logo
النقد والإبداع... جدل، أم تفاعل، أم سوءُ تفاهم دائم؟

النقد والإبداع... جدل، أم تفاعل، أم سوءُ تفاهم دائم؟

النهار٢٥-٠٢-٢٠٢٥

النقد والإبداع، الإبداع والنقد... هذا الزوج المُركّب الذي تشبه صورته سؤال: أيهما أسبق البيضة أم الدجاجة؟ يبقى بلا جواب غير السِّجال والمماحكة.
المسألة جدية، لذلك ما انفك أهل الاختصاص، الأدباء والدارسون والنقاد، يقلبون الرأي فيها يتحاورون، ويتجادلون، في محافل شتى جامعية، وثنائية، ولقاءات ثقافية وطنية. آخرها الندوة الواسعة التي عقدها المجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب في الكويت، ضمن مواد مهرجان القرين الثقافي في دورته الثلاثين حملت عنوان: "جدلية النقد والنص الإبداعي".
أقرّت الندوة موضوعين أساسين للنقاش هما: "توتّر الموقع الزمني بين الشعر والنظرية النقدية" مدارُه حول تحولات البنية الشعرية والإيقاعية التي عرفها الشعر العربي من نظامه الكلاسيكي إلى شعر التفعيلة، وبعدهما إلى نَسق مصطلح قصيدة النثر.
من المتحدثين فيها عبد الله الغذامي، خالد المعمّري، وخالد بلقاسم. إذا كان الموضوع قد استعرض مراحل تبلور المشروع الشعري العربي الحديث بدءا من نهاية الأربعينات، فإن العروض تساءلت أكثر عن شروط وكيفيات تخلق قصيدة النثر المنفصلة عن كلاسيكيات شعرنا وأنساقه، وخصوصا إشكالية تلقيّها بالرغم من مضيِّ عقود على نشأتها.
مسألة تثير استفهامات عدة عن إحجام النقد الأدبي عن معالجة نصوصها، أو محدودية المنتج منه عنها بما يُشعر واضعيها بالغبن، ويوَلِّد ردودَ فعل تُدين النقد والنقاد لهجرانهم لهم ولها فكأنه موقفٌ عدائيٌّ من تجربة إبداعية حداثية من دون التفكير في الأسباب أو القفز عليها من قبيل: الاختلاف الجذري لقصيدة النثر عن الذائقة الشعرية العربية الراسخة والمتوارثة. انقطاعها عن الموسيقى والإيقاعية عامة، لا يكفي معه القول ب" إيقاع داخلي" (كذا). كذلك، تحوُّلها لدى كثير إلى نص مفتوح لا ضابط له مطيّةً خاطرات أبعدتها مسافات عن نماذج مؤسسة (أنسي الحاج/ يوسف الخال، مثلا) فأفسدتها باسم شعرية بإطلاق.
الموضوع الثاني في ملتقى "جدلية النقد والنص الإبداعي" اختصّ بدراسة: "الرواية والنقد، من يحتاج الآخر؟" شارك في مداخلاته أكاديميون وكتّاب: حسن مدن ـ زهور كرام ـ جوخة الحارثي ـ محمد آيت ميهوب ـ عزيز محمد، وأحمد المديني.
ينصرف العنوان بوضوح إلى محاولة ضبط العلاقة بين الرواية بصفتها نصّا سرديّا حاكيًّا وواصفًا ومشخصَنًا وحواريًّا بأحداثٍ وحبكةٍ وتمثّلاتٍ صانعةٍ لمصائرَ وبانيةٍ لعوالمَ برؤية الواقعية ونسق التخييل؛ وبين النقد، أي عملية التلقي بالفهم والتأويل، فاستخلاصِ الدلالة وتقويمِ الشكل والحكم عليه.
نظر المشاركون إلى سؤال: "من يحتاج إلى الآخر؟" نظرة إجرائية، باستخدامه أرضية ومنطلقا لتوليد أسئلة، بالأحرى مساءلات وفرَضياتٍ وفتح أفقٍ للتفكير في العلاقات الممكنة بين حدّين متجاذبين يربطهما شرط (بافلوفي) ولا يُنتظر الخلاص منهما إلى أحكام جازمة.
اقتضى فهم هذه العلاقة في الندوة إذن التمييز بين ما يتصل بنظرية الأدب، والخاصّ بالنقدي، النصي التحليلي. كلاهما نسيبٌ للثاني ومستقلٌّ بخصائص، فجاءت مجمل العروض لتبيانها: أسبقية النص مُسلّمٌ بها بداهةً، في شرائع وآداب جميع الأمم، سواءٌ كلامًا منزّلاً أو موضوعا. بالتالي، التحاقُ الدرس والنقد بالنص تقدمه جاهزا للقراءة وإبداء النظر والبناء عليه متعدّدا.
ما تنفكّ النصوص تُكتب، فالموهبة البشرية خصبة ومتنوعة، محكومة بعوامل ذاتية وأخرى من محيطها تسمى موضوعية، تنتقل في كل مرة على مدارج التطور وتتخلق جديدًا باستمرار. في هذه المرحلة تتحول القراءة إلى مصاحبة ضرورية، وعملية معرفية ناتجة عن نصّ.
من هذه اللحظة ينشأ الزوج: نص+ رأي، هو تركيبٌ ترابطيٌّ مؤثرٌ ظاهرا وضمنا وذلك بفاعليتين: إبداع (شعر، ملحمة، مسرح) تقرأها وتُصنّفها وتُخضعها لنظام الفن، بمعايير محددة. إذا كان من الصعب تعيين أول النصوص ذات القيمة، التي وُضعت على محكّ النظر والتشريح والاستنباط، أمكن حسب إجماع الدارسين، أولا، اعتبار الملحمة الجنس الأدبي طليعة من ضربها المسرح، كان منطلقَ بناء التنظير والنقد على النص، ما فصلناه في الندوة كالتالي:
ـ1ـ اطلع أرسطو ( 384قم ـ322) على محاورات أفلاطون (ت427 قم) وصلت إلينا في كتابه "الجمهورية"، الذي طرد منه الشعراء لأنهم يقلدون عن أصل سابق وهو بدوره تقليد لجوهر سابق، فعدّ هذا خداعا. عقّب أرسطو بأن التقليد ضروري، يصنع التعلم ويوصل إلى جوهر الأشياء، ومنه ولّد مفهومه الفلسفي ل"المتعة الجمالية" ونقديًّا بالتدريج "نظرية المحاكاة" أو mimesis.
ـ2ـ بناء على مسرحية "أوديب ملكا" لسوفوكليس (495 قمـ406قم)، استنبط أرسطو القواعد الأساس لفن (التراجيديا) وتتكون من: الحكاية، الحبكة؛ الطباع (الإيتوس)؛ التعبير؛ الفكرة، الإخراج والإنشاد، ومن مجمل هذه الخصائص المحاكاة بمعنى تقليد أفعال الرجال والحياة؛
ـ3ـ هذا جزء مهم من نظرية أرسطو في كتابه "فن الشعر" (بويطيقا) الذي كان ويبقى النبراس والدليل في نظام الأجناس الأدبية تجددت عبر الأزمنة واستجدت النصوص والتيارات، لكنّ فهمها وتصنيفها أغلبها ظلّ خاضعا للمعيارية الأرسطية بتعديلات اصطلاحية ومنهجية، فالمحاكاة تنضوي في الإطار العام للواقعية التي تصطبغ بأجوائها ومياسمها الرواية لمّا نضجت في القرن 19 (بلزاك) واستقرت فنًّا أسلوبيا باذخا بعده مع فلوبير، ثم واصلت مسارها تتلون في أساليب وطرائق وخصوصا رؤى للعالم قلبتها رأسا على عقب من فن اجتماعي إلى تعبير عميق عن الذات والشروخ الإنسانية وأزمنة البلبلة (بروست، كافكا، جويس، كامو، ساروت).
في منتصف القرن العشرين وصل البلغاري تزفتان تودوروف (1939ـ2017) إلى باريس وهي في خضم المدرسة البنيوية، حمل في حقيبته مفاهيم ومناهج المدرسة الشكلانية الروسية التي ركزت على الدور الوظيفي للطرائق الأدبية بإقصاء السيكولوجية والتاريخية والتقليدية، فوضع أبحاثه عن نظرية الأدب (الشعرية الجديدة) بتفاعل تام مع أدب تخلّص من تلك النزعات واستغرق في الأشياء والحياد واللغة المتقشفة ونبذ للغنائية (Grillet) بتواز مع تنظير له رولان بارت (1915ـ 1980) في كتابه الـتأسيس للنقد الجديد "درجة الصفر في الكتابة"(1953).
هذه الأغصان وغيرها كثير في شجرة النظرية الأدبية هي ثمار جدل متناوب حيّ بين النص الإبداعي والتفكير في الأدب لاستخلاص المفاهيم، وبناء نظام وسنن الأجناس الأدبية وطرائق ومناهج التحليل دائما باستخدام نصوص راسخة ومن الماضي غالبًا، خلافًا للنقد وعمله ونهجه.
لن نطيل في هذا الصدد، فندوة جدل النقد والأدب، خلطت بين الدرس الأدبي والنقد، وهما حقلان مختلفان، لأنه ينبني على تحليل النص والحكم عليه، وهنا سلطته، هو بناء وهدم، نور ونار، من هنا يشتكي منه الأدباء، ووضعه مشاركون في قفص الاتهام، ونسمع اليوم صياحا يندد النقد ظالم؟ مجحف! و(شللي!) واعتباط كهذا، وإما أين النقاد؟ وكأنهم موظفون في مؤسسة حكومية برواتب ويتقاعسون ـ الويل لهم ـ عن أداء واجب إداري، وما الناقد إلا قارئ محترف ذو ثقافة وذائقة، يقرأ الإبداع، الحق طبعا، وله ملاحظات وتأويل وأحكام، هكذا كان إن بقي. وعلاقة النقد بالأدب ليست صراعا ولا مماحكة، إنها ذاتُ طبيعة تفاعليةٍ تخلق النص من جديد.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

وكيل روجيرو ميكالي يكشف موقف البرازيلي من تدريب الزمالك (خاص)
وكيل روجيرو ميكالي يكشف موقف البرازيلي من تدريب الزمالك (خاص)

حضرموت نت

timeمنذ 30 دقائق

  • حضرموت نت

وكيل روجيرو ميكالي يكشف موقف البرازيلي من تدريب الزمالك (خاص)

قال كايو زيلر، وكيل أعمال البرازيلي روجيرو ميكالي، المدير الفني للمنتخب الأولمبي المصري، إن إدارة الزمالك لم تتحرك رسميًا من أجل التعاقد مع موكله، لكنه أكد أنه في حال وصول عرض رسمي من الزمالك فإن المدرب لن يقول لا. وكانت أنباء تواترت حول وجود رغبة من جانب إدارة الزمالك في التعاقد مع المدرب ميكالي لقيادة الفريق بداية من الموسم الجديد. ومن جانبه قال كايو زيلر وكيل المدرب البرازيلي روجيرو ميكالي من خلال تصريحات خاصة لـ كورة بلس: 'لم نحصل على أي عرض رسمي من جانب الزمالك حتى الآن، لن أتحدث على تكهنات لكن ما يمكن قوله إذا طلب الزمالك ميكالي فإن المدرب سيقول نعم.' وكان المدرب صاحب الـ 56 عامًا قد أشرف على تدريب عدد من الفرق والمنتخبات منها الهلال السعودي بشكل مؤقت عام 2021 كما قاد منتخب مصر في أولمبياد باريس الماضية،كما قاد المنتخب الأولمبي البرازيلي عام 2016 حيث حقق الميدالية الذهبية. المدرب البرازيلي كان محل اهتمام من جانب إدارة الزمالك خلال الشهور الماضية لتعويض رحيل المدرب السويسري كريستيان جروس والذي رحل بسبب سوء النتائج (طالع من هنا) الزمالك كان قد تمكن من تحقيق الفوز في المباراة الماضية على بتروجيت في بطولة دوري نايل والتي جرت يوم أمس السبت على ملعب الكلية الحربية، حيث فاز الزمالك بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد للفريق البترولي.

رئيس مجلس القيادة يتلقى برقية تهنئة من رئيسة الاتحاد السويسري بالعيد الوطني 22 مايو
رئيس مجلس القيادة يتلقى برقية تهنئة من رئيسة الاتحاد السويسري بالعيد الوطني 22 مايو

حضرموت نت

timeمنذ 30 دقائق

  • حضرموت نت

رئيس مجلس القيادة يتلقى برقية تهنئة من رئيسة الاتحاد السويسري بالعيد الوطني 22 مايو

عدن – سبأنت تلقى فخامة الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، برقية تهنئة من فخامة الرئيسة كارين كيلر-سوتر رئيسة الاتحاد السويسري، بمناسبة العيد الوطني الـ 35 للجمهورية اليمنية 22 مايو. واعربت رئيسة الاتحاد السويسري باسم المجلس الفيدرالي السويسري، والشعب السويسري، عن أحر التهاني لرئيس مجلس القيادة الرئاسي بمناسبة اليوم الوطني للجمهورية اليمنية، وأطيب تمنياتها لليمن وشعبه بمستقبل يسوده الاستقرار، و السلام، مجددة التزام سويسرا بمواصلة دعم الشعب اليمني، سواء من خلال دعم عملية السلام بقيادة الأمم المتحدة، أو الجهود الإنسانية والتنموية المستدامة. ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة سبأ نت , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من سبأ نت ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

السقطري يستقبل فريق البنك الدولي لمتابعة مشروع الأمن الغذائي
السقطري يستقبل فريق البنك الدولي لمتابعة مشروع الأمن الغذائي

حضرموت نت

timeمنذ 30 دقائق

  • حضرموت نت

السقطري يستقبل فريق البنك الدولي لمتابعة مشروع الأمن الغذائي

رحب اللواء سالم السقطري، وزير الزراعة والري والثروة السمكية، اليوم الأحد، بفريق فني من البنك الدولي، برئاسة الدكتور نايف أبو لحوم، أخصائي أول إدارة موارد المياه، في ديوان عام الوزارة بالعاصمة عدن. وبحث الجانبان التحضيرات الجارية لإطلاق سلسلة مشاريع الزراعة والمياه المقاومة لتغير المناخ، والمشاريع الممولة من البنك الدولي في مجالات الزراعة والأسماك، بمقدمتها مشروع تنمية المصائد السمكية في البحر العربي والأحمر وخليج عدن. وناقش اللقاء مشروع الاستجابة لتعزيز الأمن الغذائي في اليمن الجاري تنفيذه في 11 محافظة بمبلغ 278 مليون دولار، بالإضافة إلى مشاريع المياه والري والبنية التحتية للأسماك، مؤكدين ضرورة تقييم المشاريع السابقة لتلافي أوجه القصور أثناء تنفيذ المشاريع القادمة. واستعرض سير المشاورات المكثفة الجارية بين الوزارة والبنك، لتنفيذ تدخلات قادمة في القطاع الزراعي والمياه، الذي يتضمن مشروعات في وادي حجر بمحافظة حضرموت، ووادي تبن في محافظة لحج، المتوقع بدء تنفيذه في يونيو المقبل. وقال الوزير السقطري إن الاجتماع يعكس الجهود المشتركة بين الوزارة والبنك الدولي لتعزيز الأمن المائي والغذائي، والاستعداد لإطلاق سلسلة من مشاريع خدمات المياه والري المقاومة لتغير المناخ. وكشف التحديات التي يواجهها قطاعي الزراعة والأسماك بسبب تداعيات عدوان مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران، وآثار التغيرات المناخية. وشدد على أهمية التنسيق بين الوزارة والبنك والشركاء التنفيذيين في مختلف مراحل التخطيط والتنفيذ للمشروعات، لضمان توجيه الدعم نحو مناطق الاحتياج بهدف ديمومتها. بدوره، عبر الفريق الفني للبنك عن الالتزام الكامل بدعم وزارة الزراعة والأسماك، من خلال تقديم الدعم التقني والفني، والعمل على تعزيز قدرات الكادر بالوزارة ومؤسساتها ومراكزها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store