
ما هي مخاطر الإشعاع النووي على إيران ومنطقة الخليج؟
Getty Images
صورة لاختبار نووي للبحرية الأميركية
يعمّ القلق منطقة الشرق الأوسط من احتمال وقوع كارثة نووية، ويمكن استشعار ذلك في السيل الكبير من البيانات والتصريحات الهادفة إلى طمأنة الناس، خاصة في دول الخليج.
المملكة العربية السعودية "آمنة من أي عواقب إشعاعية" وفقاً لتغريدة على صفحة هيئة الرقابة النووية والإشعاعية السعودية.
وتشهد الصفحة تفاعلاً غير عادي منذ يوم الجمعة الماضي، حين بدأت تصدر التغريدات المتعلقة بمخاطر الإشعاع الناجمة عن الهجوم الإسرائيلي على إيران.
الهيئة تعمل "على استقراء استبقائي لتداعيات الطوارئ النووية المحتملة على المملكة، واتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة لحماية الإنسان والبيئة من الآثار الإشعاعية".
أما في الكويت، فأكد مسؤول في الحرس الوطني، يوم الأحد، أن الحرس يراقب الحالة الإشعاعية والكيميائية على مدار الساعة، وأنها "طبيعية ومستقرة".
وشدد المسؤول في مقابلة مع التلفزيون الكويتي أن الحرس يملك قدرات متقدمة قادرة على كشف الإشعاعات والعوامل الكيميائية في المياه والهواء.
وفي قطر، أفادت وزارة البيئة أن مستويات الإشعاع في البلاد لا تزال ضمن المعدلات الطبيعية، مطمئنة الناس بأنها تتابع الموضوع بدقة وعلى مدار الساعة.
كما قالت الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي إنه تم تفعيل مركز مجلس التعاون لدول الخليج العربية لإدارة حالات الطوارئ جزئياً ضمن إجراءات الاستجابة الإقليمية، وذلك كإجراء احترازي.
لكن القلق مستمر.
"بالله خففوا تغريدات بديت أتوتر من كثر ما تطلع لي تغريداتكم، الله يحفظ بلدنا من كل شر"، قال أحدهم في تعليق على تغريدات هيئة الرقابة النووية والإشعاعية السعودية. وهي فكرة كررها متفاعلون كثر مع صفحة الهيئة.
السلطات في كل هذه الدول الخليجية في وضع لا تحسد عليه، فلا كثرة التطمينات ولا قلتها كفيلة بوأد المخاوف العميقة التي يثيرها احتمال حدوث كارثة نووية.
لكن ماذا يقول العلماء والخبراء عن حجم المخاطر ومداها، لا سيما في دول الخليج؟ وما هي الإجراءات التي يُمكن أن تتخذ للتعامل معها؟
Reuters
في عام 2006، بدأت إيران بتشغيل منشأة لمعالجة اليورانيوم في مدينة أصفهان.
ما أسوأ السيناريوهات المحتملة؟
يميّز العلماء بين المخاطر الناجمة عن استهداف منشآت تخصيب اليورانيوم – كما حدث في منشأة نطنز مثلا - وتلك الناجمة عن مخاطر استهداف مفاعلات نووية. الأولى ليست بسيطة، لكن الأخيرة هي التي قد تنذر بكارثة نووية حقيقية.
في المفاعلات النووية وخلال التفاعل النووي، تنشطر ذرات اليورانيوم وينتج عن ذلك نظائر مشعة – وهي مواد أكثر إشعاعاً من اليورانيوم الموجود في منشآت التخصيب، حيث لا يحدث التفاعل النووي.
لذلك يرجح العلماء الذين تحدثت إليهم بي بي سي أن تكون المخاطر الناجمة عن قصف منشآت التخصيب أقل بكثير من تلك الناتجة عن احتمال قصف المفاعلات. ويقولون إن أخطر ما قد يحدث من حيث الإشعاع المؤذي للناس، هو هجوم على مفاعل نووي كمفاعل بوشهر في إيران أو المفاعل الإسرائيلي في ديمونا.
يذكر أن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافايل غروسي، قد قال يوم الإثنين إن هناك تلوثاً إشعاعياً وكيميائياً في موقع منشأة نطنز للتخصيب التي قصفتها إسرائيل، لكن مستويات الإشعاع خارج الموقع لا تزال طبيعية، وكذلك الأمر بالنسبة للمنشآت الأخرى التي قصفت حتى الآن.
ما المناطق والدول التي قد تتضرر في حال وقوع الكارثة؟
هذا هو السؤال الأصعب، لأنه يعتمد على عامل لا يمكن التنبؤ به، وهو حال الطقس في ذلك اليوم، وتحديداً سرعة واتجاه الرياح والمطر.
فحين تنتشر الجزئيات المشعة في الأجواء نتيجة هجوم أو انفجار في مفاعل نووي، تحمل الرياح هذه الجزئيات وتصبح بمثابة غيمة من الإشعاع، وإذا تساقطت الأمطار، يسقط معها الإشعاع من الغيمة إلى الأرض في مكان سقوط المطر.
يذكر أنه بعد كارثة تشيرنوبل في أوكرانيا عام 1986 – حين كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي السابق– وصلت غيمة إشعاع إلى بريطانيا، ولو أن أضرارها البيئية كانت طفيفة، في حين وصل غيم يحمل إشعاعا مركزا أكثر خطورة إلى منطقة تبعد مئة كيلومتر عن موقع الحادث.
ومع ذلك، يشدد البعض على أن الحوادث النووية التي تشكل خطراً على الناس خارج الموقع النووي نادرة.
يقول جيم سميث، البروفيسور في علم البيئة في جامعة بورتسموث والذي تخصص في دراسة آثار حادثة تشيرنوبل، إنه "من النادر للغاية أن يكون هناك حادث كبير بما فيه الكفاية ليشكل خطرا كبيرا على الناس خارج الموقع. فقط في حالات كحالة تشيرنوبل، وحادث فوكوشيما في اليابان عام 2011، كان هناك خطر فعلي على الناس خارج الموقع النووي. وحتى في تلك الحالتين، لم يزد الخطر بشكل كبير. هو خطر، نعم، لكنه صغير مقارنة بالمخاطر التي نواجهها في حياتنا."
مخاطر خاصة بدول الخليج
منذ أربع سنوات نشرت مجلة "العلم والأمن العالمي" العلمية دراسة مبنية على آلاف عمليات المحاكاة لما قد يحدث لمدن رئيسية في منطقة الخليج في حال وقوع حريق في برك الوقود النووي المستهلك في محطة بوشهر في إيران أو في محطة براكة في الإمارات العربية المتحدة.
وفقا للمشرفين على الدراسة، فإن أي حادث نووي في منطقة الخليج قد تكون له آثار تضاف إلى الآثار المتوقعة لأي حادث نووي في أي منطقة في العالم، بسبب ثلاثة عوامل:
أولاً، كثافة السكان في مدن ساحلية، ما قد يعقّد جهود نقل الناس في حال وقوع أي كارثة.
ثانياً، اعتماد دول الخليج بشكل كبير على مياه البحر المحلاة، ما قد يسبب أزمة مياه لكل سكان المنطقة، خاصة أن البحر هناك شبه مغلق، ودورة المياه فيه تحتاج إلى ما بين سنتين وخمس سنوات لتكتمل. ومع أن بعض معامل التحلية يمكنها التعامل مع هذا التلوث، غير أنها قد تضطر لوقف العمل لفترة معينة في حال وقوع الحادث.
أما العامل الثالث، فهو تركز النشاط الاقتصادي - تحديدا إنتاج ونقل النفط والغاز – في مناطق الساحل وفي مياه الخليج. وقد يؤدي حادث نووي في المنطقة إلى تعطيل مرور السفن في مضيق هرمز، ما قد تكون له آثار كبيرة على هذه الدول.
"لا تقلقوا"
يقول الخبراء إن التوجيهات المتبعة في حال وقوع كارثة نووية متعارف عليها، وهي عادة تتمثل بتوجيه الناس ليبقوا داخل المنازل وليغلقوا النوافذ والأبواب، وألا يشربوا المياه من مصادر مكشوفة ولا يتناولوا الخضار والفاكهة التي قد تكون تعرّضت للإشعاع. وقد يلجأ البعض إلى تخزين المواد الغذائية من باب الاحتياط.
لكن كل الإجراءات، وكذلك كل التنبيهات والتطمينات، لا يمكنها محو حالة القلق، التي قد تصبح هي نفسها خطراً إضافياً يُضاف إلى المخاطر المحيطة بنا.
يقول جيم سميث: "نصيحتي بشكل عام للناس ألا يقلقوا كثيرا. فنحن شاهدنا بعد تشيرنوبل أن القلق الموجود لدى الناس من الإشعاع – وهو مفهوم طبعا – قد يتسبب بمشاكل أكثر من الإشعاع نفسه. إذا قيل لكم أن تحتموا، فاصغوا إلى ما تقوله السلطات، ولا تقلقوا بشكل عام."
هيئة الرقابة النووية والإشعاعية السعودية نشرت تغريدة شبيهة بما قاله سميث:
"تؤثر الصور الذهنية الدارجة عند أغلب الجمهور على القدرة على التقييم الصحيح للمخاطر، وتعتبر من أكبر التحديات في مواجهة الطوارئ النووية والإشعاعية. ومن المهم الالتزام بالبيانات والتصريحات الرسمية وتجنب تداول هذه الصور الذهنية."
أما الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فقد فضلت التعبير عن مخاوفها بشكل لا يقبل التأويل، في أول بيان لمديرها العام، رافاييل غروسي، بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران، إذ قال:
"لقد ذكرتُ مراراً وتكراراً أنه يجب ألا تتعرض المرافق النووية أبداً للهجوم، بصرف النظر عن السياق أو الظروف." وأضاف: "أؤكد مجدداً أن أي عمل عسكري يخلُّ بأمان المرافق النووية وأمنها قد يؤدي إلى عواقب وخيمة تؤثِّر على الإيرانيين والمنطقة والخارج".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوسط
منذ 20 ساعات
- الوسط
ما هي مخاطر الإشعاع النووي على إيران ومنطقة الخليج؟
Getty Images صورة لاختبار نووي للبحرية الأميركية يعمّ القلق منطقة الشرق الأوسط من احتمال وقوع كارثة نووية، ويمكن استشعار ذلك في السيل الكبير من البيانات والتصريحات الهادفة إلى طمأنة الناس، خاصة في دول الخليج. المملكة العربية السعودية "آمنة من أي عواقب إشعاعية" وفقاً لتغريدة على صفحة هيئة الرقابة النووية والإشعاعية السعودية. وتشهد الصفحة تفاعلاً غير عادي منذ يوم الجمعة الماضي، حين بدأت تصدر التغريدات المتعلقة بمخاطر الإشعاع الناجمة عن الهجوم الإسرائيلي على إيران. الهيئة تعمل "على استقراء استبقائي لتداعيات الطوارئ النووية المحتملة على المملكة، واتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة لحماية الإنسان والبيئة من الآثار الإشعاعية". أما في الكويت، فأكد مسؤول في الحرس الوطني، يوم الأحد، أن الحرس يراقب الحالة الإشعاعية والكيميائية على مدار الساعة، وأنها "طبيعية ومستقرة". وشدد المسؤول في مقابلة مع التلفزيون الكويتي أن الحرس يملك قدرات متقدمة قادرة على كشف الإشعاعات والعوامل الكيميائية في المياه والهواء. وفي قطر، أفادت وزارة البيئة أن مستويات الإشعاع في البلاد لا تزال ضمن المعدلات الطبيعية، مطمئنة الناس بأنها تتابع الموضوع بدقة وعلى مدار الساعة. كما قالت الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي إنه تم تفعيل مركز مجلس التعاون لدول الخليج العربية لإدارة حالات الطوارئ جزئياً ضمن إجراءات الاستجابة الإقليمية، وذلك كإجراء احترازي. لكن القلق مستمر. "بالله خففوا تغريدات بديت أتوتر من كثر ما تطلع لي تغريداتكم، الله يحفظ بلدنا من كل شر"، قال أحدهم في تعليق على تغريدات هيئة الرقابة النووية والإشعاعية السعودية. وهي فكرة كررها متفاعلون كثر مع صفحة الهيئة. السلطات في كل هذه الدول الخليجية في وضع لا تحسد عليه، فلا كثرة التطمينات ولا قلتها كفيلة بوأد المخاوف العميقة التي يثيرها احتمال حدوث كارثة نووية. لكن ماذا يقول العلماء والخبراء عن حجم المخاطر ومداها، لا سيما في دول الخليج؟ وما هي الإجراءات التي يُمكن أن تتخذ للتعامل معها؟ Reuters في عام 2006، بدأت إيران بتشغيل منشأة لمعالجة اليورانيوم في مدينة أصفهان. ما أسوأ السيناريوهات المحتملة؟ يميّز العلماء بين المخاطر الناجمة عن استهداف منشآت تخصيب اليورانيوم – كما حدث في منشأة نطنز مثلا - وتلك الناجمة عن مخاطر استهداف مفاعلات نووية. الأولى ليست بسيطة، لكن الأخيرة هي التي قد تنذر بكارثة نووية حقيقية. في المفاعلات النووية وخلال التفاعل النووي، تنشطر ذرات اليورانيوم وينتج عن ذلك نظائر مشعة – وهي مواد أكثر إشعاعاً من اليورانيوم الموجود في منشآت التخصيب، حيث لا يحدث التفاعل النووي. لذلك يرجح العلماء الذين تحدثت إليهم بي بي سي أن تكون المخاطر الناجمة عن قصف منشآت التخصيب أقل بكثير من تلك الناتجة عن احتمال قصف المفاعلات. ويقولون إن أخطر ما قد يحدث من حيث الإشعاع المؤذي للناس، هو هجوم على مفاعل نووي كمفاعل بوشهر في إيران أو المفاعل الإسرائيلي في ديمونا. يذكر أن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافايل غروسي، قد قال يوم الإثنين إن هناك تلوثاً إشعاعياً وكيميائياً في موقع منشأة نطنز للتخصيب التي قصفتها إسرائيل، لكن مستويات الإشعاع خارج الموقع لا تزال طبيعية، وكذلك الأمر بالنسبة للمنشآت الأخرى التي قصفت حتى الآن. ما المناطق والدول التي قد تتضرر في حال وقوع الكارثة؟ هذا هو السؤال الأصعب، لأنه يعتمد على عامل لا يمكن التنبؤ به، وهو حال الطقس في ذلك اليوم، وتحديداً سرعة واتجاه الرياح والمطر. فحين تنتشر الجزئيات المشعة في الأجواء نتيجة هجوم أو انفجار في مفاعل نووي، تحمل الرياح هذه الجزئيات وتصبح بمثابة غيمة من الإشعاع، وإذا تساقطت الأمطار، يسقط معها الإشعاع من الغيمة إلى الأرض في مكان سقوط المطر. يذكر أنه بعد كارثة تشيرنوبل في أوكرانيا عام 1986 – حين كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي السابق– وصلت غيمة إشعاع إلى بريطانيا، ولو أن أضرارها البيئية كانت طفيفة، في حين وصل غيم يحمل إشعاعا مركزا أكثر خطورة إلى منطقة تبعد مئة كيلومتر عن موقع الحادث. ومع ذلك، يشدد البعض على أن الحوادث النووية التي تشكل خطراً على الناس خارج الموقع النووي نادرة. يقول جيم سميث، البروفيسور في علم البيئة في جامعة بورتسموث والذي تخصص في دراسة آثار حادثة تشيرنوبل، إنه "من النادر للغاية أن يكون هناك حادث كبير بما فيه الكفاية ليشكل خطرا كبيرا على الناس خارج الموقع. فقط في حالات كحالة تشيرنوبل، وحادث فوكوشيما في اليابان عام 2011، كان هناك خطر فعلي على الناس خارج الموقع النووي. وحتى في تلك الحالتين، لم يزد الخطر بشكل كبير. هو خطر، نعم، لكنه صغير مقارنة بالمخاطر التي نواجهها في حياتنا." مخاطر خاصة بدول الخليج منذ أربع سنوات نشرت مجلة "العلم والأمن العالمي" العلمية دراسة مبنية على آلاف عمليات المحاكاة لما قد يحدث لمدن رئيسية في منطقة الخليج في حال وقوع حريق في برك الوقود النووي المستهلك في محطة بوشهر في إيران أو في محطة براكة في الإمارات العربية المتحدة. وفقا للمشرفين على الدراسة، فإن أي حادث نووي في منطقة الخليج قد تكون له آثار تضاف إلى الآثار المتوقعة لأي حادث نووي في أي منطقة في العالم، بسبب ثلاثة عوامل: أولاً، كثافة السكان في مدن ساحلية، ما قد يعقّد جهود نقل الناس في حال وقوع أي كارثة. ثانياً، اعتماد دول الخليج بشكل كبير على مياه البحر المحلاة، ما قد يسبب أزمة مياه لكل سكان المنطقة، خاصة أن البحر هناك شبه مغلق، ودورة المياه فيه تحتاج إلى ما بين سنتين وخمس سنوات لتكتمل. ومع أن بعض معامل التحلية يمكنها التعامل مع هذا التلوث، غير أنها قد تضطر لوقف العمل لفترة معينة في حال وقوع الحادث. أما العامل الثالث، فهو تركز النشاط الاقتصادي - تحديدا إنتاج ونقل النفط والغاز – في مناطق الساحل وفي مياه الخليج. وقد يؤدي حادث نووي في المنطقة إلى تعطيل مرور السفن في مضيق هرمز، ما قد تكون له آثار كبيرة على هذه الدول. "لا تقلقوا" يقول الخبراء إن التوجيهات المتبعة في حال وقوع كارثة نووية متعارف عليها، وهي عادة تتمثل بتوجيه الناس ليبقوا داخل المنازل وليغلقوا النوافذ والأبواب، وألا يشربوا المياه من مصادر مكشوفة ولا يتناولوا الخضار والفاكهة التي قد تكون تعرّضت للإشعاع. وقد يلجأ البعض إلى تخزين المواد الغذائية من باب الاحتياط. لكن كل الإجراءات، وكذلك كل التنبيهات والتطمينات، لا يمكنها محو حالة القلق، التي قد تصبح هي نفسها خطراً إضافياً يُضاف إلى المخاطر المحيطة بنا. يقول جيم سميث: "نصيحتي بشكل عام للناس ألا يقلقوا كثيرا. فنحن شاهدنا بعد تشيرنوبل أن القلق الموجود لدى الناس من الإشعاع – وهو مفهوم طبعا – قد يتسبب بمشاكل أكثر من الإشعاع نفسه. إذا قيل لكم أن تحتموا، فاصغوا إلى ما تقوله السلطات، ولا تقلقوا بشكل عام." هيئة الرقابة النووية والإشعاعية السعودية نشرت تغريدة شبيهة بما قاله سميث: "تؤثر الصور الذهنية الدارجة عند أغلب الجمهور على القدرة على التقييم الصحيح للمخاطر، وتعتبر من أكبر التحديات في مواجهة الطوارئ النووية والإشعاعية. ومن المهم الالتزام بالبيانات والتصريحات الرسمية وتجنب تداول هذه الصور الذهنية." أما الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فقد فضلت التعبير عن مخاوفها بشكل لا يقبل التأويل، في أول بيان لمديرها العام، رافاييل غروسي، بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران، إذ قال: "لقد ذكرتُ مراراً وتكراراً أنه يجب ألا تتعرض المرافق النووية أبداً للهجوم، بصرف النظر عن السياق أو الظروف." وأضاف: "أؤكد مجدداً أن أي عمل عسكري يخلُّ بأمان المرافق النووية وأمنها قد يؤدي إلى عواقب وخيمة تؤثِّر على الإيرانيين والمنطقة والخارج".


الوسط
منذ يوم واحد
- الوسط
تسريبات نووية هزّت العالم: من تشيرنوبل إلى فوكوشيما
Getty Images منذ دخول الطاقة النووية في الاستخدام المدني، لم تكن بمنأى عن الحوادث والأعطال غير المتوقعة، فعلى مدى العقود الماضية، شهد العالم كوارث نووية شكّلت نقاط تحوّل في النقاش حول أمان هذه التقنية وحدود السيطرة البشرية عليها. بعض الحوادث لقي تغطية واسعة، فيما بقيت أخرى طيّ الكتمان لسنوات، ورغم التقدّم في أنظمة السلامة، كشفت التسريبات غير المعلنة عن فجوات في الشفافية، وعززت المخاوف من أن بعض المخاطر قد تكون غير مرئية أو تُكتشف بعد فوات الأوان. واليوم، يتجدد القلق مع إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن "تأثيرات مباشرة" طالت قاعات تخصيب تحت الأرض في منشأة نطنز الإيرانية، عقب ضربات إسرائيلية، وفق تحليل صور أقمار صناعية. ورغم غياب التفاصيل الدقيقة، يُعدّ هذا التطور إنذاراً جديداً بخطورة استهداف منشآت نووية في النزاعات المسلحة. في هذا السياق، تبدو العودة إلى أبرز الحوادث التي شهدها التاريخ النووي ضرورية، لفهم ما تغيّر وما الذي لا يزال يُهدد التوازن بين التقنية والسلامة. تشيرنوبل (أوكرانيا) - 1986 في 26 أبريل/نيسان 1986 ، وقع انفجار في المفاعل رقم 4 بمحطة تشيرنوبل النووية شمال أوكرانيا، التي كانت آنذاك جزءاً من الاتحاد السوفيتي، ما أدى إلى تسرّب كميات كبيرة من المواد المشعة إلى الغلاف الجوي. وبحسب الرابطة العالمية للطاقة النووية، لقي عاملان حتفهما فوراً، وتوفي 29 آخرون خلال الأسابيع التالية نتيجة الإصابة بمتلازمة الإشعاع الحادة، من بين 134 شخصاً نُقلوا لتلقي العلاج بعد تعرضهم لإشعاع مرتفع. أعلنت السلطات السوفيتية إجلاء أكثر من 115 ألف شخص، بينهم سكان مدينة بريبيات، ثم توسعت عملية الإجلاء لاحقاً لتشمل نحو 350 ألفاً. وفُرضت "منطقة محظورة" بقطر 30 كيلومتراً حول موقع المفاعل. ووفقاً لمركز الدراسات النووية الفرنسي وهيئة الطاقة النووية السويدية، امتد التلوث الإشعاعي إلى أجزاء واسعة من أوروبا، منها السويد وألمانيا، وساهم في كشف الحادث دولياً بعد تأخر الإعلان الرسمي. Getty Images وُضعت الزهور عند نصب تذكاري لرجال الإطفاء الذين لقوا حتفهم في كارثة تشيرنوبل النووية صُنّفت الكارثة على الدرجة السابعة، وهي الأعلى على مقياس الحوادث النووية الدولية، نظراً لحجم الإشعاع وتأثيراته الممتدة. وعلى إثرها، بُنِي هيكل خرساني لاحتواء المفاعل، قبل أن يُستبدل لاحقاً بقبة فولاذية بدعم دولي افتُتِحت عام 2016. وقد أسهمت الكارثة في مراجعة معايير السلامة النووية عالمياً، واعتُبرت من العوامل التي سرّعت انهيار الاتحاد السوفيتي. فوكوشيما دايتشي (اليابان) - 2011 في 11 مارس/آذار 2011 ، تسبّب زلزال بلغت قوته 9 درجات على مقياس ريختر، تبعته موجات تسونامي، في كارثة نووية بمحطة فوكوشيما دايتشي شمال شرق اليابان، صُنّفت على الدرجة السابعة - الأعلى - وفق مقياس الحوادث النووية الدولية، لتُعد ثاني أسوأ حادثة نووية بعد تشيرنوبل. أدى الزلزال والتسونامي إلى تعطيل أنظمة التبريد في ثلاثة مفاعلات وانصهار أنويتها جزئياً، ما نتج عنه تسرّب كميات كبيرة من المواد المشعة إلى الجو والمياه. لم تُسجَّل وفيات مباشرة نتيجة الإشعاع، لكن أكثر من 160 ألف شخص أُجبروا على مغادرة المناطق المحيطة، وفقاً للسلطات اليابانية. وفيما بعد، قدّرت وزارة الصحة وقوع مئات الوفيات غير المباشرة بسبب الصدمات والتهجير، خاصة بين كبار السن. تسرُّب اليود والسيزيوم المشع إلى المحيط والمياه الجوفية أثار قلقاً بيئياً واسعاً بشأن الحياة البحرية وسلامة السلسلة الغذائية. ولا تزال عملية تفكيك المحطة مستمرة، ومن المتوقع أن تستمر حتى منتصف القرن الحالي، وفي عام 2023، شرعت الحكومة اليابانية بتصريف المياه المعالجة إلى البحر، في خطوة أثارت انتقادات داخلية وخارجية من الصين وكوريا الجنوبية. Getty Images يابانيون يحملون لافتات كُتب عليها "لا ترموا المياه الملوثة بالإشعاعات في البحر!" جزيرة الأميال الثلاثة (الولايات المتحدة) - 1979 في 28 مارس/آذار 1979 ، تعرّضت الولايات المتحدة لأخطر حادث نووي في تاريخها، حين شهد مفاعل في محطة "جزيرة الأميال الثلاثة" قرب هاريسبرغ بولاية بنسلفانيا انصهاراً جزئياً في قلبه، نتيجة خلل تقني أعقبته سلسلة من الأخطاء البشرية. ووفق هيئة التنظيم النووي الأمريكية (NRC) والرابطة العالمية للطاقة النووية، أدى الحادث إلى تسرب كميات محدودة من الغازات المشعة إلى الغلاف الجوي، ما أثار ذعراً واسعاً بين السكان ودفع الآلاف إلى مغادرة المنطقة المحيطة طوعاً، رغم عدم صدور أوامر رسمية بالإخلاء. بدأت الأزمة بتوقف إحدى مضخات التبريد، تلاه فشل في قراءة طبيعة الخلل والتعامل معه، ما أدى إلى ارتفاع حرارة الوقود النووي وحدوث انصهار جزئي استمر لساعات قبل السيطرة عليه. ورغم عدم وقوع انفجار أو أضرار مادية جسيمة، كشف الحادث عن ثغرات كبيرة في أنظمة المراقبة والسلامة، وأدى إلى تراجع الثقة العامة في الطاقة النووية. ورغم أن السلطات لم تسجل وفيات أو إصابات مباشرة نتيجة التعرض للإشعاع، إلا أن سكان المناطق المجاورة أعربوا عن قلق مستمر، لا سيما مع ظهور مشكلات صحية لاحقة. وخلصت التحقيقات الفيدرالية إلى أن الحادث كان يمكن تفاديه، وأوصت بتحديث الأنظمة وتعزيز التدريب والوقاية داخل المحطات. Getty Images محطة الطاقة النووية المغلقة "ثري مايل آيلاند" في قلب نهر سسكويهانا وأدى الحادث إلى تباطؤ ملحوظ في صناعة الطاقة النووية في الولايات المتحدة، حيث توقفت مشاريع بناء المفاعلات الجديدة لسنوات، بينما خضعت المنشآت القائمة لمراجعات مشددة في أنظمة التشغيل والسلامة. وقد أُغلق المفاعل المتضرر نهائياً بعد الحادث، فيما استمر المفاعل الآخر في نفس الموقع بالعمل حتى عام 2019. كيشتم (روسيا) - 1957 في 29 سبتمبر/أيلول 1957 ، وقع انفجار نووي ضخم في منشأة "ماياك" قرب بلدة كيشتم في جبال الأورال وسط الاتحاد السوفيتي، فيما يُعدّ ثالث أسوأ كارثة نووية في التاريخ بعد تشيرنوبل وفوكوشيما، رغم أن الحادث ظلّ طيّ الكتمان لأكثر من ثلاثة عقود. ولم تُصدر السلطات السوفيتية أي إعلان رسمي وقتها، ما جعل الانفجار يُصنَّف ضمن أخطر التسريبات النووية السرية في القرن العشرين. وبحسب موسوعة بريتانيكا وموقع "وورد أطلس"، نتج الانفجار عن تعطل نظام تبريد في أحد خزانات النفايات النووية السائلة، ما أدى إلى تراكُم الحرارة وانفجار بقوة تعادل 70 إلى 100 طن من مادة TNT، مُطلقاً غيمة مشعة امتدت لأكثر من 300 كيلومتر نحو شمال شرق الموقع، فيما عُرف لاحقاً باسم "المناطق الملوثة في أورال الشرق". ونتيجة للتعتيم، لم تُوثَّق الخسائر البشرية بدقة في حينه، لكن تقديرات علمية لاحقة تشير إلى وفاة نحو 200 شخص، وتعرّض أكثر من 10 آلاف آخرين لمستويات عالية من الإشعاع، كما تم إجلاء سكان 20 قرية من دون إبلاغهم بالأسباب. واستمر الإنكار الرسمي حتى كشف العالم السوفيتي زورس ميدفيديف تفاصيل الحادث في كتاب نشره عام 1976 من منفاه، بينما لم تعترف موسكو رسمياً بالكارثة إلا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في التسعينيات، حين أُتيح للباحثين الوصول إلى بعض الوثائق. ولا تزال آثار الحادث البيئية قائمة، إذ بقيت التربة والمياه ملوثة لعقود، بينما تُعدّ أجزاء من "طريق الغيمة المشعة" غير صالحة للسكن حتى اليوم. ويندسكيل (المملكة المتحدة) - 1957 في أكتوبر/تشرين الأول 1957 ، اندلع حريق داخل أحد مفاعلي منشأة "ويندسكيل" النووية في شمال غرب إنجلترا، فيما اعتُبر أول حادث نووي خطير في تاريخ المملكة المتحدة، وواحداً من أكثر الحوادث التي أحيطت بالسرية لعقود. وبحسب موسوعة بريتانيكا، استمر الحريق نحو 16 ساعة، وأدى إلى تسرب مواد مشعة أبرزها اليود-131 في الغلاف الجوي، ما تسبب في تلوث بيئي طال مناطق واسعة في شمال إنجلترا واسكتلندا. المنشأة كانت مخصصة لإنتاج البلوتونيوم لأغراض عسكرية ضمن سباق التسلح النووي إبان الحرب الباردة، ووقع الحريق بعد محاولة رفع حرارة قلب المفاعل لتسريع الإنتاج دون تقييم كافٍ للمخاطر. تأخر الفنيون في إدراك حجم المشكلة، واستخدموا وسائل بدائية في محاولة إخماد الحريق، قبل أن يُقرَّر في النهاية إغلاق أنظمة التهوية لخنقه، ما خفّف من حجم التسرّب دون أن يمنعه كلياً. Getty Images منظر جوي لمحطتي كالدر هول وويندسكيل للطاقة ولم تسجّل وفيات مباشرة، إلا أن الحكومة البريطانية قدّرت لاحقاً أن المئات ربما أُصيبوا بسرطان الغدة الدرقية نتيجة التعرض لليود المشع. كما جرى سحب كميات كبيرة من الحليب من الأسواق كإجراء وقائي، في واحدة من أولى حالات التدخل الغذائي المرتبطة بتسرب نووي في أوروبا. ورغبةً في الحفاظ على السمعة النووية للمملكة المتحدة في خضم المنافسة الدولية، ظلت تفاصيل الحادث طي الكتمان حتى الثمانينيات، حين كشفت تقارير رسمية أن الحريق كان أخطر بكثير مما أُعلن، وأن سوء تقدير فني كاد يؤدي إلى انفجار واسع النطاق. التسريبات "غير المعلنة" والمخاوف الجديدة في فترات الحرب الباردة ، على وجه الخصوص، حرصت دول عدة، لا سيما الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، على التعتيم الكامل على حوادث إشعاعية متكررة داخل منشآتها العسكرية، خاصة تلك المرتبطة بتصنيع الأسلحة النووية أو التخلص من نفاياتها. وقد كشفت وثائق استخبارية وشهادات موظفين سابقين لاحقاً عن وقوع تسربات إشعاعية في منشآت مغلقة في سيبيريا، وكازاخستان، وأوك ريدج في الولايات المتحدة، لم يُعلَن عنها في حينه، وغالباً ما جرى التعامل معها داخل نطاقات عسكرية مغلقة، دون وجود رقابة مستقلة أو اعتراف رسمي. ومن بين المصادر التي أفصحت عن ذلك، كانت وثائق أرشيف لجنة الطاقة الذرية الأمريكية، التي كشفت كيف أن مختبرات مثل أوك ريدج في الولايات المتحدة، خاصة في Y‑12 وORNL، شهدت حوادث تسرب داخلي وإشعاعي كان التعامل معها ضمن نطاقات محلية دون إعلان عام. Getty Images وازدادت في السنوات الأخيرة الدعوات لتعزيز الشفافية الدولية، لا سيما في ظل تقارير تشير إلى إشارات تسرّب مشع رُصدت بالأقمار الصناعية في مناطق نووية حساسة في دول مثل كوريا الشمالية وإيران، دون وجود تأكيدات قاطعة من قبل الحكومات المعنية. وفي بعض الحالات، أفادت منظمات رقابية أوروبية برصد غيوم مشعة في الأجواء دون معرفة مصدرها الدقيق، كما حدث في عام 2017 عندما رُصدت جزيئات من الروثينيوم-106 فوق أوروبا الشرقية، في حادث لم تعترف أي دولة بمسؤوليته. هذا النوع من التسريبات غير المرتبط بكوارث مفاجئة بل بتدهور تدريجي أو خلل في أنظمة التخزين، يثير قلقاً متزايداً لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تؤكد أن التهديد الأكبر قد لا يكون في الانفجارات، بل في الصمت الطويل المرافق للتسرّب البطيء والخفي. وفي ظل عودة التوترات الجيوسياسية، خاصة في الصراعين الجاريين بين روسيا وأوكرانيا من طرف، وإٍسرائيل وإيران من طرفٍ آخر، وانتشار المنشآت النووية في تلك المناطق، تعود المخاوف من أن يكون العالم مقبلاً على جيل جديد من التسريبات النووية التي لا تُوثق إلا بعد فوات الأوان.


الوسط
منذ 3 أيام
- الوسط
«الدولية للطاقة الذرية»: لا مؤشرات على تعرض المنشأة السفلية في موقع نطنز النووي الإيراني لهجوم
أكد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي الإثنين، أنّ «لا مؤشرات على هجوم» على المنشأة السفلية من موقع نطنز لتخصيب اليورانيوم في إيران، وذلك إثر ضربات إسرائيلية دمّرت القسم الموجود فوق الأرض. وقال غروسي خلال اجتماع طارئ لمجلس محافظي الوكالة «لا توجد أي مؤشرات على هجوم ملموس على قاعة السلاسل (لأجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم) الموجودة تحت الأرض والتي تضم جزءا من محطة التخصيب التجريبي ومحطة التخصيب الرئيسية»، وفق وكالة «فرانس برس». وأضاف «مع ذلك، ربما يكون انقطاع التيار الكهربائي عن قاعة السلاسل قد ألحق ضررا بأجهزة الطرد المركزي هناك». استهداف محطة نطنز النووية وفي وقت سابق الجمعة، شن الاحتلال الإسرائيلي، ضربات واسعة النطاق على مدن عدة ومنشآت نووية إيرانية منها موقع منشأة نطنز، وأسفرت عن مقتل قادة عسكريين وعلماء. فيما أعلنت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية الجمعة، أن معظم الأضرار الناجمة عن الضربات الإسرائيلية التي استهدفت منشأة تخصيب اليورانيوم الموجودة تحت الأرض في نطنز، هي على مستوى السطح، ولم تُسجَّل خسائر بشرية. - وقال الناطق باسم المنظمة بهروز كمالوندي إن «معظم الأضرار هي على مستوى السطح»، مؤكدا «عدم وقوع إصابات» في المنشأة حيث توجد أجهزة الطرد المركزي للتخصيب تحت الأرض، بحسب وكالة تسنيم للأنباء.