
عصمت النمر يفتح كنوزه وأسراره لـ "الدستور" (حوار) 1-2
في مقابلة لـ 'الدستور' مع الباحث في الترات عصمت النمر، فتح لنا كنوز أسراره، وخباياه الدفينة، عن نجوم الزمن الجميل في الفن والثقافة. من الشيخ إمام للأبنودي. وعن علاقته بكل هؤلاء النجوم، وما تحفظه كنوزه، كان هذا الحوار الممتد.
كيف بدأت علاقتك بالشيخ إمام؟ ومتى استمعت إليه لأول مرة؟
أنا عاشق للسماع، أجد فيه ما يغني الروح وينعش القلب، كانت معرفتي الأولى بالشيخ إمام مفاجأة حقيقية، كنت حينها في السنة الثانية بكلية الطب، حين أهداني أحد زملائي شريطا صوتيا.
استمعت إليه دون أن أعرف من صاحب هذا الصوت المتوهج: أهو سيد درويش؟ أم فنان آخر؟ سألت صديقي عنه، لكنه اكتفى بابتسامة غامضة وقال: "سأخبرك لاحقا".
كان في ألحان الشيخ إمام شيء مختلف، لا يشبه كمال الطويل، ولا أحمد صدقي، ولا محمود الشريف، كان يحمل في نغمه روح سيد مكاوي، وعرفت لاحقا أن كليهما تربى وتعلم الموسيقى في حضرة الشيخ درويش الحريري.
منذ أول استماع، أصبحت أسيرا لسحر الشيخ إمام وأشعاره، وطلبت من زميلي أن يدلني على المزيد من أعماله، أخبرني بوجود حفل في كلية الآداب بجامعة القاهرة، بمناسبة التضامن مع القضية الفلسطينية، حضرت الحفل، وشعرت وكأنني في أوبرا شعبية، المدرج مسرح والطلاب كورال يتغنون، وكانت الأجواء مشحونة بالشجن والانفعال.
انتهى الحفل، وصعدت إلى خشبة المسرح، لم أجد أحدا هناك سوى الشيخ إمام، مد يده نحوي وسألني:
"إنت عترة؟"
أجبته بابتسامة وتبادلنا السلام، فقال لي:
"تعالى نتدقلج سوا"
وسرنا معا من جامعة القاهرة، مرورا ببيت الرئيس السادات، ثم إلى كوبري بديعة، وهناك، اعترفت له بتعب قد تسلل إلى قدمي، فضحك ضحكته المميزة، استقللنا تاكسي من ميدان التحرير حتى الغورية، حيث كان يسكن في حوش آدم داخل حارة متفرعة من حارة، وكان هذا العالم جديدا علي، فأنا اسكن في العباسية الشرقية، وأسكن بجوار ميدان الجيش، قرب ميدان الجناين حيث يقيم نجيب محفوظ.
وتكررت زياراتي له، وصرت أقطع الطريق من الحسينية إلى باب الفتوح، ثم شارع المعز لدين الله الفاطمي، حتى أصل إلى الغورية حيث نلتقي، كان يحب المشي كثيرا، وكان يمشي كمن يحفظ الطريق بعيني قلبه.
وحدثني عن شيخه درويش الحريري، وعن بداياته في تعلم الموسيقى، وعن أشياء كثيرة، عن الفن والحياة ورغم أنه كان ضريرا، إلا أنه لم يعرف الخوف، كنت أندهش من جرأته، وهو يتنقل بمفرده في حواري ضيقة لا تعرف الرحمة، ومع ذلك كان يسير وكأن العتمة طريقه.
كان غريبا في تلحينه، يجلس ويتمتم، فكنت أظنه يقرأ وردا دينيا، لكنني أدركت لاحقا أنه يلحن، كان يلحن وهو يمشي، فالموسيقى عنده علم معقد له أوزان وتفعيلات، كأنها قصيدة طويلة يحكيها، لا مجرد نغمة تعزف.
كيف تعرف الشيخ إمام على أستاذه الأول في فن الموسيقى؟
في قلب القاهرة الشعبية، حيث كان الشيخ إمام يقيم في "حوش آدم"، حي متواضع تضج أزقته بالمبتهلين والباعة والموسيقيين الفطريين، في البيت المجاور، سكن المبتهل الإذاعي عبد السميع بيومي، الذي لحن له الشيخ إمام بإخلاص ودون مقابل، فقط حبا للفن وتقديرا للموهبة، كان إمام يحبه حتى أنه أوصى أن يدفن إلى جواره.
عبد السميع كان له ابنان: أمين، يعمل في خياطة الجلابيب البلدي، وحسن، الحلاق وعازف العود، وفي محل حسن الصغير وقعت الحلقة الأولى في سلسلة القدر، كان الشيخ درويش الحريري زبونا دائما هناك، ومن حسن سمع عن الفتى الكفيف الذي يقرأ "الرواتب" بصوت يخطف القلوب.
حين عرف إمام أن الحريري يحلق عند حسن، أدرك أن هذا خيط لا يمكن تفويته، الحريري وقتها كان أسطورة، معلما صعب الإرضاء، يعيش في "ربع" بحي الجمالية يفتح أبوابه للمكفوفين الراغبين في تعلم الموسيقى، رجل حازم متعال بموهبته، لا يرضى عن أحد، حتى قال مرة في حوار صحفي إن "كل المغنيين في مصر على درجة واحدة، وأم كلثوم فقط تستحق أن تسمع".
ومع ذلك، حين التقى به إمام، قال له بثبات: "أنا مش هسيبك"، ومن هنا بدأت الرحلة.
عاش في ربع الجمالية سنوات طويلة، تتلمذ فيها على يد الحريري، وتشرب أصول الموشحات والابتهالات والأدوار، في مدرسة لا تشبه غيرها، جامعة بلا أوراق، مفتوحة لمن يستحق لا لمن يملك.
كيف انتهت الصداقة بين الشيخ إمام وزكريا أحمد ولماذا اتهمه سيد مكاوي بالجحود؟
كان الشيخ إمام يحب زكريا أحمد حبا كبيرا، تربطهما علاقة طيبة وود صادق، اعتاد زكريا أن يزوره في "حوش آدم"، لا لمجاملة بل ليستمع إلى ألحانه بصوت إمام، الذي كان يضيف لكل لحن روحا جديدة، لم يكن يغني العمل مرتين بالطريقة نفسها، بل يعيد تشكيله، يطعمه بحلياته الخاصة، ويمنحه بصمته.
في أحد الأيام، كان زكريا يلحن أغنية "حلم" أو "الآهات" لأم كلثوم، فغناها إمام في الأفراح قبل أن تؤديها هي، وعندما علمت أم كلثوم، غضبت غضبا شديدا، وقرر زكريا مقاطعة إمام، واستمرت القطيعة أشهرا طويلة قبل أن تعود المياه إلى مجاريها.
سألت الشيخ إمام ذات مرة عن سبب هجوم سيد مكاوي عليه في صفحات "روز اليوسف"، أجاب بهدوء: "سيد فنان عظيم، لكن التاريخ هو اللي هيحكم بينا، وهيدي كل واحد حقه" لم يكمل الحديث، ولم أشأ أن أفتح الجرح، كنت أعلم أن مكاوي كان تلميذه في الأصل، وتعلم العزف على العود منه في "ربع" الشيخ درويش الحريري.
يبتسم النمر وهو يسترجع واحدة من أكثر اللحظات طرافة، قائلًا: كنا نتناول الطعام في مطعم شعبي بسيط اسمه "توفيق"، جلسنا على المائدة، وفوجئت بإمام يحيط طبق اللحم بكلتا يديه كأنه يحجبه، لم أفهم حتى هجمت قطة على طبقي وخطفت قطعة لحم، ضحك إمام حين شعر بها، وقال لي ضاحكا: "يا مفتح"، وفهمت حينها لماذا كان يحمي طبقه.
في حكاية أخرى لا تقل دهشة، أراد أن يذهب إلى حي "الجدارية" القريب من حوش آدم، أخبرته أنني لا أعرف الطريق، فرد بثقة: "اطمن، أنا معاك" سار كأنه يرى، يحييه الناس في الطريق: "أهلًا يا مولانا"، يدخل الأزقة ببراعة، يتنقل بين اليمين واليسار، حتى وقف أمام باب وقال لي: "فيه باب قدامك، خبط عليه" طرقت الباب، ففتح رجل وسألته: "أنت حمادة صاحب الفرن؟"، قال: "أيوه". التفت إلى إمام مندهشا وقلت: "لا... إنت مفتح".
لماذا لم يلحن الشيخ إمام يوما لأم كلثوم أو عبد الحليم حافظ رغم عبقريته الموسيقية؟
بسبب سر اختيارات الشيخ إمام للكلمات والمغنين، لم تكن ألحانه تقليدية، بل خرجت من قلب الشارع، موجهة إلى الناس بلا رتوش، كل لحن كان يحمل نفسا وموقفا وجرحا، ولهذا لم ينسجم صوته أو أسلوبه مع عالم أم كلثوم أو عبد الحليم، رغم احترامه لفنهما.
الموسيقار محمد عبد الوهاب قال لعبد الحليم عن إمام: "فنان كبير، ماشي في سكة سيد درويش وبحماس" لكنها شهادة لم تترجم إلى تعاون، خاصة أن عبد الحليم كان يحمل ضغينة شخصية تجاه أحمد فؤاد نجم، رفيقه القديم في ملجأ الأيتام، فكان يتحاشى كل ما يرتبط به، حتى الشيخ إمام.
حين سأله عبد الحليم ذات يوم الموسيقار عبد الوهاب: "مش شايف إن أغاني إمام ونجم فيها حقد طبقي؟" أجاب عبد الوهاب بدهاء: "مفيش حاجة اسمها حقد طبقي، دي مشاعر ناس تعبانة وبتتكلم". في زمن الاشتراكية، كانت هذه الجملة كفيلة بإغلاق أي باب للوقيعة.
أما إمام، فكان صريحا في اختياراته، لا يركض خلف الأسماء اللامعة، بل يبحث عن الكلمة التي تشبهه، كلمات أحمد فؤاد نجم وفؤاد قاعود خرجت من الشارع لا من الصالونات، ولهذا بقي إمام صوت الفقراء، لا مطرب السهرات.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجمهورية
منذ ساعة واحدة
- الجمهورية
محمد الريفي عن طليقته: ربنا يكرمها ويكرمني.. ومستحيل أتكلم عن الماضى
أكد الفنان المغربي محمد الريفي ، على أنه يرفض الحديث عن حياته الشخصية، سواء في البرامج التليفزيونية، أو على صفحات مواقع لتواصل الاجتماعي؛ ويتجنب الرد على طليقته لأنه يجب أن تتسم الحياة بال ستر كما أمرنا الله. وأوضح محمد الريفي ، في لقاء خاص مع الإعلامية شيرين سليمان ببرنامج سبوت لايت، المذاع على قناة صدى البلد، قائلاً: "الحياة الشخصية ربنا قال إن في ستر ، ومينفعش اننا نطلع نتكلم عن حياتنا الشخصية، حصل ايه؟، حتى لما بسمع كلمة وحشة عن زمان مستحيل أرد، حتى لو بستوري على السوشيال.. بتعامل بال ستر". وأضاف محمد الريفي قائلاً: "حتى لو حصل طلاق بين أي زوجين، لازم يكون في ستر ، مانتكلمش عن الماضي، وايه سبب ال طلاق وده كلام ربنا، في حاجات شخصية بين الرجل والست، ربنا هو الوحيد اللي بيعرفها، ومينفعش اطلع في التليفزيون أو على مواقع التواصل الاجتماعي واتكلم عنها في استوري، وكل مرة الطرف الثاني بتكتب بوست أو استوري، مستحيل أنا أرد؛ لأنه خلاص الموضوع انتهى ومركز في شغلي ومستقبلي". ورفض محمد الريفي الحديث عن طليقته، متمنيًا لها حياة سعيدة، قائلاً: "يا رب يكرمها ويكرمني، ويا رب يسهل عليها ويسهل، وبتمنى لها الخير ويجيلها واحد أحسن منّي". محمد الريفي: حفلات أوروبا ناجحة جدًا.. واستعد لطرح أغنية «حقودي» السبت 31 مايو 2025 1:56:17 ص المزيد محمد الريفي: بحب «وسط البلد» وعايش دلوقتي أحلى أيام حياتي السبت 31 مايو 2025 1:35:36 ص المزيد تامر حسنى يطرح أغنيته الجديدة "حبيبي تقلان" على يوتيوب السبت 31 مايو 2025 12:54:45 ص المزيد تكريم شيري عادل في ختام مهرجان السينما الفرانكوفونية السبت 31 مايو 2025 12:22:32 ص المزيد محمد ممدوح وطه الدسوقي دافنينه سوا بعد العيد السبت 31 مايو 2025 12:11:38 ص المزيد


الدستور
منذ ساعة واحدة
- الدستور
حسين بيكار في خطابين لـ عصمت داوستاشي: "شكرا للمستنير دادا"
رحل الفنان السكندري الكبير عصمت داوستاشي عن عالمنا في شهر مايو الجاري والذي ينتهي غدا، عن عمر ناهز الـ 82 عامًا، وكانت 'الدستور' قد زارت الفنان الكبير في مرسمه بالإسكندرية وحصلت منه على بعض الخطابات ومنها خطاب أرسله الفنان حسين بيكار للفنان السكندري عصمت داوستاشي. الرسالة الأولى كان بيكار قد أرسل الرسالة عام 1985 ويقول فيها:" ولدي الحبيب عصمت داوستاشي، لست أدري كيف أعبر عن فرحتي الغامرة عندما تسلمت خطابك الرقيق، فقد كان لمسة وفاء جاءت في وقت عرفت فيه قدر الأصدقاء، وليس هذا بغريب عليك، فقد عرفتك دائما نقي القلب، صافي السريرة، رحيب الأفق، ثاقب الفكر، وهذا ما جعل لك في قلبي منزلة انفردت بها بين من عرفتهم من شباب هذا الجيل.. وليت أدري يا ولدي كيف أعبر لك عن شكري على مشاعرك النبيلة فلا حرمني الله من هذا القلب الكبير، والعقل المستنير، ولك مني خالص الود والمحبة.. أكتب لك من الإسكندرية حيث أمضي أجازة قصيرة في فندق شيراتون المنتزه حتى مساء السبت إن شاء الله، فإن لم أستطع لقاءك فأرجو أن نلتقي في القاهرة ربما في صحبة صديقنا حسن سليمان.. شكرا مرة ثانية وتحياتي للسيدة قرينتك ولك مني خالص التحية.. حسين بيكار الرسالة الثانية لحسين بيكار كان الفنان حسين بيكار يطلق على عصمت داوستاشي لقب "المستنير دادا"، وكان يخاطبه بهذا اللقب دائما في مراسلاته، وبعض هذه الخطابات يصل إلى عشر صفحات وأكثر أحيانا، وفيها يناقشان المعارض الفنية ورؤية كل منهم حول الكثير من الأمور.. يقول حسين بيكار في جزء من رسالته الثانية لعصمت داوستاشي.. المستنير دادا حفل الثغر السكندري وهو يحتفي بباكورة فنانيه الاكاديميين بموجة من الأنشطة الطموح، والأفكار، الشابة، التي كانت تلهث للحاق، بأذيال القرن المنصرم.. وفي غمار هذا اللغط الفكري ظهر هذا العنوان الغامض "المستنير دادا" معلنا عن معرض بقيمة الفنان السكندري الشاب عصمت داوستاشي بقاعة اتيليه القاهرة.. ولا أستطيع ان أنكر لهفتي الشديدة على مشاهدة هذا المعرض الوافد الذي يزفه العنوان المثير، ومحاولة فهم او تفهم ما يمكن أن ينقله إلينا المفكر السكندري الشاب من خلال هذه المظاهرة الإعلانية الشديدة الغموض، وما يمكن ان تعكسه علينا رسومه التي أتوقع ان تكون أكثر غموضا.. كانت الفكرة التي روادتني قبل أن اشاهد المعرض، ولم أكن قد قابلت الفنان أو تعرفت عليه من قبل أنها تقليعة استعراضية شبابية تحاول لفت الأنظار بطرافتها، ولكن وقفتي الطويلة أمام ما شاهدته بعد ذلك بالمعرض بحياد شديد وبلا حكم مسبق جعلتني رغم جميع المحاولات لا أستطيع الإفلات مما يشع من اللوحات من استحواذ لا يقاوم.. عندئذ أيقنت أنه لا بد وأن يكون هناك شيئا ما يتخلل تلافيف هذا الشعار يحاول على استحياء ان يعلن عن وجوده أو قضية تؤرق الفنان يتردد في المجاهرة بها.. إلى آخر الرسالة الطويلة.. ووقع بيكار خطابه بـ شكرا للمستنير دادا . بيكار 10 أكتوبر 1998


الجمهورية
منذ ساعة واحدة
- الجمهورية
محمد الريفي: حفلات أوروبا ناجحة جدًا.. واستعد لطرح أغنية «حقودي»
وأكد محمد الريفي ، في لقاء خاص مع الإعلامية شيرين سليمان، ببرنامج سبوت لايت المذاع على قناة صدى البلد، أن حفلاته هناك تلقى إقبالًا واسعًا، قائلاً: "السنة دي عندي حفلات كثيرة بعد القاهرة رايح على روما، لأن أوروبا فيها جنسيات من العالم العربي، وحفلات أوروبا حفلات كبيرة، وفي نجوم ما شاء الله بيروحوا ل أوروبا ، في المغرب ، و مصر ، و السعودية ، و الإمارات ، و لبنان ، و سوريا ، الجالية العربية قوية جداً". وكشف محمد الريفي عن عمل فني جديد يجمعه مع الفنان عمر كروان، مؤكدًا أن الأغنية المنتظرة ستصدر خلال 20 يومًا تقريبًا، قائلاً: "في أغنية هتنزل ممكن، ممكن يعني 20 يوم، خلاص صورنا الكليب وخلصنا الأغنية، اسمها ' حقودي '، وممكن ناس تفتكر إن الأغنية كمان رسالة لحد، وهي مش رسالة، هو الحظ، هو دومًا حظي كده". وأكد محمد الريفي على أن اختياراته الفنية دائمًا ما تراعي احترام جمهوره، مشيرًا إلى أنه يرفض أي عمل فني أو حتى تفاصيل صغيرة في الكليبات إذا لم تكن متوافقة مع ذوقه وقيمه.