logo
"سعد البواردي" قيثارة الحرف وعبق الكلمة

"سعد البواردي" قيثارة الحرف وعبق الكلمة

الحدث٢٣-٠٤-٢٠٢٥

علي بن أحمد الزبيدي
في رياض نجد العذية، حيث تتنفس الرمال عبق التاريخ وتتسامر النخيل بأسرار البادية، بزغ فجر أديب فذ، هو سعد البواردي. ولد هذا القلم السيال في محافظة شقراء في كنف أسرة عريقة، تشربت حب الأدب وتقدير الكلمة، فكانت تلك البذور الأولى التي نمت وترعرعت لتثمر غصونًا وارفة من الإبداع. منذ نعومة أظفاره، أظهر البواردي شغفًا جمًا بالقراءة والاطلاع، ينهل من معين الكتب والمعارف بنهم لا يرتوي، ويتنقل بين صفحاتها كفراشة تحط على أزهار البساتين.
في مقتبل شبابه، بدأت ملامح موهبته الأدبية تتضح جليًا، فكانت كلماته تتدفق عذوبة وسلاسة، وأفكاره تنبض عمقًا وإشراقًا. لم تقتصر اهتماماته على لون أدبي واحد، بل تنوعت مشاربه بين الشعر الفصيح والنبطي، والقصة القصيرة، والمقالة الأدبية، تاركًا بصمته الفريدة في كل مجال ولجه.
تجلَّى إبداع "سعد البواردي" في العديد من الأعمال الأدبية التي أثرت المكتبة العربية وأسرت قلوب القراء. في مجال الشعر، نظم قصائد بديعة تتغنى بالوطن وجماله، وتعكس مشاعره الإنسانية الصادقة، وتلامس قضايا المجتمع بوعي ورؤية نافذة. أما في القصة القصيرة، فقد استطاع ببراعة أن يقتنص اللحظات الإنسانية العابرة ويحولها إلى حكايات آسرة تحمل في طياتها دروسًا وعبرًا.
لم يغفل "البواردي" عن فن المقالة، فكانت مقالاته بمثابة نوافذ مشرعة على آفاق الفكر والثقافة، يحلل فيها القضايا الأدبية والاجتماعية بأسلوب رشيق وعميق، ويدعو إلى التفكير النقدي البناء. لقد كان قلمه سيفًا الحق، يدافع عن القيم النبيلة ويسعى إلى الارتقاء بالذائقة الأدبية والوعي المجتمعي.
من أبرز أعماله التي لا تزال تتردد أصداؤها في أروقة الأدب:
* ديوان "همسات الروح": مجموعة شعرية تجسد رقّة إحساسه وعمق رؤيته.
* مجموعة قصصية "ظلال الأمس": حكايات إنسانية مؤثرة تحكي قصصًا من واقع الحياة.
* كتاب "في محراب الكلمة": مقالات أدبية ونقدية تعكس فكره المستنير.
لقد تميز أسلوب "سعد البواردي" بالجمال والرقة، والقدرة على التصوير البديع للمعاني والأحاسيس. كان يمتلك لغة ثرية وأخاذة، يعرف كيف يختار الكلمات بعناية فائقة، وكيف ينسج منها عبارات ساحرة تأسر القارئ ، وتنقله إلى عوالم أخرى. لم يكن أدبه مجرد ترفيه أو تسلية، بل كان يحمل رسالة سامية، ويسعى إلى إحداث تأثير إيجابي في المتلقي.
لم يكن عطاء "سعد البواردي" مقتصرًا على إبداعاته الأدبية فحسب، بل امتد ليشمل مشاركته الفاعلة في الحياة الثقافية والأدبية في المملكة العربية السعودية. كان عضوًا فاعلًا في العديد من المؤسسات والمنتديات الأدبية، يساهم بآرائه النيرة ويشجع المواهب الشابة ويحرص على إثراء الحراك الثقافي.
تقديرًا لجهوده وإسهاماته القيمة، حظي "سعد البواردي" بالعديد من الجوائز والتكريمات على المستويين المحلي والعربي، مما يعكس مكانته الرفيعة في عالم الأدب والفكر. لقد كان بحق علامة فارقة في مسيرة الأدب السعودي الحديث، ورمزًا للإبداع الأصيل والكلمة الصادقة.
وطوى الموت صفحة من صفحات هذا الأديب القدير، تاركًا خلفه إرثًا أدبيًا ثريًا وذكرى عطرة في قلوب محبيه وقرائه. لقد رحل سعد البواردي بجسده، لكن روحه الوثابة وكلماته الخالدة ستبقى تتردد في أروقة الأدب، تلهم الأجيال القادمة من الكتاب والمبدعين.
سيظل اسم "سعد البواردي" محفورًا بأحرف من نور في سجل الأدب العربي، وسيظل عطاؤه منارة تضيء دروب الساعين إلى الجمال والحقيقة عبر الكلمة. لقد كان قيثارة تعزف ألحان الإبداع، وعبقًا يفوح من بساتين الفكر، وسيظل ذكره طيبًا ما بقي للأدب صدى وللكلمة أثر.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

سَعَد البوَاردِي: المُتَرسِّلُ الأَخِيرُ
سَعَد البوَاردِي: المُتَرسِّلُ الأَخِيرُ

سعورس

time٠٢-٠٥-٢٠٢٥

  • سعورس

سَعَد البوَاردِي: المُتَرسِّلُ الأَخِيرُ

على أن أديبنا الراحل -رحمه الله- كانت له زاويا أخرى متنوعة في الصحافة السعودية، وهي زوايا أسبوعية شهدت تحولات نضجه الكتابي، والفني الذي يمكن تقديره في نصف قرن من الزمن، فبين مجلة الإشعاع، وجريدة الجزيرة، ظل البواردي كاتباً مبدعاً في مقالاته، وكانت زواياه الأسبوعية تضيء عالم الصحف السعودية، كاليمامة، والمسائية، والجزيرة، واليوم. ويمكن أن نذكر منها: (من النافذة، والباب المفتوح، ومع الناس) في صحيفة اليمامة، و(السلام عليكم) في صحيفة الجزيرة، و(عالم فوق صفيح ساخن) في صحيفة المسائية، و(نافذة على عالمنا العجيب) في صحيفة اليوم، وأخيراً زاويته الشهيرة في جريدة الجزيرة (استراحة داخل صومعة الفكر). أبدع في الشعر، وكان رائداً للمدرسة الواقعية فيه، وصدرت له عدة دواوين شعرية، منها مثلاً: (أغنية العودة وذرات في الأفق، ولقطات ملونة، وصفارة الإنذار، ورباعياتي، وأغنيات لبلادي، وإبحار ولا بحر، وقصائد تتوكأ على عكاز، وقصائد تخاطب الإنسان، وحلم طفولي)، وفي النثر، أصدر ستة كتب تناول أكثرها فن المقالة، منها مثلاً: (ثرثرة الصباح، وحروف تبحث عن هوية، واستراحة في صومعة الفكر، وإطلالة حول العالم، وللسلام كلام، وحتى لا نفقد الذاكرة، وكلمات للحياة، وفلسفة المجانين، وأجراس المجتمع، وثرثرة الصباح)، إضافةً إلى مجموعة قصصية واحدة حملت عنوان (شبح من فلسطين)، وبعض إصدارات ثقافية ذات طابع اجتماعي، كما في: (تجربتي مع الشعر الشعبي، وأبيات وبيات، ومثل شعبي في قصة)، وغيرها. وكانت آخر مؤلفاته التي كتبها في العقد الأخير من حياته: (نافذة على عالمنا العجيب، وثرثرة الظهيرة)، وكذلك سيرته (شريط الذكريات) التي أسدل بها الستار على عمر أدبي جميل. غير أن الذي لا يُعرف كثيراً عن أديبنا البواردي رحمه الله - وأرجو أن يتوجه إليه الباحثون والمهتمون - أنه كان من طائفة المترسّلين القلائل الذين أخذوا ينضبون في هذا الزمن، ولعل كتابه (رسائل إلى نازك) الذي كتبه مخاطباً ابنته، كان خاتمة أدب الرسائل الرصين، وقد اختط فيه مسلك حمزة شحاتة في رسائله إلى ابنته شيرين. لقد كان البواردي من أواخر الذين تفنّنوا في أدب الرسائل، سواء من جهته المضمونية، وغاياته التواصلية، أو من جهته الشكلية والفنية, وما أجمل قوله مخاطباً ابنته بهذه الرسائل، عندما قال: «ثم يا صغيرتي نازك، وأنت طفلة، أو ما دون الطفلة، إنني أخاف عليك، أخاف عليك يا صغيرتي من شيء خافه جدك على أمك، وخافه أبوك عليك، وعلى أولاده وأحفاده، وعسى أن لا يكون، أخاف عليك يا وحيدتي أن تعيشي جاهلة الفهم لما حولك..». رحم الله آخر المترسلين.

‫سعد البواردي.. فقيد الوطن والأدب
‫سعد البواردي.. فقيد الوطن والأدب

سعورس

time٢٤-٠٤-٢٠٢٥

  • سعورس

‫سعد البواردي.. فقيد الوطن والأدب

الله رب الخلق .. أمدنا بالرزق إذا دعاه الداعي .. يحقق المساعي يُسهِّل الأمورا .. ويدفع الشرورا وكل شيء عنده .. بحكمة أعدَّه أكرم به من محسنٍ .. يبرُّ كلَّ مؤمنٍ من حقِّه أن يُعبدا .. حقًّا وأن يُصدَّقا سيظل -رحمه الله- أحد أبرز رواد الصحافة والأدب في العالم العربي الذين انطلقوا من محافظة شقراء، وأسهموا بحظ وافر في النهضة الأدبية، من خلال إنشائه لمجلة «الإشعاع»، وكتابة زاويته الشهيرة (استراحة داخل صومعة الفكر) بجريدة الجزيرة، فضلاً عن العديد من الإصدارات الشعرية والنثرية والتي من بينها: (حتى لا نفقد الذاكرة)، و(قصائد تخاطب الإنسان)، كما ترك إرثًا أدبيًا ضخمًا يزيد على 50 كتابًا، من أبرزها: أغنية العودة، فلسفة المجانين، شبح من فلسطين ، قصائد تتوكأ على عكاز، وأغنيات لبلادي. وبذلك شكّل -رحمه الله- علامة بارزة في المشهد الثقافي السعودي، من خلال دوره الريادي في الصحافة الثقافية، وإسهاماته في إثراء المجالس والفضاءات الأدبية، ودعمه المستمر للمثقفين والنهوض بالوعي الثقافي، كما كان قامة في الأخلاق، حيث عرفه الجميع رجلاً في غاية الطيبة واللطف، بشوشًا كريم النفس، وقبل ذلك، شاعرًا ترك بصمة راسخة في تاريخ الأدب السعودي والعربي. وتقديراً لإسهاماته الكبيرة لقي البواردي الكثير من التكريم فقد كرم عام 1426ه في مسقط رأسه شقراء في نادي الوشم بحضور المفكر والأديب عبدالكريم الجهيمان -رحمهما الله-، ومن الدولة -رعاها الله-، إذ تم تُكريمه كشخصية ثقافية لمهرجان الجنادرية 29 عام 1435ه (2014م)، وقلده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله-؛ في فبراير من العام نفسه وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، تقديراً لنشاطه الأدبي والثقافي على مدى 60 عاماً. لم نكن نعرف أنها بمثابة تلويحة وداع أخيرة، حين ذهبنا -الأستاذ عبدالله الصيخان وأنا- لزيارته في المستشفى التخصصي فاكتشفنا هناك أنه خرج قبل ساعات إلى منزله، فاستبشرنا خيرا بذلك، فذهبنا إلى منزله فكان ملازما لفراشه ولكنه استقبلنا ببشاشته المعهودة، وذكرني بعنوان كتابي رافعاً يده قائلا: "الطريق إلى شقراء" وأحسسنا أنه ولله الحمد لم يزل يمتلك ذاكرته المعهودة، ولم نقض بجانب فراشه سوى دقائق معدودة وودعناه على أمل اللقاء ولكنه كان اللقاء الأخير معه. رحم الله فقيد الوطن والأدب، وأسكنه الفردوس الأعلى، وألهم أهله وذويه وتلامذته ومريديه الصبر والسلوان.. "إنا لله وإنا اليه راجعون". الراحل الكبير سعد البواردي -رحمه الله- ويبدو الزميل محمد الحسيني خلال إحدى المناسبات

"سعد البواردي" قيثارة الحرف وعبق الكلمة
"سعد البواردي" قيثارة الحرف وعبق الكلمة

الحدث

time٢٣-٠٤-٢٠٢٥

  • الحدث

"سعد البواردي" قيثارة الحرف وعبق الكلمة

علي بن أحمد الزبيدي في رياض نجد العذية، حيث تتنفس الرمال عبق التاريخ وتتسامر النخيل بأسرار البادية، بزغ فجر أديب فذ، هو سعد البواردي. ولد هذا القلم السيال في محافظة شقراء في كنف أسرة عريقة، تشربت حب الأدب وتقدير الكلمة، فكانت تلك البذور الأولى التي نمت وترعرعت لتثمر غصونًا وارفة من الإبداع. منذ نعومة أظفاره، أظهر البواردي شغفًا جمًا بالقراءة والاطلاع، ينهل من معين الكتب والمعارف بنهم لا يرتوي، ويتنقل بين صفحاتها كفراشة تحط على أزهار البساتين. في مقتبل شبابه، بدأت ملامح موهبته الأدبية تتضح جليًا، فكانت كلماته تتدفق عذوبة وسلاسة، وأفكاره تنبض عمقًا وإشراقًا. لم تقتصر اهتماماته على لون أدبي واحد، بل تنوعت مشاربه بين الشعر الفصيح والنبطي، والقصة القصيرة، والمقالة الأدبية، تاركًا بصمته الفريدة في كل مجال ولجه. تجلَّى إبداع "سعد البواردي" في العديد من الأعمال الأدبية التي أثرت المكتبة العربية وأسرت قلوب القراء. في مجال الشعر، نظم قصائد بديعة تتغنى بالوطن وجماله، وتعكس مشاعره الإنسانية الصادقة، وتلامس قضايا المجتمع بوعي ورؤية نافذة. أما في القصة القصيرة، فقد استطاع ببراعة أن يقتنص اللحظات الإنسانية العابرة ويحولها إلى حكايات آسرة تحمل في طياتها دروسًا وعبرًا. لم يغفل "البواردي" عن فن المقالة، فكانت مقالاته بمثابة نوافذ مشرعة على آفاق الفكر والثقافة، يحلل فيها القضايا الأدبية والاجتماعية بأسلوب رشيق وعميق، ويدعو إلى التفكير النقدي البناء. لقد كان قلمه سيفًا الحق، يدافع عن القيم النبيلة ويسعى إلى الارتقاء بالذائقة الأدبية والوعي المجتمعي. من أبرز أعماله التي لا تزال تتردد أصداؤها في أروقة الأدب: * ديوان "همسات الروح": مجموعة شعرية تجسد رقّة إحساسه وعمق رؤيته. * مجموعة قصصية "ظلال الأمس": حكايات إنسانية مؤثرة تحكي قصصًا من واقع الحياة. * كتاب "في محراب الكلمة": مقالات أدبية ونقدية تعكس فكره المستنير. لقد تميز أسلوب "سعد البواردي" بالجمال والرقة، والقدرة على التصوير البديع للمعاني والأحاسيس. كان يمتلك لغة ثرية وأخاذة، يعرف كيف يختار الكلمات بعناية فائقة، وكيف ينسج منها عبارات ساحرة تأسر القارئ ، وتنقله إلى عوالم أخرى. لم يكن أدبه مجرد ترفيه أو تسلية، بل كان يحمل رسالة سامية، ويسعى إلى إحداث تأثير إيجابي في المتلقي. لم يكن عطاء "سعد البواردي" مقتصرًا على إبداعاته الأدبية فحسب، بل امتد ليشمل مشاركته الفاعلة في الحياة الثقافية والأدبية في المملكة العربية السعودية. كان عضوًا فاعلًا في العديد من المؤسسات والمنتديات الأدبية، يساهم بآرائه النيرة ويشجع المواهب الشابة ويحرص على إثراء الحراك الثقافي. تقديرًا لجهوده وإسهاماته القيمة، حظي "سعد البواردي" بالعديد من الجوائز والتكريمات على المستويين المحلي والعربي، مما يعكس مكانته الرفيعة في عالم الأدب والفكر. لقد كان بحق علامة فارقة في مسيرة الأدب السعودي الحديث، ورمزًا للإبداع الأصيل والكلمة الصادقة. وطوى الموت صفحة من صفحات هذا الأديب القدير، تاركًا خلفه إرثًا أدبيًا ثريًا وذكرى عطرة في قلوب محبيه وقرائه. لقد رحل سعد البواردي بجسده، لكن روحه الوثابة وكلماته الخالدة ستبقى تتردد في أروقة الأدب، تلهم الأجيال القادمة من الكتاب والمبدعين. سيظل اسم "سعد البواردي" محفورًا بأحرف من نور في سجل الأدب العربي، وسيظل عطاؤه منارة تضيء دروب الساعين إلى الجمال والحقيقة عبر الكلمة. لقد كان قيثارة تعزف ألحان الإبداع، وعبقًا يفوح من بساتين الفكر، وسيظل ذكره طيبًا ما بقي للأدب صدى وللكلمة أثر.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store