
ملفات بوليسية - عبد الرزاق مول الدار… ضحية الطبيعة أم جريمة غامضة؟
أكادير24 | Agadir24
القصة التالية من أرشيف الإعلامي المغربي الراحل عبد الصادق بن عيسى، الذي أبدع على مدى سنوات في سرد أشهر الملفات البوليسية الحقيقية عبر أثير إذاعة ميدي1.
تعمل أكادير 24 على إعادة نشر هذه القصص في صيغة مكتوبة، وفاءً لروح هذا الإعلامي الكبير، ولإتاحة هذا التراث السردي للأجيال الجديدة من القراء.
في أواخر صيف سنة 1999، وبينما كانت الشمس ترسل أشعتها الحارقة على شاطئ حي يعقوب المنصور، كان بعض الصيادين يبحثون عن ملاذ يقيهم من لهيب الصيف. لجأوا كعادتهم إلى مغارة معروفة بين رواد الشاطئ، لكنها هذه المرة لم تكن كما ألفوها. فبداخلها، كانت جثة رجل مجهول تنتصب في وضع القرفصاء، ظهره مسنود إلى جدار المغارة، وسرواله منسدل وحزامه مفتوح، وعورته بادية.
فزع الصيادون مما رأوا، فلم يجرؤ أحدهم على الاقتراب. سارعوا بإبلاغ الشرطة، ليصل بعدها العميد رئيس الدائرة الأمنية الخامسة، ويعاين المشهد. الجثة تعود لرجل في الخمسينيات من عمره، خالية من أي وثيقة تعريف، إذ لم يجد العميد شيئاً في جيوبه. كان واضحاً أن الرجل فارق الحياة داخل المغارة، لكن كيف ولماذا؟ ذلك ما كان على المحققين اكتشافه.
نُقلت الجثة إلى مستودع الأموات البلدي، واستُدعي طبيب شرعي للوقوف على أسباب الوفاة، بالتوازي مع حضور عنصر من مصلحة التشخيص القضائي لأخذ البصمات. كانت نتيجة الفحص الطبي صادمة: الضحية تلقى ضربة قوية على مؤخرة الرأس، مات بسببها على الفور.
عند عرض البصمات على النظام الآلي، تم التعرف على القتيل: عبد الرزاق مول الدار، يسكن في زنقة ساحل العاج رقم 18. لم يكن اسماً غريباً على رجال الأمن، فقد سُجلت عليه عدة اعتقالات بسبب السكر العلني والتشرد. يقول أحد المفتشين إن عبد الرزاق كان يتعمد إثارة المتاعب خلال فصل الشتاء فقط، حتى يُعاد إلى السجن، هرباً من برد الشوارع.
غير أن ماضي الرجل لم يكن شاغل المحققين، بقدر ما كانت ظروف موته الغامضة. فالوضعية التي وُجد عليها جسده، خصوصاً انكشاف عورته، طرحت فرضيتين: هل كان ضحية اعتداء جنسي؟ أم أن له علاقة بأحد الشواذ؟
بدأ البحث وسط مرتادي الشاطئ المعروفين بممارسات مشبوهة، وتم توقيف عدد منهم للتحقيق. الطبيب الشرعي كان قد قدّر أن الجثة بقيت في المغارة لمدة ثمانية أيام قبل اكتشافها، ما ضيّق فترة التحقيق. تم التركيز على رفاق عبد الرزاق من المدمنين الذين كانوا يجالسونه في الشاطئ. كانوا خمسة، وأكدوا جميعاً أن ليلة اختفائه، جلسوا يشربون 'كحول الحريق' الممزوج بعصير، وكان عبد الرزاق من بينهم. لم يكن يبدو عليه أي قلق أو انزعاج، ولم يصاحبهم أي شخص غريب.
استمر استجوابهم لمدة 48 ساعة، لكن أقوالهم ظلت متماسكة، دون تناقض. ورغم إخلاء سبيلهم، صدر أمر من النيابة العامة بإبقائهم تحت المراقبة. وفي ظل شح المعلومات، نُشرت مذكرة بحث عن مجهول مشتبه في قتل عبد الرزاق، وأُرفقت صورته وعممت على كافة الأجهزة الأمنية والدرك الملكي بولاية الرباط والمناطق المجاورة.
موازاة مع ذلك، كثّفت شرطة الأخلاق دورياتها على الشاطئ في محاولة لتعقب شبكة دعارة الذكور. ورغم توقيف عدد من المتورطين، لم يربط أي منهم علاقته بالضحية، فظل الغموض سائداً.
ثم فجأة، ظهر خيط جديد. امرأة ادعت أنها زوجة عبد الرزاق، جاءت إلى مستودع الأموات وتعرفت على الجثة. نُقلت إلى المفوضية، وروت للمحققين أن زوجها هجر المنزل منذ سنوات، لكنه كان يزورها مرة أسبوعياً، غير أنه اختفى منذ أسبوعين. بحثت عنه في أماكن تواجده المعتادة دون جدوى.
عرف المحققون منها أن عبد الرزاق خضع قبل سنوات لعملية جراحية في البروستاتا، أدت إلى عجز جنسي لم يستطع تقبّله، فغرق في إدمان الكحول، وأهمل عمله حتى طُرد، ثم تحول إلى متشرد. وعندما سُئلت عن ميوله، نفت الزوجة أن يكون قد أصيب بالشذوذ. طلبت تسلم الجثة لدفنها، لكن الطلب رُفض حتى يُبتّ فيه من طرف الوكيل العام للملك. وبعد اجتماع مع العميد، وتقديم المرأة رسمياً أمامه، أُعطي الإذن بالدفن.
قبل تسليم الجثة، أمر الطبيب الشرعي أحد مساعديه بغسلها، ولاحظ هذا الأخير خروج براز من الجثة أثناء الغسل، وهو أمر غير طبيعي بالنظر لمدة بقائها في المغارة ثم في المشرحة. أخبر الطبيب الشرعي بالأمر، ما دفعه لإعادة فحص الجثة، فاستنتج أن الرجل كان بصدد قضاء حاجته حين فارق الحياة.
هذا المعطى الجديد، الذي يفيد بأن عبد الرزاق مات وهو يتأهب لقضاء حاجته، دفع العميد إلى جمع رفاقه من جديد وتمثيل الوقائع على الشاطئ في وقت الجزر حتى يسهل دخول المغارة. حسب رواياتهم، نهض عبد الرزاق وابتعد عنهم، فظنوا أنه ذهب لقضاء حاجته، لكنه لم يعد.
استُعملت صور الجثة الملتقطة أثناء المعاينة، وأُعيد تمثيل الجريمة. وفي المكان الذي وُجدت فيه الجثة، تم اكتشاف شعيرات وآثار دم. نُقلت إلى مختبر الشرطة العلمية، وفي الأثناء، قام الطبيب الشرعي بحلق شعر مؤخرة الرأس ليكشف عن الضربة. لم تكن بفعل أداة حادة، بل ناتجة عن ارتطام قوي مع صخر المغارة.
تحليل الشعيرات والدم أثبت أنها تعود لعبد الرزاق نفسه. ومع تجميع المعطيات، تبين أن موجة بحر قوية باغتت عبد الرزاق بينما كان يتأهب لقضاء حاجته داخل المغارة، فدفعته إلى الخلف واصطدم رأسه بصخرة، مما تسبب في موته الفوري.
هكذا أسدل الستار على واحدة من القضايا الغامضة. لم يكن هناك قاتل… بل كانت الطبيعة، والموج، والمصادفة، من وقّع على شهادة وفاة عبد الرزاق مول الدار.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أكادير 24
منذ 5 ساعات
- أكادير 24
'جريمة ماكدونالدز': الاستئناف يؤجل الحسم بانتظار شهود من الخارج
agadir24 – أكادير24 في تطور جديد لقضية هزت الرأي العام، قررت هيئة الحكم بجنايات الدار البيضاء الاستئنافية تأجيل النظر في ملف مقتل شاب داخل مرآب مطعم ماكدونالدز الشهير بالعاصمة الاقتصادية. وجاء قرار التأجيل الذي صدر مؤخراً، استجابة لطلب تقدمت به النيابة العامة، والتي التمست من المحكمة استدعاء عدد من الشهود الذين يقيم بعضهم خارج المغرب. وتعيد هذه الجلسة المرتقبة فتح فصول القضية التي سبق وأن أصدرت فيها المحكمة الابتدائية أحكاماً متفاوتة، حيث قضت بالإعدام في حق المتهم الرئيسي، وبالسجن المؤبد لشريكه. كما طالت العقوبات باقي أفراد مجموعة 'ولاد الفشوش' المدانين في القضية، وتراوحت بين خمس سنوات وخمس وعشرين سنة سجناً نافذاً. ويبقى السؤال معلقاً حول ما ستسفر عنه جلسة الاستئناف الحاسمة، وما إذا كانت شهادات الشهود الجدد ستقلب موازين القضية وتغير الأحكام الصادرة في المرحلة الابتدائية.


أكادير 24
منذ 8 ساعات
- أكادير 24
عملية نوعية بمحيط مارينا أكادير: حجز شباك صيد غير قانونية وتحذيرات لحماية البيئة البحرية
agadir24 – أكادير24 نفذت عناصر الدرك الملكي، صباح اليوم الأحد 18 ماي 2025، عملية ميدانية دقيقة بمحيط مارينا أكادير، أسفرت عن حجز شباك صيد غير قانونية تم نصبها بشكل سري داخل منطقة مخصصة للسباحة، وعلى عمق لا يتجاوز عشرة أمتار فقط من اليابسة، في خرق صارخ للقانون وتهديد مباشر لسلامة السباحين وبيئة البحر. وجرت هذه العملية بتنسيق محكم بين مصالح الدرك الملكي والوقاية المدنية والسلطة المحلية، في إطار تنزيل مقتضيات القانون رقم 1.73.255 المتعلق بتنظيم الصيد البحري، كما تم تعديله وتتميمه بالقانون رقم 1.11.24، والذي يمنع استخدام الشباك غير القانونية، خاصة في المناطق المحمية أو تلك المخصصة للأنشطة الترفيهية مثل السباحة والغطس والسياحة البحرية. وتسببت هذه الشباك المثقلة، التي نُصبت خلسة قرب منطقة يرتادها المصطافون يوميًا، في تهديد مزدوج: خطر جسيم على حياة المواطنين، وتأثير بيئي سلبي على الكائنات البحرية الساحلية. وفي تعليقها على الحادث، عبرت جمعية محبي البحر للصيد تحت الماء والمحافظة على البيئة، من خلال رئيسها السيد عثمان أبلاغ، عن قلقها البالغ من تكرار مثل هذه المخالفات، مشيدة في الوقت ذاته بالمجهودات المتواصلة التي تبذلها كل من مصالح الدرك الملكي البحري، ومندوبية الصيد البحري بأكادير، والمعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، والسلطات المحلية، في سبيل تعزيز المقاربة التشاركية وحماية البيئة البحرية بجهة سوس ماسة. وقال رئيس الجمعية: 'لا يعقل أن نسمح بتحويل فضاءات الاستجمام والسباحة إلى مصائد خطرة. إن البحر فضاء للحياة، ولابد من احترام قواعد استغلاله بشكل قانوني وأخلاقي، وإلا فإننا نفتح الباب أمام الفوضى والإضرار بالثروة البحرية والإنسان معاً.' ودعت الجمعية، في ختام بيانها، إلى رفع مستوى اليقظة في صفوف المواطنين والمهنيين، مع تشجيع التبليغ الفوري عن أي نشاط صيد مشبوه، إلى جانب تكثيف المراقبة الساحلية وتوفير لافتات تحذيرية بمناطق السباحة، خاصة مع اقتراب موسم الاصطياف.


أكادير 24
منذ 8 ساعات
- أكادير 24
اشتوكة: انعدام علامات التشوير في طريق حيوية يسبب حوادث سير خطيرة، وسط مطالب بدرء الخطر
agadir24 – أكادير24 وجه مجموعة من المواطنين نداء إلى الجهات الوصية بإقليم اشتوكة أيت باها، للتدخل بشأن وضعية الطريق الوطنية رقم 1، وتحديدا في منطقة تن منصور. وأفاد هؤلاء بأن هذا المقطع لايتوفر على علامات تشوير بالرغم من الأشغال الجارية به، الأمر الذي يعرض حياة مستعملي الطريق للخطر. وأضاف ذات المواطنين أن هذا الأمر يتسبب في حالة من الارتباك لدى مستعملي الطريق، إذ غالبا ما يضطرون لسلك المقطع المشار إليه، رغم ما ينطوي عليه ذلك من خطورة. ونبه هؤلاء إلى أن انعدام التشوير الطرقي تسبب مؤخرا في حوادث سير خطيرة، أسفرت عن إصابة شخص بكسور في حادثة وقعت يوم الأحد 18 ماي الجاري، والأمر ذاته بالنسبة لشخص آخر لاقى المصير ذاته بنفس المكان، قبل حوالي يومين. ويطالب مستعملو الطريق بتدخل الجهات الوصية لوضع علامات تشوير تنبه إلى خطورة الطريق بالمقطع المتواجد بتن منصور، خلال الأشغال الجارية به، أو الإسراع بإتمامها في أقرب الآجال لحماية أرواح مستعملي الطريق.