
بول موران يعود في "جلاد إشبيلية" إلى علاقة نابليون بالنخبة المتنورة في بلاد الجوار
حتى وإن كانت رواية بول موران الأكثر شهرة "الرجل المتعجل" (1941) قد حظيت بشهرة ومقروئية واسعتين في فرنسا، وطن الكاتب، كما في ترجمات أوروبية عديدة لها، كما حولت إلى فيلم من تمثيل آلان ديلون، وحتى إذا كان مارسيل بروست نفسه، قد كتب تقديماً حماسياً لواحدة من أولى المجموعات القصصية التي أصدرها هذا الكاتب باكراً منذ عام 1921، فإن موران لم يكن من الروائيين الفرنسيين الكبار. في أحسن أحواله، كان واحداً من مجموعة كتاب ظهرت في مرحلة ما بين الحربين لتسد فراغاً تصنيفياً، ظهر بين غلاة كتاب اليسار ومتطرفي كتاب اليمين في فرنسا، خلال تلك المرحلة. ويضم إلى جانبه كلاً من روجيه نيمييه وميشال ديون وأنطوان بلوندان وجاك لوران، وهم جميعاً على أية حال من كبار مبدعي الصف الثاني على شاكلة موران. ولكن، في المقابل تميز بول موران (1888 – 1967) بكونه كاتباً رحالة من طراز رفيع، وأيضاً بوصفه دبلوماسياً كبيراً في تاريخ الخارجية الفرنسية، لا سيما حين عين سفيراً لبلاده لدى سويسرا، خلال الحرب العالمية الثانية حين كانت السفارة لدى سويسرا تمثل "كل" الدبلوماسية الفرنسية. والحقيقة أن ثمة عملاً روائياً لموران نتناوله هنا، يمكنه أن يختصر بشكل أو بآخر صفاته الثلاث معاً، كروائي ورحالة ودبلوماسي همه الدفاع عن الفكرة الفرنسية حيثما تدعو الحاجة. وهذا العمل يحمل عنواناً شديد الإسبانية على أية حال هو "جلاد إشبيلية" صدر في عام 1951 ونال مكانة لا بأس بها في مضمار الرواية التاريخية الفرنسية حينذاك.
ازدواجية فرنسية
منذ البداية، قد يمكننا أن نقول إن "جلاد إشبيلية" ليست من الروايات الكبرى حتى في مجالها التاريخي، لكنها في المقابل رواية بالغة الأهمية بالنسبة إلى الرسالة الفكرية، وربما أيضاً السياسية التي تحملها. فهي أولاً وأخيراً تتناول قضية بالغة الأهمية والواقعية، كثيراً ما طرحت من حول الصورة "المزدوجة" التي لفرنسا في الخارج، لا سيما لفرنسا بوصفها دولة كولونيالية– استعمارية. ويمكن اختصار هذا الأمر هنا بتلك "الحيرة" التي تنتج لدى النخب الأكثر تنوراً وعقلانية في البلدان، بل لنقل: في المجتمعات التي يحدث لها في ظروف معينة، أن تقع تحت ربقة احتلال بالتالي، استعمار فرنسي ما، فتجد نخبتها الأكثر التصاقاً عادة بالثقافة الفرنسية والأكثر تجاوباً مع نمط العيش الفرنسي، تجد نفسها أمام حيرة بالغة مزدوجة النظرة، بين تطلع إلى ارتباط منطقي بفرنسا من ناحية ورفض وطني للاستعمار الفرنسي من ناحية أخرى. ولعل في إمكاننا هنا أن نعود بالذاكرة إلى الحملات النابليونية التي اجتاحت بلدانا مثل ألمانيا وإيطاليا وصولاً طبعاً إلى مصر، في خضم "انتصارات" الثورة الفرنسية وتنويريتها التي راقت للنخب في تلك البلدان، لكن هذه الأخيرة تراجعت عن ذلك الموقف ما إن تبين لها أن "التنوير على الطريقة النابليونية" هو استعمار حقيقي وغزو بأكثر مما هو نشر للثقافات العقلانية كما كان كبار نخبويي الإبداع الأوروبي وغير الأوروبي يتوقعون. ولنتذكر هنا مواقف مبدعين من طينة غوته وبيتهوفن... من دون أن ننسى كيف أن ليون تولستوي سيكون في "الحرب والسلام" من أفصح الذين عبروا عن كل ذلك. ولئن كنا نادراً ما طالعتنا مواقف فرنسية واضحة في هذا السياق، وطبعاً قبل انتفاضة المبدعين الجزائريين وعلى خطى جان بول سارتر، ضد الحرب الفرنسية في الجزائر والتي أتت لاحقة جداً، فإن رواية بول موران التي نحن في صددها هنا، تأتي وافية بالغرض في هذا السياق.
بين إسبانيا وفرنسا
لقد أشرنا قبل سطور إلى أن لرواية موران ثلاث صفات كونها تنتمي إلى ما تركه أدب الرحلات على مسار الكاتب الإبداعي وما فرضته عليه اهتماماته الدبلوماسية ولكن خصوصاً مكانة هذه الرواية في المسار الروائي للكاتب، ومن هنا تأتي أهميتها المطلقة في تاريخ هذا الكاتب الذي يبدو في بعض الأحيان منسياً، لكنه سرعان ما يطفو على واجهة الأحداث الأدبية في مناسبات معينة. المهم أن الرواية تدور أحداثها في إسبانيا بدايات القرن الـ19، خلال الحقبة التي غزا فيها نابليون هذا البلد المجاور بقواته، ليعين أخاه جوزيف ملكاً عليه. ونعرف تاريخياً طبعاً أن الإسبان انتفضوا في عام 1808 على ذلك التعيين، كما انتفضوا على الغزو النابليوني. لكن تلك الانتفاضة لم تكن على مزاج كل الإسبانيين، تماماً كما أن الغزو نفسه لم ينل إجماعاً إسبانيا لا تأييداً ولا مناوأة له. فالإسبان كما حال شعوب أوروبية وغير أوروبية كثيرة، كانوا ينظرون إلى المسألة نظرة نسبية تأخذ في حسبانها وعود الثورة الفرنسية ومنجزات العقلانية الفرنسية. وتفيدنا رواية موران بأن الأمر كله قد أحدث شروخاً بل تمزقات حتى داخل عائلات ومجتمعات واحدة لا سيما، في الرواية، في وسط عائلة أرستقراطية من إشبيلية هي عائلة الدون لويس الذي لتأييده الفرنسيين انطلاقاً من انتمائه إلى ثقافتهم، وجد نفسه يفر مع زوجته ماريسول إلى مدريد، كي يفلت من انتقام أحس أن الوطنيين المنتصرين في مدينته يتوعدونه به. وهناك في العاصمة نراه يحضر مؤيداً، تتويج جوزيف بونابرت ملكاً على إسبانيا. وفي غمرة ذلك التأييد يوافق الدون لويس على خدمة الملك الجديد بل ينضم إلى حاشيته ويرافقه إلى منطقة فكتوريا في بلاد الباسك، مرحباً هناك بوصول جيوش نابليون التي أتت لمقاومة الانتفاضة الإسبانية وتوطيد السيطرة الفرنسية على هذا البلد. وهنا في وسط زخم تلك الأحداث السياسية وإذ بتدخل الإنجليز لتبديل ما استجد من أوضاع، تترك ماريسول الدون لويس عائدة بغضب إلى إشبيلية، حيث يكون الإنجليز قد طردوا الفرنسيين وسيطروا على الإسبان الذين يفترض أن يكونوا حلفاءهم الآن. ولكن في وقت كان فيه الدون لويس يسعى إلى الانضمام إلى زوجته تختفي هذه بطريقة غامضة.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دلالات سياسية
من الناحية الروائية، يكاد يكون ما اختصرناه أعلاه في عدد محدود من العبارات، كل ما يحدث في الرواية بالنسبة إلى المسار العائلي الذي يتوخى بول موران التعبير عنه، لتوصيف ردود الفعل "المحلية" الإسبانية تجاه الحراك الفرنسي، الذي ينظر إليه، كما في الواقع التاريخي، تلك النظرة المزدوجة. غير أن المهم هنا هو ذلك التوصيف السياسي المستند إلى التاريخ الواقعي الذي جعل همه تصوير تلك النظرة، التي ربما من خلال هذه الرواية مثلاً ومن خلال رصد بول موران لدلالاتها السياسية، حيث يمكننا ليس فحسب، وعلى سبيل المثال، أن نفهم ما لم يبدُ واضحاً تماماً في حوارات "الحرب والسلام"، بصدد الموقف من فرنسا، الذي عبر عنه تولستوي في تلك الرواية الكبيرة كتمزق روسي بين تعاطف مع الفكرة الفرنسية والممارسات النابليونية، واستطراداً أن نفهم تماماً اندفاع مبدع ألماني كبير كبيتهوفن ممزقاً نوطات كونشرتو كان يكتبه لتمجيد نابليون، ما إن وصلت جيوش هذا الأخير غازية الأرض الألمانية. فهنا في "جلاد إشبيلية" ومن دون أن يتخلى عن فرنسيته ومن دون أن يلقي بأية لائمة على أولئك الذين قاوموا نابليون، ولكن من دون أن يجعل من الدون لويس نفسه موضع ملامة أو عتاب حتى، ها هو الكاتب الفرنسي الدبلوماسي الذي يعرف إسبانيا معرفة جيدة كرحالة راصد حاد النظرة، ها هو يمجد الذهنية الإسبانية بصرف النظر عن نظرتها إلى الجيران الفرنسيين، مركزاً على سمو تلك النظرة، غير ناس أن إسبانيا هي في تاريخها الخاص أرض التناقضات لا سيما انطلاقاً من كون شعبها محتلاً من قبل شعوب أخرى، إسبانيا المسلمة، ومحتلاً لمناطق لها تاريخها هي الأخرى، احتلال إسبانيا قبل قرون أميركا الجنوبية، وهو ما يوفر لهذا الدبلوماسي ذي النزعة التحليلية الإنسانية وذي الاهتمام البادي بسيكولوجيا الشعوب، فرصة طيبة للغوص في تحليل الذهنية الإسبانية التي كان كثيراً ما يقول عنها، وفي مناسبات عديدة إنها واحدة من أكثر الذهنيات تعقيداً وتركيباً في أوروبا... وهو عبر عن ذلك بجملة فائقة الأهمية يضعها في واحد من فصول الرواية على لسان ابن عم للدون لويس، مناوئ للفرنسيين، إذ يقول بوضوح "إنني أفضل أن أرى في موطني بيرقاً يحمل هلال المسلمين على أن أرى علماً فرنسياً...".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ يوم واحد
- Independent عربية
بول موران يعود في "جلاد إشبيلية" إلى علاقة نابليون بالنخبة المتنورة في بلاد الجوار
حتى وإن كانت رواية بول موران الأكثر شهرة "الرجل المتعجل" (1941) قد حظيت بشهرة ومقروئية واسعتين في فرنسا، وطن الكاتب، كما في ترجمات أوروبية عديدة لها، كما حولت إلى فيلم من تمثيل آلان ديلون، وحتى إذا كان مارسيل بروست نفسه، قد كتب تقديماً حماسياً لواحدة من أولى المجموعات القصصية التي أصدرها هذا الكاتب باكراً منذ عام 1921، فإن موران لم يكن من الروائيين الفرنسيين الكبار. في أحسن أحواله، كان واحداً من مجموعة كتاب ظهرت في مرحلة ما بين الحربين لتسد فراغاً تصنيفياً، ظهر بين غلاة كتاب اليسار ومتطرفي كتاب اليمين في فرنسا، خلال تلك المرحلة. ويضم إلى جانبه كلاً من روجيه نيمييه وميشال ديون وأنطوان بلوندان وجاك لوران، وهم جميعاً على أية حال من كبار مبدعي الصف الثاني على شاكلة موران. ولكن، في المقابل تميز بول موران (1888 – 1967) بكونه كاتباً رحالة من طراز رفيع، وأيضاً بوصفه دبلوماسياً كبيراً في تاريخ الخارجية الفرنسية، لا سيما حين عين سفيراً لبلاده لدى سويسرا، خلال الحرب العالمية الثانية حين كانت السفارة لدى سويسرا تمثل "كل" الدبلوماسية الفرنسية. والحقيقة أن ثمة عملاً روائياً لموران نتناوله هنا، يمكنه أن يختصر بشكل أو بآخر صفاته الثلاث معاً، كروائي ورحالة ودبلوماسي همه الدفاع عن الفكرة الفرنسية حيثما تدعو الحاجة. وهذا العمل يحمل عنواناً شديد الإسبانية على أية حال هو "جلاد إشبيلية" صدر في عام 1951 ونال مكانة لا بأس بها في مضمار الرواية التاريخية الفرنسية حينذاك. ازدواجية فرنسية منذ البداية، قد يمكننا أن نقول إن "جلاد إشبيلية" ليست من الروايات الكبرى حتى في مجالها التاريخي، لكنها في المقابل رواية بالغة الأهمية بالنسبة إلى الرسالة الفكرية، وربما أيضاً السياسية التي تحملها. فهي أولاً وأخيراً تتناول قضية بالغة الأهمية والواقعية، كثيراً ما طرحت من حول الصورة "المزدوجة" التي لفرنسا في الخارج، لا سيما لفرنسا بوصفها دولة كولونيالية– استعمارية. ويمكن اختصار هذا الأمر هنا بتلك "الحيرة" التي تنتج لدى النخب الأكثر تنوراً وعقلانية في البلدان، بل لنقل: في المجتمعات التي يحدث لها في ظروف معينة، أن تقع تحت ربقة احتلال بالتالي، استعمار فرنسي ما، فتجد نخبتها الأكثر التصاقاً عادة بالثقافة الفرنسية والأكثر تجاوباً مع نمط العيش الفرنسي، تجد نفسها أمام حيرة بالغة مزدوجة النظرة، بين تطلع إلى ارتباط منطقي بفرنسا من ناحية ورفض وطني للاستعمار الفرنسي من ناحية أخرى. ولعل في إمكاننا هنا أن نعود بالذاكرة إلى الحملات النابليونية التي اجتاحت بلدانا مثل ألمانيا وإيطاليا وصولاً طبعاً إلى مصر، في خضم "انتصارات" الثورة الفرنسية وتنويريتها التي راقت للنخب في تلك البلدان، لكن هذه الأخيرة تراجعت عن ذلك الموقف ما إن تبين لها أن "التنوير على الطريقة النابليونية" هو استعمار حقيقي وغزو بأكثر مما هو نشر للثقافات العقلانية كما كان كبار نخبويي الإبداع الأوروبي وغير الأوروبي يتوقعون. ولنتذكر هنا مواقف مبدعين من طينة غوته وبيتهوفن... من دون أن ننسى كيف أن ليون تولستوي سيكون في "الحرب والسلام" من أفصح الذين عبروا عن كل ذلك. ولئن كنا نادراً ما طالعتنا مواقف فرنسية واضحة في هذا السياق، وطبعاً قبل انتفاضة المبدعين الجزائريين وعلى خطى جان بول سارتر، ضد الحرب الفرنسية في الجزائر والتي أتت لاحقة جداً، فإن رواية بول موران التي نحن في صددها هنا، تأتي وافية بالغرض في هذا السياق. بين إسبانيا وفرنسا لقد أشرنا قبل سطور إلى أن لرواية موران ثلاث صفات كونها تنتمي إلى ما تركه أدب الرحلات على مسار الكاتب الإبداعي وما فرضته عليه اهتماماته الدبلوماسية ولكن خصوصاً مكانة هذه الرواية في المسار الروائي للكاتب، ومن هنا تأتي أهميتها المطلقة في تاريخ هذا الكاتب الذي يبدو في بعض الأحيان منسياً، لكنه سرعان ما يطفو على واجهة الأحداث الأدبية في مناسبات معينة. المهم أن الرواية تدور أحداثها في إسبانيا بدايات القرن الـ19، خلال الحقبة التي غزا فيها نابليون هذا البلد المجاور بقواته، ليعين أخاه جوزيف ملكاً عليه. ونعرف تاريخياً طبعاً أن الإسبان انتفضوا في عام 1808 على ذلك التعيين، كما انتفضوا على الغزو النابليوني. لكن تلك الانتفاضة لم تكن على مزاج كل الإسبانيين، تماماً كما أن الغزو نفسه لم ينل إجماعاً إسبانيا لا تأييداً ولا مناوأة له. فالإسبان كما حال شعوب أوروبية وغير أوروبية كثيرة، كانوا ينظرون إلى المسألة نظرة نسبية تأخذ في حسبانها وعود الثورة الفرنسية ومنجزات العقلانية الفرنسية. وتفيدنا رواية موران بأن الأمر كله قد أحدث شروخاً بل تمزقات حتى داخل عائلات ومجتمعات واحدة لا سيما، في الرواية، في وسط عائلة أرستقراطية من إشبيلية هي عائلة الدون لويس الذي لتأييده الفرنسيين انطلاقاً من انتمائه إلى ثقافتهم، وجد نفسه يفر مع زوجته ماريسول إلى مدريد، كي يفلت من انتقام أحس أن الوطنيين المنتصرين في مدينته يتوعدونه به. وهناك في العاصمة نراه يحضر مؤيداً، تتويج جوزيف بونابرت ملكاً على إسبانيا. وفي غمرة ذلك التأييد يوافق الدون لويس على خدمة الملك الجديد بل ينضم إلى حاشيته ويرافقه إلى منطقة فكتوريا في بلاد الباسك، مرحباً هناك بوصول جيوش نابليون التي أتت لمقاومة الانتفاضة الإسبانية وتوطيد السيطرة الفرنسية على هذا البلد. وهنا في وسط زخم تلك الأحداث السياسية وإذ بتدخل الإنجليز لتبديل ما استجد من أوضاع، تترك ماريسول الدون لويس عائدة بغضب إلى إشبيلية، حيث يكون الإنجليز قد طردوا الفرنسيين وسيطروا على الإسبان الذين يفترض أن يكونوا حلفاءهم الآن. ولكن في وقت كان فيه الدون لويس يسعى إلى الانضمام إلى زوجته تختفي هذه بطريقة غامضة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) دلالات سياسية من الناحية الروائية، يكاد يكون ما اختصرناه أعلاه في عدد محدود من العبارات، كل ما يحدث في الرواية بالنسبة إلى المسار العائلي الذي يتوخى بول موران التعبير عنه، لتوصيف ردود الفعل "المحلية" الإسبانية تجاه الحراك الفرنسي، الذي ينظر إليه، كما في الواقع التاريخي، تلك النظرة المزدوجة. غير أن المهم هنا هو ذلك التوصيف السياسي المستند إلى التاريخ الواقعي الذي جعل همه تصوير تلك النظرة، التي ربما من خلال هذه الرواية مثلاً ومن خلال رصد بول موران لدلالاتها السياسية، حيث يمكننا ليس فحسب، وعلى سبيل المثال، أن نفهم ما لم يبدُ واضحاً تماماً في حوارات "الحرب والسلام"، بصدد الموقف من فرنسا، الذي عبر عنه تولستوي في تلك الرواية الكبيرة كتمزق روسي بين تعاطف مع الفكرة الفرنسية والممارسات النابليونية، واستطراداً أن نفهم تماماً اندفاع مبدع ألماني كبير كبيتهوفن ممزقاً نوطات كونشرتو كان يكتبه لتمجيد نابليون، ما إن وصلت جيوش هذا الأخير غازية الأرض الألمانية. فهنا في "جلاد إشبيلية" ومن دون أن يتخلى عن فرنسيته ومن دون أن يلقي بأية لائمة على أولئك الذين قاوموا نابليون، ولكن من دون أن يجعل من الدون لويس نفسه موضع ملامة أو عتاب حتى، ها هو الكاتب الفرنسي الدبلوماسي الذي يعرف إسبانيا معرفة جيدة كرحالة راصد حاد النظرة، ها هو يمجد الذهنية الإسبانية بصرف النظر عن نظرتها إلى الجيران الفرنسيين، مركزاً على سمو تلك النظرة، غير ناس أن إسبانيا هي في تاريخها الخاص أرض التناقضات لا سيما انطلاقاً من كون شعبها محتلاً من قبل شعوب أخرى، إسبانيا المسلمة، ومحتلاً لمناطق لها تاريخها هي الأخرى، احتلال إسبانيا قبل قرون أميركا الجنوبية، وهو ما يوفر لهذا الدبلوماسي ذي النزعة التحليلية الإنسانية وذي الاهتمام البادي بسيكولوجيا الشعوب، فرصة طيبة للغوص في تحليل الذهنية الإسبانية التي كان كثيراً ما يقول عنها، وفي مناسبات عديدة إنها واحدة من أكثر الذهنيات تعقيداً وتركيباً في أوروبا... وهو عبر عن ذلك بجملة فائقة الأهمية يضعها في واحد من فصول الرواية على لسان ابن عم للدون لويس، مناوئ للفرنسيين، إذ يقول بوضوح "إنني أفضل أن أرى في موطني بيرقاً يحمل هلال المسلمين على أن أرى علماً فرنسياً...".


الشرق الأوسط
منذ 4 أيام
- الشرق الأوسط
«قطار الأطفال»... رحلة إنسانية إلى الزمن السينمائي الجميل
يحار المايسترو أي حذاءٍ ينتعل قبل الوقوف على الخشبة لقيادة الأوركسترا. ولكن قبل الحذاء، عليه أن يردّ على اتّصالٍ من والدته ينبئه بوفاة والدته! نعم، للمايسترو والدتان ستتّضح هويّتاهما وقصتاهما لاحقاً. بهذا المشهد الذي يدور عام 1994، ينطلق فيلم «قطار الأطفال» (The Children's Train) على «نتفليكس». وما إن يقف المايسترو على المسرح حاملاً كمانَه أمام الحضور والعازفين، حتى تبدأ رجعة زمنيّة طويلة تروي حكاية «أميريغو سبيرانزا» المستوحاة من أحداث حقيقية، والمقتبسة عن رواية صدرت عام 2019 للكاتبة فيولا أردوني. وإذا كانت شخصية سبيرانزا متخيّلة، فإنّ القصة بتفاصيلها التاريخية والاجتماعية مستقاة من أرض الواقع. الفيلم الإيطالي يأخذ مشاهديه إلى الفترة الممتدّة ما بين 1944 و1946، أي إلى نهايات الحرب العالمية الثانية. كان سبيرانزا في الثامنة من عمره، يتعلّم العمليات الحسابية من خلال عدّ أحذية المارّة، بينما قدماه حافيتان. عصفت الحرب بمجاعتها وظلمها ودمارها بالجنوب الإيطاليّ، فتحوّل أطفال نابولي إلى متسوّلين يأكلون القطط إن جاعوا، ويلعبون وسط الركام، ويجمعون الخرق البالية لمساعدة أهلهم في المصروف. وسط هذه المأساة، تجد والدة أميريغو، «أنطونييتا»، نفسها عاجزة عن تأمين الطعام والرداء والتعليم لابنها الذي خسرت قبله ولداً. الأبُ سافر ولم يعد، فاضطرّت أنطونييتا للقيام بأي شيء من أجل سدّ جوع طفلها. ملصق الفيلم الإيطالي «قطار الأطفال» (نتفليكس) في تلك الأثناء، ينشط الحزب الشيوعي الإيطالي في مجال الاهتمام بضحايا الحرب. من بين مبادراته: «قطار السعادة» الذي يقلّ أطفالاً من الجنوب إلى الشمال، للمكوث لدى عائلاتٍ باستطاعتها أن تؤمّن لهم حياة لائقة، لبضعة أشهر على الأقلّ. بين أقاويل الجيران الذين يصرّون على أنّ «القطار الشيوعيّ» يأخذ الأطفال إلى المحارق وقطع الرؤوس في سيبيريا، وبين نصائح مسؤولي الحزب بضَمّ أميريغو إلى الرحلة، تقع أنطونييتا في الحيرة. غير أنّ قسوة الفقر والجوع لا تترك أمامها خياراً سوى إرساله. مثله مثل 70 ألف طفل آخر، ينسلخ أميريغو عن والدته التي تتسلّح بالقسوة كي يسهل عليها التخلّي. أرغمت الحرب العالمية الثانية عدداً من الإيطاليين على التخلِّي عن أطفالهم من أجل تجنيبهم الجوع (نتفليكس) ثمّة سحرٌ ما في الأفلام الإيطالية؛ خصوصاً تلك التي تروي التاريخ. فكيف إذا كان أبطال الفيلم أطفالاً يركبون قطاراً يعبر الطبيعة الإيطالية الخلّابة، آخذاً إياهم إلى مصيرٍ مجهول؟ ليس «قطار الأطفال» من صنف الأفلام التي تضيّع وقت المُشاهد. فقد أتقنت المخرجة كريستينا كومنشيني مهمتها، ساردة حقبة لا يعرفها كثيرون عن تاريخ إيطاليا، من دون أن تغفل عن التفاصيل الإنسانية. وما يساعدها في إيصال الرسالة، السيناريو البسيط والسلس، إضافة إلى أداءٍ مميّز للممثّلين، ولا سيما الصغار منهم، وعلى رأسهم كريستيان تشيرفوني بشخصية أميريغو. يقدِّم الطفل كريستيان تشيرفوني أداءً مميَّزاً بشخصية أميريغو سبيرانزا (نتفليكس) على متن القطار، لا ثياب بالية على الأجساد الصغيرة الهزيلة؛ بل ملابس دافئة ومعاطف، ولا أقدام حافية هنا. يرفض أميريغو خلع حذائه الجديد، رغم مقاسه الضيّق، حتى خلال النوم. مع ذلك، فإنّ الأطفال قلقون ويعبّرون صراخاً وتمرّداً. ولكن في المحطة الشمالية؛ حيث يستقبلهم أهالي مودينا ومسؤولو الحزب بعطفٍ كبير، وبطعامٍ لم يتذوّقوا مثله من قبل، تبدأ النفوس في الهدوء، ويخفت الشكّ بأنّ المصير هو المحرقة. يجد كل ولدٍ عائلة باستثناء أميريغو الذي عليه الاكتفاء بشابّة من أعضاء الحزب حاضنةً موقّتة. لا علاقة لها بالأمومة، وشخصيّتها القاسية لا توحي بأنها قادرة على الاعتناء بطفل. ولكن سرعان ما يذوب جليدها أمام طيبة أميريغو وعاطفته البريئة. يجد في «ديرنا» وعائلة شقيقها دفئاً حُرم منه. تكتمل طفولته وسطهم؛ حيث يأكل حتى الشبع، ويذهب إلى المدرسة، ويتلقّى دروس العزف على الكمان على يدَي شقيقها. لا يخلو الأمر من مواقف يواجه فيها التنمّر من أترابه، بينما الشوق إلى والدته لا يفارقه، وينتظر مرور أشهر الشتاء حتى يعود إلى نابولي. ديرنا... الناشطة الحزبية التي اكتشفت أمومتها مع أميريغو (نتفليكس) ينجح الفيلم في تقديم المشهد الاجتماعي الإيطالي في تلك الآونة بكل تفاصيله. التفاوت بين أهل الجنوب والشمال في إيطاليا لناحية انعكاسات الحرب على كلٍّ من المنطقتَين، والنظرة إلى الحركات السياسية التي نمَت على ضفاف الحرب كالفاشيّة والشيوعيّة، والتماسك الوطني الذي دفع الشماليين إلى احتضان الجنوبيين. تتوطّد العلاقة بين ديرنا وأميريغو، وتشغّل المخرجة عدستها والحوار هنا من أجل إظهار وجهَين للأمومة سادا في إيطاليا آنذاك. مشاعر الطفل متأرجحة بين أمَّين: الأولى التي أنجبته ورعته قدر ما استطاعت ثم اضطرّت للتخلّي عنه كي لا يجوع ويتشرّد، والثانية التي اكتشفت أمومتها من خلاله فحضنته ومنحته العاطفة والأمان. إلى أن تواجه ديرنا الامتحان ذاته الذي كان على أنطونييتا مواجهته. انتهى الشتاء وعلى أميريغو العودة إلى والدته. تودّعه بالدموع والطعام والكمان الذي صنعه له شقيقها في عيد ميلاده. ولكن في نابولي، يجد الطفل نفسه على موعدٍ مع القسوة والحرمان من جديد. يتعامل الفيلم بسلاسة مع إشكاليَّة الأم البيولوجية والأم الحاضنة (نتفليكس) ستعبر سنواتٌ خمسون قبل أن يستوعب أميريغو القرار الصعب الذي كان على والدته البيولوجيّة أن تتخذه. سنواتٌ لا يدخل الفيلم في تفاصيلها؛ بل يكتفي بالقليل عن أميريغو المايسترو الخمسينيّ، مركّزاً على السنتَين اللتَين أخذتاه من نابولي إلى مودينا في الثامنة من عمره. قد يشعر المُشاهد بأنّ ثمة عناصر ناقصة في الحكاية، وبأنه يرغب في معرفة مزيد عن سيرة أميريغو الفنية، وكيف تطوّرت علاقته بوالدتَيه. ولكن تلك الثغرات لا تُفرغ «قطار الأطفال» من معانيه العميقة، بدليل أنّ الفيلم نال إجماعاً إيجابياً من النقّاد وتقييماتٍ جماهيرية عالية.


رواتب السعودية
١٩-٠٥-٢٠٢٥
- رواتب السعودية
أغنية هايل هيتلر لكانييه ويست تحقق ملايين المشاهدات
نشر في: 19 مايو، 2025 - بواسطة: خالد العلي حققت أغنية هايل هيتلر للمغني الأمريكي كانييه ويست نجاحاً مبهراً حيث وصلت للملايين من المشاهدات على منصة «إكس» المملوكة لإيلون ماسك منذ إصدارها في 8 مايو (أيار)، رغم حظر الأغنية من منصات رئيسية أخرى مثل «يوتيوب». وأطلق المغني سلسلة تصريحات اعتُبرت معادية للسامية ومؤيدة للنازية في السنوات الأخيرة. وحقق المقطع الذي نشر في ذكرى انتهاء الحرب العالمية الثانية، ما يقرب من 10 ملايين مشاهدة حتى اليوم (الأحد). وتظهر في الأغنية مجموعة من الأميركيين السود يرتدون جلود الحيوانات ويرددون عنوان الأغنية الذي يحيي أدولف هتلر، مهندس إبادة نحو ستة ملايين يهودي في أوروبا بين عامي 1933 و1945. وتنتهي الأغنية بخطاب ألقاه الديكتاتور النازي. الرجاء تلخيص المقال التالى الى 50 كلمة فقط حققت أغنية هايل هيتلر للمغني الأمريكي كانييه ويست نجاحاً مبهراً حيث وصلت للملايين من المشاهدات على منصة «إكس» المملوكة لإيلون ماسك منذ إصدارها في 8 مايو (أيار)، رغم حظر الأغنية من منصات رئيسية أخرى مثل «يوتيوب». وأطلق المغني سلسلة تصريحات اعتُبرت معادية للسامية ومؤيدة للنازية في السنوات الأخيرة. وحقق المقطع الذي نشر في ذكرى انتهاء الحرب العالمية الثانية، ما يقرب من 10 ملايين مشاهدة حتى اليوم (الأحد). وتظهر في الأغنية مجموعة من الأميركيين السود يرتدون جلود الحيوانات ويرددون عنوان الأغنية الذي يحيي أدولف هتلر، مهندس إبادة نحو ستة ملايين يهودي في أوروبا بين عامي 1933 و1945. وتنتهي الأغنية بخطاب ألقاه الديكتاتور النازي. المصدر: صدى