logo
سلمى لاغرلوف تستكشف الحب المحرم في الديار الإسكندنافية

سلمى لاغرلوف تستكشف الحب المحرم في الديار الإسكندنافية

Independent عربيةمنذ 2 أيام
يبقى اسم "غوستا برلنغ"، بالنسبة إلى هُواة السينما، مرتبطاً باسم "الآنسة غوستافسون" التي سيخلدها تاريخ السينما باسم غريتا غاربو. صحيح أن "ملحمة غوستا برلنغ" لم يكن فيلمها الأول، لكنه كان الفيلم الأول الذي يحمل في ملصقاته اسمها الجديد الذي اختاره لها مكتشفها المخرج موريتس ستيلر الذي ما لبث أن رافقها إلى هوليوود، بعد بدايتيهما السويديتين، وسرعان ما انطفأ هو لتحقق هي، في عاصمة السينما الأميركية والعالمية، مجدها الكبير. ومع ذلك فإنها ليست في ذلك الفيلم من يحمل العنوان اسمه. فصاحب الاسم رجل هو صاحب الدور الرئيس، وهو إلى ذلك كائن عرفت الكاتبة سلمى لاغرلوف كيف ترسم شخصيته بقوة واقتدار سيكونان بعد صدور الرواية، التي سيقتبس الفيلم منها، سبباً في منحها جائزة نوبل لتكون أول امرأة تنالها في تاريخ الأدب. وكذلك كانت على الأرجح أول امرأة يقتبس الإسكندنافيون فيلماً كبيراً عن قصة من تأليفها. أما ما الذي أتت الآنسة غوستافسون لتفعله في كل هذه الخلطة فأمر لا يعدو كونه خبطة إعلانية.
مصالحة مبكرة
لقد حقق موريتس ستيلر هذا الفيلم في عام 1923، يوم كانت السينما لا تزال صامتة، وكان واحداً من أوائل الأفلام السويدية التي حققت نجاحاً عالمياً. طبعاً، يمكن أن يعزى هذا النجاح إلى حضور غريتا غاربو باسمها الجديد هذا، في الفيلم، لكن هذا لا يكفي، إذ إن العنصر الرئيس هنا هو حكاية الفيلم نفسها.
فالحكاية مقتبسة من رواية شهيرة للكاتبة سلمى لاغرلوف التي كانت اشتهرت بحصولها على جائزة نوبل للآداب. وكانت "ملحمة غوستا برلنغ"، أول رواية كتبتها لاغرلوف، وهي نشرتها عام 1891 لتنقل إلى الملأ مناخ الأساطير والحكايات الشعبية كما كان سائداً في مسقط رأسها، منطقة "فورملاند" السويدية.
من هنا، حين عرض ستيلر فيلمه، كان الناس جميعاً ينتظرونه، إذ إن معظم السويديين، وعدداً كبيراً من الأوروبيين، كانوا قرأوا الرواية، وباتوا على تماس تام مع أحداثها، ومناخاتها. ولا بد من أن نبادر هنا للفت النظر إلى أن رواية سلمى لاغرلوف طويلة، وتقع في جزءين، وتشمل أحداثاً تمتد على مدى طويل من السنوات، كما أنها مليئة بالشخصيات والحبكات الجانبية.
وحين حقق ستيلر فيلمه، كان عليه - في الطبع - أن يختصر ويكثف، غير أن الكاتبة نفسها لم يفتها، حين شاهدت الفيلم، أن تشير إلى أنه أتى أميناً لروح روايتها، مكثفاً أحداثها. من هنا، اعتبر الفيلم، في ذلك الحين، نوعاً من المصالحة بين الأدب وفن السينما.
كاهن غريب الأطوار
مهما يكن من أمر، فإن ما استعاره موريتس ستيلر من رواية سلمى لاغرلوف وركز عليه، إنما كان الشخصيات الأساسية والأحداث الرئيسة. وفي مقدم ذلك بالطبع شخصية غوستا برلنغ نفسه، ذلك القسيس الشاب الذي بدا للرعية، منذ بداية تسلمه الأبرشية، في "الفورملاند"، غريب الأطوار، ميالاً إلى ممارسة نوع من السحر على النساء اللواتي، إذ يفتنهن جماله وبساطته، يغضضن الطرف عن ميله إلى الشراب وضروب الفسق.
وكان يمكن للأمور أن تبقى على تلك الحال لولا أن أعيان الرعية يتأففون من الوضع لينتهي بهم الأمر إلى إبلاغ المطران رغبتهم في التخلص من القسيس الشاب. وإذ يستجيب المطران لذلك الطلب لا يكون منه إلا أن يطرد غوستا برلنغ من الرعية، بل حتى من البلدة كلها، فيهيم المطرود وقد أضحى منبوذاً بأمر من السلطة الكنسية، على وجهه في البراري شريداً مطارداً، حتى اللحظة التي ينضم فيها إلى عصبة من "الفرسان" تطلق على نفسها اسم "فرسان أكباي". ومنذ لحظة اللقاء تختلط حياة غوستا برلنغ بحياة "الفرسان" الذين هم في مجموعهم جنود سابقون يعيشون حياة مغامرات وبوهيمية، وكل واحد منهم يعتقد نفسه فناناً خطراً. وتتزعم هؤلاء جميعاً سيدة يطلقون عليها اسم "المعلمة".
الحياة الجديدة مستحيلة
وإذ ينضم غوستا برلنغ إلى المجموعة يخيل إليه أنه بدأ هذه المرة حياة هادئة ممتعة مليئة بالمغامرات الآمنة وبالرفاق والشراب وما شابه ذلك، ولكن حتى هنا يبدو أن سوء الحظ يصر على مطاردة القسيس السابق، حيث تتدخل الأقدار لتسوء العلاقات بين الفرسان، ويصل بعضهم إلى حد اتهام "المعلمة" بالزنى، ما يدفع بزوجها إلى طردها فتنطلق هي الأخرى هذه المرة لتعيش حياة تشرد وتسول، بينما يسيطر الفرسان على المكان في صورة كاملة، مطلقين العنان لفسادهم ولا مبالاتهم، فيتوقفون عن استغلال المناجم التي كانت تؤمن لهم رخاء العيش، ويبذرون ما كان تراكم قبلاً من خيرات. أما بالنسبة إلى غوستا برلنغ، فيبدو واضحاً أن لعنة ما حلت عليه هو نفسه الآن بعدما كان اعتاد أن يحمل سوء الطالع إلى الآخرين. وهكذا، يسوء وضعه كما يسوء وضع الفرسان، ويبدأ القوم معاملتهم بغلظة مجبرين إياهم على العودة إلى العمل إن هم أرادوا مواصلة عيشهم. ويتبين أن ما حل بهم، إنما كان بسبب سوء معاملتهم تلك المرأة التي كانت طيبة على الدوام معهم. ويحدث أن تعود "المعلمة" إلى المكان، في اللحظة التي تكون أوضاع الفرسان وصلت إلى الحضيض. تعود لتموت هناك، لكنها قبل موتها تعلن أمامهم أنها سامحتهم على إساءتهم تجاهها. سامحتهم نعم، لكن ذلك لن يعيد الأمور إلى ما كانت عليه من قبل.
مختارات على شكل فيلم
طبعاً، لم يكن هذا تماماً ما صوره موريتس ستيلر في فيلمه. بل إنه ركز على سرد فصول محدودة من حياة غوستا برلنغ، قبل طرده وبعده، جاعلاً من حياة الفرسان الآخرين ومغامراتهم مجرد إطار لها. من هنا، يركز الفيلم على حكاية هيام "المعلمة" مرغريتا بالقسيس الشاب. وهي إذ تجد صداً منه، وإذ تفيق لديها فجأة ذكريات غرام قاتل مضى في حياتها، تجد نفسها تواقة إلى "التطهر" من كل ذلك، وتحرق البيت فتسجن. وفي النهاية تجد نفسها مضطرة إلى التخلي عن حبها لغوستا برلنغ أمام حب آخر يعيشه هو مع الحسناء إليزابيث المتزوجة أيضاً بشخص بليد لا معنى له. وإليزابيث هذه كانت أغرمت سابقاً بغوستا برلنغ، لكنها لم تعترف لنفسها بذلك الحب. عند ذلك الحد من الحكاية تنضم إليزابيث إلى غوستا برلنغ الذي نجا من الحريق، وتهرب معه إلى الغابات المغطاة بالثلوج، وهناك تبدأ الذئاب الضارية مطاردتهما، لكنهما يتمكنان من الإفلات، ويقرر غوستا برلنغ أن يعيد إليزابيث إلى ديارها وإلى زوجها، ولكن، إذ يصلان إلى المدينة، تكتشف إليزابيث أن ليس في وسعها البقاء مع هنريك، زوجها، أكثر من ذلك. تكتشف أنها لم تعد قادرة على أن تحيا من دون غوستا برلنغ. ويقرر الاثنان البقاء معاً، على رغم كل شيء، أما غوستا فيبدأ بإعادة بناء ما دمره الحريق.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هرباً من ضجر التدريس
إن الفارق في الأحداث بين الفيلم والرواية كبير، غير أن هذا لم يمنع الفيلم من أن يعكس ما تتضمنه الرواية من تركيز على عالم الفولكلور الإسكندنافي ذي الخصوصية: الحب المحرم الذي يقع فيه القسيس، الجولات الصاخبة في الليل الثلجي، حكاية "الفرسان" وما فيها من عناصر مغامرة وبوهيمية... إلى آخره.
صحيح أن الفيلم ضيق إطار المكان الذي تدور فيه الأحداث، إذ يحول الحيز المكاني من آفاق الطبيعة الواسعة، إلى أماكن خاصة مغلقة في معظم الأحيان، غير أن روح الانعتاق والعلاقة مع الطبيعة ظلت ماثلة، مما جعل الفيلم يعتبر مثالياً في هذا المجال، وواحداً من أوائل الأفلام الأدبية في تاريخ السينما.
أما بالنسبة إلى سلمى لاغرلوف فهي ولدت عام 1858 في مدينة مارباكا في منطقة الفورملاند السويدية التي جعلتها مسرح معظم رواياتها. أما "ملحمة غوستا برلنغ" فكانت رواية أولى، كتبتها ذات لحظة سأم في حياتها، حين كانت بدأ تخوض مهنة التدريس "المضجرة"، وفق ما تقول. وحققت الرواية نجاحاً كبيراً منذ نشرها، وجعلت القراء يقبلون أكثر فأكثر على قراءة هذا النوع من الأدب الذي يمجد العواطف في الوقت نفسه الذي يمجد الطبيعة والعلاقة معها.
وعاشت سلمى لاغرلوف حتى عام 1940، وكتبت عشرات النصوص، منها نص عن "القدس" كتبته إثر عام أمضته بين مصر وفلسطين أوائل القرن الـ20. وهي نالت جائزة نوبل للآداب عام 1909 عن كتابها "مثالية شامخة، خيال حي، وتلف روحي"، ومع هذا تظل "ملحمة غوستا برلنغ" أهم أعمالها وأجملها، هي التي عرفت كذلك بمناصرتها حقوق المرأة، ووقوفها إلى جانب السلم وضد الحروب كافة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

سلمى لاغرلوف تستكشف الحب المحرم في الديار الإسكندنافية
سلمى لاغرلوف تستكشف الحب المحرم في الديار الإسكندنافية

Independent عربية

timeمنذ 2 أيام

  • Independent عربية

سلمى لاغرلوف تستكشف الحب المحرم في الديار الإسكندنافية

يبقى اسم "غوستا برلنغ"، بالنسبة إلى هُواة السينما، مرتبطاً باسم "الآنسة غوستافسون" التي سيخلدها تاريخ السينما باسم غريتا غاربو. صحيح أن "ملحمة غوستا برلنغ" لم يكن فيلمها الأول، لكنه كان الفيلم الأول الذي يحمل في ملصقاته اسمها الجديد الذي اختاره لها مكتشفها المخرج موريتس ستيلر الذي ما لبث أن رافقها إلى هوليوود، بعد بدايتيهما السويديتين، وسرعان ما انطفأ هو لتحقق هي، في عاصمة السينما الأميركية والعالمية، مجدها الكبير. ومع ذلك فإنها ليست في ذلك الفيلم من يحمل العنوان اسمه. فصاحب الاسم رجل هو صاحب الدور الرئيس، وهو إلى ذلك كائن عرفت الكاتبة سلمى لاغرلوف كيف ترسم شخصيته بقوة واقتدار سيكونان بعد صدور الرواية، التي سيقتبس الفيلم منها، سبباً في منحها جائزة نوبل لتكون أول امرأة تنالها في تاريخ الأدب. وكذلك كانت على الأرجح أول امرأة يقتبس الإسكندنافيون فيلماً كبيراً عن قصة من تأليفها. أما ما الذي أتت الآنسة غوستافسون لتفعله في كل هذه الخلطة فأمر لا يعدو كونه خبطة إعلانية. مصالحة مبكرة لقد حقق موريتس ستيلر هذا الفيلم في عام 1923، يوم كانت السينما لا تزال صامتة، وكان واحداً من أوائل الأفلام السويدية التي حققت نجاحاً عالمياً. طبعاً، يمكن أن يعزى هذا النجاح إلى حضور غريتا غاربو باسمها الجديد هذا، في الفيلم، لكن هذا لا يكفي، إذ إن العنصر الرئيس هنا هو حكاية الفيلم نفسها. فالحكاية مقتبسة من رواية شهيرة للكاتبة سلمى لاغرلوف التي كانت اشتهرت بحصولها على جائزة نوبل للآداب. وكانت "ملحمة غوستا برلنغ"، أول رواية كتبتها لاغرلوف، وهي نشرتها عام 1891 لتنقل إلى الملأ مناخ الأساطير والحكايات الشعبية كما كان سائداً في مسقط رأسها، منطقة "فورملاند" السويدية. من هنا، حين عرض ستيلر فيلمه، كان الناس جميعاً ينتظرونه، إذ إن معظم السويديين، وعدداً كبيراً من الأوروبيين، كانوا قرأوا الرواية، وباتوا على تماس تام مع أحداثها، ومناخاتها. ولا بد من أن نبادر هنا للفت النظر إلى أن رواية سلمى لاغرلوف طويلة، وتقع في جزءين، وتشمل أحداثاً تمتد على مدى طويل من السنوات، كما أنها مليئة بالشخصيات والحبكات الجانبية. وحين حقق ستيلر فيلمه، كان عليه - في الطبع - أن يختصر ويكثف، غير أن الكاتبة نفسها لم يفتها، حين شاهدت الفيلم، أن تشير إلى أنه أتى أميناً لروح روايتها، مكثفاً أحداثها. من هنا، اعتبر الفيلم، في ذلك الحين، نوعاً من المصالحة بين الأدب وفن السينما. كاهن غريب الأطوار مهما يكن من أمر، فإن ما استعاره موريتس ستيلر من رواية سلمى لاغرلوف وركز عليه، إنما كان الشخصيات الأساسية والأحداث الرئيسة. وفي مقدم ذلك بالطبع شخصية غوستا برلنغ نفسه، ذلك القسيس الشاب الذي بدا للرعية، منذ بداية تسلمه الأبرشية، في "الفورملاند"، غريب الأطوار، ميالاً إلى ممارسة نوع من السحر على النساء اللواتي، إذ يفتنهن جماله وبساطته، يغضضن الطرف عن ميله إلى الشراب وضروب الفسق. وكان يمكن للأمور أن تبقى على تلك الحال لولا أن أعيان الرعية يتأففون من الوضع لينتهي بهم الأمر إلى إبلاغ المطران رغبتهم في التخلص من القسيس الشاب. وإذ يستجيب المطران لذلك الطلب لا يكون منه إلا أن يطرد غوستا برلنغ من الرعية، بل حتى من البلدة كلها، فيهيم المطرود وقد أضحى منبوذاً بأمر من السلطة الكنسية، على وجهه في البراري شريداً مطارداً، حتى اللحظة التي ينضم فيها إلى عصبة من "الفرسان" تطلق على نفسها اسم "فرسان أكباي". ومنذ لحظة اللقاء تختلط حياة غوستا برلنغ بحياة "الفرسان" الذين هم في مجموعهم جنود سابقون يعيشون حياة مغامرات وبوهيمية، وكل واحد منهم يعتقد نفسه فناناً خطراً. وتتزعم هؤلاء جميعاً سيدة يطلقون عليها اسم "المعلمة". الحياة الجديدة مستحيلة وإذ ينضم غوستا برلنغ إلى المجموعة يخيل إليه أنه بدأ هذه المرة حياة هادئة ممتعة مليئة بالمغامرات الآمنة وبالرفاق والشراب وما شابه ذلك، ولكن حتى هنا يبدو أن سوء الحظ يصر على مطاردة القسيس السابق، حيث تتدخل الأقدار لتسوء العلاقات بين الفرسان، ويصل بعضهم إلى حد اتهام "المعلمة" بالزنى، ما يدفع بزوجها إلى طردها فتنطلق هي الأخرى هذه المرة لتعيش حياة تشرد وتسول، بينما يسيطر الفرسان على المكان في صورة كاملة، مطلقين العنان لفسادهم ولا مبالاتهم، فيتوقفون عن استغلال المناجم التي كانت تؤمن لهم رخاء العيش، ويبذرون ما كان تراكم قبلاً من خيرات. أما بالنسبة إلى غوستا برلنغ، فيبدو واضحاً أن لعنة ما حلت عليه هو نفسه الآن بعدما كان اعتاد أن يحمل سوء الطالع إلى الآخرين. وهكذا، يسوء وضعه كما يسوء وضع الفرسان، ويبدأ القوم معاملتهم بغلظة مجبرين إياهم على العودة إلى العمل إن هم أرادوا مواصلة عيشهم. ويتبين أن ما حل بهم، إنما كان بسبب سوء معاملتهم تلك المرأة التي كانت طيبة على الدوام معهم. ويحدث أن تعود "المعلمة" إلى المكان، في اللحظة التي تكون أوضاع الفرسان وصلت إلى الحضيض. تعود لتموت هناك، لكنها قبل موتها تعلن أمامهم أنها سامحتهم على إساءتهم تجاهها. سامحتهم نعم، لكن ذلك لن يعيد الأمور إلى ما كانت عليه من قبل. مختارات على شكل فيلم طبعاً، لم يكن هذا تماماً ما صوره موريتس ستيلر في فيلمه. بل إنه ركز على سرد فصول محدودة من حياة غوستا برلنغ، قبل طرده وبعده، جاعلاً من حياة الفرسان الآخرين ومغامراتهم مجرد إطار لها. من هنا، يركز الفيلم على حكاية هيام "المعلمة" مرغريتا بالقسيس الشاب. وهي إذ تجد صداً منه، وإذ تفيق لديها فجأة ذكريات غرام قاتل مضى في حياتها، تجد نفسها تواقة إلى "التطهر" من كل ذلك، وتحرق البيت فتسجن. وفي النهاية تجد نفسها مضطرة إلى التخلي عن حبها لغوستا برلنغ أمام حب آخر يعيشه هو مع الحسناء إليزابيث المتزوجة أيضاً بشخص بليد لا معنى له. وإليزابيث هذه كانت أغرمت سابقاً بغوستا برلنغ، لكنها لم تعترف لنفسها بذلك الحب. عند ذلك الحد من الحكاية تنضم إليزابيث إلى غوستا برلنغ الذي نجا من الحريق، وتهرب معه إلى الغابات المغطاة بالثلوج، وهناك تبدأ الذئاب الضارية مطاردتهما، لكنهما يتمكنان من الإفلات، ويقرر غوستا برلنغ أن يعيد إليزابيث إلى ديارها وإلى زوجها، ولكن، إذ يصلان إلى المدينة، تكتشف إليزابيث أن ليس في وسعها البقاء مع هنريك، زوجها، أكثر من ذلك. تكتشف أنها لم تعد قادرة على أن تحيا من دون غوستا برلنغ. ويقرر الاثنان البقاء معاً، على رغم كل شيء، أما غوستا فيبدأ بإعادة بناء ما دمره الحريق. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) هرباً من ضجر التدريس إن الفارق في الأحداث بين الفيلم والرواية كبير، غير أن هذا لم يمنع الفيلم من أن يعكس ما تتضمنه الرواية من تركيز على عالم الفولكلور الإسكندنافي ذي الخصوصية: الحب المحرم الذي يقع فيه القسيس، الجولات الصاخبة في الليل الثلجي، حكاية "الفرسان" وما فيها من عناصر مغامرة وبوهيمية... إلى آخره. صحيح أن الفيلم ضيق إطار المكان الذي تدور فيه الأحداث، إذ يحول الحيز المكاني من آفاق الطبيعة الواسعة، إلى أماكن خاصة مغلقة في معظم الأحيان، غير أن روح الانعتاق والعلاقة مع الطبيعة ظلت ماثلة، مما جعل الفيلم يعتبر مثالياً في هذا المجال، وواحداً من أوائل الأفلام الأدبية في تاريخ السينما. أما بالنسبة إلى سلمى لاغرلوف فهي ولدت عام 1858 في مدينة مارباكا في منطقة الفورملاند السويدية التي جعلتها مسرح معظم رواياتها. أما "ملحمة غوستا برلنغ" فكانت رواية أولى، كتبتها ذات لحظة سأم في حياتها، حين كانت بدأ تخوض مهنة التدريس "المضجرة"، وفق ما تقول. وحققت الرواية نجاحاً كبيراً منذ نشرها، وجعلت القراء يقبلون أكثر فأكثر على قراءة هذا النوع من الأدب الذي يمجد العواطف في الوقت نفسه الذي يمجد الطبيعة والعلاقة معها. وعاشت سلمى لاغرلوف حتى عام 1940، وكتبت عشرات النصوص، منها نص عن "القدس" كتبته إثر عام أمضته بين مصر وفلسطين أوائل القرن الـ20. وهي نالت جائزة نوبل للآداب عام 1909 عن كتابها "مثالية شامخة، خيال حي، وتلف روحي"، ومع هذا تظل "ملحمة غوستا برلنغ" أهم أعمالها وأجملها، هي التي عرفت كذلك بمناصرتها حقوق المرأة، ووقوفها إلى جانب السلم وضد الحروب كافة.

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

الشرق الأوسط

timeمنذ 4 أيام

  • الشرق الأوسط

نجيب محفوظ

في خمسينات القرن الماضي، تنبأ سعيد جودة السحار (1909 - 2005) بأن نجيب محفوظ سيفوز بنوبل. ولما فاز بها بعد أكثر من ثلاثين سنة اتصل به السحار، وقال له: أنا أستحق ثلث الجائزة. وأجاب محفوظ: وأنا موافق، ولكن هات لي خطاب موافقة من لجنة الجائزة. وسعيد أديب ومترجم مصري أسس مع أخيه عبد الحميد جودة السحار دار مكتبة مصر، التي نشرت لمحفوظ كل أعماله تقريباً. أما حكاية المطالبة بالثلث، فقد سمعتها من جمال قطب ودونتها في واحدة من مفكراتي الكثيرة التي يخطط زميلنا الصحافي الشاطر اللهلوب سيد محمود لاختطافها. وجمال قطب (1930 - 2016) هو الفنان الذي كان يرسم أغلفة روايات نجيب محفوظ. لم تكن ثلاثية محفوظ الشهيرة سوى رواية طويلة واحدة بعنوان «بين القصرين». كتبها بالحبر الجاف على ورق مخطط، وأخذها إلى مكتب سعيد السحار. مرت سنة ولم ينشرها حتى أصيب صاحبها بالإحباط. ثم صدرت مجلة «الرسالة الجديدة» واتصل رئيس تحريرها يوسف السباعي بمحفوظ يسأله إن كانت تحت يديه حاجة جديدة. وحال نشرها لقيت نجاحاً كبيراً فاقتنع السحار بإصدارها في كتاب، لكن بعد تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء. تحلّ هذا الشهر الذكرى 19 لرحيل الكاتب الفذ. والذكرى تجرّ ذكريات. ففي تلك الأمسية ذاتها في المركز الثقافي المصري في باريس، جادة «السان ميشيل»، قال محمد سلماوي إن أصدقاء محفوظ سألوه عن سبب اختياره سلماوي للسفر وتسلّم نوبل نيابة عنه. وكان سلماوي وقتها رئيساً لتحرير «الأهرام إبدو». وأجاب محفوظ أنها ثلاثة أسباب. أراد أن يمدّ يده بالجائزة لجيل الكتّاب الشباب. وأن يعرف العالم أن الأدب في مصر ليس نجيب محفوظ فحسب. أما السبب الثالث فقد طلب السماح بأن يحتفظ به لنفسه. حضر تلك الأمسية نادرة المتعة جمال الغيطاني (1945 - 2015). وروى أنه كان واقفاً في شارع عبد الخالق ثروت بمواجهة المبنى الجميل للأوبرا، حين رأى نجيب محفوظ للمرة الأولى. لمحه قادماً من ناحية ميدان العتبة. لا يعرف كيف عرفه. ربما استدلّ عليه من صورة منشورة في أحد كتبه. وكان الغيطاني يومها ولداً بحدود الخامسة عشرة، يحمل كتاباً قصصياً لتشيخوف ويحرص على أن يكون الغلاف لجهة الناظر. سار وسلّم على كاتبه المفضل: اسمي فلان الفلاني. أكتب القصة ومعجب برواياتك. فدعاه محفوظ للجلوس معه في كازينو الأوبرا. يا خبر! كازينو؟ كان أبوه يعتبر الجلوس في المقهى فساداً فكيف يذهب إلى مقهى واسمه كازينو كمان؟ لكنه ذهب. وما كان له ألا يذهب. وشاهد العجب. سيدات لبنانيات يدخّن الشيشة في مكان تملكه الراقصة صفية حلمي (1918 - 1981). الملهى فوق والمقهى تحت. من يومها التحق الغيطاني بمحفوظ: صار سرّه معي وسرّي معه. تجوّلنا كثيراً في دروب القاهرة القديمة، وكان يتمهّل أمام بيت سكنته بنت أحبّها في شبابه. لكن المبنى أزيل والأطلال صارت روايات.

شوارع تفتقدُ هويّتها «الأسامي كلام»
شوارع تفتقدُ هويّتها «الأسامي كلام»

عكاظ

time٢٥-٠٧-٢٠٢٥

  • عكاظ

شوارع تفتقدُ هويّتها «الأسامي كلام»

وأنت تجول في شوارع عربية، من الرياض، إلى جدة، إلى القاهرة، وبغداد، ودمشق، وبيروت، وعمّان، وتقرأ أسماء الشوارع التي اختارت لها أمانات وبلديات العواصم أسماء أدباء وكُتّاب ومثقفين، تتلبسك حيرة وتنقدح في الذهن تساؤلات عن فقدان الهويّة الأدبية لهذه الشوارع التي تخلو من رابط بين الاسم والمُسمّى، فتطرق نافذة الذاكرة أغنية السيدة فيروز «أسامينا، شو تعبوا أهالينا تلاقوها، وشو أفتكروا فينا، الأسامي كلام، شو خص الكلام، عينينا هني أسامينا». وفي قلب العاصمة المصرية (القاهرة) وبين أحيائها القديمة والحديثة، تمتد شوارع تحمل أسماء كتّاب وأدباء شكّلوا الوجدان الثقافي العربي، من نجيب محفوظ إلى عباس العقاد، ومن طه حسين إلى يوسف السباعي. غير أن المتجوّل في هذه الشوارع لا يجد سوى بقايا أسماء مطموسة على لافتات بالية، وأنشطة تجارية ومظاهر لا تمتّ للأدب والثقافة بصلة. شارع نجيب محفوظ.. «البطل» الذي غاب عن الحكاية يقع شارع نجيب محفوظ في منطقة مدينة نصر، ويفترض أن يخلّد اسم الأديب المصري الحائز على نوبل، لكن الواقع مختلف تماماً. تنتشر المحال التجارية، ومطاعم الوجبات السريعة، ومكاتب السيارات، في حين يغيب أي أثر بصري أو تذكاري يوحي بأن هذا الشارع يرتبط بصاحب ثلاثية القاهرة. لا مكتبة، ولا جدارية، ولا حتى لوحة تعريفية عن سيرته. شارع عباس العقاد.. من الفكر إلى «الفاست فود» واحد من أطول شوارع مدينة نصر وأكثرها ازدحاماً، يحمل اسم المفكر والأديب الكبير عباس محمود العقاد. ومع ذلك، فإن الشارع اليوم يشتهر بالمقاهي والمطاعم ومحال الملابس والعطور، في مشهد استهلاكي بحت. كثير من المارّة لا يعرفون من هو العقاد، أو لماذا سُمي الشارع باسمه.شارع طه حسين.. لا مكان لـ«الأيام» في حي الزمالك الراقي، يوجد شارع طه حسين، عميد الأدب العربي. ومع أن المكان يحمل طابعاً أكثر هدوءاً، إلا أن النشاطات القائمة فيه لا تختلف كثيراً: مقار شركات سياحية، ومعارض سيارات، ومبانٍ دبلوماسية. لا وجود لرمزية ثقافية حقيقية، أو مركز يحمل اسم طه حسين أو يعرض أعماله. شارع يوسف السباعي.. أدب غائب ومشاهد متناقضة في منطقة الدقي، يُفترض أن يعبّر شارع يوسف السباعي عن حياة كاتب وروائي ترك بصمة في الأدب المصري. غير أن الشارع يعاني من العشوائية المرورية وكثافة المحال والمقاهي، دون أي رابط بالثقافة أو الأدب. شارع «مالئ الدنيا وشاغل الناس» وجبات تنافس المكتبات ربما لم يكن المتنبي في حاجة إلى إطلاق اسمه على شارع في الرياض أو بغداد، فهو مالئ الدنيا وشاغل الناس، وكان ولم يزل منذ أكثر من ألف ومائة عام، وسيظل عنوان قصائد الفخر والرثاء والاعتداد بالذات؛ إلا أنه لو عَلِم بأن تاريخ (أبو الطيّب) سيعبث به تجار الاستهلاك بنشر المطاعم والمقاهي على جنباته لبعث رسائل احتجاجية من العالم الآخر، ولردد مجدداً «وَحالاتُ الزَمانِ عَلَيكَ شَتّى، وَحالُكَ واحِدٌ في كُلِّ حالِ»، ولقسى على أهل هذا الزمان، أكثر من قسوته على كافور الإخشيدي، ولكرر بيته الشهير «جوعان يأكل من زادي ويمسكني، حتى يقال عظيم القدر مقصود». شارع جرير «قُل للطلول سَقى أجواءك المَطَرُ» لو سألنا الشاعر الأموي جرير بن عطية التميمي، عن أهوَل ما مرّ به، وأنساه نقائضه مع الفرزدق والأخطل لقال: الجحود والنكران، من أجيال تردّدُ أشعاري ولا تعرف مكانتي؛ ولاستعاد «أتصْحُو بَل فُؤادُكَ غَيرُ صاحِ، عَشِيَّةَ هَمَّ صَحبُكَ بِالرَواحِ، يَقولُ العاذِلاتُ عَلاكَ شَيبٌ، أَهَذا الشَيبُ يَمنَعُني مِراحي». ولأبدى استياءه من عدم وجود ما يدل عليه في شارع يحمل اسمه، ولعاد لرقدته الطويلة مردداً «ضاقَ الطَريقُ وَعَيَّ الوِردُ وَالصَدَرُ». لماذا تغيب الهوية الثقافية عن شوارع الأدباء؟ يشير عدد من المثقفين إلى أن غياب الرؤية الثقافية ساهم في تفريغ هذه الشوارع من مضمونها الرمزي. نسمّي شارعاً باسم أديب، لكن لا نوظف ذلك بصرياً أو وظيفياً. لا مكتبات، لا معارض، لا ترويج للهوية الثقافية. ولمواجهة هذا الانفصال بين الاسم والمضمون، يطرح عدد من المهتمين بالشأن الثقافي مجموعة من الأفكار التي يمكن أن تُعيد لهذه الشوارع بعضاً من هويتها الأصلية؛ من بينها، تثبيت لافتات تعريفية تشرح بإيجاز سيرة الأديب أو المفكر الذي يحمل الشارع اسمه، بما يمنح المارّة خلفية ثقافية ويحفز الفضول المعرفي. كما يمكن الاستفادة من المساحات العامة عبر إنشاء مكتبات صغيرة أو أكشاك لبيع الكتب، تحمل طابعاً بصرياً متسقاً مع شخصية صاحب الاسم، إلى جانب طلاء جداريات فنية مستوحاة من أعمالهم. ويرى البعض أن إحياء هذه الأسماء لا يقتصر على البنية التحتية فقط، بل يجب أن يمتد إلى الفعاليات. فتنظيم أيام ثقافية أو مهرجانات سنوية تحمل اسم الكاتب أو الأديب، يمكن أن يسهم في إعادة ربط المكان بالرمزية الثقافية. كما يُقترح إشراك طلاب المدارس والجامعات وسكان الأحياء في مبادرات مجتمعية لإحياء الوعي بهذه الشخصيات، من خلال قراءات علنية، ومعارض فنية، ومسابقات أدبية تقام في الأماكن التي تحمل أسماءهم. أخبار ذات صلة

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store