
بعد "الأسد الصاعد".. إيران أمام مراجعة شاملة لعقيدتها العسكرية
طهران- لم تكن عملية " الأسد الصاعد" التي شنتها إسرائيل على إيران مجرد ضربة عسكرية، بل وصفت في الأوساط السياسية الإيرانية بأنها "تهديد وجودي" هز قواعد العقيدة العسكرية القائمة على مفهوم "الضربة الثانية"، وأثار تساؤلات عميقة عما إذا كان هذا التهديد يستوجب قلب الطاولة النووية وفتح الباب أمام مراجعة شاملة للإستراتيجية الدفاعية.
وبينما لا تزال آثار القصف تخيم على بعض المنشآت العسكرية والأحياء السكنية التي كانت تؤوي علماء ومسؤولين مرتبطين بالبرنامج النووي، اندلع جدل داخلي بشأن جدوى الاستمرار في العقيدة التقليدية، بين تيار يدعو إلى تغيير استباقي حاسم، وآخر يحذر من "الانزلاق إلى مغامرة لا تحمد عقباها".
وكشف اختراق الطائرات الإسرائيلية وقاذفات أميركية أجواء إيران، واستهدافها منشآت نووية وأمنية، حسب بعض العسكريين، ثغرات في العقيدة الإيرانية التي تقوم على تلقي الضربة الأولى والرد عليها لاحقا.
ويرى الباحث العسكري علي عبدي أن هذه الإستراتيجية أضعفت من قدرة القوات الإيرانية على احتواء التهديد، متسائلا في حديث للجزيرة نت عن جدوى الانتظار حتى تلقي الضربات، بينما يفقد الجيش الإيراني قيادات وعناصر ومواقع حساسة.
وأشار عبدي إلى أن "العدوان الإسرائيلي أظهر حاجة ملحة إلى نهج عسكري أكثر جرأة"، مشيرا إلى مؤشرات على بدء هذا التحول، منها كشف بعض الأسلحة الإستراتيجية خلال الهجوم الأخير، وتعيين قيادات جديدة تعطي الأولوية للهجوم بدلا من الدفاع.
ولم تخل التصريحات الرسمية من نبرة تصعيدية، إذ حذر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي من أن "بلاده لن تتردد في كشف قدراتها الحقيقية إذا استمرت التهديدات"، في وقت دعا فيه عبدي إلى اعتماد سلوك غير متوقع لردع الأعداء، وتنشيط الفصائل الحليفة في أي مواجهة قادمة.
مناقشة الردع النووي
تزامنا مع هذه التطورات، أعادت تصريحات كبار المسؤولين الإيرانيين طرح موضوع السلاح النووي للنقاش. ففي 2024، حذر كمال خرازي، رئيس المجلس الإستراتيجي للسياسات الخارجية، من إمكانية تغيير العقيدة النووية في حال تعرض البلاد لتهديد وجودي، وهو ما أكده لاحقا مستشار المرشد الأعلى علي لاريجاني الذي أشار إلى أن "أي خطأ أميركي قد يدفع الشعب الإيراني للمطالبة بتصنيع قنبلة نووية".
هذا التحول في المزاج السياسي لقي صداه بين الجمهور، إذ كشف استطلاع رسمي أجراه مركز أبحاث منظمة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية بعد 4 أيام من الهجوم الإسرائيلي، أن 66% من الإيرانيين باتوا يؤيدون امتلاك بلادهم سلاحا نوويا.
كما طالبت "جمعية الأساتذة الثوريين في الحوزة العلمية بقم" بإعادة النظر في العقيدة النووية السلمية، ودعت القيادة إلى "رد حازم وسريع" على ما وصفته بـ"العدوان الغاشم".
موقف البرلمان
في هذا السياق، صوت البرلمان الإيراني الأسبوع الماضي على مشروع قانون لتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، في خطوة وصفها الباحث السياسي ياسر شاماني، في حديثه للجزيرة نت، بأنها "رد فعل حتمي على تهديد وجودي لم يعد من الممكن تجاهله".
ومع ذلك، حذر شاماني من خطورة الانسحاب الكامل من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، خشية التبعات الدبلوماسية، داعيا في المقابل إلى تحرك دبلوماسي فعال لانتزاع إدانة رسمية للهجوم الإسرائيلي-الأميركي على منشآت بلاده النووية.
وأكد أن جزءا من الطبقة السياسية الإيرانية يرى أن المعاهدة لم تحم المنشآت النووية الإيرانية، بل ربما شكلت أداة تسريب لمعلومات حساسة عن العلماء والبرامج النووية إلى أطراف معادية.
وفي ما يتعلق بالدعوات إلى اعتماد "سياسة الغموض النووي"، رأى شاماني أن الإعلان الصريح عن امتلاك السلاح النووي، كما فعلت دول أخرى، قد يكون أكثر فاعلية في الردع، خصوصا في ظل غياب ضمانات دولية حقيقية لحماية أمن إيران.
الجدل الفقهي والعقائدي
في المقابل، يرى الناشط السياسي المحافظ عبد الرضا داوري أن تغيير العقيدة العسكرية الإيرانية أمر غير وارد، نظرا لارتباطها بمبادئ الفقه الشيعي، الذي لا يجيز "الجهاد الابتدائي في ظل غياب الإمام المعصوم".
وفي حديثه للجزيرة نت، ذكر داوري بفتوى المرشد الأعلى علي خامنئي بتحريم إنتاج أو حيازة أسلحة الدمار الشامل، واعتبر أن السلاح النووي لم يعد يشكل عامل ردع حقيقي، مشيرا إلى أن الرد الصاروخي الإيراني على إسرائيل -التي تمتلك ترسانة نووية- أثبت فاعلية الرد التقليدي.
واقترح داوري مراجعة الخطاب الرسمي الإيراني تجاه القضية الفلسطينية، دون الاعتراف بإسرائيل، والاستمرار في دعم "الفصائل التحررية"، مع التوصل إلى تفاهم سياسي حول برنامج نووي سلمي يسمح باستخدام الطاقة النووية لأغراض طبية وصناعية، دون تعريض البلاد لمخاطر المواجهة الشاملة.
وبينما تجمع النخب السياسية في طهران على وصف الهجمات الأخيرة بأنها تهديد وجودي، تتباين المواقف بشأن كيفية الرد عليه: هل يكون عبر إعادة النظر في العقيدة النووية، أم بالتشبث بالثوابت العقائدية؟ وبين هذا وذاك، يترقب المراقبون ما إذا كانت طهران ستبقى متمسكة بعقيدة "الضربة الثانية"، أم أنها تقف على أعتاب عصر جديد يتسم بـ"وضوح نووي" وردع استباقي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 20 دقائق
- الجزيرة
بعد سنوات من الخلافات.. قبرص تعتزم دعوة أردوغان للمشاركة في قمة أوروبية
أعلنت الحكومة القبرصية، اليوم الاثنين، أنها تعتزم دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لحضور قمة لزعماء المنطقة خلال رئاستها الا تحاد الأوروبي العام المقبل، رغم خلاف قائم منذ عقود بشأن عملية عسكرية شنتها تركيا في 1974، ودعمها لدولة قبرص الشمالية في الجزيرة المقسمة. وقال الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليديس إن نيقوسيا ستتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي في الأشهر الستة الأولى من 2026، وتخطط لعقد قمة لزعماء المنطقة، من بينهم الرئيس التركي، تتناول قضايا تتعلق بالشرق الأوسط. وقال خريستودوليديس للصحفيين في نيقوسيا "لا يمكن تغيير الجغرافيا.. ستظل تركيا دائما جارة لجمهورية قبرص.. سيكون بالطبع مرحبا بأردوغان في هذه القمة لمناقشة التطورات في المنطقة". وكان خريستودوليديس قد أدلى بالتصريح نفسه في وقت سابق عند سؤاله في برنامج بريطاني يبث على الإنترنت (بودكاست) أُذيع اليوم، وأضاف أن القمة مقرر عقدها في أبريل/نيسان 2026. ولم ترد الرئاسة التركية بعد على طلب من رويترز للتعليق على دعوة أردوغان. ولا تربط قبرص وتركيا علاقات دبلوماسية، واستضافة رئيس تركي قد تشكّل تحديا لكلا الطرفين بسبب التوتر الدبلوماسي الناجم عن صراعات ومشكلات لوجيستية سابقة. وفي عام 1974 نفذ الجيش التركي عملية عسكرية في جزيرة قبرص أُطلق عليها اسم "عملية السلام"، لدعم القبارصة الأتراك، مما أدى لتقسيم الجزيرة لقسم تركي وآخر يوناني، في المقابل تطلق اليونان وقبرص ذات الأغلبية اليونانية على العملية اسم "الغزو" التركي للجزيرة. وفشلت عقود من المفاوضات برعاية الأمم المتحدة في توحيد الجزيرة. وانهارت آخر جولة من محادثات السلام عام 2017 بسويسرا، وفي 2004 رفض القبارصة اليونانيون في استفتاء خطة مدعومة من الأمم المتحدة لتوحيد الجزيرة. وتعترف أنقرة بجمهورية شمال قبرص التركية الواقعة شمال الجزيرة، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي تعترف بها، في حين تعترف الأمم المتحدة وباقي الدول الأعضاء بجمهورية قبرص ذات الأغلبية اليونانية.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
إسرائيل تُقر باستهداف طالبي المساعدات في غزة
أقر الجيش الإسرائيلي، اليوم الاثنين، بتعرض مدنيين فلسطينيين للأذى بمراكز توزيع المساعدات في قطاع غزة ، قائلا إن تعليمات جديدة صدرت للقوات بناء على "الدروس المستفادة". وأفادت الأمم المتحدة بمقتل أكثر من 400 فلسطيني أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات منذ أن رفعت إسرائيل في 19 مايو/أيار جزئيا حصارا استمر 11 أسبوعا على دخول المساعدات لغزة، مما سمح باستئناف وصول شحنات محدودة من المساعدات الإنسانية. وقال الجيش الإسرائيلي -في بيان- "في أعقاب الحوادث المُبلغ فيها عن وقوع إصابات بصفوف مدنيين وصلوا إلى منشآت توزيع، أُجريت تحقيقات شاملة في القيادة الجنوبية وصدرت تعليمات للقوات في الميدان بناء على الدروس المستفادة". وأضاف أن الحوادث التي تعرض فيها سكان غزة للأذى قيد المراجعة. وقال مسؤول كبير في الأمم المتحدة ، أمس الأحد، إن غالبية القتلى كانوا يحاولون الوصول إلى مواقع توزيع المساعدات التي تديرها " مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة من الولايات المتحدة. وبدأت المؤسسة توزيع الطرود الغذائية في غزة نهاية مايو/أيار الماضي، وأشرفت على نموذج جديد لتوزيع المساعدات وصفته الأمم المتحدة بأنه "غير محايد". لكن عددا كبيرا من سكان غزة يقولون إنهم يضطرون للسير لساعات للوصول إلى المواقع، مما يعني ضرورة التحرك قبل الفجر بوقت كافٍ إذا ما أرادوا الحصول على أي فرصة لتلقي الغذاء. وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يوم الجمعة الماضي إن عملية الإغاثة التي تدعمها الولايات المتحدة في غزة "غير آمنة بطبيعتها.. إنها تتسبب في مقتل السكان". وتريد إسرائيل والولايات المتحدة أن تعمل الأمم المتحدة من خلال "مؤسسة غزة الإنسانية"، لكن المنظمة الدولية رفضت الأمر وشككت في حياد المؤسسة ووصفت طريقة التوزيع بأنها "عسكرة" للمساعدات، وتجبر سكان قطاع غزة على النزوح.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
معاريف: سموتريتش يحاول أن يظهر أكثر تشددا من بن غفير على حساب الأسرى
في مقال نشرته صحيفة "معاريف" العبرية، اتهمت الكاتبة الإسرائيلية صوفي رون موريا وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بالمسؤولية عن إطالة أمد الحرب في غزة وعرقلة التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى. وترى الكاتبة أن مواقف سموتريتش لا تنبع من أيديولوجيا راسخة أو حكمة سياسية بقدر ما تعكس صراعا سياسيا داخليا ورغبة بين المتشددين للتفوق في منافسة "التشدد" على حساب حياة الجنود والأسرى. تناقض الحكومة وقالت الكاتبة إن إسرائيل استفاقت في اليوم التالي لإعلان وقف إطلاق النار مع إيران على خبر محزن بإعلان مقتل 7 جنود، فضلا عن سقوط أربعة آخرين خلال أيام المواجهة مع طهران. وأضافت أن هذه الخسائر البشرية الكبيرة تأتي نتيجة مواجهة مع "تنظيم صغير" مثل حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في حين أن إسرائيل لم تدفع مثل هذا الثمن في مواجهاتها مع قوى إقليمية كبرى كإيران أو حزب الله ، ومن هنا تتساءل عن السبب الحقيقي لهذا الاستنزاف، وتوجّه أصابع الاتهام مباشرة إلى سموتريتش. وتعتبر الكاتبة أن سلوك الحكومة الإسرائيلية يتسم بالتناقض، حيث تم التوصل إلى تفاهمات ووقف لإطلاق النار مع إيران وحزب الله، بينما يتم رفض أي خطوة مماثلة في غزة ، رغم التقدم الملحوظ في المفاوضات بشأن صفقة تبادل الأسرى. وترى موريا أن هذا الرفض يأتي بإيعاز من أقطاب اليمين المتطرف، وعلى رأسهم سموتريتش و بن غفير ، اللذان روّجا منذ بداية الحرب لـ"كذبة التعارض" بين صفقة تبادل الأسرى وتضحيات الجنود. وتشرح الكاتبة هذه "الكذبة"، قائلة إنها تزعم أن الإفراج عن الأسرى يهدر تضحيات الجنود، وهي -حسب رأيها- أكذوبة خطيرة تُستخدم لتبرير استمرار الحرب، في حين أن الحقيقة هي أن استمرار القتال العبثي في غزة يعرّض المزيد من الجنود للخطر، دون أن يحقق إنجازا عسكريا حاسما. وأكدت أن استمرار القتال يزج بالجيش في حرب عصابات دامية، يتحمّل مسؤوليتها بالأساس وزراء اليمين الديني المتطرف. وتضيف الكاتبة أن ذريعة "تدمير حماس" ليست سوى غطاء واهٍ لإطالة أمد الحرب، مشيرة إلى أن إسرائيل لم تدمر حزب الله، ولا النظام الإيراني، ورغم ذلك لم يُطرح استمرار القتال معهما باعتباره "ضرورة وجودية". وأوضحت أن سموتريتش وبن غفير لم يهددا بالانسحاب عند توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ما يكشف انتقائية مواقفهما واستخدام حرب غزة لتحقيق مكاسب سياسية داخلية. وحسب رأيها، فإن الهدف غير المعلن من استمرار الحرب هو عرقلة صفقة الأسرى، إذ لا يمكن تحريرهم إلا عبر اتفاق، وهو الأمر الذي تعارضه الأحزاب المتطرفة خوفا من منح "انتصار رمزي" لحماس. الأشد تطرفا وتتابع الكاتبة قائلة إنها لا تتفق مع الرواية المتداولة بأن سموتريتش يسعى جاهدا لتنفيذ مشروعه الاستعماري في غزة، إذ إنه ليس ساذجا ويُدرك تماما استحالة احتلال غزة. والسبب في إصراره على عرقلة أي اتفاق لإطلاق سراح الأسرى ومحاولة الظهور بأكبر قدر من القسوة والتشدد، تماما مثل وزيرة الاستيطان أوريت ستروك، هو التنافس بين أحزاب أقصى اليمين. هنا يمكن حلّ اللغز حسب تعبيرها، حيث إن هذا التنافس يؤدي إلى تصلب المواقف إلى حدّ العبث، وهو ما يفعله سموتريتش منذ ديسمبر/كانون الأول 2023، حين تراجعت شعبيته في استطلاعات الرأي بسبب دعمه لاتفاقية تبادل الاسرى الأولى التي عارضها بن غفير، وهو يبذل قصارى جهده منذ ذلك الحين لإثبات أنه أكثر تطرفا وصلابة من وزير الأمن. وذهبت الكاتبة إلى أن هذه المعركة خاسرة، لكن سموتريتش مصمم على مواصلتها مخالفا كل منطق سياسي، ناهيك عن القيم الدينية و"التقاليد الإسرائيلية في الالتزام بالعهود والاتفاقات". وختمت بأنه حتى بعد توقيع الاتفاق الجديد بناء على طلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، سيسعى سموتريتش جاهدا لتقسيمه إلى عدة مراحل على أمل إعادة الجنود إلى أنقاض غزة.