
طرابلس الليبية أسيرة الميليشيات
طرابلس العاصمة الليبية أسيرة لمجموعة من الميليشيات المسلحة ذات طابع إجرامي وبعضها متطرف حيث تتوزَّع فيها ولاءات الميليشيات بين الإسلام السياسي المتطرف وآخر إجرامي للدفع المسبق، وغالباً ما يشارك الآخر الآخر الإجرامي ميليشيات الإسلام السياسي في القبضة على العاصمة الليبية مقابل المال.
الميليشيات أغلبها يدَّعي تبعيته للدولة ويرتدي الملابس العسكرية، وتنقسم تبعيتها الشكلية تحت وزارات مثل الداخلية أو الدفاع، بينما هي جماعات غير منضوية تحت سلطة الدولة، والغالبية منها متهمة حسب تقارير منظمات حقوقية دولية بارتكاب جرائم انتهاكات لحقوق الإنسان، بل وبعضها متورط في سوق النّخاسة وتجارة الهجرة غير النظامية وتهريب الوقود.
سيطرت الميليشيات على العاصمة طرابلس منذ الأيام الأولى لحراك فبراير (شباط) 2011 الذي انتهى بالفوضى وانتشار السلاح، حيث لم يكن هناك أي نية صادقة أو جهد صادق للملمة الفوضى من قبل حلفاء «الناتو» الذين أسقطوا الدولة الليبية لتنهشها الميليشيات المؤدلجة وميليشيات الإسلام السياسي التي تأتمر بأوامر من الخارج.
سطوة الميليشيات وسيطرتها على طرابلس لا أحد ينكرهما وبلغت حدَّ أنَّها خطفت رئيس الحكومة من مقر إقامته، وكادت تقتله لولا تدخل السفارة التي يحمل جنسيتها رئيس الحكومة في حينها، إذ وجهت رسالة شديدة اللهجة أخافت الميليشيات المذعورة، كيوم ذكرهم حين خرجت قافلة السفارة الأميركية أثناء اشتباكات فجر ليبيا بين الميليشيات في طرابلس.
طرابلس المدينة التي دحرت الغزاة وصاحبة هذا التاريخ الطويل هي اليوم أسيرة لميليشيات الإرهاب والإسلام السياسي العابرة للحدود، في ظل تغافل دولي لا يمكن تفسيره بمعزل عن توطين الفوضى، ضمن مشروع بدأ من مخطط كوندوليزا رايس لنشر الفوضى «الخلاقة» التي كان مشروعها سيطرة الميليشيات على العاصمة طرابلس منذ الأيام الأولى لحراك فبراير 2011.
الميليشيات ليست حالة طرابلسية، فهناك أكثر من 300 ميليشيا مسلحة في عموم ليبيا، إلا أن وجود الميليشيات في طرابلس التي هي العاصمة وموطن الحكومة، يجعل من الحكومة رهينة لها، وتحت سطوتها وابتزازها، حيث تتقاسم الميليشيات ابتزاز الوزارات، بل والتحكم في قراراتها وصرف أموالها.
الميليشيات في العاصمة تشكَّلت على أساس المال والمصالح المشتركة، وأخرى جهوية مثل ميليشيات تنتمي لمدينة مصراته وأخرى لمدينة الزنتان، وهي تتنافس على تقاسم النفوذ في العاصمة، وإن كان أغلب الميليشيات في طرابلس تشكل على أساس آيديولوجي مثل ميليشيات الإسلام السياسي التي تتحالف مع ميليشيات المال والنفوذ التي تتنقل في ولائها بين مختلف أنواع الميليشيات مثل ميليشيا «ثوار» طرابلس لتحقيق قدر من المغالبة على باقي الميليشيات، وذلك لأن ميليشيات الإخوان والمقاتلة (فرع «القاعدة» الليبي) حاضنتها المجتمعية ضعيفة، ولا تكاد تذكر بين سكان طرابلس، ولهذا تجد في تحالفها مع ميليشيات النهب والمال الأسود قوة تساعدها على قهر السكان وفرض سيطرتها.
ما يؤلم هو أنَّ طرابلس عمر المختار والسرايا الحمراء وميدان الشهداء وميدان الغزالة، وسيبتموس سيفيروس، أسيرة ميليشيات الدفع المسبق، التي تريد السيطرة على العاصمة من أجل النفوذ والمال، بأوامر من التنظيم الدولي، فأصبحت السيطرة على المال الليبي عبر السيطرة على العاصمة، وجعل أي حكومة فيها رهينة عند هذه الميليشيات بين الابتزاز والخطف والاغتيال؛ منهج الميليشيات في التعاطي مع أي حكومة في العاصمة لا ترضخ لمطالب أمراء الميليشيات، وما الميليشيات إلا أدوات لنهب المال الليبي لتمويل مشاريع تتعدى الأراضي الليبية.
طرابلس اليوم تبتلعها نيران الميليشيات، وتغيب فيها سلطة الدولة وسط سطوة المدافع والبنادق، وارتهان القرار السياسي في مؤسساتنا لتوازنات قوى خارجية تتقاسم النفوذ، ومواردنا النفطية، وتُنهب خزائن المال العام، حتى محاولات توظيف وقف إطلاق النار في ليبيا على أنه إنجاز للقوى المحلية، في الواقع هو إنجاز للقوى الخارجية والمتحاربة بالوكالة في ليبيا.
لكن السؤال البارز هو: هل الخريطة السياسية والمتغيرات الإقليمية والدولية عاجزتان معاً عن رفع الحماية عن الميليشيات، وإخراج المرتزقة بشتى مسمياتها وجنسياتها لتعود طرابلس عروس البحر المتوسط، ويتنفس أهلها والبلاد كلها الصعداء، بعد كل هذا العبث والفوضى والتلاعب بحياة البشر وإهدار ثرواتهم؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سعورس
منذ 4 ساعات
- سعورس
خادم الحرمين يستضيف 1300 حاج وحاجة من 100 دولة
وبهذه المناسبة، رفع معالي وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد المشرف العام على برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ، الشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين، ولصاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله- على هذا التوجيه الكريم، الذي يعكس ما تقوم به القيادة الحكيمة في خدمة قضايا الأمة الإسلامية، ويؤكد رسوخ المملكة العربية السعودية في موقعها الريادي للعالم الإسلامي. وأوضح أن الوزارة بدأت فور صدور التوجيه الكريم، تسخير جميع الإمكانات والطاقات لتقديم أفضل الخدمات للضيوف، حيث تم إعداد خطة تنفيذية متكاملة تشمل برامج إيمانية وثقافية وعلمية، وزيارات ميدانية لأبرز المعالم الإسلامية والتاريخية في مكة المكرمة والمدينة المنورة ، إلى جانب تنظيم لقاءات مع عدد من العلماء وأئمة الحرمين الشريفين، مما يعزز الأثر الروحي والمعرفي لهذه الرحلة المباركة. وأكد معاليه أن هذه الاستضافة تُمثل صورة مشرقة من صور عطاء المملكة الذي لا ينضب في خدمة الإسلام والمسلمين، وتجسد رؤية المملكة في تعميق علاقاتها مع الشعوب الإسلامية وتعزيز الحضور الإيجابي عالميًا، تحقيقًا لمستهدفات رؤية 2030 في بُعدها الإسلامي والإنساني، سائلًا الله أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، وأن يجزيهما خير الجزاء على ما يقدمانه من جهود جليلة لخدمة الإسلام والمسلمين، وأن يديم على المملكة أمنها واستقرارها وريادتها في شتى المجالات.


عكاظ
منذ 5 ساعات
- عكاظ
الهوية الوطنية وجينات البقاء
عصر تسوده رياح العولمة العاتية، وتتصارع فيه الثقافات كأمواجٍ متلاطمة، تبرز الهوية الوطنية كمرساةٍ وجودية تُثبِّت كينونة الأمم في محيط التغيير. في المملكة العربية السعودية، حيث تتشكل الهوية من روافد الدين والتاريخ واللغة، يصبح الحديث عن «التنازل عن الهوية» أشبه بمناقشة استئصال الجذور من شجرةٍ ضاربة في عمق الأرض. فالهوية هنا ليست مجرد انتماء عابر، بل هي «جينات البقاء» التي تُشكِّل المناعة الحضارية للأمة ضد كل أشكال الذوبان أو التلاشي. فكيف يصبح التفريط في هذه الهوية تفريطًا في شرط الوجود ذاته؟ تشبه الهوية الوطنية الجينات الوراثية التي تحمل شفرة الخصائص البيولوجية للكائن الحي، فهي تحمل الشفرة الثقافية والروحية لمجتمعٍ ما، وتضمن استمراره عبر الزمن. فالهوية السعودية، المبنية على (الإسلام كدين، والعروبة كثقافة، والموروث المحلي كتاريخ)، ليست مجرد هوية «انتمائية»، بل هي عقدٌ اجتماعي غير مكتوب يربط الأجيال ببعضها، ويحمي المجتمع من أن يصير أمةً بلا ذاكرة، أو جسدًا بلا روح. عندما تتنازل أمةٌ عن هويتها، فإنها لا تتخلى عن ماضٍ فحسب، بل تفقد بوصلة مستقبلها، لأن الهوية هي البنية التحتية للوجود الجمعي. التاريخ البشري حافلٌ بحضارات انهارت عندما تخلت عن «جينات بقائها». الإمبراطورية الرومانية، التي أضاعت قيمها العسكرية والمدنية في بحر الترف والانفتاح غير المنضبط، تحولت إلى أسطورة. بالمقابل، استطاعت اليابان أن تدمج الحداثة بهويتها دون أن تفقد روحها السامورائية، فحافظت على تماسكها رغم العواصف. وفي السياق السعودي، تشكل الهوية الإسلامية العمود الفقري للنسيج الاجتماعي، فالشريعة ليست نظاماً قانونياً فحسب، بل هي الإطار الأخلاقي الذي يُنتج المعنى والقيمة، فأي تنازل عن هذا الركن يعني خلخلة النظام الاجتماعي برمته، وتحويل المجتمع إلى كيان هشٍّ قابل للاختراق. لا يُنكر أن العولمة تفرض تحدياً وجودياً على الهويات المحلية، فهي تدفع نحو صهر الخصوصيات في بوتقة الثقافة الاستهلاكية العالمية. لكن الخطر ليس في الانفتاح ذاته، بل في الانزياح عن الجوهر، فالهوية الحية ليست حجراً جامداً، بل هي نهرٌ متدفق يأخذ من الآخر دون أن يفقد مصدره. هنا تكمن عبقرية رؤية 2030 السعودية التي ترفض الثنائيات الزائفة (الحداثة مقابل التقاليد)، وتقدم نموذجاً لـ«هوية مرنة» تبني المستقبل دون أن تقطع الجسور مع الماضي. فالتنمية الاقتصادية والاجتماعية لا تعني استبدال الهوية، بل تعني إعادة إنتاجها بلغة العصر. إذا كانت الهوية تُكتسب بالتنشئة، فإن التعليم والإعلام هما حاضنتها الرئيسية. فالمدرسة التي تُدرّس اللغة العربية بوصفها وعاءً للفكر، والجامعة التي تربط العلوم الحديثة بالقيم الإسلامية، ووسائل الإعلام التي تروي سيرة الأجداد بلغة الشباب، كلها أدوات لـ«تطعيم» الأجيال ضد فيروسات التغريب. في المقابل، فإن أي تقصير في هذه المؤسسات قد يحوّل الهوية إلى مجرد «تراث متحفي»، أو أسوأ من ذلك، إلى عبءٍ يُستحى منه في ظل ضغوط الموضة الثقافية العالمية. ليست مسألة الحفاظ على الهوية مجرد حنينٍ رومانسي إلى الماضي، بل هي استراتيجية بقاء في عالمٍ تحكمه سنن التنافس الحضاري. فالأمم التي تذوب في غيرها تفقد سلاح المقاومة الثقافي، وتصبح تابعاً هامشياً في سردية الآخرين. أما السعودية، التي تمتلك رصيداً هائلاً من «جينات البقاء» (الدين، اللغة، التاريخ)، فإن تحديتها تكمن في تحويل هذه الجينات إلى «كودٍ ثقافي» قادر على التكيف دون أن ينكسر. فالهوية ليست قفصاً، بل هي جناحٌ يُحلّق به الوطن نحو آفاق المستقبل، شريطة أن يظل متجذراً في تربة أصالته. أخبار ذات صلة


المدينة
منذ 18 ساعات
- المدينة
"الشؤون الإسلامية" تقيم حفل توديع ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين من جمهورية بولندا للحج
أقامت وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد حفل توزيع ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيزللحج والعمرة والزيارة لهذا العام بمقر سفارة خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية بولندا بحضور سفير المملكة الأستاذ سعد بن صالح الصالح و مفتي جمهورية بولندا رئيس الاتحاد الإسلامي الشيخ توماش ميشكيفيتش والمتحدث الرسمي لوزارة الشؤون الإسلامية عبدالله بن يتيم العنزي وعدد من المسؤولين بالسفارة وضيوف البرنامج لهذا العام .واستهل الحفل بعرض مرئي عن البرنامج وتاريخه وخدماته والذي يبرز دور وإسهاماته في تمكين قرابة 65 ألف حاج وحاجة من 140 دولة حول العالم من تأدية مناسك الحج والعمرة والزيارة في اجواء إيمانية وخدمات متكاملة ونوعية على نفقة خادم الحرمين الشريفين.ورفع سفير خادم الحرمين الشريفين لدى بولندا الاستاذ سعد بن صالح الصالح أسمى آيات الشكر والتقدير لمقام خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين على تنفيذ برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين، الذي سعدنا اليوم بتوديع عدد من ضيوفه الكرام من جمهورية بولندا.وأكد أن هذا البرنامج المبارك الذي تنفذه وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بقيادة ومتابعة معالي الوزير الدكتور عبداللطيف آل الشيخ هو من المبادرات الرائدة التي تجسد عناية واهتمام قيادة المملكة بضيوف الرحمن، وقد مكن البرنامج ـ بفضل الله ـ ثم دعم القيادة السخي العديد من المسلمين، خاصة من الأقليات في أوروبا، من أداء مناسك الحج، وكان له أثر بالغ وصدى واسع في العالم الإسلامي. وأوضح السفير "الصالح" أنه لمسنا من حجاج جمهورية بولندا مشاعر الامتنان والوفاء تجاه المملكة وقيادتها الرشيدة على هذه المبادرة الكريمة، التي تتكرر كل عام لتبعث برسائل المحبة والخير إلى أنحاء العالم الإسلامي، وتؤكد مكانة المملكة وريادتها في خدمة الإسلام والمسلمين. من جانبه أكد مفتي جمهورية بولند أن المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها منارة للخير، وركيزة في دعم الإسلام والمسلمين حول العالم، من خلال ما تقدمه من مبادرات ومساعدات تسهم في تيسير أداء الشعائر وتعزيز الروابط الإسلامية. وانطلاقًا من هذا النهج المبارك، أتقدّم باسم الاتحاد الإسلامي ومسلمي بولندا بخالص الشكر والتقدير للمملكة على هذه المكرمة الكريمة التي تمكّن المسلمين من أداء مناسك الحج، وتُجسّد رسالة المملكة في خدمة الإسلام والمسلمين. كما أشاد مفتي جمهورية بولندا رئيس الاتحاد الإسلامي الشيخ توماش ميشكيفيتش بالجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، بقيادة معالي الوزير الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ، في تنفيذ هذا البرنامج المبارك، وما توفره من خدمات وتسهيلات لضيوف الرحمن، إلى جانب برامجها التوعوية المتنوعة، مؤكدا أن هذه الجهود المباركة امتدادًا للدور الريادي الذي تقوم به المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين ـ حفظهما الله ـ في خدمة المسلمين والوقوف إلى جانبهم في كل مكان، وتيسير أدائهم لمناسكهم بكل يسر وسهولة. وفي ختام الحفل سلم سفير خادم الحرمين الشريفين ومفتي بولندا الحجاج البولنديين المشمولين بالبرنامج لهذا العام حقيبة الحاج التي وفرتها وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد ضمن خدمات البرنامج والتي تحتوى على كل ما يحتاجه الحاج قبل سفره إلى الأراضي المقدسة لتأدية مناسك الحج والعمرة.