logo
عندما ترتقي المرأة سلم المجد والابداع

عندما ترتقي المرأة سلم المجد والابداع

الزمان٢٥-٠٤-٢٠٢٥
عندما ترتقي المرأة سلم المجد والابداع – موسى عبد شوجة
لم يعرف التاريخ بقعة على وجه الأرض كالعراق؛ مهد الحضارات، وأرض العلم، وشمس الروحانيّة، وموطن الصالحين، وقبلة العظماء، فالعراق جَمَعَ المجد من كافة أطرافه، واستطاع أن يحفر اسمه بحروف من ذهب على صفحات التاريخ، حتى باتت هذه البقعة الأكثر تميّزاً، وألقاً، وإشراقاً من بين سائر بقاع الأرض، ولا يزال الخير باقياً فيها إلى آخر الدهر..
نعم…من اديم العراق نمت المرأة..وتعمقت جذورها نحو اسلافها…وتصاعد فيها نسغ المجد والكرامة والشموخ.
اذ تعد المرأة العراقية في كل أحوالها الحياتية والعلمية والثقافية والابتكارية انموذجا مشرقا للإبداع في كل مناحي الحياة، فالإبداع والقدرة على الابتكار وايجاد الحلول للمشكلات والقدرة على التجديد والتحديث والتطور في المجتمع الانساني، وقدرة المرأة العراقية تجاوزت التحديات وتخّطت العقبات الاجتماعية والثقافية لإثبات ذاتها وجدارتها وقدراتها الفائقة على الصمود والصعود في مدارج الارتقاء وسلّم الابداع .أن المرأة العراقية مبدعة حتى.. وهي تلهم الشاعر قيثارة انغام قصائده، مبدعة وهي تتجلى في كينونتها ذرا التطلع والشموخ المفعم بالأمل في صياغة قلادة التباهي بغراس الوطن وخصوبة مجده واستقراره وأمانه،وتقدمه ونهوضه.
نعم … شامخة مبدعة..وهي تحلق بفضاءاتها وغموضها وسكونها ورقتها وشدتها وتمردّها وحنانها فتصبح مصدراً للحكاية والرواية،والافتخار… ان المرأة العراقية.. هي شهرزاد القادرة على لجم شهريار مهما كانت قوته وعنفوان سلطانه.
ومن بديع صنع الله في المرأة العراقية قدرتها على مواجهة التحديات واثبات الذات
ان الابداع قرين لحظة اختيار ومناخ حر من كل القيود.. ينطلق فيه الفكر والخيال الى فضاءات لا نهائية.
بحيث لا ينضج الى ابداع كما الثمار على الاشجار لا تنمو ولا تأتي اكلُّها دونما بيئة ملائمة لنضجه، ..وحينما نتطلع في ما صادف المرأة .. سنلاحظ بالطبع عانت منذ فجر التاريخ أولا من الوأد، ثم من التضييق الاجتماعي والمناخ الخانق لحريتها تحت مظلة العيب الاجتماعي والموروث الثقافي الذي يجعل المرأة في مرتبة أدنى من الرجل عقليا وثقافيا وابداعيا
لذا فقد انكسرت القيود وتحررت كي تلعب المرأة دورًا أساسيا في نهضة المجتمعات الإنسانية منذ تباشير الاسلام وسطوعه الى وقتنا الحاضر وقد تمكنت المراة من خلال هذا الدور اثبات قدرتها على احداث التغيير الإيجابي في تلك المجتمعات، فدورها المميز في جوانب متعددة في الحياة وإصرارها على الوقوف بجانب الرجل ومساندتها له دليل على كونها عنصرًا أساسيًا ومهما في إحداث عملية التغيير في المجتمع.
واحة خضراء
إن التغيير الايجابي الذي تسعى له المجتمعات يرتبط بشكل أساسي بواقع المرأة ومدى تمكنها من القيام بأدوارها في المجتمع… وما شدني لكتابة مقالي هذا هو..امتداد بصري وانا ارى في واحة خضراء لأم الحضارات…ذلك الغراس الطيب..الطاهر الذي تتدلى باغصانه..زهرة نرجسية
بحيث…فاحت ..بعطر تألقها..وعطائها بعد أن أرتوت من معين دجلة..وحاكت سرب نوارسها المحلّقة فوق زبد موجها الذي يتغنّج بمداراته..وهديره…..
وها هي ضفائر ضفاف دجلة الخير…الممتدة على..بساتينها التي لطالما…فتحت ذراعيها بشغف لتمّس مدّ وجزر فيض سلسبيلها العذب..الطاهر….هكذا نما هذا الغصن الواعد ليحمل هذا الاريج المتداخل من رحيق امنيات..وكوثر طموح..عابق نعم فراشة بأجنحة شفافة مذهبة حلقت بسماء بغداد..وهي تحاكي سحباً لغيثٍ موعود…نعم هكذا نشأت وترعرت المرأة العراقية.الزاخرة بالمرؤة والعطاء..(فائزه العزاوي) وهي تتداخل في يقظتها… حزمة احلام واماني منذ..صبابتها ..وبواكير سني عمرها… للطيران حينما كانت ترمق الطائرات في سماء بغداد . .. وهي ترفع منديلها الابيض لاجنحتها المرفرفه الملونه بربيع واحاتها…. لتبث فيها عصارة شوقها اللاهب …وحلمها الموعود..كي تحصى يوماً..ما في قيادتها..لتجوب عباب..زمنٍ.اكتظت به ملاحم التحدي… لتقتفي معاقل المجد والخلود…نعم كان والدها رغم تعليمه البسيط…وتواضعه وغنى روحه كان مشجعاً..وداعماً لأماني برعمته..وفسيلته…المتطلعه..لمواسم الخير وبركاته.. هكذا..تمكنت..ان تبني سلّماً لترتقي به إلى قناة المجد والعطاء وهي تهرولُ على مدارج العروج بطائرةٍ نسجت هيكلها وامتداد اجنحتها من صميم شغاف فؤادها النابض المغمس بطراوة دمها القاني الممتزج بشهيق وانفاس وطنها…حتى نالت وسام التوفيق حينما كانت في الصف الرابع الإعدادي عام 1977 في دورة طيران مؤسسة الشباب، في مطار المثنى..والتي بعد ذلك غمرتها بقارورة أريج الفرح والسرور لترشد وتوجه شراع طموحها الصاعد إلى إكمال دراستها الإعدادية والالتحاق بكلية القوة الجوية عام 1979..وتقطف ثمار تخرجها سنة 1982 بدورة 37…وبرتبة ملازم طيار وهي أول امرأة عراقية وبعد ذلك وصلت إلى رتبة نقيب طيار وأصبحت كرائدة من نساء العراق التي جابت وطافت في سماء العراق…. وهي تقود طائرة نفاثه..ومن ثم قادت العديد من الطائرات المتطورة والحديثه…وهي تحلق..في سما العراق..بكل فخرٍ وغزٍّ..وسؤدد..
وبعدها أصبحت مدربة كفوءه للطيران في كلية القوة الجوية وتخرج على يدها الكثير من صقور العراق الذين باتوا نجوما..وهاجة في سماء الخلود….
بيادر النصر
نعم انها الكابتن فائزه العزاوي رائدة الطيران في العراق التي تركت بصمتها للاجيال كمنهجاً للعطاء والابتكار والشكيمة وملهمة لبيادر الصبر وجبلا أشم لايأبى بعواصف العناء والنصب.. ومحفلاً لسعي حثيث لخدمة بلدها العراق الحبيب…فهي ملح اديم العراق…وفخره وقلادته المزركشه..بزمرد الأمل..وياقوت العطاء والطموح…هكذا…يجب أن تُنسِخ..سيرتها المضيئة بشعاع الإيثار والمثابرة على جدار ولوحات ذاكرة مدارس الاجيال…وسلاماً..سلاماً.. والف تحية واكبار..لها ..ولخدمتها الولوده التي انجبت على يدها فحول الصقور ..واشاوس الجو..وهكذا ختمت سجلها الحافل لتحط في ركاب أسرتها وضناها الثلاثه(مروان..وسنان..وغزوان)..بعد أن تركت ارثاً.. بتاريخ العراق الحديث وشموخه وتوهجه…وهو يتباهى..بأفذاذه الميامين..وحماته..وقلاع مرؤاته وامجاده.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

يختار المندلاوي الجميل صورة شعرية متحركة الاجزاء وافكار ثائرة في عالم الحب
يختار المندلاوي الجميل صورة شعرية متحركة الاجزاء وافكار ثائرة في عالم الحب

موقع كتابات

timeمنذ 21 ساعات

  • موقع كتابات

يختار المندلاوي الجميل صورة شعرية متحركة الاجزاء وافكار ثائرة في عالم الحب

من ديوان (اشتري نعاسا) , تقول الشاعرة : (( لا حاجةلاستنطاق احلامي فهي عادة تثرثر بك كثيرا عزائي أن ليس للزمان والمكان سلطة على عاشقة خرقت قوانين الحب)) , تذكرت قول الجاحظ : (( ينبغي للكاتب أن يكون رقيقَ حواشي اللسان , عذْبَ ينابيع البيان , إذا حاور سدّدَ سهمَ الصواب إلى غرض المعنى , لا يكلّم العامّةَ بكلام الخاصّة , ولا الخاصّة بكلام العامّة )) , و(( شاعرتنا التي تكتب بمعنى فلسفي عميق لشعور يتجاوز المدى المنظور والمحسوس والملموس للحب , كأرتقاء ثمرة في أعلى شجرة , وطنين نحلة ما استدلت على خليتها , غربة حقيبة متروكة في صالة المطار لا تعود لأحد , سقف يسيل منه ماء المطر اعيى البناة في الاستدلال على حوافه , نبتة خضراء في حقل أغبر تم حصاده , لا كيمياء فسرت معادلات الفوق الحب , لان العلوم كلها لا ترقى لما فطر الله عليه القلوب , يبقى وهباً ربانياً خالصاً ذلك الربط بين الارواح ولا يعرفه الا من خبره )) . (( يقولون ان للعيون مداد أمنية , مؤججة بالشوق ومثقلة بالوجد , حين يوزع القلب الغياب في غفلة الأيام , ويشتد ألخوف من وجع الحنين )) . دعها تخرق ماتخرق , وأنتبه لما تقوله في أورادها , أنها تردد دعاء ذلك الأعرابي المتعلق بأستار الكعبة : (( يا من لايشغله سمع عن سمع , يا من لايغلطه السائلون , يا من لايتبرم بألحاح الملحين , أذقني برد عفوك وحلاوة رحمتك )) . ولم لا تثرثر به , يقول اهل النصيحة : لا تفعل ما يخالف شغف قلبك تحت أي ظرف , قل كلمة أحبك لمن يستحقها بلا تأجيل , او (( إغمض عينيك حتى تراني )) , الوهم عندما يتغلب على وعي البشر يمتلكه ويسخره لغاياته الرائعة , ولكل وهم أدواته , وصاحب الوهم قد يكون عاشقا أو مفتونا بأوهامه الملونة والمتلألئة في فضاءات ما يرى ويحس , كما انها اي الأوهام بأنواعها لذيذة وتستلب الألباب وتسخر المبتلين بها للعمل بموجبها , ها هي تفعلها وتقول له كل عام وانت شاغل ألألباب . سمعتها مرة ترقص مع الدرويش وتقول : (( في نوايا الطبيعة , قد تجذر الكثير من عدم الجدوى , للحب قوة هائلة , وللخيال قوة عظمى , فهو يسمح لنا بخلق عوالم تجعلنا نتأرجح بين فيروس الشعوربالسعادة , والوصول الى كون من المستحيل بلوغ نهايته , عاطفة تتمتع بقوة تسونامي , تجبرني أن أواجه أزمات غير مسبوقة , ترى ما هي الكلمات الأنعم من الجفون ؟ أريد ان اختار كلاما لك , فمسراك في الخيال يجعلني أحب الكسل الناجم عن الشغف , ودوما يحافظ القلب على ميزة خطيرة , لا يحب المعارضين الذين يضللوا العاطفة , فمنْ يخْبرِ الْهواءَ أنّهُ يتنفّسُ منْ رئتيَّ فيسْمعُ نشيجِي لَا أنْفاسَهُ )) ؟ يقول جبران : (( من باح بالاسرار يشابه الاحمق , فالصمت والكتمان احرى بمن يعشق , بالله يا قلبي إذا اتاك مستعلم يسأل عما دهاك فاكتم )) , فلا تدع شدة العطش تصور لك السراب ماءاً وفي الحقيقة السراب سراب والماء ماء , ومن اين للزمان سلطته عليها وهي التي تسيل كساعات سلفادور دالي ؟ وتختار المعنى الخفي لتروغ و تبقى فاردة جناحيها على مرّ الازمان , (( وتبدع كما المتصوفة في وصف الغور في الرحمات , وما هي الا جذبة واحدة فيكون المرء في الملكوت , ومن ذاق قطرة من شهد الحضور لن يكون حاضراً في مجلس أخر , ويبقى النجم القطبي قمر ليالينا حين يختفي قمر الناس ونبقى نبدع في جمع الحروف التي تعبر عن الفكرة كأحجية لا يحلها الا ذو حظ عظيم )) .

جدل جديد يشتعل بين نيقولا معوض وفضل شاكر.. ما القصة الحقيقية؟
جدل جديد يشتعل بين نيقولا معوض وفضل شاكر.. ما القصة الحقيقية؟

وكالة الصحافة المستقلة

timeمنذ يوم واحد

  • وكالة الصحافة المستقلة

جدل جديد يشتعل بين نيقولا معوض وفضل شاكر.. ما القصة الحقيقية؟

المستقلة/-جدل جديد يشتعل بين نيقولا معوض وفضل شاكر.. ما القصة الحقيقية؟ أثار الممثل اللبناني نيقولا معوض جدلاً واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، عقب نشره منشورًا مثيرًا على حسابه في إنستغرام، هاجم فيه بشدة المدافعين عن الفنان فضل شاكر، مؤكّدًا أن 'فرصة التوبة تُمنح لمن يحاسب على أفعاله، وليس لمن يرفع السلاح في وجه جيش بلده'. وشدّد معوض على أن 'في أي دولة أخرى، كان من المفترض أن يكون مثل شاكر في السجن، وليس يُطلق له العنان لنزول ألبومات موسيقية'، معبّرًا عن رفضه لمحاولات تبرئته دون المرور بمحاكمة قانونية عادلة، وداعياً المدافعين عنه إلى التحلّي بالحياء. وكشف معوض أيضًا عن تلقيه معلومات من مصدر صحافي موثوق، تؤكد وجود معلومات مغلوطة متداولة حول القضية، مبدياً استعداده للاعتذار إذا ثبت له صحة ذلك، موضحًا أن دوافعه هي البحث عن الحق ورضا الله وليس إثارة الجدل. تابع وكالة الصحافة المستقلة على الفيسبوك .. اضغط هنا على الجانب الآخر، أصدر الفنان فضل شاكر بيانًا رسميًا نفى فيه جميع التهم الموجهة إليه والتي تعود إلى أكثر من 13 عامًا، واصفًا ما حصل معه بأنه 'ملف سياسي بامتياز وليس قانونيًا'. وأشار شاكر إلى أنه لم يكن مطلوبًا قبل لجوئه إلى مخيم عين الحلوة، وأنه تعرّض لتهديدات بالقتل، إضافة إلى تهمٍ لا تستند إلى أدلة قانونية، مؤكّدًا أن حكمًا غيابيًا صدر ببراءته من الاشتباك مع الجيش اللبناني. كما كشف الفنان عن محاولات ابتزاز مالي تعرض لها من جهات رسمية طلبت منه ملايين الدولارات مقابل تسوية قضيته، مشيرًا إلى أن نفوذًا مرتبطًا بالنظام السوري السابق لا يزال يعرقل تسوية ملفه. واختتم شاكر بيانه برسالة موجهة إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، معبّرًا عن أمله في إدراج ملفه ضمن الأولويات الإنسانية، ومؤكدًا عزمه على مواصلة مسيرته الفنية مع وعد بإصدارات موسيقية جديدة قريبًا.

مقامة طِشّاري
مقامة طِشّاري

موقع كتابات

timeمنذ 2 أيام

  • موقع كتابات

مقامة طِشّاري

طِشّاري (بكسر الطاء وتشديد الشين) : هي مفردة تستخدم في العراق لتسمية ووصف طلقة الصيد التي تتوزع في عدة اتجاهات , وإذا وصفت جماعة نفسها بهذه الكلمة فهذا يعني بأنها (( مُبعثرة )) , ويرمز بها العراقيون للتشتت والضياع , وقد حاولت الروائية (( إنعام كجه جي )) من خلال رواية (( طِشّاري )) , أن تتناول كارثة الشتات العراقي , في العقود الأخيرة , من خلال سيرة طبيبة عملت في أرياف جنوب العراق في خمسينيات القرن العشرين وأبنائها الثلاثة الموزعين في ثلاث قارات , لاسيما ابنتها البكر التي أصبحت طبيبة أيضًا , وتعمل في المناطق النائية من كندا , وبمواجهة تمزق شمل العائلة يبتكر الحفيد إسكندر مقبرة إلكترونية , جعل لها موقعًا خاصًا على شبكة الإنترنت , دفن فيها الموتى من العائلة حيث يتعذر جمعهم في مقبرة على الأرض , وخصص لكل فرد من أفراد السلالة المتفرقة في قارات العالم قبرًا خاصًا به. تلقي إنعام كجه جي الضوء على قضية الطائفية في العراق , من خلال حكاية (( وردية )) , وصولًا للحرب والتناثر أو التشتت في بلدان الله , من هنا عنوان الرواية , طشاري , لم يعرف رأسُ ورديَّة العباءةَ سوى مرّة واحدة , يوم ذهبَت مع كمالة وخطيبها إلى النجف لشراء سجّادة عجميّة , عباءة من قماش ثقيل أملس ينزلقُ وينزل على كتفيها ويسحل فتتعثّر به , ترتبكُ ولا تعرف كيف تواصل سيرها في السوق , لقد رأت والدتها ترتدي العباءة السوداء عندما كانوا في الموصل , وكذلك كمالة وجولي , أما هي فكانت طفلة , ولما انتقلت العائلة إلى بغداد ذهبَت الى المدرسة الابتدائية بضفيرتين سافرتين , مثل رفيقاتها , خابر سُليمان صديقه آمر موقع الديوانية وأخبره بأن شقيقته قد تعيّنت طبيبة عندهم , سأله : هل عليها أن ترتدي العباءة؟ لو كانت لي ابنة تخرَّجت دكتورة فلن أُغطّيَها بالعباءة. كمطر هادئ ينزّ على أرض عطشى , تهطل ذكريات الدكتورة (( وردية )) على صفحات الرواية , ذكريات تسحبها المؤلفة من ذاكرة بطلتها وتباريح روحها , لتنقشها بأحرف من وجع وشجن في سردها , وتمزجها بالكثير من (( ذهب )) التراث العراقي : الأمثال الشعبية , الأغاني , الأسماء , والمفردات العامية , فالدكتورة (( وردية )) طبيبة عراقية , مسقط رأسها بغداد , وهي مسقط قلبها أيضاً , لكن الحرب وتغيُّر ظروف البلاد تجبرها على الرحيل إلى باريس , بعد أن توزعت عائلتها في كل أقاصي الأرض , (( كأن جزاراً تناول ساطوره وحكم على أشلائها أن تتفرق في كل تلك الأماكن , رمى الكبد إلى الشمال الأميركي وطوّح بالرئتين صوب الكاريبي وترك الشرايين طافية فوق مياه الخليج , أما القلب , فقد أخذ الجزار سكينه الرفيعة الحادة وحزّ بها القلب رافعاً إياه , باحتراس , من متكئه بين دجلة والفرات ودحرجه تحت برج إيفل )) , في باريس , تستقبلها إبنة أخيها, لتصبح العجوز الثمانينية صديقة ابنها (( إسكندر)) ,تحكي له عن العراق , وعن أمنيتها في أن تعود لتدفن في ترابه بعد موتها , يقوم الفتى بإنشاء مقبرة إلكترونية على (( كومبيوتره )) يجمع فيها شتات الأقارب المتوزعين في كل أنحاء العالم , يضع قبوراً للأحياء إلى جوار قبور الأموات , محققاً بذلك حلماً يصعب تحقيقه على أرض الواقع : (( وضعت السماعتين فسمعت موسيقى ناعمة تتناغم مع حركة فأرة الكومبيوتر التي يقبض عليها إسكندر , عرض عليها قبوراً تفنن في تشييدها ,وأقام عليها شواهد ملونة مثل أقواس قزح . تتناول الكاتبة في روايتها تاريخ العراق , منذ الخمسينيات حتى اليوم , بكل مآسيه وأحداثه ومنعطفاته , من خلال ذكريات (( وردية )) الفتاة المسيحية , التي درست الطب في بغداد ثم انتقلت لتعمل في (( الديوانية )) وأحبت الناس هناك وأحبوها , حين لم تكن المذاهب ولا الطوائف لتفرّق بين الناس آنذاك , تتزوج من طبيب يعمل معها في المشفى وتنجب أطفالها , الذين يكبرون ويرحل كلّ منهم إلى وجهة مختلفة , (( ياسمين )) تشحن كطرد بريدي إلى دبي لتتزوج بشخص بالكاد تعرفه , لأنها هددت بالخطف من قبل جماعة تكفيرية , و(( برّاق )) يعيش متنقلاً من بلد إلى بلد بحسب عقد العمل الذي يحصل عليه , أما (( هندة )) التي تحتل قصتها جزءاً كبيراً من السرد , فرحلت مع زوجها بعد ويلات حرب 1991, وعانوا الأمرّين للظفر بتأشيرة للسفر إلى كندا , وبعد وصولهم إلى هناك , بدأت مصاعب من نوع آخر, إذ توجب عليها معادلة شهادتها كي تحصل على عمل , لن تجده إلا في منطقة نائية وبعيدة عن أسرتها. تنقل الإبنة معاناتها إلى أمها من خلال رسائل ترسلها إليها , لتصبح الرسائل جزءاً من تنوّع الأساليب السردية التي استخدمتها (( إنعام كجه جي)) في روايتها , إضافة إلى الفصول المروية على لسان الراوي العالم بكل شيء , والفصول الأخرى المكتوبة على لسان إبنة أخت (( وردية )) , لا يوجد خط زمني صاعد أو هابط للأحداث , فتارة تأخذنا إلى الماضي وتارة تعود بنا إلى الوقت الحاضر , وكأنها أرادت أن يكون شكل روايتها مكتوباً بأسلوب (( طشاري )) الذي أثبتته كعنوان للرواية , ليرمز إلى الشتات العراقي في كل بقاع الأرض , وليكون عنواناً أيضاً لديوان شعري تكتبه إبنة الأخ , يسألها إبنها (( إسكندر)) عن معنى الإسم , تجيبه (( بالعربي الفصيح : تفرّقوا أيدي سبأ )) : ( وهوتعبير بحكم التركيب والمجاز كناية عن التفرّق والانتشار في كل وجه كما تبدّد سبأ وقومه , وأصله من قصة سبأ والسيل العرم الذي خَرّب اليمن وفَرَّق أهلها , ثم جرى مجرى المثل وشاع استعماله وصار تعبيرا اصطلاحيّا لخروجه عن معناه الأصلي إلى هذا المعنى البلاغي فصار له تأثير في النفس ) , وتوضّح أكثر (( تطشّروا مثل طلقة البندقية التي تتوزع في كل الاتجاهات , إنهم أهلي الذين تفرّقوا في بلاد العالم مثل الطلق الطشّاري)) , تنتهي الرواية , فيظلّ القارئ مأسوراً ومسكوناً بالحنين , الحنين الجامح إلى العراق بكل ما فيه , حتى لو لم يكن قد زاره من قبل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store