
اتفاق السويداء.. فرصة لسوريا أم فخ؟
محمود علوش
يُشكّل الاتفاق الأخير الذي سمح بدخول الدولة السورية إلى السويداء بهدف تهدئة التوترات الدامية بين أبناء العشائر ومجموعات مقاتلة يقودها رئيس طائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري، فرصة للحد من تصاعد التوترات في العلاقة بين الدروز والدولة السورية عقب الاشتباكات الأخيرة.
لقد خلق هذا التوتر هامشًا جديدًا لإسرائيل لتعزيز نفوذها في سوريا، بهدف تحقيق هدفين رئيسيين:
الأول، إضعاف الوجود المتكامل للدولة السورية في السويداء لدعم فكرة إقامة كيان محلي في المحافظة.
والثاني، جعل جنوب سوريا منطقة منزوعة السلاح.
ومع ذلك، لا تقتصر الأهداف الإستراتيجية الإسرائيلية في سوريا على هذين الهدفين. فتحقيقهما يُمثّل مدخلًا لتحويل جنوب سوريا إلى منطقة تخضع للإدارة الأمنية الإسرائيلية على المدى البعيد، وتعزيز رؤيتها لسوريا كدولة مقسّمة طائفيًا، تُديرها حكومة غير قادرة على بسط سيطرتها على جميع أراضيها.
إن حقيقة أن التدخل الإسرائيلي قد أسهم في تعميق الفجوة بين الدروز والدولة السورية- إلى جانب الدعم الأميركي الإقليمي للاتفاق الأخير- تُسلّط الضوء على الدوافع العميقة لأزمة السويداء.
تتمثّل هذه الدوافع في مقاومة فكرة الدولة المركزية في المحافظة، والتدخلات الإسرائيلية في الشأن السوري، وتأثير سياسات القوى الإقليمية والولايات المتحدة في توجيه الديناميكيات السورية في مرحلة ما بعد الإطاحة بنظام الأسد.
يعتمد نجاح الاتفاق بشكل أساسي على ثلاثة عوامل:
قدرته على معالجة الآثار العميقة للانقسام الطائفي في العلاقة بين الدروز والدولة.
طبيعة السياسة الإسرائيلية في سوريا، التي تلعب دورًا حاسمًا في تعزيز فكرة جنوب سوريا كمنطقة خالية من السلاح، مع تقليص حضور الدولة فيها إلى الجوانب الإدارية والشرطية فقط.
تأثير الولايات المتحدة على إسرائيل لضبط سلوكها في سوريا، ومنع تحوّل هذا السلوك إلى تهديد للرؤية الأميركية لسوريا كدولة موحّدة لا تُشكّل مصدرًا للفوضى في محيطها الإقليمي.
وعلى الرغم من أن الاتفاق الأخير يقوم على أرضية غير مستقرة تمامًا، ويظل عرضة للانهيار أو الفشل في تحقيق استقرار دائم في السويداء، إلا أنه يُقدّم ثلاثة مؤشرات بارزة:
الأول: أن أحداث السويداء قد أدخلت العلاقة بين إسرائيل والنظام الجديد في سوريا مرحلة جديدة، خاصة أنها كانت أول مواجهة كبيرة بين الطرفين.
يعكس هذا أن أزمة السويداء تُمثّل، في جوهرها، تحديًا بين سوريا وإسرائيل، أكثر من كونها نزاعًا بين دمشق والدروز، أو بين العشائر والدروز. وعليه، فإن الاشتباكات العنيفة بين العشائر ومجموعات الهجري لم تكن سوى صراع بالوكالة بين الدولة السورية وإسرائيل.
الثاني: يُظهر قبول إسرائيل بدخول الدولة السورية لتهدئة التوتر في السويداء أن محاولات إسرائيل لمنع حضور الدولة السورية في المحافظة غير واقعية. فقد أدّى غياب الدولة إلى تهديدات أمنية أكبر بكثير مما تزعم إسرائيل أنه يُشكّل خطرًا على الدروز.
تُبرز الاشتباكات الدامية بين العشائر ومجموعات الهجري أن تكلفة إقصاء الدولة عن السويداء وجنوب سوريا باهظة، وتُفاقم من هشاشة الاستقرار الأمني والاجتماعي في المنطقة.
وقد نجح الرئيس أحمد الشرع في استخدام ملف العشائر كأداة ضغط لتذكير إسرائيل بهذه التكاليف. ومع ذلك، فإن بروز العشائر كقوة مؤثرة في تشكيل ديناميكيات جنوب سوريا قد يُعقّد المشهد بدلًا من تبسيطه، وقد يُشكّل مدخلًا لأطراف متعددة لمحاولة استغلال الحالة العشائرية لخدمة مصالحها في المنطقة.
الثالث: نجحت إسرائيل في تعزيز دورها كجهة تُحدّد طبيعة حضور الدولة السورية في السويداء وجنوب سوريا بشكل عام.
هذا التطوّر سيترك تداعيات كبيرة على النفوذ الإسرائيلي في ديناميكيات الوضع السوري، خاصة في الجنوب، ويفتح الباب أمام مخاطر تهدد وحدة سوريا وسيادتها على أراضيها في المستقبل القريب والبعيد.
وعليه، فإن دعم إسرائيل لمجموعات الهجري في مواجهة الدولة لم يؤدِ فقط إلى فرض تكاليف على دمشق، بل أيضًا إلى تكريس دور إسرائيل في تشكيل معادلة الأمن في الجنوب، وفي تحديد طبيعة العلاقة بين الدروز ودمشق.
تُبرز هذه العوامل المعقّدة التي تُحرّك ملف الجنوب السوري التحديات الكبيرة التي تواجه وحدة سوريا واستقرار حكمها الجديد. فالبلاد لم تتجاوز بعد دائرة المخاطر الجسيمة، والتي قد تتفاقم في أي لحظة نتيجة الهشاشة في حسابات القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في المشهد السوري.
كما أن البيئة المحلية المتوترة في العلاقة بين الدروز والدولة ستظل عامل ضغط على أي تنسيق بين سياسات إسرائيل والولايات المتحدة وتركيا والقوى الإقليمية الأخرى في سوريا.
ومع ذلك، فإن الحقيقة التي يتعيّن استيعابها بعد أحداث السويداء، والمخاطر التي لا تزال تواجهها في مناطق أخرى، هي أن المدخل الأساسي لتعزيز المناعة ضد هذه المخاطر يكمن في إطلاق عملية لترميم النسيج الوطني السوري، ومواجهة الخطاب الطائفي التحريضي الذي يُعيق بناء علاقة مستقرة بين الدولة الجديدة ومكونات المجتمع المتنوعة.
وفي حالة السويداء، فإن الاتفاق الأخير – إذا ما تحقّق استقراره على المدى الطويل – يُمكن أن يُوفّر بيئة مواتية لمعالجة الانقسام الطائفي الخطير، وإرساء علاقة واضحة بين الدولة والسويداء.
هذا هو السبيل الوحيد للحد من قدرة إسرائيل على الاستمرار في استغلال الحالة الدرزية لخلق المزيد من التحديات لسوريا الجديدة، وصرف تركيزها عن تحقيق الاستقرار والتعافي.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجمهورية
منذ 23 دقائق
- الجمهورية
وزير العدل يبرز جهود الدولة في مجال الوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب
أبرز وزير العدل حافظ الأختام, لطفي بوجمعة, اليوم الاثنين بالجزائر العاصمة, الجهود التي تبذلها الدولة من أجل استكمال المنظومة الوطنية في مجال الوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وفي كلمة له خلال إشرافه رفقة وزير المالية, السيد عبد الكريم بوالزرد, على مراسم التوقيع على بروتوكول تعاون بين وزارة العدل ولجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها, نوه السيد بوجمعة بجهود الدولة من أجل "استكمال المنظومة الوطنية في مجال الوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومنع تمويل انتشار أسلحة الدمار الشامل ومكافحتها وجعلها أكثر فعالية ومواءمتها مع المعايير الدولية", مشيرا بهذا الخصوص إلى تعديل القانون المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب, وذلك تماشيا مع الالتزامات الدولية للجزائر ومجموعة العمل المالي. واعتبر الوزير أن هذا التعديل يسمح ب"تعزيز التدابير الوقائية وأدراج أحكام تعزز مهام سلطة الضبط والرقابة والاشراف, إضافة إلى تأهيل قدرات الشرطة القضائية في إجراء تحقيقات موازية وتشكيل فرق تحقيق مشتركة وتكييف منظومة العقوبات الجزائية لتكون أكثر فعالية ومتناسبة مع خطورة الأفعال". وتجسيدا لهذا المسعى, سجل الوزير انخراط جميع مؤسسات الدولة من أجل دعم المنظومة المالية في مجال الوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب, ل افتا إلى أن وزارة العدل ساهمت من جهتها في "إعداد ثمانية تقييمات قطاعية منها التقييم الخاص بمخاطر استغلال الأشخاص المعنوية في مجال تبييض الأموال وتمويل الإرهاب والتقييم الوطني للمخاطر ذات الصلة". وذكر في ذات السياق أنه تم أيضا اتخاذ "الإجراءات المناسبة من أجل تعزيز نزاهة المسؤولين والمسيرين والمستفيدين الحقيقيين من البنوك والمؤسسات المالية عن طريق بروتوكولات تعاون مع مختلف المتدخلين, علاوة على مواصلة الجهود في مجال التكوين من خلال تنظيم ورشات تكوينية مع مختلف المؤسسات وهيئات الدولة المتخصصة والخبراء". وبالمناسبة, ذكر السيد بوجمعة بالارتباط الموجود بين تبييض الأموال والإجرام الخطير بمختلف أشكاله, لا سيما الفساد والاتجار بالمخدرات والتهريب والجريمة المنظمة, مما أدى بالشبكات الاجرامية -كما قال- إلى "اتباع أساليب ملتوية بتركيبات قانونية ومالية معقدة عابرة للحدود الوطنية". وأبرز في هذا الصدد عزم الدولة على "تفعيل كل الآليات المتاحة من أجل الكشف عن العمليات المشبوهة وحجز ومصادرة العائدات الاجرامية, تجسيدا للأهداف المتعلقة بأخلقة الحياة العامة".


الجمهورية
منذ 23 دقائق
- الجمهورية
صدور قانوني تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومعالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي
صدر في العدد الأخير من الجريدة الرسمية, القانون الخاص بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما وقانون حماية الأشخاص الطبيعيين في مجال معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي. وجاء في العدد 48 الصادر بتاريخ 24 يوليو الحالي, أن الأحكام المعدلة في القانون رقم 25- 10, المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما, تنص, أساسا, على أن يتم اتخاذ "التدابير المناسبة لتحديد وتقييم وفهم مخاطر تبييض الأموال /أو تمويل الإرهاب/أو تمويل انتشار أسلحة الدمار الشامل التي تتعرض لها الجزائر, وتحيينها المستمر". كما تنص هذه الأحكام على وجوب "وضع نتائج التقييمات الوطنية والقطاعية تحت تصرف السلطات المختصة والخاضعين, عبر آليات مناسبة, مع مراعاة التشريع المتعلق بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي". أما القانون رقم 25-11 المتعلق بحماية الأشخاص الطبيعيين في مجال معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي, فيتضمن مجموعة من المحاور ذات الصلة ب"حقوق الشخص المهني بالمعالجة" و"انتهاك المعطيات ذات الطابع الشخصي" و"معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي لأغراض الوقاية من الجرائم والكشف عنها وإجراء التحريات والتحقيقات والمتابعات الجزائية وتنفيذ العقوبات وتطبيقها", وكذا "نقل المعطيات إلى دولة أجنبية أو منظمة دولية".


الجمهورية
منذ 23 دقائق
- الجمهورية
وزير المالية :الجزائر خطت خطوات هامة في مجال مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب
أبرز وزير المالية, عبد الكريم بو الزرد, اليوم الاثنين بالجزائر العاصمة, الخطوات الهامة التي خطتها الجزائر في مجال مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب, داعيا إلى ضرورة رفع الوعي بأهمية مواصلة العمل في مجال الوقاية والمكافحة على حد سواء, وهذا من خلال السلطات الرقابية والمؤسسات المالية. وفي كلمة له خلال ندوة نظمتها لجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها "كوسوب" لعرض نتائج تقرير التقييم القطاعي لمخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب في مجال القيم المنقولة, بحضور وزير العدل حافظ الاختام, لطفي بوجمعة, ورئيس لجنة "كوسوب", يوسف بوزنادة, ورئيسة السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته, سليمة مسراتي, ورئيس المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي, محمد بوخاري, بالإضافة إلى أعضاء اللجنة الوطنية لتقييم مخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب, أشاد وزير المالية بجهود المؤسسات البنكية والرقابية التي سمحت بإعداد التقارير القطاعية حول مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب في آجالها, والتي مكنت من "إعطاء صورة كاملة بخصوص جهود مكافحة تبييض الأموال". وأشار في ذات السياق الى أنه سيتم قريبا تنظيم جلسات مع جميع الفاعلين لإعطاء "صورة حقيقية عن القواعد الجديدة في النظام الدولي التي تفرض بعض الاجراءات على البلدان في مجال محاربة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب". من جانبه, أكد السيد بوزنادة أن سوق القيم المنقولة في الجزائر, والذي يضم نحو 100 ألف مستثمر في البورصة بقيمة سوقية تجاوزت 744 مليار دج وقرابة 18 مليار دج من سندات الدين المتداولة, يحتم "تعميق الوعي بالمخاطر المرتبطة به وتعزيز أدوات الرقابة والوقاية على مستوى كل مؤسسة خاضعة", معتبرا ان إجراء هيئته لتقييمها القطاعي يعد "التزاما منها بتفعيل محاور الاستراتيجية الوطنية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب". وتم خلال اللقاء استعراض نتائج تقرير التقييم القطاعي لمخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب في مجال القيم المنقولة المعد من طرف اللجنة, والذي اعتمد على استبيان يدرس 13 متغيرا على مستوى المؤسسات الخاضعة مثل الوسطاء في عمليات البورصة وشركات رأس المال الاستثماري وشركة تسيير بورصة القيم. وخلص التقرير إلى وجود تهديدات تتراوح بين "ضعيفة جدا" و "ضعيفة" على مستوى جميع المؤسسات الخاضعة, فضلا عن مستويات خطر "ضعيفة" و"ضعيفة إلى حد ما". ودعت توصيات التقرير إلى تحسين آليات الرقابة من خلال اعتماد مقاربة قائمة على تقييم المخاطر مع تطبيق إجراءات رقابية وعقوبات تتناسب مع مستوى الخطر. كما شددت على ضرورة توجيه الجهود على المدى القصير نحو الوسطاء في عمليات البورصة وشركات رأس المال الاستثماري. كما أوصى التقرير بضرورة تعزيز القدرات التقنية عبر تنظيم دورات تكوينية متخصصة في التعرف على الزبائن والتصريح بالاشتباه مع ضرورة تطوير أنظمة معلومات مخصصة لمتابعة العمليات المالية وتثمين دور الرقابة الداخلية وآليات التبليغ. وعلى هامش هذا اللقاء, تم التوقيع على اتفاقية بين لجنة "كوسوب" ووزارة العدل تهدف إلى تعزيز تبادل المعلومات والخبرات والمساعدة المتبادلة بينهما في المجالات ذات الصلة بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب من خلال الربط الآلي للجنة ومنصة صحيفة السوابق العدلية كآلية للتحقق من نزاهة المسيرين والمساهمين والمستفيدين من حصص مساهمة بالمؤسسات الخاضعة للرقابة, وفقا للشروح المقدمة بالمناسبة.