
نور الدين مفتاح يكتب: الراقصون على جراح التجويع
نشر في
31 يوليو 2025 الساعة 20 و 59 دقيقة
ثم أين هي هذه الحماس؟ استشهد السنوار وهنية والضيف، والمئات من قادة الصفوف الأولى ولم يبق في غزة إلا المدنيون، فما هي الأهداف السياسية للحرب اليوم؟ وما فائدة التجويع إن لم تكن الوحشية والشر المتأصل في الفكر المتطرف والفعل الإجرامي لحكومة نتنياهو الفاشية؟
نور الدين مفتاح
هذه الصور المتدفقة من الشاشات قاتلة، هذه الوجوه الشاحبة، والعيون التائهة، والأجساد المنهكة تؤجج عجزنا المقيت. هؤلاء الأطفال الذين التصق جلدهم بالعظم، وهذه الجموع المتدافعة بالطناجر من أجل مغرفة حساء، وهذا البكاء والعويل الذي يملأ أرجاء غزّة يرفعنا إلى درجة أخرى من الذهول أمام هذا الصمت العالمي المتواطئ.
حتى أولئك الذين ينقلون أخبار هذا الحصار وهذا الدمار وهذا التجويع لم يسلموا من الجريمة، مراسلون يبكون عبر الهواء مباشرة، وآخرون لا يقوون على إكمال مراسلاتهم بسبب الجوع والإنهاك، ووكالة الأنباء الفرنسية تدق ناقوس الخطر وتقول إنه منذ تأسيسها في 1944 لم يتعرض مراسلوها لخطر المجاعة كما يجري في غزّة.
لقد صنّفت المنظمات الإنسانية المجاعة في غزّة في المرحلة الخامسة، وهي الأعلى، وتتوالى الندوات الصحافية في جنيف ونيويورك دون أن تتحرك الدول، ودون أن يتحرك الضمير العالمي. فمنذ سنتين تقريبا وآلة الإبادة الجماعية تشتغل بلا هوادة، وهذا أقرته العدالة الدولية، واعتبرت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مجرم حرب، ولكن، وبدل أن يتم الاحتكام للقانون الدولي، تمت إدانة المحكمة الجنائية الدولية من طرف الولايات المتحدة الأمريكية، وفرضت عقوبات على المدعي العام والقضاء!!
كان هذا عندما كان التقتيل بالقصف في أوجه، وقد سقطت على غزّة ما يعادل 3 قنابل نووية، ويحكي جنود إسرائيليون، كما ستقرأون ضمن هذا العدد، أنهم بدأوا باستعمال طائرات مسيرة رخيصة الثمن، بحيث لا تتجاوز ثلاثة آلاف دولار، وأصبحوا يحمّلونها بقنابل، ويرسمون خطوطا مزاجية داخل غزّة، من يتجاوزها يتم تفجيره. بل إن المدنيين الذين كانوا يعودون لمنازلهم يتم قصفهم، وقال أحد الجنود إنهم كانوا يستهدفون الأطفال عمداً!
سنتان تقريبا من جرائم الاحتلال ذهب ضحيتها ما يناهز 60 ألف شهيد ثلثاهم من الأطفال والنساء وأكثر من 100 ألف جريح. استهدفت المستشفيات، وأغلبها خرج عن الخدمة، ورحل السكان أكثر من مرة وهم يساقون كما تساق القطعان، واليوم، يصل الإجرام الصهيوني بحصاره إلى هذا الحد اللاإنساني الفظيع. هذه ليست حرب، هذه مجزرة، هذه مواجهة بين دولة نووية محتلة مدعومة بأكبر قوة عسكرية أمريكية، وبين مليونين من العزّل في قطاع من 360 كلم مربع تحول إلى سجن مغلق ملغم بمصائد موت.
هذه الدولة التي يخاف العالم على أمنها ويعطيها جوازا أبيض لترتكب ما شاءت من جرائم بدعوى حماية نفسها لم تكن موجودة قبل 1948. هذه دولة زرعت في قلب الشرق الأوسط، والانتماء إليها انتماء ديني محض، وقبل هذا التاريخ كان اليهود يتعايشون معنا في شمال إفريقيا والعالم الإسلامي بسلام، فيما كانوا يقتلون في أوروبا، وكان الجزاء هو أن الذين اضطهدوا اليهود كافؤوهم بسلب حق من صادقوهم، وكان وعد بلفور البريطاني أساس كل ما جاء من بعد، وأصبحت إسرائيل دولة مبنية على المجازر والنهب والاستيطان الدموي والاغتيالات والطغيان.
ولنا أن نتساءل: لو لم تزرع إسرائيل في فلسطين، وأعطيت لها العراق أو سوريا، هل كان العراقيون أو السوريون سيستسلمون؟ هل هناك بلد في العالم استسلم للاحتلال؟ لذلك كان طبيعيا أن تبقى هناك مقاومة فلسطينية بعمقها العربي والإسلامي، وها هي بعد أكثر من سبعين عاما ما تزال تؤدي الثمن باهظا جدا. والمتغير الوحيد الذي وقع، هو أن عمق القضية ظل يتقلص رويدا رويدا من أنها صراعا عربيا إسرائيليا إلى أنها صراع فلسطيني إسرائيلي إلى أن صارت اليوم لدى المغرضين مجرد صراع بين حماس وإسرائيل.
وللذين يختزلون الموضوع في كونه قضية إيديولوجية تتعلق بحماس والإرهاب وما شابه، نقول: إذا كانت حجتكم هي طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، أو الإسلام السياسي، فماذا عن السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيسها محمود عباس عضو كامل العضوية في جامعة الدول العربية؟ أليس هو الآخر محاصرا الآن؟ ألا يعبث الجيش الإسرائيلي يوميا في الضفة الغربية ويقتل ويوسع الاستيطان، بل إنه لم يسبق في تاريخ الصراع أن وصل انتهاك حرمة المسجد الأقصى لما وصل إليه اليوم مع وجود الإرهابي وزير الأمن القومي بن غفير في الحكومة.
ثم أين هي هذه الحماس؟ استشهد السنوار وهنية والضيف، والمئات من قادة الصفوف الأولى ولم يبق في غزة إلا المدنيون، فما هي الأهداف السياسية للحرب اليوم؟ وما فائدة التجويع إن لم تكن الوحشية والشر المتأصل في الفكر المتطرف والفعل الإجرامي لحكومة نتنياهو الفاشية؟
ولنذهب أبعد من الضفة والقطاع، ما شأن إسرائيل بسوريا لتتجاوز احتلال شريط إضافي خارج الجولان المحتل، وتقصف متى شاءت الأراضي السورية، بل العاصمة دمشق؟ ألم يقصف نتنياهو بيروت بعد أن وقع اتفاقا مع الحكومة اللبنانية وبعد أن أصبح حزب الله في عداد المنتهين؟ أوليس من الغباء السياسي اعتبار الحكومة الإسرائيلية حكومة تفكر بمنطق القانون والتعايش وتتصرف بتناسب القوة في أفق المصالحة مع محيطها؟ إسرائيل حاصرت غزّة قبل 7 أكتوبر ولم ترفع هذا الحصار أبداً، وإسرائيل عبرت قبل كل هذه الموجة الجديدة من العنف الأعمى عن رفضها القاطع لحل الدولتين، ورغم ذلك تريد تطبيعا مع الدول العربية والإسلامية شريطة أن يتخلوا عن القضية الفلسطينية.
وأنا لا أرى ما السبب الذي يدفع تل أبيب لعدم السعي للتطبيع أولا مع الفلسطينيين واعتبارهم دولة ذات سيادة وبعدها سيكون الجميع مطبعا في إطار سلام عادل ودائم. لا، اقرأوا أدبياتهم، هم يؤمنون بنبوءات توراتية ويحلمون بإسرائيل الكبرى! هم يتهمون المقاومة باستعمال الإسلام السياسي وهم تمثيل حي لليهودية السياسية الدموية، وقد استشهد اليمين المتطرف الإسرائيلي في الحرب على غزّة بالآية الأولى من سفر صموئيل الأول: «فالآن اذهب واضرب عماليق. وحرموا كل ما له، ولا تعف عنهم، بل اقتلوا رجلا وامرأة، طفلا ورضيعا، بقرا وغنما، جملا وحمارا».
وقد قدم وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق يواف غالانت ترجمة حديثة لهذا عندما وصف سكان غزّة بأنهم «حيوانات بشرية» وأضاف «سنعاملهم على هذا الأساس، لا ماء لا غذاء لا كهرباء»!
القضية أبعد من حماس. إسرائيل دولة مارقة في هذا العصر الذي بنيت فيه كل الترتيبات الدولية على الاحتكام للقانون الدولي ومؤسساته لعدم تكرار تجربة الحرب العالمية الثانية، ورغم كل الترسانة الحقوقية الكونية فهناك استثناء واحد يخرج عن كل الضوابط هو إسرائيل كخط أحمر. يمكنك أن تنتقد رئيس الولايات المتحدة وتهاجم الاتحاد الأوربي وتتظاهر ضد الحكومات كلها إلا إسرائيل، فمجرد نقدها هو معاداة للسامية، ولهذا، نرى أن استثناء هذه الدولة من الحساب والعقاب يجعلها تتمادى إلى هذه الدرجة التي نرى فيها آثار التجويع بالقطاع تفطر القلوب.
من كان يتصور في هذه العقد أن يُساق آلاف الجوعى والحفاة والمرضى إلى شاحنات مساعدات ثم يطلق عليهم الرصاص كالذباب أمام كاميرات العالم، ولا أحد يحرك ساكنا. لا الغرب الديموقراطي ولا العالم الإسلامي ولا الإخوة العرب، بل هناك منا من يجد تبريرا لهذه الجرائم، ولعمري إنها نهاية أسطورة القيم بل نهاية الإنسانية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


هبة بريس
منذ 3 ساعات
- هبة بريس
ترامب: على إسرائيل إطعام سكان غزة.. ولا نريد أن يتضور أحد جوعا
ترامب: على إسرائيل إطعام سكان غزة.. ولا نريد أن يتضور أحد جوعا هبة بريس – وكالات قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن 'على إسرائيل أن تطعم الناس في غزة' وأن بلاده لا تقبل تجويع أهالي القطاع 'في ظل أوضاع سيئة وكارثية'. وأوضح ترامب في كلمة ألقاها مساء الأحد في ولاية بنسلفانيا أن الولايات المتحدة 'تريد أن يحصل الناس في غزة على الطعام'، مشيرا إلى أن واشنطن الدولة الوحيدة التي تفعل ذلك حقا وتوفر الدعم المالي لأجل ذلك. وكشف ترامب عن أن بلاده قدمت 60 مليون دولار كمساعدات إنسانية لغزة قبل أسبوعين، مضيفا: 'أردت فقط أن يحصل الناس هناك على الطعام، لكن لا أرى نتائج لهذه المساعدات حتى الآن'. ووفقا له فإن مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف يقوم بعمل عظيم في إسرائيل في إطار المفاوضات، وقال: 'نريد أن يطعم الناس… نريد أن تطعمهم إسرائيل، لا نريد أن يجوع الناس، ولا نريد أن يموتوا جوعا'.


الأيام
منذ 11 ساعات
- الأيام
جيش الظل: كيف غزت كوريا الشمالية سوق الوظائف الغربية بهويات مزوّرة؟
Getty Images يقول جين-سو إنّه استخدم على مدار سنوات مئات الهويات المزوّرة للتقدّم لوظائف عن بُعد في شركات غربية، في إطار مخطّط واسع وسري لجمع الأموال لكوريا الشمالية. وأوضح في مقابلة نادرة مع بي بي سي، أنّه كان يحقّق دخلاً لا يقل عن خمسة آلاف دولار (3750 جنيهاً إسترلينياً) شهرياً من خلال تولّي وظائف عدّة في الولايات المتحدة وأوروبا، مضيفاً أنّ بعض زملائه كانوا يجنون أكثر من ذلك. قبل انشقاقه، كان جين-سو – وهو اسم مستعار حفاظاً على هويته – واحداً من آلاف الأشخاص الذين يُعتقد أنّهم أُرسلوا إلى الصين وروسيا، أو إلى دول في أفريقيا وأماكن أخرى، للمشاركة في عملية خفية تديرها كوريا الشمالية المعروفة بسرّيتها. نادراً ما يتحدث عمّال تكنولوجيا المعلومات الكوريون الشماليون إلى وسائل الإعلام، لكن جين-سو قدّم شهادة موسّعة لبي بي سي، كاشفاً كيف تبدو الحياة اليومية لأولئك الذين يعملون ضمن هذا الاحتيال، وكيف يدار العمل. وتؤكد روايته الكثير مما ورد في تقديرات الأمم المتحدة وتقارير الأمن السيبراني. وقال إنّ 85 في المئة من دخله كان يُرسل لتمويل النظام. وتخضع كوريا الشمالية منذ سنوات لعقوبات دولية قاسية. وأضاف جين-سو: "نعرف أنّ الأمر أشبه بالسرقة، لكننا نتقبّله كأنه قدرنا، ومع ذلك فهو أفضل بكثير من البقاء داخل كوريا الشمالية". ووفق تقرير لمجلس الأمن الدولي صدر في مارس/آذار 2024، فإنّ عمّال تكنولوجيا المعلومات السريين يولّدون ما بين 250 و600 مليون دولار سنوياً لصالح كوريا الشمالية. وازدهرت هذه الشبكة خلال أزمة فيروس كورونا عندما أصبح العمل عن بُعد أمراً شائعاً، ولا تزال في ازدياد منذ ذلك الحين، بحسب تحذيرات السلطات وخبراء الأمن السيبراني. معظم هؤلاء العمّال يسعون إلى راتب ثابت يرسلون جزءاً منه للنظام، لكن في بعض الحالات، سرقوا بيانات أو اخترقوا أنظمة شركاتهم وطالبوا بفدية. العام الماضي، وجّهت محكمة أمريكية لائحة اتهام بحق 14 كورياً شمالياً، زُعم أنّهم جنوا 88 مليون دولار من خلال انتحال هويات وممارسة الابتزاز ضد شركات أمريكية على مدى ست سنوات. وفي الشهر الماضي، وُجّه الاتهام لأربعة كوريين شماليين آخرين لاستخدامهم هويات مزوّرة للحصول على وظائف عن بُعد في شركة أمريكية متخصّصة في العملات المشفّرة. الحصول على الوظائف عمل جين-سو في الصين لعدة سنوات كعامل في تكنولوجيا المعلومات لصالح النظام قبل انشقاقه. وأوضح لبي بي سي أنّه وزملاءه كانوا يعملون غالباً في فرق مكوّنة من عشرة أشخاص. الوصول إلى الإنترنت محدود داخل كوريا الشمالية، لكن في الخارج يتمكّن هؤلاء العمّال من العمل بسهولة أكبر. ويحتاجون إلى إخفاء جنسيتهم، ليس فقط لأنّ ادّعاء كونهم من دول غربية يتيح لهم أجوراً أعلى، بل أيضاً بسبب العقوبات الدولية المفروضة على كوريا الشمالية، خصوصاً بسبب برامجها النووية والصاروخية. ويعدّ هذا المخطّط منفصلاً عن عمليات القرصنة التي تقوم بها بيونغ يانغ لجمع الأموال. ففي وقت سابق من هذا العام، يُعتقد أنّ مجموعة لازاروس – وهي مجموعة قرصنة شهيرة يُفترض أنّها تعمل لصالح كوريا الشمالية، رغم أنّها لم تعترف بذلك – سرقت 1.5 مليار دولار من شركة العملات المشفّرة "بايبت". BBC تحدثت بي بي سي إلى جين سو في اتصال بالفيديو من لندن. ونحمي هويته حفاظاً على أمنه قضى جين-سو معظم وقته في محاولة الحصول على هويات مزوّرة للتقدّم إلى الوظائف. وكان في البداية يتظاهر بأنّه صيني، ويتواصل مع أشخاص في المجر وتركيا ودول أخرى ليطلب استخدام هوياتهم مقابل نسبة من أرباحه، وفق ما قاله لبي بي سي. وأضاف: "إذا وضعت وجهاً آسيوياً على الملف الشخصي، فلن تحصل على وظيفة أبداً". بعد ذلك، كان يستخدم تلك الهويات لاستهداف أشخاص في أوروبا الغربية للحصول على هوياتهم، ثم يتقدّم بها لوظائف في الولايات المتحدة وأوروبا. وأوضح أنّه حقّق نجاحاً كبيراً مع مواطنين بريطانيين. وقال: "بمجرد الدردشة قليلاً، كان الناس في المملكة المتحدة يسلمون هوياتهم بسهولة كبيرة". وكان عمّال تكنولوجيا المعلومات الذين يجيدون الإنجليزية أكثر، يتولّون أحياناً عملية التقديم. لكن الوظائف في مواقع العمل الحر لا تتطلّب غالباً مقابلات وجهاً لوجه، وغالباً ما تتم التفاعلات اليومية عبر منصات مثل "سلاك"، ما يجعل انتحال الهوية أمراً سهلاً. وأوضح جين-سو أنّه كان يستهدف السوق الأمريكية أساساً "لأن الرواتب أعلى في الشركات الأمريكية". وزعم أنّ عدد العمّال الكوريين الشماليين الذين يحصلون على وظائف كبير لدرجة أنّ الشركات توظّف أحياناً أكثر من شخص واحد منهم من دون علمها. وقال: "يحدث ذلك كثيراً". ويُعتقد أنّ هؤلاء العمّال يحصلون على أجورهم من خلال شبكات وسطاء في الغرب والصين. وفي الأسبوع الماضي، حُكم على امرأة أمريكية بالسجن لأكثر من ثماني سنوات لضلوعها في مساعدة عمّال كوريين شماليين في العثور على وظائف وتحويل الأموال لهم. ولا تستطيع بي بي سي التحقّق بشكل مستقل من تفاصيل شهادة جين-سو، لكن من خلال منظمة بيسكور، التي تدافع عن حقوق الإنسان في كوريا الشمالية، اطّلعنا على شهادة عامل آخر تدعم مزاعم جين-سو. كما تحدّثت بي بي سي إلى منشق آخر يُدعى هيون-سونغ لي، قال إنّه التقى عمّال تكنولوجيا المعلومات الكوريين الشماليين أثناء سفره إلى الصين كرجل أعمال لصالح النظام، مؤكداً أنّ تجاربهم متشابهة. مشكلة متنامية تحدّثت بي بي سي إلى مديري توظيف في قطاع الأمن السيبراني وتطوير البرمجيات، قالوا إنّهم رصدوا عشرات المرشحين الذين يشتبهون في كونهم عمّال تكنولوجيا معلومات من كوريا الشمالية خلال عمليات التوظيف. كان روب هينلي، المؤسس المشارك لشركة "ألي سيكيوريتي" في الولايات المتحدة، كان مؤخراً يقوم بتعيين موظفين لشغل سلسلة من الوظائف عن بُعد في شركته، ويعتقد أنّه أجرى مقابلات مع نحو 30 عاملاً كورياً شمالياً. وقال: "في البداية كان الأمر أشبه بلعبة، نحاول معرفة من الحقيقي ومن المزيّف، لكنّه أصبح مزعجاً بسرعة". في النهاية، اضطر إلى أن يطلب من المرشحين خلال المكالمات المرئية إثبات أن الوقت في مكانهم نهاراً. وقال: "كنا نتعاقد فقط مع مرشحين من الولايات المتحدة لهذه الوظائف. كان من المفترض أن يكون الضوء على الأقل مرئياً بالخارج. لكنني لم أرَ ضوء النهار مطلقاً". في مارس الماضي، شارك "دافيد موكزادو"، الشريك المؤسس لشركة "فيدوك سيكيوريتي لاب" في بولندا، مقطع فيديو لمقابلة عمل عن بُعد أجراها مع مرشح يبدو أنه كان يستخدم برنامجاً للذكاء الاصطناعي لإخفاء ملامح وجهه. وأوضح أنه بعد استشارة الخبراء، خلص إلى أن المرشح قد يكون عاملاً في مجال تكنولوجيا المعلومات من كوريا الشمالية. BBC قالت شركة "غت ريل سيكيوريتي" للأمن السيبراني إنها تعتقد أن الشخص إلى اليسار يستخدم فيلتر بالذكاء الاصطناعي لتغيير ملامح الوجه تواصلنا مع السفارة الكورية الشمالية في لندن لنقدم لها ما ورد في هذا التقرير، لكننا لم نتلقَ رداً. سبيل نادر للهرب تُرسل كوريا الشمالية عمالها إلى الخارج منذ عقود لكسب العملات الصعبة. ويعمل ما يصل إلى 100 ألف شخص في الخارج كعمّال مصانع أو مطاعم، معظمهم في الصين وروسيا. وبعد سنوات من العيش في الصين، قال جين-سو إنّ "شعور الاختناق" من ظروف العمل القمعية كان يتزايد. وأضاف: "لم يكن مسموحاً لنا بالخروج، وكان علينا البقاء في الداخل طوال الوقت. لا يمكنك ممارسة الرياضة، ولا القيام بما تريد". ومع ذلك، أشار إلى أنّ عمّال تكنولوجيا المعلومات الكوريين الشماليين يتمتعون بحرية أكبر في الوصول إلى وسائل الإعلام الغربية أثناء وجودهم في الخارج. وقال: "ترى العالم الحقيقي. عندما نكون في الخارج، ندرك أنّ هناك خللاً في داخل كوريا الشمالية". لكن رغم ذلك، زعم أنّ قلّة فقط تفكّر في الهروب كما فعل هو. وقال: "هم يأخذون المال ويعودون إلى الوطن، قلة قليلة تفكر في الانشقاق". ورغم أنّهم يحتفظون بجزء صغير من أرباحهم، إلا أنّه يعدّ مبلغاً كبيراً في كوريا الشمالية. كما أنّ الانشقاق محفوف بالمخاطر وصعب للغاية. فالمراقبة في الصين تؤدي إلى القبض على معظمهم. ومن ينجحون في الهروب قد لا يرون عائلاتهم مجدداً، وقد تواجه عائلاتهم عقوبات بسبب فرارهم. ويواصل جين-سو العمل في مجال تكنولوجيا المعلومات بعد انشقاقه، ويقول إنّ المهارات التي اكتسبها أثناء عمله لصالح النظام ساعدته على التأقلم مع حياته الجديدة. ورغم أنّه يكسب الآن أقل ممّا كان يكسبه عندما كان يعمل لصالح النظام، لأنّه لم يعد يشغل وظائف متعدّدة بهويات مزوّرة، فإنّه يحتفظ بمعظم أرباحه. وقال: "كنت معتاداً على جني المال من خلال القيام بأعمال غير قانونية، لكنني الآن أعمل بجد وأكسب المال الذي أستحقه".


العيون الآن
منذ 15 ساعات
- العيون الآن
علاقات تاريخية راسخة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمغرب تحتفل بمرور قرون من الصداقة
العيون الآن. حمزة وتاسو تستمر الصداقة القوية بين الولايات المتحدة الأمريكية والمغرب في الصمود والتطور على مر القرون، حيث يعكس تاريخ العلاقة بين البلدين شراكة فريدة تجاوزت الحدود الجغرافية والزمنية، ويؤكد السفير المغربي في واشنطن يوسف العمراني، أن هذه العلاقة 'صداقة فريدة امتدت عبر القرون، متجاوزة الجغرافيا والحدود'. وتعود جذور هذه العلاقة إلى ديسمبر من عام 1777، في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تكافح من أجل استقلالها عن بريطانيا، ففي تلك الفترة أعلن السلطان المغربي محمد الثالث عن السماح للسفن التي ترفع العلم الأمريكي بالدخول بحرية إلى الموانئ المغربية ورغم أن العلاقات الرسمية لم تعقد إلا بعد سنوات، فإن هذا الإعلان كان بمثابة أول اعتراف رسمي من قبل دولة أجنبية بالولايات المتحدة الأمريكية. وقد واجهت العلاقات بين البلدين فترة من الركود بعد هذا الإعلان، حيث كانت التجارة بين الولايات المتحدة والمغرب بطيئة رغم الاهتمام الذي أبداه السلطان المغربي ورغم أن الكونغرس القاري الثاني في عام 1780 أعرب عن رغبة في السلام والصداقة، إلا أن العلاقات التجارية الرسمية تأخرت واليوم، تتمتع الولايات المتحدة والمغرب بعلاقات تجارية قوية تتجاوز قيمتها 7 مليارات دولار في عام 2024، وتعد الشركات الأمريكية من بين أبرز المستثمرين في المغرب. وفي عام 1784 قام المغاربة باحتجاز سفينة تجارية أمريكية لدفع الطرفين إلى التفاوض، وقد أسفرت هذه المفاوضات عن توقيع معاهدة السلام والصداقة في عام 1786، وهي المعاهدة التي أسست لعلاقة دبلوماسية رسمية هي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة. وخلال السنوات اللاحقة قدمت المغرب الولايات المتحدة واحدة من أفضل المباني في طنجة، التي كانت مقرا للبعثة الأمريكية لمدة 140 عاما، من العشرينيات حتى الستينيات اليوم، يعد 'المبنى القديم في طنجة' موقعا تاريخيا أمريكيا خارج الولايات المتحدة، وهو رمز دائم لعلاقة طويلة الأمد استفاد منها البلدان. كما تعاونت الولايات المتحدة والمغرب في سياقات تاريخية هامة، حيث شارك الجنود الأمريكيون في الحرب العالمية الثانية ضد الغزو النازي لشمال إفريقيا، وفي الوقت الراهن يجري البلدان تدريبات عسكرية مشتركة ويتعاونان في مكافحة الإرهاب. وفي عام 2020 جرى تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل بموجب اتفاقيات إبراهيم، التي رعتها الولايات المتحدة وفي أبريل من هذا العام أشاد وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، بـ'قيادة المغرب في المساهمة من أجل غد أفضل للإسرائيليين والفلسطينيين وشعوب المنطقة'. ومع اقتراب الولايات المتحدة من الاحتفال بمرور 250 عاما على تأسيسها، يبقى المغرب أحد أقدم وأوفى أصدقائها، مسجلا فصلا هاما في تاريخ العلاقات الدولية.