله ان معاوية لا يفي لأحد منكم بما ضمنه في قتلي، و اني أظن أني إن وضعت يدي في يده فأسالمه لم يتركني أدين بدين جدي، وان أقدر أن أعبد الله –عزوجل- وحدي، ولكني كأني انظر الى ابنائكم واقفين على ابواب ابنائهم يستسقونهم ويستطعمونهم بما جعله الله لهم فلا يُسقَون ولا يُطعمون"!
وفي شدّة الازمة في معسكر الإمام الحسن، حيث تساقط القادة العسكريين، وخذلان الجند وعامة المجتمع، صعد الإمام المنبر ليلقي آخر حجة عليهم بين القتال والهدنة مع معاوية فقال: "أما والله ما ثنانا عن قتال اهل الشام ذلّة ولا قلّة، ولكن كنا نقاتلهم بالسلامة والصبر، فشيب السلامة بالعدواة، والصبر بالجزع، وكنتم تتوجهون معنا ودينكم امام دنايكم ، وقد اصبحتم الان ودنياكم امام دينكم، فكنا لكم وكنتم لنا، وقد صرتم اليوم علينا، ثم اصبحتم تعدّون قتيلين: قتيلا بصفين تبكون عليه، وقتيلا بالنهروان تطلبون بثأره! فأما الباكي فخاذل، واما الطالب فثائر (معارض)، وان معاوية قد دعا الى أمر ليس فيه عزّ ولا نَصِفة، فان اردتم الحياة قبلناه منه، وأغضضنا على القذى، و ان أردتم الموت بذلناه في ذات الله وحاكمنا الى الله، فنادى القوم بأجمعهم: بل البقية والحياة"!
أبرز صور الجهل بأهل بيت رسول الله
تجلت هذه الصورة المحفورة بالدم في ذاكرة التاريخ، عندما أراد الامام الحسن اختبار الناس، تماماً كما فعل طالوت الملك في حربه ضد جالوت في عهد نبي الله داوود عندما أمر الناس بعدم الشرب من ماء النهر إلا بغرفة يد فقط، في القصة التي يرويها القرآن الكريم، فقال لهم الإمام الحسن: "أما بعد فإني والله لأرجو ان أكون قد اصبحت بحمد الله ومنّه و انا أنصح خلق الله لخلقه، وما اصبحت محتملا على مسلم ضغينة، ولا مُريدا له بسوء، ولا غائلة، ألا وإن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة، ألا واني ناظر لكم خيراً من نظركم لأنفسكم، فلا تخالفوا أمري ولا تردوا عليّ رأيي، غفر الله لي ولكم و أرشدوني و أياكم لما فيه المحبة والرضا".
كلامٌ مفعم بالحبّ والنصح والإرشاد بضياء الإيمان، بيد أن الجهل والسطحية في الفهم والعقيدة جعل البعض يقول لصاحبه: "ما ترونه يريد بما قال؟! قالوا نظنه والله يريد ان يصالح معاوية ويسلّم الامر اليه! فقالوا كفر والله الرجل"! ثم شدوا عليه على فسطاطه (خيمته) و انتهبوه، حتى أخذوا مصلّاه من تحته بدعوى أنه غير مسلم! ليس هذا فقط، بل هاجمه شخص من التكفيريين الخوارج فيما كان على بغلته مع حلول الظلام، وكان بيده "مغول" وصاح: الله اكبر! اشركت يا حسن كما أشرك أبوك من قبل! ثم طعنه في فخذه فشقه حتى بلغ العظم، ثم اعتنقه الحسن وخرا جميعا الى الارض فوثب اليه رجل من شيعة الامام فانتزع المغول من يده وضرب به بطنه حتى مات.
كان الامام الحسن، عليه السلام، يحذر الناس (سكان الكوفة) من مغبة عواقب التخاذل والتنصّل عن مسؤولية القتال ضد الفئة الباغية، وكان يصارحهم مباشرة بمرضهم النفسي وضرورة المعالجة قبل فوات الآوان، ولكنهم كانوا يكابرون وينفون بشدّة، ويكررون وعود الولاء والطاعة، والإمام يرد عليهم قولهم المعسول الذي لم يخرج من القلب قط، فقال لهم: "إن كنتم صادقين فموعد ما بيني وبينكم معسكر المدائن فوافوني هناك، فركب ومعه من أراد الخروج، وتخلف عنه خلقٌ كثير ولم يفوا بما قالوا".
لقد اشترى معاوية ذمة قائد من كنده وقائد آخر من مراد، كلٌ دفع له نصف مليون درهم، وكذا فعل مع عبيد الله بن العباس، وهو ابن عمه المقرّب، وقد وثق به، عليه السلام، وأعطاه قيادة اثني عشر فارس "من فرسان العرب وقراء المصر"، على أن يعسكروا بالانبار، وكان ردّهم للجميل والثقة العالية، بالغدر والخيانة.
وفي المصادر التاريخية أن القائد من قبيلة مُراد حلف أمام الإمام الحسن بالإيمان الغليظة على الوفاء له، بعد أن توقع خيانته أمام جموع المسلمين، مع ذلك؛ فان قرقعة الدراهم كانت أقوى من أي حلف وإيمان تخرج من أفواه المنافقين.
ربح الإمام الحسن المجتبى الهدنة مع معاوية بتحقيق ما كان يصبو اليه بحفظ دماء وحرمات المسلمين، وخسر المتخاذلون والمنافقون الحرب، رغم ادعاءاتهم الفارغة بالشجاعة والفروسية والاقدام على المكاره، فلم تعد الكوفة مكاناً في مستوى الإمام الحسن المجتبى، فجمع عياله وأهل بيته قاصداً العودة الى مدينة جدّه؛ المدينة، فاستقبله أحد الموالين راجياً منه البقاء ليكون لشيعته علماً ومناراً، فكان جوابه البليغ والمشحون ألماً وكمداً:
و لاعن قِلىً فارقتُ دار معاشري
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"نطالب البيطار بكشف حقيقة تفجير المرفأ" الراعي: على كلّ مسؤول أن يدرك أن المسؤوليّة ليست تسلّطًا بل خدمة وأن الزعامة ليست مصلحة بل شهادة
"نطالب البيطار بكشف حقيقة تفجير المرفأ" الراعي: على كلّ مسؤول أن يدرك أن المسؤوليّة ليست تسلّطًا بل خدمة وأن الزعامة ليست مصلحة بل شهادة

الديار

timeمنذ 5 ساعات

  • الديار

"نطالب البيطار بكشف حقيقة تفجير المرفأ" الراعي: على كلّ مسؤول أن يدرك أن المسؤوليّة ليست تسلّطًا بل خدمة وأن الزعامة ليست مصلحة بل شهادة

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد التاسع من زمن العنصرة في كنيسة الصرح البطريركي في الديمان، والقى عظة قال فيها : "اليوم يتزامن مع الذكرى الخامسة لتفجير مرفاء بيروت، وهو الأعظم في تاريخ البشرية بعد هيروشيما، نصلي أولا لراحة نفوس الضحايا، وشفاء المرضى والمعوقين الكثر، ونعزي أهل الضحايا والمصابين والمتضررين على اختلاف فئاتهم. وإنا نطالب القاضي البيطار بممارسة صلاحياته القضائية كاملة، إظهارا للحقيقة، وصوتا للعدالة، وضمانة للقضاء الحر الذي يعلو الجميع من دون أي حصانة". وتابع: "في إطار الهوية والرسالة للبنان أيضًا هويته ورسالته. فهويته نابعة من تنوعه الغني، ومن تاريخه المشرقي، ومن دوره الريادي في الحرية والتعددية. أما رسالته فأن يكون أرض تلاق وحوار. وجسر تواصل بين الأديان والثقافات، ومنارة فكر وحريات في محيط كثير العتمة. ونتساءل: هل لبنان باقي وفيا لهويته؟ وهل يحمل رسالته بشجاعة ومسؤولية؟ كلنا مدعوون، مسؤولين ومواطنين، إلى أن نعيد للبنان وجهه الحقيقي، نعيد إليه العدل، ونطلق فيه الحرية، ونفتح أمام شبابه أبواب الرجاء، ونبني دولة تليق بتضحيات الآباء وبأحلام الأطفال. على كل مسؤول أن يدرك أن المسؤولية ليست تسلّطاً بل خدمة، وأن الزعامة ليست مصلحة بل شهادة. فليكن في قلوبنا إصرار روحي وأخلاقي على أن ننهض بوطننا، ليس بالكلام فقط بل بالأفعال والمثابرة، وبحكمة من يتعلم من الألم، ويصنع من الجراح رجاء جديدا. يريد الرب يسوع من كل مؤمن ومؤمنة أن يكونا صوتا للحق، وخادمين للمصالحة، وبناة للعدل. هذا ما يحول كل مواطن صالحًا، وكل مسؤول حاملا رسالة تتخطى الحسابات والمصالح الضيقة". وأكد إن "لبنان لا يقسم المواطنين بين أقليات وأكثريات. فمثل هذا المنطق يخفي نزعة نحو السيطرة والغلبة، لا المشاركة الحقيقية، لأن دولتنا المدنية لا تفرز المواطنين إلى أكثريات وأقليات. فالأساس يبقى المواطنة الشاملة". وختم الراعي: "فلنرفع صلاتنا إلى الله لكي يسكب روحه القدّوس على كنيسته وشعبه، ويجدد هويتنا ويقوي رسالتنا، ويجعلنا نعيش نبؤتنا وكهنوتنا وملوكيتنا، ويحررنا من الخوف والخمول، ويلهمنا الجرأة والخير والصدق في الشهادة، والالتزام في الحق ". وبعد القداس، استقبل الراعي المشاركين بالذبيحة الالهية، وقدم له الكاتب انطوان يزبك كتابه الجديد بعنوان" بكفيا الكبرى".

مواقف تستذكر انفجار مرفأ بيروت... ودعوات لإحقاق العدالة عودة في جناز لراحة نفوس ضحايا 4 آب: كفى عرقلة للتحقيق
مواقف تستذكر انفجار مرفأ بيروت... ودعوات لإحقاق العدالة عودة في جناز لراحة نفوس ضحايا 4 آب: كفى عرقلة للتحقيق

الديار

timeمنذ 5 ساعات

  • الديار

مواقف تستذكر انفجار مرفأ بيروت... ودعوات لإحقاق العدالة عودة في جناز لراحة نفوس ضحايا 4 آب: كفى عرقلة للتحقيق

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب توالت أمس المواقف التي استذكرت فاجعة مرفا بيروت في 4 آب، حيث دعت الكلمات الى احقاق العدالة ومحاسبة كل مذنب على جريمته. وفي السياق، ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها المطران الياس عودة خدمة القداس الإلهي في كاتدرائية القديس جاورجيوس، وأقام جنازا لراحة نفوس ضحايا 4 آب الذين سقطوا في مستشفى القديس جاورجيوس وفي بيروت. بعد قراءة الإنجيل، ألقى عظة قال فيها: "نقف أمام الرب حاملين جراحنا وجراح وطننا لبنان. نأتي إليه مستذكرين، بقلوب دامية، تفجير الرابع من آب، ذلك اليوم المشؤوم الذي دوى فيه إنفجار الظلم والفساد والإهمال في قلب عاصمتنا، فهز أركانها ودمر أحياءها، وخطف حياة الأبرياء، وخلف الجرحى، وزرع الخراب في آلاف البيوت، ما جرح القلوب وأدماها. لم يكن انفجار مواد كيميائية وحسب، بل انفجار ضمائر ميتة، ضمائر من باعوا الحق بثمن بخس، فدمروا الإنسان قبل الحجر. هذا الإنفجار لا يزال جرحا مفتوحا في جسد بيروت، ووصمة عار على جبين كل من عرف ويعرف ولم يبح بالحقيقة أو خبأها وساهم في إخفائها وطمسها، أو رفض المثول أمام المحقق". أضاف "سوف نصلي للضحايا الشهداء، وللأحياء المعذبين والقلوب الثكلى، لكن صلاتنا لا تكتمل إن لم نصرخ في وجه الشر والباطل. ما نفع صلاتنا إن بقيت بلا فعل حق، وما نفع سجودنا إن صمتنا عن كلمة عدل. أما مسؤولو هذا الزمان فقد أغلقوا آذانهم وقلوبهم، تركوا الأيتام بلا جواب، والأمهات الثكلى بلا عزاء، والآباء المكسورين بلا كلمة حق. كيف ينامون مرتاحي البال فيما آلاف العائلات تنتظر معرفة من أزهق نفوس أبنائها أو شردها؟ كيف يستطيع القاضي أو النائب أو الوزير أو من له علاقة بهذه الكارثة أن يتابع حياته بشكل عادي، فيما أمهات بيروت يقضين الليالي بالدموع والوجع، وبعض المصابين ما زالوا يئنون؟ كفى عرقلة للتحقيق، وصمتا عن قول الحق، وخوفا على المصالح". أضاف: "إن تفجير الرابع من آب لم يكن زلزالا طبيعيا ولا مصيبة عارضة، إنما كان نتيجة الإهمال والفساد والتقصير والتواطؤ وعدم المبالاة. أما ضحاياه فلم يقترفوا ذنبا ليعاقبوا، ولم يشنوا حربا ليقتلوا، ولم يشاؤوا الموت ولم يطلبوا الشهادة ولا أرادوا قضاء بقية حياتهم في الأوجاع، ولا ترك بيوتهم أو أحيائهم أو مدينتهم. لقد دفع بعضهم دفعا إلى هجر منازلهم المدمرة لأنهم لم يجدوا من يساعدهم على بنائها أو من يعزي قلوبهم المكلومة أو من يحمي أولادهم من كارثة أخرى. أهل بيروت لم يغادروها طوعا. من غادروا أجبروا على الإنتقال إلى منطقة أخرى أو الهجرة لأنهم شردوا، ولأنهم أهملوا وقهروا، ولأنهم يئسوا من المماطلة في إعلان الحقيقة وتطبيق العدالة. غادروا كما غادر سواهم من اللبنانيين قبلهم خوفا أو قرفا أو خيبة وإحباطا أو هربا من التهديد والوعيد. وعندما استقروا وتحسنت أوضاعهم أصبحوا مصدر تمويل للداخل، والصندوق الذي يقصد عند كل ضيق. هؤلاء حرموا من العيش في وطنهم، والآن هناك من يحاول سلخهم مجددا عن وطنهم بحرمانهم من حقهم في التعبير عن رأيهم، واختيار نوابهم الذين يتكلمون باسمهم، ويدافعون عن حقوقهم في وطنهم. لذلك، نصلي ونسأل الرب بشفاعات والدة الإله وجميع قديسيه أن يرسل روح القوة والحق إلى قلب القضاة ليعملوا بلا خوف، ويطلبوا المحاسبة لكل مذنب، وأن يلين قلوب المسؤولين ليتخلوا عن كبريائهم ومصالحهم ويعملوا على إحقاق الحق، وأن يقيم في هذا الوطن رجالا ونساء يخافون الله أكثر من البشر، ويطلبون ملكوت الله وبره قبل كل شيء". وتابع: "قد لا نستطيع كشف الحقيقة بأيدينا، لكننا قادرون أن نكون شهودا للحق، نربي أبناءنا على رفض الظلم والقهر، وننشر حولنا ثقافة العدل والرحمة والمسؤولية والسلام. ليكن رجاؤنا ثابتا بمن أقام الموتى وشفى المرضى وأشبع الجياع بكلمة، وهو قادر أن يقيم هذا الوطن من موت الظلم إلى قيامة النور والحق، وأن يشرق شمس عدالته على بيروت الجريحة، وعلى لبنان المعذب، وأن يملأ كل قلب محزون بتعزية الروح القدس الذي لا يترك مظلوما بلا إنصاف، ولا حزينا بلا عزاء". وتعليقا على المأساة، كتب الرئيس سعد الحريري عبر حسابه على منصة "أكس": "لا يزال كل لبنان ينتظر العدالة لضحايا هذه الفاجعة ولعائلاتهم، وللمصابين، ولعاصمتنا الجريحة بيروت. لن نفقد الأمل بصدور القرار الاتهامي وإجراء المحاكمة في أقرب وقت، كي يحاسب كل مذنب على جريمته. كلنا أمل بالحقيقة ليرتاح ضمير الوطن". كتب رئيس حزب "الوفاق الوطني" بلال تقي آلدين على صفحته على منصة " إكس ": "اللبنانيون ينتظرون إحقاق العدالة وفاءً لدماء الشهداء . على الدولة اللبنانية الاقتصاص من المجرمين ومحاكمتهم وتحقيق العدالة لأجل ارواح الشهداء وعوائلهم . بعثة الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء: قالت بعثة الاتحاد الاوروبي في لبنان والدول الأعضاء في الاتحاد، في بيان: "نجدد تضامننا مع عائلات الضحايا ومع من تأثرت حياتهم وبيوتهم وسبل عيشهم بشكل مأساوي جراء الانفجار. كما نرحب بالخطوات التي اتُخذت في الأشهر الأخيرة والتي أتاحت إحراز تقدم في التحقيق، بما يتماشى مع البيان الوزاري. وندعو السلطات المعنية إلى ضمان توافر الظروف اللازمة لإتمام التحقيق بطريقة شاملة ونزيهة وشفافة، حتى يتسنى لعائلات الضحايا والشعب اللبناني نيل العدالة والمساءلة التي يستحقونها." أضافت "إنّ وضع حد للإفلات من العقاب أمر أساسي لتعافي لبنان، وهذا يتطلب قضاءً مستقلا وقويا بعيدا عن التدخلات السياسية. ونأمل في أن يحقق قانون استقلالية القضاء الذي أُقرّ أخيراً هذا الهدف." نقابة المعلمين: نطالب البيطار متابعة التحقيق قالت نقابة المعلّمين، في بيان لها: "إنّنت نجدّد تضامنها الكامل مع أهالي الشهداء والجرحى والمتضرّرين، وتؤكّد أنّ العدالة في هذه القضية ليست مطلبًا إنسانيًا فقط، بل هي مدخلٌ أساسيّ لاستعادة ما تبقّى من الثقة بمؤسّسات الدولة، ولا جدوى من أيّ تشكيلات قضائيّة أو قوانين لتعزيز استقلاليّة السلطة القضائيّة من دون رفع يد السياسيّين عن الملفّ وإعلان احترامهم لهذه السلطة ورضوخهم لقرارات قضاتها توخّيًا للحقيقة والعدالة في جميع الملفات وأهمّها انفجار مرفأ بيروت. من هنا، نؤكّد دعمنا الكامل لإقرار قانون استقلاليّة السلطة القضائية، كخطوة ضروريّة أولى لتحرير العدالة من قبضة السياسيّين، شرط تمكين القضاء من أداء دوره بحرّية وشفافيّة بعيدًا من الضغوط، على أن يُستكمل تطبيقه بالكامل وبنتائج حسيّة ملموسة، لا على نحو انتقائيّ يعرقل مسار العدالة. ونحن، كأساتذة ومربّين، لا نستطيع أن نربّي أجيالًا على القيم والحقّ والمحاسبة، فيما الملفّات القضائيّة محاصرة بالتدخّلات". أضافت: "لذلك، نطالب المحقّق العدلي طارق البيطار بمتابعة التحقيق بكل استقلاليّة وجرأة، كما ونطالبه بالإسراع في إصدار القرار الظنيّ، إنصافًا لأهالي الشهداء، وإنصافًا لبيروت التي ما زالت تنتظر الحقيقة والعدالة".

شارك في القداس السنوي لعيد سيدة التلّة في دير القمر عون: نطلب شفاعة العذراء ليبقى لبنان موحّدًا بكلّ أبنائه الأباتي رزق: نُصَلِّي من أَجْلِ وَطَنِنَا لِيَبْقَى مَنَارَةً لِلرَّجَاءِ فِي هٰذَا الشَّرْقِ الْمُتْعَبِ
شارك في القداس السنوي لعيد سيدة التلّة في دير القمر عون: نطلب شفاعة العذراء ليبقى لبنان موحّدًا بكلّ أبنائه الأباتي رزق: نُصَلِّي من أَجْلِ وَطَنِنَا لِيَبْقَى مَنَارَةً لِلرَّجَاءِ فِي هٰذَا الشَّرْقِ الْمُتْعَبِ

الديار

timeمنذ 5 ساعات

  • الديار

شارك في القداس السنوي لعيد سيدة التلّة في دير القمر عون: نطلب شفاعة العذراء ليبقى لبنان موحّدًا بكلّ أبنائه الأباتي رزق: نُصَلِّي من أَجْلِ وَطَنِنَا لِيَبْقَى مَنَارَةً لِلرَّجَاءِ فِي هٰذَا الشَّرْقِ الْمُتْعَبِ

شارك رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون عند الحادية عشرة من قبل ظهر امس، في القداس الالهي في كنيسة سيدة التلة في دير القمر، بمناسبة عيد سيدة التلة، والذي حضره السفير البابوي في لبنان باولو بورجيا، وعدد من النواب، والوزير السابق ناجي البستاني والوزيرة السابقة غادة شريم وقائمقام الشوف مارلين قهوجي وقائد منطقة جبل لبنان في قوى الامن الداخلي العميد عبدو خليل والمدير العام لمؤسسة الإسكان روني لحود ورئيس بلدية دير القمر ناجي جرمانوس وأعضاء المجلس البلدي وعدد من المسؤولين الأمنيين والقضائيين والفعاليات الرسمية والمدنية. ولدى وصول الرئيس عون كان في استقباله في أنطش سيدة التلة، الرئيس العام للرهبانية المارونية المريمية الاباتي ادمون رزق ورئيس الأنطش الأب جوزيف ابي عون، وكهنة الرعية والسفير البابوي، والمونسنيور عبدو أبو كسم ممثلا راعي الأبرشية المطران مارون العمار الذي تغيب لاسباب صحية، وعدد من الآباء. واتجه الرئيس عون الى ساحة دير القمر، حيث تجمع عدد من المغتربين اللبنانيين الآتين من اميركا وأوروبا والذين هتفوا بحياة الرئيس عون وازدهار لبنان. وبعد استراحة قصيرة في صالون الدير الاثري استمع خلالها الى شروحات من الاب ابي عون حول تاريخ الصالون والدير، دوَّن الرئيس عون كلمة في السجل الذهبي للأنطش، جاء فيها: "في هذا المكان المقدس، يلتقي الايمان مع التاريخ. كنيسة سيدة التلة المباركة في دير القمر المشرفة على هذه المدينة التاريخية الخالدة، شاهدة على قرون من الايمان والصمود، ومنارة للسلام والمحبة في قلب جبل لبنان، وهي ملاذ المؤمنين من كل انحاء لبنان والمنطقة في بلدة دير القمر، هذه الجوهرة التراثية في تاريخ لبنان المليء بالمحطات المضيئة التي دونها تاريخ وطننا. في هذا اليوم المبارك، نسأل العذراء مريم، سيدة التلة، ان تبسط حمايتها على لبنان وشعبه، وان تهب أرضنا الحبيبة السلام والازدهار، ونطلب شفاعتها ليبقى لبنان موحداً بكل أبنائه الى أي طائفة انتموا، ليبقى منارة للحضارة والتعايش في قلب الشرق". أضاف "تحية الى أبناء دير القمر والشوف، الذين يجدون في سيدة التلة شفيعة، وهذه الكنيسة التاريخية مركز اشعاع روحي وثقافي". ثم ترأس رزق القداس وألقى عظة قال فيها: "يُشَرِّفُنَا يَا فَخَامَةَ الرَّئِيسِ، َأَنْ نَرْفَعَ مَعَكُمُ الصَّلَاةَ مِنْ أَجْلِ وَطَنِنَا الْجَرِيحِ، فِي زَمَنٍ دَقِيقٍ، تَتَزَاحَمُ فِيهِ الْأَزَمَاتُ، وَتَتَعَمَّقُ فِيهِ الْحَاجَةُ إِلَى رَجَاءٍ صُلْبٍ لَا يَخِيبُ. وَبِاسْمِ الرَّهْبَانِيَّة الْمَارُونِيَّة الْمَرْيَمِيَّة، نُهْدِي إِلَيْكُم أَيْقُونَة سَيِّدَةِ التَّلَّةِ، عُرْبُونَ مَحَبَّةٍ وَوَفَاءٍ، وَصَلَاتُنَا أَنْ تُرَافِقَكُمْ فِي مَسْؤُولِيَّتِكُمِ الْوَطَنِيَّةِ. اليوم، وقد اجتمعنا في رحاب مريم لا يمكننا ان نتغاضى عن التأمل بسر عظمة العذراء المتواضعة، التي أنشدت:" تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي". وهذا إقرار صادق بأننا حين نعترف بعظمة الرب وعمله في حياتنا سيمتلكنا الفرح لأن صغرنا وضعفنا لن يكونا حاجزين امام سعادتنا. هذا سر المؤمنين الذين يدركون ان الله يعمل الحق والخير والجمال، في حياة كل واحد منا، والاتكال عليه وعلى عنايته هو رجاء محرر من قيود الخوف والقلق امام الغد المجهول. هذا سر التضامن بين البشر، بين اهل كل دار وديار، أن اعترف اني لست الأقوى لأن الله القوي الجبار هو الأقوى، ومعه لا يمكن للخوف ان يدركنا. هذا مسار الاخوة ان نسير معا في اتجاه الهدف الواحد في التواضع والفرح، وفي الإسراع الى الخدمة والعمل من اجل الخير العام. اجل، هكذا هي هذه التلة: دير ايمان وتضامن واخوة. دير للقمر الذي ينير بتواضع على اهل هذه الدار ولا يميز بين بيت بيت وآخر، ولا يخفي نوره عن أي دار. اليوم، نعظم الرب معاً ونشكره على كل ما صنع في ارضنا ومن اجلنا، وعلى هذا العهد الجديد مع رئيس جمهورية نضع فيه ثقتنا وآمالنا". وختم: "نُصَلِّي مِنْ أَجْلِكُمْ، وَمِنْ أَجْلِ وَطَنِنَا، لِيَبْقَى لُبْنَانُ مَنَارَةً لِلرَّجَاءِ فِي هٰذَا الشَّرْقِ الْمُتْعَبِ. نَسْأَلُ سَيِّدَةَ التَّلَّةِ أَنْ تُبَارِكَ خُطَاكُمْ، وَتَحْفَظَ لُبْنَانَ، رَئِيسًا وَشَعْبًا، وَأَنْ تَزْرَعَ فِي الْقُلُوبِ الطُّمَأْنِينَةَ، وَفِي النُّفُوسِ السَّلَامَ، وَفِي هٰذَا الْوَطَنِ الرَّجَاءَ". ثم كانت كلمة في ختام القداس للأب ابي عون قال فيها: "نحيي فيكم الشخص رجل القرار، تعرفون متى تتخذون القرار المناسب والضروري في الوقت المناسب. ونحيي فيكم رجل المحبة والتواضع وهذا يظهر بابتسامتكم وقربكم". بعدها أهدى الاباتي رزق والأب ابي عون رئيس الجمهورية أيقونة سيدة التلة. ثم اعتبر رئيس بلدية دير القمر "ان هذه الخطوة هي رسالة محبة وصدق ووفاء لهذا الشعب المتجذر في الأرض والتاريخ، ولبلدة كانت وما زالت منارة الجبل والبحر". وبعد انتهاء القداس، أقيم غداء تكريمي تكريمًا للرئيس عون حضره عدد من المدعوين الروحيين والسياسيين.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store