
غروب الإمبراطورية الأمريكية!
مستقبل الولايات المتحدة شأن دولى بقدر الأدوار التى تلعبها فى تقرير مصائر العالم. هذه حقيقة يصعب إنكارها.
لكنها ليست اللاعب الوحيد، ولا كلمة رئيسها لا ترد. هذه حقيقة أخرى.
بعد نهاية الحرب الباردة جرت مراجعات واسعة حول طبيعة وأسس النظام الدولى، ودواعى القلق من أن تنفرد دولة واحدة بمقاديره. إلى أى حد يحتمل العالم، والولايات المتحدة نفسها، زوابع «ترامب» السياسية مع حلفائه قبل خصومه؟!
بأزمتى غزة وأوكرانيا، ناقضت تصريحاته وتصرفاته قواعد القانون الدولى، فى الأولى بتبنى «التطهير العرقى».. واصطدمت فى الثانية بأسس وجذور التحالف الغربى، الذى تقوده بلا منازع منذ الحرب العالمية الثانية.
استدعت دعوته العنصرية إلى إخلاء غزة من أهلها ردة فعل عربية ترفض التهجير القسرى. كما استدعت إدارته شبه العشوائية للأزمة الأوكرانية ردة فعل أوروبية جماعية تدعو إلى منظور جديد لأمن القارة بعيدا عن الولايات المتحدة.
قبل ثلاث سنوات نشبت الحرب الأوكرانية بذريعة حماية الأمن الروسى من أن يتمركز حلف «الناتو» بجوارها. بالنسبة للرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» كان التدخل العسكرى محتما، لكنه استخدم لإحكام الحصار على موسكو.
استندت ذريعته على خرق الولايات المتحدة لوعد قطعته على نفسها عام (1990)، عدم نشر صواريخ «الناتو» على الحدود الروسية مقابل موافقة موسكو على توحيد الألمانيتين.
إثر التدخل الروسى تعرضت موسكو لحرب استنزاف طويلة، فرضت عليها عقوبات قاسية أنهكت اقتصادها، تراجعت أدوارها الدولية إلى حدود غير مسبوقة، لكنها صمدت فى ميادين القتال بمواجهة حلف «الناتو» وضمت أراضى جديدة.
لم تعد اعتبارات الأمن الروسى وحدها موضوع الحرب، أصبح التنازع على الأرض عنوانا رئيسيا، لكل طرف أسبابه وحيثياته فى طلب ضم مناطق معينة إليه.
توحدت أوروبا وراء إدارة الرئيس الأمريكى السابق «جو بايدن» باسم الدفاع عن وحدة الأراضى الأوكرانية ودرء «الخطر الروسى» على سلامة دولها.
إثر صعود «ترامب» بدأت مستجدات السياسات تهدد الأمن الأوروبى نفسه، الذى بات يفتقد لأول مرة منذ ثمانين سنة للغطاء العسكرى الأمريكى.
ارتفعت فى مراكز القرار الأوروبى دعوات لبناء جيش أوروبى للدفاع عن أمن القارة دون حاجة إلى الولايات المتحدة. جرى بالوقت نفسه نوع من التأهب لإعادة صياغة حلف «الناتو» وتوفير احتياجاته ومتطلباته إذا ما أخلت الولايات المتحدة بالتزاماتها المالية والتسليحية.
طرحت فكرة نشر (30) ألف جندى أوروبى فى أوكرانيا. كان ذلك تحديا لـ«ترامب» وإزعاجا لـ«بوتين».
إذا تفاقمت الأزمة الأوروبية الأمريكية قد تجد واشنطن نفسها منعزلة ووحيدة خلف المحيط وينهار بالوقت نفسه ما تبقى من عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.
عندما انهار الاتحاد السوفييتى وتفككت ما كان يطلق عليها المنظومة الاشتراكية وحل حلف «وارسو» بقوة الأمر الواقع انتهى النصف الأول من معادلات ما بعد الحرب. ربما نكون الآن أمام احتمال انهيار النصف الثانى، الذى قادته الولايات المتحدة بمفردها. هذا أخطر تهديد لجذور ومرتكزات القوة الإمبراطورية الأمريكية.
كانت القوة العسكرية ركيزة أولى تأكدت ضروراتها أمام العالم الغربى فى الحرب العالمية الثانية. وكانت الوفرة المالية ركيزة ثانية مكنتها من المساعدة فى إعادة إعمار أوروبا، خاصة ألمانيا، كما ساعدتها فى تمويل المنظمات الدولية، لم يكن ذلك تبرعا مجانيا بقدر ما كان تسويغا للعب أدوار قيادية تطلبها وتقدر على تكاليفها بنفس الوقت. وكانت قوة الصورة ركيزة ثالثة فى تثبيت أركان الإمبراطورية.
بدت هوليوود ومساحة الحريات العامة الصحفية الإعلامية الواسعة عاملين جوهريين فى بناء ما أطلق عليه لسنوات طويلة «الحلم الأمريكى». أخطر ما تنطوى عليه زوابع «ترامب» تبديد الحلم القديم نهائيا وإحالته إلى كابوس مقيم.
قبل صعود «ترامب» إلى البيت الأبيض مجددا تعهد بإنهاء الأزمة مع روسيا، دون أن تكون لديه خطة واضحة متماسكة للخروج من المستنقع الأوكرانى.
لم يكن ذلك التوجه بذاته مقلقا للأوروبيين. ما يستدعى القلق انفراده بالتصرف بأدق قضايا الأمن الأوروبى دون مراجعتهم، أو استشارتهم ولا وضع أوكرانيا نفسها فى صورة تفكيره.
بتعبير الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون»: «إننا نطلب وقف إطلاق نار، لكن ليس على حساب وحدة الأراضى الأوكرانية، ذلك سوف يكون استسلاما».
يدرك «بوتين» أن الطريقة التى يدير بها «ترامب» المحادثات بعيدا عن الأوروبيين لا تجعل من الممكن إحراز أى سلام مستقر.
شجع الأوروبيون الرئيس الأوكرانى «فولوديمير زيلينسكى» على تحدى «ترامب»، الذى يمعن فى تعمد إهانته بوصفه «الديكتاتور»، الذى يفتقد إلى الشعبية والشرعية.
فى البداية أبدى «زيلينسكى» نوعا من الاستعداد لقبول ما يملى عليه، ثم بدأ يعبر عن درجة من التململ قبل أن يعلو صوته معارضا: «لن نذعن».. «إننا نرفض منح أمريكا نصف معادننا النادرة» تعويضا عن خسائرها المالية فى الحرب على ما يطالب «ترامب».
مشكلة «ترامب» أنه يتصرف، كما لو أنه ملك على العالم كله، لا أوروبا فقط. يصدق تصوراته عن نفسه، ويروجها فى الإعلام، مستهينا بالحلفاء الإقليميين والدوليين حتى وجد الحليف البريطانى، لأول مرة منذ استقلال الولايات المتحدة، على الجانب الآخر من واشنطن فى مسألة الأمن الأوروبى.
إنه التحلل فى بنية الإمبراطورية الأمريكية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


سواليف احمد الزعبي
منذ 2 ساعات
- سواليف احمد الزعبي
'حماس': دعوة نائب أمريكي لقصف غزة نوويا تحريض على الإبادة وجريمة ضد الإنسانية
#سواليف أعربت حركة ' #حماس ' عن إدانتها لتصريحات #عضو_الكونغرس الأمريكي عن الحزب الجمهوري #راندي_فاين، التي دعا فيها إلى #قصف_غزة بالسلاح النووي. واعتبرت الحركة هذه 'الدعوة المتطرفة جريمة مكتملة الأركان، ودليلا على العنصرية الفاشية التي تحكم تفكير بعض الساسة الأمريكيين، وهو ما يستوجب الإدانة من الإدارة الأمريكية ومن الكونغرس، الذي بات منصة لتبرير #جرائم_الاحتلال وتشجيعها، عندما استقبل #مجرم_الحرب #نتنياهو'. وأضافت: 'تمثل هذه التصريحات انتهاكا صارخا لمبادئ القانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف، وتحريضا علنيا على استخدام #أسلحة_الدمار الشامل ضد أكثر من مليوني مدني'. وأكد أنه 'ورغم هذه الدعوات الوحشية، فإنها لن تُضعف عزيمة شعبنا، ولا إيمانه بعدالة قضيته، بل تفضح مجددا الوجه الحقيقي للاحتلال وداعميه'. ووصف فاين في وقت سابق القضية الفلسطينية بـ'الشريرة'. وقال: 'في الحرب العالمية الثانية، لم نتفاوض على استسلام مع النازيين، ولم نتفاوض مع اليابانيين. لقد استخدمنا #القنابل_النووية مرتين ضد اليابان من أجل تحقيق استسلام غير مشروط'. وأضاف: 'ينبغي أن يكون الموقف ذاته في هذا السياق، فهناك خلل عميق جداً في هذه الثقافة ويجب القضاء عليه'.

سرايا الإخبارية
منذ 6 ساعات
- سرايا الإخبارية
ممثل الناتو للجنوب يزور جنيف لتعزيز شراكات الحلف قبل قمة لاهاي
سرايا - أجرى ممثل حلف شمال الأطلسي (الناتو) الخاص للجنوب، خافيير كولومينا، زيارة رفيعة المستوى إلى جنيف يومي 22 و23 أيار 2025، في أول زيارة لمسؤول كبير في الحلف منذ افتتاح مكتب ارتباط الناتو لدى المنظمات الدولية في جنيف في آب 2024. وتأتي الزيارة في إطار تعزيز الحوار والشراكات المتعددة الأطراف مع دول الجوار الجنوبي، قبيل قمة الناتو المرتقبة في لاهاي خلال حزيران المقبل. وخلال زيارته، أجرى كولومينا مشاورات ثنائية مع الممثلين الدائمين للدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، بدعوة من سفير مملكة البحرين، وبمشاركة وفد جامعة الدول العربية لدى مكتب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف. وأكد كولومينا أهمية التعاون بين الناتو والجامعة العربية، مشيرًا إلى تركيز الحلف الاستراتيجي المتزايد على الجوار الجنوبي. كما استعرض التقدم المحرز في تنفيذ خطة عمل الناتو للجوار الجنوبي، التي تم إقرارها خلال قمة الحلف في واشنطن في تموز الماضي، إلى جانب مهامه كممثل خاص للناتو، وشبكة الشراكات الواسعة التي يقيمها الحلف مع الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط وأفريقيا. وفي إطار الزيارة، ألقى كولومينا كلمة رئيسية في مركز جنيف للسياسات الأمنية، خلال فعالية شارك في تنظيمها الناتو بعنوان: "صياغة الأمن التعاوني: الناتو والشركاء الجنوبيون قبل قمة لاهاي 2025". وضم الحدث دبلوماسيين من دول الجوار الجنوبي وصناع قرار من شركاء الحلف، إضافة إلى ممثلين عن المجتمع المدني وخبراء قانونيين وأكاديميين وصحفيين، لبحث المشهد الأمني المتغير ودور الناتو في المنطقة. كما عقد كولومينا لقاءات مع ممثلي الدول الحليفة للناتو في جنيف، ومسؤولين أمميين، وقيادات مركز جنيف للحوكمة في القطاع الأمني (DCAF)، إلى جانب عدد من ممثلي المنظمات الإنسانية.


خبرني
منذ 7 ساعات
- خبرني
عضو كونغرس أميركي يدعو لقصف غزة نووياً ويبرر: كما فعلنا باليابان
خبرني - ذكرت قناة كان الإسرائيلية أن عضو الكونغرس الأميركي رندي فاين من الحزب الجمهوري طالب بقصف قطاع غزة بقنبلة نووية، ردا على مقتل اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن. وخلال مقابلة مع قناة فوكس الأميركية قال النائب عن ولاية فلوريدا في منشور على حسابه منصة "إكس" -حيث عرّف بنفسه بأنه "يهودي صهيوني ويفتخر"- "لم نتفاوض على استسلام مع اليابانيين، قصفناهم بالسلاح النووي مرتين للحصول على استسلام غير مشروط، يجب أن نفعل الشيء نفسه هنا، فأميركا وإسرائيل لن تختلفا يوما على إبادة الفلسطينيين". وليس فاين أول من دعا إلى ضرب غزة بالسلاح النووي، فقد سبقه آخرون، بينهم السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام الذي قارن العدوان على قطاع غزة بقرار الولايات المتحدة إسقاط قنابل ذرية على اليابان في الحرب العالمية الثانية. وقال غراهام "عندما واجهنا الدمار كأمة بعد هجوم بيرل هاربور وقاتلنا الألمان واليابانيين قررنا إنهاء الحرب بقصف هيروشيما وناغازاكي بالأسلحة النووية، وكان هذا هو القرار الصحيح". وفي إسرائيل أيضا، دعا متطرفون كثر -بينهم وزير شؤون القدس والتراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو- مطلع العام الماضي إلى إسقاط سلاح نووي على قطاع غزة.