logo
الهجرة دواء أطباء مصر لعلاج أوجاع المهنة

الهجرة دواء أطباء مصر لعلاج أوجاع المهنة

Independent عربية١٢-٠٥-٢٠٢٥

"أن يكون معطفك الأبيض منتهكاً شعور صعب على أي طبيب"، بهذه الكلمات يلخص حسين محمد (33 سنة)، طبيب باطنة وأمراض كلى مصري الأسباب التي جعلته مهتماً بالسعي وراء حلم الهجرة، مستعيداً أحد مشاهد الاعتداءات المتكررة التي لا يزال عاجزاً عن تجاوزها، بعدما احتجز في غرفة مخصصة للأطباء قرابة ثلاث ساعات بعد اعتداء ذوي مريض عليه، عقب خلاف نشب أثناء تقديم الرعاية الطبية بإحدى نوباته الليلية بأحد المستشفيات الحكومية.
وفقاً لما سرده حسين فإن بحثه عن فرصة عمل بالخارج ليس قراراً مدفوعاً بهذه الحادثة فحسب، بل يشمل أيضاً الضغوط المهنية الأخرى "أعمل في ثلاثة أماكن لتغطية الحد الأدنى من حاجاتي، وأتنقل بين مستشفى حكومي وعيادة خاصة ووحدة صحية. وراتبي الحكومي لا يتجاوز 6700 جنيه (132 دولاراً أميركياً) شهرياً ولا يغطي التزاماتي، ويدفعني إلى تأجيل خطوة الزواج بسبب أعبائها المالية. ومع ذلك، حرصت على دراسة الماجستير استعداداً للعمل في إحدى دول الخليج".
وخلال وقت يسعى فيه حسين وآلاف من العاملين ضمن القطاع الصحي داخل مصر إلى البحث عن فرص عمل في الخارج، تشير التقديرات الرسمية إلى مغادرة أكثر من 7 آلاف طبيب مصري في غضون عام واحد. ومن أجل رسم صورة متكاملة للواقع الذي يعيشه العاملون داخل القطاع الطبي، وثقت "اندبندنت عربية" شهادات متعددة لأطباء مصريين سلكوا مسار الهجرة، وآخرين لا يزالون يسعون إلى مغادرة البلاد تحت دوافع متعددة، أبرزها تدني الأجور وتكرار الاعتداءات وضعف منظومة التدريب والتأهيل المهني.
بيئة العمل... "ليست آمنة"
تشير دراسة أعدها قسم الطب الشرعي في كلية طب الإسكندرية، ونشرت ضمن مجلة "نيتشر" منتصف مايو (أيار) 2024، إلى تزايد حالات العنف ضد الأطباء في مصر، إضافة إلى ضعف الاستجابة القانونية لتلك الوقائع. وأظهرت الدراسة، التي استندت إلى عينة من 250 طبيباً من 13 محافظة، أن 88 في المئة منهم تعرضوا للعنف اللفظي و44 في المئة للعنف الجسدي، بينما أفادت 13 في المئة من الطبيبات بتعرضهن للتحرش الجنسي.
وخلصت النتائج إلى أن مستشفيات وزارة الصحة سجلت النسبة الأعلى من حوادث العنف الجسدي (60 في المئة)، تلتها المستشفيات الجامعية، مع ملاحظة تكرار الاعتداءات خلال المناوبات الليلية. وبحسب الدراسة، فإن غالبية المعتدين كانوا من أقارب المرضى وأصدقائهم، وعزت أبرز العوامل المؤدية إلى تكرار تلك الحوادث إلى غياب حماية قانونية كافية (72.8 في المئة)، وضعف الإجراءات الأمنية داخل المرافق الصحية (71.7 في المئة)، وتراجع جودة الرعاية الصحية (63 في المئة).
ومن واقع تجربته، يعزو الطبيب المصري حسين محمد أسباب تفاقم ظاهرة الهجرة وتناميها إلى أسباب متعددة، يقول "أعتقد أننا كأطباء ننتظر الفرصة المناسبة للسفر. وبحكم عملي، ألحظ توجهاً عاماً خصوصاً بين حديثي التخرج نحو الهجرة ولو موقتاً، لضمان مستوى معيشي أفضل وبيئة عمل آمنة".
وعلى رغم استعداده الجاد لاتخاذ خيار الهجرة، يضيف "إذا توافرت أمامي بيئة عمل مناسبة ودخل مقبول داخل مصر لن أكون مضطراً لهذا القرار"، لافتاً إلى أنه "منذ عامين، بدأت دراسة الماجستير ثم خططت لاجتياز الزمالة المصرية، وهي شهادة من وزارة الصحة تفتح أبواباً أوسع للعمل، لا سيما في الدول العربية".
ويواصل الطبيب المصري سرد تفاصيل دفعته لدراسة قرار السفر للعمل بالخارج، "أعمل ثلاثة أيام أسبوعياً داخل مستشفى حكومي، ضمن ثلاث نوبات عمل مدة كل منها 12 ساعة، إضافة إلى نوبة واحدة لمدة 24 ساعة في مستشفى خاص، كما أعمل مرتين أسبوعياً في عيادة خيرية. ومع ذلك، لا يكفي دخلي لتلبية حاجاتي الأساس. ونوبة العمل في مستشفيات التأمين الصحي لا أتقاضى عنها سوى 300 جنيه".
وبسؤاله عن تطلعاته المستقبلية، أجاب "أسعى للحصول على دخل يتناسب مع الجهد الذي أبذله، بدلاً من العمل ساعات طويلة في مستشفى حكومي دون مقابل مجزٍ. وأرى خريجي مهن أخرى قادرين على تأمين رعاية صحية جيدة لأسرهم، بينما لا أحظى بأية امتيازات على رغم عملي طبيباً. حتى بدل العدوى ليس مجدياً. وأصبت بفيروس كورونا مرتين بسبب مهنتي، ولم أحصل على أي تعويض مادي أو دعم معنوي".
ويختلف حسين في الرأي مع تصريحات سابقة أدلاها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، قللت من تأثير هجرة الأطباء، مستنداً إلى الزيادة المتوقعة في أعداد الخريجين، ويقول "الزيادة في عدد الخريجين لا تعني بالضرورة تحسن الوضع، وليس منطقياً الاعتماد على ما ينتجه التوسع في إنشاء الجامعات الخاصة، حتى إن خريجي هذه الجامعات يمتلكون الإمكانات المادية لمعادلة شهاداتهم، والسفر للخارج".
يقول طبيب مصري: أنتظر الفرصة المناسبة للسفر وألحظ توجهاً عاماً خصوصاً بين حديثي التخرج نحو الهجرة ولو موقتاً لضمان مستوى معيشي أفضل وبيئة عمل آمنة
وفي منتصف أبريل (نيسان) الماضي قال مدبولي إن هجرة الأطباء المصريين للخارج تسهم في تطويرهم واكتسابهم مزيداً من الخبرات، مشجعاً على اتخاذ هذا القرار لما يوفره من مصدر للعملة الصعبة. معتبراً أن هجرة الأطباء بهذه الأعداد ليست معضلة، في ظل وجود توجه بالتوسع في إنشاء كليات الطب، مستنداً إلى وصول عدد الخريجين إلى 15 ألف طبيب، ومتوقعاً أن يكون 21 ألفاً خلال ثلاثة أعوام، وصولاً إلى 29 ألف طبيب خلال ستة أعوام.
بينما يدق وكيل نقابة الأطباء جمال أبو عميرة، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، ناقوس الخطر مستشهداً بواقعة استقالة 117 طبيباً من نواب كلية الطب بجامعة الإسكندرية دفعة واحدة، بنسبة تجاوزت 50 في المئة، بعدما كانت هذه المواقع يتصارع عليها الخريجون المتفوقون. موضحاً أن عدد الأطباء في مصر حالياً يقل عن طبيب لكل ألف مواطن، بينما الحد الأدنى وفق المعايير العالمية يتطلب ثلاثة أطباء لكل ألف، مشدداً على الحاجة إلى مضاعفة العدد ثلاث مرات في الأقل، لتغطية الحاجات. معتبراً أن أعداد الخريجين المتوقع ارتفاعها "لا تعكس واقع الأزمة لعدم حصول كثير منهم على تدريب عملي فعال، حتى مع زيادة عدد الأطباء، فإن الهجرة ستظل خياراً قائماً في ظل بيئة عمل صعبة واعتداءات متكررة".
وبحسب تقرير نشرته نقابة الأطباء مطلع عام 2023، كان عام 2022 هو الأكثر من حيث تقديم الأطباء المصريين استقالاتهم، إذ بلغ 4261 طبيباً وبمعدل 12 طبيباً يومياً. وأوضحت النقابة أن هذه الأرقام لا تعبر عن الواقع، وأن عدد الأطباء الذين هجروا العمل في القطاع الحكومي أكبر بكثير.
كفاءة الخريجين... الطريق ليس سهلاً
لم يحتمل الطبيب محمد منير (35 سنة) أكثر من عام في العمل داخل مصر قبل أن يقرر الهجرة إلى الولايات المتحدة، ويروي تفاصيل تجربته "بدأت في معادلة شهادتي من جامعة القاهرة عبر دراسة نحو 30 مقرراً دراسياً معتمداً من وزارتي التعليم العالي والخارجية. وكنت أرسل الشهادات الخاصة بكل مادة أنتهي منها سريعاً إلى نيويورك، لمقارنتها بالشهادة الأميركية".
ويضيف منير "استغرقت الإجراءات عامين من التحضير، حتى أجريت اختبار مزاولة المهنة في الولايات المتحدة وتمكنت من اجتيازه"، لافتاً إلى أن أعداداً كبيرة من المصريين "لم يتمكنوا من تجاوز الاختبار بعد محاولات متعددة، خصوصاً أن اجتياز هذه الاختبارات ليس سهلاً على من قضى حياته داخل منظومة تعليم تفتقر إلى الجودة" بحسب توصيفه، مؤكداً أن النظام التعليمي في واشنطن "يختلف تماماً عن مصر ويتطلب تغييراً في أسلوب التفكير".
ويتابع الطبيب المصري المتخصص في العلاج الطبيعي ويقيم في أميركا منذ 10 أعوام وحمل جنسيتها، "بعد اجتيازي اختبار مزاولة المهنة التحقت بالدكتوراه لدخول أميركا بصورة قانونية، وعام 2011 كنت أتقاضى 300 جنيه فحسب أثناء فترة عملي في مركز طبي داخل التجمع الثالث بالقاهرة الجديدة وهي منطقة لم تكن مأهولة، وكان عدد المرضى قليلاً ومع ذلك كنا 17 طبيباً نتناوب استخدام غرفة واحدة، وأتذكر أن بعضنا كان يضطر إلى الانتظار خارج المركز أو في مقهى مجاور. كانت بيئة العمل كانت غير جاذبة أو مريحة".
ويقول منير الذي يقيم الآن في بروكلين لـ"اندبندنت عربية"، "حين انتقلت للعمل في قرية مصرية نائية واجهت أحياناً إهانات من بعض المرضى، لغياب الوعي بحقوق الطبيب وعدم وجود برامج تدريب بصورة فعالة. داخل الولايات المتحدة التطوير المهني ركن أساس من المهنة ونظام التقييم مستمر، أما في مصر فبرامج التطوير غالباً لا تتجاوز كونها حبراً على ورق لا يطبق منها شيء".
ويختم منير حديثه "الطب في مصر بات مهنة محفوفة بالأخطار. بينما القوانين في الولايات المتحدة تحمي الأطباء كما تحمي المرضى، ولا يستطيع أحد الاعتداء على طبيب هنا. والأزمة المنتظرة هي أن عدد الجامعات التي تمنح شهادات طبية في مصر يزيد بصورة غير مسبوقة. حين كنت أدرس، لم يكن هناك سوى ثلاث جامعات تدرس الطب. والآن وصل العدد إلى نحو 46. والسؤال هل جميع الخريجين مؤهلون لاجتياز اختبارات مزاولة المهنة في أية دولة متقدمة؟ كثير من الأطباء المصريين في نيويورك لم يتمكنوا من اجتياز الاختبار على رغم مرور أعوام على هجرتهم".
يوضح وكيل نقابة الأطباء المصرية جمال أبو عميرة، أن عدد الأطباء في مصر يقدر بنحو 290 ألف طبيب، من بينهم نحو 120 ألفاً يعملون خارج البلاد. ويشير إلى أن ما يقارب 16 ألف طبيب غادروا مصر خلال الأعوام الثلاثة الماضية، معظمهم توجه إلى إنجلترا وألمانيا وفرنسا، وتمكنوا من الالتحاق فعلياً بسوق العمل هناك.
وتتقاطع هذه التصريحات مع دراسة سابقة أعدتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالتعاون مع وزارة الصحة والسكان، نشرت نتائجها خلال أبريل (نيسان) 2022، تشير إلى أن عدد الأطباء البشريين المرخص لهم بمزاولة المهنة حتى نهاية عام 2018، من دون احتساب الأطباء المحالين إلى التقاعد بلغ 212835 طبيباً.
يحكي طبيب مصري يعمل في أميركا: القوانين في الولايات المتحدة تحمي الأطباء كما تحمي المرضى ولا يستطيع أحد الاعتداء على طبيب هنا والتطوير المهني ركن أساس من المهنة
وتوضح الدراسة أن 82 ألفاً فقط من هؤلاء يعملون داخل القطاعين الحكومي والخاص، بما يمثل نحو 38 في المئة من إجمال الأطباء المرخص لهم، في حين أن 62 في المئة من الأطباء المسجلين خارج منظومة العمل الفعلي داخل مصر.
ويرى أبو عميرة أن تزايد هجرة الأطباء وخروجهم من المنظومة الصحية يعود إلى أسباب عدة، أبرزها "تدني الأجور وارتفاع كلف الدراسات العليا، إذ تبلغ كلفة الماجستير نحو 7 آلاف جنيه (138 دولاراً أميركياً) سنوياً، والدكتوراه أكثر من 10 آلاف جنيه (197 دولاراً أميركياً). وأشار إلى ضعف برامج التدريب والتعليم الطبي المستمر، وانتقد إنشاء جامعات خاصة لا ترتبط بمستشفيات جامعية، مما يؤثر في كفاءة الخريجين. ويقدر أن نحو 40 في المئة من خريجي الطب يسافرون كل عام، ويبدأ كثير منهم إعداد معادلات الشهادات الأجنبية خلال الدراسة لتسريع فرص الهجرة.
وأشار إلى الضغوط المهنية والنفسية الناتجة من تحميل الطبيب مسؤولية علاج الحالات المتأخرة، مما يزيد من احتمالات تعرضهم للاعتداء، إذ تسجل النقابة نحو 40 حالة كل عام، وغالباً ما يطلب من الضحايا التنازل عن حقوقهم. ودعا أبو عميرة إلى إصدار قرار جمهوري لضم الأطباء إلى كادر خاص أسوة بالقضاة والجيش والشرطة، مؤكداً ضرورة توفير حياة كريمة للطبيب تمكنه من أداء دوره المهني.
رحلة البحث عن عمل في أوروبا
شهادة أخرى يرويها أحمد نصر الدين، طبيب مصري غادر مصر يناير (كانون الثاني) 2021 بحثاً عن فرصة أفضل في بولندا. ويقول لـ"اندبندنت عربية"، "اضطررت إلى اتخاذ قرار الهجرة بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي كنت أعيشها، خلال وقت كانت بولندا تبحث عن أطباء من خارج الاتحاد الأوروبي، وحصلت على ترخيص موقت مدته خمسة أعوام، بشرط أن أنجز معادلة الشهادة المصرية خلال فترة التدريب".
وأوضح نصر الدين المقيم حالياً في وارسو أنه تقدم بأوراقه خلال فترة جائحة كورونا، إذ كانت الإجراءات ميسرة إلى حد كبير، ولم يشترط أية رسوم للتقديم، مضيفاً أن تعلم اللغة البولندية كان المعضلة الأساس للعمل و"استغرقت نحو ستة أشهر لتعلمها بعد وصولي إلى هناك، والمجلس الطبي لا يصدر ترخيصاً بمزاولة المهنة إلا بعد إثبات الكفاءة اللغوية".
"وصلت إلى بولندا مايو (أيار) 2021، بينما تسلمت العمل خلال نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه بعد إتمام كل المتطلبات"، يقولها نصر الدين قبل أن يلقي الضوء على الأسباب التي دفعته للهجرة، ومنها بيئة العمل غير الجاذبة "الأطباء حديثو التخرج غالباً ما يجبرون على العمل خلال الأعياد والعطلات الرسمية مقابل أجر زهيد، بأمر تكليف من يعترض عليه يعرض نفسه للمساءلة القانونية".
وأضاف أنه عمل خمسة أعوام داخل بنك الدم في محافظة مطروح، وكان راتبه مع البدلات لا يتجاوز 4 آلاف جنيه (79 دولاراً أميركياً)، "في عام الامتياز كنت أتقاضى 250 جنيهاً (5 دولارات أميركية) فحسب، ثم أصبح راتبي 2000 جنيه (40 دولاراً أميركياً) أثناء فترة التكليف، وبلغ 4000 جنيه عام 2016، وهي أشياء تدفع أي شخص للتفكير في البحث عن فرص أفضل". موضحاً أنه كان يعمل في ثلاثة مستشفيات داخل ثلاث محافظات مختلفة، في محاولة لتحسين دخله.
وحول المضايقات التي واجهته خلال عمله داخل المنظومة الطبية في مصر، يقول "كنت غير قادر على قضاء الوقت مع أسرتي. حياتي كانت مليئة بالضغوط اليومية، ولم يكن لدي وقت أو طاقة للتفكير في تطوير نفسي أو حضور أية فعاليات علمية. بينما الوضع في بولندا مختلف، حيث تحدد نوبات العمل مسبقاً وتوزع المهام بصورة عادلة بين جميع الأطباء، وتكون الحقوق والواجبات واضحة داخل بيئة العمل لا فرق بين طبيب كبير أو صغير. أما في مصر الأطباء، خصوصاً الجدد، يتلقون تكليفات إلزامية، ويحالون للتحقيق في حال الغياب. بيئة العمل في وارسو أكثر تنظيماً، حيث يُمنح الأطباء فرصة لتحديد إجازاتهم مسبقاً قبلها بشهرين، ويعامل الطبيب باحترام ومكانة اجتماعية".
"قبل السفر كنت مضطراً للعمل المتواصل سواء داخل المستشفيات الحكومية أو الخاصة لتحسين دخلي، لكنني الآن أحصل على راتب جيد وأستمتع بوقت الراحة وأخصص وقتاً للسفر مع أسرتي. وعلى رغم ارتفاع كلف المعيشة والضرائب التي قد تصل إلى 40 في المئة، تظل جودة الحياة أفضل بكثير".
ويشدد نصر الدين على أن العمل في أوروبا "ليس سهلاً"، إذ يحتاج إلى استعداد جيد وإتقان اللغة، واجتياز اختبارات معادلة الشهادات، رافضاً اعتبار هجرة الأطباء وسيلة لدعم الاقتصاد من خلال تحويلات العملة، ومؤكداً أن هذه الهجرة "لم تكن جزءاً من خطة الحكومة، بل جاءت عشوائية كرد فعل فردي على الواقع الصعب الذي يواجه الأطباء في الداخل".
يقول طبيب مصري يعمل في بولندا: حياتي كانت مليئة بالضغوط اليومية في مصر بينما الوضع في بولندا مختلف حيث تحدد نوبات العمل مسبقاً وتوزع المهام بصورة عادلة بين جميع الأطباء وتكون الحقوق والواجبات واضحة
وبينما يشير رئيس الوزراء المصري إلى أن هجرة الأطباء إلى الخارج تمثل رداً على من يشكك في مستوى التعليم المصري، يقول الطبيب أحمد مصطفى الذي يعمل حالياً في مقاطعة شروبشاير بمنطقة ميدلاند الغربية في إنجلترا إن طريقه إلى العمل في الخارج "لم يكن سهلاً، إذ اضطر إلى إعادة اختبار اللغة الإنجليزية أربع مرات بسبب صعوبة مهارات الكتابة الأكاديمية". موضحاً "تخرجت عام 2014 لكنني لم أسافر إلا بعد خمسة أعوام، حين قررت عام 2019 أن الفرص في الداخل لا تلبي حاجاتي المادية. كنت أعمل في طابا مقابل 4 آلاف جنيه شهرياً، وألجأ إلى القطاع الخاص حتى أستطيع تغطية مصاريفي".
ويتابع مصطفى "في بريطانيا، حصلت على الإقامة الدائمة. وعلى رغم أن راتبي بعد الضرائب لا يتجاوز ثلاثة آلاف جنيه استرليني، فإنه يكفي لتأمين حاجاتي، ويمكن شراء سيارة براتب شهر واحد، واستطعت شراء منزل بدعم حكومي. وفي المقابل، لم يكن ممكناً في مصر أن أدخر شيئاً من راتبي، لأن العملة المحلية لا تصمد أمام التضخم".
وبحسب تقرير صادر عن القوى العاملة في بريطانيا أكتوبر 2022، فقد هاجر 435 طبيباً مصرياً إلى بريطانيا عام 2017، بينما ارتفع العدد إلى 1312 طبيباً عام 2021.
يتحدث مصطفى عن بيئة العمل قبل السفر قائلاً "عملت في عدد من وحدات الطوارئ، منها مبنى الإذاعة والتلفزيون ومستشفى البنك الأهلي، وواجهت مواقف صعبة خاصة أثناء عملي في المقطم حيث تعرضت لإهانات متكررة. الضغوط كانت يومية، ولا توجد حماية حقيقية. وفي إنجلترا الوضع مختلف، لا يسمح القانون بالعمل لأكثر من 12 ساعة متواصلة، وهناك وقت مخصص أسبوعياً لتدريبنا على التعامل مع الزملاء والمرضى، وتطوير مهاراتنا الطبية".

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
امتيازات للأطباء
ويشير الطبيب المصري إلى أن العاملين في الطوارئ هناك يحصلون على ما يسمى "الكارت الأزرق"، وهو بطاقة توفر لهم امتيازات وخصومات على حاجاتهم الأساس، لافتاً إلى أن هذا الدعم تضاعف أثناء جائحة كورونا، "هنا، النظام يمنع أي شخص من التجاوز مع طبيب. وفي مصر كنا نعمل 24 ساعة دون توقف، ونكون في مواجهة مباشرة مع أسر المرضى".
وعن موقفه من السياسات الرسمية تجاه الأطباء في مصر، يقول "الدولة تتعامل مع الأطباء كمصدر للعملة الصعبة، لكنها في الوقت نفسه ترفض منحنا إجازات للسفر أو فرص تدريب حقيقية. بدأت هنا زميلاً طبياً واكتسبت خبرة في الطوارئ، ضمن منظومة تقيِّمك باستمرار وتدعمك بالتدريب".
ويضيف "أي تجاوز في بريطانيا يجري التعامل معه بصرامة، فلا مجال للاعتداء على طبيب لأن غالبية العاملين أجانب، وهناك قوانين واضحة تمنع العنصرية وسوء المعاملة. وفي مصر لو كانت البيئة آمنة والراتب مجزياً والتدريب محترماً لما كنت غادرت".
ويختم مصطفى حديثه باقتراح تشريعي "لا أريد راتباً يجعلني أشتري سيارة في شهر، أريد فقط احتراماً لما أقدمه. قارن بين طبيب في الصحة وآخر في الشرطة أو الجيش، لن يجرؤ أحد على الاعتداء على الثاني، لذا يجب اعتبار الاعتداء داخل المستشفى عملاً إجرامياً، ويصنف مرتكبه إرهابياً".
بينما يروي محمد خطاب، طبيب مصري يعمل في العناية المركزة والحالات الحرجة، غادر إلى الكويت عام 2019 بعد أعوام من العمل المتواصل داخل مصر، شهادته "كنت أواصل العمل خمسة أيام أسبوعياً بنظام نوبات 24 ساعة، دون أن أتمكن من توفير دخل كاف لتأمين حاجات أولادي أو إلحاقهم بمدارس جيدة".
ويتابع "تخصصي في العناية المركزة إذ تكون نسبة الوفيات مرتفعة، ومن ثم كنا نتعرض للإهانات من بعض أسر المرضى، الذين يفترضون أن مجرد دخول المريض إلى المستشفى يعني حتمية تعافيه. وفي بعض الحالات كنا نضطر للاختباء داخل الغرف لتجنب المواجهات". ويشير إلى اختلاف بيئة العمل والتدريب في الخارج، قائلاً "أحصل الآن على تعليم جيد ونشارك في دورات تدريبية داخلية وخارجية، وهناك اهتمام دقيق بكل التفاصيل".
ويختم حديثه بالقول "الطب في مصر أصبح يورث. من يملك عيادة خاصة أو دعماً عائلياً يمكنه الاستمرار، أما من لا يستطيع تحمل الكلف المرتفعة فلا مستقبل له. والبقاء في المهنة أصبح حكراً على القادرين مادياً".
وبينما تمكن خطاب من اقتناص فرصة عمل في الكويت، لا يزال الطبيب حسين محمد يواصل دراسته بحثاً عن أية فرصة في الخليج. وفي حين استقر منير داخل الولايات المتحدة وحصل على الجنسية الأميركية، يبقى آخرون غير قادرين على اجتياز اختبارات مزاولة المهنة بسبب عدم الاعتراف بشهاداتهم المحلية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

التورين في مشروبات الطاقة قد يعزز خطر الإصابة بسرطان الدم
التورين في مشروبات الطاقة قد يعزز خطر الإصابة بسرطان الدم

رواتب السعودية

timeمنذ 13 ساعات

  • رواتب السعودية

التورين في مشروبات الطاقة قد يعزز خطر الإصابة بسرطان الدم

نشر في: 20 مايو، 2025 - بواسطة: خالد العلي كشفت دراسة حديثة عن مخاطر صحية محتملة مرتبطة بمادة »التورين« المستخدمة بشكل شائع في مشروبات الطاقة. وأشارت النتائج إلى أن هذا الحمض قد يساهم في تحفيز نمو الخلايا السرطانية داخل نخاع العظم، مما يزيد من احتمالية الإصابة بسرطان الدم. ونُشرت الدراسة التي أجراها معهد ويلموت للأبحاث التابع لجامعة روتشستر الأمريكية،في مجلة »نيتشر« العلمية المرموقة، حيث أظهرت البيانات أن التورين يعمل بمثابة وقود إضافي يغذي الخلايا السرطانية، مما يساعدها على التكاثر والانتشار بسرعة أكبر. وحذّر الباحثون من الإفراط في استهلاك مشروبات الطاقة، مؤكدين أن الكميات العالية من التورين قد تلعب دورًا مباشرًا في تسريع تطور بعض أنواع السرطان، لاسيما لدى من لديهم استعداد وراثي أو ضعف مناعي. إقرأ أيضًا: بديل شائع للسكر يضر بصحة القلب والدماغ الرجاء تلخيص المقال التالى الى 50 كلمة فقط كشفت دراسة حديثة عن مخاطر صحية محتملة مرتبطة بمادة »التورين« المستخدمة بشكل شائع في مشروبات الطاقة. وأشارت النتائج إلى أن هذا الحمض قد يساهم في تحفيز نمو الخلايا السرطانية داخل نخاع العظم، مما يزيد من احتمالية الإصابة بسرطان الدم. ونُشرت الدراسة التي أجراها معهد ويلموت للأبحاث التابع لجامعة روتشستر الأمريكية،في مجلة »نيتشر« العلمية المرموقة، حيث أظهرت البيانات أن التورين يعمل بمثابة وقود إضافي يغذي الخلايا السرطانية، مما يساعدها على التكاثر والانتشار بسرعة أكبر. وحذّر الباحثون من الإفراط في استهلاك مشروبات الطاقة، مؤكدين أن الكميات العالية من التورين قد تلعب دورًا مباشرًا في تسريع تطور بعض أنواع السرطان، لاسيما لدى من لديهم استعداد وراثي أو ضعف مناعي. إقرأ أيضًا: بديل شائع للسكر يضر بصحة القلب والدماغ المصدر: صدى

دراسة تحذر: التورين في مشروبات الطاقة قد يعزز خطر الإصابة بسرطان الدم
دراسة تحذر: التورين في مشروبات الطاقة قد يعزز خطر الإصابة بسرطان الدم

صدى الالكترونية

timeمنذ 14 ساعات

  • صدى الالكترونية

دراسة تحذر: التورين في مشروبات الطاقة قد يعزز خطر الإصابة بسرطان الدم

كشفت دراسة حديثة عن مخاطر صحية محتملة مرتبطة بمادة 'التورين' المستخدمة بشكل شائع في مشروبات الطاقة. وأشارت النتائج إلى أن هذا الحمض قد يساهم في تحفيز نمو الخلايا السرطانية داخل نخاع العظم، مما يزيد من احتمالية الإصابة بسرطان الدم. ونُشرت الدراسة التي أجراها معهد ويلموت للأبحاث التابع لجامعة روتشستر الأمريكية،في مجلة 'نيتشر' العلمية المرموقة، حيث أظهرت البيانات أن التورين يعمل بمثابة وقود إضافي يغذي الخلايا السرطانية، مما يساعدها على التكاثر والانتشار بسرعة أكبر. وحذّر الباحثون من الإفراط في استهلاك مشروبات الطاقة، مؤكدين أن الكميات العالية من التورين قد تلعب دورًا مباشرًا في تسريع تطور بعض أنواع السرطان، لاسيما لدى من لديهم استعداد وراثي أو ضعف مناعي. إقرأ أيضًا:

أسعار 25% من الأدوية المستوردة في مصر مرشحة للتراجع بعد قرار ترامب
أسعار 25% من الأدوية المستوردة في مصر مرشحة للتراجع بعد قرار ترامب

العربية

timeمنذ 15 ساعات

  • العربية

أسعار 25% من الأدوية المستوردة في مصر مرشحة للتراجع بعد قرار ترامب

قال رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية في مصر، علي عوف، إن الأمر التنفيذي الذي أعلن عنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قبل أسبوع، بخفض أسعار الأدوية في بلاده بنسبة تتراوح بين 30 إلى 80% سيسهم في خفض فاتورة واردات 25% من الأدوية التي تستوردها مصر سنوياً خلال الفترة المقبلة. وأوضح عوف لـ"العربية Business" أن أي خفض لأسعار الأدوية في أميركا سيترتب عليه خفض مماثل لنفس الأصناف الموردة لمصر التزاماً بسعر بلد المنشأ. "ربع الأدوية التي تستوردها مصر سنوياً تأتي من الولايات المتحدة، فيما تأتي نسبة أكبر من أوروبا وتحديداً ألمانيا.. هذه الأدوية تتضمن مستحضرات لعلاج مرضى الأورام والأنسولين وبعض الأدوية البيولوجية بجانب عدد من أدوية الأمراض النادرة"، وفقاً لعوف. بلغت فاتورة واردات مصر من الصناعات الطبية 4.7 مليار دولار خلال العام الماضي، بينها واردات أدوية بنحو 1.79 مليار دولار، بحسب بيانات أعدتها الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات في مصر، اطلعت عليها "العربية Business". وقال عوف، إن الأمر التنفيذي لترامب سيخفض فاتورة واردات دوائية لمصر من الولايات المتحدة الأميركية بقيمة تلامس نصف مليار دولار تقريياً سنوياً، وهو الأمر الذي سينعكس على أسعار تلك الأدوية للمستهلك النهائي. "نسبة الانخفاض في سعر الدواء المستورد من أميركا لمصر لا يزال غير واضح، ربما تكون بنفس نسبة الانخفاض في بلد المنشأ (أميركا)، وربما نسبة أخرى يتم احتسابها بعد قياس نسب التراجع المطبقة في بعض الدول المرجعية لمصر (36 دولة)، وتحديد نسبة الخفض وفقاً لأقل دولة من حيث السعر"، بحسب عوف عوف. تأثير سلبي وعلى الرغم من إيجابية القرار نوعاً ما على مصر، لكن عوف حذّر من تأثير سلبي للأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب على شركات الأدوية الأميركية وبالتبعية مستقبل البحث العلمي والأدوية المبتكرة التي تنفق عليها الشركات مليارات الدولارات سنوياً. "شركات الأدوية الأميركية تحقق مكاسب مرتفعة جداً من الدواء، لكنها في الوقت نفسه تنفق أموالاً طائلة على الأبحاث الجديدة والمستحضرات المبتكرة.. تخفيض هوامش أرباح الشركات قد يدفعها لتقليل الأبحاث، هذا الأمر قد يهدد مركز أميركا كدولة تقود العالم في صناعة هامة كالدواء"، وفقاً لعوف. قبل أسبوع، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن خفض أسعار الأدوية الموصوفة والصيدلانية بشكل شبه فوري في أميركا بنسبة تترواح بين 30% و80%. وقال ترامب، في منشور له على تروث سوشيال: "لسنوات عديدة تساءل العالم عن سبب ارتفاع أسعار الأدوية الموصوفة والمستحضرات الصيدلانية في الولايات المتحدة الأميركية بشكل كبير مقارنةً بأي دولة أخرى، بل أحياناً تكون أغلى بخمس إلى عشر مرات من نفس الدواء المُصنّع في نفس المختبر أو المصنع، ومن قِبَل نفس الشركة؟ كان من الصعب دائماً تفسير ذلك، وكان مُحرجاً للغاية، لأنه في الواقع، لم تكن هناك إجابة صحيحة". وأضاف ترامب "ستقول شركات الأدوية لسنوات إنها تكاليف البحث والتطوير، وأن جميع هذه التكاليف كانت وستظل بلا سبب على الإطلاق، يتحملها المواطنون في أميركا وحدهم". وتابع: "سأضع سياسة الدولة الأكثر رعاية، حيث ستدفع الولايات المتحدة نفس سعر الدولة التي تدفع أقل سعر في أي مكان في العالم". مبيعات قياسية للدواء في مصر وعلى الرغم من تفاؤل رئيس شعبة الدواء في مصر من تأثير الأمر التنفيذي لترامب على فاتورة واردات مصر من الدواء بنهاية العام الحالي، لكنه توقع في الوقت نفسه ارتفاع مبيعات الدواء في مصر إلى ما يتراوح بين 260 و270 مليار جنيه بنهاية 2025، مقارنة بنحو 214.5 مليار جنيه في 2024. وقدّر عوف مبيعات الدواء في مصر خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي بما يتجاوز 85 مليار جنيه، مقابل 55.5 مليار جنيه في الفترة نفسها من 2024، بنمو يتجاوز 53%. وعزى عوف الزيادة الكبيرة في مبيعات الدواء بمصر منذ بداية العام الحالي إلى موافقة هيئة الدواء المصرية على تحريك أسعار عدد كبير من الأدوية منذ قرار البنك المركزي المصري بتحرير سعر الصرف في مارس من العام الماضي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store