
في رحاب قلعة أربيل.. قصة 73 عاما من حفظ الأصالة الموسيقية في وجه التحديث
في أعماق قلعة أربيل التاريخية، التي تعد صرحا شامخا ومدرجا على قائمة التراث العالمي لليونسكو، تتوارى كنوز ليست مرئية بالعين، بل مسموعة بالأذن.
إنها أقدم التسجيلات الصوتية في المحافظة وإقليم كردستان، محفوظة بعناية فائقة داخل محل تسجيلات ناز (سابقا) أرشيف الموسيقى الكردستانية (حاليا)، والذي يحتفل هذا العام بمرور 73 عاما على تأسيسه، ليقف شاهدا حيا على تطور صناعة الموسيقى في العراق.
رحلة عبر الزمن: من الأسطوانات إلى الأقراص المدمجة
يعد أرشيف الموسيقى الكردستانية أكثر من مجرد متجر، إنه مؤسسة ثقافية عريقة تسرد حكاية شغف وتفان في الحفاظ على التراث الفني.
يقول أمجد قصاب، صاحب المحل وابن شقيقة مؤسسه عبد اللطيف شخمخشي، للجزيرة نت إن البدايات تعود إلى عام 1952. ومنذ ذلك الحين، واكب المحل جميع التطورات في عالم التسجيلات الصوتية.
"لقد شهدنا كل مرحلة من مراحل تطور التسجيلات، بدءا من الأسطوانات القديمة التي تعود إلى عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، مرورا بالبكرات التي ظهرت في الخمسينيات، ثم الكاسيت في عام 1969، وصولا إلى الأقراص المدمجة (CD) في عام 2000″، يقول قصاب، الذي تسلم إدارة المحل في عام 1976.
وعلى الرغم من مواكبة التكنولوجيا، يشدد قصاب على أن جوهر المحل الأصيل ظل كما هو: "أكبر تحد واجهته على مر السنين هو المحافظة على هذا التراث".
ورغم عدم امتلاكه لصور وثائقية قديمة، فقد حرص على حفظ الأرشيف الغني للمحل، والذي يضم أعمال فنانين عرب وأكراد بارزين مثل يوسف عمر، والقبنجي، وشهاب حسن خود.
يأتي زبائن المحل من جميع المحافظات العراقية، سيما المحافظات الجنوبية والمناطق الكردية، مما يؤكد على مكانته كمركز ثقافي جامع.
ويؤكد قصاب أن المحل أسهم على مدار عقود في "تعريف سكان أربيل بكل ثقافات الشعوب من الفن والغناء"، كما كان محط جذب لمحبي الموسيقى وأسهم في اكتشاف ومساعدة فنانين على الوصول إلى الشهرة، مثل الفنانين ريبر حيدر ورشوان شيخاني وغيرهم.
دعوة لحماية التراث الفني من "التشويه"
مع التطور التكنولوجي المتسارع، يطرح مدير معهد الفنون الجميلة في أربيل، زيرك أمين، رؤيته حول العلاقة بين الشباب والتراث الفني القديم.
وأشار أمين خلال حديثه للجزيرة نت إلى أن التكنولوجيا الحديثة تحمل في طياتها جوانب إيجابية وسلبية فيما يتعلق بالحفاظ على هذا الإرث الثقافي.
وأضاف أن عددا كبيرا من الشباب يستمعون إلى الأغاني الفولكلورية والتراثية عبر التقنيات الحديثة، لكنه يحذر بشدة من ممارسات "الريميكس" التي تغير من جوهر الأغنية الأصلية. "السلبية تكمن في تغيير نكهة وحس الأغنية عن طريق إدخال آلات جديدة وتأثيرات أو إيقاعات حديثة، مما يؤثر سلبا على الطعم الأصيل للتسجيل القديم وصوت المغني الأصلي، فهذا يدمر الأغنية ويغير أسلوبها".
وفي نصيحة للشباب المتحمس لاستخدام التكنولوجيا في التراث، يؤكد أمين: "إذا أردت إحياء التراث بشكل جميل أو بطريقة جديدة، يجب أن تأخذ الأغنية وتعيد توزيعها وتأليفها من جديد بشكل كامل".
وعلى الرغم من مخاوفه، يعرب أمين عن سعادته برؤية الشباب في أماكن الموسيقى الحية يطلبون الأغاني القديمة، مما يعكس اهتماما بالتراث، داعيا إلى ضرورة أن تتحمل المؤسسات الحكومية مسؤولية الحفاظ على هذا الإرث.
وشدد على الحاجة الملحة لإنشاء مكتبات وطنية متخصصة لحفظ التراث العراقي والكردي. يعبر عن أسفه لعدم وجود مثل هذه المؤسسات في العراق أو إقليم كردستان، مما يفتح الباب أمام سرقة الألحان الكردية والعراقية من قبل دول أخرى ونسبتها لنفسها، مشيرا إلى غياب قوانين حقوق الملكية الفكرية في البرلمان العراقي لحماية هذا التراث.
سحر الماضي في أذن الحاضر
يعكس المواطن مصعب غازي، أحد محبي الموسيقى القديمة، الأسباب الجوهرية لتفضيله للأغاني القديمة، أبرزها اللحن الأصيل والكلمات المعبرة التي كانت سمة بارزة لتلك الحقبة.
يقول غازي للجزيرة نت إن "الأغاني الصاخبة في الوقت الحاضر لا ترقى إلى مستوى الطرب الأصيل القديم"، مشيرا إلى الفارق الكبير في المحتوى الفني والعمق العاطفي بينهما.
ويشدد على ضرورة تحقيق التوازن بين الفن القديم والحديث، مؤكدا أنه "إذا أردنا الموازنة بين القديم والحديث، فيجب علينا أن نحافظ على القديم ونطور الجديد".
بدوره، يؤكد المواطن الكردي سيدار شنكالي أن الشباب الكردي يولي اهتماما كبيرا للتراث والفن القديم، لما يحملانه من قيمة جمالية عميقة.
يقول شنكالي للجزيرة نت إن الفن القديم "يعبر عن تاريخنا وماضينا الجميل"، مشيرا إلى أن الماضي كان أجمل مقارنة بالحاضر. ويعزو ذلك إلى قلة الأجهزة وعدم وجود التكنولوجيا في السابق، مما أضفى على تلك الفترة طابعا هادئا وجميلا.
ويضيف: "كانت الموسيقى هادئة والأغاني رقيقة، تعبر عن فن وتراث الأكراد بأجمل ما يكون".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟
عن السينما يحتدم الجدل في أوساط صناعة السينما العالمية حول أفضلية التصوير في الأماكن الحقيقية مقابل بناء مجسمات داخل الاستوديوهات، وهو نقاش يكشف عن تعقيدات فنية واقتصادية ولوجستية تؤثر على كل إنتاج سينمائي. اقرأ المزيد المصدر: الجزيرة


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
ميسلون فاخر.. روائية عراقية تُنقّب عن الهوية في عوالم الغربة والخذلان
تشهد الحركة الأدبية العراقية زخما واسعا، إذ تتنوع الهموم المجتمعية التي يواجهها المواطن العراقي، وكان من الطبيعي أن يعالج الأدباء هذه الاهتمامات والشواغل، قبل أن تضاف إليها تبعات جديدة مرتبطة بالهجرة، حتى بات قدر العربي -في محيطه العربي والغربي- أن يواجه ابتلاءات كقطع الليل المظلم. لذلك تنوع المشروع الروائي للكاتبة العراقية ميسلون فاخر، واتسع الأفق السردي الذي تشتغل عليه وتضبط إيقاعه. و"ميسلون فاخر"، كاتبة وروائية عراقية، تنتمي إلى جيل الأدباء الذين تشكلت تجاربهم في ظل التحولات العاصفة التي شهدها العراق والمنطقة العربية خلال العقود الأخيرة. اشتغلت على مشروع روائي يتناول قضايا الهجرة والمنفى، واهتمت بالغوص في عوالم الشخصيات النفسية والاجتماعية، مع الحرص على تناول القضايا الوجودية والهموم الفردية والجماعية بلغة سردية مشذّبة وعميقة. صدرت لها أعمال روائية من بينها "رائحة الكافور" و"صلصال امرأتين" و"زهرة"، حيث تعكس في كتاباتها هواجس الاغتراب والحنين والبحث عن الهوية في عالم مليء بالخذلان والأسئلة الصعبة. إلى جانب عملها الروائي، خاضت ميسلون تجربة العمل في المجال الوثائقي، وهو ما أضاف بعدا بصريا وواقعيا إلى كتابتها السردية، من خلال المزج بين التخييل والتوثيق. وتحرص فاخر في مشروعها الأدبي والبحثي على مساءلة الواقع وكشف العتمة المحيطة بحياة المهمشين، مؤمنة بأن الأدب والفن هما أداتا مقاومة للخراب ومتنفس للبحث عن العدالة والمعنى وسط الفوضى. وانطلاقا من هذه الرؤية، وتلك الخطوط العريضة عن شخصيتها ومشروعها الروائي، كان هذا حديثها مع الجزيرة نت. فإلى الحوار: ما الأشياء التي لم تعرفيها عن نفسك إلا وأنت تكتبين؟ إعلان الكتابة هي الطريقة الوحيدة التي يتماهى بها الكاتب مع شخوصه المخفية الداخلية لتحتشد كل الوجوه والاقنعة كأنها قادمة من العمق، من الغياب، من اللاجدوى، الكتابة هي فعل مقصود بدوافعها الموجهة في نسيج النص الروائي. فكلما تعثر ما يراد قوله في العالم الحقيقي تجدها طليقة تتصرف بحرية تامة تصفي حسابا مؤجلا تمارس عبثية أو طفولة مصادرة، ولكن لا يعني أن كل الشخصيات المكتوبة هي بوح ذاتي للكاتب بشكل متماثل، هذه ليست الفكرة، ولكن لا بد من وشائج وصل -ولو من بعيد- تتناسب معه رغم تباين الأزمنة والأمكنة النفسية والجغرافية للطرفين بين شخصية الكاتب والشخصية الروائية. الإبداع يكمن في كيفية تقمص الكاتب لكل هؤلاء ومعرفة ما يدور في رؤوسهم مع تطويع متواصل للغة وتنصت على حيوات لم تكن مجسدة في العالم الحقيقي وغير ظاهرة له شخصيا، حيوات تلوح له من بعيد، إنها حيوات مستلبة دون أن يدرك ذلك للوهلة الأولى لكنه يراها فجأة في سطور تنبض بالحياة، وهذه الفكرة وجدت في منجزات كثيرين ولا يفلت من تلك المرايا إلا ما ندر. الكتابة حاجة إنسانية تندرج ضمن قائمة الاحتياجات التي ترتقي بصفاتنا الإنسانية وتدفع بنا فوق مستوى الاحتياجات البدائية للإنسان وتؤخر موتنا البيولوجي وهي علاقة مطردة تظهر نتائجها وتضفي ثمارها على الطرفين: المبدع أو منشئ النص والمتلقي. ملامح مشروعك الروائي بدءا من "رائحة الكافور" إلى "زهرة".. ما القواسم المشتركة التي لا تتنازلين عنها؟ مثل كل البدايات لا أعتقد أن ملامح تجربتي كانت واضحة أو ذات وهج لافت، لكن المفيد منذ تلك المرحلة أنني اكتشفت قدرتي على تطويع أدواتي، ورحت أفتش في زوايا مشروعي عن دوافع الكتابة والمجدي منها، كذلك أظن أنني غدوت أكثر قدرة على التعبير واستدراك معاناة أبطالي مكتنزة بأسئلتي الفضولية ومندهشة بعالمي الفسيح. فمن "رائحة الكافور" إلى "صلصال امرأتين" كنت كاتبة بريئة لا أجيد كل أنواع اللعب والحرفية في التظليل لأتمكن من الانقضاض على القارئ واستدراجه للقراءة بطريقة محترفة، بل أكتب بكل صدق العمل الأول، وبالإمكان تسمية هذه المرحلة هي البدايات التي أسست للتعلم ومرحلة الحبو أو الكتابة الذاتية الضيقة المنحسرة في عوالم معروفة وقريبة من النفس، يمكن تسميته بـ"البوح" أو الكتابة الذاتية الضيقة المنحسرة في عوالم الذات. ثم تغيرت أسبابي للكتابة وأصبحت أمرا مغايرا؛ بدأت أسعى لمواضيع أكثر جراءة وإشكالية، ومن الصعب العبث بها دون بذل جهد لتحقيق ذلك، فضلا عن التماس اليومي مع الفنون والإبداع والبؤس الاجتماعي، ولم تعد النصوص تحمل في سماتها أنينا ذاتيا ونزفا شخصيا، بل ابتعدت الشخصيات عني وأتمتع برسم شخصيات بعيدة كل البعد عني، أتقمص شرها وعذابها وتناقضاتها بدافع التسلية معها والفرجة عليها من بعيد، ولم أعد حاضرة في أبعادها وأزماتها النفسية. صرت أملك ذائقة أكثر تشذيبا للتعامل مع صوت العدالة والظلم والقدرة على التقمص العاطفي والوجداني للشخصية، وبدت مساراتي تأخذ انطباعا مختلفا بالأحداث، وصرت أتأمل بروية أكثر من الأول وأحتاج إلى أن أفكر كثيرا في ردود فعل الشخصيات التي بدت أكثر نضجا وأقل حماسة، ثم تولدت داخلي رغبة غير واعية للبحث عن مستحدثات في عالم الرواية، وربما هذه الرغبة التي تدفع أحيانا أصحابها للتورط باستخدام أنماط غير متعارف عليها. وأتطلع إلى كتابة أتحدى بها القواعد النصية وأرجو أن أنجح في ذلك، رغم أن الاعتماد على الجهود والأدوات والأساليب مع قدر مقبول من الوعي والثقافة الشخصية والقيم الإنسانية ترفد المشروع بالمجسات الإبداعية التي تغذيه بروح حقيقية من خلال موضوعات تنقضّ بأسئلة تحاصر تفكير المتلقي، ويمكن اعتبار الأدب والفن أداة من أدوات التسامح وقبول الآخر؛ تخفيف العنف وكسر فكرة الاستعلاء على الهامش التي يمارسها المركز على الجغرافيات الهامشية، كذلك فإن العمل الذي يختزل الخبرة والمعرفة يتسم بالفضول للثورة على أنماط التفكير التقليدية. أعتقد أن ذلك الجهد يجعل العمل مقروءا إلى درجة أسعدتني، غير أن القارئ هو صاحب الكلمة والفيصل الذي يحكم في كل هذه المحاولات والجهود. الوطن يسكننا وليس مجرد نوستالجيا.. كيف تعالجين مشاعر الحنين إلى العراق في حياتك الشخصية وفي أعمالك؟ الوطن هو ذلك الشعور الملتبس للغياب والحضور، هو حالة من الصراع مع الخوف؛ الخوف من أصوات مجهولة لا تنتقي ضحاياها. إننا جميعا مجبولون على فكرة النهاية التي لم نقررها بأنفسنا ونضيع تحت دثار معتقدات وكم كبير من التضليل والإيهام الذي تصدّره الأيديولوجيات. لذلك يعيش أغلبنا سوء فهم وعدم مقبولية بين فصيليْن؛ فصيل عاش الحلم وآخر أجبر عليه ولم ير منه سوى كذبة، والغالبية الآن في صراع نفسي من أجل إيجاد سبيل للهرب، أو الإقدام على التخفي والبحث عن طرق لا تخلو من الحيلة للتعامل مع الوضع الراهن بشكل أكثر مقبولية ومعقولية، من ثم لم أستطع الإفلات من فكرة ملاحقة الوطن. وبكلمات الكاتبة الإيرانية آذر نفيسي فـ"كل ما نسميه وطنا يمكن أن يؤخذ منا، إننا بحاجة إلى عالم محمول من الخيال والأفكار التي يمكن لنا اصطحابها حيثما شئنا"؛ فالأدب قادر على نقل الوطن إلى عالم الخيال وخلق بدائل ولو مؤقتة للجغرافيا، الأدب يشيد عوالم رغم أنها بدائل مؤقتة ومسكنات للفراغ العاطفي، لكنها تصنع -في أحيان كثيرة- موائل دفء تعويضية. كلما حاولت العثور على حزمة ضوء للنجاة من منفاك، انتهبتك كفوف الشر لأن خلاصك أبكم في ضجيج العالم المتغوّل! والضعفاء -ومنهم الكتّاب، مستعمرو اللغة، وصانعو المعنى- لا يملكون سبل الغواية الكافية للظفر بوطن آمن، لأن الخوف الذي يسكننا يعرف كل مواطن خيبتنا وجبننا، إنه قريننا المختلف، إنه يشبهنا، ولكن في المقابل: أي منّا يعدّ الأصل؟! قياسا على قول نزار "من أين يأتي الشعر؟".. أحيانا يلتقط الروائي فكرة ما من مشهد عابر.. هل تطلعينا على بعض تلك الأسرار؟ أنا لا أزعم أنني أمتلك تجربة كبيرة تسمح لي بالحديث بإسهاب، ولكن كيف تتكون الأفكار ومن أين تبدأ؟! لكل رواية قصة أو موضوع، في بدايته كان غير واضح وملامحه كانت باهتة، ولكن كلما تقدمتُ في السرد تتفتح جيوب النص، لتمنحني لقى ذهبية تغدق عليّ بهدايا تمكن من تماسك الحكاية وتناسقها. يحدث ذلك خلال السير في السكة الأدبيّة -أو عملية الكتابة- بقوة وإصرار، إذن ربما هي جملة عابرة، أو قصة صغيرة، أو فكرة أغنية، أو لوحة. كل محفزات الإبداع تحت أي مسمى هي دافع قوي للكتابة، والعالم مليء بالحكايات والأفكار "الملقاة على قارعة الطريق"، هذه المقولة المنسوبة للجاحظ، المهم كيف نلتقطها، الأفكار تأتي من عالمك الخارجي الضيق والبعيد المدى، ولا يمكن التفكير في أسباب تحفيز إيقاع تدفقها الفوضوي. والعملية الإبداعية لا تقتصر على الموهبة، بل تحتاج إلى تمرين منتظم ومزاولة لذلك الجهد الإبداعي المنظم لكي تنمو وتنضج عضلة التخيل بحسب ألبرت ريد، الذي يرى أن للإبداع عضلة يمكن تدريبها، ومن ذلك التزود بقصص الناس من حولنا، فالحياة الزاخرة بتفاصيل تجري ضمن نظام الحياة السائد من خلال الحدس الإبداعي وذاكرة نقية وإيمان بأن الأدب منقذنا من الخراب والموت. ربما تكون القصص متخيلة أو ملفقة لغرض صنع دوائر نفسية وزمانية ومكانية يتحرك من خلالها الأبطال، وكلما كبّرت ذلك الأفق اتسعت صور الرواية بشكل مطّرد، وهنا يعد التريث مهمًّا لاستيعاب التطور المتزن للشخصية. تقول إيزابيل الليندي "لدى الكاتب حيز ووقت محدودان وضيقان، وعليه الإمساك بالقارئ من عنقه وألا يدعه يفلت منه". تخوم الأدب والعمل الوثائقي تشتبك لتكوّن حالة تشبه قصيدة سينمائية، تتعمق الحفر في أعماقنا لتنتج تلك الصور البصرية القائمة على ثنائية التوثيق والتخيل وبث الروح في شهادات وقصص ومشاهدات، فضلا عن الاستعانة بحكايا حفرت في قلوب الناس. حكايات تمنح صوتا لمن لا صوت لهم ممن يستهان بكيانهم الإنساني، هؤلاء هم جسد الحقيقة لتاريخ أي أمة، ترسم على قصصهم لوحات تظل عالقة في ذاكرة مروية موسومة بالتخييل والتوثيق؛ لتصنع عالما موازيا للثأر من الظلم والطغيان. إنه تاريخ للألم والوجع والمشاعر المهدورة والمستهان بها، كلها توثيق للعالم الحسي الذي أحاط بالأحداث والتمرد على التدوين المتعالي على روح الإنسان المستباحة كرامته وحقوقه جراء لعنة الحروب. تدوين يبحث عن الحقيقة وروحها لا صورتها المشوهة، إنها نبش وحفر دؤوب في الذات الإنسانية تعتمد وسائلها الخاصة من خلال التخييل الإبداعي وتوسيع مساحة المعرفة البشرية ومساءلة العقل المنمّط وتوريط المتلقي بالمشترك الإنساني بينه وبين الضحايا؛ لتجعل تلك العَلاقة قصة تربط بين زمنين. البحث في جدران الواقع ليس بالأمر الهين، لذا يتكاتف الإبداع بكل أجناسه للعثور عليه مختبأ في أردية الفقراء، الإحساس بأن كل شيء على ما يرام فكرة ساذجة جدا، هنا يحضرني قول للكاتبة البيلاروسية سفيتلانا ألكسييفيتش مُفاده أنها لا تكتب، بل تحفر بإزميل الشهادات المؤثرة!


الجزيرة
منذ 17 ساعات
- الجزيرة
فنانون سوريون ينعون ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس
شهدت العاصمة السورية دمشق صدمة كبيرة إثر الانفجار الذي وقع في كنيسة مار إلياس بحي الدويلعة، وأسفر عن وقوع عدد من الضحايا والمصابين، مما أثار موجة من الحزن والتعاطف على نطاق واسع. وسارع عدد من الفنانين السوريين والعرب إلى التعبير عن مواساتهم عبر حساباتهم الرسمية على منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبّروا عن حزنهم العميق وتضامنهم مع أسر الضحايا ومع الشعب السوري في هذه المحنة. وتنوعت ردود الفعل بين الدعوة إلى نبذ العنف بكل أشكاله، والتأكيد على أهمية التكاتف الإنساني في وجه الكراهية، إلى جانب المطالبة بتقديم الدعم المعنوي والمادي للمصابين وأهالي الضحايا. وعبر حسابه الرسمي على إنستغرام، شارك الفنان السوري مكسيم خليل تعازيه لأسر الضحايا، متمنيًا الشفاء العاجل للمصابين ومطالبًا بمحاسبة المسؤولين عن الحادث. وفي منشور آخر عبارة "كن إنسانًا قبل أي شيء" دعا خليل إلى التكاتف والتضامن بهذه اللحظات العصيبة، كما نشر صورة من داخل الكنيسة توثق حجم الدمار الناتج عن التفجير. ومن جانبه، عبّر الفنان سامر المصري عن حزنه الشديد، من خلال صور التقطها من موقع التفجير داخل الكنيسة، وكتب "الرحمة لشهداء التفجير الإرهابي في كنيسة مار إلياس، والشفاء العاجل للمصابين، والسلام والطمأنينة للشعب السوري بكافة مكوناته". كما تفاعل المغني السوري "الشامي" مع الحادثة حيث شارك عبر خاصية القصص المصورة في حسابه على إنستغرام صورة من موقع التفجير، وعلّق عليها بالقول "تفجير كنيسة مار إلياس أدى إلى مقتل 22 شخصًا وإصابة العشرات". وعبّر الممثل السوري معتصم النهار عن حزنه العميق، من خلال منشور على حسابه في إنستغرام استخدم فيه وسم "الإرهاب لا دين له" وكتب "الصلاة كانت من أجل السلام.. فصار الدم هو الجواب.. رحمة لمن رحلوا وقوة لمن ظلوا". ومن جهته، وجّه مغني الراب إسماعيل تمر نداء للتبرع بالدم دعماً للمصابين، مشيرا إلى أن الوضع حرج وأن المستشفى الفرنسي في دمشق يستقبل المتبرعين بشكل عاجل. كما نشر مقطع فيديو يظهر عددا من المصابين، مؤكداً أن "الفكر السوري سينتصر" وشارك صورة تجمع بين المصحف والصليب، داعيًا الله أن يحمي سوريا من تجار الدم والفتنة. أما الفنان قيس الشيخ نجيب، فقد نشر صورة من داخل الكنيسة بعد التفجير، وأرفقها بالآية القرآنية "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا" في إشارة واضحة إلى إدانته الشديدة للجريمة وتضامنه مع الضحايا وأسرهم. كما تفاعلت المخرجة رشا شربتجي مع الحدث، ونشرت عبر حسابها على إنستغرام صورة من موقع التفجير، تعبيرا عن حزنها وتأثرها بما جرى.