logo
إطباق تجسّسي.. هكذا تستبيح إسرائيل الجنوب اللبناني

إطباق تجسّسي.. هكذا تستبيح إسرائيل الجنوب اللبناني

الجزيرةمنذ 2 أيام

بيروت- كنت أعمل داخل مقبرة البلدة رفقة صديقي، حين قال لي "اسمع جيّدا، يبدو أن هناك عشا للدبابير داخل هذه الخيمة التي تعلو أحد الأضرحة القريبة منّا"، وعندما التفت رأيت طائرة درون مسيّرة تربض فوق الخيمة وتراقبنا.
يروي هذه القصة، محمد صالح ابن بلدة راميا الحدودية قضاء بنت جبيل في الجنوب اللبناني ، متحدثا للجزيرة نت عن معاناته ومعاناة جميع أبناء القرى الحدودية مع المسيّرات الإسرائيلية التي لا تفارق الأجواء، حيث تتتبع كل تفاصيل حياتهم، وعلى مدار الساعة.
ويقول صالح إن المسيّرات ترصد أي حركة داخل البلدة، وتحلق فوق علو قريب من المواطنين لا يتجاوز المترين، حيث تستطلع وجوههم وما يقومون به من عمل، وتعود إلى الموقع الإسرائيلي حيث انطلقت، وبعد ساعة تعيد الكرّة، وتستمر على ذلك حتى انتهاء العمل والخروج من البلدة.
تجسس وانتهاك
ويبدي صالح انزعاجا كبيرا حيال هذه الأساليب الإسرائيلية مع أبناء قرى الشريط الحدودي، ويقول "تشعر وأنت في بلدتك بأنك مراقب بالكامل وطوال الوقت، والأخطر أنك مكشوف بكل تفاصيل حياتك، وهذا مقلق جدا".
ويضيف "تخيّل أثناء الغداء دخلنا إلى غرفة صغيرة، وبدأت المُسيَّرة تحوم فوقنا بحثا عنا، ووقفت مباشرة تراقبنا حتى خرجنا لتشاهدنا، وبعد تعرفها علينا غادرت الأجواء".
والمعاناة ذاتها مع المسيّرات الإسرائيلية يعيشها إبراهيم عيسى من بلدة ميس الجبل قضاء مرجعيون. ويقول للجزيرة نت إن مسيّرة تتبّعته بمجرد أن بدل سيارته التي كان يستقلها أثناء خروجه من بيته إلى مزرعته بحافلة صغيرة، حيث ظلت تُحلّق فوق رأسه حتى نزوله وانكشافه أمامها، ثم غادرت الموقع.
ويضيف "منذ أسابيع ذهبت إلى المزرعة، وتركت هاتفي داخلها خشية ضياعه، وخرجت إلى البريّة لأتفقد الأبقار، وما هي إلا دقائق حتى تتبعتني درون إسرائيلية، وبقيت تلاحقني حتى وصلت المرعى وبعدها عادت أدراجها".
وباتت استباحة المسيّرات الإسرائيلية للقرى الحدودية اللبنانية مقلقة جدا، حسب عيسى، إلا أن الأهالي صاروا يتعايشون معها. لكنه وغيره لا يخفون إنزعاجهم من مراقبتها الحثيثة لهم.
ويقول "تخيّل أن تكون مرصودا بكل تحركاتك، وعلى مدار الساعة، هذا غير مريح، وفي هذه الأيام ومع ارتفاع درجات الحرارة، وعندما تحاول فتح باب أو نافذة، فإنك تفكّر كثيرا قبل أن تفعل، لأن المسيّرة قد تأتي وتصورك في منزلك دون أن تشعر".
أما المواطن عيسى هزيمة -صاحب مقهى في ساحة ميس الجبل- فيقول إن المسيّرة تقتحم المقهى يوميا، وتصوّر كل شيء داخله وتغادر، ثم تعود مجددا لتتأكد من وجوه الروّاد.
ويؤكد هزيمة للجزيرة نت أن الطائرة تتبّعه ومعظم سكان البلدة كل يوم، ولا تفارق الأجواء أبدا، وتصورهم وترصد تحركاتهم. ويقول "هذا يقلقنا جميعا، ويُجنّب الأهالي العودة إلى البلدة، خاصة وأن المسيّرات تحلق فوق علو منخفض منهم، ويشعرون وكأنها تلاحقهم داخل منازلهم".
قدرات استخبارية
يقول العميد المتقاعد في الجيش اللبناني والمختص في الاتصالات محمد عطوي إن لهذه المسيّرات قدرة عالية على التتبّع والرصد والتصوير. ويؤكد للجزيرة نت أن المسيّرات الإسرائيلية مزودة بأجهزة استشعار وكاميرات دقيقة ذات حساسية عالية، تُمكنها من تصوير أدق التفاصيل على الأرض بدقة ووضوح، حيث تنقل هذه المعلومات مباشرة إلى غرف العمليات داخل الكيان الإسرائيلي.
وهناك -يواصل عطوي- يقوم الإسرائيليون بمقارنة الصور مع المعلومات المتوفرة لديهم على أجهزة الحاسوب من صور سابقة لمواقع وأشخاص وأبنية ومواقع عسكرية، وبناء عليه يأخذون القرار المناسب.
ويشير عطوي إلى أن المسيّرات ليست وحدها من يخرق خصوصية اللبنانيين، ف الأقمار الصناعيّة أيضا تملك قدرة هائلة على الرصد بدقّة، ثم تعود لتُرسل ما التقطته إلى غرف عمليّات الموساد والقيادة الإسرائيلية.
ويضيف أن هناك أجهزة على شكل كاميرات وأدوات تنصّت ثابتة، تُوجّه على قطاع معيّن، خاصة في الأودية أو ممرّات محدّدة، وهي دقيقة وتُستخدم لنقل الصور، ويتم إخفاؤها غالبا تحت الصخور، وتموّه بحسب طبيعة الأرض، لتجنّب اكتشافها بسهولة، و"هذه المعلومات تُرسل إلى العدو الإسرائيلي، وأستطيع القول إن كل الإنترنت والاتصالات في الجنوب مراقب إسرائيليا".
شكل من العدوان
وأمام هذا الإطباق الاستخباراتي على لبنان وهذا الخرق لخصوصيّة المواطنين، يؤكد عضو لجنة الدفاع والداخلية والبلديات النيابية النائب محمد خواجة للجزيرة نت أن ما تقوم به إسرائيل يعد عدوانا مستمرا بحق لبنان، لافتا إلى أن الاحتلال لم يلتزم ب وقف إطلاق النار ولو لساعة واحدة، بينما لبنان، حكومة وشعبا وجيشا ومقاومة، التزم بالكامل بكل بنود الاتفاق.
ويستنكر خواجة تغطية وتبرير الولايات المتحدة الأميركية للانتهاكات الإسرائيلية، وفي مقدمتها السيطرة الجوية التي تُستخدم للقتل والاغتيال والقصف والتدمير في الجنوب ومناطق أخرى من لبنان، عوضا عن عدم قيامها بإلزام الاحتلال بتنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار.
ويضيف خواجة "على أميركا و فرنسا كجهتين راعيتين الاتفاق لوقف إطلاق النار، وأن تتحمّلا مسؤوليتهما عوضا عن ممارسة الضغوط على لبنان، بينما الحقيقة أن الضغط يجب أن يُمارس على إسرائيل".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

صحف عالمية: تحذيرات من تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة
صحف عالمية: تحذيرات من تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة

الجزيرة

timeمنذ يوم واحد

  • الجزيرة

صحف عالمية: تحذيرات من تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة

تناولت صحف عالمية، تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط وأوروبا، مسلطة الضوء على تفاقم الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة والتحديات الأمنية الإقليمية والدولية المتنامية. ووفقا لمقال نشرته نيويورك تايمز، فقد حذرت المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة " يونيسيف" كاترين راسل، من أن الآلية الجديدة لتوزيع المساعدات في غزة تعرّض المدنيين والعاملين في المجال الإنساني للخطر، وتتعارض مع المبادئ الإنسانية، بما فيها الحياد والنزاهة والاستقلالية، في ظل تفاقم أزمة الجوع عند أطفال غزة. وطالبت راسل بتمكين الأمم المتحدة من إيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق مع ضمان وصولها بشكل آمن ومستدام عبر جميع المعابر المتاحة. وفي السياق ذاته، تناولت واشنطن بوست الوضع في غزة من زاوية أخرى، حيث قال الكاتب شادي حامد في مقاله "إن ما يحدث في قطاع غزة هو إبادة جماعية"، ولم يعد ممكناً إنكار هذه الحقيقة. وأضاف أن وحشية إسرائيل على الفلسطينيين في غزة قد طال أمدها، وأصبح التطهير العرقي السياسة الرسمية لإسرائيل، مؤكداً أنه لا يمكن المساهمة في التقليل من شأنها أو توقع عدم حدوثها، وأنه "يجب أن نقول كفى". ومن الجانب الإسرائيلي، نشرت يديعوت أحرونوت مقالاً للأسيرة السابقة في غزة دوران شتاين-بريشر، التي أشارت إلى أن 600 يوم مرّت على الحرب، وأن الزمن بالنسبة لها تجمد في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وأن حالة الانتظار لا نهاية لها وبلا إجابات. وأضافت أن المجتمع الإسرائيلي لن يتعافى حتى يعود جميع الأسرى، وعلى الجميع سواء الحكومة أو الجمهور العمل من أجل ذلك. وعن تطورات الوضع في لبنان أشار تقرير في وول ستريت جورنال إلى أن الجيش اللبناني يقوم بنزع سلاح حزب الله إلى حد كبير في معاقله الجنوبية، وقد أعرب مسؤولون أميركيون وإسرائيليون عن سرورهم بهذا التقدم، وقالوا إنهم فوجئوا به. ونقلت الصحيفة عن رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام"إن الحكومة اللبنانية حققت نحو 80% من أهدافها في نزع سلاح المليشيات في أقصى جنوب البلاد". وفي الشأن الإيراني، دعت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في افتتاحيتها إلى ضرورة إدراك، أن أي اتفاق يحدّ من البرنامج النووي الإيراني ويعيد فرض الرقابة عليه أفضل بكثير من الحرب، وعلى إسرائيل ألّا تهاجم إيران أحاديا. ورأت الصحيفة، أن التهديد الحقيقي لأمن إسرائيل لا يكمن في طهران ، بل في سياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية التي يقودها من يسعى إلى البقاء في الحكم بدعم من وزراء يدفعون نحو صراع دائم. وعن الأوضاع في سوريا، رأت الغارديان البريطانية في افتتاحيتها، أن تخفيف القبضة الحديدية عن باقي المناطق السورية الممزقة يوفر فرصة لإعادة الإعمار. ولفتت إلى أن السوريين، لن يشعروا بالأمان حتى يُحاسب الجناة على الجرائم الوحشية التي ارتُكبت في عهد نظام الأسد. وأكدت الصحيفة أن على القيادة الجديدة في سوريا، أن تتذكر أن احتواء العنف لا يمكن فصله عن مهام التقدم الاقتصادي والاجتماعي والإدماج السياسي. ومن أوروبا نقلت مجلة نيوزويك عن قائد الجيش البريطاني الجنرال السير رولي واكر "إن حلف شمال الأطلسي (الناتو) يواجه تهديداً حقيقياً في ظل تزايد المخاوف من احتمال شن روسيا هجوماً على أعضاء الحلف في السنوات القليلة المقبلة". وأضاف واكر "نواجه فعلا تحديات خطِرة، علينا مواجهتها جماعيا"، مشدداً على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة للرد على التهديدات المتنامية.

قتيل بغارة إسرائيلية جنوبي لبنان ويونيفيل تحذر من تكرار الانتهاكات
قتيل بغارة إسرائيلية جنوبي لبنان ويونيفيل تحذر من تكرار الانتهاكات

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

قتيل بغارة إسرائيلية جنوبي لبنان ويونيفيل تحذر من تكرار الانتهاكات

أفادت السلطات اللبنانية بمقتل شخص في غارة شنتها مسيّرة إسرائيلية على محيط بلدة النبطية الفوقا جنوبي لبنان، وهي الغارة نفسها التي أكد الجيش الإسرائيلي لاحقا أنه اغتال خلالها عنصرا من حزب الله. وأعلنت "الوكالة الوطنية للإعلام" اللبنانية الرسمية مقتل موظف في بلدية النبطية الفوقا أثناء قيامه بعمله جراء غارة نفذتها مسيرة إسرائيلية، وأكدت وزارة الصحة اللبنانية بدورها مقتل الشخص المستهدف بالغارة. وأفادت الوكالة بأنه "أثناء توجه الموظف محمود عطوي، إلى البئر الموجودة في حرش علي الطاهر، لتحويل المياه إلى المنازل، تم استهدافه على دراجته النارية بصاروخ من مسيرة معادية، ما أدى إلى استشهاده". من جهته، قال الجيش الإسرائيلي في بيان: "القضاء على أحد عناصر حزب الله جنوب لبنان، حيث قام العنصر بمحاولة إعمار موقع استخدم لإدارة النيران والدفاع في الحزب"، مشيرا إلى أنه "يعتبر النشاط داخل الموقع خرقا للتفاهمات بين إسرائيل ولبنان، وتم استهدافه مرات عدة في الأسابيع الأخيرة". وتشن إسرائيل غارات في جنوب لبنان وشرقه وفي الضاحية الجنوبية لبيروت رغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ تنفيذه في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كما لا تزال قواتها موجودة في 5 نقاط في جنوب لبنان. حل مستدام في غضون ذلك، دعا رئيس بعثة القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل) وقائدها العام الجنرال أرولدو لاثارو، للعمل على تهيئة الظروف المناسبة لحل مستدام وطويل الأمد في جنوب لبنان، معتبرا أن الطريق إلى السلام في الجنوب هو طريق سياسي. وبحسب بيان صادر عن يونيفيل، قال لاثارو إن "الوضع على طول الخط الأزرق لا يزال متوترا وغير متوقع، مع انتهاكات متكررة والخوف من مخاطر أي خطأ قد يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه". وأقامت يونيفيل احتفالا اليوم في مقرها بمنطقة الناقورة، احتفاء بـ"اليوم الدولي لحفظة السلام" التابعين للأمم المتحدة، حضره ممثلون عن الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية، إلى جانب مسؤولين سياسيين وقادة دينيين محليين، وسفراء ومسؤولين من الأمم المتحدة.

"يا غايب".. فضل شاكر يروي طفولة قاسية شكلت مصيره المعقد
"يا غايب".. فضل شاكر يروي طفولة قاسية شكلت مصيره المعقد

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

"يا غايب".. فضل شاكر يروي طفولة قاسية شكلت مصيره المعقد

مادة درامية مثيرة للجدل، هكذا يمكن وصف رحلة النجم اللبناني فضل شاكر من بريق عالم الفن إلى الاعتزال ثم العودة للغناء مرة أخرى، وهو ما جعل أخباره مادة ثرية للعرض الإعلامي خلال السنوات الأخيرة، فنحن لسنا معتادين على مشاهدة فنان يتحول من آسر للقلوب والأذان إلى رجل تطارده العدالة. تلك الرحلة هي ما حاول مسلسل "يا غايب" استعراضها عبر مزيج من التوثيق الواقعي والدراما وكثير من صدق الإحساس الذي اشتهر به فضل. عودة جريئة بشجاعة وصخب، عاد الفنان فضل شاكر إلى الشاشة بشخصه، عبر المسلسل الوثائقي "يا غايب" المتاح عبر منصة شاهد، ليسرد على الجمهور حكايته، لا باعتباره الفنان المشهور الذي طالما انتظر الجمهور أغنياته، وإنما الإنسان العادي الذي لوعته الحياة وأذاقته حلاوتها، لكنها أيضا أوقعته بفخ اختبارات لم يحسن الاختيار فيها. ينتمي العمل إلى فئة الـ "دوكيودراما" ويسير في خطين دراميين، الأول وثائقي يظهر به فضل ليقص حكايته كما عاشها ويراها، إضافة إلى ظهور أفراد من عائلته وأصدقائه وجهات القضاء والمحامين الذي يعقبون على قصته بآرائهم الخاصة/المتخصصة. أما الثاني فهو خط فني عن صحفية، ستيفاني عطالله تحاول عمل تقرير عن فضل وفي سبيل ذلك تنبش ماضيه وتحاور عائلته، بل وتسعى للوصول إليه هو نفسه لمزيد من المصداقية في ظل محاولتها عدم إطلاق أي أحكام مسبقة قدر الإمكان، مما أتاح للجمهور فهما أعمق لتفاصيل حياة نجمهم المفضل ومشاهدته عن قرب كإنسان وأب وليس فقط كفنان. لعبة الموت والحياة يبدأ العمل بشرارة الحب التي انطلقت على أسطح المخيم بين فضل خلال المراهقة مع زوجته الحالية نادية، وكيف كافحا معا وأصرا على الزواج رغم صغر سنهما، لكن بالعودة إلى طفولته تبدو الأمور أكثر تعقيدا وحساسية. نشأ فضل في أسرة فقيرة بين أب محب للفن والغناء وأم مكلومة تشكو من ضيق الرزق وشظف العيش، ورغم تعلقه الشديد بأبيه، تقرر الأم اختياره دون بقية إخوته لإلحاقه بدار أيتام لتخفيف الحمل عن الأسرة. هذه المأساة تركت في قلب فضل جرحا غائرا وثقبا هائلا بحجم الخذلان، فضلا عن أنها تجبره على اختبار أشياء لم يكن ليختبرها أبدا لو عاش في كنف عائلته. ورغم ادعائه الغفران والتسامح، لكن من خلال حواراته داخل المسلسل وإعرابه المستمر عن شعوره الدائم بالوحدة، وأن ما من رفيق أو قريب له بالحياة، نتأكد كيف تجرع اليتم صغيرا رغم وجود والديه على قيد الحياة، والأهم كيف أثر ذلك على اختياراته وطريقته باتخاذ القرارات المصيرية وحده دون الرجوع لأحد. يظل فضل في دار الأيتام حتى وفاة والده، قبل أن يعود إلى أسرته وتخيره والدته بين العمل بأي حرفة يدوية أو الرجوع إلى الدار فيختار العمل، وفعلا يتنقل بين كثير من الأشغال إلى أن يكتشف أحد معارفه حلاوة صوته فينصحه بالاتجاه للغناء وهنا تتغير حياته بالتدريج. من الملهاة إلى المأساة ورغم الصعوبات التي يلقاها بأول الطريق وبعض مشكلات التعاقد والشروط الجزائية التي تمنعه من الغناء فترة، لكنه يعرف كيف يتغلب عليها لتزدهر أموره فنيا وماديا، ما يظهر في حفلاته الفنية المكتظة عن آخرها بجمهور يهتف باسمه بحماس ومحبة. ولأن الحياة لا تسير على وتيرة واحدة، يتبدد كل شيء إثر بعض الأحداث السياسية والتصريحات غير الموفقة من فضل على الملأ، ثم رغبته في اعتزال الفن. وهو ما يقوده بعد فترة إلى السقوط في درب الجماعات الدينية المتشددة وتحديدا الداعية اللبناني أحمد الأسير ومن ثم يصبح مطاردا من العدالة ومطالبا بأحكام قضائية غيابية، أبرزها الحكم الغيابي بالسجن 15 عاما في قضية "أحداث عبرا" مما دفعه إلى الاختباء في مخيم عين الحلوة حتى يومنا هذا. حين تتقاطع الإنسانية مع الدين والسياسة يمكن اعتبار العمل بمثابة تأمل في الدور الذي تلعبه الوسائط الفنية في رسم صور الشخصيات العامة وتشكيل وعي الجمهور، وكيف يمكن للمعلومات المنقوصة أن تتسبب بإقصاء أبطالها. حيث يضع الوثائقي فضل شاكر في منطقة محايدة تعيد طرح الماضي مع تخفيف حدة المواقف والقرارات ومحاولات حثيثة لاستعطاف قلوب الجمهور. أما على المستوى الفني، يحسب للعمل ابتعاده عن التوثيق الجاف من خلال مزج التمثيل الواقعي بخط درامي متخيل تمثل في شخصية الصحفية، مما أضفى على العمل بعض الإثارة والحيوية. لكن، كان بالإمكان تعميق هذا الجانب عبر تقديم تساؤلات أكثر نقدية بدلا من الاكتفاء بمحاولات البطلة المستميتة الوصول إلى البطل دون أن تحمل موقفا فكريا ناقدا لما تكشفه، مما قلل من عمقها كركيزة درامية موازية. أتاح الجمع بين السرد الوثائقي والمشاهد التمثيلية للمشاهد فهم أعمق لتفاصيل حياة فضل شاكر، مع إتاحة مساحة للأهل والأصدقاء للتعبير عن جوانب مختلفة من شخصيته، مما أضفى مصداقية وثراء على العمل. وقد نجح الإخراج في المزج بانسيابية وتوازن الجانب الواقعي في الجزء الفني المعتمد على "الفلاش باك"، كذلك أحسن توظيف الإضاءة والديكور للتعبير عن المتغيرات الجارية سواء على المكان نفسه أو الأشخاص وصراعاتهم الداخلية. وقدم غالبية الممثلين أدوارهم جيدا، خاصة الطفل ريان حمو الذي لعب دور فضل صغيرا ونجح في تجسيد مشاعره بين مرارة الانكسار والوحدة، والممثل عزام الشبعان في المراهقة الذي اتسم أداؤه بالحيوية. بينما حاول الممثل عماد عزمي تقديم الصراعات الداخلية المريرة التي اعترت فضل خلال شبابه وأوج تألقه، ولكن جانبه الصواب بضع مرات وجاء الأداء سطحيا، كذلك عاب العمل الإطالة والتكرار في بعض المشاهد مما أصاب الجمهور بالملل في بعض الحلقات. غير أن أهم الأدوات الفنية في العمل كانت الموسيقى التصويرية التي لعبت دورا محوريا في المسلسل كإحدى مفردات السرد، بداية من عناوين الحلقات التي اقتبست من أسماء أغنيات فضل شاكر مثل "يا غايب" و"ضحكت الدنيا". ومرورا بالأغنيات ذاتها التي استخدمت مقاطع منها ضمن الأحداث بتوزيعاتها الأصلية القديمة للعب على وتر الذكريات من جهة ومن جهة أخرى الإقرار بحالة البطل باعتبارها صدى لحاله وأفكاره حينذاك. ثم تقديمها بتوزيعات جديدة للكشف عن المشاعر الداخلية الجديدة للبطل من إحساس بالندم والاشتياق لعالم الفن وقبول الجمهور، وهو ما خلق حالة من التوازن وعزز الحالة الشعورية للمتفرج. "يا غايب" عمل وثائقي-درامي لبناني من تسع حلقات، يأتي كتركيبة فنية تجمع بين التوثيق والدراما، حيث يروي الفنان اللبناني فضل شاكر قصته بنفسه للمرة الأولى. إعلان ورغم محاولات العمل نزع القداسة عن بطله، يقع "يا غايب" أحيانا في فخ التبرير الشعوري، لكنه يظل تجربة فنية وإنسانية مثيرة للتفكير عن هشاشة النجم، ومآلات الشهرة. العمل إخراج فاطمة راتشا شحادة، وتأليف نور المجبر، وبطولة فضل شاكر، ستيفاني عطالله، عماد عزمي، طلال الجردي، سميرة الأسير، وعزام الشبعان.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store