
بالصور.. رحلة مساعدات غزة من الإعداد إلى الإسقاط الجوي وما بعده
وهذا التقرير المصوّر يرصد رحلة صندوق المساعدات من لحظة إعداده وظهوره في سماء غزة حتى سقوطه في يد المحتاجين، مسلطا الضوء على تفاصيل لا تخلو من المعاناة والأمل.
إعداد المساعدات الجوية
تبدأ رحلة صندوق المساعدات من مراكز الإغاثة حيث تُجهز المواد الغذائية واللوازم الأساسية، وبعد فرز وتجميع هذه المواد تُعبّأ في صناديق متينة مصممة لتحمّل الإسقاط الجوي.
تحميل الصناديق على الطائرات والإقلاع نحو غزة
وتنتقل صناديق المساعدات بعد تجهيزها إلى مطارات الإقلاع، وتتم هذه العملية تحت إشراف فرق متخصصة تعمل على تثبيت الصناديق بشكل محكم داخل الطائرات.
ظهور الطائرات في السماء
ومع بداية العملية، تظهر الطائرات الحاملة لصناديق المساعدات تحلق فوق قطاع غزة، في مشهد يعكس تداخلا بين الأمل والخوف لدى السكان الذين يترقبون وصول العون في وقت حرج.
إنزال صندوق المساعدات جوا
وبعد لحظات من تحليق الطائرات، يبدأ نزول صندوق المساعدات المظلي، وهي اللحظة التي تترقبها آلاف العائلات الفلسطينية بفارغ الصبر. يسقط الصندوق ببطء عبر المظلة وسط أجواء من الترقب والرهبة، في خطوة تمثل نقطة تحوّل حيوية في حياة المستهدفين بالمساعدة الذين يبحثون عن لقمة تسد جوعهم.
متابعة المحتاجين للصندوق
بمجرد سقوط الصندوق على الأرض، يبدأ المحتاجون بالتوجه نحوه في مشاهد إنسانية مؤثرة، تجمع بين الإصرار على النجاة وحجم المعاناة الذي لا يوصف. ويقف الأطفال والنساء وكبار السن على حد سواء محاولين الوصول إلى المساعدات في ظل ظروف أمنية وإنسانية صعبة، بينما تتفاوت أعداد المستفيدين بين من يحظى بالمساعدة مباشرة ومن يعاني من صعوبة الوصول إليها.
سقوط الصندوق وأحداث ما بعده
ويواجه صندوق المساعدات تحديات سقوطه في أماكن صعبة أو تعرضه للتلف أحيانا بسبب التضاريس أو الظروف الأمنية، مما يضاعف معاناة السكان ويزيد الحاجة إلى تكرار مثل هذه العمليات. وتعكس هذه المشاهد الواقع القاسي الذي يعيشونه، وتؤكد الحاجة الملحة لتوفير حماية وتأمين أفضل لعمليات الإغاثة الإنسانية.
ضحايا إسقاط المساعدات الجوية
عملية إسقاط المساعدات الجوية لم تخل من مأساة، فقد تسقط صناديق المساعدات أحيانا على رؤوس المستفيدين الذين تجمعوا حولها، مما أسفر عن استشهاد وإصابة العشرات. وهذه الحوادث تبرز حجم المعاناة والتحديات التي تواجهها عمليات الإغاثة وسط بيئة متفجرة من التوتر والفوضى، حيث تتحول لحظة الأمل إلى مأساة جديدة.
صناديق المساعدات رغم ما يشوبها تذكّر العالم بحجم المعاناة التي لا يمكن تجاوزها إلا بإجراءات فاعلة لإنهاء الحصار وفتح المعابر الإنسانية. ورغم كل الصعوبات، فإن سكان غزة يواصلون ترقبهم وتعلقهم بقطرات الأمل التي تحملها هذه الصناديق، في انتظار أن تتحول من مجرد مساعدات مؤقتة إلى حل دائم يضمن لهم حق الحياة والكرامة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 9 ساعات
- الجزيرة
السوقية بين اليوم والأمس
"إنه شخص سوقي، إنها امرأة سوقية، جموع سوقية، رئيس سوقي، أفكار سوقية".. لا بد أن إحدى هذه العبارات قد صادفتك، مرت على مسمعك، استُعملت في مجلسك، أو أنت ذاتك قد استعملتها، والغالب أن ما تعرفه من دلالتها الاستعمالية الاصطلاحية أنها تعني الابتذال، الحديث المبتذل، اللغة الركيكة والسطحية، اللسان الأعوج.. على ذا المنوال يمكن أن نسأل: هل بالإمكان أن يوجد للسوقية معنى آخر غير ما هو رائج؛ ما يعيب اللسان، ويصنف صاحبه ضمن معشر اللاحِنين؟ الحياة "متغير"، اللغة "متغير"، الإنسان ذاته "متغير"، والسائد في الكون سنة التغير والتغيير، والتبدل والتبديل. وبالتالي، مصطلح السوقية شمله التغيير، هو أيضا من سنة اللاثابت واللامستقر في الكون، في النظم، في الأفكار ووسائل التواصل ماهي السوقية؟ أو: من هو الشخص السوقي؟ من ذا الذي يمكن أن نطلق عليه حقا "سوقي"؟ في ما مضى كانت السوقية تطلق على من لا يحسن الكلام إعرابا وصرفا، فهي من وجهة نظر غابرة في الزمن تتمحور حول إقامة الكلمة إعرابا؛ اللفظ السليم، البعيد عن اللحن.. لكن السؤال: متى ذلك؟ وكيف؟ إن "متى" الاستفهامية تحيلك إلى سؤال الزمن، ومنه فالسوقية من حيث التاريخ مصطلح وليد الماضي، أي إنها من زمن فات، كما أن كونها ماضية الاستعمال لا ينفي أن البعض لا يزال يستعملها اليوم بذات المعنى، وهو الإشكال الذي يدور في رحى المقالة، فهي- كما أسلفنا- كانت تُعنى بشكل خاص باللغة، خاصة من لدن مجتمع العرب، وتعني بالدرجة الأولى اعوجاج اللسان، كما أن ذلك الزمن يُعتبر زمن حضارة (أقلها حضارة لغوية)؛ ومن هنا قد يكون هذا المعنى في تلك اللحظة لا قصور فيه، ولا يحتاج إلى كلام ولا تفسير يوضح، ولا حرج في من يعرف السوقية بهذا الشكل، ومن كان يصف الشخصية السوقية بمن لا يحسن اللفظ، ويلحن بالكلام. الحياة "متغير"، اللغة "متغير"، الإنسان ذاته "متغير"، والسائد في الكون سنة التغير والتغيير، والتبدل والتبديل. وبالتالي، مصطلح السوقية شمله التغيير، هو أيضا من سنة اللاثابت واللامستقر في الكون، في النظم، في الأفكار ووسائل التواصل.. وفي ذا السياق نطرح معنى السوقية المستجد من وجهة نظرنا، حيث نقرأ أن مصطلح السوقية بحكم المتغيرات مسه التجديد كغيره من المصطلحات. القراءة أنه ينقسم إلى قسمين: قسم ولّى، حيث كانت الأمة التي تطرح السوقية بالمفهوم آنف الذكر، بتأشير المقروء أنها في تلك اللحظة التاريخية بزهو حضاري، وما يلي الحضارة من ترف يطول كل المجالات، بما في ذلك عالم المفاهيم والمصطلحات. أما القسم الثاني اليوم (في عصرنا هذا)، فنعرف السوقية فيه بشكل مختلف، فلكل حقبة خصوصية تجعل لأفرادها رؤى خاصة. يومنا هذا حرج للغاية؛ دقات ساعاته متسارعة لدرجة أن إنسانه يبادر باكرا ولا يكاد يلحق حقائبه، عصر بحكم المستجدات يندر ما يسلم من التغيير، كوصف أو مصطلح السوقية، فهي اليوم غير ما كان سائدا، موضوعها العقل بالأساس، فمن يعطل عقله أو يتركه لغيره ليأخذه حيث يشاء، أو يملؤه بما يهوى من الأهواء، هو السوقي بتعريفنا المستجد. إذن، السوقية تعني تعطيل العقل، ركنه جانبا، تمكين الآخر منه ليفكر نيابة عنك.. هذا أحد مفاهيم السوقية العديدة. ومن مفاهيمها أيضا الترديد؛ فمن يردد أقوال وآراء الآخرين بدون فرز، ولا غربلة تمحص الجيد من الرديء، والحق من الباطل، والجميل من القبيح، فقد أضحى شخصية سوقية. فالسوقية اليوم هي الترديد المتجاوز لعملية إشراك الوعي، وهي كذلك تجاوز محطة التفكير عند الترديد، وفي ذا السياق يكثر بانتشار المرددون في دنيا الأيدولوجيات المتزمتة، حيث يقر المرددون من حيث المبدأ سابق الوجود (وجودهم) بوجود سادة، المعرفة حصرا لهم، ولا يمكن الحصول عليها من دون ترديد ما يطرحون خارج محطة التفكير. هناك أيضا سوقية اجتماعية، وهي عدم القدرة على الانخراط في علاقات إنسانية واجتماعية، والجهل بالقوانين المشبكة للأوصال الإنسانية.. خذ نموذجا: الانطوائي -مثلا- تمسه السوقية، أيضا الذي لا يمكنه أن يقيم صداقات ولا علاقات مع أفراد مجتمعه، والذي يميز بعنصرية على أساس جنس أو لون أو عرق، كذلك أحادي الحيز، الذي لا يرى حق الوجود العام إلا لحيزه الضيق (أسرته، قبيلته، مجتمعه، طائفته، أمته)، وليس له نفس ليتقبل الآخر كما هو كائن، فضلا على أن يتعايش معه.. فرد تقوم الحياة بالنسبة له على فلسفة الصدامات، والرفض المطلق لأي مختلف. تتوفر أيضا سوقية سياسية، وهي التنكر لما توصل إليه الإنسان اليوم ورفضه، مع ما في ذلك من نظم سياسية وقوانين وتشريعات تسير شؤونه كفرد ينتمي لأمة معينة؛ فالشخص الذي ليست له ثقافة سياسية تمكنه من المشاركة في صنع القرار بشكل من الأشكال، أو -على الأقل- حيازة الحد الأدنى من درجات الوعي بمجريات السياسة، هو شخص سوقي. الشخص الذي لا يؤمن بقيم السياسة الحديثة ونواميسها (كالتعددية السياسة، والديمقراطية، والأحزاب، والبرلمانات، والشورى، والمشاركة السياسية، والانتخابات، والتداول السلمي للسطلة)، وبالمقابل يصمت أو يذوب أمام الاستبداد السياسي، أو يتماهى مع الحكم الديكتاتوري أو العسكري للحياة المدنية، ولو بصورة من الصور، أو يجنح إلى نظرية المتغلب.. ذلك الشخص هو سوقي بامتياز. السوقية الفكرية تعني عالم الأفكار وما ترتبط به، فالسوقي اليوم يتعلق بأسوار الفكر الهش. بمعنى من المعاني: هو من لا ينتج فكرة، من لا يفكر بمعنى، من لا يتأمل، لا يتدبر، هو المنساق والمُساق خلف كبرائه بلا رأي ولا قرار، هو من تفرض عليه الجمعوية فكرة بعينها، قرارا معين، وجهة نظر معينة، شكلا بذاته، وحتى ذوقا محددا؛ فالسوقي هو من يأخذ الأفكار طازجة، لا يكلف نفسه عناء البحث عنها، أو سبر أغوارها، هو الأصم الأبكم حين تُرفع المعالي، ويسهل كشفه لطغيان ضحالة الأفكار على فكره، وسفاسف الأمور على مواضيعه. يخط أحدهم نصا زاخرا بعظائم الأفكار، فتتلقف الناس النص ابتهاجا لما يحمل من أفكار عظيمة بإمكانها أن تصنع التغيير على مستوى الفرد أو المجتمع، وفجأة يخرج من السرداب أغبر العقل تليد الفكر يشير على الناس، ليخبرهم بأن النص فيه أخطاء لا تُغتفر! فعلى سبيل المثال، الأمة اليوم منشغلة بقضية الأرض المسلوبة والمقدسات المدنسة، حوارها ينصب في سؤال: كيف نحرر الأرض ونحمي المقدس، ونعيد كرامة المسلم بعد النهب الممنهج؟ في حين ينصب حوار خفيف القدر هذا في نوافل الأمور: تحريض الناس على الحديث في قضايا جزئية خلافية من الدين، كمسائل من قبيل الزكاة في عيد الفطر؛ أهي تزكى نقدا أم من قوت أهل البلد؟ ورؤية الهلال، والمسح على الجوارب، أو إشعال نار الطائفية بين طوائف المسلمين. هكذا ينصب فكر الشخصية السوقية، أو من يتصف بهكذا صفات وسلوكيات.. هو من يمكن أن نطلق عليه سوقي في زمننا هذا. ومدًّا لحبل الأمثلة، يخط أحدهم نصا زاخرا بعظائم الأفكار، فتتلقف الناس النص ابتهاجا لما يحمل من أفكار عظيمة بإمكانها أن تصنع التغيير على مستوى الفرد أو المجتمع، وفجأة يخرج من السرداب أغبر العقل تليد الفكر يشير على الناس، ليخبرهم بأن النص فيه أخطاء لا تُغتفر! تنبهر الجموع، تلتفت للخلف، مكانه دائما هناك حيث الخلف، فتسأل: ما هي الأخطاء؟ فيرد: هما اثنان الأول: لغوي، أما الثاني: فيتعلق بكاتب النص؛ كاتب النص -والعياذ بالله- خلفيته كذا وكذا، أو من الطائفة الفلانية، ليس منهم هم، الفرقة الناجية الوحيدة! وعلى ذا المنوال يغدو فكر السوقي؛ حيث سفاسف الأمور تجده، حيث موت الأفكار، صامدا لا يتزحزح. بالتناسق مع ما تقدم، يظهر أننا وضعنا السوقية في قالب جديد، وأخذناها إلى ما يتجاوز الماضي (حصْرها في مسألة اللغة أو اعوجاج اللسان)، كما أنها -من خلال ما تقدم- صور تنبثق أساسا مما يشوب العقل؛ فالسوقي اليوم سوقي العقل والفكر والمنطق، لا اللغة والبيان.


الجزيرة
منذ 19 ساعات
- الجزيرة
كيف محت الإبادة في غزة الحقول وأنبتت خياما؟
غزة – لم يكن عادل الجبالي، النازح من مدينة رفح ، يظن أن اليوم الذي يغادر فيه منزله سيحمل معه بذورا في جيبه بدل المفاتيح. يوم الرحيل كان ثقيلا، الغبار يملأ السماء، ودوي القصف يلاحقه حتى وهو يعبر الطرق المزدحمة. اصطحب ذكرياته وأفراد عائلته التسعة، وترك خلفه حديقة صغيرة كانت تملأ بيتهم برائحة النعناع والطماطم الطازجة. في مخيم النزوح الجديد ب منطقة المواصي في مدينة خان يونس ، وقف عادل أمام قطعة أرض جرداء، تحيط بها الخيام من كل جانب، يتساءل "هل يمكن للحياة أن تعود إلى هنا ولو بحبة خضار واحدة؟". منذ اليوم الأول، قرر أن يبدأ من الصفر. لم يكن يملك أدوات زراعية ولا بذورا كافية، لكن الإرادة كانت حاضرة. جمع علب المساعدات الفارغة وملأها بالتراب، وغرس فيها ما تبقى لديه من بذور جافة كان قد احتفظ بها من قبل. كان يعلم أن الأمر أشبه بالمجازفة، لكن شعوره بالمسؤولية تجاه أطفاله دفعه للاستمرار. لوحة خضراء لم تكن المساحة كبيرة، 70 مترا فقط حول الخيمة، لكنها تحولت بمرور الوقت إلى لوحة خضراء صغيرة وسط الصحراء البيضاء من القماش المشدود. زرع الملوخية والبطاطا والطماطم والباذنجان والخيار والفلفل الأخضر، وحتى بعض الذرة والجرجير والبقدونس. كان تأمين البذور معضلة أخرى. الأسواق شبه خاوية، وما هو متاح منها يباع بأسعار تفوق قدرته. لجأ إلى تجفيف بعض الخضروات الناضجة للحصول على بذورها. وأعاد تدوير الزجاجات البلاستيكية وعلب الصفيح، ليصنع منها أواني صغيرة يسهل نقلها إن اضطر للنزوح مجددا. كما زرع الزهور والصبار، فكانت ألوانها الزاهية تمسح بعض الحزن عن وجوه الأطفال الذين يمرون من أمامها. حتى زوجته، التي كانت تعاني من الاكتئاب منذ فقدانهم المنزل، وجدت في هذه البقعة الخضراء ما يشبه العلاج. كان الماء تحديا آخر، فبعد أن دُمرت شبكاته، صار عادل يقطع مسافات طويلة حاملا الدلاء لري نباتاته، وأحيانا كان يخلط مياه غسل الخضار بمياه الأمطار. أما الأسمدة، فهي حلم بعيد، إذ إن غيابها يؤخر نضوج الثمار ويجعل المحصول أقل جودة. غير أنه يشعر أن هذه الحديقة الصغيرة ليست مجرد مصدر للطعام، بل رسالة صمود تقول إن الفلسطيني يمكنه أن يزرع الحياة حتى في قلب الخراب. كان المشهد غرب قطاع غزة مختلفا قبل الحرب. حقول الطماطم والخيار والبطاطا تمتد إلى الأفق، والدفيئات الزراعية تعكس أشعة الشمس فوق نباتات يانعة. لكن اليوم، حلت مكانها آلاف الخيام، امتدت مثل مدينة قماشية هائلة، غطت ما تبقى من اللون الأخضر. التهمت حرب الإبادة الزراعة على نحو ممنهج. ووفق منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، لم يتبق في مارس/ آذار الماضي سوى 4.6% فقط من أراضي القطاع صالحة للزراعة، في حين خرجت أكثر من 90% من المساحات عن الخدمة. واقع صادم نزوح مئات الآلاف إلى هذه الأراضي جعلها تفقد وظيفتها كسلة غذاء للقطاع. ومع توقف الإنتاج، ارتفعت أسعار الخضروات في الأسواق إلى مستويات غير مسبوقة، فأصبح شراء كيلوغرام طماطم أو خيار رفاهية لا يقدر عليها معظم السكان. في صباح رمادي، خرج حسام البحيصي (37 عاما) في رحلة بحث عن خضروات رخيصة. كان يظن أن الدفيئات الزراعية في مواصي جنوب غزة ما زالت تنتج ما يمكن أن يسد رمق أسرته، لكن الواقع كان صادما. عندما وصل، وجد نفسه أمام بحر من خيام النازحين. الدفيئات التي كان يتردد عليها منذ سنوات دمرها الاحتلال أو أُهملت حتى صارت هياكل بلا حياة. وقف البحيصي مذهولا يتذكر أياما كان يدخل فيها إلى هذه الدفيئات ويشم رائحة الطماطم الطازجة، ويشتري ما يحتاجه بسعر معقول. الآن، لم يجد سوى أقمشة بيضاء ترفرف في الهواء، وأطفال يلعبون فوق أرض كانت خصبة. ويقول للجزيرة نت "أتيت كي أتفقد الدفيئات، فجأة وجدت بلدا بلا زرع، الاحتلال دمر غالبية الزراعات، ووجدت عوض الأرض الخصبة أناسا وخياما". في خيمة صغيرة جنوبي القطاع، يجلس المزارع محمود حجازي، الذي كان يمتلك 5 أفدنة من الطماطم داخل دفيئات حديثة قرب مواصي رفح. يتحدث بصوت مبحوح عن يوم جاءت الجرافات الإسرائيلية وسوت كل شيء بالأرض. انهار مشروع عمره وجهده الذي استمر لعقود. كان يخزن في خيمته القليل من البصل والليمون والبطاطا التي استطاع إنقاذها، لكنها لا تكفي سوى أيام معدودة. ويقول للجزيرة نت إن رؤية أرضه تتحول إلى مخيم نزوح أصعب من رؤية الدفيئات وهي تُهدم. الأرض بالنسبة له حياة، وكانت تمنحه القدرة على إطعام أسرته والناس. الآن، صار هو نفسه بحاجة لمن يطعمه. لكنه لا يفقد الأمل في العودة للزراعة يوما ما. يحتفظ ببعض البذور في علب محكمة الإغلاق وكأنه يحتفظ بمفتاح العودة إلى أيام الخضرة. بالنسبة له، الزراعة ليست مهنة فقط، بل هوية، وغيابها يعني فقدان جزء من الروح. وسط مشهد الخيام الممتدة، لجأ بعض الفلسطينيين إلى الزراعة في محيط خيامهم ومراكز الإيواء كحيلة للبقاء وسط التجويع، ومحاولة لتوفير ما يسد رمق أطفالهم وأسرهم من الخضروات الطازجة دون الحاجة إلى شرائها بأسعار لا تطاق. مبادرة في مخيم النصيرات ، يقف النازح الخمسيني جابر الحويطي أمام خيمته، يتأمل شتلات الفلفل والجرجير والنعناع التي زرعها في مساحة ضيقة بجوارها. يقول إن أسعار الخضروات فاقت كل قدرة على الشراء، فلم يعد أمامهم إلا الزراعة الذاتية. يجمع جابر مياه الأمطار عندما تتاح، ويخلطها بمياه غسل الأواني لري مزروعاته. ويؤكد للجزيرة نت أن هذه الحديقة الصغيرة ساعدت أسرته على مواجهة الجوع، ولو بقدر ضئيل. فأوراق الجرجير الطازجة أو حفنة من الفول الأخضر يمكن أن تصنع فارقا في يوم كامل من الحرمان. كما أن العمل في الزراعة يملأ وقت فراغه ويخفف من إحساسه بالعجز. ويقول مبتسما "حين أرى هذه النباتات تكبر، أشعر أنني أنا أيضا أعيش". ويرى جابر أن الزراعة حول الخيمة ليست مجرد وسيلة للبقاء، بل شكلا من أشكال المقاومة في وجه التجويع. في مايو/أيار الماضي، أطلق عدد من الخبراء والناشطين الزراعيين مبادرة "غذاؤنا من أيدينا" استجابة مباشرة للأزمة الغذائية الخانقة في غزة، وسعيا لتمكين الناس من إنتاج طعامهم بأنفسهم. يؤكد سعود الشوا، أحد القائمين على المبادرة، أن الاحتلال دمّر وجرف الأراضي الزراعية، مما جعل تأمين الغذاء أمرا بالغ الصعوبة. ويرى أن الحل يكمن في العودة إلى الاكتفاء الذاتي ولو على نطاق صغير. ويقول للجزيرة نت إن المبادرة تعمل على تشجيع السكان على استغلال أي مساحة متاحة للزراعة، سواء كانت سطح منزل، أو فناء صغيرا، أو حتى أواني بلاستيكية فارغة، بهدف إنتاج الخضروات الأساسية التي يحتاجونها يوميا. ينظم القائمون عليها ورشا إرشادية، ويقدمون نصائح عملية عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتمكين أكبر عدد ممكن من الناس من المشاركة. كما يوفرون إرشادات حول كيفية توفير البذور محليا بطرق بسيطة. يرى الشوا أن هذه الخطوة يمكن أن تتحول إلى ثقافة مستدامة تساعد المجتمع على النهوض بعد انتهاء الحرب. ورغم نقص المياه والأسمدة، فإن المبادرة حققت نجاحات صغيرة مشجعة، حيث بدأ بعض المشاركين في جني أولى ثمار محاصيلهم. وبالنسبة له، كل شتلة تُزرع في غزة هي خطوة نحو استعادة الكرامة والسيادة الغذائية.


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
مفتاح العودة والدبكة والكوفية.. رموز النضال والهوية الفلسطينية
لندن – تحمل كل بقعة من أرض فلسطين رموزا للنضال تجسد ارتباط شعبها الأصيل بأرضه وإصراره على حماية هويته الثقافية وتراثه الشعبي جيلا بعد جيل، صونًا له من الطمس والضياع، وحفاظا على العادات والتقاليد من الاندثار. وعلى مدى عقود، سعى الاحتلال إلى إسكات الصوت الفلسطيني بمختلف الوسائل، في محاولة لإنكار حق الشعب في أرضه وتاريخه. ورغم ذلك، ظل الفلسطينيون متمسكين برموز تعبر عن كفاحهم من أجل الهوية الوطنية، تمامًا كما تبقى أزهار الزعتر البري وأشجار الزيتون شاهدة على صمودهم وجذورهم الضاربة في عمق الأرض. مفتاح العودة.. رمز المقاومة وروح الانتصار يُعد المفتاح الفلسطيني، أو ما يُعرف بمفتاح العودة، رمزا قويا يخلّد تمسك الفلسطينيين بحقهم في العودة إلى أراضيهم التي هُجّروا منها قسرا عقب نكبة عام 1948، حين ارتكب الاحتلال عمليات قتل وتهجير جماعي طالت أكثر من 750 ألف فلسطيني أُجبروا على مغادرة بيوتهم. وتنبع رمزية هذا المفتاح من احتفاظ اللاجئين بمفاتيح منازلهم القديمة والمقتنيات التي اصطحبوها معهم منذ لحظة التهجير إيمانا منهم بأن غيابهم سيكون قصيرا، وأنهم سيعودون قريبًا إلى أرضهم وبيوتهم. ولم تقتصر دلالة المفتاح على اللاجئين وحدهم، بل امتدت لتشمل جميع الفلسطينيين، إذ بات رمزا للحق والكرامة والانتماء العميق إلى الأرض الفلسطينية. لذا أصبح عرفا وتقليدا أن تتوارث العائلات الفلسطينية مفاتيح العودة، وما زال الكثير من سكان مخيمات الضفة وغيرها يحتفظون بمفاتيح بيوتهم التي أحضروها معهم عام النكبة، في حين سلّم من وافاهم الأجل مفتاحه إلى أبنائه وأحفاده. وغالبًا ما توجد نسخ مكبرة من مفتاح العودة حول مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. كما أصبح يستخدم مفتاح فلسطين في المظاهرات المنددة بالاحتلال الإسرائيلي حول العالم تعبيرا عن الأمل، وبات ينافس الكوفية في الدلالة على الهوية الفلسطينية، فالمفتاح بالنسبة لهم يحمل حب الوطن والتعلق بالسكن وحلم العودة إليه. ويوجد أكبر مجسم لمفتاح العودة داخل الحي الثقافي (كتارا) بالعاصمة القطرية الدوحة، والذي يبلغ طوله 7.8 أمتار ووزنه 2.7 طن وعرضه 2.8 متر، وصُمم تحت إشراف قطري. وبعد أن استوفى جميع الشروط الخاصة، تم تسجيل هذا الرقم القياسي ضمن موسوعة غينيس العالمية كأكبر مفتاح في العالم. الكوفية الفلسطينية بطاقة هوية وتعريف بالقضية لم تعد وشاحا تقليديا بلونها الأبيض ونقوشها السوداء رمزا للفلسطينيين فحسب، بل باتت رمزا عالميا عابرا للحدود، ورمزًا لرفض الاستعمار ومقاومة الاحتلال الغاشم. الكوفية التي كان يرتديها الفلاحون قديمًا لحمايتهم من الظروف المناخية القاسية، مثل أشعة الشمس الحارقة والعواصف الرملية، تحولت مع مرور الوقت إلى رمز نضالي، إذ أصبح المتظاهرون يلفونها حول أعناقهم أو يستخدمونها لتغطية وجوههم في الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين حول العالم. وقد ارتبطت الكوفية ارتباطًا وثيقا بالرمز الوطني الفلسطيني بفضل الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي ارتداها في إطلالاته السياسية، ولا سيما خلال خطابه الشهير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974 لتصبح منذ ذلك الحين أيقونة للمناضلين الفلسطينيين. ومنذ النكبة عام 1948، ارتداها المتظاهرون في كل انتفاضة شعبية بمواجهة قوات الاحتلال الإسرائيلي. وتُعرف الكوفية لدى الفلسطينيين بعدة أسماء منها "الحَطّة" و"الوشاح". وبينما ارتبط ارتداؤها قديما بالفلاحين، كانت الطبقات الوسطى والعليا تفضّل "الطربوش". لكن هذا الأمر تغير بعد الانتفاضة الفلسطينية عام 1936 ضد الاحتلال البريطاني، حين اتخذت الجماعات الفلسطينية المسلحة -التي كان معظم أفرادها من الفقراء- الكوفية زيا رسميا. الأمر الذي سهّل على القوات البريطانية تمييزهم، مما دفع قادة المقاومة إلى دعوة جميع الرجال الفلسطينيين للتخلي عن الطربوش وارتداء الكوفية تضامنا ووحدة للصفوف. الدبكة الفلسطينية.. نضال من نوع آخر تعدّ الدبكة الشعبية موروثا يلازم الفلسطينيين في أعراسهم وأفراحهم، ويحرصون على توريثه من جيل إلى آخر خوفا عليه من الضياع، وحفاظا على هويتهم من الاندثار. وتعدّ الدبكة إحدى أهم صور هذا التراث الذي يستند إلى إرث فني وثقافي يمتد زمنا طويلا عبر التاريخ. تعود الدبكة الفلسطينية إلى طقوس الزراعة القديمة، حيث كانت الأيادي تتشابك للعمل وكان الفلاحون يرقصون في الحقول وقت حصاد الأرض تعبيرا عن فرحهم بما أنجزوه في ظل تعب جماعي. وجاء في موقع وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا) أن الدبكة الشعبية قبل الاحتلال أخذت طابعا احتفاليا ثم أصبحت رمزا من رموز النضال الوطني بعد نكبة 48، لتأخذ شكلا منظما منذ بداية الثمانينيات من القرن العشرين. وأصبح العمل على هذا النوع من التراث يتم بشكل مُنسق بهدف نقل ثقافة الشعب الفلسطيني وتراثه للمحافل العربية والعالمية. يذكر أن الدبكة الفلسطينية من أقدم الدبكات في المنطقة، وقد أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) ضمن لائحتها للتراث غير المادي للبشرية عام 2023. أغاني الدبكة تذكّر بخصال الأرض وترتبط الدبكة الفلسطينية بأناشيد وطنية كالحنين إلى الدار وما حل بالشعب الفلسطيني من تهجير وقتل ونكبة وترحيل قسري. والمتأمل في حركات الدبكة يشعر برمزيتها النضالية الرائعة، فتشابك الأيادي دليل الوحدة والتضامن، وضرب الأرجل بالأرض دلالة على العنفوان والإصرار، ترافقها أغان تعبر عن عمق الانتماء للأرض الفلسطينية التي يعشقها هؤلاء. وتعتمد رقصات الدبكة على الإيقاع الجماعي، والتزامن الدقيق والتناغم المنضبط بين خطوات الراقصين، ويرتدي المؤدون خلالها ثيابا شعبية فلسطينية مستوحاة من ألبسة الريف التقليدي، وفيها تتشابك أيدي الراقصين وتهتز أكتافهم، ثم تروح أقدامهم وتجيء يُمنة ويسرة تضرب وجه الأرض، مما يشعل حماس الجمهور ويجعلهم عادة ينضمون إليهم في الأداء والرقص. للدبكة قائد يتمركز عادة في أقصى يسار الصف، يمسك في يده اليمنى مسبحة أو عصا صغيرة، وقد ينفصل أحيانًا عن الصف ليتقدم أمامه مؤديًا حركات فردية، ليقوم الراقصون من خلفه بتكرارها. حاول الاحتلال الإسرائيلي طمس الهوية الفلسطينية ومحو تعبيراتها الثقافية عبر السطو على الدبكة الشعبية ونسبها إلى "إسرائيل" من خلال ترجمة كلمات بعض أغانيها إلى العبرية وسرقة ألحانها، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل. ورغم ذلك، ظلت الدبكة الفلسطينية حاضرة بقوة، محافظة على مكانتها في جميع المناسبات الوطنية والاحتفالات والمهرجانات داخل فلسطين وخارجها، لتبقى إحدى أيقونات التراث الفلسطيني الحي.