
قراءة في خطة "عربات جدعون" وأثرها العسكري
تتبع "إسرائيل" استراتيجية عسكرية مُحددة تحت اسم "عربات جدعون" تستهدف إعادة تشكيل غزة، جغرافياً وديموغرافياً، بشكل جزئي، على أن يُعاد تقسيم القطاع إلى مربعات معزولة جغرافياً، بما يعزل الفصائل المسلحة عن الشعب، ويقضي على الدعم الشعبي الذي يُعدّ ركيزة أساسية للمقاومة.
الهدف الاستراتيجي لهذه الخطة هو إضعاف المقاومة على المستوى العسكري، وإفراغ غزة من أي قدرة على التحرك الميداني الفاعل من خلال إعادة تشكيل المحيط الجغرافي للمقاومة، وذلك من خلال قصف مستمر، إغلاق طرق الإمداد، وضغط لا يتوقف على البنية التحتية المعيشية، من مياه وكهرباء وغذاء، وهو ما يؤدي إلى تحويل غزة إلى "منطقة مدمرة"، ويشلّ المقاومة ويحاصرها، إذ لا تُكسر إرادة المقاومين بدمائهم فحسب، بل بدمار مستمر لنقاط قوتهم المدنية.
· الاستهداف الجغرافي المحسوب: يركز الاحتلال على مربعات استراتيجية داخل القطاع تكون معدّة عسكرياً لخلق انفصال بين الأحياء السكنية والمقاومة، تستهدف هذه المربعات المناطق الحيوية، مثل نقاط التجمعات السكانية، وكذلك المحاور اللوجستية الرئيسية التي تربط أجزاء القطاع ببعضها، الهدف هنا ليس فقط تدمير هذه المناطق، بل تمهيد الطريق لتقسيم غزة إلى كانتونات معزولة تفتقر إلى أي اتصال اجتماعي بين بعضها البعض.
· التفريغ السكاني التدريجي: جزء رئيسي من خطة "عربات جدعون" هو الضغط على السكان في المناطق المستهدفة عبر التجويع والقصف المستمر والتهديد بالنزوح القسري، بحيث يصبح العيش والتنقل فيها مستحيلاً، من خلال هذه السياسة، يسعى الاحتلال إلى تخفيض أعداد السكان في تلك المناطق، ما يسهل عمليات اقتحامها وتدميرها. اليوم 10:01
8 أيار 10:03
والنزوح القسري الذي تمارسه "إسرائيل" لا يكون فقط في الجانب الجغرافي، بل على المستوى الاجتماعي أيضاً، حيث تفقد المناطق المدمرة تدريجياً القدرة على تقديم الدعم الشعبي للمقاومة.
الهندسة الأمنية والديموغرافية: أحد الأهداف الهامة في خطة "عربات جدعون" هو فرض مناطق عازلة في القطاع، وهي مناطق يُمنع على السكان العيش فيها أو إجراء أي نشاط اجتماعي أو اقتصادي داخلها، بحيث تتحوّل إلى فضاءات رقابية عسكرية، وتصبح مناطق عسكرية بحتة، لا تشهد أي حركة، ولا يمكن التواصل بين فصائل المقاومة، ما يؤدي إلى فصل المدنيين عن عناصر المقاومة. هذا التكتيك يأتي مشابهاً للسياسات المعتمدة في الضفة الغربية، حيث تم تقسيم الأراضي الفلسطينية إلى مناطق "C" التي تخضع لسيطرة "الجيش" الإسرائيلي الكاملة.
شلّ البنية التحتية للمقاومة: الاحتلال الإسرائيلي يركّز على ضربات استخبارية مركّزة، تهدف إلى شلّ البنية التحتية للمقاومة، يتم استهداف محاور الإمداد، المخازن، الأنفاق، مراكز القيادة والسيطرة، باستخدام وحدات اقتحام نخبويّة مدعومة بتقنيات استخبارية متقدمة.
هذه العمليات تهدف إلى منع المقاومة من إعادة التنظيم بعد أي ضربة ميدانية، بحيث يبقى المقاومون في حالة استنزاف مستمرة. بالضغط على هذه البنية التحتية، يحاول الاحتلال قطع العلاقة الحيوية بين الأفراد العسكريين والشعب، ما يجعل الانتفاضة غير ممكنة من حيث القدرة على التجديد والتمويل.
فرض معادلة الردع المستدام: جزء أساسي من استراتيجية "عربات جدعون" هو خلق بيئة يشعر فيها المقاومون أنهم دائماً مكشوفون أمام العدو، يُعتَقد أنَّ أي تحرك ميداني سيقابله "رد استخباري سريع" من قبل الاحتلال، لزرع الإرباك وتعميق الاستنزاف في صفوف المقاومة. المعادلة التي تسعى "إسرائيل" إلى فرضها هي (كل حركة ستكون مكشوفة ويُتوقع رد سريع، الأمر الذي يخلق حالة من الإحباط بين المقاومين).
· تقليص قدرة الردع المقاوم: جغرافياً وديموغرافياً، إذ تحاول خطة "عربات جدعون" عزل المقاومة في أطر محدودة، حيث يُتوقع أن تُفقد أي قدرة على التصعيد الميداني المستمر.
· تجفيف الدعم الشعبي: مع تفريغ المناطق، وتهجير الناس بشكل قسري، يسعى الاحتلال إلى تدمير الحاضنة الشعبية التي تعتمد عليها المقاومة في تحريك الأرض، يُتوقع أن تتآكل القدرة على تحفيز الجماهير، وبالتالي يتم تحويل المقاومة إلى عدو معزول.
· إغلاق مسارات الدعم الإقليمي: مع تعطيل مسارات الإمداد، يُتوقع أن يُخفف الاحتلال من قدرة الفصائل على الحصول على التمويل والدعم اللوجستي من خارج القطاع.
خطة "عربات جدعون" تمثل مرحلة متقدمة في الحرب على غزة، تهدف إلى تقسيم القطاع بشكل يعزل المقاومة عن حاضنتها الشعبية ويضغط عليها اقتصادياً وأمنياً، لكن هذا التكتيك قد يُظهر أيضاً أزمة الاحتلال في تحقيق تفوّق حاسم من دون اللجوء إلى اجتياح شامل.
في هذا السياق، يجب على المقاومة أن تتبنى استراتيجيات ميدانية متجددة، تتعامل مع هذه التحديات بمرونة، وتبني مبادرات سياسية ودبلوماسية لمواجهة هذه الهجمات المركّبة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الميادين
منذ 6 ساعات
- الميادين
حماس: نتنياهو يضلل الرأي العام بتمديد وجود وفده بالدوحة من دون صلاحيات
أكّدت حركة حماس، اليوم الثلاثاء، أنّ وجود الوفد الإسرائيلي بالدوحة، رغم افتقاره لأيّ صلاحية، هو "محاولة مكشوفة من بنيامين نتنياهو لتضليل الرأي العام العالمي". وفي بيان، قالت حماس إنّ الوفد الإسرائيلي يمدد إقامته يوماً بيوم من دون الدخول في أي مفاوضات جادة، منذ السبت الماضي. وأضافت أنّ تصريحات نتنياهو بشأن إدخال المساعدات إلى قطاع غزة "محاولة لذر الرماد في العيون، وخداع المجتمع الدولي"، بحيث "لم تدخل حتى الآن أيّ مساعدات للقطاع، فيما الشاحنات القليلة التي وصلت معبر كرم أبو سالم لم تتسلّمها أيّ جهة دولية". اليوم 22:43 اليوم 22:37 وأشارت الحركة إلى أنّ تصعيد العدوان مع الإفراج عن عيدان ألكسندر ووجود الوفود بالدوحة، "يفضح نيّة نتنياهو برفض التسوية وتمسّكه بالحرب". وعليه، حمّلت حماس الاحتلال مسؤولية إفشال مساعي التوصّل لاتفاق في ضوء إعلان مسؤوليه عزمهم مواصلة العدوان وتهجير الشعب الفلسطيني في غزة. وإزاء هذا التعنّت، فإنّ اتساع دائرة المواقف الدولية الرافضة للعدوان والحصار، وآخرها من عدّة دول أوروبية، "يُعدّ إدانة جديدة لسياسات الاحتلال، ودعماً متزايداً لمطالب شعبنا العادلة"، وفق حماس. وختمت الحركة بيانها مثمّنةً جهود الوسطاء، ومؤكّدةً تعاملها الإيجابي والمسؤول مع أيّ مبادرة توقف العدوان، وتقضي بانسحاب الاحتلال، ورفع الحصار، وإدخال المساعدات، والبدء بإعادة الإعمار.


الميادين
منذ 6 ساعات
- الميادين
الاتحاد الأوروبي: لمراجعة اتفاقية الشراكة مع "إسرائيل"
طالبت مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، اليوم الثلاثاء، بمراجعة اتفاقية الشراكة الموقّعة بين الاتحاد الأوروبي و"إسرائيل"، في ظلّ استمرار الحرب على قطاع غزة وتدهور الوضع الإنساني. وشدّدت كالاس على ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية، واصفةً المساعدات التي سمحت "إسرائيل" بإدخالها، بالـ"قطرة في محيط". ودعت إلى ممارسة الضغط الفعلي على "إسرائيل" لتغيير الوضع في قطاع غزّة. اليوم 22:43 اليوم 20:59 وأكدت المسؤولة الأوروبية أنّ هولندا نجحت في حشد دعم كافٍ داخل الاتحاد، لتقديم مقترح مراجعة اتفاقية الشراكة مع "إسرائيل"، مشيرةً إلى وجود "أغلبية قوية" تدعم هذا التوجّه داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي. وتُعدّ هذه الخطوة تطوّراً دبلوماسياً لافتاً قد يُمهّد لإعادة صياغة العلاقة الاقتصادية والسياسية بين الاتحاد و"إسرائيل" في ضوء الانتهاكات المستمرة في غزة. وفي السياق نفسه، أعلنت الخارجية السويدية في وقتٍ سابق، أنّ بلادها "ستتحرّك داخل الاتحاد الأوروبي للضغط من أجل فرض عقوبات على وزراء إسرائيليين معيّنين بسبب جرائم إسرائيل في قطاع غزة". وقالت وزيرة الخارجية، ماريا مالمر ستينرغارد، في بيان: "طالما أننا لا نرى تحسّناً واضحاً في وضع المدنيين في غزّة، فنحن بحاجة إلى تصعيد لهجتنا، لذلك، سنضغط الآن أيضاً من أجل أن يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على وزراء إسرائيليين بعينهم". وأمس، أكّدت رئيسة المفوّضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أنّ الوضع الإنساني في قطاع غزّة "غير مقبول"، مطالبةً بضرورة إدخال المساعدات إلى المدنيين فوراً.


الميادين
منذ 6 ساعات
- الميادين
"رويترز": بمبادرة من الشرع.. سوريا سلّمت أرشيف إيلي كوهين لـ"إسرائيل"
ذكرت وكالة "رويترز"، نقلاً عن ثلاثة مصادر مطلعة، أنّ القيادة السورية وافقت على تسليم وثائق ومتعلّقات الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين إلى كيان الاحتلال، "في محاولة لخفض حدة التوتر مع واشنطن، كبادرة حسن النوايا تجاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب". وقبل يومين، استرجعت "إسرائيل" نحو 2500 وثيقة وصورة ومقتنيات شخصية تعود لكوهين، كانت ضمن "الأرشيف السوري الرسمي"، واحتُفظ بها لعقود من الزمن تحت حراسة مشدّدة. وزعم مكتب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، في بيان، أنّ "الموساد" نفّذ "عملية سرية معقّدة بالتعاون مع جهة استخباراتية شريكة" لاسترجاع تلك الموادّ. وأضاف أنّ "الأرشيف يحتوي على آلاف الوثائق التي احتفظت بها الاستخبارات السورية". ورغم هذا الإعلان، ذكرت الوكالة أنّ مصدراً أمنياً سورياً، ومستشاراً لرئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع، إلى جانب شخص ثالت مطّلع على محادثات سرية، أكدوا أنّ تلك الموادّ "عُرضت على إسرائيل ضمن مبادرة غير مباشرة من الشرع"، وذلك في سياق مساعٍ "لتهدئة التوترات وبناء الثقة مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب". اليوم 22:43 اليوم 19:54 وتعليقاً على الخطوة، وصف جهاز "الموساد" استعادة المتعلّقات بأنها "إنجاز أخلاقي رفيع"، بينما اعتبر نتنياهو كوهين "أسطورة"، و"أعظم عميل استخبارات في تاريخ إسرائيل". يُذكر أنّ كوهين، الذي تسلّل إلى سوريا تحت اسم كامل أمين ثابت، رجل أعمال من أصول سورية، أُعدم شنقاً في ساحة المرجة وسط دمشق في 18 أيار/مايو 1965، بعد أن كشف أمره في إثر اختراقه للنخبة السياسية والعسكرية في البلاد. ولا تزال "إسرائيل" تسعى منذ سنوات لاستعادة رفاته. في المقابل، لم يصدر أيّ تعليق رسمي من مكتب نتنياهو أو السلطات السورية أو البيت الأبيض بشأن الدور السوري في هذه العملية. من جهتها، نفت "القناة 12" الإسرائيلية ما أوردته "رويترز" بشأن وجود "دور للجولاني في تسليم الأرشيف". وكانت "إسرائيل" قد بدأت، منذ أواخر عام 2024، اتصالات مع جهات خارجية وسوريين في محاولة للوصول إلى مكان دفن كوهين.