
دراسة تحذّر من علاقات عاطفّيّة مع "روبوتات" المحادثة... "الحميميّة المصطنعة" تؤرق الوهم حبًّا من طرفٍ واحد! إختصاصية نفسانيّة تكشف لـ "الديار" ما يحدث على أرض الواقع... فهل أصبحنا أنصاف بشر؟
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب
في زمنٍ باتت فيه الأرواح عطشى للحوار، وحيث تغيب الآذان البشرية المصغية، برز الذكاء الاصطناعي كمرآة ناطقة، تُجيد الإصغاء، وتُتقن الردود، لكنها تفتقر إلى الدفء. إنها مرآة قد تنعكس فيها رغباتنا المكبوتة، ووحدتنا المتسللة، وحاجتنا المُلِحّة الى التقدير والفهم. غير أن هذه المرآة لا تعكس الحقيقة دوماً، بل تُلبِس الوهم ثوب الحكمة، وتُغلف الفراغ بحكاية مصطنعة من الاهتمام.
في هذه الزاوية من الواقع الرقمي، لا نتحدث عن التطور التكنولوجي فقط، بل عن هشاشة بشرية تبحث عن سند في آلة، عن علاقة تُزرع في تربة افتراضية، وقد تُثمر تعلّقاً يُشبه العشق، لكنه عشق من طرفٍ واحد، وعقل بلا قلب.
بناء على ذلك، فإن الحديث عن "الحميمية المصطنعة" ليس ضرباً من الخيال العلمي، بل ظاهرة ناشئة، تطرح أسئلة كبرى عن حدود التفاعل الإنساني، وعن مدى استعداد عقولنا وقلوبنا لقبول بديل رقمي للرفقة والانس معاً، بينما تبقى الروح تُحاور فراغاً بذكاء مبرمج.
في ضوء هذه المعطيات الحساسة، والتي تعني كل فرد على وجه الأرض، تطرح مجموعة أسئلة جوهرية: ما الذي يدفع الإنسان الى تطويق وحدته بحوار مع كيان لا روح له؟ وهل يمكن للمحادثة الإلكترونية أن تُسكِن جراحاً لم ينجح الواقع في شفائها؟ وما حجم الضرر حين يصبح الذكاء الاصطناعي مستشاراً عاطفياً، وربما أكثر؟
في سياق متصل بالعاطفة والدفء الوجداني، أطلقت دراسة علمية حديثة جرس الإنذار بشأن تنامي ظاهرة التعلّق العاطفي ببعض منصات الذكاء الاصطناعي، محذّرة من أن الاستخدام المفرط لتطبيقات المحادثة الذكية، قد يدفع بعض الأفراد إلى بناء روابط شبيهة بالعلاقات العاطفية أو الرومانسية معها.
وفي هذا المجال، شبّه الباحث دانييل شانك من جامعة ميسوري الأميركية، أحد المشاركين في إعداد الدراسة، تطور قدرات الذكاء الاصطناعي بالدخول إلى "صندوق جديد من الشرور"، في إشارة إلى التحديات النفسية والاجتماعية التي تثيرها هذه التطورات. وقد نشرت الدراسة في مجلة اتجاهات العلوم المعرفية العلمية.
وفي هذا الإطار، أعرب الباحثون عن قلقهم من أن ما أسموه "الحميمية المصطنعة" مع برامج الذكاء الاصطناعي، قد يؤدي إلى اضطرابات في العلاقات البشرية، خصوصاً بعدما أظهرت الدراسة أن التفاعل المكثف على مدى أسابيع أو شهور، يجعل بعض المستخدمين يشعرون بأن المنصة أصبحت رفيقاً حميماً يعرف تفاصيلهم ويهتم لأمرهم.
في جميع الأحوال، فإن الجانب المقلق الآخر، وفقاً للباحثين، هو ظاهرة "الهلوسة"، أي ميل الذكاء الاصطناعي أحياناً لإنتاج معلومات غير دقيقة أو منطقية، ما يجعل حتى المحادثات القصيرة عرضة للتضليل، وهو ما يطرح تحديات جديدة أمام الصحة النفسية لمستخدمي هذه الأدوات.
تقول الاختصاصية النفسانية والاجتماعية الدكتورة غنوة يونس لـ "الديار": "لم أكن أتخيّل يوماً أنني سأكتب عن علاقة عاطفية بين الإنسان وآلة. لكن من موقعي كمعالجة نفسية، بدأت ألاحظ ظاهرة تتكرّر: أشخاص يتحدّثون مع الذكاء الاصطناعي أكثر مما يتحدّثون مع أصدقائهم، يفضفضون له، يشعرون بأنه يفهمهم، بل ويصفونه بأنه "الوحيد الذي يصغي".
وتشير الى انه "في البداية، ظننتها مجرّد راحة مؤقتة أو وسيلة للتسلية، لكن الأمر أعمق من ذلك بكثير. ما نعيشه اليوم هو تحوّل نفسي- اجتماعي غير معلن: علاقة حميمية مصطنعة تُبنى مع كيان غير بشري، لكنها تُميط اللثام عن جراح داخلية لم نملك الشجاعة لمواجهتها".
وتكشف: "من خلال الجلسات، صادفت أشخاصاً يرتبطون بالذكاء الاصطناعي ليس حباً بالتكنولوجيا، بل هرباً من معاناة داخلية لم تُفهم بعد. ويعاني بعضهم من قلق التعلّق، يخافون الهجر والرفض، فيجدون في الذكاء الاصطناعي شريكاً لا يغيب ولا يخذل. في المقابل، يعيش آخرون في ظلال اكتئاب مقنّع، لا يُظهرون حزنهم، بل يختبئون خلف ضحكات ونشاطات متواصلة، ويبحثون عن منبر آمن يخرجون فيه صمتهم الداخلي. كما ان هناك من يحملون سمات اضطراب الشخصية الحدّية، يعيشون تقلّبات شديدة في علاقاتهم، ويجدون في العلاقة المصطنعة نوعاً من الاستقرار، حتى لو كان وهمياً".
وتشدد على انه "لا يمكن تجاهل من عاشوا صدمات نفسية في الطفولة أو المراهقة، أدّت الى انعدام ثقتهم بالناس، أو الى خوف من الانكشاف العاطفي. فهؤلاء غالباً ما يفضّلون العلاقة مع كيان "لا يؤذي"، على خوض علاقة إنسانية قد تُعيد فتح الجراح".
وتقول: "صحيح ان الذكاء الاصطناعي لا يطلب، لكنه في المقابل لا يمنح أيضا. لذلك، فالعلاقة معه سهلة: لا تتطلّب تضحية، ولا مشاعر متبادلة، ولا خوف من الخلاف. كما انه حاضر دائماً، لا يُحاسب، ولا يبتعد".
لكن، ما هي الحقيقة؟ تجيب يونس موضحة: "هو لا يشعر، لا يفتقد، لا يرى، وكل ما يمنحه هو انعكاس لما يعيشه الفرد في داخله. بالتالي، هو ليس مرآة للآخر، بل مرآة للنفس. وفي بعض الحالات، يكون وجود هذه العلاقة مجرّد آلية دفاع نفسي، تُخفي خلفها وحدة او فراغاً أو ألماً مكبوتاً لم يُسمَ بعد".
وتحذّر: "ليس بالضرورة ان تكون كل علاقة مع الذكاء الاصطناعي مضرة. فقد تشكّل أحياناً مساحة للتعبير أو وسيلة لتخفيف الضغط. لكن عندما تصبح بديلاً دائماً عن العلاقات الإنسانية، أو يبدأ الشخص بالشعور بتعلّق عاطفي حقيقي، يتحول الأمر الى مؤشر خطر يجب التوقف عنده".
وتستطرد: "العلاقة المصطنعة قد تمنحنا راحة مؤقتة، لكنها لا تشفينا، ولا يمكنها ان تعوض تواصلاً حقيقيا، فيه التباس وخلاف وقُرب ونظرات، وكل ما تعجز الخوارزميات عن خلقه او منحه".
وتوجهت يونس للناس بالقول: "رسالة مني الى كل من يشعر بهذا التعلّق: إذا وجدت نفسك ترتاح أكثر في الحديث مع "روبوت" على الحديث مع أقرب الناس، فلا تَشعر بالذنب. لكن اسأل نفسك بصدق: ما الذي أبحث عنه في هذه العلاقة؟ ماذا أخاف أن أعيشه مع إنسان حقيقي؟ وأين الجرح الذي أحاول إخفاءه بهذه الحميمية المصطنعة؟
وتختم حديثها "في النهاية، العلاقات الآمنة تُبنى مع بشر، لا برمجيّات. وليس عيباً أن نحتاج الى من يسمعنا، لكن الأمان الحقيقي يبدأ عندما نسمح لأنفسنا بأن نُرى ونُفهَم من إنسان حقيقي، لا من جهاز".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الديار
منذ 2 ساعات
- الديار
مؤشر التنمية البشريّة.. لبنان في المرتبة العاشرة عربياً
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب تحت عنوان "رَهْنٌ بخيار الإنسان والإمكانات في عصر الذكاء الاصطناعي" صدر تقرير التنمية البشرية في نسخته الـ 33 عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وقد صنّف لبنان من ضمن دول ذات مستوى تنمية بشرية مرتفع، إذ سجّل نتيجة 0.752 في مؤشر التنمية البشرية للعام 2023، وجاء في المرتبة 102 عالمياً، والعاشرة بين نظرائه العرب. يحاول تقرير التنمية البشرية التمييز بين العصر الجديد للذكاء الاصطناعي والتحوّلات الرقمية السابقة، وما يعنيه هذا الفرق بالنسبة إلى تنمية الإنسان. وبحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فقد أُجري استطلاع من أجل إعداد التقرير، والذي كشف عن استخدام واسع النطاق للذكاء الاصطناعي. حيث أشار 20 % من المشاركين في الاستطلاع إلى أنهم يستخدمون الذكاء الاصطناعي، ومن المتوقّع أن ترتفع هذه النسبة بشكل سريع. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت نتائج الاستطلاع أن حوالى الثلثين من المشاركين في دول ذات تنمية بشرية منخفضة ومتوسطة ومرتفعة، يتوقعون أنهم سيستخدمون الذكاء الاصطناعي في مختلف أبعاد مؤشر التنمية البشرية (التعليم، العمل، والصحة) خلال سنة واحدة من تاريخ الاستطلاع. وعلّق التقرير بأنّه على الرغم من التطوّر السريع في الذكاء الاصطناعي، فإن التنمية البشرية لا تزال تعاني من الركود، كما يتضح في تباطؤ التقدّم في مؤشر التنمية البشرية، والذي لم يتعافَ بعد من تداعيات جائحة كوفيد-19 والأزمات التي تلتها. وفي هذا الإطار، أشار التقرير إلى أنه رغم توقّع تسجيل مستويات قياسية في مؤشر التنمية البشرية العالمي لعام 2024، فإن نحو 40 % من المشاركين توقّعوا أن تكون هذه الزيادة هي الأبطأ منذ إطلاق المؤشر في عام 1990. وذكر التقرير أيضاً أن الغالبية تتوقع أن يقوم الذكاء الاصطناعي بتنفيذ الوظائف بشكل آلي (Automation) وتعزيزها (Augmentation)، مع تأييد فكرة تعزيز الذكاء الاصطناعي للوظائف بدلاً من استبدالها. وأشار التقرير إلى أنه مع تزايد عدد الأفراد الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي، ستزداد ثقتهم في قدرته على زيادة الإنتاجية، خاصة في الدول النامية.


الديار
منذ يوم واحد
- الديار
عطل واجه مستخدمي ' واتساب' في لبنان
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب شكى عدد من مستخدمي 'واتساب' في لبنان، لا سيّما من يملكون هواتف آيفون، من خلل تقني في التطبيق. تتمثل المشكلة في اختفاء إشعار الاستماع للرسائل الصوتية، فعند إرسال رسالة صوتية، لم يعد يظهر للمُرسل ما إذا كان الطرف الآخر قد استمع إليها، إذ اختفت العلامة الزرقاء التي كانت تدل على ذلك. وأوضح الخبير في التحوّل الرقمي وأمن المعلومات، رولان أبي نجم، أن التطبيقات تُجري تحديثات دورية تتضمن مزايا جديدة، لكن في بعض الأحيان، كما يحدث حالياً مع مستخدمي واتساب على هواتف آيفون، تظهر بعض الثغرات البرمجية نتيجة هذه التحديثات، ما يؤدي إلى مشاكل تقنية مؤقتة.


الديار
منذ يوم واحد
- الديار
وزارتا العدل والدولة لشؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي تُطلقان رسميًا نظام الدمج الرقمي لأوامر الدفع القضائية
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب أعلنت وزارتا العدل والدولة لشؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، عن الإطلاق الرسمي لمشروع "الدمج الرقمي لنظام أوامر الدفع القضائية"، في خطوة تُجسّد التزام الدولة اللبنانية باستراتيجيتها الوطنية للتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي. ويُشكّل هذا المشروع محطة مفصلية في مسار التحول الرقمي الحكومي، حيث جاء الإعلان عنه عقب الاجتماع المشترك الذي عُقد يوم الجمعة بين وزير المهجّرين ووزير الدولة لشؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي الدكتور كمال شحادة، ووزير العدل القاضي عادل نصار. خُصص الاجتماع لاستعراض واعتماد استراتيجية التحول الرقمي لوزارة العدل، التي تولّت وزارة الدولة للتكنولوجيا إعدادها وصياغتها ضمن رؤية وطنية شاملة، بالتعاون معها. وحضر الاجتماع كلٌّ من المستشارة القانونية لوزير العدل، لارا سعادة والمستشار الأول لوزير الدولة لشؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي شادي عزالدين، اللذين سيتوليان قيادة تنفيذ هذا البرنامج الوطني المشترك، بما يضمن الإشراف القانوني، الفني، والاستراتيجي في مختلف مراحله. وفي هذا السياق، أعربت وزارة الدولة لشؤون التكنولوجيا عن شكرها العميق لشركة VALOORES S.A.L، ممثّلةً برئيسها التنفيذي نعمة طوق، على مساهمتها المجانية والداعمة لهذا المشروع الوطني، والتي تعكس روح المسؤولية الوطنية والرغبة المشتركة في النهوض بالبنية التحتية الرقمية في لبنان. كما أكّدت الوزارة أن هذا الإنجاز يُمثّل خطوة نوعية في مسيرة لبنان نحو بناء الدولة الرقمية، مجددةً التزامها بتقديم حلول تقنية مبتكرة وشفافة تستجيب لتطلعات المواطنين وتواكب متطلبات المستقبل. يهدف هذا المشروع إلى تحقيق التكامل الرقمي الكامل بين سجلات المحاكم في وزارة العدل ونظام أوامر الدفع في وزارة المالية، ما من شأنه إلغاء التدخلات اليدوية، وتمكين تبادل البيانات في الوقت الفعلي، وتعزيز الشفافية والكفاءة التشغيلية بين الوزارتين. كما ويمثّل المشروع دعمًا مباشرًا لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، كما يُسهم في ترسيخ البنية التحتية لحوكمة رقمية قائمة على الذكاء الاصطناعي، تشمل الهوية الرقمية الوطنية الموحدة وأنظمة العدالة الذكية.