logo
أنور السادات الجنرال الداهية

أنور السادات الجنرال الداهية

المغرب اليوممنذ 3 أيام

الضباط المصريون الذين قادوا حركة الجيش المصري ضد الملك فاروق، في 23 يوليو (تموز) سنة 1952، حملوا رتباً عسكرية متوسطة بين الرائد والمقدم. في ساعات قليلة تمكنوا من السيطرة على مصر، وأخرجوا الملك من البلاد. شكَّلوا مجلساً لقيادة الثورة برئاسة اللواء محمد نجيب. كانت خبرتهم السياسية محدودة، ودخلوا مبكراً في حراك سياسي واجتماعي واقتصادي داخلي وخارجي. اللواء نجيب كان الورقة التي كُتب عليها عنوان حركة الضباط، بحكم ثقل رتبته العسكرية وحضور اسمه، بصفته شخصية وطنية غير محسوبة على الملك فاروق. بعد إبعاد اللواء محمد نجيب عن حلبة السلطة، تقاسم أعضاء مجلس قيادة الثورة المناصب الوزارية، والمراكز الإدارية والأمنية والسياسية. شخص واحد من بينهم احتفظ بكرسي الظل، خلف جمال عبد الناصر الذي كان يسميه المعلم، وهو البكباشي أنور السادات الضابط الوحيد من بين أعضاء مجلس قيادة الثورة، الذي سُجن في العهد الملكي، وطُرد من الجيش، ووُجهت له تهمة الاشتراك في اغتيال الوزير أمين عثمان. هام السادات على وجهه متنكراً، ومارس أعمالاً متواضعة من أجل لقمة العيش. لكنه لم ييأس أو يُحبط، وتمكن بدهائه أن يعود إلى الجيش، ملتحقاً بالحرس الملكي الحديدي. ضمّه جمال عبد الناصر إلى الخلية الأولى في تنظيم الضباط الأحرار. في ليلة القيام بالثورة، ذهب مع زوجته جيهان إلى السينما، وافتعل مشاجرة مع رجل يجلس بجانبه في قاعة العرض، واشتكاه في قسم للشرطة؛ تحسباً لما قد يحدث إذا فشلت الحركة وتم القبض على شركائه في التنظيم العسكري. نجحت الحركة وقام أنور السادات بإذاعة بيانها الأول. في ملاسنة بينه وبين زميل له في مجلس قيادة الثورة، قال له لقد تهربت ليلة الثورة وافتعلت معركة في السينما، رد عليه السادات قائلاً، أنا الوحيد بينكم جميعاً الذي دخل السجن لأسباب سياسية. في لقاء طويل لي بطرابلس مع خالد محيي الدين، عضو مجلس قيادة الثورة المصرية، قال، لقد كان الرئيس جمال عبد الناصر زعيماً كبيراً، أما الرئيس أنور السادات، فقد كان داهية سياسية دون منازع. لم ينافس على المناصب، وكان يقبل بالمكان الذي يضعه فيه المعلم جمال عبد الناصر طائعاً صامتاً. أعطى ابنه الأول اسم جمال، وكتب له كتاباً بعنوان «يا ولدي هذا عمك جمال». انفرط عقد مجلس قيادة الثورة، بعدما صار جمال عبد الناصر الزعيم الأوحد، وله وحده القرار، ولم يبق معه من الأعضاء سوى أنور السادات وحسين الشافعي. عيّن حسين الشافعي نائباً له. بقرار مفاجئ عيّن عبد الناصر السادات نائباً له، دون أن يحدد من هو النائب الأول ومن هو الثاني. رشحت أخبار تقول إنَّ جمال عبد الناصر وصلته معلومات استخباراتية، قبيل مغادرته إلى الرباط للمشاركة في مؤتمر القمة العربي في شهر ديسمبر (كانون الأول) سنة 1969، تفيد بأنه قد يتعرض لمحاولة اغتيال في الرباط، فقرر تعيين السادات نائباً له. لكن أعتقد أن تسريب هذا التبرير، كان الهدف منه الغمز في مدى ثقة عبد الناصر في قدرات أنور السادات القيادية، وكان أحد الصحافيين المصريين الكبار، المقرب من جمال عبد الناصر، هو مدبّج ذاك الغمز. السادات كان هو الأقرب إلى الرئيس جمال عبد الناصر في شهوره الأخيرة، حين تمكّن منه المرض، ونالت منه جروح الهزيمة. يقضي جمال عبد الناصر وزوجته تحية أمسياته مع السادات وزوجته جيهان في بيته. السادات يطوف به في تاريخ الحروب بما فيها من انتصارات وانكسارات، والقادة العظماء الذين ينهضون بقوة من رماد الضربات. خسارة ونستون تشرشل عندما كان وزيراً للبحرية البريطانية في الحرب العالمية الأولى في موقعة غاليبولي بتركيا، وانسحابه مهزوماً في موقعة دنكرك، في الحرب العالمية الثانية، وفي الختام قاد بريطانيا وحلفاءها إلى النصر على هتلر وموسوليني. رسما معاً رؤية المستقبل السياسية، واتفقا على أن الحل في الصراع مع إسرائيل، لا بد أن يكون سياسياً، وأن إزالة آثار العدوان واستعادة سيناء هي هدف مصر الأكبر، وأن أميركا بيدها أوراق الحل. في مثل هذا الشهر من سنة 1971، كنتُ طالباً بجامعة القاهرة، وعشت معركة السادات الأولى، مع ما سُمي مراكز القوى، وهم مجموعة الرئيس جمال عبد الناصر. توافقوا في البداية على دعم تولي أنور السادات رئاسة الجمهورية بعد رحيل عبد الناصر. حسبوه ضعيفاً ومن السهل السيطرة عليه وتوجيهه. لكنه يوم الخامس عشر من مايو (أيار) في تلك السنة تمكن بدهائه، من عزلهم جميعاً وهم من كانوا يتحكمون في كل مفاصل الدولة، وألقى بهم في السجون، وشكَّل منظومة عهده الجديد السياسية والعسكرية والإدارية. بدأ في التعبئة الشاملة للمعركة مع إسرائيل، وخاض معها معركة التضليل الاستراتيجي. وفي السادس من أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1973، تألق الجنرال أنور السادات وهزَّ العالم بتدمير خط بارليف الإسرائيلي، واندفاع الجيش المصري إلى سيناء. وبالدهاء والجرأة السياسية استعاد كامل سيناء. قال سياسي إسرائيلي: لقد استغفلنا الرئيس أنور السادات، أعطانا ورقة وأخذ مقابلها شبه قارة سيناء.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أنور السادات الجنرال الداهية
أنور السادات الجنرال الداهية

المغرب اليوم

timeمنذ 3 أيام

  • المغرب اليوم

أنور السادات الجنرال الداهية

الضباط المصريون الذين قادوا حركة الجيش المصري ضد الملك فاروق، في 23 يوليو (تموز) سنة 1952، حملوا رتباً عسكرية متوسطة بين الرائد والمقدم. في ساعات قليلة تمكنوا من السيطرة على مصر، وأخرجوا الملك من البلاد. شكَّلوا مجلساً لقيادة الثورة برئاسة اللواء محمد نجيب. كانت خبرتهم السياسية محدودة، ودخلوا مبكراً في حراك سياسي واجتماعي واقتصادي داخلي وخارجي. اللواء نجيب كان الورقة التي كُتب عليها عنوان حركة الضباط، بحكم ثقل رتبته العسكرية وحضور اسمه، بصفته شخصية وطنية غير محسوبة على الملك فاروق. بعد إبعاد اللواء محمد نجيب عن حلبة السلطة، تقاسم أعضاء مجلس قيادة الثورة المناصب الوزارية، والمراكز الإدارية والأمنية والسياسية. شخص واحد من بينهم احتفظ بكرسي الظل، خلف جمال عبد الناصر الذي كان يسميه المعلم، وهو البكباشي أنور السادات الضابط الوحيد من بين أعضاء مجلس قيادة الثورة، الذي سُجن في العهد الملكي، وطُرد من الجيش، ووُجهت له تهمة الاشتراك في اغتيال الوزير أمين عثمان. هام السادات على وجهه متنكراً، ومارس أعمالاً متواضعة من أجل لقمة العيش. لكنه لم ييأس أو يُحبط، وتمكن بدهائه أن يعود إلى الجيش، ملتحقاً بالحرس الملكي الحديدي. ضمّه جمال عبد الناصر إلى الخلية الأولى في تنظيم الضباط الأحرار. في ليلة القيام بالثورة، ذهب مع زوجته جيهان إلى السينما، وافتعل مشاجرة مع رجل يجلس بجانبه في قاعة العرض، واشتكاه في قسم للشرطة؛ تحسباً لما قد يحدث إذا فشلت الحركة وتم القبض على شركائه في التنظيم العسكري. نجحت الحركة وقام أنور السادات بإذاعة بيانها الأول. في ملاسنة بينه وبين زميل له في مجلس قيادة الثورة، قال له لقد تهربت ليلة الثورة وافتعلت معركة في السينما، رد عليه السادات قائلاً، أنا الوحيد بينكم جميعاً الذي دخل السجن لأسباب سياسية. في لقاء طويل لي بطرابلس مع خالد محيي الدين، عضو مجلس قيادة الثورة المصرية، قال، لقد كان الرئيس جمال عبد الناصر زعيماً كبيراً، أما الرئيس أنور السادات، فقد كان داهية سياسية دون منازع. لم ينافس على المناصب، وكان يقبل بالمكان الذي يضعه فيه المعلم جمال عبد الناصر طائعاً صامتاً. أعطى ابنه الأول اسم جمال، وكتب له كتاباً بعنوان «يا ولدي هذا عمك جمال». انفرط عقد مجلس قيادة الثورة، بعدما صار جمال عبد الناصر الزعيم الأوحد، وله وحده القرار، ولم يبق معه من الأعضاء سوى أنور السادات وحسين الشافعي. عيّن حسين الشافعي نائباً له. بقرار مفاجئ عيّن عبد الناصر السادات نائباً له، دون أن يحدد من هو النائب الأول ومن هو الثاني. رشحت أخبار تقول إنَّ جمال عبد الناصر وصلته معلومات استخباراتية، قبيل مغادرته إلى الرباط للمشاركة في مؤتمر القمة العربي في شهر ديسمبر (كانون الأول) سنة 1969، تفيد بأنه قد يتعرض لمحاولة اغتيال في الرباط، فقرر تعيين السادات نائباً له. لكن أعتقد أن تسريب هذا التبرير، كان الهدف منه الغمز في مدى ثقة عبد الناصر في قدرات أنور السادات القيادية، وكان أحد الصحافيين المصريين الكبار، المقرب من جمال عبد الناصر، هو مدبّج ذاك الغمز. السادات كان هو الأقرب إلى الرئيس جمال عبد الناصر في شهوره الأخيرة، حين تمكّن منه المرض، ونالت منه جروح الهزيمة. يقضي جمال عبد الناصر وزوجته تحية أمسياته مع السادات وزوجته جيهان في بيته. السادات يطوف به في تاريخ الحروب بما فيها من انتصارات وانكسارات، والقادة العظماء الذين ينهضون بقوة من رماد الضربات. خسارة ونستون تشرشل عندما كان وزيراً للبحرية البريطانية في الحرب العالمية الأولى في موقعة غاليبولي بتركيا، وانسحابه مهزوماً في موقعة دنكرك، في الحرب العالمية الثانية، وفي الختام قاد بريطانيا وحلفاءها إلى النصر على هتلر وموسوليني. رسما معاً رؤية المستقبل السياسية، واتفقا على أن الحل في الصراع مع إسرائيل، لا بد أن يكون سياسياً، وأن إزالة آثار العدوان واستعادة سيناء هي هدف مصر الأكبر، وأن أميركا بيدها أوراق الحل. في مثل هذا الشهر من سنة 1971، كنتُ طالباً بجامعة القاهرة، وعشت معركة السادات الأولى، مع ما سُمي مراكز القوى، وهم مجموعة الرئيس جمال عبد الناصر. توافقوا في البداية على دعم تولي أنور السادات رئاسة الجمهورية بعد رحيل عبد الناصر. حسبوه ضعيفاً ومن السهل السيطرة عليه وتوجيهه. لكنه يوم الخامس عشر من مايو (أيار) في تلك السنة تمكن بدهائه، من عزلهم جميعاً وهم من كانوا يتحكمون في كل مفاصل الدولة، وألقى بهم في السجون، وشكَّل منظومة عهده الجديد السياسية والعسكرية والإدارية. بدأ في التعبئة الشاملة للمعركة مع إسرائيل، وخاض معها معركة التضليل الاستراتيجي. وفي السادس من أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1973، تألق الجنرال أنور السادات وهزَّ العالم بتدمير خط بارليف الإسرائيلي، واندفاع الجيش المصري إلى سيناء. وبالدهاء والجرأة السياسية استعاد كامل سيناء. قال سياسي إسرائيلي: لقد استغفلنا الرئيس أنور السادات، أعطانا ورقة وأخذ مقابلها شبه قارة سيناء.

حل حزب العمال الكردستاني : أي تأثير على مرتزقة البوليزاريو؟
حل حزب العمال الكردستاني : أي تأثير على مرتزقة البوليزاريو؟

أخبارنا

timeمنذ 4 أيام

  • أخبارنا

حل حزب العمال الكردستاني : أي تأثير على مرتزقة البوليزاريو؟

شكل قرار حزب العمال الكردستاني بحل نفسه خلال مؤتمره الأخير ووضع سلاحه ووقف العمل المسلح في مواجهة تركيا حدثا مفاجئا وبارزا على الساحة الدولية كما أنه سيعيد توزيع الأدوار على المنطقة الحدودية بين تركيا، سوريا، العراق وإيران على اعتبار علاقة هذا الحزب السياسي- الحركة المسلحة مع مجموعة من الحركات المشابهة رغم تغليفها في طابع سياسي في المنطقة سالفة الذكر. وكان حزب العمال الكردستاني قد تأسس سنة 1978 على يد مجموعة من الطلاب اليساريين الماركسيين في تركيا بطريقة سرية وبدأ في استقطاب الشباب ليبلغ ذروته في تسعينيات القرن الماضي من حيث عدد المنخرطين والقوة التنظيمية والعسكرية كما أنه كان يشكل علامة فارقة في حركات التحرر العالمية حيث كان يدعو لانفصال إقليم كردستان ككل عن كل الدول التي تتشارك في الحدود من خلال اقتطاع جزء جغرافي من العراق وسوريا وتركيا وإيران وتأسيس دولة كردية بحكومة مستقلة ذات سيادة. إلا أن تاريخ الأكراد في مساعيهم للانفصال لم تكن مرتبطة بتأسيس PKK فقط، وإنما هي ضاربة في التاريخ على الأقل منذ نهاية الحرب العالمية الأولى من خلال المفاوضات مع كمال أتاتورك، وما تلاها من تمردات عنيفة، ثم فيما بعد من خلال النزاع المسلح مع العراق خلال ستينيات القرن العشرين، فترت قليلا بعدها المواجهات لتستعر من جديد سنة 1975 بين الطرفين. لينتقل فيما بعد الصراع إلى تركيا سنوات الثمانينيات من القرن الماضي حيث كانت المواجهات أكثر دموية بسبب تقوية حزب العمال الكردستاني والدعم المالي والعسكري الذي أصبح يتلقاه. وبالغوص في الأسباب الحقيقية وراء اتخاذ الحزب قرار حل نفسه بتوجيه من مؤسسه عبد الله أوجلان وهو وراء القضبان، نجد عدة مسببات أهمها العزلة الجيوسياسية التي أصبح يعاني منها الحزب، بعد تقلص عدد حلفائه بالمنطقة مقارنة مع توسع عدد حلفاء تركيا، خصوصا بعد حملة الحرب على الإرهاب ومواجهة كل الحركات المسلحة. كما أن أربعة عقود من المواجهة المسلحة مع الدولة دون تحقيق حلم تكوين دولة كردية مستقلة تعتبر مدة طويلة تستوجب مراجعة للمنهج المستعمل من طرف الحزب. وكأي تنظيم حي يقوم بتقييم مواقفه ومراجعة أفكاره، فقد قام قياديو الحزب بمراجعة عقيدة الحزب والانتقال من فكرة المواجهة المسلحة إلى الانخراط السياسي لتحقيق الأهداف. دون نسيان تغير البنية المجتمعية للأكراد، الذين أصبحوا يبحثون عن ظروف عيش كريمة ومتطورة بعيدا عن زاوية الهوية المتزمتة، فلا خير لهم في دولة مستقلة قائمة على الهوية الكردية لا تتوفر فيها سبل الرفاهية والعيش الرغيد وتوفر الحقوق السياسية والثقافية والمدنية. بالنظر في تاريخ حركات التحرر التي انتقلت من مواجهة المستعمر إلى الدعوة للانفصال وبلقنة القطع الجغرافية على أساس عرقي أو مذهبي داخل الدولة الواحدة، نجد أن هذا الحركات في طريقها للانقراض، إما عن طريق منحها بعض الحقوق والحرية في التنظيم كما حدث مع كيبيك الكندية وكورسيكا الفرنسية، أو عن طريق الاندثار التام كما وقع مع المنظمة العنيفة إيطا الباسكية في إقليم الباسك الاسباني، ينضاف إليهم اليوم حزب العمال الكردستاني الذي سيؤثر حله على حركات الأكراد في المنطقة ككل وسيدفع بها إلى إيجاد حلول سياسية مع الأنظمة الحاكمة خصوصا في سوريا والعراق. ويبقى أهم تحد أمام السلطات التركية، هو كيفية إدماج هذه الفئة من الشعب في المجتمع ومدى قدرتهم على الانصهار والتماهي مع منظومة تؤمن بالتعدد وتقبل الاختلافات العرقية والمذهبية. لا يمكن إغفال مؤشر مهم هو تضييق الخناق على ما تبقى من حركات المرتزقة الانفصاليين خصوصا جبهة البوليزاريو التي تعد شريكا استراتيجيا للحزب الكردي، وكانت تتلقى منه الدعم المالي والعسكري والتدريبي لعناصرهم. وبحل الحزب تجد الجبهة الانفصالية نفسها معزولة أكثر مما كانت عليه وفي مواجهة مصير محتوم يقضي بزوالها، كيف لا وهي الجبهة القائمة على قضية خاسرة لا شرعية لها. فبعد فقدان المرتزقة لدعم مليشيات حزب الله الشيعي، وانشغال إيران بمشاكلها الإقليمية، وحل الحزب الكردي، وتراجع حركات الانفصال في العالم لصالح موجات الاستقرار ودعم الدول من أجل تثبيت الاستقرار في السياقات الجيوسياسية الإقليمية، فإن مسألة تفكك وزوال جبهة البوليزاريو هي مسألة وقت ليس إلا.

الأخطر من تسجيل عبد الناصر
الأخطر من تسجيل عبد الناصر

المغرب اليوم

time٠٧-٠٥-٢٠٢٥

  • المغرب اليوم

الأخطر من تسجيل عبد الناصر

ضُحى الاثنين الماضي، كنتُ أتابع إذاعة «إل بي سي»، إحدى أشهر إذاعات بريطانيا المتخصصة في التحاور مع الجمهور، وكذلك مع كبار السياسيين، وبث مواجهات مباشرة بينهم، أعني الناس والمسؤولين. لاحظت أن المذيع أطال في الحديث عن معاني احتفالات ذكرى يوم يُعرَف، اختصاراً، بالحرفين «VE»، أي «انتصار أوروبا»، في الحرب العالمية الثانية قبل ثمانين عاماً من غد، الخميس، ثم سرعان ما تحول الصوت الهادئ إلى غضب مفاجئ، وطفق المذيع يصيح متسائلاً بما مضمونه: أليس غريباً ألا نتعلم من دروس الماضي؟ لقد هزم آباؤنا ألمانيا النازية، ويمين إيطاليا الفاشي، وها هي تيارات التطرف اليميني المعاصر تكتسح الانتخابات في البلدين معاً، وفي غيرهما من المجتمعات الأوروبية، ألا يدعو هذا للقلق حقاً؟ بالطبع، هو تراجع إلى الوراء يدعو للقلق فعلاً، لذا سارعت مراكز أبحاث عدة في غير مجتمع من مجتمعات «القارة العجوز»، كما توصف أوروبا منذ بضع سنين، إلى تدارس سبب ما يحدث، وما الذي يدفع جيل الشبان والشابات إلى أحضان تيار اليمين المتطرف. بيد أن صيحة مذيع «إل بي سي» الغاضبة ذاتها، أثارت التساؤل ذاته لدي، ونبشت مجدداً زوابع الجدل الذي أثاره الكشف عن تسجيل رئيس مصر الراحل جمال عبد الناصر بشأن التحول من رفض الحل السلمي مع إسرائيل، إلى القبول به، بل والسعي إليه. فجأة، عرض أرشيف الذاكرة أمامي صورة أول اجتماع عقدته الهيئة الإدارية لفرع الاتحاد العام لطلاب فلسطين في مصر بعد خطاب اعتراف عبد الناصر بالهزيمة، وإعلان تكليف زكريا محيي الدين بملف التعامل مع الولايات المتحدة الأميركية، ما أوحى بتوجه جديد محتمل للحكم المصري آنذاك. كنتُ يومذاك في العشرين، الأصغر سناً بين الأعضاء الذين كانوا يضمون تيسير قبعة، عضو الأمانة العامة للجبهة الشعبية فيما بعد، وسعيد كمال، الأمين المساعد للجامعة العربية، لاحقاً، وشريف الحسيني، وحسين أبو النمل، وآخرين لم أعد أتذكر أسماءهم. فوجئتُ في ذلك الاجتماع بأن «حركة القوميين العرب»، التي كان لها الثقل الأساسي في قيادة الاتحاد، حتى ذلك الحين، دخلت طور التحول من الفكر القومي إلى الماركسي، وأنها بصدد حَل تنظيمها وتأسيس «حزب العمل الاشتراكي». لم أصدق يومها أن حركة نشأتُ في صفوفها عروبياً تريدني ماركسياً، هكذا بين صدمة حرب وعشيتها، لمجرد الزعم بأن كارثة 1967 كانت هزيمة لما يُسمى «البُرجوازية الصغيرة»، وبالتالي فإن النصر سوف يتحقق على أيدي طبقة «البروليتاريا»، وفق كليشيهات ذلك الزمن. لم أتردد في رفض ذلك الانقلاب الصادِم، وقلت إنني أغادر الحركة مُسبقاً، وفي حِل من أي التزام بتوجهها الماركسي. يوصلني ما تقدم إلى القول إن الأخطر من تسجيل عبد الناصر، بل ومِن الهزيمة ككل، رُبما يتمثل، ضمن جوانب عدة، في أن الحركات والأحزاب والتنظيمات العربية، خصوصاً في مشرق العالم العربي، فشلت تماماً في التعامل مع قضية فلسطين عندما أصرت على أن تجرها إلى صراعات واقع عربي ممزق. ذلك الفشل لم يبدأ بكارثة 1967، ولم ينتهِ معها، لكن التفاصيل الموجعة توجب مقالاً آخر.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store