
سد النهضة.. إعلان سياسي إثيوبي يهدد بتأجيج التوتر مع مصر والسودان
يهدد إعلان إثيوبيا، قبل أيام قليلة، بشأن قرب افتتاح سد النهضة، مع اكتمال بناء 98% منه، بتأجيج التوتر مع دولتي مصب نهر النيل، مصر والسودان، في ظل الجمود الذي خيم على المفاوضات الثلاثية خلال الأشهر الأخيرة.
الإعلان الإثيوبي لا يُعد مجرد تقدم إنشائي، بل هو إشارة سياسية واضحة إلى أن ساعة التشغيل الكامل للسد باتت وشيكة، وهو ما يثير حفيظة القاهرة والخرطوم، بشأن التداعيات المحتملة على أمنهما المائي، ويفتح المجال لتجديد الضغوط على أديس أبابا من أطراف إقليمية ودولية.
منذ وضعت إثيوبيا حجر الأساس لسد النهضة، في أبريل 2011، مرّ المشروع بمراحل إنشائية متسارعة وأخرى شابها التوتر السياسي، وتعثُّر متكرر في المفاوضات، لتؤكد أديس أبابا أن المشروع شارف على الاكتمال، ما يعكس إصرارها على استكمال ما تعتبره "مشروعاً سيادياً وتنموياً".
وفي مؤتمر صحافي للمتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، نبيات جيتاتشو، الخميس، أكد أن بلاده على أعتاب الانتهاء من سد النهضة وقص شريط الافتتاح قريباً، منوهاً إلى تصريحات رئيس الوزراء، آبي أحمد، أمام برلمان بلاده، إذ أعلن افتتاح المشروع قريباً.
وأضاف جيتاتشو، أن السياسة الخارجية لبلاده، تقوم على بناء علاقات جوار بنّاءة ترتكز على المنافع المتبادلة وتصفير الصراعات.
وبشأن المفاوضات الثلاثية المتعثرة، مع مصر والسودان، حول سد النهضة، أوضح أنه لا يوجد جديد في هذا الشأن، مشدداً على أن أديس أبابا تعمل على مفاوضات "يكون فيها الكل رابحاً".
تعهدات إثيوبية ومطالب مصرية
وكان رئيس الوزراء الإثيوبي، أعلن في مارس الماضي أمام برلمان بلاده، أنه سيتم افتتاح سد النهضة خلال الأشهر الستة المقبلة، مع مطلع العام الإثيوبي، الذي يوافق شهر سبتمبر من كل عام.
وأشار آبي أحمد، إلى "انتهاء عملية إنشاء وملء بحيرة السد بشكل كامل، مع وصول السعة التخزينية للمياه إلى 74 مليار متر مكعب".
وقال إنه أبلغ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بأن "عملية ملء السد لن تتسبب في فقدان مصر لأي كمية من المياه"، فيما لم يصدر بيان من الجانب المصري في هذا الصدد.
ونوَّه آبي أحمد إلى أن "مخاوف القاهرة بشأن الجفاف والأمن المائي حاضرة في النقاشات"، مؤكداً أهمية التعاون بين البلدين.
وأردف بالقول: "لا نرى مبرراً للصراع، أو إهدار الموارد في النزاعات، بل ندعو للعمل المشترك من أجل التقدم".
ومع دخول المشروع مرحلته النهائية، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان سيؤدي ذلك إلى إعادة طرح الملف أمام مجلس الأمن الدولي أو الاتحاد الإفريقي، أو إمكانية تأثيره على الموقف الأميركي أو الأوروبي من الملف.
ويرى وزير الري المصري السابق محمد نصر الدين علام، ضرورة التوقيع على اتفاقية قانونية مسجلة ومعتمدة تحافظ على حقوق مصر والسودان التاريخية في مياه النيل.
وقال علام في تصريحات لـ"الشرق"، إن مثل هذه الاتفاقية يجب أن تحافظ على التدفق الطبيعي للنيل الأزرق بما لا يسبب أضراراً لدولتَي المصب مصر والسودان، وتحقق لإثيوبيا أهدافها من توليد الكهرباء للاستهلاك المحلي، أو بيعها للخارج.
واعتبر أن ذلك "يفتح باب التعاون بين مصر وإثيوبيا، ليس فقط في مجال الأمن المائي، ولكن في المجالات كافة بما يعود بالخير على القارة الإفريقية".
وأردف بالقول: "نرحب بأي تصريحات إيجابية صادرة عن الجانب الإثيوبي، لكن يبقى التنفيذ على أرض الواقع هو المعيار الحقيقي للتقييم".
تدويل الملف
في المقابل، يرى الكاتب والباحث الإثيوبي، عبد الشكور عبد الصمد، في تصريحات لـ"الشرق"، أن تعاطي القاهرة خلال الفترة المقبلة مع ملف سد النهضة سيتغير بحكم الواقع على الأرض، بعدما تجاوزت أديس ابابا مرحلة بناء السد وجعلته أمراً واقعاً. ورأى أن هناك قناعة بعدم جدوى التصعيد الخلاف وحصره في أضيق نطاق واستخدام دبلوماسية أكثر هدوءاً بدلاً من حالة الشد والجذب التي صاحبت الأعوام السابقة.
واستبعد عبد الصمد إعادة طرح ملف السد في المحافل الدولية، مشيراً إلى أن الفترة الماضية شهدت تصعيداً وتدويلاً للملف، لكن تمت، في النهاية، إعادته الى الاتحاد الأفريقي، بسبب قيود عملية المفاوضات، التي تعثرت بسبب مواقف، وصفها بأنها كانت "غير مرنة للجانب المصري "، مضيفاً أن "مجلس الأمن والأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية أصبحت على قناعة أن هذا الملف يجب أن يكون تحت رعاية الاتحاد الإفريقي"، على حد وصفه.
وفي هذا السياق، اعتبر الباحث السوداني في الشؤون الدولية ومنطقة القرن الإفريقي، فؤاد عثمان، أن غياب ردود الفعل التصعيدية من كل من القاهرة والخرطوم، أمر لافت، وقال، في تصريحات لـ"الشرق"، إن ذلك "ليس تراجعاً أو قبولاً بالأمر الواقع، وإنما مؤشر على تحوّل في المقاربة الاستراتيجية، خاصة من الجانب المصري".
ووفق عثمان، فإنه خلال العامين الماضيين، "كثّفت مصر من حضورها في الدوائر المحيطة بإثيوبيا في القرن الأفريقي، حوض النيل، والبحر الأحمر، عبر سلسلة من التحركات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية، ما يوحي بمحاولة لإعادة هندسة توازنات القوى الإقليمية، وبناء شبكات نفوذ تمكّنها من إدارة تداعيات السد من موقع قوة، لا من موقع رد الفعل".
ويرى عثمان، أن "هذا التمدد لم يكن معزولاً عن حسابات سد النهضة، بل شكّل امتداداً لمعادلة الردع الناعمة في ظل إدراك القاهرة أن أدوات الضغط المباشر قد استُنفدت دون نتائج ملموسة".
وعن الموقف السوداني، يرى عثمان أن "السودان، وانشغاله بالحرب الداخلية وفقدانه لوحدة القرار السيادي والدبلوماسي، أضعف من قدرته على التأثير في الملف، رغم أنه الطرف الأكثر تضرراً من حيث غياب المعلومات وتضارب المصالح".
وفي مناسبات عديدة، تؤكد مصر تمسكها بضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم ينظم عملية ملء وتشغيل السد، ويضمن حقوق دول المصب، خاصة في فترات الجفاف. كما تشدد على أهمية التنسيق والتعاون بين الدول الثلاث المعنية، مصر، والسودان، وإثيوبيا، لتفادي أي توتر قد ينجم عن الإجراءات الأحادية.
كما تؤكد مصر، قدرتها على حماية حقوقها المائية في مياه النيل، في إطار القانون الدولي لحماية هذه الحقوق.
تفاهمات فنية "غير ملزمة"
في المقابل، يرجح الباحث في العلاقات الدولية، إبراهيم عبد الرحمن، أن مصر تسعى إلى الحفاظ على قنوات الاتصال مفتوحة مع إثيوبيا، خاصة في ظل غياب دعم دولي حاسم لأي تحرك تصعيدي، ويضيف في حديثه لـ"الشرق"، أنه يتوقع أن تتجه كل من مصر وإثيوبيا نحو "تفاهمات فنية غير ملزمة"، على غرار تبادل البيانات أو تنسيق جزئي في تشغيل السدد، دون توقيع اتفاق نهائي، مما يخلق حالة "هدوء حذر" تبقي الخلافات قائمة، ولكن تحت السيطرة.
وإستبعد إبراهيم، الخيار العسكري المباشر في المدى القريب، لكنه قال: "قد تلجأ مصر إلى خطوات تصعيدية غير تقليدية، مثل تدويل الملف مجدداً، أو استخدام أدوات ضغط اقتصادية أو دبلوماسية على إثيوبيا، سواء عبر دول الجوار أو الشركاء الدوليين، ورهن ذلك في حال استمرار الإصرار الإثيوبي على عدم تقديم تنازلات أو شفافية فنية"، معتبراً أن ذلك قد يعود بالعلاقات إلى حالة الجمود.
ومنذ الإعلان الإثيوبي عن مشروع سد النهضة في عام 2011، عبرت كل من مصر والسودان عن مواقف متباينة في التفاصيل، لكنها تلتقي في نقطة مركزية تشدد على ضرورة الوصول إلى اتفاق قانوني مُلزم ينظم عملية ملء وتشغيل السد ويضمن مصالح دول المصب.
وتعتبر القاهرة، أن السد يشكل تهديداً مباشراً لأمنها المائي، وتؤكد أهمية التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم قبل المضي في أي خطوات تشغيلية إضافية، محذّرة من أي إجراء أحادي قد يعرّض مصالحها المائية للخطر.
أما السودان، فيخشى من أن يؤدي عدم تبادل البيانات الفنية أو التنسيق المُسبق إلى مخاطر مباشرة على منشآته المائية، مثل سد الروصيرص القريب من الحدود الإثيوبية، ولذلك تُطالب الخرطوم أيضاً، باتفاق قانوني مُلزم، يضمن التشغيل الآمن والمنسق بين السدود، ويمنع حدوث أي مفاجآت فنية قد تهدد استقراره المائي.
وشهد سدالنهضة، جولات تفاوضية متعددة برعاية الاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة، دون أن تفضي إلى اتفاق نهائي، وفي أكثر من مناسبة، تحمل مصر والسودان، إثيوبيا، مسؤولية فشل المفاوضات بسبب ما يصفانه بـ"الإجراءات الأحادية"، في حين تؤكد أديس أبابا حقها السيادي في استخدام مواردها المائية من دون تأثير لدول المصب.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سودارس
منذ 7 ساعات
- سودارس
ضياء الدين بلال يكتب: (ماما أمريكا ).. ومسرحية (حبل الكضب طويل)..!
وهو محاولة مكشوفة لتقليل شأن الانتصارات الميدانية الساحقة التي حققها الجيش السوداني، ومنح غطاء زائف للميليشيا وداعميها للتستر على خسائرهم العسكرية والسياسية والدبلوماسية. كيف لجيشٍ ظل لأكثر من عام يعاني من نقص الذخائر والأسلحة الأساسية، وتُحتجز سفنه المحمّلة بالمعدات في الموانئ، أن يمتلك القدرة على الحصول على أسلحة كيميائية باهظة التكاليف؟ ألا تذكّركم هذه المزاعم بحكاية أسلحة الدمار الشامل في العراق؟ تلك الأكذوبة الفاضحة التي كانت من أبرز ذرائع الولايات المتحدة لتبرير غزو العراق عام 2003، والتي ثبت لاحقاً بطلانها. هل نسيتم العرض الاستعراضي الذي قدمه وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول أمام مجلس الأمن الدولي في فبراير من ذلك العام؟ كان الهدف من ذلك العرض إقناع المجتمع الدولي بوجود تهديد وشيك من العراق ، لتبرير شن الحرب عليه رغم غياب أي دليل قاطع على امتلاكه أسلحة نووية أو كيميائية. لاحقًا، تبيّن للعالم بأسره أن تلك المعلومات كانت كاذبة (فتل ساي)ولم يُعثر بعد الغزو على أيّ من أسلحة الدمار الشامل المزعومة. (خلونا من ده كلو)ولنعد بالذاكرة إلى الوراء قليلا، ألم تُقصف ماما أمريكا"مصنع الشفاء" للأدوية في الخرطوم في أغسطس 1998؟ ألم تكن تلك الغارة محاولة للتغطية على فضيحة الرئيس بيل كلينتون الجنسية مع المتدربة مونيكا لوينسكي؟! في مذكراته الشهيرة، يؤكد نائب مدير المخابرات الأمريكية آنذاك، جون ماكلوغلين، أن المعلومات التي استندوا إليها في قصف المصنع لم تكن صحيحة، قائلاً بوضوح: "المخابرات كانت تحت ضغط شديد لتقديم هدف واضح وسريع للرد على تفجيرات السفارات الأمريكية في أفريقيا، وقد أثّر هذا الضغط على عملية اتخاذ القرار." بنفس السيناريو والمشاهد تعاد مسرحية جديدة بنص قديم تحت عنوان (حبل الكضب طويل) ولكن الشعوب والدول التي عرفت أكاذيبهم في الماضي ، لن تصفق اليوم لذات الأكاذيب ..!

سودارس
منذ يوم واحد
- سودارس
من شرعية البندقية إلى شرعية سلمى!
المتفحّص في سيرة "سلمى عبد الجبار"؛ تلك المرأة الهامِلة التي يلجأ إليها عبد الفتاح البرهان كلما أُدلهمّت عليه خطوب الشرعية، والتي قام بتعيينها أمس الأول في مجلس سيادته للمرة الثانية، وكان قد عيّنها في ذات المنصب عقب انقلابه في أكتوبر 2021، وسرعان ما أقالها مع آخرين في يوليو 2022، وها هو يضمّها بين جناحيه مجددًا. المتفحّص في سيرتها لا يجد فيها سوى أنها (كوزة بنت كوز)، فهي ابنة الكوز عبد الجبار المبارك، وهذا هو مؤهّلها. لا تملك رصيدًا سياسيًا، أو قدرات، أو كاريزما تؤهلها لتولّي منصب سياسي، لكنها تصلح للعب دور الكومبارس بأفضل مما يفعل غيرها، بل تجاوزتهم وبزّتهم وتفوّقت عليهم، بحيث أصبحت (المُحلّلة الشرعية) الوحيدة لمجلس سيادة البرهان غير الشرعي، وإكمال نصابه، بل وتحسين صورته بإطار نسائي خفيف، ضمّ إلى جانبها سيدة أخرى من شرق السودان لم يسمع بها أحد من قبل، سوى الله علاّم الغيوب وعبده المجنون شيبة ضرار! ولابد أن سلمى هذه هي شقيقة محمد عبد الجبار، وليس لي علم بقرابتها به سوى قدراتهما الجينية في "التحليل الشرعي"، ولمن لم يسمع بمحمد عبد الجبار، فهو محلل شرعي أيضًا، كان أحد الخمسة الذين كانوا ينزلون أمام المعزول عمر البشير كمنافسين ديكوريين لإكساب انتخاباته شرعية. وهم، إضافةً إليه: فضل السيد شعيب، ياسر يحيى صالح، فاطمة عبد المحمود، وخامسهم كامل إدريس، الذي أتى به البرهان أمس رئيسًا لوزراء حكومته التي يؤسّسها على نسق سلفه البشير، الذي يسير على نهجه حذو الحافر، نقطة بشولة! السيدة القميئة سلمى، ولا قصد شكلاً، رغم أنني بطبعي الذي خُلقت عليه لا أطيق سوى النساء الجميلات، أو قل إن شئت: لست مستنيرًا ومتنجدراً كفاية لأطيقهن. المهم، أقول: يبدو أن سلمى هذه تجيد لعب دور سدّ الفراغ الذي يليق بإمكانياتها ويتسق مع حالتها النفسية وقدراتها العقلية، فكلما احتار البرهان في ملء شواغر مجلسه السيادي بشخص (لا يهش ولا ينش)، يهتف: هلمي يا سلمى، فتجيب: لبيك سيدي، وتأتيه مهرولة وهي تهز ذيلها مثل جرو صغير وديع، فيحفظ بها (الخانة) الشاغرة ليبلغ مجلسه النصاب المنصوص عليه في وثيقته التي كتبها وحده ليحكم بها وحده، ومع ذلك لن يكتسب الشرعية ولو انطبقت الأرض بالسماء، فالشرعية ليست مرتبطة بسلمى وكامل ودفع الله، وإنما بانقلابه على المسار المدني الديمقراطي في 25 أكتوبر 2021، وما لم يعود إليه، فلا شرعية له، ولكنه لا يعلم، وكيف يعلم من جعل مني مناوي والمدرعة ندي القلعة والسوخوي خالد أعيسر والظمبور عسكوري والطرطور مصطفى خليلًا له؟! لابد أن البرهان، بعد دخول جيشه وسيطرته على العاصمة، قد انتقل من محطة (الحل في البل) إلى (الحل في سلمى)؛ لهذا علينا أن نطمئنه بأنه لو وضع مئات الأشخاص مكانها فلن يكسبه ذلك الشرعية التي يبحث عنها، وأن تعويله على "سلمى" كتعويله على الجيبوتي رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي الجديد، محمود علي يوسف، الذي جاء إلى المفوضية بعباءة وزارة الخارجية التي مكث فيها (20) عامًا، لذلك لا يزال، حتى بعد انتخابه إلى قمة الاتحاد الإفريقي، يمارس عمله كوزير خارجية جيبوتي. وهذا ما يجعله يطأ فخاخًا كثيرة وألغامًا أكثر، وقد يسمع قريبًا فرقعات ودويًا تحت قدميه، مثلما سيحدث ل(سلمى) جبارة خواطر البرهان ومحللته غير الشرعية.


الأمناء
منذ 2 أيام
- الأمناء
لغياب الشفافية والخضوع للحوثيين.. يمنيون ينتقدون المنظمات الدولية
وجه يمنيون انتقادات حادة للمنظمات الأممية والدولية وطبيعة عملها في اليمن، معتبرين أن غياب الشفافية والتعامل مع الحوثيين أفقدا هذه المنظمات مصداقيتها وساهما في استمرار معاناة اليمنيين. ومن جهتها، حذّرت أكثر من 100 منظمة إغاثية أممية ودولية من تفاقم الوضع الإنساني لليمنيين، بسبب استمرار الصراع أكثر من عقد، في ظل زيادة الاحتياجات، وتراجع تمويل خطة الاستجابة الأممية من الداعمين. وأشارت نحو 116 منظمة، في بيان مشترك، الثلاثاء، إلى أن العام الجاري قد يكون الأصعب بالنسبة لليمنيين والأسر الأكثر احتياجا. ونوهت بخطورة التراجع الحاد في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية، وأثر ذلك على تقليص المساعدات الأساسية التي تصل إلى ملايين اليمنيين المحتاجين. وكان وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر، قد سلّط الضوء في إحاطة قدمها الأربعاء الماضي، أمام مجلس الأمن الدولي في جلسة خُصصت لمناقشة الملف اليمني، على العواقب الوخيمة جراء نقص التمويل وانعكاس ذلك على عمل عدد من المشاريع والبرامج الصحية والغذائية؛ ما سيؤثر على ملايين المستفيدين. وأعلنت الأمم المتحدة، في مؤتمر صحفي، يوم الجمعة الماضي، تعديل خطتها الإغاثية في اليمن، خلال العام الجاري، جراء نقص التمويل العالمي، واكتفت بتخصيص 1.4 مليار دولار للوصول إلى 8.8 مليون شخص، بانخفاض يصل إلى نحو أكثر من 50% من خطة الاستجابة الإنسانية الأصلية. نهب المساعدات ووجه مصدر يمني يرأس منظمة حقوقية محلية انتقادات للمنظمات الدولية، وقال لـ"إرم نيوز" إن "70 إلى 80% من أموال المساعدات الإنسانية تُنهب وتُسرق وتتقاسمها تلك المنظمات الدولية مع الحوثيين". وأضاف المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، "الهدف من مثل هذه الأرقام والإحباطات هو الضغط على المانحين لضخ أموال تمكن المنظمات الدولية والأممية من استمرار استثمارها في ضحايا النزاعات المسلحة خصوصا بعد توقف الدعم الأمريكي وتقلص الدعم الأوروبي". وأكد المصدر أنه "لن يكون لأي استجابات تمويلية أي أثر على المستفيدين المفترضين في اليمن، مهما بلغ حجم التمويلات"، لافتا إلى استمرار تدهور الوضع الإنساني لليمنيين رغم عشرات مليارات الدولارات التي أُعلن عن إنفاقها باسم العمل الإنساني، بحسب قوله. وأشار إلى أنه "لا تمتلك أي منظمة دولية الحق في تمويل أي منظمة محلية سواء في عدن أو صنعاء لتوزيع مواد غذائية وإغاثية إلا بعد أخذ الموافقة من قبل الحوثيين، الذين يملون عليهم توجيه الدعم إلى أي منظمة ومنعها عن أي جمعية". وأكد أن "أكثر من ثلثي اليمنيين الذين يعانون فقرا شديدا، يعيشون على التكافل الاجتماعي فيما بينهم وعلى الاكتفاء بالحد الأدنى في المعيشة، دون حصولهم على أي مساعدات". حلول ترقيعية بدوره، أشار المدير التنفيذي للمركز الأمريكي للعدالة (ACJ) عبد الرحمن برمان، إلى أن "المجتمع الدولي لم يعد يقدّم إغاثة كافية تتناسب مع حجم المأساة التي يعيشها اليمنيون". وأضاف برمان، لـ"إرم نيوز": "بالرغم من أن هناك شحا كبيرا في ما يُقدَّم من مساعدات، إلّا أن ما يُقدَّم عبارة عن جزء بسيط جدا منها لسد الاحتياجات الفعلية، بسبب تُعرقل عملية وصول هذه المساعدات، فضلًا عن مصادرتها خصوصا من قبل الحوثيين". وبحسب برمان، فإن "الأمم المتحدة تقدم حلولًا ترقيعية، بل على العكس، ما تقوم به يسهم في عملية موت بطيء لليمنيين". وانتقد ما وصفه بـ"التعامل الناعم" للأمم المتحدة مع الجماعات المسلحة، وخصوصا ميليشيا الحوثيين، على أنها أمر واقع. وتابع برمان: "كان من المفترض أن يقف المجتمع الدولي موقفا جادا ضد الجماعات المسلحة، وأن يُجبرها على إلقاء السلاح، لا أن يتعامل معها". وأكد برمان ضرورة حصر السلاح بيد مؤسسات الدولة والجيش النظامي، والتوجه نحو حل سياسي شامل. غياب الشفافية من جهته، دعا الكاتب الصحفي والباحث الحقوقي همدان العليي، إلى ترسيخ مبدأ الشفافية في العمل الإغاثي، مطالبا المنظمات الأممية والدولية بإطلاع اليمنيين على كشوفات دقيقة توضح كيفية صرف أموال المساعدات. وأكد العليي، لـ"إرم نيوز": "يجب أن تكون هناك شفافية في العمل الإغاثي، لاسيما أن اليمنيين أصبحوا اليوم لا يثقون بمصداقية هذه المنظمات، التي تتلقى أموالًا طائلة عبارة عن منح لمساعدة اليمنيين وباسم اليمنيين، لكن في نهاية الأمر لا يوجد أثر ملموس وواضح لتلك الأموال". وأشار العليي إلى أن "المنظمات الدولية والأممية العاملة في اليمن، لا تقوم ببذل أي جهود أو تنفذ مشاريع في الجانب التنموي، بمعنى المشاريع التي تتجاوز فكرة تقديم السلال الغذائية، وتسهم في تحسين أوضاع المواطنين بشكل دائم، من خلال خلق فرص عمل وما شابه ذلك، والعمل على إشراك الناس في تحديد احتياجاتهم". يذكر أن كبار المسؤولين الإنسانيين لمساعدة اليمن يعتزمون في وقت لاحق اليوم الأربعاء عقد الاجتماع السابع في مقر الاتحاد الأوروبي بالعاصمة البلجيكية بروكسل، في محاولة جديدة منهم لحشد الدعم المالي اللازم لتنفيذ خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن.