
أين اختفت جماهير إيران العربية؟
الشرق الأوسط – عبد الرحمن الراشد – يخيّم على الشارع الشعبي العربي هدوء مثل صمت المقابر؛ لا يتفاعل مع سلسلة الأحداث الهائلة في المنطقة. لم نرَ تظاهرات ولا احتجاجات ولا اعتصامات في الدول العربية، وفي ظني أنها المرة الأولى منذ سبعة عقود أو أكثر التي تختفي مظاهرها!
الذي ألمّ بإيران ليس هيناً أبداً؛ فخسائرها العسكرية ومنشآتها النووية هائلة، والتي كلفها بناؤها مليارات الدولارات والدم والعرق. نضيف إلى خسائرها الباليستية والنووية خسارة التيار الشعبي الذي بنته في كل مكان في المنطقة من العراق إلى المغرب.
عندما اتخذت حكومة لبنان قرارها الجريء بمصادرة سلاح «حزب الله» لم يتجاوز صدى ما حدث سوى بضع عشرات من الدراجات النارية التي جابت طرقات بيروت احتجاجاً! فماذا حدث للمليونيات البشرية التي كانت تهب للشارع بإشارة من إصبع سيد الحزب أو طهران؟
انهيارات النفوذ الإيراني جلية داخل المناطق العربية، ويشبه حالها حال انهيار التيار الناصري بعد هزيمته في حرب 1967؛ فقد قدرته على تحريك الشارع، ولجأ للاستعانة بمنسوبي حزبه الاشتراكي والنقابات العمالية لحضور المناسبات بعد أن تناقصت الجماهير التي كانت تملأ الميادين بحماسة وعفوية تلبيةً لدعوات الإذاعة التي سيطرت نحو عقدين على وعي الناس وعواطفهم. في أعقاب الهزيمة عمّ الإحساس بالصدمة والخذلان في عموم المنطقة التي كانت تنتظر تحرير فلسطين.
إيران، هي الأخرى، كان لها هيمنة وتأييد شعبيان في المنطقة، متحدية محاولات منع أفكارها وتقييد نشاطاتها. واستطاعت أن تربي أجيالاً من العرب على أفكارها. فتحت طهران أبوابها وذراعيها للسنّة المتطرفين، بمن فيهم قادة «القاعدة»، متجاوزين فكرهم المعادي للشيعة، ودعمت معظم المعارضين والحركات السنية ضد أنظمتهم. وبنت علاقة عضوية وعميقة التنسيق مع جماعات «الإخوان المسلمين».
وأقامت مؤتمرات وندوات شبه سنويّة للقوميين والشيوعيين العرب. وأنفقت الكثير لاستمالة سياسيين ومبدعين عرب؛ فطبعوا الكتب ودبجوا قصائد المديح داعين لنظام الإمام ومدافعين عنه. طهران جمعت الشيعة والسنّة والمسيحيين العرب، مفكرين خليجيين ومصريين وشوام ومغاربيين وسودانيين ويمنيين وعرب الغرب. تسلقت على الكثير من وسائل الإعلام العربية للدعاية الخامنئية.
حتى إننا أحياناً نعجز عن فهم كيف كانت توفق بين كل هؤلاء المتناقضين! ففي طرابلس لبنان، التي لها تجاذبات مع شيعة بيروت، فيها جماعات سنية منذ الثمانينات استمرّت تدين بالولاء لطهران. وفي الأردن بين «الإخوان» من يعلن حبه للسادة في طهران.
وفي سبيل الدفاع عنها صدرت أعمال عديدة؛ في مصر مثلاً «إيران والإسلام السياسي»، وفي الكويت «إيران والغرب: صراع المصالح»، وفي الخليج عُقدت مؤتمرات تحت عنوان «التقريب» بين المذاهب، واحتفت بتاريخ الناصر لدين الله العباسي.
وكل هذه النشاطات كان لها أن تكون جليلة لولا أن النيّات خلفها لم تكن خالصةً لوجه الله تعالى، ولا حباً في إنهاء التنازع الطائفي أو التخفيف منه، بل ضمن مشروع سياسي للهيمنة.
كانت طهران تدير الحراك النخبوي والشعبي في عشرات المدن العربية؛ احتجاجاتها ضد روايات وأفلام ومفاوضات وأنظمة.
إنما في الحروب الأخيرة على أثر هجمات أكتوبر (تشرين الأول) 2023، خبا الحراك الذي اعتدنا عليه في كل مواجهة. السبب الأول، أن الشعوب لا تحب المهزومين. والثاني، أن الأجهزة المحركة لهذه التجمعات انقطعت اتصالاتها وجفّت مواردها. الشارع العربي يبجّل البطل المنتصر حتى يسقط؛ فيستبدل به بطلاً آخر.
المؤمنون بها صدمتهم الهزائم المتلاحقة مثلما صُدم الناصريون بنكسة الستينات. التحدي المتبقي هو المحافظة على مؤيديها في حاضنتها الشعبية الشيعية؛ فهم أكبر المتضررين، ولا يزالون يعيشون هول الصدمة. مع مرور الوقت ستتبين لشيعة لبنان الحقيقة؛ أنهم ضحية «حزب الله» وإيران، وهي عبء عليهم وليست سنداً لهم.
على مدى أربعة عقود كانوا في مواجهة إسرائيل، ويتحملون وزر العلاقة مع إيران؛ من العقوبات الاقتصادية والشخصية، واستهداف المناطق والأحياء بالتدمير، وملاحقة تحويلاتهم من أفريقيا وأميركا اللاتينية والشمالية، وغيرها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سعورس
منذ ساعة واحدة
- سعورس
جامعة أمِّ القُرى تنظِّم مؤتمر: "مسؤوليَّة الجامعات في تعزيز القيم والوعي الفكري" برعاية كريمة من خادم الحرمين الشَّريفين
برعاية خادم الحرمين الشَّريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله-؛ تنظِّم جامعة أمِّ القرى مؤتمر: "مسؤوليَّة الجامعات في تعزيز القيم والوعي الفكري"؛ في الفترة من : 25-27 أغسطس 2025م؛ وذلك في قاعة الملك عبدالعزيز التاريخية بالمدينة الجامعية بالعابدية. ويهدف المؤتمر إلى: إبراز دور المملكة العربية السعودية في تعزيز القيم الإنسانية والوعي الفكري، وتبادل الخبرات وتنظيم المبادرات المشتركة بين الجامعات السعودية والقطاعات ذات العلاقة، وإبراز دور الجامعات تجاه دعم مؤسسات التنشئة الاجتماعية، ووضع حلول لأبرز التحديات المعاصرة التي تواجه القيم والوعي الفكري؛ بالإضافة إلى رسم رؤية استشرافية لمسؤولية الجامعات السعودية في ذلك. ويتضمَّن المؤتمر: 5 جلسات علمية، وورش عمل، وحلقات نقاش؛ يشارك فيها أكثر من 24 متحدثًا من: الأكاديميِّين، والخبراء، والمفكرين، ويستهدف منسوبي الجامعات من: الطلبة، وأعضاء هيئة التدريس، والموظفين، وخبراء الوعي الفكري، والمؤسسات الثقافية والاجتماعية والإعلامية، ورواد الأعمال؛ لتوحيد الجهود وتبادل الرؤى حول تعزيز القيم الراسخة والوعي الفكري المستنير. وأشار رئيس جامعة أمِّ القرى أ.د. معدي بن محمد آل مذهب إلى أن تنظيم هذا المؤتمر جاء انطلاقًا من التزام الجامعة برسالتها العلمية والمجتمعية، وحرصها على الإسهام الفاعل في ترسيخ القيم وتعزيز الوعي الفكري؛ بما يواكب تطلعات القيادة الرشيدة – حفظها الله –، ويُجسِّد مستهدفات رؤية السعودية 2030؛ مؤكدًا أن المؤتمر يُمثِّل منصة وطنيَّة تجمع الخبرات والتجارب الفكرية والأكاديمية؛ لتعزيز دور الجامعات في بناء مجتمع واعٍ بقيمه الإسلامية الوسطية والأصيلة. لمزيد من المعلومات:


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
مقتل فلسطيني برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية
قالت وزارة الصحة الفلسطينية، السبت، إن شاباً في الثامنة عشرة من عمره قُتل برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية. وأفادت الوزارة، في بيان نقلته وكالة «رويترز» للأنباء، «باستشهاد الشاب حمدان أبو عليا (18 عاماً) برصاص الاحتلال في بلدة المغير شمال رام الله». وأكد مسؤول فلسطيني مقتل الشاب. ولم يصدر بعد بيان من الجيش الإسرائيلي عن مقتل أبو عليا. وقال مرزوق أبو نعيم عضو المجلس المحلي في بلدة المغير: «دخلت نحو ثماني (سيارات) جيب عسكرية للبلدة بعد انتهاء مواجهات مع المستوطنين أحرق خلالها المستوطنون أربع سيارات وعدداً من المزارع تعود لسكان المغير وأبو فلاح المجاورة». وأضاف في اتصال هاتفي مع «رويترز»: «الجيش اقتحم البلدة ولا نعلم لماذا... وأطلق الرصاص الحي مما أدى إلى استشهاد الفتى حمدان». وشهدت الضفة الغربية في الأيام القليلة الماضية مواجهات بين السكان والمستوطنين أدت إلى مقتل شاب من بلدة دوما جنوب مدينة نابلس إضافة إلى إلحاق أضرار بممتلكات المواطنين.


حضرموت نت
منذ ساعة واحدة
- حضرموت نت
رئيس انتقالي شبوة يؤدي واجب العزاء في وفاة الشيخ 'علي الهبيلي'
شبوة (المندب نيوز) خاص أدى رئيس الهيئة التنفيذية للقيادة المحلية للمجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة شبوة، الشيخ لحمر علي لسود، اليوم السبت، واجب العزاء في وفاة الشيخ علي محمد الهبيلي. وكان في استقبال بن لسود لدى وصوله منزل أسرة الفقيد بمنطقة خبر لقموش بمديرية حبان، عددا من أفراد أسرته وأقاربة وذوية والشخصيات الأجتماعية وأبناء المنطقة. وعبر رئيس تنفيذية انتقالي شبوة عن تعازيه القلبية ومواساته، لأسرة الفقيد، وآل مجور وكافة لقموش، سائلًا الله أن يغفر له ويرحمه ويسكنه فسيح جناته..