
هنا أم درمان.. عامان من الإتلاف المتعمد لصوت السودان
قبل اندلاع الحرب الحالية في السودان بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني في 15 أبريل/نيسان 2023، كان وجود قوات الدعم السريع أمام مباني الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون بأم درمان ضمن العديد من المواقع الإستراتيجية السودانية الأخرى، بهدف الحراسة والتأمين. لكن في أول أيام الحرب، احتلت تلك القوات مباني الهيئة وفرضت سيطرتها عليها التي دامت قرابة عام، حتى أعادت القوات المسلحة السودانية السيطرة عليها في 12 مارس/آذار 2024.
في بيان إعادة السيطرة على هيئة الإذاعة والتلفزيون، قال المتحدث باسم الجيش السوداني "تمكنت قواتكم المسلحة، والقوات النظامية الأخرى، وأبناء بلادنا الذين يعملون جنبا إلى جنب معها، اليوم، من انتزاع مقر الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون، ذاكرة ووجدان الأمة السودانية، من دنس مليشيا آل دقلو الإرهابية، والمرتزقة من الدول الأخرى".
أثارت سيطرة قوات الدعم السريع على الإذاعة السودانية قلق وخوف الجهات الإعلامية والثقافية على الإرث الثقافي والتاريخي والمعرفي السوداني، المحفوظ منذ ما يقارب 100 عام داخل مباني الهيئة، في أرشيف مكتبة الإذاعة الصوتية.
وقد خاطبت نقابة الصحفيين السودانيين، في بيان لها بعد أسبوعين من سيطرة تلك القوات على مباني الإذاعة، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، وناشدتها أن هناك خطرا حقيقيا يتهدد مكتبتي الإذاعة والتلفزيون، داعية اليونسكو إلى التدخل لدى الطرفين المتقاتلين لإنقاذ هذا الإرث من الضياع. كما أدانت النقابة عدم احترام المؤسسات المدنية، وتحويل المؤسسات الإعلامية إلى ميادين للمعارك العسكرية، وطالبت قوات الدعم السريع بالخروج الفوري من مباني الإذاعة والتلفزيون.
إفناء مع سبق الإصرار
المسلمي البشير الكباشي، مدير مكتب الجزيرة في السودان، يقول حول الساعات الأولى عقب إعادة سيطرة الجيش على مباني الإذاعة "حين سارعت إلى الإذاعة بعد استعادتها من احتلال قوات الدعم السريع، الذي استمر 11 شهرا بعد اندلاع الحرب، وجدتها كتلة ضخمة متفحمة، خربة، ليست أكثر من أنقاض مكان اختفت معالمه".
ويستطرد الكباشي "وأنت تدلف إليها عبر بوابتها الكبيرة، تستقبلك آثار القصف، وقبيل مدخلها مجزرة لسيارات عديدة احترقت تماما، ولكنك أمام مبناها الرئيس لن تجد ما تقول غير: كان هنا مبنى اسمه الإذاعة، أصبح أثرا بعد عين. الفناء طال كل شيء، المدخل ليس أكثر من كتل فحم، والمبنى ليس أكثر من أطلال. ولن تجد بداخلها إلا أرضا محروقة، كتلا مسودة من أثاث، ومكانا حلكا، دكنا، سحما، لن تبصر بداخله شيئا، فأنت في كهف حالك، تنبعث منه رائحة الإتلاف المتعمد، والإفناء المقصود".
هنا أم درمان من لندن
دقت ساعة بيغ بن معلنة مواعيد نشرة الأخبار في إستوديوهات الإذاعة البريطانية من لندن، وساد الصمت داخل إستوديو الأخبار، وخرج صوت مذيع النشرة عميقا وهادئا قائلا بثبات "هنا أم درمان".
لثوان، خيم الصمت على صوت الميكروفون، وعقدت الدهشة ألسنة الزملاء في القسم العربي لإذاعة بي بي سي. عاد الصوت الرخيم مجددا بعد هنيهة، معتذرا لمستمعي الإذاعة البريطانية "وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي".
ثم استدرك مصححا "هنا لندن، نشرة الأخبار، يقرؤها عليكم أيوب صديق".
ويبدو أن الإعلامي السوداني، أيوب صديق، قد دهمه الحنين إلى مرابع حياته العملية الأولى بالإذاعة السودانية في أم درمان، التي بدأ العمل بها عام 1966 من خلال برنامجه الشهير "من أرشيف الإذاعة"، قبل التحاقه بإذاعة "بي بي سي" أواخر سبعينيات القرن المنصرم.
تأسست الإذاعة السودانية في الأول من مايو/أيار 1940، وكان الغرض منها الدعاية لمعسكر الحلفاء إبان الحرب العالمية الثانية. وكان تمويلها من ميزانية الدعاية البريطانية ووزارة المستعمرات. أول بث لها كان من غرفة صغيرة مساحتها 12 مترا مربعا، بمباني حي البوستة بمدينة أم درمان القديمة. بدأت الإذاعة بثها على الموجة المتوسطة 524 مترا، ثم في عام 1943 أدخلت الموجة القصيرة 31 مترا. وفي عام 1954 أضيفت موجة متوسطة جديدة سمحت بوصول بث الإذاعة إلى معظم أنحاء السودان والخارج، حتى انتقلت إلى مبانيها الحالية عام 1957. أنشئت مكتبة الإذاعة مع تأسيسها عام 1940، وأضيفت إليها مكتبة الإنتاج السينمائي في عام 1942.
في سبتمبر/أيلول 2023، قرعت نقابة الصحفيين السودانيين جرس الإنذار مجددا، في بيان آخر لها منذ اندلاع الحرب، مناشدة اليونسكو وجميع المنظمات العاملة في مجال حفظ التراث المادي والإنساني، لإنقاذ هذا الإرث وحمايته من الضياع، قائلة: "لا تزال الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون متوقفة عن العمل والبث، منذ 15 أبريل/نيسان الماضي، ويتواصل مسلسل اتخاذها ثكنة عسكرية مع مواصلة المعارك بداخلها، مما يشكل خطرا على ما تحمله من إرث تاريخي في مكتبتها المرئية والمسموعة، كونها تحتوي على إرث نادر".
ويضيف البيان: "لقد أقدم الدعم السريع، منذ شهور -وفقا لشهادات متطابقة لشهود كانوا محتجزين بالمكان ذاته في وقت سابق- على تحويل مباني الإذاعة والتلفزيون إلى معتقلات، الأمر الذي يزيد من خطورة تدمير أو إتلاف أرشيف يقترب عمره من 100 عام، ويمثل إرثا سياسيا وثقافيا واجتماعيا للأمة السودانية".
ذاكرة الأمة السودانية
يقول الدكتور طارق البحر، مدير إدارة الدراما بالهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون، للجزيرة نت "إن الضرر الذي وقع على الإذاعة ضرر بليغ، يتكون من شقين: شق مادي يتعلق بالمنشآت، وخاصة المكتبة، وشق معنوي وقع على جميع أهل السودان، باعتبار أن مكتبة الإذاعة بشقيها التقليدي والرقمي، هي الذاكرة السمعية لأهل السودان. داخل هذه المكتبة يحفظ الإرث الثقافي والاجتماعي والسياسي، في ترتيب عال من الأرشفة لكل الحقب السياسية منذ الاستقلال، بالإضافة إلى الإرث الغنائي بمختلف ضروبه، من اللون الذي يعرف باسم "الحقيبة"، مرورا بالغناء الحديث، وحتى غناء الريف".
ويواصل البحر "المحزن، وما لم يكن يتصوره إنسان، أن قوات الدعم السريع استهدفت مدينة أم درمان والمنافذ الثقافية بها، وعلى وجه الخصوص الإذاعة. لقد استهدفوا الثقافة السودانية والحياة الاجتماعية السودانية، من أجل إحلال ثقافات أخرى يحلمون بها، وهيهات! هنالك آلاف الساعات المسجلة في إذاعة أم درمان في مختلف التخصصات: الدراما، الموسيقى، الوثائقيات، المنوعات، الأفلام… وجميعها تعبر عن الحياة السودانية. إذاعة أم درمان (الذاكرة السمعية) ذات تاريخ عريق، خاصة أنها من أوائل الإذاعات في العالم العربي وأفريقيا. إعادة الألق وتعويض ضياع محتويات الإذاعة يتم بمساهمة المستمعين، من خلال تسجيلاتهم في مكتباتهم المنزلية الخاصة".
ويتمنى الإذاعي الشهير طارق البحر أن يعاد إعمار الإذاعة في أسرع فرصة ممكنة. وحول إعادة تأهيل الإذاعة ومكتباتها، يقول الدكتور البحر: "يجب أن ننظر نظرة مستقبلية، منذ الآن، لمسألة التخزين داخل الإذاعة، ويجب الاستفادة من التقنية في إعادة ترميم الصوت وإعادة إنتاجه بالطرق الحديثة، حتى نحفظ تاريخنا السمعي".
فالإذاعة، كما يقول البحر، تعتبر رمزا من رموز العزة والكرامة لأهل السودان، وهي إحدى منظومات البلد الثقافية والاجتماعية التي لم يتخل عنها إنسان السودان طيلة حياته. كما أن الإذاعة أدت دورا كبيرا في الفعل الاجتماعي، وتوحيد أهل السودان من خلال الغناء والموسيقى والبرامج ونشرات الأخبار، ومن خلال نشرة أخبار الوفيات، فقد عرف السودانيون أصقاع السودان من خلال نشرة الساعة الثامنة، التي تذيع أسماء الوفيات في مختلف أنحاء البلاد، التي كانت سبل التواصل بين أجزائها ليست سهلة. لذلك فهو يتمنى أن يكون هناك جهد رسمي وأهلي لإعادة إذاعة أم درمان إلى مكانها الطبيعي الأول.
حجم الضرر
يقول الدكتور إبراهيم محمد عثمان إبراهيم، مدير الإدارة العامة لتقانة المعلومات بالهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون "كنت من أوائل الذين دخلوا مباني الهيئة في ثاني أيام تحريرها لتقييم الوضع وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. لاحظت، منذ دخولي من البوابة الرئيسية لمباني الهيئة، أن مبنى الإذاعة محترق تماما، وعددا من العربات في الباحة الأمامية محترقة بالكامل. إستوديوهات الإذاعة كلها كانت عبارة عن مكان لحريق كبير. مبنى الإذاعة الرئيسي، الذي يضم الإستوديوهات وغرف الخوادم، مقسم إلى: إستوديوهات في الناحية الشمالية، الوسط الذي يضم مركز الأخبار، إستوديوهات في الناحية الجنوبية أصيبت بمجموعة من الدانات أدت إلى تدمير المبنى بالكامل، كل هذه المجموعات من الإستوديوهات دمرت تماما".
إعلان
وعن حجم الضرر الذي لحق بالإستوديوهات، يقول الدكتور إبراهيم "المنطقة الشمالية، التي تحتوي على مجموعة الإستوديوهات الشمالية، تعرضت لحريق جزئي نوعا ما، لكنها لم تدمر بالكامل. وقد امتدت ألسنة اللهب إلى الجزء الشمالي فقط. أما منطقة الوسط، التي تحتوي على جميع الخوادم التابعة للإستوديوهات، سواء الشمالية أو الجنوبية، للأسف هذه المنطقة قد احترقت بالكامل بسبب الانبعاث الناتج عن الحريق، وتعرضت لتدمير تام نتيجة للقصف، ولاحقا بفعل الحريق".
ويضيف "تحتوي منطقة الوسط على ذاكرة الأمة السودانية، وتنقسم إلى جزأين: الأول يحتوي على الأرشيف في شكل أشرطة منذ تأسيس الإذاعة عام 1957 حتى عام 2000، والثاني يحتوي على الذاكرة الرقمية منذ إدخال نظام "نيتيا" الفرنسي للبث والإنتاج في العام 2000، وجميع المواد محفوظة على الخوادم مباشرة. هذه الخوادم، وهذه الغرفة، تعرضت لحريق كامل. كما دمرت غرفة الكنترول والبث الرئيسية (إم سي آر)، التي تعمل آليا على ربط الإستوديوهات بالشبكة، تدميرا تاما. وغرفة الباك أب، التي تحتوي على الأرشيف الرقمي، احترقت أيضا بالكامل".
وحول الكيفية التي يمكن بها إعادة تأهيل ما حدث من دمار، يقول الدكتور محمد عثمان "احتفاظي بخوادم البث (البرودكشن) في منزلي منذ بداية الحرب ساعد، نوعا ما، في استعادة جزء كبير من البيانات، وما زلنا نعمل على استرجاع البقية. أما مواد الأرشيف التي تم تحويلها رقميا رغم الحريق، فلدينا نسخ احتياطية منها في غرفة التحول الرقمي، وقد استطعنا استعادة البيانات المخزنة هناك، لأنها كانت محفوظة تحت الأرض، إلى جانب آلات وأجهزة تحويل الأشرطة إلى ملفات رقمية. هذا هو الوضع فيما يتعلق بالإستوديوهات والإذاعة. والحمد لله رب العالمين، حتى الآن، استطعنا استعادة كل البيانات الرقمية، والعمل جار على استعادة بقية المواد".
نضم صوتنا إلى الأصوات التي تنادي بعودة الإذاعة السودانية إلى العمل بكل طاقتها في أسرع وقت، ونتمنى أن نسمع قريبا، من داخل مباني الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون بأم درمان، الجملة التاريخية الباذخة "هنا أم درمان، إذاعة جمهورية السودان".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
خبراء: نتنياهو كشف عن نيته تجاه غزة ويتحدى الإجراءات الأوروبية
يعتقد خبراء أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كشف في خطابه الأخير عن خطته بشأن مستقبل قطاع غزة ، ووجه تحذيرا ضمنيا لدول الغرب من التمادي في انتقاد إسرائيل ، وحاول أيضا طمأنة الإسرائيليين بأن "الأصدقاء" لن يتخلوا عنهم طالما أنه يقودهم. فبعد غياب طويل عن وسائل الإعلام، خرج نتنياهو في خطاب مطول للصحفيين أكد فيه أنه سيواصل الحرب حتى القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ونزع سلاح المقاومة والسيطرة على قطاع غزة وتهجير سكانه. كما انتقد نتنياهو المواقف الغربية المناهضة لتوسيع العملية العسكرية وطالبهم بـ"الخجل من أنفسهم"، وهو ما اعتبره خبراء تحذيرا منه لهذه الدول بأنها ستكون في عداء مع إسرائيل وليس معه هو شخصيا. وخلال هذا الخطاب، كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي عن شروط تعتبر تعجيزية لإتمام صفقة تبادل أسرى مؤقتة، حيث عاود التأكيد على نيته العودة للحرب بعد انتهاء الصفقة. بيان سياسي جديد ويمثل هذا الخطاب البيان السياسي والإستراتيجي لإسرائيل خلال الفترة المقبلة، لأنه حدد مصير القطاع والحرب كما يريدها نتنياهو واليمين المتطرف الذي يضمن بقاءه في السلطة، كما يقول الخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى. وخلال مشاركته في برنامج "مسار الأحداث"، قال مصطفى إن نتنياهو أنهى المفاوضات من خلال هذا الخطاب لأنه يقول للجانب الفلسطيني إنه سيأخذ أسراه ثم يعود لمواصلة القتال حتى تفريغ غزة من سكانها، وهو أمر لا يمكن أن تتفاوض المقاومة بناء عليه. واتفق مراسل الجزيرة في فلسطين إلياس كرام مع الرأي السابق بقوله إن نتنياهو أبلغ الداخل والخارج بأنه ماض في تصعيده العسكري حتى احتلال القطاع، وهو ما جعل المعارضة تتهمه بعدم امتلاك خطة للخروج من هذه الحرب. أما الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات الدكتور لقاء مكي، فقال إن نتنياهو قدم في هذا الخطاب ما يعتبره حلا نهائيا لقضية غزة، على غرار الحل النهائي الذي وضعه الألمان لأزمة اليهود بعد الحرب العالمية الثانية. محاولة طمأنة الإسرائيليين ويرى مكي أيضا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي حاول من خلال الخطاب وطريقة إلقائه وتوقيته طمأنة الإسرائيليين بأنهم لن يكونوا وحدهم في هذه الحرب، وذلك من خلال تحذير الغرب من التمادي في معارضة سلوكه "لأن هذا سيكون معاداة للسامية ولإسرائيل وليس لشخص نتنياهو". والسبب في كل هذا -برأي مكي- أن نتنياهو لم يعد لديه مخرج سياسي آخر لهذه الحرب، لأن أي حديث عن وقفها يعني سقوط حكومته، وهو يعرف أن الغرب لن يتخذ إجراءات مؤلمة ضد إسرائيل في نهاية المطاف. وحتى وقف الإمدادات العسكرية من دول مثل بريطانيا أو فرنسا لن يؤثر على مجريات الحرب لأن غالبية التسليح الأميركي يأتي من الولايات المتحدة وألمانيا، التي تعتبر غائبة عن هذا المسار، كما يقول مكي. لذلك، فقد حاول نتنياهو من خلال هذا الخطاب إعادة الثقة للإسرائيليين بأنهم لن يكونوا وحدهم أبدا وأنه سيجعل العالم يقبل بما يريده هو، وفق مكي، الذي قال إن المفاوضات لن تتوقف رغم أنها وصلت لطريق مسدود. وفيما يتعلق بالسيطرة العسكرية على القطاع، قال العميد إلياس حنا إن مساحة غزة لا تسمح بإدخال 50 ألف جندي مثلا إلى جانب الآليات والدبابات. ووفقا لحنا، فإن القوات الإسرائيلية حاليا تمارس الضغط العسكري والسياسي في وقت واحد، لكنها تحاول ابتكار خدعة جديدة لاستعادة الأسرى بالقوة، وهو أمر فشلت فيه من قبل. ويعتقد الخبير العسكري أن نتنياهو يحاول استخدام الطرق نفسها لتحقيق نتائج مختلفة، ويرى أن السيطرة العسكرية على القطاع سهلة نظريا لكنها لن تكون كذلك من الناحية العملية. غير أن الخبير العسكري يرجح أن جيش الاحتلال يحاول عمليا حصر حماس في مناطق معينة ومنعها من استخدام أسلحتها أو ابتكار أسلحة جديدة مع تقطع القطاع 3 مناطق. وأشار إلى الأحاديث التي يجري تداولها بشأن تخطيط إسرائيل للاستعانة بشركة مرتزقة ستقوم بتوزيع وجبات -ستمولها دولة غير معروفة- على الناس في جنوب القطاع لإجبارهم على الذهاب إلى هذه المنطقة تحديدا. واستدل حنا على كلامه بأن إسرائيل من الناحية العملية لا تقوم بعمل عسكري في عموم القطاع وإنما في بيت لاهيا وبيت حانون وشرقي خان يونس ومحور كيسوفيم. وخلص إلى أن الحرب وصلت ذروتها وحققت نتائج تكتيكية مهمة للجيش الإسرائيلي ، مؤكدا أن نتنياهو لا يوظف هذه النتائج بشكل سياسي.


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
تقرير دولي يدعو لمكافحة الإفلات من العقاب في السودان
دعا تقرير حقوقي دولي -اليوم الأربعاء- الأطراف المعنية بتحقيق العدالة لفائدة ضحايا الجرائم المرتكبة بحق المدنيين السودانيين إلى دعم "مقاربات مضبوطة تتمحور حول الضحايا على جميع مستويات المسؤولية". وأكد التقرير الذي شاركت في إنجازه مجموعة من المنظمات الحقوقية الأفريقية والدولية أن غياب الحكم المدني وانعدام الإرادة السياسية هما أبرز العوائق أمام تحقيق المساءلة في سياق الأزمة السودانية. وأوضح التقرير الحاجة إلى الالتزام السياسي والإصلاح القانوني، بهدف منع الإفلات من العقاب في السودان، مشددا على أن السلطات السودانية مطالبة بـ"استعادة استقلال القضاء وإزالة أحكام الحصانة والتصديق على المعاهدات الدولية الرئيسية". كما حث على ضرورة الاعتراف بآليات العدالة التقليدية في السودان والتي تحظى بالتقدير لإمكانية الوصول إليها وشرعيتها، وطالب التقرير بإصلاحها كمسارات تكميلية للمساءلة مع تكييفها لتلبية معايير العدالة المعاصرة. وشدد التقرير على أن الاتحاد الأفريقي مطالب بأن يلعب "دورا أكثر حزما في دمج العدالة في عمليات السلام"، بالإضافة إلى تعزيز الآليات الدولية بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية وبعثات تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة. وأشار إلى أن العدالة المطلوبة في السودان ينبغي أن تكون "شاملة ومتمحورة حول الضحايا، وأن تُطبق على جميع المستويات لتعزيز السلام طويل الأمد ودعم سيادة القانون" في البلاد. ومنذ بدء الصراع بالسودان في أبريل/نيسان 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، قُتل ما لا يقل عن 20 ألف سوداني، وهجر أكثر من 12 مليون شخص من بينهم 8 ملايين داخل البلاد و4 ملايين لجؤوا إلى 7 دول مجاورة، يواجهون فيها ظروفا صعبة. كما تعرض المدنيون إلى مجازر واسعة وتعرضت النساء والفتيات إلى العنف والاستغلال الجنسي، ويكابد الكثير منهم المجاعة وسوء التغذية، الأمر الذي جعل برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة يؤكد أن السودان يعيش "أكبر أزمة إنسانية في العالم" في الوقت الراهن.


الجزيرة
منذ 9 ساعات
- الجزيرة
دبلوماسيون وخبراء يكشفون للجزيرة نت تحديات رئيس الوزراء السوداني الجديد
الخرطوم- أثار تعيين كامل إدريس ، رئيسا لوزراء السودان، أمس الثلاثاء، ردود فعل متباينة بعد أن ظل هذا المنصب الرفيع شاغرا لأكثر من 3 سنوات. وفيما راهن الكثيرون على نجاحه في إحداث اختراق بالملفات الشائكة التي تنتظره داخليا وخارجيا، جزم آخرون بفشله بسبب الواقع المتأزم جراء الحرب. ويتكئ إدريس على خبرة دولية واسعة بحكم عمله ورئاسته لعدد من المنظمات والهيئات الدولية مثل المنظمة العالمية للملكية الفكرية ومحكمة التحكيم والوساطة الدولية، وغير ذلك من التجارب التي رفعت من سقف توقعات البعض بمقدرته على إحداث اختراق في علاقات السودان مع المجتمع الدولي. خطاب قوي من جانبه، قال المحلل السياسي والكاتب الصحفي عثمان ميرغني للجزيرة نت، إن السياسة الخارجية هي الملعب المفضل لقدرات وخبرات كامل إدريس. ويمكنه تحقيق اختراق مؤثر في وقت وجيز لكن بشرط أن يتغلب على الأجسام المضادة الداخلية التي لها هواجس مزمنة تجاه العلاقات الدولية. وأضاف ميرغني أن المجتمع الدولي منفتح وراغب في الانخراط الإيجابي مع السودان وشعبه، لكن دائما هناك قلق من ضعف الإرادة السياسية السودانية تجاه علاقات دولية مثمرة والتركيز على المساعدات المباشرة فقط. وأشار إلى أن تعزيز صورة البلاد الخارجية يحتاج ربما لخطاب داخلي قوي يرسم ملامح سودان مختلف في فهمه وتطلعاته للتعاون الدولي. من جهته، قال السفير عبد المحمود عبد الحليم، مندوب السودان الدائم في الأمم المتحدة بنيويورك، إن الأستاذ كامل شخصية مقتدرة ودبلوماسي محنك يملك الرؤية المستبصرة لقراءة الملعب السياسي واللاعبين وأدوارهم، ويملك الرؤية العارفة والفلسفة المدركة وخطة اللعب المفضية لإنجاح الحراك في هذه الفترة المفصلية والحرجة في تاريخ السودان. وفي حديث للجزيرة نت، قال إن على رئيس الوزراء الجديد إدراك أن تجربة الحرب وبشاعتها قد أوجبتا -ليس فقط ضرورات تطبيع وإعادة الحياة، وإنما- إعادة التأهيل العاطفي والسيكولوجي للمواطن جنبا إلى جنب. وعليه تبعا لذلك الاهتمام بالرسائل التي تبعث بها تحركاته واستجماع فضيلتي الصبر وقوة العزيمة، كما أن عليه، و"هو الدبلوماسي الحاذق"، إدراك أن التوافق الذي يحتاجه العمل في إطار المنظمات الدولية ضرورة في السياق الوطني. وحول أبرز التحديات التي تواجهه، قال السفير عبد المحمود إن الحرب أحدثت دمارا غير مسبوق جعل كافة متطلبات استعادة الحياة أبرز العقبات، "كأن تقذف بمريض إلى غرفة العناية المركزة لإعادة عمل أعضاء جسده المتعطلة". ودعا رئيسَ الوزراء للتركيز على المشاورات التي ستجرى ويجريها مع قيادة الدولة، وذلك قبل أداء القسم على الصلاحيات التي ينبغي أن تكون واضحة وكاملة، ليتفرغ بعدها لاختيار وزراء أكْفاء وبقوام وزاري غير مترهل وبآجال زمنية دقيقة لإدارة الحكومة، وخاصة قطاعات الخدمات والأمن والصحة والتعليم، وإيلاء الاهتمام الضروري للمؤسسية والتنسيق. تحديات وجاء قرار عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني بتعيين شخصية مدنية رئيسا للوزراء بصلاحيات كاملة كخطوة طال انتظارها منذ شغور المنصب باستقالة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك في يناير/كانون الثاني 2022. وقال عثمان ميرغني إن إدريس يواجه تحديات أساسية تتمثل في القدرة على مواجهة مقاومة داخلية متعددة من الأطراف الرسمية والسياسية، خاصة التي تتركز في محاولة إعاقة مشروعاته وإفشالها لتأكيد عدم الحاجة لوجود رئيس وزراء. ووفقا له، فإن من وصفهم بأمراء الحرب سيجتهدون في محاولات منع إدريس من التواصل الخارجي الفعال لإنهاء الحرب خاصة في مسار التفاوض وإصلاح العلاقات الثنائية مع الدول المؤثرة على الملف السوداني. ومن التحديات الأساسية، حسب ميرغني، التعامل مع ملعب سياسي سوداني يعاني من استقطاب حاد جدا مما قد يعقّد جهوده لتقوية الصف الداخلي برفع سقف القواسم المشتركة بين المؤثرين السياسيين، أفرادا وأحزابا وتحالفات. من ناحيته، قال الأمين العام الأسبق لمجلس الوزراء السوداني عمر محمد صالح، للجزيرة نت، إن هناك تحديات "جساما" داخليا وخارجيا يواجهها إدريس، أبرزها كيفية المحافظة على وحدة الصف الوطني التي تحققت جراء "حرب الكرامة" التي وحدت وجدان الشعب خلف قواته المسلحة، وذلك بالوقوف على مسافة واحدة من كافة القوى السياسية الوطنية التي ساندت الجيش. ومن التحديات أيضا -حسب صالح-: استكمال هياكل الحكم وتشكيل مجلس وزراء من تكنوقراط غير حزبيين للعمل وفق برنامج وطني متفق عليه بعيدا عن أي مؤثرات خارجية. وتحقيق أحلام المواطن السوداني في العودة العاجلة لدياره ببسط الأمن وإصلاح ما دمرته "المليشيا" (يقصد قوات الدعم السريع). وترتيب أولويات إعادة الإعمار في ظل ميزانية موجّهة لدعم المجهود الحربي. أولويات أما عن الصعوبات الخارجية التي تواجه رئيس الوزراء الجديد، فأشار صالح إلى: إعادة دور السودان الفاعل في المنظمات الدولية والإقليمية دون تفريط في السيادة الوطنية. واستقطاب الدعم الخارجي من "الأشقاء والأصدقاء" لدعم جهود إعادة الإعمار. إلى جانب ضبط وتقييد الوجود الأجنبي بالبلاد "بعد أن ثبتت مشاركة كثير من اللاجئين كمرتزقة في الحرب". ويرى مقربون من رئيس الوزراء السوداني -تحدثوا للجزيرة نت- أن أولوياته ستكون تشكيل حكومة "رشيقة" تعمل على تحسين الوضع المعيشي للمواطنين واستعادة الخدمات العامة المتدهورة، إضافة إلى إعادة إعمار ما دمرته الحرب. وحسب محللين سياسيين ودبلوماسيين تحدثوا للجزيرة نت، فإنه من المبكر الحكم بنجاح إدريس في التعاطي الإيجابي مع التحديات الداخلية والخارجية، ورهنوا ذلك بالتزام القيادات العسكرية في مجلس السيادة بعدم التدخل في إدارة الجهاز التنفيذي، حيث عزا كثيرون حالة الشلل وعدم الاستقرار التي أصابت الأداء الحكومي "لتدخلاتهم المزاجية". وأشار السفير عبد المحمود إلى أن نجاح رئيس الوزراء خارجيا يعتمد على جودة السياسات وأداء الواجبات والمهام والمسؤوليات الداخلية. ودعاه للعمل مع مجلس وزرائه للتوصل إلى خطة وطنية مترابطة الحلقات لإعادة التأهيل، لتشكّل أساسا لطلب العون الخارجي بما في ذلك إمكانيات عقد مؤتمرات تعهدية للمانحين شاملة التغطية أو قطاعية. وقال إنه بحكم شبكة علاقاته الخارجية وموقعه، يُتوقع أن يكون له دور كبير ومهم إزاء النشاطات والتحركات الدبلوماسية التي ستشهدها الفترة القادمة، بما في ذلك إنجاح خارطة الطريق وإيلاء الاهتمام للانخراط الإيجابي في استعادة نشاطات السودان في الاتحاد الأفريقي. واعتبر السفير عبد المحمود أن قضية مشاركة المجتمع الدولي في إعادة البناء والإعمار تعدّ تحديا رئيسيا على الجبهة الخارجية في الفترة المقبلة.