
تدريس الأدب وإشكالية صقل المهارات
لطالما كان الأدب رفيق الإنسان، شاهدًا على تطوّره ونموّه، ورفيقًا ينمو بنمو صانعه، ويَسمُو بعلو شأنه.
فالأدب مجال يزهو بمشاعرنا، وتُكتب حروفه برِقَّة أناملنا، لذا فإنَّ رحلة الحفاظ عليه طويلة وشاقة، لا تختصر بطرقٍ محددة، ولا تُلخَّص بأسلوب واحد. لكل فرعٍ أدبي طريقته وأسلوبه الخاص في الحفاظ على رونقه في أثناء نقله إلى الأجيال اليافعة.
إنَّ الحفاظ على الأدب ليس مهمة سهلة في هذا الزمن المتشعب، المليء بعوامل التشويق وعناصر الجذب والمشتتات الفارغة والملهيات الخاوية.
لذا، نجد أنفسنا اليوم في فترة زمنية حساسة للغاية فيما يتعلق بتدريس الأدب، حيث لا يزال تدريسه بمعزل تام عن التطور الهائل خارج أسوار القاعة الدراسية. بالإضافة إلى ذلك، فهو منفصل تمامًا عن الأدوات والمهارات التي يجب على دارس الأدب صقلها خلال رحلته التعليمية.
هذه المهارات ليست موحدة عبر جميع فروع الأدب، بل تتنوع بتنوعه وجماله.
ولذلك، ينبغي أن تكون أدوات كل توجه أدبي مصقولة بما يتناسب مع احتياجاته؛ فمهارات الرواية تختلف عن الشعر، ومهارات النثر تختلف عن المسرح.
ومن أخطر المشكلات التي تواجه تدريس الأدب غياب الجانب العملي، والاكتفاء بالتلقين والفهم اللحظي غير الدائم، إلا عند قلة من المتعلمين المولعين بالأدب، الذين يحاولون تعزيز هذه العلوم بجهود ذاتية، معتمدين على التجربة والخطأ في رحلتهم.
إعلان
الأدوات البحثية المتخصصة وشُح المصادر الأدبية
من الأخطاء الجسيمة، بل الكارثية، في تدريس الأدب غيابُ المناهج المتخصصة في الأدوات البحثية الأدبية؛ فالطالب يجد نفسه في حالة من التشتت عند محاولة كتابة أي بحث أكاديمي أو ورقة علمية، ما يؤثر في جودة البحث ومنهجيته، بل وحتى على ثقته بقدراته.
إضافة إلى ذلك، تعاني العملية التعليمية من شُح المصادر الأساسية والاعتماد على مصادر ثانوية، بعضها ذو قيمة علمية وبعضها الآخر مبني على أفكار تفتقر للموثوقية. لذا، يجب وضع منهج دراسي متخصص في تطوير الأدوات البحثية الأدبية، ليس منهجًا عامًا وشاملًا، بل منهجًا متعمقًا يركز على فروع الأدب المتعددة، ليكون أداة للطالب وركيزة أساسية في فهم الأدب. إن هذه العشوائية في إدارة تدريس الأدب تؤدي إلى نفور بعض الطلاب من المادة، بل وربما كراهيتها، ما ينعكس سلبًا على تعاطيهم معها.
التعاطي المغلوط في تدريس الرواية والمسرحية
لم تكن الرواية والمسرحية يومًا مجرد قصص يرويها الأستاذ ليطلب من الطلاب فهم حبكتها ومناقشتها في ورقة الامتحان؛ فهذه الأعمال الأدبية تكشف دهاليز النفس البشرية، وتوضح تفاعل الإنسان مع محيطه، كما تشرح كيف تؤثر المعتقدات الدينية والاجتماعية على الفرد، وتُبرز تطور الأفكار في حقب تاريخية معينة.
فعلى سبيل المثال، رواية «أوليفر تويست» لا تقتصر على كونها قصة جميلة، بل تسلط الضوء على الانحطاط الاجتماعي، والجشع، والتسلط، وانعدام الرحمة في المجتمع الإنجليزي خلال القرن التاسع عشر. أما في المسرح، فإن مسرحية «هاملت» تُظهر الصراع النفسي العميق والتردد الذي يؤدي إلى عواقب وخيمة.
لذلك، يجب ألا يُدرَّس الأدب على أنه مجرد سردٍ لأحداث، بل ينبغي أن يُتناول بأسلوب تحليلي يتيح للطلاب استيعاب مفاهيمه بعمق. ويمكن تحقيق ذلك عبر دمج أدوات البحث العلمي الأدبي، وتطبيق مناهج تحليلية تسمح للطالب بابتكار أو تأليف أعمال أدبية تعكس استيعابه للمفاهيم المطروحة.
كما يمكن تعزيز التجربة العملية من خلال تمثيل المسرحيات داخل الجامعات بحضور الأساتذة والطلاب، ما يسهم في تنمية مواهب الطلاب سواء في الكتابة أو الإخراج أو النقد الأدبي.
الأدب هو جوهر المكنون الإنساني، وهو انعكاس لنتاجنا الثقافي، وقيمنا، ومبادئنا، وروح ثقافتنا، وأصالة تاريخنا. لذا، فإن الحفاظ عليه ليس خيارًا، بل واجبًا
تدريس وتعلم الشعر: الإحساس قبل الكمِّ
يُعد تدريس الشعر إشكالية لا يمكن التغاضي عنها، إذ لا يعتمد تعليمه فقط على شرح عناصر القصيدة، بل يجب أن يركز على استشعار معانيها والارتواء بجمالها. لذا، لا يكفي أن يُلقَّن الطالب القصائد ويُحلل عناصرها، بل يجب أن يُدفع إلى التفاعل الحسي معها.
من أهم الأدوات والمهارات التي ينبغي ترسيخها في تدريس الشعر التركيزُ على الإحساس بالنصوص الشعرية؛ فلا يمكن للطالب فهم المعاني العميقة دون تنمية شعوره الداخلي، وجعل الأحرف والصور الشعرية تلامس وجدانه.
على سبيل المثال، يمكن تكليف الطلاب بكتابة قصائد عن موضوعات محددة، كالتحدي والنجاح أو الحرية والاستعباد، ثم يقوم زملاؤهم بتحليل هذه القصائد واستخراج عناصرها الشعرية.
بهذه الطريقة، يتحول المنهج من تلقيني إلى عملي، وهذا مما يُمكّن الطلاب من اكتشاف مواهبهم الشعرية، ويساعدهم على تطبيق ما تعلموه بشكل فعّال.
الأدب هو جوهر المكنون الإنساني، وهو انعكاس لنتاجنا الثقافي، وقيمنا، ومبادئنا، وروح ثقافتنا، وأصالة تاريخنا. لذا، فإن الحفاظ عليه ليس خيارًا، بل واجبًا.
ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال تطوير منهجية علمية أدبية متخصصة تُبنى عليها الجذوع الأدبية، سواء في الرواية، أو المسرح، أو الشعر، أو النثر.
لا بد أن تكون هذه المنهجية متقنة ومُجوَّدة، بحيث تحقق نتائج مرضية، وترسخ الأدب في وجدان الطالب، ليس فقط كمعرفة نظرية، بل كمهارة عملية يستفيد منها مدى الحياة.
فالإدماج الفعّال للطالب في العملية الأدبية لا يهدف فقط إلى اجتيازه للمقرر الدراسي، بل إلى اكتشاف مواهبه، وإخراج جوهرته المكنونة، وتزويده بالأدوات التي تجعله قادرًا على الإبداع والتطوير في المجال الأدبي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

الدستور
منذ 3 دقائق
- الدستور
في عيد الاستقلال... نحن أبناء هذا التراب
تلوّن رايات الأردن سماءنا، وتتعالى الزغاريد وتغمر الشوارع أصوات الفرح، فيتجدد في قلبي شعور لا يمكن اختزاله في كلمات. شعور بالانتماء، بالدفء، وبأنني لم أكن يومًا غريبة على هذه الأرض، بل كنت دومًا منها، ولها. أنا ابنة هذا الوطن. أردنية في القلب والعقل والانتماء. ومسيحية، نعم، لكن في الأردن لم تكن يوماً الطائفة حاجزًا ولا الاختلاف مدعاة للريبة، بل كانت الصلوات باختلاف معابدها ظلالًا لوحدة أعمق. في يوم استقلالنا، لا أحتفل بصفتي أقلية، بل كابنة لهذا البيت الكبير الذي اسمه الأردن. في ساحات الاحتفال، بجانب إخوتي وأحبتي، نرفع علمًا واحدًا وننشد نشيدًا واحدًا. ونحمل حبًا واحدًا لهذا التراب. نشأتُ على أن الوطن ليس مجرد حدود على الخريطة، بل هو دفء العلاقات، وصدق الألفة، وطمأنينة الانتماء. هو أن تمشي في أي شارع وتشعر أنك في بيتك. هو أن تعرف أن لك هنا مكانًا، ليس لأنك «مقبول» بل لأنك «أصيل». لم أسأل يومًا عن ديانة جاري، ولا عن مذهب صديقتي، ولم يسألني أحد. كنا نأكل معًا، نحتفل معًا، ونتقاسم الهمّ والفرح، لأن ما يجمعنا ببساطة أقوى من أي تصنيف. وفي كل عيد فطر أو ميلاد مجيد، كانت تتعانق التهاني كما تتعانق الأرواح. كانت زغاريد العيد تُطلق من النوافذ، لا لتميز بين مناسبة وأخرى، بل لتقول: هذا بيت، وهذه عائلة، وهذا وطن لا يفرّق بين أولاده. عيد الاستقلال بالنسبة لي، ليس يومًا وطنيًا فحسب، بل يوم نُعيد فيه تأكيد الحقيقة التي نشأنا عليها: أن هذا البلد يتسع لنا جميعًا، وأن الوفاء لا يُقاس بالكلمات بل بالفعل، بالمحبة، وبالإيمان العميق بأننا شعب واحد مهما اختلفت تفاصيلنا. اليوم، وأنا أرى وجوه الناس تضيء بالشعور بالفخر، أتذكر لحظات كثيرة شعرت فيها أنني في وطني بكل ما تحمله الكلمة من معنى. في المدرسة، في الكنيسة، في الشارع، في طقوس العيد، في طمأنينة الحياة اليومية... شعرت دومًا أن لي مكانًا لا يُنتزع. مكانًا اسمه الأردن. وفي هذا العيد، أردد مع كل صوت يرتفع بالدعاء: حفظك الله يا أردن، وطنًا ومثالًا. وأدعوه من القلب أن يعمّ السلام أرضك، ويمتد ليشمل كل أرض يعاني فيها إنسان من ألم أو ظلم. فالأردن، الذي هو نموذج في محبة أهله لبعضهم، هو أيضًا صوت محبة ونصرة للآخرين، لا ينكفئ على ذاته، بل يفتح قلبه لكل محتاج، ويمنح السلام من عمق معاناته وتجربته. عيد استقلالنا ليس فقط ذكرى حرية... بل هو مناسبة نستذكر فيها كيف أصبحنا هذا النموذج الفريد، وكيف سنحميه بالمحبة، وبالإيمان العميق بأننا وُجدنا هنا لا لنتجاور فقط، بل لنتكاتف.


روسيا اليوم
منذ 3 دقائق
- روسيا اليوم
مصر.. بيان رسمي حول الانفجار أمام نادي ضباط المنيا
وصرح مصدر أمنى أنه في حوالى الساعة 9,27 مساء اليوم تبلغ من شهود عيان أنه أثناء سير شخصين بشارع كورنيش النيل بدائرة قسم شرطة أول المنيا أحدهما يحمل كيس بداخله أنبوبة بوتاجاز صغيرة إلا أن الأنبوبة انفجرت. وأوضح المصدر الأمني المصري أن انفجار الأسطوانة أدى إلى إصابة حاملها بتهتك شديد باليد ومناطق متفرقة بالجسم كما أصيب الشخص المرافق له بإصابات متوسطة دون حدوث أية إصابات أو تلفيات أخرى. وأشار المصدر أنه تم نقلهما إلى إحدى المستشفيات لتلقى العلاج اللازم، وجارى اتخاذ الإجراءات القانونية واستكمال الفحص والتحري. وكانت الأجهزة فرضت طوقا أمنيا في محيط حادث الانفجار أمام نادي ضباط الشرطة في محافظة المنيا لحين التأكد من أسباب الانفجار.


جريدة المال
منذ 3 دقائق
- جريدة المال
وزير السياحة: الطلب على الساحل الشمالي يتجاوز الطاقة الحالية
قال الدكتور شريف فتحي، وزير السياحة والآثار، إن مصر تشهد طلبًا غير مسبوق على زيارة منطقة الساحل الشمالي، خاصة من دول أوروبا الشرقية وروسيا وكازاخستان. أضاف فتحي خلال لقاء مع الإعلامي خالد ابو بكر في برنامج اخر النهار على فضائية النهار أن هذا الطلب المتزايد تجاوز قدرات مطار العلمين الدولي في بعض أوقات الذروة، ما دفع الوزارة إلى التوصية بتوجيه الرحلات إلى مطاري برج العرب ومرسى مطروح لتخفيف الضغط. وأكد فتحي أن هناك حاجة ملحة لزيادة عدد الفنادق والطاقة الاستيعابية في منطقة الساحل الشمالي، تماشيًا مع الصورة الإيجابية التي تتمتع بها مصر في الأسواق العالمية، ومع الارتفاع الملحوظ في نسب الإشغال وطلبات الحجز. وكشف وزير السياحة عن أن عددًا من الفنادق الجديدة سيتم افتتاحها خلال العام الحالي، في إطار خطة طموحة لرفع الطاقة الفندقية وتوفير خدمات سياحية متكاملة، بما يعزز من قدرة مصر على المنافسة مع الوجهات الدولية الكبرى. وأوضح أن نسب الإشغال في الربع الأول من العام الحالي ارتفعت بنسبة 23% مقارنة بالسنوات الماضية، التي كانت تتراوح فيها نسب النمو بين 5 و6% فقط، وهو ما يدل على تطور حقيقي في القطاع. وأشار إلى أن الأسعار السياحية شهدت كذلك زيادة بمتوسط 30%، نتيجة ارتفاع الطلب وتحسن جودة الخدمات، مضيفًا أن هذه المؤشرات تعكس ثقة الأسواق الخارجية في المقصد السياحي المصري، ونجاح الجهود الحكومية في الترويج والاستثمار في البنية التحتية السياحية.