logo
التعبئة العامة .. جاهزية واستعداد دائم لإفشال مؤامرات الأعداء

التعبئة العامة .. جاهزية واستعداد دائم لإفشال مؤامرات الأعداء

26 سبتمبر نيتمنذ 3 أيام
في مشهد تعبوي متقد بالحماس والوعي الثوري، دشّنت مديرية التحرير بأمانة العاصمة، المرحلة الرابعة من دورات التعبئة العامة المفتوحة "طوفان الأقصى"، تحت شعار "لستم وحدكم"، المرحلة الجديدة تأتي في سياق الاستجابة العملية لنداء الجهاد ومناصرة الشعب الفلسطيني، وتعزيزًا لمفهوم الجهوزية الشاملة في معركة الأمة الكبرى ضد قوى الهيمنة والعدوان.
متابعة : هلال جزيلان
وخلال فعالية التدشين، شدّد وكيل أول أمانة العاصمة، خالد المداني، على أن المعركة القائمة اليوم ليست معركة عابرة، بل معركة فاصلة بين الحق والباطل، بين الكفر والإسلام، بين الشعوب المستضعفة ومحور الشر الصهيوأمريكي، وأضاف: "نحن أمام مسؤولية تاريخية تقتضي الاستعداد الكامل لمعركة الفتح الموعود والجهاد المقدّس، والوفاء لدماء الشهداء، ونصرة أهلنا في غزة وفلسطين المحتلة."
وأكد المداني على أن التعبئة العامة ليست فقط عملية عسكرية أو تدريبية، بل مشروع وعي وإعداد متكامل لحماية المجتمع من الغزو الثقافي، ولترسيخ الهوية الإيمانية، محذّراً من ثقافات التضليل والانحراف التي يسعى العدو لزرعها بين الشباب. كما دعا إلى توسيع المشاركة المجتمعية في الدورات، قائلاً: "امتلاك القوة والإعداد هو السبيل الوحيد لمواجهة العدو، وإننا في اليمن ماضون بثقة في مشروع التحرر والكرامة، ولن نكون إلا في صف المظلومين من أبناء الأمة."
من جهته، أوضح المهندس عبداللطيف الولي، مسؤول التعبئة العامة بالمديرية، أن هذه المرحلة التدريبية تستهدف تأهيل ثلاثة آلاف فرد من مختلف الأحياء والحارات خلال العام الجاري 1447هـ، مشيراً إلى أنها ستُختتم بمناورات عسكرية ميدانية تُجسّد جاهزية أبناء المديرية في كافة الظروف، وأضاف أن المراحل السابقة أثمرت عن تدريب وتأهيل 1500 شاب من أبناء المديرية، في خطوة عملية لإعداد كوادر قادرة على خوض التحديات الميدانية والفكرية، مؤكداً أن هذه الدورات تُشكّل استجابة مباشرة لدعوة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، وتُعبّر عن وعي أبناء العاصمة بواجبهم في نصرة الأقصى ومواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني.
حضر التدشين عدد من الشخصيات الاجتماعية والإدارية، وسط تفاعل شعبي كبير يعكس مستوى الالتفاف الشعبي حول مشروع التعبئة، والجاهزية التامة لخوض معركة التحرر الكبرى، في إطار موقف شعبي يمني ثابت لا حياد فيه عن قضايا الأمة المركزية.
كما دشّنت السلطات المحلية وشعب التعبئة العامة في محافظات الحديدة وحجة وريمة، جولات جديدة من برنامج التعبئة العامة والدورات العسكرية المفتوحة ضمن مشروع "طوفان الأقصى"، تحت شعار: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة"، وذلك في ظل تنامٍ ملحوظ في التفاعل الشعبي مع هذا المشروع الذي بات أحد أبرز روافد الإسناد الاستراتيجي لمعركة الأمة ضد قوى الهيمنة والعدوان.
الحديدة.. حضور واسع وفاعل
ففي محافظة الحديدة، دشنت السلطة المحلية الجولة الثانية من الدورات التعبوية للعام 1447هـ، وسط حضور رسمي وشعبي كبير، ومشاركة فاعلة من العلماء والمشايخ وقيادات تنفيذية وتعبوية من مختلف المديريات. وأكد محافظ الحديدة عبدالله عطيفي، أن هذه الدورات تمثل ركيزة أساسية في التحصين الفكري والروحي لأبناء المجتمع، وتجسّد التزام المحافظة الثابت بخيار الجهاد والموقف المبدئي تجاه قضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وأوضح عطيفي أن الجولة الجديدة ستركز على مفاهيم التعبئة والبصيرة وربط الواقع بالموقف الإيماني، بما يفضي إلى إنتاج وعي جامع قادر على مواجهة التحديات. كما نوه إلى أهمية إشراك كافة فئات المجتمع في هذه البرامج التي تعد أحد أبرز أدوات التصدي للحرب الناعمة ومخططات التضليل.
من جهته، أوضح وكيل أول المحافظة ومسؤول التعبئة العامة أحمد البشري، أن الجولة الثانية تأتي استجابة لمرحلة حساسة تستدعي المزيد من الجاهزية الفكرية والنفسية، مؤكداً أن البرنامج سيمتد إلى مختلف المديريات وسيركز على رفع الوعي الجماهيري تجاه معركة الكرامة والوعي. وأكد البشري أن محافظة الحديدة تواصل تصدّر مشهد التعبئة، ما يعكس حجم الوعي المتجذر لدى أبنائها، فيما أشار وكيل المحافظة محمد حليصي إلى أن نجاح الجولة الأولى أسهم في تعزيز الروح التعبوية بشكل واسع، مؤكداً أن المرحلة الثانية ستُدار بمرونة وكفاءة لضمان وصول أثرها التوعوي إلى أوسع شريحة مجتمعية.
وفي سياق متصل، دشنت مديريتا الدريهمي والمنصورية في المحافظة ذاتها، الجولة الثانية من البرنامج ذاته، حيث أشارت الكلمات خلال الفعاليتين إلى أن هذه الدورات تُجسد الموقف الشعبي الواضح لنصرة القضية الفلسطينية ومواجهة العدوان الصهيوني، كما أنها تمثل استمرارية طبيعية في مسار الجهاد والتأهب الشعبي.
حجة.. استكمال مسار التدريب والتأهيل القتالي
وفي محافظة حجة، دشّنت شعبة التعبئة المرحلة الثامنة من الدورات العسكرية المفتوحة "طوفان الأقصى"، والمستوى الثاني من التأهيل العسكري، وسط حضور رسمي وشعبي واسع شمل عشرات المديريات، من بينها عبس، حرض، حيران، وميدي. وأكد وكيل المحافظة أحمد الأخفش، وعضو رابطة علماء اليمن القاضي عبد المجيد شرف الدين، أن هذه الدورات تأتي في سياق الاستعداد المستمر لمواجهة العدو الصهيوني، امتثالاً لتوجيهات قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، الذي شدد في خطبه الأخيرة على أهمية التأهيل والإعداد العسكري والروحي لأبناء الأمة.
وشددت الكلمات خلال فعاليات التدشين على أن هذه المرحلة تعبّر عن جاهزية عالية واستعداد دائم للمشاركة في معركة التحرر الكبرى، مشيدة في الوقت ذاته بالضربات الصاروخية النوعية التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية في عمق كيان العدو الصهيوني. كما باركت الفعاليات الانتصار الذي حققته الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مواجهة الكيان الصهيوني، مؤكدة أن موقف اليمن واضح وثابت إلى جانب محور المقاومة، مشددة على الاستمرار في الالتحاق بالدورات العسكرية والتعبوية المفتوحة استعداداً لأي خيارات قادمة.
ريمة.. التعبئة تتزامن مع عاشوراء والجهوزية ترتفع
في محافظة ريمة، دشّن المجلس المحلي بمديرية الجبين المرحلة السادسة من الدورات التعبوية المفتوحة، تزامناً مع ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، ما أضفى على المناسبة بعداً معنوياً إضافياً، ورسالة واضحة في التمسك بنهج الحسين في مقارعة الظلم ومواجهة المستكبرين. وأكد مدير المديرية ماجد أمين، أن الجميع معنيٌّ بتحمل المسؤولية التاريخية في نصرة المستضعفين والدفاع عن السيادة الوطنية، داعياً أبناء المجتمع إلى الالتحاق بالدورات المفتوحة استعداداً لمواجهة العدو الأمريكي والإسرائيلي.
من جهته، أكد مدير مكتب هيئة الأوقاف بالمحافظة فتح الدين النهاري، أن المرحلة الراهنة تتطلب وعيًا عاليًا واستعدادًا دائمًا، في ظل تصاعد جرائم العدو الصهيوني بحق الفلسطينيين، فيما حث مسؤول التعبئة بالمديرية رضوان الحديدي على استشعار عظمة المرحلة والمضي في طريق التعبئة الشاملة.
معركة الوعي مستمرة.. والاستعداد يتوسع
تتفق كل الفعاليات التي شهدتها المحافظات الثلاث على حقيقة واحدة مفادها أن التعبئة العامة لم تعد نشاطًا موسميًا، بل أصبحت مسارًا وطنيًا دائمًا، يعبّر عن وعي جمعي بضرورة المواجهة، ويعزز من الجاهزية الفكرية والبدنية لمختلف شرائح المجتمع. وتُظهر المشاركة الشعبية الواسعة، والتفاعل الكبير مع برامج "طوفان الأقصى"، أن المجتمع اليمني دخل مرحلة جديدة من الثبات والمواجهة، تمتد من ساحة الوعي إلى ميدان التدريب والتأهيل، وتتماهى في مضمونها مع المعركة الكبرى التي يخوضها اليمن دفاعًا عن فلسطين ومقدسات الأمة.
وتحمل هذه الدورات التعبوية والعسكرية دلالات سياسية واستراتيجية عميقة، أبرزها أن اليمن يتهيأ لما هو أعظم، ويعيد صياغة دوره في المنطقة كقوة مقاومة صاعدة، لا تكتفي بإسناد الجبهات، بل تبني مشروعًا متكاملاً للتحرير والسيادة والانتصار.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ألوية الناصر صلاح الدين تقصف تجمعًا لقوات الاحتلال شرق جباليا
ألوية الناصر صلاح الدين تقصف تجمعًا لقوات الاحتلال شرق جباليا

وكالة الصحافة اليمنية

timeمنذ 7 ساعات

  • وكالة الصحافة اليمنية

ألوية الناصر صلاح الدين تقصف تجمعًا لقوات الاحتلال شرق جباليا

غزة/وكالة الصحافة اليمنية// شنّت ألوية الناصر صلاح الدين، الجناح العسكري للجان المقاومة في فلسطين، صباح اليوم الثلاثاء، قصفًا استهدف تجمعًا لجنود وآليات الاحتلال الإسرائيلي في محور التوغل شرق بلدة جباليا شمال قطاع غزة. وأظهرت مشاهد مصوّرة نشرتها الألوية جانبًا من عملية استهداف تجمعات الاحتلال بقذائف الهاون الثقيلة، في إطار تصدي المقاومة الفلسطينية لمحاولات التوغل الإسرائيلي المتواصلة في المنطقة. وأكدت الألوية في بيان مقتضب أن مقاتليها تمكنوا من تحقيق إصابات دقيقة ومباشرة في صفوف قوات الاحتلال وآلياته العسكرية. وتواصل فصائل المقاومة في غزة، منذ انطلاق معركة 'طوفان الأقصى'، تنفيذ عمليات نوعية ضد قوات الاحتلال، عبر القصف المدفعي والكمائن وزرع العبوات الناسفة، في مختلف محاور القتال داخل القطاع، وسط تصاعد الاشتباكات في المناطق الشمالية والوسطى.

سرايا القدس تدمر آلية عسكرية إسرائيلية في خانيونس
سرايا القدس تدمر آلية عسكرية إسرائيلية في خانيونس

وكالة الصحافة اليمنية

timeمنذ 7 ساعات

  • وكالة الصحافة اليمنية

سرايا القدس تدمر آلية عسكرية إسرائيلية في خانيونس

غزة/وكالة الصحافة اليمنية// أعلنت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين عن تدمير آلية عسكرية إسرائيلية في خانيونس. وقالت السرايا في بيان لها اليوم الأربعاء: 'دمرنا آلية عسكرية صهيونية بتفجير عبوة شديدة الانفجار من نوع (ثاقب) في منطقة 'عبسان الكبيرة' شرق مدينة خانيونس'. وتُواصل فصائل المقاومة الفلسطينية، منذ السابع من أكتوبر 2023، عملياتها البطولية ضد العدو الصهيوني، ضمن معركة 'طوفان الأقصى' المستمرة.

تساؤلات حول الشرق الأوسط الجديد
تساؤلات حول الشرق الأوسط الجديد

المشهد اليمني الأول

timeمنذ 11 ساعات

  • المشهد اليمني الأول

تساؤلات حول الشرق الأوسط الجديد

جرى الحديث مؤخراً عن 'الشرق الأوسط الجديد' الذي تسعى إدارة ترامب لرسمه في المنطقة، وسط غياب المعرفة عن شكل هذا 'الشرق الأوسط'. لكن الثابت فيه هو أنه سيكون بقيادة إسرائيلية وتبعية للولايات المتحدة الأميركية. مع الإشارة مقدماً إلى أن الكثير من المشاريع الأميركية التي استهدفت المنطقة بقيت حبراً على ورق في كثير من الأحيان، فهي ليست قدراً محتوماً، خاصة إذا ما لقيت رفضاً من شعوب المنطقة. معالم الشرق الأوسط الجديد تُرسم على إيقاع الحرب في غزة، وما يسمّى السلام الإبراهيمي، الذي يبدو أن قطاره سينطلق من جديد ليشمل بعض الدول العربية ذات التأثير في معادلة الصراع العربي الصهيوني. 'السلام مقابل الازدهار'، هي الفكرة التي تحرص أميركا و'إسرائيل' على الترويج لها، لكن الواقع يقول إن الدول العربية التي وقعت اتفاقاً للسلام مع 'إسرائيل' لم تعد تعيش واقعاً اقتصادياً أفضل. ظهرت كلمة 'الشرق الأوسط' لأول مرة في العام 1902، في مقالة نشرها البحار الأميركي ألفريد ماهان، صاحب نظرية القوة البحرية. لا يوجد تحديد دقيق لمصطلح 'الشرق الأوسط'، والدول التي يشملها، وخاصة أن الهدف منه كان دمج 'إسرائيل' مع دول المنطقة العربية، عبر تسميتها دول الشرق الأوسط، كي لا تبدو 'إسرائيل' جسماً غريباً فيه، باعتبارها ليست عربية ولا إسلامية، كما أن مستوطنيها لا يشبهون سكان المنطقة العربية. يعد شيمون بيريز رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق الأب الروحي للمصطلح، حيث تحدث عن مشروع 'السوق الشرق أوسطية' في العام 1967، وكان الهدف منه تأسيس شراكة اقتصادية بين 'إسرائيل' والدول العربية على غرار السوق الأوربية المشتركة. بعد معركة طوفان الأقصى بات من الواضح أن المنطقة مقبلة على تغيرات جيو استراتيجية، وأن خرائط جديدة يجري العمل على تنفيذها، وحدود سايكس بيكو التي رسمت معالم الدولة القومية الحديثة لم تعد استمراريتها متاحة. تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، لكن هذه المرة بناء على أسس دينية وإثنية ومذهبية، لحرف الصراع عن حقيقته، وإدخالنا في صراعات طائفية لا تُبقي ولا تذر. لقد استطاعت 'إسرائيل' تكريس فكرة أنها 'دولة خارجة على القانون'، وبالتالي لا مجال لمحاسبتها، وأصبح نتنياهو 'أزعر الشرق الأوسط'الذي يفعل ما يريد، وهو المطلوب للعدالة الدولية والقضاء في 'إسرائيل'. 'مواجهة إيران وتركيا' هي الخطوة المقبلة لـ'إسرائيل'، والمطلوب من العرب أن يكونوا أداتها في تلك المواجهة، عبر قدرتها على إثارة النعرات بين أبناء المنطقة. وخاصة أن تركيا تسير على خطى إيران في دعمها للجماعات الإسلامية، وفقاً للتصورات الإسرائيلية. الدور الوظيفي لهذه الجماعات يمكن الاستثمار به إسرائيلياً، لكن القدرة على احتوائها مستقبلاً أمر غير مؤكد، ويحمل العديد من المخاطر التي يتوجب على 'إسرائيل' أخذها بعين الاعتبار. مؤتمر مدريد للسلام والشرق الأوسط الجديد… انطلاقاً من فكرة أن 'العرب لا يستطيعون هزيمة 'إسرائيل'، و'إسرائيل' لا تستطيع فرض شروط السلام على العرب'، كان لا بد من التوجه إلى السلام لوضع نهاية لهذا الصراع العبثي، كما يروق للغرب تسميته. عقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وعاد معه الحديث عن الشرق الأوسط الجديد وفقاً للتصورات الإسرائيلية والمدعومة أميركياً، ولا سيما أن الظروف لم تعد في مصلحة العرب الذين ذهبوا إلى المؤتمر من موقع المهزوم لا المنتصر. فالاتحاد السوفياتي كان قد تفكك، وهو الذي كان حليفاً للعرب وداعماً لهم طوال فترة الحرب الباردة، وخاصة خلال حرب تشرين التحريرية، حيث شكل 'الموازن الدولي' للدعم الأميركي المطلق لـ'إسرائيل'. الجيش العراقي كان قد جرى تدميره من قبل التحالف الدولي بعد الغزو العراقي للكويت، ففقد العرب خامس أقوى جيش في العالم في حينه، وهو الذي كان في طليعة الجيوش العربية المستعدة لقتال 'إسرائيل'. كان توقيت المؤتمر بمناسبة مرور 400 عام على طرد العرب من الأندلس، ما أضفى على المكان إحساساً بوقع الهزيمة التي على العرب تقبلها. مفاوضات السلام بين العرب و 'إسرائيل' ركزت على تفتيت المسارات، وضرورة استفراد إسرائيل بكل طرف عربي على حدة، كي يسهل عليها فرض شروطها وإملاءاتها. كانت الولايات المتحدة تتحدث عن 'نهاية التاريخ'، حيث سيطرت القيم الغربية وثقافة العولمة، وباتت أميركا القطب المهيمن على العالم، وأن هذه السيطرة باتت حتمية وخاصة أن التاريخ قد انتهى ولن يعيد نفسه هذه المرة بظهور دولة تنافس الولايات المتحدة في تربعها على عرش العالم. 'إسرائيل' كانت منشغلة في الترويج لفكرة 'الشرق الأوسط الجديد' التي عبّر عنها شيمون بيريز في كتابه الذي عنونه بهذا الاسم، والذي صدر في العام 1993. يطرح بيريز معادلة مفادها (النفط العربي+اليد العاملة العربية= الخبرة الإسرائيلية)، فالصهاينة يمتلكون التفوق الذهني والحضاري الذي يمكنهم من قيادة المنطقة، وفقاً لتصوراته. في تلك الفترة جرى الحديث عن تحويل اسم 'جامعة الدول العربية' إلى 'جامعة الشرق الأوسط' لتكون 'إسرائيل' عضواً فيها، وربما تركيا لاحقاً، ولا سيما أن التنسيق التركي الإسرائيلي كان في أوجه حينذاك. وإرضاءً لتركيا، طرح بيريز فكرة تقوم على ضرورة مقايضة كل برميل ماء تقدمه تركيا للدول العربية ببرميل نفط، فالمياه ثروة تركية كما النفط ثروة عربية. نتج عن هذا المؤتمر توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، ووادي عربة عام 1994، لكن الصراع العربي الصهيوني لم ينتهِ، وبقيت القضية الفلسطينية قضية العرب والمسلمين، التي لا يمكن لسلطة التفريط بها. هذا الكلام ليس خطاباً أيديولوجياً، بل هو الحقيقة التي يثبتها الواقع الذي نعيشه، والدليل أن السلام لم يتحقق، والدولة الفلسطينية ما زالت حلماً بعيد المنال، أياً كان الطرف المسؤول عن ذلك. كما أن 'إسرائيل' رغم قوتها والدعم الغربي الذي يقف خلفها، لم تعد قادرة على حماية أمنها القومي، وهو ما تجسد في عملية طوفان القصى. الحديث عن مخاض لولادة الشرق الأوسط الجديد، كان أول ما تحدثت به كونداليزا رايس بعد بدء حرب تموز 2006، وها هو اليوم يُطرح من جديد بعد مرور عقدين من الزمن، بمعنى أن ما تريده أميركا و'إسرائيل' ليس قدراً بكل تأكيد. تلاشي 'الصراع العربي الصهيوني' وتحوّله إلى نزاع فلسطيني إسرائيلي هو المكسب الذي حققته 'إسرائيل'، فلم تعد القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى، بل إن بعض الدول العربية باتت تقف في المكان المعادي لتلك القضية. موت جامعة الدول العربية هو أحد أهداف مشروع الشرق الأوسط الجديد، فلا مجال للحديث عن أمن قومي عربي، أو مصير عربي مشترك في ظل هذا المشروع، لذا نرى اليوم كيف باتت الجامعة العربية 'جثة هامدة' لا دور لها ولا فائدة. ترامب والشرق الأوسط الجديد.. الرئيس ترامب شخصية غير توقعية، لا يمكن التنبؤ بسلوكه وردود أفعاله، يحاول الظهور بمظهر 'الرجل المجنون' الذي يمتلك القوة المفرطة، والذي لن يتردد في استخدامها عند الضرورة. رؤية ترامب للشرق الأوسط تقوم على سردية تقديم نفسه كصانع للسلام، ورجل قوي قادر على فعل ما لم يستطع غيره من الرؤساء فعله. نتنياهو الذي يؤمن بالقوة، والمهووس بفكرة 'إسرائيل الكبرى'، يحسن فن التعامل والحديث مع ترامب ودغدغة مشاعره النرجسية، ويختلف معه في أنه أكثر تطرفاً وحسماً إزاء قضايا المنطقة. يسعى ترامب لتحقيق أهدافه بصفاقة مطلقة، من دون الأخذ في الاعتبار بعض الشكليات التي تحكم أصول التعاطي الدبلوماسي بين الدول. وهو ما تسبب في الحرج للكثير من قادة الدول، الذين شعروا بالإذلال والإهانة، لأن استحقارهم جرى في العلن، لا في الاجتماعات المغلقة، كما جرت العادة. الجميع تهيأ لكيفية التعاطي مع ترامب قبل وصوله إلى السلطة، والكل يدرك أن لا مناص من الانحناء للعاصفة، إذا ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. 'أميركا أولاً' ليس مجرد شعار طرحه ترامب، بل استراتيجية يعمل على تطبيقها، تعني أن المصالح الأميركية يجب تحقيقها مهما كان الثمن، وبغض النظر عن الوسائل المتبعة، في تجسيد مطلق لأسوأ معاني 'الميكافيلية'. الحديث عن الخلاف بين ترامب ونتنياهو لم يعد ممكناً، وخاصة بعد التدخل الأميركي المباشر في العدوان على إيران، بعد فشل 'إسرائيل' في تحقيق أهدافها، والزيارة الحالية لنتنياهو للبيت الأبيض والتي يحمل فيها ثلاثة ملفات: وقف الحرب في غزة، والسلام مع سوريا وضرورة الضغط على إيران بعد أن اعترف الأميركيون بفشل الضربات الجوية في تدمير مفاعلات طهران النووية. يسعى ترامب لتحقيق السلام في الشرق الأوسط تطبيقاً لاستراتيجيته 'السلام من خلال القوة'، بغض النظر عن شكل هذا السلام، وخاصة أنه لا معنى للحق في قاموسه السياسي، فهو من اعترف بالقدس عاصمة موحدة لـ'إسرائيل' في العام 2017، كما اعترف بضم 'إسرائيل' للجولان السوري المحتل بموجب مرسوم رئاسي وقعه بتاريخ 25 آذار 2019، خلال ولايته الأولى. المهم بالنسبة لترامب أن يجري الإعلان عن شيء يُحسب له، ويشكل قيمة مضافة إلى تاريخه السياسي، ويعزز فرصه في الحصول على جائزة نوبل للسلام، حتى لو كان ترشيحه من قبل نتنياهو الملطخة يداه بدماء أطفال غزة. فشل ترامب في وضع نهاية للحرب الأكثر دموية في القرن 21 (حرب غزة)، وكل ما هو مطروح هو وقف الحرب من خلال هدنة تستمر لستين يوماً، ثم وضع إطار عام وشامل لوقف الحرب بشكل كامل، على ألّا يكون هناك وجود لحماس بعد الحرب. الحتمية التاريخية تؤكد أن الشعوب لا يمكن أن تُقهر، ولا يوجد احتلال كُتب له الاستمرار عبر التاريخ، وأن الشعب العربي لم يقل كلمته بعد، وأن حركة التاريخ مع العرب، لو أحسنوا استثمارها. مع التأكيد أن المقاومة ليست مجرد فعل آني، بل هي حركة تاريخية متجددة، وحق شعبي لا يمكن لأي سلطة احتكاره، وإلا ستجد نفسها في صف العدو، وهو ما لا تطيقه أي سلطة بكل تاكيد. ــــــــــــــــــــــــــــــــــ شاهر الشاهر

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store