
بنك اليابان يمدد موعد تحقيق هدف التضخم بسبب الحرب التجارية
مدد بنك اليابان الفترة الزمنية التي يتوقع خلالها تحقيق معدل التضخم المستهدف وخفّض توقعاته للنمو الاقتصادي في ظل تدهور التوقعات الاقتصادية بسبب الحرب التجارية العالمية التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.
صوّت مجلس إدارة البنك المركزي الياباني بقيادة المحافظ كازو أويدا بالإجماع لصالح الإبقاء على سعر الفائدة عند 0.5% في ختام الاجتماع الذي استمر يومين، حسب بيان. تتوافق خطوة بنك اليابان مع توقعات جميع الاقتصاديين الـ54 الذين شملهم استطلاع أجرته "بلومبرغ".
قال بنك اليابان إنه يتوقع أن يصل التضخم إلى هدفه البالغ 2% تقريباً خلال النصف الثاني من فترة التوقعات، التي تم تمديدها عاماً إضافياً لتشمل السنة المالية 2027.
خفض البنك توقعاته للنمو الاقتصادي بمقدار النصف إلى 0.5% خلال السنة المالية الحالية، في إشارة إلى زيادة الحذر بعد الرسوم الجمركية الأميركية والإجراءات المضادة التي تتخذها الدول الأخرى.
بنك اليابان يجدد الالتزام برفع سعر الفائدة
في حين شدد على وجود "حالة عدم يقين عالية للغاية" في المستقبل، حافظ بنك اليابان على التزامه برفع تكاليف الاقتراض إذا تحققت توقعاته الاقتصادية، مما يشير إلى أن صناع السياسات النقدية بصدد المضي قدماً نحو رفع الفائدة بمجرد أن تتضح الرؤية.
قالت هارومي تاجوتشي، كبيرة الاقتصاديين لدى "إس أند بي غلوبال ماركت إنتليجنس": "لا يزال بنك اليابان يستطيع أن يقول إنه يسير على المسار لتحقيق هدف الأسعار (التضخم) مع توقعات أسعار قريبة من 2%، لكنهم يأخذون في الحسبان العديد من المخاطر السلبية الناتجة عن السياسات التجارية، وأعتقد أنهم سيكونون حذرين بشأن رفع أسعار الفائدة".
الين يتراجع بعد قرار الفائدة
تراجع الين بنسبة 0.6% إلى 143.86 مقابل الدولار بعد الإعلان عن الإبقاء على سعر الفائدة، بعد أن لامس أقوى مستوى له في سبعة أشهر عند 139.89 الأسبوع الماضي، مع استمرار لجوء المتعاملين في الأسواق إلى الأصول الآمنة. انخفضت عوائد السندات اليابانية القياسية لأجل 10 سنوات، بينما واصلت الأسهم تحقيق مكاسب طفيفة.
يواجه أويدا أقوى التحديات الاقتصادية منذ توليه مهام منصبه، بعد أن مرَّ بنك اليابان بمسارٍ سلس نسبياً في تقليص برنامجه الضخم للتحفيز النقدي (الذي يعتمد على خفض الفائدة بشكل كبير وشراء الأصول) خلال العامين الماضيين.
تأثير الرسوم الجمركية على النمو العالمي والتجارة
دفعت حملة الرسوم الجمركية التي أطلقها دونالد ترمب صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية إلى خفض توقعاتهما للنمو والتجارة العالمية، مما يبرز المخاطر على الدول المعتمدة على التجارة مثل اليابان. أثارت المخاوف بشأن التأثير المحتمل للرسوم الجمركية تكهنات جديدة بشأن خفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وأوروبا مع تراجع التوقعات الاقتصادية.
قال أويدا مؤخراً إنه سيكون حذراً إزاء حالة عدم اليقين العميقة الناجمة عن الرسوم الجمركية، مما يشير إلى أنه ليس في عجلة من أمره لرفع أسعار الفائدة حالياً. مع وجود توقعات ضئيلة لرفع الفائدة في الاجتماع، أصبح التقرير الاقتصادي الفصلي محور تركيز مراقبي بنك اليابان.
توقعات التضخم في اليابان
في توقعاته الأولى للسنة المالية التي تبدأ في أبريل 2027، توقع البنك المركزي أن يبلغ معدل التضخم الأساسي 1.9%، مع تقدير أن يصل المعدل الذي يستبعد الغذاء الطازج والطاقة إلى 2%.
تمنح هذه التقديرات-القريبة من هدف 2%- البنك سبباً إضافياً للتراجع عن مسار سياساته النقدية عندما تسمح الظروف بذلك. قال البنك خلال العام الماضي إن اتجاهات الأسعار كانت متوافقة مع تحقيق الهدف خلال النصف الثاني من فترة التوقعات الممتدة ثلاث سنوات حتى مارس 2027.
ارتفعت أسعار المستهلكين في اليابان بأسرع وتيرة بين دول مجموعة السبع. وكان معدل التضخم الأساسي، الذي يستبعد الغذاء الطازج، عند أو فوق هدف بنك اليابان لمدة ثلاث سنوات تقريباً، وتشير البيانات الأخيرة إلى تسارعه مجدداً.
"تُظهر التفاصيل أن بنك اليابان مستعد لإقرار زيادة أخرى في سعر الفائدة. بالنسبة لتوقعات التضخم الجديدة للسنة المالية التي تنتهي في مارس 2028، يبقي البنك توقعاته عند نحو 2%- مما يشير إلى أن صانعي السياسات النقدية ليسوا قلقين بشدة من أن الرسوم الجمركية ستعرقل زخم الأسعار في اليابان"، وفق المحلل الاقتصاي تارو كيمورا في "بلومبرغ إيكونوميكس".
مع كون تكاليف الاقتراض في اليابان هي ثاني أدنى مستوى بين الاقتصادات الكبرى، لا يزال أويدا يتطلع إلى رفع الفائدة حتى مع استمرار تكهنات السوق بشأن احتمال خفض الفيدرالي الأميركي للفائدة. أشار بنك اليابان يوم الخميس إلى أن المخاطر المتعلقة بالتضخم تميل نحو الانخفاض خلال العامين الجاري والمقبل، وهو تغيير كبير مقارنة بثلاثة أشهر مضت عندما أشار فقط إلى خطر ارتفاعه.
انخفاض الإنتاج الصناعي وتوقعات انكماش الاقتصاد
أظهرت البيانات الصادرة الأسبوع الجاري أن الإنتاج الصناعي ومبيعات التجزئة انخفضت بوتيرة أكثر من المتوقع في مارس، مما يسلط الضوء على الضعف قبل سريان الرسوم الجمركية.
تُعد "سيتي غروب" و"مورغان ستانلي إم يو إف جي سيكيوريتيز" من بين المؤسسات التي تتوقع أن تُظهر البيانات، المقرر صدورها في يوم 16 مايو، انكماش الاقتصاد الياباني خلال الربع الأول من العام.
أظهر مؤشر فرعي لمؤشر مديري المشتريات الصادر عن مصرف "أو جيبون بنك" (au Jibun Bank) يوم الخميس أن ثقة الأعمال انخفضت إلى أدنى مستوى لها منذ يونيو 2020.
المفاوضات التجارية بين اليابان والولايات المتحدة
ريوسي أكازاوا، كبير مفاوضي التجارة في اليابان، يزور واشنطن الأسبوع الجاري. وسيلتقي مع وزير الخزانة سكوت بيسينت وآخرين في جولة ثانية من المحادثات في وقت لاحق يوم الخميس. قد يجبر الغموض بشأن التجارة بنك اليابان على الانتظار لما بعد الصيف لرفع أسعار الفائدة.
قال يوسوكي ماتسو، كبير الاقتصاديين في الأسواق لدى "ميزوهو سكيوريتز" (Mizuho Securities): ""نظراً لتزايد الشعور بضرورة تقييم رسوم ترمب الجمركية بعناية، فإن احتمال (رفع الفائدة أو اتخاذ القرار) في سبتمبر ازداد أكثر".
تأثير الرسوم الأمريكية على مصانع اليابان
من المرجح أن يكون للرسوم الجمركية الأميركية تأثير عميق على قاعدة التصنيع في اليابان، خاصة إذا عادت الرسوم الشاملة البالغة 10% إلى المعدل البالغ 24% الذي أعلنه ترمب في البداية، قبل أن يمنح فترة سماح مدتها ثلاثة أشهر تنتهي في أوائل يوليو.
الرسوم الجمركية الشاملة كانت إضافةً إلى ضريبة بنسبة 25% على واردات الولايات المتحدة من الصلب والألومنيوم التي بدأ تطبيقها في مارس، بالإضافة إلى ضريبة مماثلة على السيارات التي دخلت حيز التنفيذ في أبريل.
في حين اتخذ ترمب خطوة لتخفيف تأثير الرسوم الجمركية على صناعة السيارات هذا الأسبوع، إلا أن ضريبة 25% ما زالت سارية. ومع ذلك، لا يستبعد بعض المراقبين احتمال رفع سعر الفائدة في منتصف هذا العام.
توقعات رفع الفائدة في يوليو
قال ماسازومي واكاتابي، نائب محافظ بنك اليابان السابق، في حديثه مع تلفزيون "بلومبرغ" مباشرة بعد الإعلان عن قرار الفائدة:"أفضل توقع لدي هو رفع سعر الفائدة في يوليو، ولا يمكن استبعاد رفع تكاليف الاقتراض في ذلك الشهر". و"مع مرور الوقت، قد تتضح العديد الأمور الأخرى. فعلى سبيل المثال، قد تُحسم مفاوضات الرسوم الجمركية بطريقة أو بأخرى لصالح أي من الأطراف".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أرقام
منذ ساعة واحدة
- أرقام
وسط عالم مضطرب.. هل أصبحت الفرصة سانحة أمام اليورو لاستبدال الدولار؟
على مدار عقود، أشعلت الولايات المتحدة حروبًا تجارية وغير تجارية، واستخدمت العملة كسلاح ضد خصومها، ورغم ذلك تتمسك المؤسسات والخبراء بتوقعاتهم باستمرار هيمنة الدولار على النظام المالي العالمي لعقود أخرى.. لكن بعض الأحداث قد تعجل ببداية التحول بعيدًا عنه، أو على الأقل الحد من نفوذه. تحول ملحوظ - قلل بعض المستثمرين من تعرضهم للدولار خلال الأشهر الأخيرة، خشية أن تؤدي التوترات التجارية والسياسات المتقلبة للإدارة الأمريكية في نهاية المطاف إلى تآكل مكانته كعملة احتياطية عالمية. تغيير محتمل - قال البنك المركزي الأوروبي، الأربعاء، إن الأسواق المالية قد تشهد "تغيرًا جذريًا في النظام"، مع إعادة تقييم المستثمرين لمستوى خطورة الأصول الأمريكية، في أعقاب فرض الرسوم الجمركية التي أدت إلى زيادة التقلبات. تطور واسع النطاق - حافظت الأسواق الأوروبية على أداء جيد خلال التقلبات الأخيرة، في حين بدأ بعض المستثمرين الابتعاد عن الملاذات الآمنة التقليدية مثل الدولار والسندات الامريكية، ويرى المركزي الأوروبي فرصة لتحولات أوسع في حركة رؤوس الأموال العالمية قد تنعكس على النظام المالي في الأجل البعيد. - يرى آخرون أنه لا يوجد بديل حقيقي للعملة الأمريكية في الوقت الحالي، نظرًا لأن سوق الدولار أكبر بكثير من أي منافس آخر، كما أن منطقة اليورو، التي تعد أكبر منافس محتمل لهذه السوق، مجزأة بشدة وغير مستعدة للقيادة. تحول محدود محتمل - "كلاس كنوت"، رئيس البنك المركزي الهولندي ورئيس مجلس الاستقرار المالي العالمي، يقول إن بعض العملات الرئيسية قد تجذب تدفقات من المستثمرين، لكن الدولار سيبقى العملة الرئيسية في العالم لفترة من الوقت. العدول عن الإفراط - يرى "كنوت" أن معظم المستثمرين الدوليين أفرطوا بالفعل في جمع الأصول الدولارية خلال العقد الماضي بفعل العوائد الجذابة، متوقعًا أن يشهد العام توجهًا نحو "توازن أكثر حيادية" في توزيع المحافظ الاستثمارية. فوارق ضخمة - يبلغ حجم التداول اليومي لسندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات نحو 900 مليار يورو (نحو تريليون دولار)، مقابل 30 مليار يورو فقط لسندات الحكومة الألمانية من الفئة نفسها، وهو ما يبرز الفارق الهائل في السيولة والقدرة على التحوط من المخاطر، وفقًا لـ"كنوت". - تقول الاقتصادية الفرنسية "هيلين ري" إن الحرب العالمية الأولى أنهكت الاقتصاد البريطاني لدرجة أنه بحلول ثلاثينيات القرن الماضي، لم تكن لدى المملكة المتحدة موارد كافية لدعم النظام النقدي الدولي الذي كانت تقوده، والولايات المتحدة نفسها لم تكن مستعدة لشغل هذه المكانة حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. فجوة جديدة قادمة - ترى "ري" أن هناك فجوة مماثلة لما حدث في ثلاثينيات القرن الماضي قادمة، وتقول إن "الولايات المتحدة تدمر نفسها بنفسها" وترفض تزويد العالم بالسلع العامة وتعتقد أن الطلب على الأصول الدولارية يشكل عبئًا لأنه يرفع قيمة العملة، ولا يوجد بديل واضح لها. فرصة سانحة لليورو - تعتقد "ري"، أن سياسات "ترامب" التي تقوض المؤسسات الأمريكية والجهود البحثية والتعددية وآفاق النمو تضعف الثقة بالدولار، وتضع الولايات المتحدة في ضائقة اقتصادية ومالية تسمح لمنطقة اليورو بالارتقاء، لكنها تقول إن أوروبا بحاجة لبذل المزيد من الجهد لرفع مكانة عملتها الموحدة دوليًا. المصادر: أرقام- رويترز- بروجيكت سانديكيت


المدينة
منذ ساعة واحدة
- المدينة
ارتفاع أسعار النفط والذهب
ارتفعت أسعار النفط بأكثر من 1% أمس، وصعدت العقود الآجلة لخام برنت لشهر يوليو (86) سنتًا أو 1.32% إلى (66.24) دولارًا للبرميل.وزادت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي لشهر يوليو (90) سنتًا أو 1.45% مسجلة (62.93) دولارًا.وسجّلت أسعار الذهب ارتفاعًا ملحوظًا يزيد عن 1%، أمس، مدعومة باستمرار ضعف الدولار وسط حالة من عدم اليقين في الأسواق العالميَّة.وارتفع الذهب في المعاملات الفوريَّة بنسبة 1.6% إلى (3280.32) دولارًا للأوقية، كما صعدت العقود الآجلة الأمريكية بنسبة 1.5% إلى (3283.10) دولارًا.وبالنسبة للمعادن النفيسة الأخرى، قفز البلاتين 3.8% إلى (1035.53) دولارًا، وارتفع البلاديوم 2.7% إلى (1001.25) دولار، بينما زادت الفضة 1.3% إلى (32.78) دولارًا للأونصة.


Independent عربية
منذ 2 ساعات
- Independent عربية
أميركا وإيران... صراع الخطوط الحمر
المواجهة الكلامية التي سيطرت على مفردات الخطاب المتبادل بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، على خلفية موقف الطرفين من مسألة تخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية، لم تكُن وليدة تطور مستجد على طاولة التفاوض. فالتراشق في المواقف من التخصيب الذي ظهر خلال الأيام الأخيرة، بخاصة بعد انتهاء زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى السعودية وبعدها الإمارات وقطر، بدأت إرهاصاته ما بعد الجولة الثالثة من المفاوضات غير المباشرة، واستمرت، بصورة أكثر وضوحاً وحدة بعد الجولة الرابعة، ليتحول إلى حديث عن خطوط حمر يرسمها المفاوضون قبل الجولة الخامسة التي يسود نوع من الغموض حول توقيتها. الإدارة الأميركية التي تعمل من أجل التوصل إلى اتفاق مع إيران يختلف، في مضمونه وشروطه، عن الاتفاق الذي وقّعه الرئيس السابق باراك أوباما عام 2015، ويسمح للرئيس ترمب بالحديث عن إنجاز حقيقي ومتقدم، تواجه تعنتاً وتمسكاً إيرانياً واضحاً بالمسار الذي رسمته لهذه المحادثات قبل الجلوس إلى طاولة التفاوض، بما فيه من تنازلات ربما تكون مجبرة على تقديمها من أجل الوصول إلى نقطة وسط بين مطالبها ومطالب الإدارة الأميركية. ومنسوب التفاؤل والإيجابية التي سيطرت على أجواء الجولتين الأولى والثانية من التفاوض غير المباشر، وما خرجت به من اتفاق حول الإطار العام للتفاوض وأهدافه والقضايا التي ستطرح على الطاولة، لم توحِ بوجود خلاف بين الجانبين حول مسألة أنشطة التخصيب واستمراراها على الأراضي الإيرانية، والخطوط الحمر التي رسمت في هاتين الجولتين انحصرت في المطلب الأميركي بخطوات إيرانية تعزز الثقة بعدم وجود نوايا أو أنشطة من أجل حيازة أسلحة دمار شامل والتخلي عن مستويات التخصيب المرتفعة، مع إمكان البحث في آليات التعامل مع مخزون إيران من هذه المواد عالية التخصيب، والتي قد تنسجم مع الآليات المعتمدة في اتفاق عام 2015. في مقابل التنازلات الإيرانية هذه، من المفترض أن توافق الولايات المتحدة على احتفاظ إيران بأنشطة تخصيب اليورانيوم بمستوى 3.67 لإنتاج الكهرباء على أراضيها بكميات محددة، وأن تكون كل الأنشطة والبرنامج النووي تحت إشراف مشدد للمفتشين الدوليين بمن فيهم مفتشون أميركيون، وهي النقطة التي عاد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان للإشارة إليها، واستعداد إيران للقبول بمفتشين أميركيين من أجل تعزيز الثقة بسلمية البرنامج الإيراني، على أن تحصل إيران على قرار من إدارة ترمب برفع العقوبات الاقتصادية التي سبق أن فرضتها واشنطن على خلفية الأنشطة النووية في الأقل. ودخول المرشد الإيراني مباشرة على خط التصريحات الأميركية أسهم في تعزيز الإبهام حول مصير المفاوضات غير المباشرة، وإمكان أن تصل إلى طريق مسدود، وهو بمثابة تهديد واضح من أعلى مسؤول في النظام الإيراني والجهة المسؤولة مباشرة عن مسار التفاوض والجهة القادرة على تحديد مصيرها إيجاباً أو سلباً. وإصرار الطرفين على تضخيم الاختلاف حول الخطوط الحمر التي وضعها كل منهما للنتيجة المتوخاة من المفاوضات، قد لا يعني أن الخلاف بينهما يدور حول هذه النقطة أو هذا الخط، وإنما يحمل في طياته اختلافات أكثر عمقاً تتجاوز مسألة التخصيب، لتشمل مسائل أو ملفات أخرى تحتل أولوية في الأهداف الأميركية، بخاصة المتعلقة بمصادر القلق الغربية والإقليمية من الطموحات الإيرانية ودورها ونفوذها في المنطقة، فضلاً عما تمتلكه من قدرات عسكرية شكلت وتشكل مصدر قلق وخوف لدى هذه الأطراف. وليس جديداً أن تلجأ الإدارة الأميركية إلى هذا النوع من المطالب أو المواقف، إذ سبق أن لجأت إلى مثلها في المفاوضات التي قادتها إدارة الرئيس أوباما قبل عقد من الزمن، إلا أن طهران، في تلك المرحلة، استطاعت إيصال رسائلها التصعيدية عبر حلفائها في الإقليم عندما كانوا في أعلى مستويات قوتهم. ولعل المواقف التي كان يطلقها الأمين العام لـ"حزب الله" الراحل حسن نصرالله حينها، صبّت بصورة واضحة في سياق دعم المفاوض الإيراني وتعزيز موقفه أمام المطالب الأميركية، بخاصة في مواجهة الضغوط التي مارسها المفاوض الفرنسي الذي قام بدور الشرطي المتشدد والمعبّر عن المخاوف والهواجس والمطالب الإسرائيلية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) إلا أن التطورات التي شهدها الإقليم، وانهيار قدرات الأذرع الإيرانية في المنطقة بعد الضربات التي لحقت بها عقب السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023، وعملية "طوفان الأقصى"، أجبرت النظام الإيراني على تولي مسؤولية التصدي للمطالب الأميركية والإسرائيلية بصورة مباشرة، واللجوء إلى التصعيد والدفع باتجاه تعزيز الغموض حول مصير التفاوض في حال أصرّ الأميركي على تفكيك أنشطة تخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية. وتعليق التفاوض أو التأخير في التوصل إلى حلول وتفاهمات بين واشنطن وطهران، قد لا يخدم مصالح كلا الطرفين، خصوصاً أن الوقت أمامهما بدأ يضيق مع اقتراب موعد انتهاء مفاعيل قرار مجلس الأمن الدولي 2231 في أكتوبر المقبل، مما يفتح الطريق أمام دول "الترويكا" الأوروبية المستبعدة من المفاوضات، ممهداً لإعادة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، وهذه المرة تحت الفصل السابع، مما قد يعقد المشهد أمام الجميع. وقد يكون من الصعب على الجانب الإيراني تفكيك موقف "الترويكا" الأوروبية خلال المدة الزمنية الباقية أمامه من دون دعم أميركي، بخاصة أن الفجوة بين هذه العواصم وطهران اتسعت في الأعوام الثلاثة الماضية نتيجة اتهام الأخيرة بمساعدة روسيا عسكرياً في حربها على أوكرانيا. إلا أن عودة العقوبات عبر مجلس الأمن من الممكن أن تساعد الرئيس الأميركي في التعامل مع إيران إذا انهارت المفاوضات، بالعودة لخيار العقوبات والحصار الاقتصادي الخانق والمشدد، مستبعداً، في الظاهر، الخيار العسكري الذي لا يرغب فيه ولا يحظى بدعم من الدول الإقليمية الداعمة للمسار السلمي لحل هذا النزاع، باستثناء إسرائيل التي قد تجده خيارها الأفضل للتخلص من الضغوط التي تتعرض لها نتيجة استمرار حربها على قطاع غزة، في حين أن طهران الساعية إلى إنهاء حال العداء والانتقال إلى مرحلة جديدة في علاقاتها مع واشنطن، وعلى رغم تمسكها بخيار التفاوض، قد لا تعارض العودة لسياسة الحصار مقابل عدم التنازل المؤلم أمام الشروط الأميركية، مما يعني أن خيار السير على حافة الهاوية لدى الطرفين قد لا يكون مستبعداً، مع ترك الأبواب الخلفية للتفاوض مفتوحة لاقتناص أية فرصة للتفاهم والاتفاق.