
تحولات الغزالي الفكرية: من العقل الفلسفي إلى الذوق الصوفي
يُعد الإمام أبو حامد الغزالي (ت. 505هـ) أحد أبرز العلماء الذين جمعوا بين الفقه والتصوف والفلسفة، وكان لموقفه من التصوف تأثير كبير على الفكر الإسلامي. بدأ حياته عالمًا في الفقه والأصول، حيث درَّس في المدرسة النظامية ببغداد، وبرز كأحد أعلام المذهب الشافعي وعلم الكلام الأشعري. غير أن أزمة روحية عميقة دفعته إلى اعتزال الحياة العامة وترك منصبه المرموق، ليخوض تجربة صوفية استمرت سنوات، عبَّر عنها في كتابه "المنقذ من الضلال"، حيث قال: "علمت يقينًا أن الصوفية هم السالكون لطريق الله خاصة، وأن سيرتهم أحسن السير، وطريقتهم أصوب الطرق" (الغزالي، المنقذ من الضلال، ص131).
انعكست هذه التجربة الروحية على كتاباته، لا سيما في "إحياء علوم الدين"، الذي يعد من أهم المراجع الصوفية، حيث جمع فيه بين تعاليم الشريعة وأخلاق التصوف. لم يكن تصوف الغزالي منفصلًا عن الفقه، بل اعتبره وسيلة لتزكية النفس وتطهير القلب، مؤكدًا أن التصوف لا يكتمل إلا بالجمع بين العلم والعمل، قائلاً: "التصوف هو صدق التوجه إلى الله، والزهد فيما سوى الله، وتحقيق العبودية القلبية له" (الغزالي، إحياء علوم الدين، ج3، ص30). بهذه الرؤية، أسهم في إضفاء شرعية فكرية على التصوف داخل الإطار السني، وجعل منه نهجًا أخلاقيًا وروحيًا متكاملًا.
من النقد إلى التجربة الروحية
في بداية حياته الفكرية، كان الإمام الغزالي شديد الارتباط بعلم الكلام والفلسفة، حيث تلقى تعليمه في المدارس النظامية، التي كانت مراكز أساسية لنشر الفكر الأشعري والمذهب الشافعي. برع الغزالي في المنطق والفلسفة والفقه، لكنه بدأ يدرك تدريجيًا أن هذه العلوم، رغم قيمتها، لا تروي العطش الروحي العميق ولا تمنح الإنسان المعرفة الحقيقية بالله. في كتابه "المنقذ من الضلال"، يعترف بأنه عاش فترة من الشك والاضطراب الروحي، حيث وجد أن العقل وحده لا يستطيع أن يصل إلى اليقين المطلق، بل يحتاج إلى تجربة روحية أعمق تتجاوز الاستدلالات النظرية (الغزالي، المنقذ من الضلال، ص120-122).
مع مرور الوقت، بدأ الغزالي يقترب من التصوف بعد أن لاحظ أن الفقه والكلام يهتمان بالظاهر، بينما يهتم التصوف بتطهير القلب والوصول إلى مقام الإحسان. يقول في "المنقذ من الضلال": "علمت يقينًا أن الصوفية هم السالكون لطريق الله خاصة، وأن سيرتهم أحسن السير، وطريقتهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق" (الغزالي، المنقذ من الضلال، ص131). هذا التحول لم يكن مجرد اعتراف نظري، بل كان نتيجة تجربة شخصية مر بها الغزالي، حيث ترك التدريس في بغداد واعتزل في الشام ثم مكة، متفرغًا للعبادة والخلوة والتأمل، وهو ما ساعده على إعادة صياغة رؤيته للعالم واليقين.
أدرك الغزالي أن العلم النظري، رغم ضرورته، لا يكفي وحده للوصول إلى الحقيقة، إذ لا بد أن يكون مقرونًا بالعمل القلبي والتجربة الروحية. في كتابه "إحياء علوم الدين"، شدد على أن المعرفة الحقيقية لا تُكتسب إلا بالتذوق والممارسة، حيث يقول: "ليس الخبر كالمعاينة، ولا المعاينة كالذوق، ولا الذوق كالاتحاد والانغماس" (الغزالي، إحياء علوم الدين، ج3، ص25). ومن هنا، أصبحت رحلته من العلم النظري إلى التصوف تجربة محورية في حياته، انعكست في كتاباته التي جمعت بين البعد الفقهي والروحي، مما جعله أحد أبرز المفكرين الذين حاولوا التوفيق بين العقل والتجربة الروحية في الإسلام.
الصوفية كضرورة روحية: فرض عين؟
تُنسب إلى الإمام الغزالي مقولة: "الدخول مع الصوفية فرض عين، إذ لا يخلو أحد من عيب أو مرض إلا الأنبياء عليهم السلام". هذه العبارة تعكس قناعته العميقة بأن التصوف ليس مجرد خيار أو أسلوب تعبدي إضافي، بل هو منهج ضروري لإصلاح النفس وتهذيب الأخلاق. فبحسب الغزالي، الإنسان معرض بطبيعته لنوازع الغرور والرياء والتعلق بالدنيا، ولذلك لا بد له من اتباع نهج روحي يعينه على تزكية قلبه والتخلص من الصفات الذميمة. يرى الغزالي أن التصوف يحقق هذا الهدف لأنه يهتم بجوهر الإيمان، وليس فقط بظواهر الأحكام الشرعية (الغزالي، إحياء علوم الدين، ج3، ص25-27).
لم يكن الغزالي يعتبر التصوف بديلًا عن الفقه أو العقيدة، بل كان يرى فيه مكملًا ضروريًا لهما. ففي رأيه، الشريعة تحدد الأفعال الظاهرة للعبادة، لكن التصوف يهتم بالنيات والصفاء الداخلي. وفي هذا السياق، يشير في "إحياء علوم الدين" إلى أن علم الظاهر (الفقه) يعالج الأفعال، بينما علم الباطن (التصوف) يعالج القلوب، وكلاهما لا غنى عنه للمؤمن الساعي إلى تحقيق الإخلاص في عبادته (الغزالي، إحياء علوم الدين، ج3، ص28-30). وبذلك، لم يكن الغزالي يدعو إلى الانعزال عن أحكام الشريعة، بل كان يؤكد على أهمية الجمع بين المعرفة الدينية الصحيحة والسمو الروحي العميق.
خصص الغزالي في "إحياء علوم الدين" فصولًا كاملة لآداب الصوفية، مشيرًا إلى أن جوهر التصوف يكمن في تحقيق الصفاء الروحي والانشغال بمحبة الله. يقول: "الصوفي هو من صفا قلبه لله، وزهد في الدنيا، وانشغل بمحبته، وانقطعت عنه العلائق إلا من وجهته" (الغزالي، إحياء علوم الدين، ج3، ص30). ومن هنا، فإن دعوته للدخول في طريق الصوفية ليست دعوة إلى الانتماء إلى طريقة صوفية محددة، وإنما دعوة إلى السير في طريق التهذيب الروحي والتقرب إلى الله، وهو ما يراه ضرورة لكل مسلم يسعى إلى إصلاح قلبه وحياته الدينية.
مقامات التصوف عند الغزالي
مرّ أبو حامد الغزالي (ت. 505هـ) في رحلته الفكرية بمحطات مختلفة، بدأها بالمنهج العقلي الفلسفي والكلامي، لكنه وجد أن هذه العلوم وحدها لا توصل إلى اليقين الروحي الذي كان ينشده. دفعه هذا البحث إلى التصوف، حيث اكتشف أن الطريق إلى معرفة الله لا يعتمد فقط على الجدل العقلي أو الاستدلال المنطقي، بل يحتاج إلى التجربة الروحية والذوق العرفاني. في كتابه "المنقذ من الضلال"، يعترف بأن الكتب الفلسفية والكلامية لم تمنحه الطمأنينة التي كان يبحث عنها، فيقول: "علمت يقينًا أن الصوفية هم السالكون لطريق الله خاصة، وأن سيرتهم أحسن السير، وطريقتهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق" (الغزالي، المنقذ من الضلال، ص131). من هنا، انتقل إلى التصوف، حيث قسم رحلته إلى مرحلتين رئيسيتين: المنهج النظري، والتجربة العملية.
1. المنهج النظري: مقامات السلوك إلى الله
اعتمد الغزالي في فهم التصوف على مطالعة كتب المتصوفة الأوائل، حيث درس مؤلفات الحارث المحاسبي، والجنيد، وأبي طالب المكي، وغيرهم. وجد أن التصوف يقوم على مقامات يرتقي بها السالك تدريجيًا في رحلته الروحية، وأهم هذه المقامات:
الزهد: وهو التخلي عن الدنيا والتعلق بالآخرة، حيث يرى الغزالي أن حب الدنيا يُعد من أكبر العوائق أمام السالك إلى الله (إحياء علوم الدين، ج3، ص175).
المحبة: وهي حب الله حبًا خالصًا، بحيث تصبح مشيئته هي المحرك الأول للسلوك (إحياء علوم الدين، ج4، ص280).
الإلهام: وهو نور يقذفه الله في قلب العبد ليهديه إلى الصواب دون الحاجة إلى استدلال عقلي طويل (المنقذ من الضلال، ص138).
الفناء: وهو الوصول إلى حالة من التجرد الكامل من الذات والانغماس في شهود الحق، وهو أرقى درجات التصوف عند الغزالي (إحياء علوم الدين، ج4، ص310).
2. التجربة العملية: الذوق والحال وتبدل الصفات
لم يكتفِ الغزالي بالبحث النظري، بل خاض تجربة صوفية عملية، حيث اعتزل التدريس والفتوى، وخرج في رحلة استمرت نحو عشر سنوات، زار فيها بلاد الشام والعراق ومكة. في هذه الفترة، أدرك أن التصوف ليس مجرد نظريات، بل هو ذوق وحال وتبدل في الصفات الداخلية. ففي "إحياء علوم الدين"، يوضح أن السالك لا يصل إلى المعرفة الحقيقية بالله إلا إذا عاش تجربة روحية صادقة، فيقول: "ليس التصوف كلامًا يقال، بل حال يُدرك، وذوق يُعاش، ومن لم يذق لم يعرف" (الغزالي، إحياء علوم الدين، ج3، ص38). وهكذا، أصبح الغزالي نموذجًا للصوفي الذي يجمع بين المعرفة النظرية والخبرة الروحية، مما جعله أحد أبرز رواد التصوف الإسلامي.
نقد الغزالي للصوفية المنحرفة
على الرغم من تأييده العميق للتصوف وإعلائه من شأنه كوسيلة لتزكية النفس والتقرب إلى الله، لم يكن الإمام الغزالي مؤيدًا لكل ما يُنسب إلى الصوفية، بل كان شديد النقد لبعض الممارسات التي رآها خروجًا عن المنهج القويم. كان يرى أن التصوف الصحيح يجب أن يكون منضبطًا بأحكام الشريعة، وأي انفصال بين الظاهر (الشريعة) والباطن (الحقيقة) يؤدي إلى الانحراف. في كتابه "إلجام العوام عن علم الكلام"، يوضح أن بعض الصوفية تجاوزوا الحد، سواء بتركهم الفرائض ظنًا منهم أنهم وصلوا إلى مقام الاكتفاء القلبي، أو بادعائهم الوصول إلى حقائق لا تحتاج إلى التزام بالأحكام الشرعية (الغزالي، إلجام العوام، ص42-44).
أحد أخطر الانحرافات التي انتقدها الغزالي هو ادعاء بعض الصوفية أنهم بلغوا مقامًا يسمح لهم بإسقاط التكاليف الشرعية عن أنفسهم، حيث اعتبر هذا النوع من التصوف مخالفًا لحقيقة الدين. يحذر الغزالي من الغلو في فكرة "الكشف الباطني"، إذ يرى أن بعضهم وقعوا ضحية الوهم عندما زعموا أنهم وصلوا إلى معرفة خاصة بالله تتجاوز الكتاب والسنة. يقول: "قد استدرج الشيطان قومًا فزيّن لهم القول بوحدة الوجود المطلقة، فخرجوا عن حد الاعتدال، وظنوا أنهم قد أدركوا الحقائق الإلهية بمجرد الذوق والمكاشفة" (الغزالي، إلجام العوام، ص45). من هنا، كان الغزالي يرفض التصوف الذي ينحرف عن ضوابط الشريعة، ويؤكد أن أي تجربة روحية يجب أن تكون محكومة بالنصوص الدينية.
كما انتقد الغزالي بعض المظاهر السلبية التي انتشرت بين الصوفية في زمانه، مثل الاعتماد على الكرامات بدل الاجتهاد في العبادة، والمبالغة في التركيز على الرؤى والمنامات كوسيلة لاستنباط الأحكام. في كتابه "إحياء علوم الدين"، يفرق بين الصوفية الحقيقيين الذين يسلكون طريق التهذيب والمجاهدة، وبين المدعين الذين يبحثون عن الشهرة أو يدّعون امتلاك قدرات خارقة. يقول: "كثُر المتصوفة في زماننا، فمِنهم الصادق في سيره إلى الله، ومنهم مَن جعل التصوف وسيلة لكسب الدنيا والجاه، فالتصوف الحق هو تصفية القلب، لا مجرد لبس الصوف والرقص والوجد" (الغزالي، إحياء علوم الدين، ج3، ص62). ومن خلال نقده الحاد لهذه الممارسات، سعى الغزالي إلى إعادة التصوف إلى أصله النقي القائم على الزهد والإخلاص، بعيدًا عن الإفراط والتفريط.
أثر الغزالي في التصوف الإسلامي
كان للإمام الغزالي تأثير بالغ في مسار التصوف الإسلامي، إذ استطاع أن يقدم نموذجًا متوازنًا يوفق بين الشريعة والحقيقة، مما جعله جسرًا بين الفقهاء والصوفية. قبل الغزالي، كان هناك توتر بين الاتجاهات الفقهية والتصوفية، حيث كان بعض الفقهاء ينظرون إلى الصوفية بعين الريبة، معتبرين أنهم يبتعدون عن الالتزام الظاهري بالشريعة، بينما كان بعض الصوفية يرون أن الفقهاء يركزون على الأحكام الظاهرية دون النفاذ إلى جوهر الدين. من خلال كتابه "إحياء علوم الدين"، قدم الغزالي معالجة شاملة تجمع بين التزكية الروحية والالتزام بالأحكام الشرعية، مما ساهم في ترسيخ التصوف كجزء من الفكر الإسلامي السني (الغزالي، إحياء علوم الدين، ج1، ص3-5).
انعكس تأثير الغزالي بوضوح في الحركات الصوفية التي جاءت بعده، مثل الطريقة الشاذلية والنقشبندية، حيث استندت هذه الطرق إلى منهجه في الجمع بين العبادة الظاهرة والتزكية الباطنية. فقد تأثر أبو الحسن الشاذلي (ت. 656هـ) بمفهوم الغزالي عن التصوف المتوازن، حيث أكد على أهمية الجمع بين الذكر والعمل وعدم الانعزال عن المجتمع، وهو ما يظهر في كتاباته حول التوكل والسير إلى الله. كما اعتمدت الطريقة النقشبندية، التي أسسها الشيخ بهاء الدين نقشبند (ت. 791هـ)، على منهج الغزالي في تربية المريدين وتوجيههم إلى تصفية القلب دون إهمال الشريعة. ويؤكد الباحث أبو العلا عفيفي أن الغزالي "وضع الأسس الفكرية التي مهدت لظهور التصوف الطرقي الذي أصبح أكثر تنظيمًا في القرون التالية" (عفيفي، التصوف: الثورة الروحية في الإسلام، ص132).
يُعد كتاب "إحياء علوم الدين" من أكثر الكتب تأثيرًا في الفكر الصوفي حتى يومنا هذا، إذ جمع بين الأحكام الفقهية والأخلاق الصوفية، مما جعله مرجعًا للمريدين والعلماء على حد سواء. فقد قسّمه الغزالي إلى أربعة أجزاء تتناول العبادات والمعاملات والمهلكات والمنجيات، حيث ركّز على الجانب الروحي للإسلام وأهمية إصلاح القلب قبل إصلاح العمل (الغزالي، إحياء علوم الدين، ج1، ص6-10). ويرى المستشرق لويس ماسينيون أن الغزالي "نجح في إعادة الاعتبار للتصوف داخل التيار السني، بعد أن كان يُنظر إليه بتوجس من قبل الفقهاء التقليديين" (ماسينيون، التصوف والفكر الإسلامي، ص211). ومن هنا، فإن تأثير الغزالي لم يكن محصورًا في عصره، بل امتد ليشكل مرجعية أساسية للتصوف السني حتى اليوم.
الغزالي والتكفير:
من المفارقات التي قد تبدو غريبة للقارئ أن الإمام أبا حامد الغزالي كان من أشد المنتقدين لمنهج التكفير المطلق، رغم أنه نفسه اشتهر بتكفير بعض الفلاسفة في كتابه "تهافت الفلاسفة". فقد رأى الغزالي أن بعض الفلاسفة خرجوا عن أصول العقيدة الإسلامية في قضايا محددة مثل قدم العالم، وإنكار البعث الجسدي، وإنكار علم الله بالجزئيات، معتبراً أن هذه المسائل الثلاث تمثل كفراً صريحاً، بينما اعتبر غيرها من المسائل مجرد بدع أو أخطاء فكرية (الغزالي، تهافت الفلاسفة، ص12-15). ومع ذلك، لم يكن الغزالي يدعو إلى تكفير كل الفلاسفة دون تمييز، بل ميز بين من تبنّى هذه الآراء جهلاً وبين من أصرّ عليها عناداً.
وكما سبق الاشارة كان الغزالي في بداياته متأثراً بالمنهج الكلامي الأشعري، ثم انفتح على الفلسفة ودرسها بعمق، حتى قيل عنه إنه "بلع الفلاسفة وأراد أن يتقيأهم فما استطاع" (الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج19، ص323). في كتابه "مقاصد الفلاسفة"، عرض أفكار الفلاسفة بشكل دقيق دون نقد، مما دفع البعض للظن أنه يدافع عنهم، لكنه في "تهافت الفلاسفة" وجّه إليهم نقداً لاذعاً، معتبراً أن بعض آرائهم تؤدي إلى الإلحاد والانحراف عن العقيدة الصحيحة (الغزالي، مقاصد الفلاسفة، ص5). إلا أن الغزالي في كتابه "المنقذ من الضلال" عاد ليؤكد أن التكفير ليس بالأمر الهيّن، وأنه ينبغي التريث والتفريق بين الخطأ العقدي الصريح وبين الاجتهاد الذي قد يكون خاطئاً ولكنه لا يخرج عن الملة (الغزالي، المنقذ من الضلال، ص146).
ورغم مكانته العلمية الكبيرة، تعرض الغزالي لانتقادات حادة، خاصة من بعض الفقهاء الذين رأوا أن آراءه الصوفية والفلسفية تميل إلى الغموض والتأويل البعيد. وقد اتُهم في بعض الأوساط بأنه تأثر بالفلسفة إلى حدّ أنه استخدم بعض مصطلحاتها في كتبه، خاصة في حديثه عن الفناء والتجربة العرفانية، مما دفع البعض إلى التشكيك في آرائه حول المعرفة الدينية (ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ج4، ص66). كما أن بعض الفقهاء الحنابلة والمحدثين رأوا أن بعض تأويلاته في "إحياء علوم الدين" قد تقود إلى الانحراف عن ظاهر النصوص، إلا أن هذه الانتقادات لم تصل إلى حد إجماع العلماء على تكفيره، بل ظلت في إطار الجدل الفكري الذي كان سائداً في عصره. وهكذا، فإن الغزالي، رغم موقفه الحاد من الفلاسفة، ظل واعياً بخطورة التكفير، وكان يدعو إلى الاعتدال في الحكم على المخالفين، وهو ما يظهر بوضوح في كتاباته المتأخرة.
الصراع بين الفقهاء والسلطة
لم تكن كتابات الإمام أبي حامد الغزالي (ت. 505هـ) محل قبول مطلق في جميع أقطار العالم الإسلامي، بل واجهت معارضة شديدة في بعض المناطق، خصوصًا في بلاد المغرب والأندلس. كانت الدولة المرابطية، بقيادة السلطان علي بن يوسف (ت. 537هـ)، تتبنى المذهب المالكي بشكل صارم، وكان علماؤها يعتبرون بعض آراء الغزالي، خاصة في "إحياء علوم الدين"، خروجًا عن النهج الفقهي التقليدي بسبب اعتماده على التصوف وتأويلاته الفلسفية. وبتأثير بعض الفقهاء، أصدر السلطان أوامر بمنع تداول كتبه، حيث رأى بعض فقهاء المالكية أن كتاباته قد تفتح الباب أمام ممارسات صوفية غير منضبطة أو أفكار تأويلية بعيدة عن النصوص الشرعية (ابن الأبار، الحلة السيراء، ج2، ص311).
لم تتوقف الحملة على كتب الغزالي بوفاة السلطان علي بن يوسف، بل استمرت في عهد ابنه تاشفين بن علي، الذي كان أكثر تشددًا في محاربة "البدع" كما كان يسميها فقهاء المرابطين. في إحدى رسائله الموجهة إلى القضاة والولاة، شدد على ضرورة ملاحقة كتب الغزالي وإحراقها، قائلاً: "فمتى عثرتم على كتاب بدعة أو صاحب بدعة فإيّاكم وإيّاه، وخاصة وفّقكم الله كتب الغزالي. فليتتبع أثرها وليقطع بالحرق المتتابع ضرها" (ابن الأبار، الحلة السيراء، ج2، ص312). يعكس هذا الموقف حدة الخلاف بين الاتجاه الفقهي الصارم في المغرب وبين الفكر الذي كان يمثله الغزالي، والذي جمع بين الفقه والتصوف والفلسفة.
أسباب معارضة المرابطين للغزالي
كان موقف المرابطين من الغزالي نابعًا من عدة عوامل، أبرزها:
انتقاد الغزالي للمذهب المالكي: في بعض مؤلفاته، لم يخفِ الغزالي انتقاده لبعض الآراء الفقهية السائدة في الغرب الإسلامي، مما أثار حساسية فقهاء المالكية ضده (الغزالي، المستصفى، ج1، ص10).
العداء للتصوف العرفاني: كانت الدولة المرابطية تفضل التصوف السني المعتدل، بينما رأى بعض علمائها أن الغزالي متأثر بالتصوف الفلسفي الذي قد يؤدي إلى الابتعاد عن ظاهر الشريعة (ابن خلدون، المقدمة، ص418).
الخشية من التأثير الفكري: انتشرت كتب الغزالي بسرعة بين طلاب العلم والمثقفين، مما أثار مخاوف فقهاء المرابطين من أن تؤدي أفكاره إلى زعزعة نفوذ المدرسة المالكية التقليدية في المغرب.
ورغم هذه الحملة، فإن فكر الغزالي لم يُطمس، بل استمر تأثيره عبر الأجيال، خاصة بعد سقوط دولة المرابطين وصعود الموحدين، الذين كانوا أكثر انفتاحًا على أفكاره.
خاتمة
الإمام الغزالي لم يكن مجرد فقيه أو متكلم، بل كان باحثًا عن الحقيقة، ورأى في التصوف وسيلة لإصلاح القلب وتقريب الإنسان من الله. ورغم أنه مدح الصوفية، إلا أنه كان حريصًا على التمييز بين التصوف الصحيح والتصوف المنحرف. لذا، فإن مقولته عن "فرضية الدخول مع الصوفية" تعني ضرورة تهذيب النفس وليس بالضرورة الانضمام إلى الطرق الصوفية بمعناها الطرقي المتأخر.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


موقع كتابات
منذ 13 ساعات
- موقع كتابات
الاستعداد العقلي والنفسي في الانسان
بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى : {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا } صدق الله العلي العظيم (20الاسراء) تراودنا افكار احيانا في موضوعات شتى. منها لماذا لا يرزقنا الله ما نطلب منه.؟ ولماذا نرى فلان الغير مؤمن في بحبوحة من العيش , وفلان المؤمن يعيش في ظنك وفقر وعوز. وبلدان كافرة لا تعرف قيمة لدين الله , نجدهم اقوياء يسيطرون ويظلمون المؤمنين . كيف يقبل الله بذلك .؟وهناك اسئلة اخرى. فلان كان يدعوا الله ليل نهار ان ينصره على عدوه . وفلان يطلب الرزق بالمال. ولما بدل الله حاله من حال الظليمة الى استلام السلطة نسى الله وصار يحكم كالطغاة , ويسرق مال الله والعباد . هل في القران هل في القران .. هذا التصرف الالهي في الكون من قبل الله { انما يتصرف حسب القابلية عند الانسان واستعداده} لانلو اعطى الله الانسان كل ما يطلب دون وجود قابلية واستعداد .. ففث الانسان يوجد من كل صنفين متقابلين . فهو فيه علم يقابله الجهل. وعنده مستوى من الكفر يقابله اليقين . وعنده كرم مقابل البخل. وشجاعة مقابل الجبن .. وهكذا .!! لذلك تجد المجتمع قديما كانوا مع رسول الله{ص} صلوا معه وسمعوا حديثه وعرفوا منه الحق والباطل. ولكنهم ليس عندهم كلهم قابلية واستعداد لتطبيق ما قرئوه في القران , وليس عندهم استعداد لتطبيق ما يريده النبي{ص} لذلك تركوا وصايا النبي في اهل بيته{ع} فهم يعرفونهم انهم سادة الخلق منصبين من الله , ولكن استعدادهم الفكري والنفسي لا يرتقي الى مساوى ابي ذر الغفاري وسلمان وعمار والمقداد. حتى الذين حاربوا الحسين{ع} في كربلاء قتلوا اهله واصحابه وسبوا عياله. لم يقل احد منهم انهم كفار او خارجين عن الدين . بل لان المال اغراهم الى حد ان ينكر ما جاء عنهم في القران وما بلغ عنه الرسول{ص} فيهم . يقابل هؤلاء اصحاب الحسين{ع} والمتمسكين ينهج الحسين عندهم الاستعداد والامكانية ان يعطي ماله وحياته مقابل احياء ذكر الحسين{ع} بينما راينا شيعة في زمن الطاغية اسم امه فاطمة وابوه عبد علي او عبد الصاحب ولكنه كان ينتقم من انصار الحسين{ع} ويكتب التقارير ضدهم وهو يعلم انهم سينعدمون, فما هو المانع الذي حجب عنهم رؤية الحق في الصراع قديما وحديثا..؟ ربما البعض يقول عدم رؤية الحق بوضوح وانه انخدع بالشعارات وتحت عناوين براقة كاذبة كحب الوطن او ظاهرة المدنية والتقدم . لا يعتقد احد ان الله لم يزوده بعوامل المعرفة. يقول تعالى :{ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا}.. يعد الحق في منظور أمير المؤمنين(ع) عبارة عن الفكر الذاتي هوالعامل المحرك للفرد والمجتمع في بناء الذات والمجتمع، لما عرض على عمر بن سعد قتال الحسين{ع}طلب مهلة ليس للتفكرومعرفة جهة الحق , بل لمعرفة الفائدة من قتل الحسين {ع} لذلك اشتهر عنه انه قال: فواللّه ما أدري وإنــــــــي لـحائرٌ// أفكّرُ في أمــــري على خطرينِ//أأتركُ ملكَ الرّيِّ والرّيُّ مـــنيتي//أم أرجعُ مأثــــــوماً بقتلِ حسينِ ــ اذن هو متاكد ان طريق الحسين هو الحق/ ثم برر فعله بقوله : وإنَّ إلهَ العرشِ يغفرُ زلّتي// ولو كنتُ فيها أظلمَ الثقلينِ. ولا يظن احد انه يترك بدون اعانة من الله في الصبر والثبات على الحق .يقول تعالى :[والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين) العنكبوت – 69. ]. والله الغني هو المتصرف بعباده لا يتصرف بمقتضى ذاته { لانه لا يظلم احدا} ولكن يتصرف بمقتضى المقابل وامكانيته ..كان بامكان يوسف {ع} ان ينال ما تريد زليخه. ولكن معرفته بالحكم ابعدته . وسجنه الحق الذي كان في قلبه . فكم شخص في السجن وهو ملتزم بالحق واخر طليق وهو مجرم.{ كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} صدق الله العلي العظيم .


موقع كتابات
منذ 13 ساعات
- موقع كتابات
من أمام الكعبة المشرفة…
اللهم يا أرحم الراحمين، ومن هذا المكان المبارك الطاهر، ومن أمام كعبة المسلمين، الكعبة المشرفة التي خصها الله بالتكريم والتشريف والتعظيم، ادعوك يا واسع العطاء ويا مجيب الدعاء، أسألك وأنا أقف أمام بيتك الحرام وفي مقامك العظيم أن تتقبل حجي ودعائي وتغفر لي ذنبي وتعتق رقبتي من النار وترزقني القبول والرضا، وأن تعود بي إلى أهلي سالمًا غانمًا مغفورًا يا رب العالمين، وقد محيت كل ذنوبي وبدلت سيئاتي بالحسنات. اللهم اجعل لأهلي من كل هم فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا، وارزقهم من حيث لا يحتسبون، وبارك لهم في أعمارهم وأرزاقهم، وألبسهم ثوب العافية والرضا، وأنت القادر والمقتدر. اللهم احفظ أصدقائي وبارك لي في صحبتهم، واغفر لهم ذنوبهم، وحقق لهم أمانيهم، وارزقهم السعادة التي لا تزول، والهداية التي لا تنقطع، وقربًا منك فلا ينتهي يا رب العالمين. أدعوك ومنك الاستجابة، اللهم وأنا قريب أمام الكعبة، اجعلنا جميعًا من المقبولين عندك ومن المرحومين، ومن الذين يسيرون على صراطك المستقيم حتى نلقاك وأنت راضٍ عنا يا أكرم الأكرمين، يا الله…….. يا الله……. يا الله. اللهم إنا ندعوك فاستجب، وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


موقع كتابات
منذ 4 أيام
- موقع كتابات
الدين نظام اجتماعي أخلاقي وشعائر تعبدية
أن الدين موضوع مهم جدا في حياة الإنسان فقد أخذ حيزا واسعا من الدلالات للوصول إلى مفهوم الدين واشتقاقاته ومنها التدين وعندما نقرأ في القرآن الكريم ( أن الدين عند الله الإسلام ) ونحن نعرف أن كلمة الإسلام هي مفهوم شامل لكل فرد في هذا العالم حيث أن كل الرسل والنبيين يؤكدون على الإسلام أي الخضوع والتوجه والعبادة للإله الواحد هو الله تعالى لا شريك له وليس له كفوا أحد وأن الله قد أختار من بين خلقه في هذا الكون الواسع المعروف والغير معروف ( الإنسان ) ليكون خليفة في الأرض وجعل من ذريته خلفا بعد خلف حتى قيام الساعة ولم يتركهم هملا بدون رعاية أو توجيه في هذه الحياة الدنيا وهي الاختبار الحقيقي والفتنة الكبرى لغرض أعداده إلى الحياة الأبدية فقد بعث فيهم الأنبياء والرسل بتعاليم وشرائع ومنهاج وأسس وثوابت لغرض العيش وتنظيم حياتهم وسلوكيات وممارسات متعددة للوصول إلى مراد الله تعالى لهذا الإنسان المختار بدقة وعناية ألاهية لمنحه حياة حرة كريمة منظمة ومن هذه المقدمة البسيطة نستطيع منها الانطلاق إلى محاولة معرفة معنى (الدين )وبما أننا مسلمون من أتباع النبي الخاتم محمد صلوات الله عليه علينا أن نأخذ مفهوم ديننا من الكتاب المرسل إلينا من الله تعالى القرآن الكريم لهذا نستعرض من خلاله معنى كلمة الدين وكيف استعملها وطرحها بدقة حسب ما وردت فيه فأن كلمة الدين تعتبر كلمة واسعة المعنى ومفهوم مطاط بمعانيها الكثيرة في حياتنا اليومية منها . 1- الاعتقاد والسلوك والالتزام بمبادئ وأفكار معينة بعينها كمنهج اعتقادي طوعي وفكري حر كما قال الله تعالى (أن الدين عند الله الإسلام ) عمران 19 و(لكم دينكم ولي دين )الكافرون 6 . 2- الخضوع والطاعة كما قال تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك الدين القيم )البينة 5 , 3- وقد جاءت كلمة الدين بمفهوم السلطة والمُلك والسلطان كما ذُكرت (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك )يوسف 76 , 4- وقد جاءت بمعنى القانون والشريعة والسنن التي تنظم الحياة الأسرية والمجتمع والفرد على مختلف أنواعه وجنسه كسلوك يومي من قبل المشرع الأول الخالق لهذه البشرية في كل زمان ومكان (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك) الشورى 13 . 5- وكذلك الجزاء والعقاب المطلق لله تعالى خالق الخلق المتفرد بالوحدانية بهذه العقوبات في الآخرة حصرا من دون غيره من العباد على أفعاله ومعتقداته . 6- ومنها الطاعة والإدارة والهيمنة والقدرة المطلقة على الخلائق والسموات والأرض والكون جميعا كما قال تعالى (وله ما في السموات والأرض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون ) النحل 52 . أذن أن الدين بمفهوم القرآن يعني ( الملك-السلطان-الجزاء-السلوك والمبادئ-الحُكم-القانون-الخضوع-الطاعة –العمل الصالح –الإيمان بالله وحده)أن هذه المفاهيم تعبر عن التعاليم المقدسة الصادرة من مصدر واحد هو الله تعالى للعمل بها من قبل الإنسان وهي مفاهيم وقيم اجتماعية تصب في بودقة واحدة تسمى (الدين) وهي ممارسات فردية وجماعية في حياته اليومية للوصول إلى درجة الكمال الأخلاقي المراد له أن هذه السلوكيات الفكرية والعملية للفرد هي السبيل الوحيد للوصول إلى عبادة الله تعالى بالإضافة إلى الشعائر التعبدية الأخرى بعيدا عن الرهبانية والتعصب والاعتكاف عن البشر والمجتمع والابتعاد عن خدمة المجتمع وإصلاحه وتحضره وهي (الصلاة – الصوم – الزكاة – الحج )كلها تؤدي إلى العدالة والمساواة وحفظ الإنسان من إتباع الشهوات والزلات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال تعالى (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعلون )النحل 97 وكذلك (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا) النساء 124 فأن العمل الصالح والإيمان بالله والعلاقات المثمرة بالقيم والأخلاق والمبادئ التي تبني المجتمع عبر عأن الذين أمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئة من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )البقرة 62