
رسوم وضرائب مرتفعة بلا خدمات.. مفارقة "استفزازية" في الدوائر الحكومية العراقية
شفق نيوز/ في الوقت الذي يفترض أن تكون فيه المؤسسات الحكومية الخدمية، مثل المستشفيات، ودوائر المرور، والكهرباء، وغيرها وسيلة لتخفيف الأعباء عن المواطنين وتقديم خدمات أساسية برسوم رمزية أو مجانية، يصطدم المواطن بواقع مختلف تماماً إذ تفرض رسوم مالية متزايدة على خدمات غالباً لا تُقابل بجودة حقيقية أو مستوى مقبول من الخدمة.
من المستشفيات التي تفرض مبالغ على إقامة المرضى ومرافقيهم دون توفير أبسط مقومات الراحة، إلى دوائر حكومية تفرض رسوماً على معاملات روتينية دون تحسين ملموس في الأداء، تتكرر المعاناة وتتوسع الأسئلة.
أين تذهب الأموال؟
أين تذهب كل هذه الرسوم التي تُجبى من المواطنين ولماذا لا تترجم إلى خدمات ملموسة؟، سؤال يتردد كثيراً منذ سنوات عدة دون إجابات على أرض الواقع، بحسب ما يؤكد مواطنون ومراقبون.
يتحمل المواطن الذي يراجع دائرة ما لترويج معاملة بسيطة رسوماً تتراوح بين 20 ألف دينار إلى 100 ألف دينار وأكثر بحسب معاملته وملحقاتها، في حين تصل المبالغ إلى مئات الآلاف من الدنانير في بعض الدوائر. مما يثقل كاهل المواطن الذي لايجد بداً من دفع الرسوم لترويج معاملته، إضافة الى ان أغلب الدوائر تفتقر الى سبل الراحة للمراجع كوجود مقاعد او تبريد في الممرات خلال ساعات الانتظار.
وبهذا الصدد، يؤكد عضو اللجنة العليا للإصلاح الضريبي، خالد الجابري، في تصريح لوكالة شفق نيوز "يجب التمييز بين الضرائب والرسوم، فالأخيرة هي من صلاحيات الوزارات أما الضرائب فتُفرض بقانون وليس تعليمات وزارية وتنص المادة 28 من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 على أنه لا تفرض الضرائب والرسوم، ولا تعدل، ولا تجبى، ولا يعفى منها إلا بقانون".
ويشير إلى أن "الرسم يختلف عن الضريبة لأنه عبارة عن مبالغ تدفع للدوائر والمؤسسات مقابل الخدمات التي تقدمها دوائر الدولة للمواطنين"، لافتاً إلى أن "الضرائب تجبى من الدخل المتحقق باستمرار، بينما الرسم يؤخذ مرة واحدة فقط".
وينوه إلى أن "مبالغ الرسوم تختلف من دائرة لأخرى بحسب نوعية الخدمات التي تُقدم للمواطنين، لكن العديد من الخدمات الحكومية لا تصل إلى مستوى مبالغ الرسوم التي يدفعها المواطن".
ويواصل الجابري "الضرائب تذهب إلى الخزينة العامة، لكن التصرف بها من قبل الجهات المعنية لا يتم وفق دراسة جادة لتوزيع المبالغ بين المحافظات حسب حاجتها"، مبيناً أن "بعض المدن العراقية ما تزال تعاني من انعدام أو ضعف البنى التحتية الأساسية".
يشار إلى أن هناك دوائر حكومية تستوفي رسوماً مبالغ بها ولا تتناسب مع دخل الكثير من الشرائح الاجتماعية، إذ تزيد كلفة إصدار إجازة السوق على 100 ألف دينار تدفع وفق وصولات رسمية، إضافة إلى أجور الاستنساخ وغيرها، وتبلغ كلفة تجديد سنوية السيارة لأول مرة مبلغاً قدره 240 ألف دينار، تدفع كرسوم بوصولات رسمية، كما تُدفع الرسوم أيضاً لجميع معاملات المرور بما فيها رسوم الطرق والجسور، دون أن يلمس المواطن أي عمليات ترميم للشوارع والطرقات.
وتم فرض مبلغ 2000 دينار على قسيمة تسديد أجور الكهرباء كأجور طباعة، حتى وإن لم تكن الوحدة السكنية مأهولة ولا تستهلك الكهرباء تصل القائمة لصاحب الوحدة السكنية مثبت فيها مبلغ 2000 دينار كأجور طباعة القسيمة، بينما لا تتوفر خدمات الكهرباء ويعتمد المواطنون على المولدات الأهلية وحسب.
الشركات الخاصة عبء
وبهذا الخصوص، يقول عضو اللجنة القانونية النيابية، محمد الخفاجي، لوكالة شفق نيوز، إن "الرسوم التي تستوفيها المؤسسات الحكومية من المواطنين تستند على فقرة قانونية تتيح للدوائر الحكومية استيفاء رسوم مقابل الخدمات، وفوضتها زيادة الرسوم إن قدمت خدمات إضافية للمواطنين".
ويضيف "الحكومة تسعى لتعظيم الوارادات من خلال تفويض المؤسسات استحداث خدمات جديدة، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام المؤسسات للتعاقد مع شركات القطاع الخاص ومضاعفة الرسوم بشكل يرهق المواطنين وفي المقابل لا توجد خدمات حقيقية".
ويشدد الخفاجي على أنه "لاجود سبب حقيقي للتعاقد مع شركات خاصة لإصدار جوازات السفر وتسليم بيانات المواطنين ومعلوماتهم لتلك الشركات إلا من أجل رفع قيمة الرسوم".
تحرك برلماني
بدوره، يوضح النائب المستقل أمير المعموري، أن "كلاً من الضرائب والرسوم يتم تسليمها إلى خزينة الدولة وفق خطة معدة لذلك، إلا أن الرسوم لا تتناسب مع الخدمات التي تقدمها الدوائر الحكومية، ولا يتم توزيع الأموال بطريقة مدروسة تلبي احتياجات المدن العراقية".
ويضيف في تصريح لوكالة شفق نيوز، أن "الشوارع الرئيسية والطرقات الخارجية لم تشهد تحسناً ملحوظاً، وأغلب سائقو المركبات يشكون من وجود تخسفات في الطرق، بينما يتم استيفاء مبالغ من المواطنين بهذا العنوان".
ويلفت المعموري إلى أنه "في الفترة الأخيرة حصلت زيادة كبيرة في مبالغ الرسوم والضرائب لا تتناسب مع قيمة المواد المستوردة وتسببت بضرر كبير للتجار لأن رفع الضرائب تم بدون سابق إنذار"، مشيراً في الوقت نفسه إلى "عدم سيطرة الحكومة على بعض المنافذ بالشكل المطلوب وهو ما يزيد من عمليات التهريب مع ارتفاع التعرفة الجمركية".
وينوه المعموري إلى "وجود تحركات في مجلس النواب لمناقشة قرار مجلس الوزراء الأخير المتعلق برفع الضرائب من أجل إعادة النظر بتلك القرارات".
وفي مقابل شكاوى المواطنين من ارتفاع الضرائب والرسوم، يقترح مراقبون اقتصاديون مجموعة من الحلول لهذه المشكلة من خلال ربط الضرائب والرسوم بتحسن الخدمات.
تحقيق العدالة
وفي هذا الإطار، يقول المحلل الاقتصادي أحمد عبد ربه، في تصريح لوكالة شفق نيوز، إنه "على الرغم من استيفاء الحكومة تريليونات الدنانير سنوياً من الضرائب والرسوم، يعاني المواطن من تدهور مستمر في الخدمات العامة في قطاع الكهرباء والصحة والبنية التحتية، وهذا التناقض يُضعف ثقة الناس ويدفع كثيرين للامتناع عن سداد فواتير الكهرباء أو الماء".
ومن أجل إصلاح النظام الضريبي وتحقيق العدالة، يقترح عبد ربه، أن يكون استيفاء الرسوم والضرائب مقترناً بتحسين الخدمات وإلغاء أو تعديل قانون ضريبة الدخل رقم 113 لسنة 1982 "فهو قانون قديم (مستند إلى نسخة بريطانية من العام 1922)، لا يراعي التحولات الاقتصادية والاجتماعية في العراق الحديث ولا يحقق العدالة الاجتماعية".
ويؤكد على "ضرورة فرض ضرائب تصاعدية وعادلة تستثني محدودي الدخل وتستهدف الأنشطة التجارية والمالية الكبرى، بدلاً من إثقال كاهل الطبقات المتوسطة والفقيرة".
ضرائب تعطل الاقتصاد
ويرفض عبد ربه الضرائب التي "تُعطل الاقتصاد مثل مضاعفة ضريبة العقارات التجارية إلى 100%، والتي تسببت في ركود السوق وارتفاع الأسعار، كما يجب تأجيل فرض الضرائب الجديدة على صانعي المحتوى لحين تنظيم القطاع رقمياً ووضع معايير عادلة".
ويؤكد أن "الضرائب في العراق تقدر بـ12 تريليون دينار سنوياً، لكن ما يُجبى فعلياً لا يتجاوز 3 تريليونات فقط، ما يستدعي إصلاحاً جذرياً للنظام يربط الجباية بتحسين معيشة الناس ويضع حداً للهدر والفساد".
وتستدعي نسبة الضرائب والرسوم الشفافية في تحصيل وإنفاق الأموال من خلال بيانات تعلن دورياً بهذا الشأن، فضلاً عن تحفيز الإنتاج المحلي قبل فرض الضرائب على المستوردات لتجنب ارتفاع الأسعار دون توفير بديل محلي.
"ورطة كبيرة"
ويؤكد المواطن خلدون حسن (47 عاماً) من منطقة الشعلة في بغداد، أن "مراجعة الدوائر أصبحت مشكلة كبيرة بسبب ارتفاع الرسوم".
واصفاً في حديثه لوكالة شفق نيوز، مراجعة الدوائر المرورية بـ"ورطة كبيرة، فترويج أي معاملة مهما كانت بسيطة تكلفنا مبالغ لا جدوى منها ولا طائل".
ويواصل "أقل رسم سعره 10 آلاف دينار وقد ارتفعت الرسوم مع ارتفاع السوق والدولار، ولترويج أي معاملة يجب أن يكون في حوزتك مبلغاً لا يقل عن 100 ألف دينار لتسديد الرسوم وغيرها".
فيما يشير حيدر عبيد من منطقة العامرية في بغداد، إلى أن "فواتير الكهرباء تصلنا مرتفعة المبالغ ولا تتناسب مع ساعات تجهيزنا بالطاقة الكهربائية".
ويشير في حديث لوكالة شفق نيوز، إلى أن "المستشفيات تستوفي من كل مواطن خمسة آلاف دينار من أجل زيارة المريض، بينما لا يجد المواطن كرسياً يجلس عليه خلال الزيارة".
ويختم عبيد "تشكل المفارقة بين الرسوم والخدمات أزمة كبيرة خاصة بالنسبة لمحدودي الدخل خاصة بعد تخويل الدوائر استحداث وإضافة خدمات جديدة، وما تم هو ارتفاع الرسوم وغياب الخدمات".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شفق نيوز
منذ 2 ساعات
- شفق نيوز
المالية النيابية: حكومة السوداني في مأزق
شفق نيوز/ أكد عضو لجنة المالية النيابية مصطفى الكرعاوي، اليوم الثلاثاء، أن الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني "لم تلتزم" بتعليمات قانون الموازنة الاتحادية، مما وضعها في مأزق صعب بسبب تضمين فقرات ملزمة في الموازنة، من بينها إضافة العلاوات والترفيعات واحتساب الشهادات والنقل للموظفين. وقال الكرعاوي، لوكالة شفق نيوز، إن وزارة المالية وجهت في بداية السنة المالية بإيقاف العلاوات والترفيعات لحين إقرار جداول موازنة 2025، لكنها في الوقت ذاته تأخرت بشكل كبير في إعداد وإرسال الجداول إلى البرلمان، مما يعد مخالفة صريحة للقانون. وأضاف أن إطلاق العلاوات والترفيعات هو من واجبات الحكومة القانونية، مشدداً على ضرورة قيام وزارة المالية بإلغاء التعميم السابق الخاص بالإيقاف وعدم ربط إطلاق العلاوات والترفيعات بجداول الموازنة، مؤكداً أن ذلك لا يؤثر على خزينة الدولة. وفي وقت سابق، اتهم، الكرعاوي الحكومة العراقية بعدم الالتزام بالمادة 77 من قانون الموازنة الاتحادية المتعلقة بإرسال الجداول المالية إلى مجلس النواب قبل نهاية السنة المالية، ما تسبب في تأخير صرف مستحقات الموظفين من علاوات وترفيعات وظيفية. وتنتظر اللجنة المالية وصول مشروع موازنة 2025 إلى البرلمان مطلع تموز، مع مطالبة بعدم تجاوز سقف 150 تريليون دينار بما يتوافق مع الإيرادات.


شفق نيوز
منذ 5 ساعات
- شفق نيوز
حكومة السوداني تطلق تريليوني دينار لتغطية مشاريع استثمارية للوزارات
شفق نيوز/ أعلن مجلس الوزراء العراقي، يوم الثلاثاء، إطلاق تريليوني دينار لتغطية مشاريع الخطة الاستثمارية للوزارات، إضافة إلى تمويل المحافظات بترليون و400 مليار دينار. جاء ذلك، خلال جلسة مجلس الوزراء الاعتيادية التي عقدت بوقت سابق من اليوم، برئاسة رئيس المجلس محمد شياع السوداني، وفق بيان ورد لوكالة شفق نيوز.


شفق نيوز
منذ 5 ساعات
- شفق نيوز
مجلس الوزراء يصادق على مشاريع "تنموية" وإجراءات جديدة لضبط سوق الحديد
شفق نيوز/ عقد مجلس الوزراء العراقي، برئاسة محمد شياع السوداني، جلسته الاعتيادية الخامسة والعشرين، اليوم الثلاثاء، وواصل مناقشة الموضوعات المدرجة على جدول الأعمال، مع إقرار عدد من القرارات المهمة في مجالات عدة. وقال مكتب السوداني الاعلامي، وفق بيان ورد الى وكالة شفق نيوز، إن المجلس أقر تعديل قراره (23378 لسنة 2023) المتعلق بمتطلبات إحالة مشروع محطة معالجة ماء البحر المشترك (STF)، شملت تمديد مدة تسديد القرض لشركة توزيع المنتجات النفطية، وضمان استمرار السيولة اللازمة لالتزامات شركة نفط البصرة في مشروع تنمية الغاز المتكامل، وتمويل مشروع ماء البحر المشترك، إلى جانب شمول المشروع بالمشروعات التنموية وإعفائه من كافة الضرائب والرسوم. وفي إطار تطوير قدرات العراق في تصفية النفط، أقر المجلس المباشرة بالمرحلة الأولى من مشروع تطوير مصفى النجف، وتأليف فريق وطني لإنشاء الوحدات، ومنحه الصلاحيات المالية والإدارية، وصلاحية اختيار الشركات المصنعة والتفاوض معها، مع استثناء المشروع من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية، وتمويله من الموازنة التشغيلية لشركة مصافي الوسط. وبشأن الطاقة أيضاً، ناقش المجلس إحالة مشروع توليد وتوزيع الكهرباء في حقل غرب القرنة، المرحلة الثانية، وأقر إحالته إلى شركة CEEC الصينية بالسعر المخفض النهائي. كما أقر المجلس تعديل قراره (276 لسنة 2025) بشأن ضوابط استيراد حديد التسليح، بإيقاف دخول مادة حديد التسليح بقياسات (8-32 ملم) من المنافذ الحدودية (أبو فلوس، الشلامجة، مندلي، زرباطية)، وتحديد سيطرات (جيمن، دارمان، السد) لدخول الحديد المنتج في مصانع إقليم كوردستان إلى محافظات الوسط والجنوب، وربط آليات الدخول عبر الربط الشبكي لهيئة المنافذ الحدودية، وتأليف فريق لتدقيق مخازن المستودعات الخاصة بحديد التسليح المستورد للتأكد من دفع رسم حماية المنتج المحلي، مع تعهد المصنّعين بسد الحاجة المحلية وفق المواصفات، مع إمكانية فتح المنافذ الإضافية في حال ارتفاع الأسعار. ووافق المجلس على تسليم وزارة الداخلية السيارات المستعملة حديثاً إلى هيئة التصنيع الحربي دون الحاجة للفحص الإشعاعي، مع استمرار إجراءات الفحص الإشعاعي لسكراب الحديد. كما أقر شمول سماد اليوريا بآلية إجازات الاستيراد وفق السياقات الوطنية، استثناءً من قرار مجلس الوزراء (23111 لسنة 2023)، على أن ينفذ بعد 6 أشهر من تاريخ إصداره. وفي متابعة مشاريع البنى التحتية والمشاريع المتلكئة، وافق المجلس على تعديل قراره بشأن زيادة مقدار الاحتياط لعقد تشييد بنايات ثلاث محطات (العباسية، الكرار، قصر الثقافة). كما أقر زيادة الكلفة في المشاريع التالية: "بناء مدرسة ثانوية (18 صفاً مع 6 مختبرات) في الإسكندرية- المويلحة بمحافظة بابل"، مستلزمات حفر الآبار لشركة نفط الشمال"، "محطة كهرباء صلاح الدين الحرارية"، "إنشاء مستشفى المعامل العام بسعة 100 سرير في بغداد".ووافق المجلس على نقل ملكية العقار المنشأ عليه متنزه كربلاء العائلي من وزارة التربية إلى الإدارة المحلية بمحافظة كربلاء، بدون بدل، لتخصيصه لبلدية كربلاء لأغراض النفع العام، لإنشاء متنزه عائلي حصراً. كما أقر إعفاء 1753 عجلة مستهلكة تابعة لوزارة الداخلية، ومباعة وفق قانون بيع وإيجار أموال الدولة، من كافة أجور التسجيل المثبتة في قراري مجلس الوزراء (68، و237 لسنة 2016).