
الصبر مفتاح النجاح في الحوسبة الكمية
جون ثورن هيل
ذات مرة، قال الفنان مايكل أنجلو إن «العبقرية هي الصبر الأبدي». تبدو هذه المقولة اليوم بعيدة عن واقع الشركات المعاصرة، فمعظمها يركز على الأرباح الفصلية قصيرة المدى، خاصة في مجال المشاريع البحثية التي قد تستغرق عقوداً من الزمن دون ضمانات مؤكدة. في الماضي، كانت الجامعات هي الجهة التي تضطلع بمثل هذه المهام البحثية المعقدة.
لذا، عندما تنجح شركة في تقديم دليل أولي على تحقيق إنجاز علمي كبير، فإن ذلك يثير اهتماماً واسعاً. هذا ما يميز المسيرة البحثية التي خاضتها شركة «مايكروسوفت» على مدار سنوات، واجهت خلالها تحديات كبيرة في سعيها لتطوير نهجها الفريد في الحوسبة الكمية. وأخيرا، آتت هذه الجهود ثمارها هذا الأسبوع، حيث أعلنت عن «ماجورانا 1»، أول رقاقة كمية في العالم تعتمد على هندسة معمارية طوبولوجية متقدمة.
واستطاعت الشركة استغلال نوع جديد من المادة لتطوير كيوبتات مبتكرة، ما يفتح آفاقا جديدة نحو تطوير أجهزة حوسبة كمية موثوقة وعالية الكفاءة. وترى الشركة في هذا التطور نقطة تحول من مرحلة البحث العلمي النظري إلى التطبيق التكنولوجي العملي.
ووصف جيسون زاندر، نائب الرئيس التنفيذي لمايكروسوفت والمسؤول عن المشاريع الاستراتيجية طويلة الأجل، هذا التطور بأنه نقلة تاريخية في عالم التكنولوجيا، مماثلة للانتقال من عصر الصمامات المفرغة إلى عصر أشباه الموصلات.
وتتميز الكيوبت الطوبولوجية بجمعها بين السرعة العالية والقدرة على التحكم الرقمي، ما يفتح المجال لتطوير حواسيب كمية قادرة على معالجة مليون كيوبت، وهو المستوى الذي يراه العلماء ضرورياً لتحقيق حوسبة كمية متقدمة. ورغم هذا التقدم المهم، فإن دمج وحدات المعالجة الكمومية في مراكز البيانات بجانب وحدات معالجة الرسومات التقليدية، التي تدعم حالياً تطبيقات الذكاء الاصطناعي، سيتطلب سنوات من التطوير والاختبار.
وتطمح «مايكروسوفت» لتطوير حاسوب كمي قوي بحلول نهاية العقد، قادر على حل مشكلات تتجاوز إمكانيات الحواسيب التقليدية. ويوضح زاندر أن الخصائص الاستثنائية للحوسبة الكمية ستفتح آفاقاً جديدة للباحثين، مثل تطوير مواد محفزة قادرة على تفكيك الملوثات البلاستيكية الدقيقة التي تهدد البيئة، وابتكار تقنيات لتحسين خصوبة التربة الزراعية، أو حتى تطوير أنواع متقدمة من الخرسانة القادرة على إصلاح تشققاتها تلقائياً.
وأشاد البروفيسور ستيفن سايمون، الخبير في الفيزياء النظرية بجامعة أكسفورد وأحد المتابعين لمسيرة «مايكروسوفت» البحثية، بالمثابرة التي أظهرتها الشركة في تطوير وحدات معالجة المعلومات الكمية الطوبولوجية، واستمرار الشركة، رغم العقبات والتحديات المتكررة، في الاستثمار بهذا المجال الواعد.
وقال: إنه لإنجاز استثنائي أن تمتلك الشركة هذه الرؤية بعيدة المدى والإرادة لمواصلة تمويل هذا المشروع الطموح، خاصة في الفترات التي بدا فيها هذا المسار غير واعد وغير قابل للتحقيق.
ويمثل تطوير حاسوب كمومي قوي وموثوق تحولاً في موازين القوى الجيوستراتيجية، لقدرته المحتملة على اختراق وتحطيم أنظمة التشفير التي تعتمد عليها شبكة الإنترنت حالياً في حماية البيانات والمعلومات الحساسة. ويطلق الخبراء على اللحظة التي يتحقق فيها هذا الاختراق مصطلح «اليوم كيو». ونظراً لهذه الأهمية الاستراتيجية، نشهد سباقاً محموماً بين الولايات المتحدة والصين للوصول إلى هذه التقنية المتقدمة.
وفي هذا الإطار، قامت وكالة مشروعات الأبحاث الدفاعية المتقدمة الأمريكية، المسؤولة عن تطوير التقنيات العسكرية المتقدمة، باختيار شركتين رائدتين هما «مايكروسوفت» و«سايكوانتم» لدراسة إمكانية تسريع عملية تطوير حواسيب كمومية عملية قابلة للاستخدام الصناعي قبل المواعيد المتوقعة حالياً.
وكما هو الحال دائماً، يتطلب التعامل مع الإعلانات في مجال الحوسبة الكمية قدراً كبيراً من الحذر والتأني، نظراً للتعقيد الشديد لهذا المجال العلمي الذي يتحدى قدرة العقل. وبالفعل يوجد بعض الحذر، فيما أبدى مراجعون علميون بعض التحفظات على نتائج البحث الذي نشرته «مايكروسوفت» في مجلة «نيتشر». كما اضطرت الشركة في عام 2018 إلى سحب ورقة بحثية مشتركة بعد اكتشاف تناقضات في بياناتها.
وقال ستيف برايرلي، الرئيس التنفيذي لشركة «ريفرلين» المختصة في الحوسبة الكمية: رغم أن النتائج لم تصل بعد إلى مرحلة اليقين العلمي القاطع، إلا أنها تمثل خطوة مهمة في السباق نحو تطوير أول حاسوب كمومي قادر على تصحيح أخطائه ذاتياً.
في الوقت نفسه، تحقق شركات كبرى أخرى مثل «جوجل» و«آي بي إم» و«كوانتينيوم» تقدماً ملموساً في تطوير وتشغيل وحدات معالجة المعلومات الكمية (الكيوبتات) وتنفيذ العمليات الحسابية الكمية الأساسية. غير أن قطاع الحوسبة الكمية تلقى ضربة موجعة مؤخراً على صعيد ثقة المستثمرين، عندما صرح جنسن هوانج، الرئيس التنفيذي لشركة «إنفيديا»، بأن تطوير حواسيب كمية عملية وقابلة للاستخدام التجاري قد يستغرق عشرين عاماً إضافية.
ويأتي التقدم الذي أحرزته «مايكروسوفت» كبارقة أمل للصناعة بأكملها، حتى مع وجود أصوات متشككة في واقعية الجدول الزمني الطموح الذي وضعته الشركة. وعلق أحد أبرز علماء الفيزياء على هذا التطور قائلاً: من الناحية التقنية، أرى أن المشروع قابل للتحقيق، لكن تحديد مدة خمس سنوات يعد نظرة متفائلة للغاية. وإلى أن يتحقق هذا الهدف، يمكن الاستفادة من الحواسيب الكمية البسيطة المتوفرة حالياً في تطبيقات محددة.
وأضاف العالم: يمكن للتقنية الكمية أن تصبح عنصراً مكملاً ضمن مجموعة الأدوات الحاسوبية المختصة. لكن يجب علينا التحلي بالصبر لبضع سنوات إضافية قبل أن تحقق الإمكانات الهائلة التي تعد بها تقنية الحوسبة الكمية. غير أن «مايكروسوفت» قد برهنت، إن دل مسارها على شيء، أنها تمتلك هذه الفضيلة - فضيلة الصبر - بشكل استثنائي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الإمارات اليوم
منذ 6 ساعات
- الإمارات اليوم
«وضع الذكاء الاصطناعي».. جديد «غوغل» في أميركا
أعلنت «غوغل» أنها ستتيح الذكاء الاصطناعي لعدد أكبر من متصفحي الإنترنت، مع إتاحة خدمات مميزة تعتمد على هذه التقنية مقابل 249.99 دولاراً شهرياً، وذلك ضمن أحدث جهودها لمواجهة المنافسة المتزايدة من الشركات الناشئة مثل «أوبن إيه.آي». وأصبحت «غوغل»، في الشهور القليلة الماضية، أكثر جرأة في تأكيدها على مواكبة منافسيها، بعد أن بدت مترددة عقب إطلاق «أوبن إيه.آي» المدعومة من «مايكروسوفت»، تطبيق الدردشة الشهير «شات جي.بي.تي»، وفي تحديث رئيسٍ أعلنت الشركة أن المستهلكين في جميع أنحاء الولايات المتحدة أصبح بإمكانهم الآن تحويل بحث «غوغل» إلى «وضع الذكاء الاصطناعي». وقدّمت «غوغل» عرضاً توضيحياً لتحديث «أسترا بروجيكت»، وقدرته على تحليل الملفات المعدة بصيغة المستندات المنقولة «بي.دي.إف»، واستخراج معلومات من مقطع مصور على «يوتيوب» لمساعدة المستخدم على إصلاح دراجة.


صحيفة الخليج
منذ 15 ساعات
- صحيفة الخليج
نموذج «ذكي» يتفوق على هيئات الأرصاد الجوية التقليدية
نجح نموذج ذكاء اصطناعي من شركة مايكروسوفت في إنتاج توقعات جوية لمدة 10 أيام أكثر دقة وبتكلفة أقل من النماذج التقليدية التي تعتمدها الهيئات الدولية المختصة الكبرى، وفقاً لنتائج نشرتها مجلة «نيتشر» العلمية. وتشكّل هذه النتائج التجريبية غير المتاحة للعامة إنجازاً في العصر الذي بدأه عام 2023 نموذج الذكاء الاصطناعي «بانغو-ويذر» من شركة هواوي، فيما تسعى الهيئات الكبرى المختصة إلى إنتاج توقعات أكثر موثوقية لظواهر الطقس الحادة التي تتسبّب بأضرار بشرية ومادية، وتفاقمت بفعل الاحترار المناخي العالمي. وأعلنت «جوجل» أيضاً في العام الماضي أنها تغلبت على النماذج التقليدية بنموذج قائم على الذكاء الاصطناعي. وأوضح الباحثون في نتائج دراستهم المنشورة في «نيتشر» أن نموذج التعلم الآلي «أورورا» من مايكروسوفت «تفوق على التوقعات التشغيلية في التنبؤ بجودة الهواء، وأمواج المحيط، ومسارات الأعاصير المدارية، وظروف الطقس العالية الدقة، وكل ذلك بتكلفة حسابية» أدنى بكثير. وشرح مصممو «أورورا» أنه بات، من خلال إعادة محاكاة حالات من الماضي القريب، التوصل لأول نموذج ذكاء اصطناعي يكشف مسار الأعاصير المدمرة على امتداد خمسة أيام، وتبيّن أنها أفضل من تلك التي توصلت إليها سبعة مراكز للأرصاد الجوية، من بينها مركز الأعاصير الأمريكي. فقبل أربعة أيام من إعصار «دوكسوري» في المحيط الهادئ، تنبأ «أورورا» في محاكاته بأن هذا الإعصار سيضرب الفلبين، وهو ما حصل فعلاً، في حين كانت التوقعات الرسمية في ذلك الوقت، عام 2023، تشير إلى أنه سيتجه شمال تايوان. وكذلك تفوّق نموذج الذكاء الاصطناعي من مايكروسوفت في 92 في المئة من الحالات على توقعات نموذج المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية المتوسطة المدى العالمية لمدة 10 أيام، وعلى مقياس يبلغ نحو عشرة كيلومترات مربعة. ويُعدّ المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية المتوسطة المدى الذي يوفر توقعات لـ35 دولة في أوروبا، المرجع العالمي للدقة في مجال الأرصاد الجوية.


الاتحاد
منذ يوم واحد
- الاتحاد
نموذج ذكاء اصطناعي يتفوق على خبراء الأرصاد في توقعات الطقس
وكالات(أبوظبي) في خطوة جديدة تؤكد تسارع دور الذكاء الاصطناعي في فهم وتحليل العالم من حولنا، كشفت مايكروسوفت عن نموذج ذكاء اصطناعي جديد قادر على تقديم توقعات طقس دقيقة تتفوق في بعض الحالات على التنبؤات البشرية التقليدية. النموذج، الذي يعتمد على تقنيات تعلم عميق ومعالجة بيانات ضخمة، لا يتنبأ فقط بدرجات الحرارة وهطول الأمطار، بل يرصد أيضًا الظواهر المناخية المعقدة بمستوى غير مسبوق من الدقة. ونجح نموذج الذكاء الاصطناعي من شركة مايكروسوفت في إنتاج توقعات جوية لمدة 10 أيام أكثر دقة وبتكلفة أقل من النماذج التقليدية التي تعتمدها الهيئات الدولية المختصة الكبرى، وفقًا لنتائج نشرتها مجلة "نيتشر" العلمية. وتشكّل هذه النتائج التجريبية غير المتاحة للعامة إنجازا في العصر الذي بدأه عام 2023 نموذج الذكاء الاصطناعي "بانغو-ويذر" من شركة هواوي، فيما تسعى الهيئات الكبرى المختصة إلى إنتاج توقعات أكثر موثوقية لظواهر الطقس الحادة التي تتسبب بأضرار بشرية ومادية وتفاقمت بفعل الاحترار المناخي العالمي. وأعلنت جوجل أيضا في العام المنصرم أنها تغلبت على النماذج التقليدية بنموذج قائم على الذكاء الاصطناعي. وأوضح الباحثون في نتائج دراستهم المنشورة في "نيتشر" أن نموذج التعلم الآلي "أورورا" من مايكروسوفت "تفوق على التوقعات التشغيلية في التنبؤ بجودة الهواء، وأمواج المحيط، ومسارات الأعاصير المدارية، وظروف الطقس العالية الدقة، وكل ذلك بتكلفة حسابية" أدنى بكثير. وشرح مصممو "أورورا" أنه بات، من خلال إعادة محاكاة حالات من الماضي القريب، أول نموذج ذكاء اصطناعي يتوصل إلى توقعات لمسار الأعاصير المدمرة على امتداد خمسة أيام، تبيّن أنها أفضل من تلك التي توصلت إليها سبعة مراكز للأرصاد الجوية، من بينها مركز الأعاصير الأميركي. فقبل أربعة أيام من إعصار "دوكسوري" في المحيط الهادئ، تنبأ "أورورا" في محاكاته بأن هذا الإعصار سيضرب الفيليبين، وهو ما حصل فعلا، في حين كانت التوقعات الرسمية في ذلك الوقت، عام 2023، تشير إلى أنه سيتجه شمال تايوان. كذلك تفوّق نموذج الذكاء الاصطناعي من مايكروسوفت في 92 في المئة من الحالات على توقعات نموذج المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية المتوسطة المدى العالمية لمدة 10 أيام، وعلى مقياس يبلغ نحو عشرة كيلومترات مربعة. ويُعد المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية المتوسطة المدى الذي يوفر توقعات لـ35 دولة في أوروبا، المرجع العالمي للدقة في مجال الأرصاد الجوية. وفي ديسمبر، أعلنت شركة جوجل أن نموذجها "جنكاست" GenCast تجاوز دقة المركز الأوروبي في أكثر من 97 في المئة من الكوارث المناخية البالغ عددها 1320 كارثة المسجلة عام 2019. وبفضل الذكاء الاصطناعي، أصبح من الممكن تحليل كميات هائلة من بيانات الطقس في وقت قياسي، والتعلّم من أنماط جوية سابقة لتوليد توقعات أسرع وأكثر دقة. مايكروسوفت انضمت إلى هذا التوجه العالمي عبر تطوير نموذجها الجديد، الذي يُظهر نتائج واعدة، خصوصًا في الحالات الحرجة مثل العواصف، الأمطار الغزيرة، أو تقلبات الرياح الشديدة، مما قد يفتح الباب لتحسين أنظمة الإنذار المبكر وحماية الأرواح والبنية التحتية.