
الدواء المحرم وسرّ الطريق المباح: الجزائر والكابتاغون
عبد القادر الفرساوي
بينما أنا أقلب المقالات بحثا عن معنى وسط ركام الأخبار،وصلني مقال بالغ الخطورة للزميل الجيلالي العدناني، نشر في موقع Le360، يكشف فيه ما يشبه جريمة نائمة في الأرشيف، تنام بين الأوراق المصفرة في وزارات الخارجية والدفاع، وتستيقظ كلما انكشفت شحنة جديدة من 'الكابتاغون' على حدود اليونان أو مرافئ السودان.
لم يكن المقال تحقيقا صحفيا بالمعنى التقليدي، بل خرقا هادئا للستار الحديدي الذي فرضته الجزائر على أرشيفها الثوري. فابتداء من برقية دبلوماسية فرنسية مؤرخة في 12 ديسمبر 1984، تبدأ الخيوط في التشابك: 36 مليون قرص من مادة الكابتاغون، طلبها شخص مقرب من القذافي من شركة ألمانية، يتم نقلها عبر الجزائر نحو ليبيا، ومنها إلى ميادين الحرب في تشاد ولبنان. كبسولات بيضاء صغيرة، كانت بمثابة الوقود الكيميائي لميليشيات الثورة وصراخ العقيدة.
نعم، الجزائر التي ما فتئت تقدم نفسها كقبلة الأحرار، كانت في الثمانينيات معبرا أمينا وأحيانا مصنعا صامتا لمخدرات تباع في السوق على أنها 'عقيدة حماسية'. كان مرور الشحنات يجري بوثائق مختومة بـ'سري دفاع'، تمر معها شحنات مزدوجة: من جهة قذائف مدفعية، ومن الجهة الأخرى مادة الفينيتيلين التي تُحول لاحقا إلى أقراص 'كابتاغون'، ذلك المخدر الذي يحول الإنسان إلى وحش لا ينام ولا يتراجع.
الجيلالي العدناني لا يكتفي بالسرد، بل يستنطق الوثائق: تقارير أوروبية، مذكرات من مجلس الشيوخ الفرنسي، خرائط عبور موثقة، تشير كلها إلى أن الجزائر لم تكن فقط ساحة عبور، بل مكونا أساسيا في صناعة شبكة عابرة للقارات، ربطت بين فرانكفورت وطرابلس، ثم دمشق وبيروت. وضمن تلك الشبكة، تمكنت الجزائر، باسم الوطنية، من توفير كل شيء: المعامل، الغطاء القانوني، السيادة الصامتة، بل وحتى الحسابات المالية في الجنات الضريبية.
من ليبيا إلى سوريا، كان المخدر يستخدم كعملة ميدانية، ودواء للجنود، وأداة لتحريك الحدود. ومع أن الكابتاغون صُنف كمخدر خطير منذ عام 1986 من طرف الولايات المتحدة، ثم منظمة الصحة العالمية، إلا أن إنتاجه لم يتوقف، بل تغير شكله وتوزعت مختبراته بين الدول المستبدة، وتم دمجه في اقتصاد الحرب.
اليوم، تعد سوريا الأسد المصنع الأضخم لهذا المخدر، إذ تشير تقارير أمنية إلى أن عائداته السنوية تجاوزت 57 مليار دولار سنة 2022، وهو رقم لا تحققه حتى صادرات النفط في بعض الدول الخليجية. من هناك، تهرب الحبوب عبر طرقات مشبوهة إلى الأردن ولبنان والعراق، حيث يعاد توزيعها إلى الداخل السعودي والخليج وأوروبا.
والقارئ قد يسأل: وما دخل الجزائر اليوم؟ أليست تلك قصة قديمة؟
لكن الحقيقة أن الطرق لم تتغير، والوجوه فقط تلبس أقنعة جديدة. فالشحنات التي تم حجزها في السنوات الأخيرة، من سالونيك إلى بور سودان، كانت تحمل نفس البصمة الكيميائية الصحراوية، ما يؤكد أن الشبكة القديمة، تلك التي رعتها أنظمة 'الثورة والتقدم'، لم تفك بعد، بل أعادت تنظيم نفسها وفق أساليب الجيل الجديد من الأنظمة والمهربين.
في هذا السياق، لا يمكننا الحديث عن الاستقرار في شمال أفريقيا أو الساحل أو الشرق الأوسط دون تفكيك هذه الشبكات. فـ المخدر لم يكن فقط تجارة، بل كان ولا يزال أداة حرب، وعملة دبلوماسية، وطوق نجاة سياسي. الجزائر الرسمية، بصمتها، تساهم في استمرار هذه الحلقة الجهنمية. فهي ترفض فتح الأرشيف، وتخفي الوثائق خلف أسوار 'السيادة الوطنية'، وتقدم نفسها للغرب على أنها قلعة ضد الإرهاب، بينما لم تتبرأ يوما من دعمها التاريخي لنفس الجماعات.
لقد آن الأوان لقول الحقيقة كاملة:
الثورة التي تسوق بالكلمات، وتروّج بالحناجر، ثم تموَّل بالكبسولات… ليست ثورة، بل مشروع تخدير للأوطان والعقول.
لم يكن الكابتاغون وحده من خرب العقول والجبهات. فثمة كابتاغونات أخرى لا تبلع بل تُصفق لها، تذاع في نشرات الأخبار، وتروج في أعمدة الرأي ومنصات التحليل، حيث يرتدي المبوقون عباءة النضال، وينفخون في نار الخراب باسم الشعوب.
أولئك الذين باعوا الوعي الجماهيري بالتقسيط، وسوّقوا لشعارات التخدير، هم أيضا شركاء في الجريمة، ولو لم يمرروا الكبسولات.
المخدر الحقيقي ليس ما يحقن في الدم، بل ما يغرس في الوعي باسم الثورة، والتاريخ، والمصير المشترك.
وإذا كانت الجزائر الرسمية اليوم حريصة على 'تبييض' ماضيها، فلتبدأ بفتح أرشيفها الكامل حول ملف الكابتاغون، وتكشف للمغاربيين والعرب والأوروبيين:
من أنتج؟ من نقل؟ من موّل؟ من غطى؟ ومن ما زال يشتغل في الظل؟
قراءة في مقال الكاتب الجيلالي العدناني، Le360، 20 يوليو 2025، مع استحضار وثائق أرشيفية وتقارير أوروبية حول تهريب الكابتاغون وشبكاته الإقليمية

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


حدث كم
منذ 20 ساعات
- حدث كم
ترامب: ما يحصل في غزة مفجع ومؤسف وعار
قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن ما يحصل في غزة مفجع ومؤسف وعار وكارثي، في أحدث تصريحاته بشأن الوضع المأساوي في القطاع الفلسطيني الذي يتعرض لحرب إبادة من قبل إسرائيل منذ 22 شهرا. وأضاف ترامب أمام صحفيين في البيت الأبيض الخميس، أن واشنطن قدمت 60 مليون دولار أميركي قبل أسبوعين للمساعدات في غزة، لكنه لا يرى أي نتائج للمساعدات التي قدمتها الإدارة الأميركية. وأشار الرئيس الأميركي إلى أنه يريد فقط أن يحصل الناس على الطعام في غزة وهو يساعد ماليا في هذا الوضع. وقال ترامب إن خطط كندا للاعتراف بدولة فلسطين في اجتماع للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول المقبل لا تروق له، لكنه أضاف أنها لا تفسد محادثات التجارة مع أوتاوا. في سياق متصل، قالت المتحدثة باسم البيت الابيض كارولاين ليفيت إن المبعوث الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف والسفير الأميركي في إسرائيل مايك هاكني عقدا اجتماعا وصفته بالمثمر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومسؤولين آخرين، لبحث سبل إيصال المساعدات إلى قطاع غزة. وأشارت ليفيت في مؤتمر صحفي بواشنطن إلى أن ويتكوف وهاكابي، سيزوران غزة الجمعة لتفقد مواقع توزيع المساعدات، وسيقدمان إحاطة للرئيس ترامب بعد الزيارة للموافقة على الخطة النهائية لتوزيع المساعدات. والتقى ويتكوف امسالخميس، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية في القدس المحتلة، وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن الاجتماع بين الطرفين خُصص للوضع الإنساني في قطاع غزة وصفقة تبادل الأسرى ووقف اطلاق النار . وقد تصاعدت أخيرا الدعوات الدولية والأممية لإنهاء الحرب والحصار المفروض على قطاع غزة بعد الارتفاع الكبير في أعداد الشهداء الفلسطينيين المجوّعين الذين يقتلون في ' مصائد الموت' عند نقاط توزيع مساعدات ما تسمى 'بمؤسسة غزة الإنسانية' التي تقف وراءها الولايات المتحدة وإسرائيل. حدث/وكالات


الشروق
منذ يوم واحد
- الشروق
ترمب يُصدر لائحة الرسوم الجمركية الجديدة بتعديلات غير متوقعة
وقع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أمراً تنفيذياً لتعديل الرسوم الجمركية المضادة على الدول التي لم يتم التوصل معها لاتفاقات جمركية. وبحسب اللائحة التي نشرها البيت الأبيض، رفع ترمب نسبة الرسوم على 20 دولة بينها تركيا وسويسرا وكندا، في حين خفضها على 40 دولة، وذلك مقارنة بالمستويات التي أعلنها في أفريل الماضي، في إطار ما أطلق عليه اسم 'يوم التحرير'. وبالرغم من هذا الإجراء، ترك الرئيس الأمريكي، الباب مفتوحاً أمام الدول لتقديم عروض جديدة بخصوص توقيع اتفاقيات تجارية مع بلاده، حيث قال في تصريح لشبكة 'سي ان بي سي' إن 'هذا لا يعني أن أحدهم لن يأتي خلال أربعة أسابيع ليقترح صفقة ما'. وفي معرض حديثه عن الإجراء الجمركي الجديد، كشف ترامب، عن جمع الولايات المتحدة 26 مليار دولار من عائدات الرسوم في جوان الماضي، وفقاً لبيانات وزارة الخزانة، وأضاف: 'سنجني مئات المليارات من الدولارات، وبسرعة كبيرة'. وبالنسبة للدول العربية، عمد ترامي، الى تخفيض الرسوم الجمركية المطبقة على 04 دول عربية، على غرار الأردن من 20 % الى 15 % وتونس من 28 % الى 25 %، في حين تمّ فرض اعلى نسبة رسوم جمركية على الجمهورية العربية السورية بنسبة 41 %. وسيتم بدء تنفيذ هذه الرسوم خلال7 أيام من تاريخ توقيع الأمر التنفيذي.


البلاد الجزائرية
منذ 2 أيام
- البلاد الجزائرية
ترامب يوقع أمرا تنفيذيا بفرض رسوم بنسبة 50% على البرازيل - الدولي : البلاد
وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مساء الأربعاء، أمرا تنفيذيا بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 بالمئة على البرازيل، مبررا ذلك بأن سياسات البرازيل والملاحقة الجنائية للرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو تُشكل "حالة طوارئ اقتصادية" بموجب قانون صدر عام 1977. وكان ترامب هدد بفرض هذه الرسوم في 9 يوليو في رسالة إلى الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، لكن الأساس القانوني للتهديد كان أمرا تنفيذيا سابقا استند إلى فكرة أن اختلال الميزان التجاري يهدد الاقتصاد الأميركي، غير أن الولايات المتحدة سجلت فائضا تجاريا مع البرازيل بقيمة 6.8 مليار دولار العام الماضي، وفقا لمكتب الإحصاء الأميركي. وذكر بيان للبيت الأبيض أن السلطة القضائية في البرازيل حاولت "إجبار شركات التواصل الاجتماعي على اتخاذ إجراءات" و"منعت مستخدمين من الوصول"، دون تسمية الشركات المعنية، والتي تشمل إكس ورامبل. ومع ذلك، لن تُطبق الرسوم الإضافية على جميع السلع المستوردة من البرازيل، حيث استُثنيت منها بعض المنتجات مثل الطائرات المدنية وقطع غيار والألومنيوم والقصدير ولب الخشب ومنتجات الطاقة والأسمدة. وأوضح القرار أن الرسوم الجديدة ستدخل حيز التنفيذ بعد سبعة أيام من توقيعها يوم الأربعاء.