
نيزك فضائي يكشف عن معادن "لم تعرفها الأرض من قبل"
عثر السكان المحليون في بلدة جيبيون، بالقرب من صحراء ناميبيا، على نيزك حمل اسم البلدة نفسها، ليصبح بعد مرور مئات السنين سببا في اكتشاف خصائص ميكانيكية غير مسبوقة للمعادن، لم تشهد الأرض مثلها من قبل.
هذا النيزك، الذي استخدمه السكان الأصليون في ناميبيا (قبائل الهيريرو) لصناعة الأدوات والأسلحة مثل رؤوس الحراب، قبل أن يدرك العلماء قيمته العلمية، تعرَض العديد من شظاياه في متاحف عالمية مثل المتحف البريطاني ومتحف التاريخ الطبيعي في نيويورك، كما استخدم في العديد من الدراسات لتحديد الخواص الميكانيكية، والبلورية، والمغناطيسية للمعادن.
ومؤخرا، أعلن علماء ومهندسون من جامعة نوتنغهام البريطانية، في دراسة نشرتها دورية"سكريبتا ماتيرياليا"، عن الدور الذي لعبه هذا النيزك في الكشف عن خصائص ميكانيكية غير مسبوقة لمعادن فضائية، لم تشهد الأرض مثلها من قبل.
تحليل غير تدميري
وباستخدام تقنية مبتكرة وغير مدمرة تُعرف بـ"التحليل الطيفي الصوتي المكاني المعتمد على الليزر"، طورها باحثو جامعة نوتنغهام وسجلوا براءة اختراعها، نجح العلماء في قياس صلابة نيزك "جيبيون"، وهو إنجاز يحدث للمرة الأولى مع نيزك فضائي، ليفاجؤوا بتراكيب وأنماط بلورية مذهلة للحديد والنيكل، لا يمكن محاكاتها على الأرض.
وتعد التقنية الجديدة طريقة مبتكرة وغير مدمرة تستخدم لقياس الخصائص الميكانيكية للمواد، خصوصا الصلابة والمرونة البلورية، بدقة عالية ومن دون الحاجة إلى لمس العينة أو تعديلها.
وتتضمن هذه التقنية 4 خطوات، تبدأ بإطلاق نبضة ليزر قصيرة للغاية على سطح العينة، لتوليد موجات صوتية صغيرة (أشبه بالاهتزازات)، لتنتقل هذه الموجات بدورها عبر سطح المادة، وتتأثر بخصائصها مثل الصلابة، والكثافة، والمرونة، ثم يوجه ليزر آخر لقياس كيفية انتشار هذه الموجات على السطح، ومن خلال تحليل سرعة واتجاه انتشار الموجات، يتم تحديد الخصائص الميكانيكية الدقيقة، خصوصا المرونة البلورية.
تراكيب لا تتكرر
وتقول وينتشي لي، الباحثة الرئيسية في الدراسة من مجموعة أبحاث البصريات والفوتونات بجامعة نوتنغهام في بيان صحفي رسمي نشره الموقع الإلكتروني للجامعة "باستخدام هذه التقنية، وجدنا أن معادن الحديد والنيكل في نيزك جيبيون تشكلت في ظروف لا يمكن تكرارها على الأرض".
وتضيف "هذه المواد تطورت في بيئات فريدة استمرت ملايين السنين، مما منحها تراكيب وأنماطًا بلورية مذهلة لا يمكن محاكاتها على الأرض، وهذه البنية الدقيقة تمنحها خصائص ميكانيكية ومرنة تختلف جذريًا عن السبائك التي نصنعها نحن من الحديد والنيكل".
ويطمح العلماء، من خلال دراسة خصائص المعادن الفضائية، إلى فهم أفضل لتكوين الكواكب وتطور النظام الشمسي، إذ توفر النيازك نافذة نادرة ومباشرة على مكونات الأجرام السماوية القديمة. كما قد تمهد هذه الدراسات الطريق لتصميم سبائك جديدة مخصصة للاستخدام في الفضاء، وربما لتصنيع الهياكل خارج الأرض باستخدام مواد مستخرجة من النيازك.
وأوضح البروفيسور ريتشارد سميث، أحد المشاركين في الدراسة، أن التقنية المستخدمة تمكن العلماء من "قياس خواص البلورات المفردة في مواد حبيبية، وهو أمر لم يكن ممكنا من قبل دون تدمير العينة".
وأعرب البروفيسور مات كلارك من كلية الهندسة بالجامعة عن حماسه قائلا "نحن متحمسون للغاية للحصول على عينات أكبر من هذه النيازك مستقبلا، حتى نتمكن من رسم خريطة لتغير الخواص المرنة من مركز النيزك إلى أطرافه، مما يساعدنا في فهم كيفية تشكل هذه المواد المعقدة".
ويضيف "هذا الاكتشاف لا يسلط الضوء فقط على جمال وتعقيد المعادن الفضائية، بل يفتح آفاقا جديدة لتطبيقات صناعية قد تغير مستقبل السفر والاستيطان في الفضاء".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
نيزك فضائي يكشف عن معادن "لم تعرفها الأرض من قبل"
عثر السكان المحليون في بلدة جيبيون، بالقرب من صحراء ناميبيا، على نيزك حمل اسم البلدة نفسها، ليصبح بعد مرور مئات السنين سببا في اكتشاف خصائص ميكانيكية غير مسبوقة للمعادن، لم تشهد الأرض مثلها من قبل. هذا النيزك، الذي استخدمه السكان الأصليون في ناميبيا (قبائل الهيريرو) لصناعة الأدوات والأسلحة مثل رؤوس الحراب، قبل أن يدرك العلماء قيمته العلمية، تعرَض العديد من شظاياه في متاحف عالمية مثل المتحف البريطاني ومتحف التاريخ الطبيعي في نيويورك، كما استخدم في العديد من الدراسات لتحديد الخواص الميكانيكية، والبلورية، والمغناطيسية للمعادن. ومؤخرا، أعلن علماء ومهندسون من جامعة نوتنغهام البريطانية، في دراسة نشرتها دورية"سكريبتا ماتيرياليا"، عن الدور الذي لعبه هذا النيزك في الكشف عن خصائص ميكانيكية غير مسبوقة لمعادن فضائية، لم تشهد الأرض مثلها من قبل. تحليل غير تدميري وباستخدام تقنية مبتكرة وغير مدمرة تُعرف بـ"التحليل الطيفي الصوتي المكاني المعتمد على الليزر"، طورها باحثو جامعة نوتنغهام وسجلوا براءة اختراعها، نجح العلماء في قياس صلابة نيزك "جيبيون"، وهو إنجاز يحدث للمرة الأولى مع نيزك فضائي، ليفاجؤوا بتراكيب وأنماط بلورية مذهلة للحديد والنيكل، لا يمكن محاكاتها على الأرض. وتعد التقنية الجديدة طريقة مبتكرة وغير مدمرة تستخدم لقياس الخصائص الميكانيكية للمواد، خصوصا الصلابة والمرونة البلورية، بدقة عالية ومن دون الحاجة إلى لمس العينة أو تعديلها. وتتضمن هذه التقنية 4 خطوات، تبدأ بإطلاق نبضة ليزر قصيرة للغاية على سطح العينة، لتوليد موجات صوتية صغيرة (أشبه بالاهتزازات)، لتنتقل هذه الموجات بدورها عبر سطح المادة، وتتأثر بخصائصها مثل الصلابة، والكثافة، والمرونة، ثم يوجه ليزر آخر لقياس كيفية انتشار هذه الموجات على السطح، ومن خلال تحليل سرعة واتجاه انتشار الموجات، يتم تحديد الخصائص الميكانيكية الدقيقة، خصوصا المرونة البلورية. تراكيب لا تتكرر وتقول وينتشي لي، الباحثة الرئيسية في الدراسة من مجموعة أبحاث البصريات والفوتونات بجامعة نوتنغهام في بيان صحفي رسمي نشره الموقع الإلكتروني للجامعة "باستخدام هذه التقنية، وجدنا أن معادن الحديد والنيكل في نيزك جيبيون تشكلت في ظروف لا يمكن تكرارها على الأرض". وتضيف "هذه المواد تطورت في بيئات فريدة استمرت ملايين السنين، مما منحها تراكيب وأنماطًا بلورية مذهلة لا يمكن محاكاتها على الأرض، وهذه البنية الدقيقة تمنحها خصائص ميكانيكية ومرنة تختلف جذريًا عن السبائك التي نصنعها نحن من الحديد والنيكل". ويطمح العلماء، من خلال دراسة خصائص المعادن الفضائية، إلى فهم أفضل لتكوين الكواكب وتطور النظام الشمسي، إذ توفر النيازك نافذة نادرة ومباشرة على مكونات الأجرام السماوية القديمة. كما قد تمهد هذه الدراسات الطريق لتصميم سبائك جديدة مخصصة للاستخدام في الفضاء، وربما لتصنيع الهياكل خارج الأرض باستخدام مواد مستخرجة من النيازك. وأوضح البروفيسور ريتشارد سميث، أحد المشاركين في الدراسة، أن التقنية المستخدمة تمكن العلماء من "قياس خواص البلورات المفردة في مواد حبيبية، وهو أمر لم يكن ممكنا من قبل دون تدمير العينة". وأعرب البروفيسور مات كلارك من كلية الهندسة بالجامعة عن حماسه قائلا "نحن متحمسون للغاية للحصول على عينات أكبر من هذه النيازك مستقبلا، حتى نتمكن من رسم خريطة لتغير الخواص المرنة من مركز النيزك إلى أطرافه، مما يساعدنا في فهم كيفية تشكل هذه المواد المعقدة". ويضيف "هذا الاكتشاف لا يسلط الضوء فقط على جمال وتعقيد المعادن الفضائية، بل يفتح آفاقا جديدة لتطبيقات صناعية قد تغير مستقبل السفر والاستيطان في الفضاء".


الجزيرة
٠٧-٠٤-٢٠٢٥
- الجزيرة
برنامج كوبرنيكوس ينشر صورة من الفضاء لـ"فوهة أوركزيز" البديعة بالجزائر
نشر برنامج كوبرنيكوس الأوروبي -الذي يهدف إلى رصد كوكب الأرض وجمع معلومات دقيقة ومستمرة عن البيئة والطقس والمناخ- صورة جديدة لفوهة وركزيز غرب الجزائر، بالقرب من الحدود مع المغرب، وقد التقطت مطلع مارس/آذار الماضي بواسطة القمر الصناعي "سينتنل-2". وبجانب كونها علامة جيولوجية بديعة المنظر، فإن فوهة وركزيز تعد بنية صدمية محفوظة جيدًا، وقد تشكلت قبل حوالي 70 مليون سنة خلال العصر الطباشيري المتأخر، وتوفر بيانات قيّمة للعلماء حول التاريخ الجيولوجي للأرض وأحداث الاصطدام النيزكي وكيفية تطورها. ويبلغ قُطر هذه الفوهة حوالي 3.5 كيلومترات، وقد تشكلت عندما ضرب نيزك تلك المنطقة تاركًا منخفضًا دائريًا لا يزال مرئيًا حتى اليوم. وقد أدى الاصطدام إلى تشوه طبقات الصخور الرسوبية مشكّلًا حلقات متحدة المركز، وهي سمة جيولوجية مميزة لهذه المنطقة. وتتكون المنطقة المحيطة بالفوهة من صخور رسوبية، بما في ذلك الحجر الجيري والمارل والحجر الرملي. وإلى جانب ذلك، أدى الاصطدام إلى تكوين البريشيا، وهي شظايا صخرية متماسكة نشأت بفعل قوة الاصطدام. وقد كشف التآكل الطبيعي منذ نشأتها عن بنية الفوهة الداخلية، مما وفر رؤى قيّمة حول عمليات الاصطدام والتاريخ الجيولوجي للأرض. إعلان ورغم أن فوهة وركزيز تقع بمنطقة نائية، فإن زيارتها ممكنة لكنها تتطلب تجهيزًا مسبقًا ومرافقة محلية، وتعد المنطقة بالفعل مقصدًا لبعض الباحثين والمهتمين بعلم الفلك والجيولوجيا. اصطدام من نوع خاص رغم عدم وجود رقم دقيق مُثبت، فإن العلماء يعتمدون على قوانين ونماذج فيزيائية خاصة لتقدير حجم القطعة النيزكية الساقطة في فوهة ما. وبناءً على هذه النماذج، يُعتقد أن الجسم كان قطره يتراوح تقريبًا بين 150 و300 متر، ولو افترضنا أن الجسم كان صخريًّا (مثل النيازك العادية) وهبط بسرعة تقارب 17 كيلومترا في الثانية. ومقارنة بفوهة تشيكسولوب في المكسيك، فإن الأخيرة يبلغ قطرها حوالي 150 كيلومترا، ولذلك يعتقد أن النيزك الساقط عليها كان بقطر حوالي 10-15 كيلومترا، وهو قطر خطير يمكنه التسبب في حالات انقراض واسعة، مثلما حصل في الانقراض الذي حدث قبل 66 مليون سنة، وتسبب في فقدان الأرض 75% من صور الحياة عليها، على رأسها الديناصورات. ولو قدر أن اختبرت الأرض ضربة شبيهة بتلك التي تلقتها فوهة وركزيز، لكانت الطاقة الناتجة تعادل بين 10 آلاف إلى مئة ألف ميغاطن من مادة ثلاثي نترو التولوين. ولغرض المقارنة، فإن قنبلة هيروشيما أطلقت طاقة مقدارها حوالي 15 ميغاطن فقط. ويعني ذلك دمارا في منطقة قطرها عشرات الكيلومترات (مثل مدينة أو عدة مدن) إلى جانب انفجار ناري وضوء وحرارة يحرق كل شيء في محيطه القريب، مع موجة صدمة قوية تكسر الزجاج وتدمّر المباني على بُعد عشرات الكيلومترات، إلى جانب هزة أرضية قد تُشعر بها مئات الكيلومترات بعيدًا. وإذا سقط في المحيط، فإن ذلك سيسمح بتكوّن تسونامي ضخم قد يصل ارتفاع الموج فيه إلى عشرات الأمتار، وإذا كان قريبا من مدينة ساحلية فإن النتيجة لا شك ستكون كارثية. لكن في النهاية، يظل تأثير سقوط نيازك من هذا النوع على المستوى المحلي أو الإقليمي فقط، ولا يمتد لتأثير عالمي مثل نيزك "تشيكسولوب".


الجزيرة
٢٦-٠١-٢٠٢٥
- الجزيرة
'اليوم الأخير للديناصورات'.. كارثة أفنت ثلاثة أرباع الكائنات الحية على الكوكب
في سماء لا يعكر صفوتها غمامة، برز قرص الشمس واعتلى الأفق وأضاء كل أرض مر فوقها فبدا يوم كأي يوم قد مضى على كوكب الأرض. كل الكائنات الحية منهمكة بصباح يوم جديد، تبحث عن قوت يومها، فهذه الزواحف المجنحة التيروصورات تحلق عاليا، وكذلك الزواحف البحرية المخيفة البليزيوصورات والموزاصورات في عالمها، تغوص في أعماق البحار، والديناصورات بجميع أشكالها وأحجامها، التي تربعت على هرم المخلوقات الحية عددا وضخامة، تحتل معظم اليابسة، على أرض تملؤها أنماط حياة متنوعة، مع وفرة من الطيور والحشرات والنباتات. لقد بدا كل شيء على ما يرام، وما من أمر خارج عن المألوف في عجلة حياة الكائنات الحية، قد مضى نحو 66 مليون سنة، حتى صباح ذلك اليوم بالتحديد، قبل أن يلمع في السماء الصافية وميض خافت، خافت للغاية أشبه بلألأة نجمة، ذلك الوميض الذي لاح في الأفق، ثم غيّر كل شيء أسفله إلى الأبد. كان الإدراك محالا لدى المخلوقات الحية آنذاك، بين ما كانوا يرونه وما كان يوشك على الحدوث، فعدم تنبؤهم بخطر غير معتاد وضع حياتهم على المحك، هذا إن كان باليد حيلة، وإن بدا غير مألوف للغاية ظهور نجمة تلمع في وضح النهار. لم تكن نجمة بل زائرا ثقيل الظل، أرخى بظلامه على الكوكب، وهو يزداد حجما ساعة بعد ساعة، وقد تحول من نجمة صغيرة إلى قرص ملتهب بحجم قرص الشمس في السماء، ثم ما لبث أن قذف بكل ضخامته نحو الأرض، قاطعا الغلاف الجوي في ظرف ثانيتين فقط. فقد كان يسير في الفضاء بسرعة تبلغ 20 كيلومترا في الثانية، وفقا لدراسة أعدها باحثون من 'كلية لندن الإمبراطورية للعلوم والتكنولوجيا والطب' عام 2020، أي ما يعادل 200 ضعف سرعة الصوت، وهو نطاق السرعة الفائقة للغاية.1 بحجم يفوق جبل إيفرست، أطل النيزك العملاق الذي تراوح قطره بين 10 إلى 80 كيلومترا، وعند الحديث عن كتلة بهذه الضخامة تسير بهذه السرعة الفائقة، فإن من المتوقع أن نرى طاقة حركية مهولة على وشك أن تتحرر، وأن يُرى أثرها على الأرض لحظة الاصطدام، ويُقدر علماء الأرض أنها تتراوح بين 21-921 مليار قنبلة نووية، من مثل التي أُسقطت على مدينة هيروشيما اليابانية.2 عرضت الجزيرة الوثائقية فيلما وثائقيا، تتناول فيه أبرز المحطات في سياق البحث عن مستحاثات لديناصورات قضت أثناء وقوع الاصطدام الكبير، ويتناول الوثائقي شهادات علماء أحافير وجيولوجيين، لمطابقة الأدلة التي عُثر عليها حتى الآن، وهي تظهر أن الأرض كانت مسرحا لكارثة جماعية آنذاك. فرضية ألفاريز.. كنز علمي منحوت تحت الماء في عام 1980، وُضعت 'فرضية ألفاريز' التي تنص على أن نيزكا ضخما قد ضرب الأرض في الحقبة الزمنية ما بين العصر الطباشيري والعصر الباليوجيني من السلم الزمني للأرض، وقد وضعها الجيولوجي عالم الأرض 'والتر ألفاريز'، ووالده الجيولوجي الشهير الحاصل على جائزة نوبل 'لويس ألفاريز'. وفي ذات الحين كان الجيوفيزيئيان 'غلين بانفيلد' و'أنتونيو كامارغو' يعملان بإحدى شركات استخراج النفط التابعة للحكومة المكسيكية، ولطبيعة عملهما طُلب منهما أن يدرسا ويمسحا منطقة خليج المكسيك شمال شبه جزيرة 'يوكاتان'، بحثا عن أفضل مناطق النفط، بواسطة تقنية المسح المغناطيسي. لاحظ الباحثان وجود قوس ضخم قابع تحت الماء، كأن أحدا نحته على نحو دقيق، فاستنتجا أن ضربة قوية أصابت هذا المكان فيما مضى. لكن افتقارهما للأدلة الأحفورية جعل اكتشافهما بعيدا عن الأعين حينا من الزمن. أما 'لويس ألفاريز' وابنه 'والتر'، فلم يتوانيا في الاطلاع على المعلومات السابقة بشأن الصدع أو الفوهة الضخمة في خليج المكسيك، وقد لاحظا انتشارا لعنصر الإيريديوم في طبقة 'حدود عصري الطباشيري-الباليوجيني' (Cretaceous–Paleogene boundary)، وهي طبقة رقيقة من الصخور تفصل بين الحقبتين الجيولوجيتين، ومن الممكن رؤيتها بسهولة في التراكمات الجبلية والصخرية. لقد كانا يعلمان أن عنصر الإيريديوم لا ينتشر بكثافة على سطح الأرض، وإنما يأتي عادة مع النيازك الساقطة على الأرض، لذلك استنتجا بأن ثمة رابطا بين الصدع المكتشف، وقد سُمي لاحقا 'فوهة تشيكشولوب' (Chicxulub Crater)، وبين طبقة حدود عصري الطباشيري-الباليوجيني، فكلاهما يعودان لذات الحقبة الزمنية تقريبا، أي قبل 66 مليون عام. ثم بدأت عدة دراسات تتحقق من مدى صحة ذلك الادعاء منذ ذلك الحين، وفي عام 2016، استطاع علماء استخراج عينة من قاع البحر، حيث توجد فوهة تشيكشولوب، وقد منحتهم فكرة خاطفة عن حجم الكارثة التي حلت، فقد طارت كميات كبيرة من الصخور والغازات المتبخرة إلى الأعلى فور الاصطدام. أمطار صخرية تكشف آثار الكارثة في عام 2019، وجد علماء الحفريات في ولاية داكوتا الشمالية كنزا من الحفريات بقرب طبقة حدود عصري الطباشيري-الباليوجيني، فقد وجدوا نظاما بيئيا متكاملا بشكل غريب، يعود لوقت وجيز قبل حدوث الاصطدام الذي تبعه انقراض جماعي. على نحو مثير، كانت الطبقة تحتوي كميات من الأجسام الزجاجية الصغيرة، تدعى 'تكتيات' (Tektite)، ويُحتمل أن تكون هذه القطع الزجاجية ناتجة عن هطول أمطار صخرية، قادمة من بخار الصخور الناتج عن الاصطدام، بعد إذ تكورت في السحب.3 وإنه لمن المثير كذلك أن جميع مستحاثات الديناصورات وُجدت في هذه الطبقة الجيولوجية، ومما لا يترك مجالا للشك أن ثمة حادثة عظيمة حلت على الأرض، وأودت بحياة الملايين من الديناصورات ومخلوقات أخرى. أمواج السماء وحرائق الأرض.. لحظات الحادثة الأولى تجاوز النيزك الضخم حدود غلاف الأرض الجوي في ظرف ثانيتين، وهو يوشك الآن أن يتسبب بإحدى أعظم الكوارث التي شهدتها الكائنات الحية قاطبة آنذاك. لقد اختار موقع سقوطه على مياه خليج المكسيك، ولأن النيزك مندفع بسرعة عالية، فإن الماء سيصبح كأنه مادة صلبة عند لحظة الارتطام، أشبه بمطرقة حديدية ثقيلة عملاقة ترتطم بلوح من الفولاذ. سوف تسبب الحادثة ضغطا هائلا ومفاجئا على الذرات والجزيئات في الماء والصخر، فترتفع درجة الحرارة إلى عشرات الآلاف، وتنتج من ذلك هالة ضخمة من البلازما.4 وعند لحظة ارتطام النيزك بالقاعدة الصخرية تحت الماء، ستتحرر طاقة تعادل ملايين من القنابل النووية، فتتسبب بتبخر النيزك على ضخامته المهيبة. ثم سيتكور وميض ضوئي عظيم فوق الخليج المكسيكي، وستنتقل طاقة حرارية على هيئة أشعة حرارية بسرعة الضوء، تحرق كل أخضر ويابس فورا، ضمن نطاق دائرة نصف قطرها 1500 كيلومتر.5 ثم يصنع الارتطام حفرة يبلغ عمقها نحو 25 كيلومترا، وقطرها نحو 100 كيلومتر، وبالمقابل ترتد مياه المحيط إلى الأعلى حتى يبلغ ارتفاعها مئات الكيلومترات. ليس هذا فحسب، فبسبب الانفجار الهائل ستنطلق أحجار وصخور متناثرة إلى الغلاف الجوي، يُقدر مجموع كتلتها بـ60 ضعف كتلة النيزك الأولية. من هذه الأحجار ما سيفلت من جاذبية الأرض، ويسحب في الفضاء، فيصل إما إلى القمر أو المريخ، لكن الغالبية تبقى في الغلاف الجوي للأرض، أو تكون في مدار قريب حول الأرض، ثم تمطر السماء أحجارا وصخورا على الأرض. سيكون الاصطدام مريعا للغاية، حتى إنه قد يكون سببا في اهتزاز حقول الحمم البركانية في القارة الهندية، وسيستمر نشاطها البركاني نحو 30 ألف سنة لاحقا، من دون أن يهدأ. وهذا ما يفسر ظهور فرضية تذكر أن البراكين قد تكون هي سبب انقراض الديناصورات، بإشارة إلى حقول البراكين في الهند، وتسمى 'مصاطب ديكان' (Deccan Traps)، وهي من أكبر المعالم البركانية على الأرض.6 حرارة وعواصف وغبار وظلام دامس.. ما بعد الفاجعة عند منتصف القارتين الأمريكيتين، اقتُلعت النباتات والأشجار من جذورها، وقُذفت بعيدا عن موقعها بآلاف الكيلومترات، ولم ترحم تبعات الاصطدام أي كائن حي، ثم انطلقت موجات تسونامي متجهة بالمحيط الأطلسي والهادي، بلغ ارتفاعها نحو ألف متر، فأغرقت كثيرا من السواحل والمعالم اليابسة. وما زالت في الغلاف الجوي ملايين من الأحجار والصخور المتناثرة والمتقاذفة، وهي على وشك أن تعود إلى الأرض، وهنا تحدث المأساة الأكبر، فبسبب السرعة العالية للأجسام المحلقة ستكتسب طاقة حرارية عالية، وينعكس ذلك على حرارة الغلاف الجوي نفسه. وترى بعض الدراسات بأن حرارة الكوكب ربما بلغت في ذلك اليوم مئات الدرجات المئوية في دقائق معدودة، ودراسة أخرى ترجح أن الحرارة وصلت آلاف الدرجات المئوية في ظرف زمني محدود أقرب إلى الدقيقة. وفي كلا الحالتين، لن ينجو أي كائن حي يجد هذا القدر من الحرارة، إلا إن استطاع أن يجد لنفسه مأوى أو مخبأ، أو أن يدفن نفسه تحت الأرض. وقد سببت هذه الحرارة حرائق شاسعة على مستوى الكوكب كله، في منظر مهيب ومريع، وأصبح كوكب الأرض رقعة من الجحيم. نتجت من ذلك الاحتراق كمية من الدخان العظيم، غطت الأرض وحجبت ضوء الشمس عنها، فدخل الكوكب في ظلام كاحل، وهبطت درجات الحرارة إلى حد التجمد. كان تأثير الاصطدام مريعا على حياة اليابسة، ولا يقل سوءا في الحياة المائية، فقد مات 90% من 'العوالق' (Plankton) بسبب حجب ضوء الشمس، وهي تعد المصدر الأساسي للشبكة الغذائية للمخلوقات البحرية، وبذلك انقرضت أعداد ضخمة من الزواحف والآمونيات.7 فناء ربع الكائنات الحية على الكوكب لا شك أن ما شهدته الأرض في نهاية الحقبة الطباشيرية يُعد من أكبر الانقراضات الجماعية للكائنات الحية في تاريخ الكوكب، فقد ظلت الأرض شهورا وربما سنوات مكانا غير صالح للمعيشة، ولم ينج من هذه الحقبة الحرجة إلا ربع الكائنات الحية. أي أن 75% من المخلوقات الحية انقرضت، ومنها الديناصورات، بعد أن كانت تحتل الكوكب زمنا لا يقل عن 200 مليون سنة، ولم ينجُ من أصنافها وأحجامها غير الديناصورات الطائرة، ويشاع افتراض بأن الطيور بشتى أشكالها تنحدر من هذه الديناصورات الناجية. ومع انقراض ثلاثة أرباع الكائنات الحية، أصبحت الثدييات الناجية من الحادثة تتقلد زمام الكائنات الحية، تزامنا مع تعافي الكوكب على مدار ملايين السنوات. إن للأرض تاريخا طويلا ونزاعا يمتد لمليارات السنوات مع المتطفلين القادمين من الخارج، فالأرض ما كان لها أن تنزوي وتستقل في عالمها من دون أن يطل عليها ما يعكر صفوها بين الفينة والأخرى، ويرى الجيولوجيون أنه في كل 50-100 مليون سنة يسقط على الأرض نيزك ضخم، مشابه لحجم النيزك الذي تسبب بفوهة تشيكسولاب، وأدى إلى انقراض الديناصورات.8 وما نعيشه اليوم ليس استثناء عما سبق، ولتفادي خطر يلوح في الأفق، ما علينا إلا أن نتهيأ كما يجب، وفي مقالة أخرى بعنوان 'طوق نجاة من نيزك.. كيف يمكننا إنقاذ الأرض؟' نستعرض أبرز الأفكار والحيل القادرة على تخليصنا مستقبلا من الوقوع بكارثة مشابهة. [2] خافير، هيكتور (2014). تقديرات طاقة وكتلة وحجم نيزك تشيكسولاب. تم الاسترداد من: [3] جاجارد، فيكتوريا (2019). لماذا انقرضت الديناصورات؟. تم الاسترداد من: [4] شونتينج، دافيد (2017). تشيكسولاب: التأثير والتسونامي: قصة أكبر كويكب معروف ضرب الأرض. سبرينجر، برلين. الطبعة الأولى. ص50 [5] جوليك، شين وآخرون (2019). اليوم الأول من حقبة الحياة الحديثة. تم الاسترداد من: [6] جاجارد، فيكتوريا (2019). لماذا انقرضت الديناصورات؟. تم الاسترداد من: [7] جيبس، سماثا وآخرون (2020). تتحول عوالق الطحالب إلى الصيد للبقاء على قيد الحياة والتعافي من تأثير الظلام في نهاية العصر الطباشيري. تم الاسترداد من: