logo
'قوارب الموت' تستمر في حصد الأرواح في المتوسط

'قوارب الموت' تستمر في حصد الأرواح في المتوسط

الأياممنذ 6 أيام
Reuters
عملية إنقاذ مهاجرين قبالة جزيرة كريت
يخيم الصمت والحزن على قرية السنطة البيضاء بمركز البداري بمحافظة أسيوط جنوبي مصر منذ أيام، إذ ينتظر أهلها أخباراً عن ذويهم المفقودين إثر غرق قاربهم في البحر المتوسط.
فوجئ محيي باتصالٍ من أخيه محمد في الثاني من يوليو/تموز الماضي، يخبره فيه أنّه سافر إلى ليبيا، بعد أن أقنعه مجموعة من سماسرة رحلات الهجرة غير الشرعية من طبرق إلى اليونان.
يضيف محيي باكياً حاملاً صورةً لأخيه: "حاولنا كثياً إقناعه بالعدول عن الفكرة، لكن دون جدوى. برر لنا محمد السفر بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة السائدة في البلاد وأحوال الشباب، معتقداً أن الرزق في الخارج أوفر؛ البلدة بأكملها حزينةٌ عليه وعلى زملائه".
محمد هو أحد المفقودين في حادث غرق مركب هجرة غير شرعية قبالة سواحل مدينة طبرق الليبية في 22 من يوليو/تموز الجاري، وهو ضمن 79 شخصاً معظمهم مصريون من محافظات مختلفة، كانوا على متن المركب.
لقي 18 شخصاَ على الأقل حتفهم، ونجا 10، إثر غرق القارب، ومازال البحث جارياً عن باقي ضحايا الحادث، بحسب المنظمة الدولية للهجرة.
وشيعت بعض أسر ضحايا غرق مركب الهجرة غير الشرعية ثلاثة جثامين بمسقط رأسهم في محافظة أسيوط، بينما تنتظر باقي أسر المفقودين ما سوف تسفر عنه عمليات البحث التي تجري حالياً في ليبيا بالتنسيق مع السلطات المصرية.
BBC
محيي مع صورة أخيه المفقود
القفز في البحر يعود من جديد
تقول المنظمة الدولية للهجرة في بيانها إن هذه المأساة هي تذكير مؤلم بالتكلفة المرتفعة للهجرة غير النظامية والحاجة الملحة إلى بذل جهود دولية منسقة، لتوفير مسارات شاملة وآمنة ونظامية للجميع.
وثق مشروع المهاجرين المفقودين التابع للمنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة أكثر من 32 ألف حالة وفاة في البحر الأبيض المتوسط منذ عام 2014، ولا يزال عدد غير معروف في عداد المفقودين.
وتشهد السواحل الليبية في الفترة الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في نشاط الهجرة غير الشرعية، حيث أصبحت ليبيا نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين من مختلف الجنسيات، الساعين للوصول إلى السواحل الأوروبية.
يتابع محيي شقيق محمد: "أخي يبلغ من العمر ثلاثين عاماً، متزوج ولديه ابن اسمه يزيد، وكانت أحواله مستقرة والحمد لله. عندما اتصل بنا ليخبرنا أنه استقلّ المركب، أخبرنا بعد خمسة أيام من مكوثه فيه أنه قرر العودة لأن الرحلة لم يُكتب لها النجاح.. كان من المفترض أن يعود في هذا اليوم 22 يوليو /تموز، لكننا فوجئنا في المساء باتصالٍ من أحد الناجين، وهو نيجيري الجنسية، يقول فيه إن المركب قد انقلب بهم، منذ تلك اللحظة، لم يصلنا أي خبر عن محمد، وانقطع أي تواصل معنا".
تقدمت 24 عائلة مصرية ببلاغات رسمية إلى وزارة الخارجية الثلاثاء الماضي، مطالبة بالكشف عن مصير أقاربهم المفقودين في الحادث، ثم أصدرت الخارجية المصرية بياناً الأربعاء الماضي، قالت فيه إن قنصليتها في بنغازي أرسلت وفداً إلى مدينة طبرق بعد تلقيها من السلطات الليبية ما يفيد بغرق أحد القوارب، وأنه تم التعرف على عدد من الجثامين من قبل ذويهم في مصر، واتخاذ الإجراءات اللازمة لنقلها إلى المنفذ الحدودي البري غربي مصر (منفذ السلوم).
BBC
الحزن يخيم على بيوت قرى مركز البداري في أسيوط جنوبي مصر
طرق بديلة وعصابات دولية
تقول السفيرة نائلة جبر، رئيس اللجنة الوطنية المصرية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر لبي بي سي عربي، إن الهجرة غير الشرعية هي "جريمة" منظمة وليست "ظاهرة" مجتمعية في مصر.
وتؤكد جبر أن السواحل المصرية مؤمَّنة بالكامل، ولم يخرج منها أي مركب هجرة غير شرعية منذ عام 2016، موضحةً أن الحالات التي تظهر مؤخراً هي حالات فردية تتم عبر طرق بديلة ومعقدة، وليست انعكاساً لقصور أمني مصري على السواحل.
بعد حادث غرق مركب رشيد شمالي مصر في سبتمبر/أيلول عام 2016 داخل المياه المصرية، ومقتل 204 أشخاصٍ على الأقل، أطلقت الحكومة المصرية ما تعرف بالإستراتيجية الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، بالإضافة إلى إصدار قانون رقم 82 لعام 2016 لمكافحة الهجرة غير الشرعية، الذي وضع عقوبات رادعة لجريمة تهريب المهاجرين، أو الشروع أو التوسط فيها.
وتأسّست اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية عام 2016، ودمجها مع اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الاتجار بالبشر عام 2017، بهدف تنسيق جهود كافة الجهات الوطنية المعنية بمكافحة الهجرة غير الشرعية لوضع السياسات والخطط والبرامج لمنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، حسب الحكومة المصرية.
ترجع رئيسة اللجنة السفيرة نائلة جبر استمرار محاولات الهجرة غير الشرعية إلى عاملين رئيسيين، المكاسب المادية التي يحققها المهربون، وضعف بعض النفوس التي تقع فريسة "لأحلام وردية زائفة تنتهي بمآسٍ إنسانية".
وتضيف جبر: حالة "الاشتعال" في المنطقة المحيطة تؤثر سلباً في الاقتصاد المصري وفرص الاستثمار، ما قد يدفع البعض إلى التفكير في الهجرة بأي طريقة.
ويتفق معها اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق وعضو مجلس الشيوخ، قائلاً: مصر اتخذت خطوات حاسمة لمواجهة تفاقم ظاهرة الهجرة غير الشرعية، التي كانت تشكل قلقاً كبيراً على المستويين المحلي والدولي.
يضيف المقرحي لـ بي بي سي عربي: "قامت الدولة بإنشاء إدارة متخصصة داخل إدارة مباحث الأموال العامة والجريمة المنظمة لمكافحة الهجرة غير الشرعية، تضم ضباطاً على درجة عالية من الكفاءة والخبرة، ونجحنا في السيطرة شبه الكاملة على هذه الظاهرة التي كانت منتشرة في الماضي في محافظات الوجه البحري، وأصبح من النادر، إن لم يكن مستحيلاً، أن تخرج مراكب أو سفن من السواحل المصرية، في رحلات هجرة غير شرعية منذ ما يقرب من خمس سنوات".
ومع إحكام السيطرة على السواحل المصرية، يلجأ الراغبون في الهجرة إلى طرق بديلة عبر دول الجوار. يقول المقرحي إن "عمليات الهجرة غير الشرعية أصبحت تتم إما من خلال تركيا، أو من خلال ليبيا، أو من خلال الساحل الغربي للبحر المتوسط".
وعن كيفية وصول المهاجرين إلى هذه الدول، يوضح مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، أن المصريين غالباً ما يغادرون البلاد بشكل قانوني عبر تأشيرات سفر، بينما يتسلل المهاجرون من جنسيات أفريقية أخرى عبر الحدود البرية.
يختلف مع جبر والمقرحي، نور خليل الخبير في قضايا الهجرة والمدير التنفيذي لمنصة اللاجئين في مصر، حيث يقول ل بي بي سي عربي إن "الاستراتيجية الأمنية التي تتبعها مصر منذ عام 2016 والقائمة على منع خروج المراكب من سواحلها، لم تنجح في القضاء على الظاهرة، لأن المشكلة الرئيسية لم تُحل، وهي الأسباب التي تدفع الشباب والأسر للمخاطرة بحياتهم".
ويفضل خليل استخدام مصطلح الهجرة غير النظامية، وليس الهجرة غير الشرعية، راصدًا إحصائيات المؤسسات الدولية، التي تقول، بحسبه، إن الجنسية المصرية هي إحدى أكثر الجنسيات التي يحملها المهاجرون الذين وصلوا إلى السواحل الأوروبية منذ عام 2022، التي وصل إليها أكثر من 21 ألف مصري، بينما وصل إليها أكثر من 13 ألف مصري في 2023.
يصف خليل الوضع بأنه "أشبه بالفيضان، إذا وضعت سدًا في مجرى السيل، فسيجد الماء طرقًا أخرى للعبور".
ويرى خليل، الذي يعمل في ملف الهجرة غير الشرعية منذ عام 2012، أن تشديد الرقابة على السواحل المصرية منذ عام 2017 دفع شبكات التهريب والراغبين في الهجرة إلى التحول نحو ليبيا كنقطة انطلاق رئيسية، مضيفاً: "مع الهدوء النسبي الذي شهدته ليبيا بعد 2019، نشطت حركة الهجرة مجدداً، وخلال الأعوام من 2022 إلى 2025، أصبحت الجنسية المصرية من بين أعلى ثلاث جنسيات وصولاً إلى إيطاليا، ومن أعلى الجنسيات وصولاً لدول الاتحاد الأوروبي".
ويشير خليل إلى تغير ديموغرافية المهاجرين، "فلم يعد الموضوع مقتصراً على الشباب ذوي التعليم البسيط الباحثين عن عمل، بل امتد ليشمل شباباً من خريجي الجامعات، وأسراً بأكملها من أب وأم وأطفال"، مرجعاً ذلك إلى الأزمة الاقتصادية الطاحنة في مصر، بحسبه.
EPA
نقل لمهاجرين غير شرعيين بعد إنقاذهم إلى أثينا
ما هي الحلول الممكنة؟
يقول ناصر، عم مصطفي وهو أحد المفقودين، إن أكثر من 30 شاباً من مركز البداري كانوا على متن القارب، من بينهم مصطفى وأربعة آخرون بمثابة أبناء إخوتي، وردنا أن اثنين منهم قد تراجعا ورفضا الصعود، بينما صعد ثلاثةٌ منهم.
تقول السفيرة نائلة جبر رئيس اللجنة الوطنية المصرية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر لبي بي سي عربي إن "مصر تتبنى استراتيجية شاملة لحل مشكلة الهجرة غير الشرعية، لا تقتصر على الحلول الأمنية، بل تمتد لتشمل التوعية وتوفير البدائل".
وتشمل هذه الاستراتيجية، كما تشرح جبر، التوعية من خلال زيارات ميدانية للجنة للمحافظات الأكثر تصديراً للهجرة، مثل أسيوط والمنيا، حيث تعقد لقاءات مباشرة مع الشباب وشيوخ المساجد، وآباء الكنيسة والقيادات المجتمعية للتوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية، إضافةً إلى إنتاج أفلام وثائقية لعرض قصص واقعية ومآسي حقيقية جراء هذه المشكلة.
وتضيف جبر أن لجنة مكافحة الهجرة غير الشرعية تسعى أيضاً لتقديم البدائل الاقتصادية من خلال عرض قصص نجاح للشباب في عدة محافظات استطاعوا بدء مشاريع صغيرة ناجحة من خلال قروض ميسرة من الدولة، بحسبها.
وتسعى اللجنة أيضاً بحسب جبر، إلى تمكين المرأة "نظراً لأن نسبة الإعالة التي تقوم بها المرأة تصل إلى 30 بالمئة، ثم اختيار شباب مؤثرين ليكونوا سفراء قادرين على توصيل رسالة التوعية إلى أقرانهم بفاعلية، إضافة إلى التعاون مع المجتمع المدني والجمعيات الأهلية بشكل وثيق لأنها تمتلك قدرة أكبر على الوصول إلى القرى والنجوع وإقناع الأهالي بمخاطر الهجرة غير الشرعية".
بينما يرى الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، أن الحل لا يكمن فقط في الإجراءات الأمنية، بل في تغيير القناعات والنظرة المجتمعية، مضيفاً: "يجب أن يكون هناك رضا بنصيب الناس من الدنيا، مشيراً إلى أن "المبالغ الطائلة التي يدفعها الشباب للمهربين، والتي قد تصل إلى مئات الآلاف من الجنيهات، يمكن أن تكون نواة لمشروعات ناجحة في مصر".
واختتم المقرحي حواره مع بي بي سي قائلاً: "مواجهة هذه الظاهرة مسؤولية مشتركة، تتطلب تضافر الجهود على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، مع التركيز على معالجة الأسباب الجذرية التي تدفع الشباب إلى إلقاء أنفسهم في أحضان الموت بحثًا عن مستقبل أفضل".
من جهته، يرى نور خليل المدير التنفيذي لمنصة اللاجئين في مصر أن الحل ليس أمنيًا، بل سياسي واقتصادي، لمعالجة جوهر الأزمة وخلق بيئة جاذبة تمنح الشباب أملًا في المستقبل داخل وطنهم.
ويوضح خليل: "ما دامت هناك أسباب تدفع الشخص للهروب، فسيجد من يوفر له هذه الخدمة. المسألة ليست مكافحة التهريب فقط".
ويرى الناشط الحقوقي، أن الحل الحقيقي يكمن في توفير مساحات للشباب للتعبير عن أنفسهم وأفكارهم، والشعور بالأمان في بلدهم، وتوفير فرص عمل حقيقية وتنمية مستدامة، بدلاً من الحلول القائمة على الديون أو بيع الأصول.
مازال الأهالي في مركز البداري يجتمعون كل يوم لتبادل المعلومات عن ذويهم المفقودين..يطالب ناصر المسؤولين أن يفصحوا عن أسماء الناجين المحتجزين قائلًا: "وصلت إلينا معلومات تفيد بأن هناك فرقة تُعرف باسم "الكتيبة 2020" تحتجز عدداً من الأشخاص، وأن هناك جهة أمنية أخرى غير معلومة في ليبيا لديها أيضاً ناجون على قيد الحياة".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تعزية ومواساة في وفاة والد الكولونيل ماجور عبدالعالي دحماني القائد الجهوي للدرك الملكي بأكادير.
تعزية ومواساة في وفاة والد الكولونيل ماجور عبدالعالي دحماني القائد الجهوي للدرك الملكي بأكادير.

صوت العدالة

timeمنذ 7 ساعات

  • صوت العدالة

تعزية ومواساة في وفاة والد الكولونيل ماجور عبدالعالي دحماني القائد الجهوي للدرك الملكي بأكادير.

'يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي' (سورة الفجر) بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، نتقدّم بأحرّ التعازي وأصدق عبارات المواساة إلى الكولونيل ماجور عبد العالي دحماني، القائد الجهوي للدرك الملكي بأكادير، في وفاة والده المشمول برحمة الله. نسأل الله العلي القدير أن يتغمّد الفقيد بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، وأن يُلهم أهله وذويه جميل الصبر والسلوان. وبهذه المناسبة الأليمة يتقدم عبد النبي الطوسي وطاقم مكتب الجريدة بأحر التعازي ، ونسأل الله عز وجل أن يجعل قبر الفقيد روضة من رياض الجنة، وأن يُثبته عند السؤال، ويُنزله منازل الصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً. كما نسأله سبحانه أن يُلهم عائلته الكريمة الصبر والسلوان، وأن يُخلف عليهم بخير، ويجزيهم خير الجزاء على صبرهم واحتسابهم. 'اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقّه من الذنوب والخطايا كما يُنقّى الثوب الأبيض من الدنس'. إنا لله وإنا إليه راجعون.

حزن في بيت الزميل مصطفى صفر
حزن في بيت الزميل مصطفى صفر

كازاوي

timeمنذ 14 ساعات

  • كازاوي

حزن في بيت الزميل مصطفى صفر

▪︎حزن في بيت الزميل مصطفى صفر رزئ الزميل مصطفى صفر ،الصحفي بجريدة الصباح، اليوم في وفاة زوجته. وأمام هذا المصاب الجلل، يتقدم طاقم 'كازاوي' بأحر التعازي للزميل مصطفى ولجميع أفراد العائلة،راجين لهم الصبر والسلوان، وللمرحومة المغفرة والرضوان وإنا لله وإنا إليه راجعون

المغرب يواجه ضغوطا لتعقيم الكلاب الضالة بدل قتلها
المغرب يواجه ضغوطا لتعقيم الكلاب الضالة بدل قتلها

لكم

timeمنذ 3 أيام

  • لكم

المغرب يواجه ضغوطا لتعقيم الكلاب الضالة بدل قتلها

يضغط نشطاء للرفق بالحيوان لتعميم تعقيم تلقيح الكلاب الضالة بدل قتلها في المغرب، في خضم اتهامات للسلطات بالسعي للتخلص من هذه الحيوانات استعدادا للمشاركة في تنظيم مونديال 2030، وهو ما تنفيه الرباط. قبل نحو شهر كان حارس السيارات محمد شاهدا على تسميم جروة 'كانت تنام بقربه' في طنجة شمال المغرب، وهو أحد المتعاونين مع مشروع 'حياة' لحماية الكلاب الضالة. يقوم هذا المشروع على الإمساك بالكلاب الضالة وتعقيمها وتلقيحها، قبل إعادتها إلى أماكن عيشها الأصلية. ويتابع محمد متحدثا إلى مديرة المشروع سليمة القضاوي 'فجأة سمعت أنينها قبل أن أراها تفارق الحياة'، رغم أنها كانت تحمل علامة الأذن التي تدل على أنها معقمة وملقحة. تهدف هذه التقنية إلى منع توالد الكلاب الضالة وتقليص مخاطر الإصابة بالسعار من دون الاضطرار إلى قتلها. تقدر حوادث هجمات كلاب الضالة بنحو مئة ألف حالة سنويا، بينما تسبب السعار في وفاة 33 شخصا العام 2024، وفق أرقام رسمية. في الفترة الأخيرة، أثار الموضوع جدلا إعلاميا بمناسبة فوز المغرب بحق المشاركة في تنظيم كأس العالم لكرة القدم 2030 (إلى جانب إسبانيا والبرتغال)، إذ تتهم جمعيات متخصصة السلطات المغربية برفع وتيرة قتل الكلاب الضالة، مستندة على تقديرات بأنها تقارب مئات الآلاف سنويا. وتقول الجمعيات إنها تخشى أن يتم استهداف مجمل هذه الكلاب، مشيرة إلى أن عددها قد يناهز ثلاثة ملايين في أفق العام 2030. يتردد هذا الرقم في وسائل إعلام أجنبية، رغم أن السلطات المغربية لا تقدم أي أرقام دقيقة بشأن عدد الكلاب الضالة في البلاد. وتنفي الحكومة المغربية أي نية للتخلص من الكلاب الضالة، مؤكدة أنها تفضل منذ العام 2019 تقنية الالتقاط والتعقيم والتلقيح. لكن الجدل لم يتوقف، إذ دعت أخيرا مؤسسة بريجيت باردو الفرنسية للرفق بالحيوان الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) إلى سحب الحق بتنظيم المونديال من المغرب. في المقابل، ندد وزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت أخيرا بما اعتبرها 'هجمات إعلامية ممنهجة تسعى إلى تشويه صورة المملكة'، استنادا إلى 'معطيات مغلوطة وخارجة عن سياقها'. بالموازاة، أعلنت الحكومة في 10 يوليوز مشروع قانون 'لحماية الحيوانات الضالة والوقاية من أخطارها'، يطمح إلى 'التوازن بين الحفاظ على أمن وسلامة المواطنين وتوفير الرعاية والحماية اللازمتين' لتلك الحيوانات. يتضمن المشروع الذي يرتقب تبنيه بعد دراسته في البرلمان، عقوبات من بينها الحبس من شهرين إلى ستة أشهر، أو غرامة بين 500 إلى 2000 دولار ضد كل من 'قام عمدا بقتل حيوان ضال أو تعذيبه أو إيذائه'. كذلك، تعمم السلطات تعليمات تحث المسؤولين المحليين على التخلي عن قتل الكلاب الضالة، واعتماد التعقيم والتلقيح. على الرغم من ذلك، لا تزال هناك عمليات إعدام للكلاب الضالة، بما فيها تلك التي تحمل علامة التعقيم، بالرصاص أو السم، بحسب فيديوهات منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي. توضح سليمة قضاوي 'بالنسبة للسلطات، يمثل وجود كلاب ضالة في الشوارع صورة سلبية'، مشددة في الوقت نفسه على 'استعدادها للتعاون' معها، وإقرارها بالجهود المبذولة من الحكومة. وتؤكد على 'ضرورة' إعادة الكلاب الضالة إلى مناطقها، بعد تعقيمها وتلقيحها، حيث تصبح بمثابة 'شرطة للوقاية ضد السعار' تقوم بإبعاد الكلاب المصابة به في حالة اقترابها من مناطقها، 'وتحمي بذلك المواطنين'. تفخر قضاوي (52 عاما) بمعالجة أكثر من 4600 كلب في طنجة منذ العام 2016. أما الكلاب العنيفة التي تشكل خطرا فتقوم بتعقيمها ونقلها إلى مأوى أسس العام 2012. من جهتها، خصصت الحكومة نحو 25 مليون دولار لإنشاء 'مستوصفات بيطرية وفق المعايير المعتمدة' لإجراء عمليات التعقيم والتلقيح، كما يؤكد رئيس قسم حفظ الصحة والمساحات الخضراء بوزارة الداخلية محمد الروداني. في بلدة العرجات بضواحي الرباط، استقبل مستوصف متخصص نحو 500 كلب. ومنذ بدء العام، أعيد 220 منها إلى مناطقها بعد خضوعها للتعقيم والتلقيح. يوضح البيطري بمركز العرجات يوسف الحر 'يسألنا الناس أحيانا مستغربين لماذا نعيد الكلاب من حيث أخذناها'، مشددا على أهمية توعية المواطنين حول الموضوع. وصممت السلطات أخيرا تطبيقا يشرح عمل هذه المستوصفات المتخصصة، ويتيح الإبلاغ عن وجود كلاب ضالة. تنبه قضاوي إلى أن التربية على التعامل مع الكلاب تتيح تفادي الهجمات بنسبة 95 في المئة، مشددة على تعليم السلوكات المناسبة ومواجهة الأفكار المغلوطة حول الموضوع.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store