
حقيقة "قافلة الصمود"
أثارت قافلة "الصمود المغاربية" التي انطلقت من تونس بعد انضمام قافلة من الجزائر مرورًا بليبيا في طريقها إلى معبر رفح، جدلًا واسعًا خاصة في ظل عدم قيام نشطاء القافلة أو القائمين عليها باتباع الإجراءات اللازمة بالتواصل مع السلطات المصرية والتنسيق والحصول على تصاريح مسبقة لعبور الأراضي المصرية.
وطبقًا لما صدر عن وزارة الخارجية المصرية أمس بأن هناك ضوابط تنظيمية وآليات متبعة منذ بدء الحرب على غزة، وهي "التقدم بطلب رسمي للسفارات المصرية في الخارج أو من خلال الطلبات المقدمة من السفارات الأجنبية بالقاهرة، أو ممثلي المنظمات إلى وزارة الخارجية".
أقول وبكل وضوح: مصر لا تبحث عن مخرج لغلق الأبواب أمام قافلة الصمود المتوجهة إلى معبر رفح، خاصة أن هذه القافلة وغيرها من الرغبة المُلحة والعاجلة لدخول المساعدات الإنسانية هو الموقف المصري الثابت الداعي إلى رفع الحصار عن غزة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، ووقف سياسة الإبادة الجماعية والتجويع التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي.
ولكن هذه القافلة على الرغم من كونها تحركًا شعبيًا عابرًا للحدود في توقيت دقيق أمنيًا وسياسيًا، وتأتي بعد أيام مما حدث مع نشطاء سفينة "مادلين" الذين تعرضوا للاعتداء من قبل الكوماندوز الإسرائيلية في عرض البحر المتوسط، وتم اعتقالهم على مرأى ومسمع من العالم أجمع.
مصر مستمرة في العمل على كل المستويات؛ لإنهاء العدوان على القطاع، والكارثة الإنسانية التي لحقت بأكثر من 2 مليون من الأشقاء الفلسطينيين.
تساؤلات حول دوافع القافلة وتوقيتها
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل قافلة الصمود حراك حقيقي ومبادرة شعبية أم فخ للدولة المصرية؟ حقيقة، إن كانت هذه القافلة مبادرة فنُقدرها ونثمنها، لكنها جاءت متأخرة جدًا؛ فأين هذه التحركات منذ بدء العدوان؟ أين ثورة الغضب الشعبي والرسمي العربي والإسلامي، لوضع حد لهذه المجازر الدموية الإسرائيلية؟ أين الضمير العالمي؟ أين أبناء الأمتين العربية والإسلامية وأكثر من مليارين من أبنائها؟
بالطبع هذه التحركات الشعبية لكسر الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة لا نقف أمامها، ولكن نقوم بدعمها برؤية ووعي ومعرفة خطورة ما وراء الأمر؛ مما يثير تساؤلات بشأن رسائل ودلالات ما يجري.
أين هذه التحركات حتى داخل دول هؤلاء النشطاء لكسر جدار الصمت، وفضح جرائم الاحتلال والوقوف بجوار الصامدين المحاصرين في قطاع غزة واتخاذ خطوات فعلية لوقف جرائم التجويع والتشريد والقتل والهدم والإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني؟
اتهامات محتملة لمصر ودورها التاريخي
إن القافلة وبهذه الصورة التي تتحرك بها تسعى لإحراج مصر سياسيًا، في وقت تتحرك فيه الدولة المصرية قيادة وشعبًا بشكل مسئول لدعم الفلسطينيين في كل الاتجاهات، في وقت نعلم أن هناك من يجلس في الغرف المكيفة والقصور الفارهة ولا يهمه الأمر من قريب أو بعيد.
إن ما يحدث الآن من وجهة نظري المتواضعة هدفه الرئيسي وضع مصر، وكأنها هي من تمنع دخول المساعدات وتوجيه اتهامات باطلة للدولة المصرية، وكأنها هي المسئولة عن هذا الصراع التاريخي، مما يجعلنا نستنبط أن هناك هدفًا لجر مصر إلى مواجهة مباشرة أو إحداث تطورات غير محمودة العواقب.
وعلى الجانب الآخر، في حالة منع مصر تلك القافلة في ظل محافظتها على سيادة أرضها وقرارها ومطالبتها باتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين عبور القافلة، سيتم اتهام مصر بالتواطؤ في حصار وتجويع الفلسطينيين، وشن حملة إعلامية على مصر بأنها تكرس لسياسة التواطؤ مع الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، مع العلم أنه لما ورد ببيان وزارة الخارجية المصرية سبق وأن تم ترتيب العديد من الزيارات لوفود أجنبية، سواء حكومية أو من منظمات حقوقية غير حكومية، للمساهمة في تقديم الدعم لأهالي غزة.
سيادة مصر وشروط دخول المساعدات
إن ما يجب أن يعلمه الجميع أن هذا العمل الذي نثمنه والمعبر عن تأييد أهل غزة ويرفض ما يتعرضون له، ولكن هذا لا يعني اقتحام الحدود المصرية مع قطاع غزة، لاسيما في ظل هذه الظروف الصعبة والخاصة والتعقيدات البالغة الخطورة المحيطة بالحالة الموجودة على حدود مصر مع قطاع غزة وداخل القطاع، مما يلزم نشطاء القافلة باتخاذ الأطر الدبلوماسية والرسمية لضمان وصول هذه القافلة واتباع تعليمات السلطات المصرية في هذا الأمر والإجراءات اللازمة لضمان تحقيق ذلك، خاصة أننا جميعًا لدينا رغبة ملحة في دخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، ووقف هذا العدوان الصهيوني الغاشم، وأن ننجح في توصيل رسالتنا إلى الأمة العربية وإلى العالم أجمع.
مع العلم أن نشطاء القافلة والتي تضم حسبما ورد قيادات مدنية وشعبية، وأعضاء برلمان، ودبلوماسيين حاليين وسابقين، وأكاديميين، ورجال أعمال، وكل شرائح المجتمع المغاربي، الجزائري والتونسي والليبي والموريتاني وجنسيات أخرى، لا يعرفون الطرق الرسمية التي يمكن سلوكها لضمان عبور ودخول هذه القافلة، لضمان نجاح قافلة "الصمود" التي تحمل رسائل رمزية للعالم دعمًا للشعب الفلسطيني، وسعيًا لكسر الحصار عن أهله وإنهاء تجويع مواطنيه في الوقت الذي تُسفك فيه أيضًا دماء الضحايا من المواطنين الفلسطينيين في غزة رجالًا ونساء وأطفالًا.
حقيقة الوضع شائك للغاية، وكان الله في عون متخذي القرار بالدولة المصرية في ظل ضرورة الحفاظ على الأمن القومي ووجود ضغوط إقليمية ودولية متزايدة، ولكن على جميع المشككين أن يعلموا أن مصر قيادة وشعبًا منذ بدء أزمة القضية الفلسطينية وهي تحمل على عاتقها نصرتها والدفاع عن مقدساتنا الإسلامية، وكافة الحروب التي خاضتها الدولة المصرية منذ بدء تجييش الجيوش في عام 1948، مرورًا بحرب 1956، ثم حرب عام 1967، وكذلك حرب الاستنزاف ومعركة نصر أكتوبر عام 1973.
ووقفت مصر قادة وشعبًا بكل ما أوتوا من قوة لوقف وطأة الاحتلال الغاشم والتوسع في بناء المستوطنات؛ لوقف مخطط تهويد الهوية العربية والإسلامية، وتفريغها من مضمونها والقضاء عليها وجوديًا.
مصر هي من قامت بالتحرك فور اندلاع الأزمة مؤخرًا بقيادة الرئيس السيسي لنزع فتيل الأزمة وتوصيل حقيقة الأمر للعالم، وقادت مفاوضات الهدنة ووقف إطلاق النيران في كل العمليات العسكرية التي سبقت طوفان الأقصى، ومنع الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، علاوة على التصدي للمخطط الراغب في تصفية القضية الفلسطينية.
وقالت مصر لأمريكا وإسرائيل والعالم أجمع: سيناء خط أحمر ولا لتهجير الفلسطينيين. والشعب المصري أخرج قوافل من كل قرى ونجوع مصر، بالإضافة إلى مؤسسات الدولة التي قدمت مساعدات إنسانية غذائية وصحية للأشقاء بغزة، ونصرة لإخواننا في غزة وأهلها، علاوة على تقديم العلاج للمصابين الفلسطينيين.
والقيادة السياسية المصرية هي أول من دعت لقمة عربية طارئة في مارس الماضي، وطالبت بوقف حرب الإبادة التي يقوم بها الكيان الإسرائيلي المحتل، ورفضت التهجير ووضعت خطة لإعمار غزة، وأكدت أيضًا مصر مؤخرًا في القمة العربية الأخيرة بالعراق موقفها الداعم للقضية الفلسطينية في ظل غياب البعض عن المشاركة بالقمة، وشددت على ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس المباركة وإلا فلن يكون هناك سلام في المنطقة.
نعم، نُقر ونؤكد أن «قافلة الصمود» هي صرخة في ضمير عالم ماتت إنسانيته، ومصر لا تُمانع في تقديم كل الدعم والمساندة والمساعدة للأشقاء الفلسطينيين، وهذا واضح جليًا للجميع، ولكن لا دخول لأراضينا إلا بتصاريح مسبقة وبطلبات يتم فحصها ومعرفة الأشخاص الذين يريدون العبور والتأكد من هويتهم وحقيقة تواجدهم وانتماءاتهم حتى تستطيع الأجهزة المصرية توفير التغطية والحماية الأمنية للقافلة ومنع تسلل أي شخص يريد إثارة القلاقل داخل الدولة المصرية. فمصر دولة ذات سيادة، ولدينا من المؤسسات الوطنية القادرة على تحقيق ذلك رغم ما يحيط بها من مخاطر وتحديات، والعمل على التأكيد على أن غزة ليست وحدها، وأن قلوبنا مازالت تنبض بالمقاومة والرفض والكرامة.
كل هذا يحدث في وقت بالغ الخطورة، ووجود المنطقة على صفيح ساخن؛ مما يتطلب المحافظة على الأمن القومي المصري، وحماية مقدرات الوطن، والتصدي لأي مؤامرات؛ سواء داخلية أو خارجية.
أعاننا الله جميعًا على تخطي هذه المرحلة العصيبة من تاريخنا، وصرف الله هذا العدوان الغاشم على إخواننا، وجعل مصرنا أمنًا وأمانًا، سلمًا وسلامًا لمن يريد سلامًا، وسدًا منيعًا وحصنًا حصينًا لمن يريد اختراقًا واعتداءً.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


خبر صح
منذ 7 ساعات
- خبر صح
إيران تهدد بالرد بقوة على الهجوم الإسرائيلي الواسع
توعدت إيران، اليوم الجمعة، بالرد بقوة وحسم على الهجوم الإسرائيلي الواسع الذي استهدف منشآت نووية وعسكرية في عمق الأراضي الإيرانية، واعتبرت هذا الهجوم تصعيدًا خطيرًا قد يؤدي إلى إشعال مواجهة إقليمية شاملة. إيران تهدد بالرد بقوة على الهجوم الإسرائيلي الواسع مواضيع مشابهة: عطل عالمي يؤثر على منصة التواصل الاجتماعي 'اكس' فما السبب؟ الرد الإيراني على الهجوم الإسرائيلي قال مصدر أمني إيراني إن بلاده تخطط للرد بقسوة على الضربات الإسرائيلية، مشيرًا إلى أن تفاصيل الرد تتم مناقشتها حاليًا على أعلى المستويات، دون توضيح ما إذا كان الرد وشيكًا، وفقًا لوكالة 'رويترز'. في المقابل، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن العملية التي أُطلق عليها اسم «الأسد الصاعد» جاءت استنادًا إلى دروس التاريخ، معتبرًا أن عدم التحرك في هذا التوقيت كان سيهدد بقاء إسرائيل، مضيفًا في رسالة للإيرانيين أن 'يوم تحرركم من الاستبداد أقرب من أي وقت مضى'. اقرأ كمان: الجيش الإسرائيلي يحتجز ركاب سفينة المساعدات 'مادلين' قبل وصولها شلّ البرنامج النووي الإيراني كان الجيش الإسرائيلي قد أعلن، صباح الجمعة، عن بدء عملية عسكرية واسعة النطاق تستهدف شلّ البرنامج النووي الإيراني، مشيرًا إلى تنفيذ ضربات دقيقة ضد عشرات الأهداف، بينها مواقع لتخصيب اليورانيوم ومراكز قيادة وقدرات صاروخية بعيدة المدى. وأوضح بيان الجيش أن العملية جاءت نتيجة ما وصفه بوصول إيران إلى مراحل متقدمة في تطوير سلاح نووي وامتلاكها مخزونًا يكفي لإنتاج 15 قنبلة نووية خلال أيام، إلى جانب تعزيز ترسانتها من الصواريخ الباليستية ونشر الأسلحة بين وكلائها الإقليميين. وأكد البيان أن الهجوم يهدف لتدمير البنية التحتية العسكرية والنووية الإيرانية، وليس لإسقاط النظام، مشيرًا إلى أن الضربة الأولى كانت مفاجئة، واستهدفت أماكن لم يتوقعها الإيرانيون. وتسود حالة من الترقب في المنطقة مع إعلان إسرائيل حالة الطوارئ، ورفع جاهزية منظومات الدفاع الجوي تحسبًا لرد إيراني وشيك، في وقت تؤكد فيه تل أبيب وجود تنسيق مستمر مع القوات الأمريكية تحسبًا لأي تصعيد.


بوابة ماسبيرو
منذ 14 ساعات
- بوابة ماسبيرو
النائبة الأوروبية ريما حسن تتوعد إسرائيل بإرسال أكبر عدد من القوارب إلى غزة
توعدت النائبة الفرنسية-الفلسطينية في البرلمان الأوروبي ريما حسن لدى عودتها مساء يوم الخميس إلى فرنسا آتية من إسرائيل التي رحلتها بعدما أوقفتها مع سائر ركاب قارب حاول التوجه إلى غزة، بإرسال "أكبر عدد ممكن من القوارب" لكسر الحصار المفروض على القطاع. وقالت النائبة عن حزب "فرنسا الأبية" خلال تجمع في ساحة لا ريبوبليك (الجمهورية) في وسط باريس شارك فيه المئات من أنصار حزبها اليساري الراديكالي "لدي كلمة أقولها لإسرائيل: المركب التالي على وشك المغادرة". وأقيم هذا التجمع لاستقبال النائبة الأوروبية فور عودتها إلى باريس بعد ثلاثة أيام قضتها في مركز احتجاز في إسرائيل، بينها فترة وجيزة في الحبس الانفرادي. وما أن ترجلت من الطائرة التي أقلتها من تل أبيب إلى باريس في رحلة تواجهت خلالها مع "مسافرين عدائيين"، توجهت حسن إلى ساحة الجمهورية حيث كان في استقبالها جمع من نواب حزبها يضم حوالي 15 نائبا يتقدمهم جان-لوك ميلانشون، زعيم الحزب. وأشاد ميلانشون بحسن قائلا "هذه امرأة أعطت درسا في الشجاعة. أيتها الشابات، أيتها الفتيات، حاولن جميعا عندما تكبرن أن تصبحن مثل ريما حسن". وشاركت حسن في هذا التجمع إلى جانب مواطن فرنسي آخر كان معها على متن القارب "مادلين" هو ريفا فيار الذي وضع على كتفيه الكوفية الفلسطينية. وخلال التجمع، قالت حسن التي بدورها لفت رأسها بالكوفية الفلسطينية إن رحلة القارب مادلين كانت خطوة "رمزية والجميع يعلم ذلك، لكنها كانت سياسية بامتياز". وأضافت أن "الهدف الأول والأهم، بالطبع، كان إيصال مساعدات إنسانية إلى غزة"، لكنه كان أيضا و"قبل كل شيء، التنديد بالحصار وكسره". وكان مصدر ملاحي أفاد "فرانس برس" بأن حسن تواجهت مع "مسافرين عدائيين" على متن الطائرة التي أقلتها من تل أبيب إلى باريس. وقال المصدر لوكالة فرانس برس "حدثت مواجهة مع مسافرين آخرين... عقب تحرك من مسافرين عدائيين". وأشار إلى أن شرطة الحدود الفرنسية رافقت حسن إلى خارج الطائرة بعد هبوطها في مطار رواسي شارل ديجول. ولم تظهر حسن في قاعة الوصول في المطار حيث كان في انتظارها ممثلون لحزب "فرنسا الأبية" الذي تنتمي إليه، وناشطون مؤيدون للفلسطينيين ردد بعضهم هتافات "فلسطين حرة" و"هذه ليست حربا، هذه إبادة جماعية". في المقابل، خرج ركاب آخرون من الطائرة وقد لفوا أنفسهم بالعلم الإسرائيلي، ورفع البعض قبضاتهم في الهواء ردا على شعارات الناشطين. وأبحر القارب الشرعي "مادلين" من إيطاليا في الأول من يونيو وعلى متنه 12 شخصا غالبيتهم نشطاء أرادوا "كسر الحصار الإسرائيلي" المفروض على القطاع، لكن القوات الإسرائيلية اعترضت المركب يوم الإثنين في شرق البحر المتوسط على بعد 185 كيلومترا قبالة سواحل غزة. ووافق أربعة ناشطين، بينهم فرنسيان والناشطة البيئية السويدية جريتا تونبرج، على ترحيلهم فورا. وفي وقت سابق يوم الخميس، أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن ستة من ركاب "مادلين"، بينهم ريما حسن، بصدد مغادرة الدولة العبرية جوا.


بوابة الأهرام
منذ يوم واحد
- بوابة الأهرام
حقيقة "قافلة الصمود"
أثارت قافلة "الصمود المغاربية" التي انطلقت من تونس بعد انضمام قافلة من الجزائر مرورًا بليبيا في طريقها إلى معبر رفح، جدلًا واسعًا خاصة في ظل عدم قيام نشطاء القافلة أو القائمين عليها باتباع الإجراءات اللازمة بالتواصل مع السلطات المصرية والتنسيق والحصول على تصاريح مسبقة لعبور الأراضي المصرية. وطبقًا لما صدر عن وزارة الخارجية المصرية أمس بأن هناك ضوابط تنظيمية وآليات متبعة منذ بدء الحرب على غزة، وهي "التقدم بطلب رسمي للسفارات المصرية في الخارج أو من خلال الطلبات المقدمة من السفارات الأجنبية بالقاهرة، أو ممثلي المنظمات إلى وزارة الخارجية". أقول وبكل وضوح: مصر لا تبحث عن مخرج لغلق الأبواب أمام قافلة الصمود المتوجهة إلى معبر رفح، خاصة أن هذه القافلة وغيرها من الرغبة المُلحة والعاجلة لدخول المساعدات الإنسانية هو الموقف المصري الثابت الداعي إلى رفع الحصار عن غزة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، ووقف سياسة الإبادة الجماعية والتجويع التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي. ولكن هذه القافلة على الرغم من كونها تحركًا شعبيًا عابرًا للحدود في توقيت دقيق أمنيًا وسياسيًا، وتأتي بعد أيام مما حدث مع نشطاء سفينة "مادلين" الذين تعرضوا للاعتداء من قبل الكوماندوز الإسرائيلية في عرض البحر المتوسط، وتم اعتقالهم على مرأى ومسمع من العالم أجمع. مصر مستمرة في العمل على كل المستويات؛ لإنهاء العدوان على القطاع، والكارثة الإنسانية التي لحقت بأكثر من 2 مليون من الأشقاء الفلسطينيين. تساؤلات حول دوافع القافلة وتوقيتها والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل قافلة الصمود حراك حقيقي ومبادرة شعبية أم فخ للدولة المصرية؟ حقيقة، إن كانت هذه القافلة مبادرة فنُقدرها ونثمنها، لكنها جاءت متأخرة جدًا؛ فأين هذه التحركات منذ بدء العدوان؟ أين ثورة الغضب الشعبي والرسمي العربي والإسلامي، لوضع حد لهذه المجازر الدموية الإسرائيلية؟ أين الضمير العالمي؟ أين أبناء الأمتين العربية والإسلامية وأكثر من مليارين من أبنائها؟ بالطبع هذه التحركات الشعبية لكسر الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة لا نقف أمامها، ولكن نقوم بدعمها برؤية ووعي ومعرفة خطورة ما وراء الأمر؛ مما يثير تساؤلات بشأن رسائل ودلالات ما يجري. أين هذه التحركات حتى داخل دول هؤلاء النشطاء لكسر جدار الصمت، وفضح جرائم الاحتلال والوقوف بجوار الصامدين المحاصرين في قطاع غزة واتخاذ خطوات فعلية لوقف جرائم التجويع والتشريد والقتل والهدم والإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني؟ اتهامات محتملة لمصر ودورها التاريخي إن القافلة وبهذه الصورة التي تتحرك بها تسعى لإحراج مصر سياسيًا، في وقت تتحرك فيه الدولة المصرية قيادة وشعبًا بشكل مسئول لدعم الفلسطينيين في كل الاتجاهات، في وقت نعلم أن هناك من يجلس في الغرف المكيفة والقصور الفارهة ولا يهمه الأمر من قريب أو بعيد. إن ما يحدث الآن من وجهة نظري المتواضعة هدفه الرئيسي وضع مصر، وكأنها هي من تمنع دخول المساعدات وتوجيه اتهامات باطلة للدولة المصرية، وكأنها هي المسئولة عن هذا الصراع التاريخي، مما يجعلنا نستنبط أن هناك هدفًا لجر مصر إلى مواجهة مباشرة أو إحداث تطورات غير محمودة العواقب. وعلى الجانب الآخر، في حالة منع مصر تلك القافلة في ظل محافظتها على سيادة أرضها وقرارها ومطالبتها باتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين عبور القافلة، سيتم اتهام مصر بالتواطؤ في حصار وتجويع الفلسطينيين، وشن حملة إعلامية على مصر بأنها تكرس لسياسة التواطؤ مع الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، مع العلم أنه لما ورد ببيان وزارة الخارجية المصرية سبق وأن تم ترتيب العديد من الزيارات لوفود أجنبية، سواء حكومية أو من منظمات حقوقية غير حكومية، للمساهمة في تقديم الدعم لأهالي غزة. سيادة مصر وشروط دخول المساعدات إن ما يجب أن يعلمه الجميع أن هذا العمل الذي نثمنه والمعبر عن تأييد أهل غزة ويرفض ما يتعرضون له، ولكن هذا لا يعني اقتحام الحدود المصرية مع قطاع غزة، لاسيما في ظل هذه الظروف الصعبة والخاصة والتعقيدات البالغة الخطورة المحيطة بالحالة الموجودة على حدود مصر مع قطاع غزة وداخل القطاع، مما يلزم نشطاء القافلة باتخاذ الأطر الدبلوماسية والرسمية لضمان وصول هذه القافلة واتباع تعليمات السلطات المصرية في هذا الأمر والإجراءات اللازمة لضمان تحقيق ذلك، خاصة أننا جميعًا لدينا رغبة ملحة في دخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، ووقف هذا العدوان الصهيوني الغاشم، وأن ننجح في توصيل رسالتنا إلى الأمة العربية وإلى العالم أجمع. مع العلم أن نشطاء القافلة والتي تضم حسبما ورد قيادات مدنية وشعبية، وأعضاء برلمان، ودبلوماسيين حاليين وسابقين، وأكاديميين، ورجال أعمال، وكل شرائح المجتمع المغاربي، الجزائري والتونسي والليبي والموريتاني وجنسيات أخرى، لا يعرفون الطرق الرسمية التي يمكن سلوكها لضمان عبور ودخول هذه القافلة، لضمان نجاح قافلة "الصمود" التي تحمل رسائل رمزية للعالم دعمًا للشعب الفلسطيني، وسعيًا لكسر الحصار عن أهله وإنهاء تجويع مواطنيه في الوقت الذي تُسفك فيه أيضًا دماء الضحايا من المواطنين الفلسطينيين في غزة رجالًا ونساء وأطفالًا. حقيقة الوضع شائك للغاية، وكان الله في عون متخذي القرار بالدولة المصرية في ظل ضرورة الحفاظ على الأمن القومي ووجود ضغوط إقليمية ودولية متزايدة، ولكن على جميع المشككين أن يعلموا أن مصر قيادة وشعبًا منذ بدء أزمة القضية الفلسطينية وهي تحمل على عاتقها نصرتها والدفاع عن مقدساتنا الإسلامية، وكافة الحروب التي خاضتها الدولة المصرية منذ بدء تجييش الجيوش في عام 1948، مرورًا بحرب 1956، ثم حرب عام 1967، وكذلك حرب الاستنزاف ومعركة نصر أكتوبر عام 1973. ووقفت مصر قادة وشعبًا بكل ما أوتوا من قوة لوقف وطأة الاحتلال الغاشم والتوسع في بناء المستوطنات؛ لوقف مخطط تهويد الهوية العربية والإسلامية، وتفريغها من مضمونها والقضاء عليها وجوديًا. مصر هي من قامت بالتحرك فور اندلاع الأزمة مؤخرًا بقيادة الرئيس السيسي لنزع فتيل الأزمة وتوصيل حقيقة الأمر للعالم، وقادت مفاوضات الهدنة ووقف إطلاق النيران في كل العمليات العسكرية التي سبقت طوفان الأقصى، ومنع الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، علاوة على التصدي للمخطط الراغب في تصفية القضية الفلسطينية. وقالت مصر لأمريكا وإسرائيل والعالم أجمع: سيناء خط أحمر ولا لتهجير الفلسطينيين. والشعب المصري أخرج قوافل من كل قرى ونجوع مصر، بالإضافة إلى مؤسسات الدولة التي قدمت مساعدات إنسانية غذائية وصحية للأشقاء بغزة، ونصرة لإخواننا في غزة وأهلها، علاوة على تقديم العلاج للمصابين الفلسطينيين. والقيادة السياسية المصرية هي أول من دعت لقمة عربية طارئة في مارس الماضي، وطالبت بوقف حرب الإبادة التي يقوم بها الكيان الإسرائيلي المحتل، ورفضت التهجير ووضعت خطة لإعمار غزة، وأكدت أيضًا مصر مؤخرًا في القمة العربية الأخيرة بالعراق موقفها الداعم للقضية الفلسطينية في ظل غياب البعض عن المشاركة بالقمة، وشددت على ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس المباركة وإلا فلن يكون هناك سلام في المنطقة. نعم، نُقر ونؤكد أن «قافلة الصمود» هي صرخة في ضمير عالم ماتت إنسانيته، ومصر لا تُمانع في تقديم كل الدعم والمساندة والمساعدة للأشقاء الفلسطينيين، وهذا واضح جليًا للجميع، ولكن لا دخول لأراضينا إلا بتصاريح مسبقة وبطلبات يتم فحصها ومعرفة الأشخاص الذين يريدون العبور والتأكد من هويتهم وحقيقة تواجدهم وانتماءاتهم حتى تستطيع الأجهزة المصرية توفير التغطية والحماية الأمنية للقافلة ومنع تسلل أي شخص يريد إثارة القلاقل داخل الدولة المصرية. فمصر دولة ذات سيادة، ولدينا من المؤسسات الوطنية القادرة على تحقيق ذلك رغم ما يحيط بها من مخاطر وتحديات، والعمل على التأكيد على أن غزة ليست وحدها، وأن قلوبنا مازالت تنبض بالمقاومة والرفض والكرامة. كل هذا يحدث في وقت بالغ الخطورة، ووجود المنطقة على صفيح ساخن؛ مما يتطلب المحافظة على الأمن القومي المصري، وحماية مقدرات الوطن، والتصدي لأي مؤامرات؛ سواء داخلية أو خارجية. أعاننا الله جميعًا على تخطي هذه المرحلة العصيبة من تاريخنا، وصرف الله هذا العدوان الغاشم على إخواننا، وجعل مصرنا أمنًا وأمانًا، سلمًا وسلامًا لمن يريد سلامًا، وسدًا منيعًا وحصنًا حصينًا لمن يريد اختراقًا واعتداءً.