
الوحوش الحديدية تحت الاختبار.. هل ولّى زمن الحاملات الاميركية؟
توصف حاملة الطائرات الأميركية "جيرالد فورد" بأنها أشبه بمدينة عائمة فوق سطح البحر، إذ تمثل الجيل الأحدث والأضخم من حاملات الطائرات في العالم، وواحدة من أبرز رموز التفوق العسكري الأميركي.
دخلت الحاملة الخدمة رسمياً في عام 2017، خلال الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب ، الذي صعد على متنها مرتديًا سترة البحرية وألقى خطابًا حماسيًا، واصفًا إياها بأنها "رسالة للعالم تزن 100 ألف طن".
تُعد حاملات الطائرات عموماً بمثابة العمود الفقري للبحرية الأميركية، فهي قواعد جوية متحركة قادرة على إطلاق واستقبال عشرات المقاتلات، ما يمنح واشنطن قدرة هائلة على فرض نفوذها العسكري عبر البحار والوصول إلى مناطق النزاع حول العالم بسرعة وفعالية.
إلا أنه مع تقدم تكنولوجيا الأسلحة الهجومية بعيدة المدى، صارت مدن الحرب العائمة التي يتكلف تصنيعها مليارات الدولارات مهددة من قبل الصواريخ الفرط صوتية والصواريخ المضادة للسفن والمسيّرات رخيصة الثمن، وهي أسلحة أصبحت الآن في متناول يد أعداء واشنطن.
هذا الأمر دفع وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث إلى التساؤل عن قيمة حاملات الطائرات، قائلًا في مقابلة أجريت معه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إن 15 صاروخًا فرط صوتي بإمكانها إغراق 10 حاملات طائرات أميركية في غضون 20 دقيقة.
كانت تصريحات هيغسيث تشير إلى التهديدات التي تحيق بحاملات الطائرات العملاقة التي تعتبر رمزًا للفخر الوطني الأميركي، وبالتالي فإن فقدان واحدة منها في أي صراع قد يؤثر سلبًا على الفخر الوطني والمعنويات العسكرية ويعد ضربة قاصمة لأميركا، وهي مخاوف يشاركه فيها العديد من الخبراء العسكريين الذين جادلوا بأن عصر "حاملات الطائرات العملاقة" الذي كانت فيه الولايات المتحدة قادرة على بث الرعب في قلوب خصومها؛ قد أوشك على الانتهاء.
لكن، رغم هذه القدرات الكبيرة التي جعلت البحرية الأميركية متفوقة على منافسيها بمعدلات كبيرة، فإن تكلفة الحاملات الباهظة التي تقدر بمليارات الدولارات جعلت الصحفي العسكري المتخصص في العمليات الخاصة ستافروس أتلاماز أوغلو يناقش جدوى الاستثمار في حاملات الطائرات مستقبلًا، خاصة بعدما انهمك خصوم الولايات المتحدة في تطوير برامج صواريخ رخيصة الثمن وقادرة على استهداف الأصول البحرية وإغراق الحاملات، في خطوة يرى البعض أنها قد تغير مفاهيم الحروب البحرية مستقبلًا.
يطلق على هذا المفهوم اسم "سياسة المناطق المحظورة" (Anti access – Area denial)، وهي استراتيجية جديدة للحرب البحرية تتبعها بعض الدول بهدف جعل حاملات الطائرات العملاقة عديمة الجدوى، وذلك عبر تطوير قدرات الصواريخ الهجومية إلى درجة تمنع حاملات الطائرات من تنفيذ عمليات هجومية قرب سواحل الدول الأعداء، كما هو الحال عند السواحل الصينية، الأمر الذي يفقد حاملات الطائرات جزءا كبيرًا من قدراتها.
إلا أن هذه التهديدات لم تعد تتوقف عند حدود الدول الكبرى مثل روسيا والصين، بل تعدت ذلك لتشمل إيران والجماعات الصغيرة الناشئة مثل جماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن.
في تطوّر لافت ضمن الصراع المتصاعد في البحر الأحمر، أعلن المتحدث العسكري باسم جماعة الحوثيين، يحيى سريع، في نيسان الماضي عن استهداف حاملة الطائرات الأميركية "هاري ترومان" باستخدام طائرات مسيّرة وصواريخ، في هجوم وصفته واشنطن بأنه لم يسفر عن أضرار. وردت القيادة المركزية الأميركية بمقطع مصور نُشر عبر منصة "إكس"، يُظهر استمرار عمليات الطيران من على متن الحاملة بعد الهجوم، في محاولة لتأكيد جاهزيتها. إلا أن البنتاغون اتخذ خطوة احترازية بإعادة تموضع الحاملة خارج مدى الهجمات الحوثية.
هذا الحادث لم يكن الأول من نوعه، إذ سبق أن اقترب صاروخ حوثي في عام 2024 من إصابة حاملة الطائرات "آيزنهاور"، بينما تعرضت السفن الأميركية، الحربية والتجارية، لتهديدات متواصلة في البحر الأحمر منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023، في إطار ما يُعرف بـ"جبهة إسناد غزة".
قائد المدمرة الأميركية "لابون"، إريك بلومبيرغ، وصف هذه المواجهات بأنها من "أقسى المعارك التي خاضتها البحرية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية"، وهو رأي يتقاطع مع تقييمات عدد من الخبراء العسكريين الذين يعتبرون أن العجز النسبي أمام صواريخ الحوثيين يمثل جرس إنذار، خاصة في حال مواجهة خصوم أكثر تطورًا كإيران أو الصين.
وفي السياق نفسه، لم تتأخر طهران في إطلاق تهديداتها، محذّرة من قدرتها على استهداف القواعد الأميركية بل وحتى إغراق حاملات الطائرات، وهو ما عبّر عنه قائد القوات الجوية الفضائية في الحرس الثوري، أمير علي حاجي زاده، واصفًا القواعد الأميركية في المنطقة بـ"الغرف الزجاجية" السهلة الكسر.
وتعليقًا على هذا المشهد، كتب المحرر المتخصص في الشؤون الأمنية، براندون ويتشرت، في ناشيونال إنترست، أن التهديدات الإيرانية ليست مجرد كلام، بل تحمل في طياتها جدية استراتيجية، خصوصًا مع وصول الحاملة "كارل فينسون" لتعزيز الوجود البحري الأميركي إلى جانب "هاري ترومان". واعتبر ويتشرت أن حاملات الطائرات، التي لطالما كانت رمزًا للهيمنة الأميركية، باتت اليوم مطالبة بالبقاء على مسافة آمنة من مناطق النزاع، ما يقلص من فاعليتها ويضعف الرسائل الردعية التي طالما جسّدتها في السياسة الأميركية.
هل تحيل الصواريخ الفرط صوتية "حاملات الطائرات" إلى التقاعد؟
في كانون الأول 2023، أفادت بعض التقارير أن مختبرًا سريًا في الصين أجرى محاكاة لاستخدام قدرات الأقمار الصناعية والصواريخ الفرط صوتية في شن هجوم مسلح على سفن حربية أميركية، إذ تلقت الصواريخ الفرط صوتية الصينية الدعم من عدد من الأقمار الصناعية منخفضة المدار التي كانت متمركزة فوق السفن الأميركية، بعدما التقطت هذه الأقمار إشارات الرادار القادمة من السفن الأميركية واستخدمتها فيما بعد في إطلاق إشارات مماثلة لخلق ضوضاء خلفية ساعدتهم على إخفاء مواقع الصواريخ. وأشارت الورقة البحثية إلى أن قمرين صناعيين أو ثلاثة كانت كافية لمهاجمة حاملة طائرات أميركية.
كشفت المحاكاة الحاسوبية أنه بمجرد اقتراب الصواريخ بمسافة نحو 50 كلم من الهدف تكتمل مهمة التشويش الخاصة بالأقمار الصناعية، في الوقت ذاته تفعل أجهزة التشويش المحمولة على الصواريخ والتي تتسبب في إرباك رادارات العدو، حينها تبدأ الصواريخ مناوراتها النهائية في الوصول إلى الأهداف وتدميرها.
وبحسب ما نشرته "فوكس نيوز" الأميركية، استندت هذه الورقة البحثية إلى رادارات "إس بي واي- 1 دي" (SPY-1D) التي طورتها شركة لوكهيد مارتن، وهي رادارات شهيرة تستخدمها مدمرات البحرية الأميركية من طراز "آرلي بيرك".
ومع تزايد حدة التوترات بين واشنطن وبكين في الآونة الأخيرة وانخراطهما في صراع محموم لفرض السيطرة على المحيطين الهندي والهادئ، أشارت عدة تقارير إلى أن السيناريو المحتمل لاندلاع حرب بين الدولتين قد يتضمن تحليق قاذفة صينية غرب المحيط الهادئ، وإطلاق صواريخ فرط صوتية مضادة للسفن تغمر أنظمة الدفاع المتواجدة على سطح حاملة الطائرات الأميركية، مما يتسبب في إغراقها أو تعطيلها في أفضل تقدير.
تعمل الصين حاليًا على بناء قدرات صاروخية يمكنها ضرب القواعد العسكرية الأميركية غرب المحيط الهادئ وحتى جزيرة غوام، بما يشمل تطوير الصواريخ الفرط صوتية القادرة على إغراق حاملات الطائرات. هذا الأمر تناولته مجموعة من الباحثين في جامعة شمال الصين بدراسة نشرت في مايو/أيار 2023، أشاروا فيها إلى أن الصواريخ الصينية الفرط صوتية لا تمثل تهديدًا للأصول البحرية الأميركية فحسب، بل بإمكانها تدمير حاملة الطائرات الأحدث من طراز "جيرالد فورد".
تتميز الصواريخ الفرط صوتية عن الصواريخ الباليستية التقليدية بسرعتها التي تفوق سرعة الصوت بخمسة أضعاف أو أكثر، كما تعرف بقدرتها العالية على المناورة، حيث لا تتخذ هذه الصواريخ مسارًا قوسيًا في رحلة الطيران مثل الصواريخ الباليستية التقليدية، مما يُصعّب على أجهزة الرادار والأقمار الصناعية تتبعها، ويجعلها أكثر قدرة على المراوغة أثناء الطيران واختراق أنظمة الدفاع الجوي للعدو. وحتى اليوم لا تمتلك الولايات المتحدة أنظمة دفاعية قادرة على اعتراض وإسقاط الصواريخ الفرط صوتية المتقدمة.
ونجد على رأس منظومة الصواريخ الصينية التي تهدد الأصول البحرية الأميركية، مجموعة "دونغ فينغ" (Dongfeng) التي تعرف بالعربية باسم "رياح الشرق"، ومن بينها صاروخ (دونغ فينغ-27) المعروف باسم "قاتل حاملات الطائرات"، وكانت وزارة الدفاع الصينية قد كشفت عنه لأول مرة عام 2021، واعتبرته وسائل الإعلام سلاحًا قادرًا على تقليص الهيمنة الأميركية العالمية.
و"دونغ فينغ-27" هو صاروخ باليستي قادر على حمل مركبة انزلاقية تنفصل عنه وتنطلق نحو هدفها بسرعات تفوق سرعة الصوت، ويتميز هذا الصاروخ بمدى كبير يتراوح بين 5000 و8000 كلم، مع إمكانية التحليق على ارتفاعات منخفضة وتغيير اتجاهه، بما يُصعّب على أنظمة الدفاع الجوي تتبعه أو اعتراضه.
وفي في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 وأثناء فعاليات معرض الطيران والفضاء الدولي بمدينة تشوهاي، كشفت الصين لأول مرة عن صاروخ "كي دي-21"، الذي يعد من أخطر الصواريخ الفرط صوتية المضادة للسفن، وهو صاروخ "جو-أرض" يعرف بقدراته الهجومية المتقدمة، وتزيد سرعته عن 5 ماخ (والماخ وحدة قياس سرعة الصوت ويساوي 1225 كلم/ساعة)، إذ تصل سرعة الصاروخ في مرحلة عودته إلى الغلاف الجوي ما بين 8 و10 ماخ، بينما يتوجه نحو هدفه في المرحلة النهائية من الهجوم بسرعات تتراوح بين 4 و6 ماخ.
يعمل محرك هذا الصاروخ بالوقود الصلب، ويتراوح مداه التشغيلي ما بين 900 و1000 كلم، ويتميز برأس حربي قادر على اختراق الأهداف المحصنة في البر أو البحر. وقد صُمم ليكون قادرًا على تدمير حاملات الطائرات، هذا بالإضافة إلى قدرته على استهداف المقذوفات الهجومية المحمولة على سطح الحاملات.
كما تستخدم الصين في الوقت الحالي صاروخين أساسيين في الخدمة الفعلية لضرب الأهداف البحرية المتحركة مثل السفن، هما "دي إف-21 دي" الباليستي متوسط المدى والذي تصل سرعته إلى 10 ماخ، وصاروخ "دي إف-26″ بعيد المدى.
كل هذه القدرات مجتمعة جعلت بعض الخبراء العسكريين يجادلون بأن صواريخ الصين الفرط صوتية جعلت حاملات الطائرات الأميركية تبدو كتقنيات عسكرية متقادمة "عفا عليها الزمن"، وهو خطر يمتد إلى حد تهديد القواعد الجوية الأميركية، بحسب ضابط الغواصات الأميركي السابق، توماس شوغارت، الذي أشار في تصريح لصحيفة "بزنس إنسايدر" أن الجيش الصيني اختبر رؤوسًا حربية بإمكانها استهداف الطائرات الأميركية في القواعد الجوية.
وبهذه الوتيرة من التطور المتزايد للقدرات العسكرية، قد تنشر الصين في المستقبل القريب مئات الصواريخ الباليستية المضادة للسفن القادرة على وضع السفن الحربية الأصغر حجمًا -مثل المدمرات- على قائمة أهداف بكين.
لكن المخاطر التي تحيق بحاملات الطائرات العملاقة لا تتوقف عند الصواريخ الفرط صوتية والصواريخ المضادة للسفن، ففي عام 2005، وخلال مناورة بحرية قرب سواحل ولاية كاليفورنيا الأميركية، تمكنت غواصة سويدية رخيصة الثمن من إغراق حاملة الطائرات الأميركية "رونالد ريغان" عدة مرات، وذلك عبر محاكاة افتراضية، حيث تمكنت الغواصة الصغيرة من اختراق شبكة الدفاعات الحصينة التي تحيط بالحاملة الأميركية من المدمرات والمقاتلات والطائرات المروحية، وهو ما اعتبره المسؤولون حينذاك خطرًا فعليًا يحيط بأكثر القطع البحرية تطورًا في الأسطول الأميركي.
هذا الأمر وضع زوارق الهجوم البحرية غير المأهولة والقوارب المسيّرة والمركبات ذاتية القيادة تحت سطح الماء ضمن نطاق هذه التهديدات، ففي أي هجوم محتمل بإمكان قوات العدو -بالتزامن مع الضربات الجوية- استخدام الزوارق المسيرة وإطلاق مجموعة من الطوربيدات من غواصات الديزل الكهربائية التي تعمل بهدوء في أعماق المحيط، وذلك لاختراق المساحات الآمنة التي تتواجد فيها حاملات الطائرات الأميركية واستهدافها.
وبالتوازي مع ذلك، فتحت الطائرات المسيرة الباب أمام نوع جديد من التهديدات لم يكن موجودًا من قبل، إذ ينظر إليها الخبراء العسكريون باعتبارها أحدث ظاهرة عسكرية قادرة على تغيير مستقبل الحروب، وبالفعل قلبت الطائرات المسيرة موازين اللعبة في كثير من الحروب والنزاعات الإقليمية التي اندلعت في السنوات الأخيرة، وعلى رأسها الحرب الأوكرانية وحرب اليمن والحرب السورية ، ما نتج عنه اتجاه العديد من دول العالم نحو استثمار مليارات الدولارات في هذه الصناعة، لا سيما وأنها توفر قدرات استطلاعية وإمكانات قتالية من خلال "المسيرات الانتحارية" بأسعارٍ زهيدة، الأمر الذي جعلها سلاحًا رائجًا حتى بين الدول المتواضعة والجماعات المسلحة.
أما الأكثر إثارة للانتباه فكان ما أشارت إليه التقارير من أنه يمكن لضربتين من طائرة مسيرة رخيصة الثمن أن تعطل أو تغراق حاملة طائرات تبلغ كلفة بنائها وتشغيلها وتجهيزها 13 مليار دولار، وهو ما دفع مراسل "بي بي سي" البريطانية في جنوب شرق آسيا، جوناثان هيد، إلى التساؤل في تقريرٍ له، عما إذا كان من الحكمة في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاستثمار بمليارات الدولارات في آلة حرب واحدة يمكن تدميرها في غضون دقائق من بداية الصراع بسلاحٍ لم يتجاوز ثمن تصنيعه بضعة آلاف من الدولارات.
حاملات الطائرات والمستقبل الغامض
في آب 2021، ناقش مدير الأبحاث في برنامج السياسة الخارجية بمؤسسة "بروكينغز"، مايكل أوهانلون، مسألة الإنفاق الدفاعي الأميركي مع رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأميركي، آدم سميث، وأثناء الحوار سأل أوهانلون عن مستقبل حاملات الطائرات العملاقة ومدى قدرتها على الصمود في ظل التهديدات المتزايدة للأسلحة المتطورة الحديثة، خاصة أن القوات البحرية أصبحت أكثر ميلا إلى إبقاء حاملات الطائرات على مسافات آمنة في البحار والمحيطات.
أجاب سميث حينذاك بأنه حتى مع بقاء الحاملات على مسافات آمنة، ستظل تعمل كقاعدة عسكرية متنقلة قادرة على نقل الطائرات المقاتلة إلى أقرب نقطة ممكنة من ميدان المعركة، وهو أمر يضمن بقاءها في الساحة على الأقل في الوقت الحالي، رغم ذلك فإن تكلفتها العالية بحسب سميث- قد تدفع إلى إعادة تقييم فائدتها مستقبلًا، والبحث عن طرق أخرى للاقتراب من ميدان المعركة دون دفع 12 مليار دولار، قيمة بناء الحاملة الواحدة.
يعود الجدل حول جدوى حاملات الطائرات إلى بداية ظهورها قبل قرن من الزمان، إذ يرى مؤيدوها أنها ليست مجرد سفن ضخمة، بل تمثل قواعد عسكرية عائمة تبحر على سطح الماء وقادرة على حشد أسراب الطائرات المقاتلة والإبحار بها إلى أي مكان في العالم، ويقولون إنه حتى تتطور التكنولوجيا إلى درجة تسمح للطائرات المقاتلة بالتحليق لمسافات بعيدة دون الحاجة للتزود بالوقود، ستظل حاملات الطائرات آلة حرب قوية لا غنى عنها لتحقيق الردع في المناطق البعيدة.
في الوقت ذاته، يشكك النقاد في قدرة حاملات الطائرات على الصمود في حرب واسعة النطاق مع عدو متقدم مثل روسيا أو الصين، مشيرين إلى أن الخطر الذي تتعرض له هذه السفن المسطحة العملاقة أصبح أشد وطأة من أي وقت مضى، كما يُفقدها البقاء على مسافات آمنة كثيرًا من قدراتها ويجعل الطائرات المقاتلة بعيدة عن مداها، وبالتالي من الأفضل إنفاق هذه المليارات على تطوير تقنيات عسكرية أحدث.
لهذا السبب دعا الضابط السابق في القوات الخاصة بالجيش الأميركي، ستيف باليستريري، في مقالٍ نشره موقع "1945" في مارس/آذار الفائت، إلى التوقف عن بناء المزيد من حاملات الطائرات، والاكتفاء بالحاملات 11 التي تمتلكها الولايات المتحدة، قائلًا إن عصرها شارف على الانتهاء، وإذا كانت هذه السفن العملاقة ما زالت تحتفظ بهيبتها في منطقة الشرق الأوسط ، فلن تستطيع الصمود -بحسبه- في حرب طاحنة بمنطقة المحيط الهادئ.
وفي نهاية مقاله، طرح باليستريري تساؤلًا عن مصير قرابة 80 أو 90 طائرة مقاتلة في حالة غرق إحدى حاملات الطائرات الأميركية التي تعمل بمثابة مطار متنقل.
في هذا السياق، اقترح الباحث في مشروع الصين التابع لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ماثيو فونايول، أنه في ظل التحديات الحالية يمكن اللجوء إلى حلول بديلة، مثل استخدام حاملات أصغر حجمًا وأقل تطورًا ومحدودة التكلفة.
نفس الأمر كان قد أشار إليه الصحفي العسكري ستافروس أتلاماز أوغلو، قائلًا إن بإمكان البحرية الأميركية الاستثمار في سفن أصغر وأقل تكلفة تكون قادرة على حمل عدد محدود من الطائرات المقاتلة، خاصةً أن خسارة واحدة من هذه السفن الصغيرة لن تكون بمثابة خسارة حاملة طائرات عملاقة.
لكن تبقى المعضلة الأساسية أن السفن الصغيرة لن تستطيع أن تحل محل حاملات الطائرات من حيث القوة النارية والتأثير العملياتي، ويرى مراسل البي بي سي، جوناثان هيد، أن تقليص حجم حاملات الطائرات سيحد من إمكانياتها بحيث لن تصبح قادرة إلى على حمل وإطلاق المروحيات والطائرات المؤهلة للهبوط والإقلاع بشكلٍ عمودي، وهو ما سيسفر عنه بناء سفن أصغر أكثر عرضة للخطر.
كما حاجج النائب آدم سميث أصحاب هذه الرؤى قائلًا إن حاملات الطائرات لو كانت بالفعل أمست تقنيات عسكرية قديمة الطراز، لما انهمكت الصين في إنفاق المليارات من أجل تشييد حاملة طائرات متقدمة.
مع ذلك، لا تزال هناك إشكالية قائمة بخصوص كيفية استخدام حاملات الطائرات مستقبلًا، يشير سميث إلى أن آلات الحرب العملاقة هذه بحاجة إلى التكيف مع التهديدات الناشئة للأسلحة الفرط صوتية وغيرها من وسائل الحرب الحديثة، وذلك عن طريق تزويدها بأنظمة غير مأهولة وأنظمة بعيدة المدى، كما اقترح ضرورة العمل على تطوير طائرات مقاتلة بعيدة المدى، والبحث عن طرق لتزويد الطائرات الشبحية الأميركية بوقود كاف يمكنها من التحليق لمسافات طويلة والوصول إلى أهدافها بنجاح، مما يقلل الاعتماد على حاملات الطائرات.
وفي كل الأحوال هناك حاجة ملحة -بحسب سميث- لمراجعة ميزانية التكاليف الخاصة بالفئة الجديدة من حاملات الطائرات "جيرالد فورد"، والعمل على تجنب التكاليف الزائدة في سفن "فورد" المستقبلية التي من المقرر أن تستبدل بها البحرية الأميركية حاملات الطائرات المنتشرة على نطاق واسع من طراز "نيميتز".
وفي إطار العمل على إيجاد حلول بديلة لمواجهة هذه التحديات، تعمل البحرية الأميركية على تطوير دفاعات قادرة على اعتراض الصواريخ الفرط صوتية، وذلك رغم أنها عملية معقدة وتحتاج إلى قدر كبير من التوقع التكتيكي.
من بين هذه الوسائل كان العمل على تطوير صواريخ اعتراضية فائقة السرعة لديها قدرة أكبر على المناورة، وتطوير رادارات بعيدة المدى وقدرات استشعار أكثر قوة، بما يشمل التتبع في الفضاء عبر مجموعة من الأقمار الصناعية، حيث تسعى الولايات المتحدة في الوقت الحالي إلى تصميم طبقة جديدة من أجهزة استشعار الأقمار الصناعية يُتوقع وضعها في مدار أرضي منخفض (LEO)، حتى تكون قادرة على تتبع مسار الطيران الكامل لحركة الصواريخ الفرط صوتية. لكن تبقى الطريقة الأكثر فعالية في التصدي لهذا الخطر هي تدمير منصات أسلحة العدو قبل أن تبدأ بالإطلاق.
في الوقت ذاته، بإمكان أنظمة الحرب الإلكترونية أن تساهم في تشويش اتصالات العدو ومنع وصول تحديثات المواقع إلى منصات الإطلاق الرئيسية على البر.
هذا بالإضافة إلى إمكانية تحسين أنظمة الليزر على متن السفن الأميركية لمواجهة الصواريخ الفرط صوتية، ومنها تكنولوجيا الأسلحة الموجهة بالطاقة (DEW) والتي تشتمل على أشعة الليزر العالية الطاقة إلى جانب الأشعة الصوتية والموجات المليمترية وأشعة الموجات الدقيقة (ميكروويف) العالية الطاقة؛ والتي تشكل معًا أسلحة كهرومغناطيسية هائلة ورخيصة الثمن.
تستخدم القوات البحرية كذلك بعض الوسائل الفعالة لحماية نفسها من هجمات الزوارق المسيرة، مثل الحواجز والشبكات، إلى جانب التمويه الذي يعمل على إخفاء اتجاه السفينة وسرعتها، مما يربك مشغلي المركبات البحرية المسيرة.
ومن أجل التصدي لمخاطر الطائرات المسيرة حديثة العهد، هناك طريقتان رئيسيتان يمكن اتباعهما، الأولى تحييد المسيّرات بالأسلوب المتعارف عليه في إسقاط الطائرات المعادية التقليدية عن طريق الصواريخ الموجهة، وهي الطريقة الأكثر شيوعًا رغم تكلفتها الباهظة، حيث تبلغ تكلفة الصاروخ الواحد مليوني دولار لاعتراض طائرة مسيرة يتراوح ثمنها بين 2000 إلى 20 ألف دولار بحدٍ أقصى.
والثانية تتمثل في استخدام محطات التشويش وأنظمة الحرب الإلكترونية المتقدمة القادرة على اختراق برامج التحكم في المسيّرات وتحديد مواقعها بدقة فائقة، وفي بعض الأحيان تتمكن القوات من إجبار المسيرات على السقوط وتفجير نفسها أو الهبوط والاستيلاء عليها، ومع ذلك تبقى هذه الطريقة ضعيفة نسبيًا.
وفي سبيل حماية حاملة طائراتها الأحدث "جيرالد فورد"، نشرت البحرية الأميركية في أبريل/نيسان 6 مدمرات صواريخ موجهة من طراز "آرلي بيرك" وزودتها بأنظمة مصممة خصيصًا لاعتراض الطائرات المسيرة، وهي أنظمة "كويوت" و"رود رانر" التي تستخدم مسيّرات اعتراضية لاستهداف مسيّرات العدو وإسقاطها. وتعد هذه الأنظمة منخفضة التكلفة مقارنة بالصواريخ الموجهة المضادة للطائرات والتي تستخدمها سفن البحرية الأميركية وحلف الناتو في مياه البحر الأحمر لمواجهة المسيرات الحوثية.
وفي ضوء كل هذه الاعتبارات، يبدو أن حاملات الطائرات العملاقة ستظل باقية على الساحة لسنوات قادمة، رغم تصريحات وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث بشأن توجيه الأولوية في المستقبل نحو بناء السفن، وما أثارته تلك التصريحات من تساؤلات عما إذا كانت وزارة الدفاع الأميركية ستقلص الميزانية الخاصة بصناعة وتطوير حاملات الطائرات، إذ يرى جوناثان هيد أن الرئيس دونالد ترامب المعروف عنه ولعه بالمظاهر والمشاريع الباذخة؛ لن يتخلى بهذه السهولة عن أحد رموز الهيمنة العسكرية الأميركية، وذلك بغض النظر عن الجدل الاقتصادي الدائر حولها. (الجزيرة)

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار
منذ 17 دقائق
- النهار
صباح "النهار": تزكية على وقعٍ حربي وفي عين الإعصار... نتنياهو يقتحم المفاوضات فهل تفعلها إسرائيل؟
1- مانشيت "النهار": تزكية واسعة جنوباً... على وقعٍ حربي! تجاذب و"اشتباه" في ملف قانون الانتخاب تحت وطأة مشهدٍ وواقع تدميري تركته الحرب الإسرائيلية على الكثير من المناطق الجنوبية وعشية الذكرى الـ25 للتحرير، تختتم غداً محافظتا الجنوب والنبطية الانتخابات البلدية والاختيارية التي أجريت في لبنان خلال شهر أيار على أربع جولات. وإذا كانت معظم الوقائع الانتخابية في الجولات الثلاث السابقة، شهدت تمايزات في خصائص المناطق أو أوجه شبه في مناطق أخرى، إن من حيث المعارك والتنافسات أو من حيث الاصطفافات والائتلافات السياسية – العائلية، فإن أول ما سيميّز الجولة الرابعة الجنوبية هو الرقم اللافت لعدد البلدات التي لجأت إلى التزكية الاختيارية الطوعية أو القسرية، بفعل الظروف المثيرة للقلق والخوف من الواقع الميداني المتمادي في بلدات الحافة الجنوبية وحتى ما بعدها في الاقضية الجنوبية الأخرى. للمزيد اضغط هنا. 2- تجدّد الغارات الاسرائيلية على جنوب لبنان ليلاً (فيديو) تجددت الغارات الاسرائيلية على جنوب لبنان، ليل الخميس الجمعة، بعد أن شنت الطائرات الحربية الاسرائيلية مساء اليوم غارات جوية استهدفت جنوب لبنان وشرقه. واستهدفت غارة بلدة العزية في قضاء صور جنوب لبنان. للمزيد اضغط هنا. 3- وزراء مالية مجموعة السبع يظهرون وحدتهم في ختام محادثاتهم... ويتوعدون روسيا بمزيد من العقوبات اختتم وزراء مالية مجموعة السبع محادثاتهم في كندا بإظهار وحدتهم، معتبرين أن حالة عدم اليقين الاقتصادية التي اجتاحت العالم بعد فرض إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوما جمركية شاملة، آخذة بالتراجع. وكان اجتماع هذا الأسبوع بمثابة اختبار لمدى قدرة اقتصادات دول مجموعة السبع المتقدمة على تجاوز التوترات الاقتصادية منذ عودة ترامب إلى السلطة. للمزيد اضغط هنا. 4- منع جامعة هارفارد من قبول طلاب أجانب يؤثر على مصدر رئيسي لإيرادات الجامعات الأميركية تلقّت جامعة هارفارد ضربة جديدة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بحرمانها من تسجيل الطلاب الأجانب، وهو أمر تردد صداه على نطاق أوسع إذ أنه يستهدف مصدرا رئيسيا للدخل لمئات الكليات في جميع أنحاء الولايات المتحدة. للمزيد اضغط هنا. 5- ارتفاع إضافي بأسعار الذهب اليوم... فكم بلغت؟ يتّجه الذهب اليوم الجمعة لتسجيل أفضل أداء أسبوعي في أكثر من شهر، إذ أدى تراجع الدولار وتزايد المخاوف إزاء أوضاع المالية العامة في أكبر اقتصاد في العالم إلى دعم الإقبال على الملاذ الآمن. وصعد الذهب في المعاملات الفورية 0.2 في المئة إلى 3299.79 دولار للأوقية (الأونصة) بحلول الساعة 00:14 بتوقيت غرينتش. وارتفع المعدن النفيس بنحو ثلاثة بالمئة منذ بداية الأسبوع وحتى الآن ويتجه لتحقيق أفضل أداء أسبوعي منذ أوائل نيسان/ أبريل. للمزيد اضغط هنا. اخترنا لكم من مقالات "النهار" لهذا اليوم: كتب نبيل بومنصف: في عين الإعصار… مجدداً! سواء سمحت إسرائيل غداً السبت بتمرير الجولة الأخيرة من الانتخابات البلدية والاختيارية في منطقة الجنوب اللبناني أم لم تمررها بفعل تصعيد الغارات والاغتيالات في صفوف عناصر "حزب الله" وكوادره كما دأبت عليه في الأيام السابقة، سيمضي لبنان بعد استحقاقه الانتخابي البلدي إلى موقع شديد الإحراج يستتبع شدّ مزيد من الأحزمة. للمزيد اضغط هنا. كتب ماجد كيالي: في مشروعية وضرورة طيّ صفحة الوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان تمثلت النكبة (1948) بإقامة إسرائيل، وحرمان الفلسطينيين من هويتهم وكيانيتهم وحقوقهم الفردية والجمعية، وولادة مشكلة اللاجئين، بتشريد ثلثي الشعب الفلسطيني من أرضه ودياره (نحو 900 ألف)، إلى الدول العربية المجاورة، منهم 180 ألفاً في لبنان. المشكلة أن لبنان، بظروفه الخاصة، لم يستطع هضم هؤلاء الفلسطينيين اللاجئين، من النواحي الإنسانية والاجتماعية، إذ قطنت غالبيتهم العظمى في 12 مخيماً (من أصل 59 مخيماً في بلدان اللجوء)، ظلت أحوالهم مزرية، من كل النواحي. فاقم من ذلك حرمانهم من فرص العمل في عشرات من المهن، مع إخضاعهم لمراقبة أمنية مشددة، والتعامل معهم باعتبارهم موضوعاً سياسياً وأمنياً، بمبرر حساسية، أو فرادة، وضع لبنان بتركيبته الطائفية. للمزيد اضغط هنا. وكتب علي حمادة: 1982- 2025: هل تفعلها إسرائيل؟ أعادت عملية قتل اثنين من أعضاء السفارة الإسرائيلية في واشنطن، في إطلاق نار على المتحف اليهودي في العاصمة، المراقبين بالذاكرة إلى عام 1982، ومحاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن شلومو أرغوف حيث شكلت المحاولة يومها ذريعة مباشرة لإسرائيل لاجتياح لبنان. يومها نفذ العملية "أبو نضال"، أحد قادة حركة "فتح" المنشقين، والذي كان على صلة بعدد من أجهزة المخابرات العربية كالعراقية والليبية، والشرقية كالاتحاد السوفياتي وبعض دول أوروبا الشرقية. للمزيد اضغط هنا. يمكن تعداد الفوائد و"الخيرات" التي سيجنيها الاقتصاد اللبناني من رفع العقوبات الدولية عن سوريا، بتعداد الحاجات السورية التي كانت تؤمنها السوق اللبنانية إلى السوق السورية. يكفي أن تعود حركة حركة التصدير والاستيراد في سوريا إلى طبيعتها، لتتوافر السيولة الكافية بالدولار في السوق السورية، فيتوقف تلقائياً نزف العملات الأجنبية من السوق اللبنانية نحو سوريا، بما سيخفف حتماً الضغوط النقدية على مصرف لبنان من جهة، ويزيد من قدرته على استحواذ الفائض الدولاري في السوق من جهة أخرى. ل لمزيد اضغط هنا. وكتب راغب جابر: بلديات لبنان: لا أمل عملياً انتهت الانتخابات البلدية في لبنان مع إسدال الستارة على مرحلتها الثالثة في بيروت والبقاع، انتخابات الجنوب غداً تبدو شكلية لولا معركتي صيدا وجزين، باعتبار ان البلديات "الشيعية" تولى قطبا الثنائي "أمل" و"حزب الله" ترتيب لوائحها التي فازت بالتزكية أو ستفوز في الصناديق لتعذر التوافق مع قوى وشخصيات رفضت الإنضواء تحت عباءة الثنائي. للمزيد اضغط هنا. وكتب عادل بن حمزة: حلّ الدولتين... الطريق الصعب الذي لا بديل منه في ظلّ تزايد تعقيد المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط، تعود الرباط لتؤكد حضورها كفاعل ديبلوماسي وازن في جهود إحلال السلام، من خلال استضافتها الاجتماع الخامس للتحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين. هذا اللقاء، الذي احتضنته العاصمة الرباط يوم 20 أيار/ مايو تحت شعار "الحفاظ على دينامية عملية السلام: الدروس المستخلصة، النجاحات والآفاق"، لا يعكس فقط إرادة جماعية لإحياء مسار تفاوضي طال انتظاره، بل يشكل أيضاً اعترافاً ضمنياً بأن البدائل المطروحة لحل الدولتين ليست سوى وصفات للفوضى والانزلاق نحو مزيد من العنف والتطرّف. للمزيد اضغط هنا. وكتب سميح صعب: نتنياهو يقتحم المفاوضات الأميركية-الإيرانية زاد ما بثته شبكة "سي ان أن" الأميركية للتلفزيون، عن استعدادات إسرائيلية لتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، من أجواء التشاؤم التي خيّمت في الأيام الأخيرة على مسار المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، للتوصّل إلى اتفاق نووي جديد. سبق ذلك، هجوم حاد لمرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي على الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتلاه تشكيك واضح في احتمال الوصول إلى نتيجة إيجابية في المفاوضات، التي لسلطنة عُمان فيها دور الوسيط. للمزيد اضغط هنا.


النهار
منذ ساعة واحدة
- النهار
رفع العقوبات عن سوريا: انفراج مرتقب بعد عزلة دولية
بعد 14 سنة من الحرب والعقوبات، بدأت تلوح في أفق سوريا بوادر خروج من العزلة الاقتصادية. مع سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول (ديسمبر) 2024، والتحرك السريع نسبياً من قبل كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي نحو رفع العقوبات التي كبّلت الاقتصاد السوري، تبدو البلاد مقبلة على مرحلة جديدة قد تحمل معها أملاً بالتعافي، لا فقط داخل سوريا، بل في المنطقة بأكملها، حيث كانت تداعيات الانهيار السوري عبئاً ثقيلاً على دول الجوار. منذ عام 2011، فرض الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، عقوبات شاملة شلّت حركة الاقتصاد السوري. شملت هذه العقوبات حظراً على قطاع النفط والغاز، وتجميداً للأصول، ووقفاً للصادرات التكنولوجية إلى البلاد، ومنعاً للتعاملات المالية معها. هذه الإجراءات، وإن كانت موجهة ضد النظام، تسبّبت بانهيار شبه كامل في البنية التحتية، وحدّت من قدرة السوريين على الوصول إلى أبسط مستلزمات الحياة اليومية. توضح أرقام البنك الدولي حجم الكارثة: تقلّص الناتج المحلي الإجمالي لسوريا من 67.5 مليار دولار عام 2011 إلى 23.6 مليار دولار فقط عام 2022، بانخفاض يقارب 44 في المئة. أما الليرة السورية، ففقدت أكثر من مئة في المئة من قيمتها في مقابل الدولار الأميركي خلال السنوات الماضية. ومع تعذر الاستيراد، ارتفعت أسعار المواد الغذائية والأدوية، وتعطّل القطاع الطبي، وانتشرت البطالة والفقر. لكن أبرز القطاعات التي تأثرت بالعقوبات كان قطاع النفط والغاز، والسلعتان من أهم مصادر دخل البلاد قبل الحرب. كانت سوريا تنتج حوالي 385 ألف برميل يومياً من النفط قبل عام 2011، وتصدّر جزءاً كبيراً منه إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية، ما كان يعود بمليارات الدولارات سنوياً. ومع فرض العقوبات، انخفض الإنتاج إلى أقل من 90 ألف برميل يومياً، وفق تقديرات مستقلة، فيما توقفت أغلب الآبار عن العمل بسبب تدمير البنية التحتية ونقص المعدات والتكنولوجيا. اليوم، مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب منتصف الشهر الجاري الرفع الكامل للعقوبات، بدأت الليرة السورية بالتعافي وسجّلت ارتفاعاً بنسبة ثمانية في المئة أمام الدولار، وفق وكالة الأنباء السورية الرسمية. وبعد أيام، تبنّى الاتحاد الأوروبي قراراً مشابهاً، منهياً واحدة من أعقد حزم العقوبات التي فرضها في تاريخه. ولا شك في أن رفع العقوبات عن سوريا سيفتح الباب أمام استثمارات أجنبية وتدفقات مالية كانت مجمّدة، ما قد ينعش بعض القطاعات الحيوية ويطلق عجلة إعادة الإعمار، كما قد يسهّل عمليات الاستيراد والتصدير، ما يخفّف من أزمة المعيشة ويدعم استقرار الليرة السورية. هذان القراران فتحا الباب أمام احتمال عودة الاستثمارات الأجنبية إلى سوريا. مثلاً، تشير تقديرات أولية إلى أن عودة إنتاج النفط والغاز إلى مستوياته السابقة قد تدر على الدولة ما لا يقل عن سبعة مليارات دولار سنوياً في المرحلة الأولى، وهو مبلغ كفيل بإعادة تحريك الدورة الاقتصادية وتوليد فرص عمل واسعة في المناطق المنتجة للطاقة. ولا يقتصر الأثر الإيجابي على الداخل السوري فقط، بل يمتد إلى دول الجوار التي استقبلت ملايين اللاجئين خلال الحرب. ويمثل رفع العقوبات وإعادة الإعمار فرصة لتقليص أعداد اللاجئين عبر توفير بيئة آمنة واقتصادية محفّزة لعودتهم التدريجية. كذلك من المتوقع أن تسهم عودة سوريا إلى الأسواق الإقليمية في تنشيط التبادل التجاري مع الأردن والعراق، وفتح المجال أمام شركات خليجية للاستثمار في البنية التحتية، الاتصالات، والزراعة. لكن على رغم هذه المؤشرات الإيجابية، لا تزال التحديات كبيرة. فالمجتمع السوري خرج من الحرب منهكاً، ومؤسسات الدولة تحتاج إلى إصلاح عميق. ولا يزال الانتقال السياسي هشاً، فالاتحاد الأوروبي نبّه إلى أن أي تراجع للسلطات السورية عن مبادئ الشفافية والتعددية قد يؤدّي إلى إعادة فرض العقوبات. ومع ذلك، يعكس قرار رفع العقوبات تحوّلاً في مقاربة المجتمع الدولي تجاه سوريا: من سياسة الضغط والردع إلى المشاركة والبناء. ويبقى الأمل معقوداً على أن تستغل القيادة السورية الجديدة هذه اللحظة التاريخية لإعادة إطلاق عجلة الاقتصاد، وفتح صفحة جديدة مع شعب أنهكته الحرب، وجيران ينتظرون منذ سنوات نهاية لهذا النزاع الطويل.


النهار
منذ ساعة واحدة
- النهار
خلاف على التخصيب... روما تستضيف جولة خامسة من المحادثات الإيرانية
تُعقد الجمعة في إيطاليا الجولة الخامسة من محادثات إيرانية-أميركية بشأن البرنامج النووي لطهران تجرى بوساطة عُمانية، في حين تبدو المفاوضات متعثّرة عند مسألة تخصيب اليورانيوم. وأفادت وكالة "إرنا" الرسمية للأنباء بأن "المفاوضات من المقرر أن تبدأ عند الأولى بعد الظهر (11,00 ت غ) في روما"، مضيفة أن الوفد الإيراني برئاسة وزير الخارجية عباس عراقجي غادر طهران متوجّهاً إلى إيطاليا. وبدأت طهران وواشنطن، العدوتان اللدودتان منذ الثورة الإسلامية في إيران التي أطاحت بحكم الشاه الموالي للغرب في العام 1979، محادثات في 12 نيسان/أبريل بشأن البرنامج النووي الإيراني. وتعد المحادثات التي تجرى بواسطة عُمانية التواصل الأرفع مستوى بين البلدين منذ الاتفاق الدولي المبرم مع طهران في العام 2015 حول برنامجها النووي والذي انسحبت منه الولايات المتحدة في الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب (2017-2021) في العام 2018. عقب الانسحاب، أعاد ترامب فرض عقوبات على إيران في إطار سياسة "الضغوط القصوى". وهو يسعى إلى التفاوض على اتفاق جديدة مع طهران التي تأمل رفع عقوبات مفروضة عليها تخنق اقتصادها. الجمعة يلتقي وفدا إيران والولايات المتحدة في حين تظهّرت إلى العلن خلافات بين البلدين بشأن مسألة تخصيب اليورانيوم الشائكة. الأحد اعتبر الموفد الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف الذي يمثّل واشنطن في المحادثات أن الولايات المتحدة "لا يمكنها السماح حتى بنسبة واحد في المئة من قدرة التخصيب". إلا أنّ طهران التي تتمسّك بحقّها ببرنامج نووي لأغراض مدنية، ترفض هذا الشرط مشددّة على أنّه يخالف الاتفاق الدولي المبرم معها. "مع أو بدون اتّفاق" ونقلت "سي أن أن" عن مصدرين إيرانيين أنّه "من غير المرجّح أن تفضي المحادثات النووية إلى اتفاق بسبب إصرار واشنطن على منع طهران من تخصيب اليورانيوم". وأضافا: "مشاركة إيران في محادثات روما تهدف فقط إلى تقييم الموقف الأميركي وليس السعي لتحقيق اختراق محتمل في المفاوضات". في هذا الأسبوع، شدّد وزير خارجية إيران عباس عراقجي الذي يقود الوفد الإيراني المفاوض، على أن بلاده ستواصل تخصيب اليورانيوم "مع أو بدون اتّفاق" مع الولايات المتحدة. والثلاثاء شدّد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي على أن إيران لا تنتظر الإذن من "هذا أو ذاك" لتخصيب اليورانيوم، مبدياً شكوكاً بإمكان أن تفضي المباحثات مع الولايات المتحدة إلى "أي نتيجة". وعشية المحادثات، أعلنت إيران أنّها منفتحة على "مزيد من عمليات التفتيش" لمنشآتها النووية. وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي للتلفزيون الرسمي "نحن واثقون بالطبيعة السلمية لبرنامجنا النووي، وبالتالي لا مشكلة لدينا من حيث المبدأ في مزيد من عمليات التفتيش والشفافية". وأضاف أن "خلافات جوهرية" ما زالت قائمة مع الولايات المتحدة محذرا من أنه إذا أرادت الولايات المتحدة منع إيران من تخصيب اليورانيوم "فلن يكون هناك اتفاق". وقال خبير العلوم السياسية الإيراني محمد ماراندي في تصريح لوكالة "فرانس برس" "إن سيادة إيران خط أحمر، وإيران لن تتخلّى بأي حال من الأحوال عن الحق بتخصيب اليورانيوم". وتابع "إذا كانت الولايات المتحدة تتوقع أن توقف إيران التخصيب، فلن يكون هناك أي اتفاق. الأمر بهذه البساطة". خلال جلسة استماع أمام لجنة في مجلس الشيوخ الثلاثاء، قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إن إيران تعتبر تخصيب اليورانيوم "مسألة فخر وطني" و"وسيلة ردع". حدّد الاتفاق الدولي المبرم مع طهران بشأن برنامجها النووي سقف تخصيب اليورانيوم عند 3,67 بالمئة. إلا أن الجمهورية الإسلامية تقوم حالياً، وفق الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتخصيب اليورانيوم حتى نسبة 60 بالمئة، غير البعيدة عن نسبة 90 بالمئة المطلوبة للاستخدام العسكري. ردّاً على الانسحاب الأميركي من الاتفاق، تحرّرت إيران تدريجياً من الالتزامات التي ينص عليها. "غير قانونية وعدائية" في السياق، علّقت الخارجية الإيرانية على العقوبات الأميركية الجديدة التي فرضتها واشنطن على طهران. وقال المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي إن "العقوبات الأميركية الجديدة على طهران تلقي بمزيد من الشكوك على استعداد واشنطن للانخراط في الدبلوماسية". ووصف العقوبات بأنّها "غير قانونية وعدائية ضد الشعب الإيراني". وأضاف: "إن هذا التصرّف مستفز بقدر ما هو غير قانوني وغير إنساني. فالعقوبات متعدّدة الطبقات والإجراءات القسرية التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران صُممت بعناية لحرمان كل مواطن إيراني من حقوقه الإنسانية الأساسية". وختم: "هذه العقوبات، التي أُعلنت عشية الجولة الخامسة من المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، تُلقي بمزيد من الشكوك على جدية واشنطن واستعدادها الحقيقي للانخراط في الدبلوماسية". وقد أعلنت وزارة الخارجية الأميركية الخميس أنّها فرضت عقوبات على قطاع البناء والتشييد في إيران، بالإضافة إلى 10 مواد صناعية ذات تطبيقات عسكرية. طيف العقوبات تشتبه بلدان غربية وإسرائيل التي يعتبر خبراء أنّها القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط، أن إيران تسعى لحيازة قنبلة ذرية، الأمر الذي تنفيه طهران مشدّدة على أن برنامجها النووي غاياته مدنية حصراً. الثلاثاء، أوردت شبكة "سي إن إن" الأميركية نقلاً عن مسؤولين أميركيين طلبوا عدم كشف هوياتهم، قولهم إن إسرائيل، العدو اللدود للنظام الإيراني، تستعد لضرب المنشآت النووية الإيرانية. وجاء في رسالة تحذيرية وجّهها وزير الخارجية الإيراني إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش نشرت الخميس "في حال تعرّض المنشآت النووية لجمهورية إيران الإسلامية لهجوم من قبل النظام الصهيوني، فإن الحكومة الأميركية (...) ستتحمّل المسؤولية القانونية". يشغّل القطاع النووي الإيراني أكثر من 17 ألف شخص، بما في ذلك في مجالي الطاقة والطبابة، وفق المتحدّث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمالوندي. وكان كمالوندي قد لفت في مطلع أيار/مايو إلى أن "هولندا وبلجيكا وكوريا الجنوبية والبرازيل واليابان تخصّب (اليوارنيوم) من دون حيازة أسلحة نووية". ستُعقد المحادثات الجمعة قبيل اجتماع لمجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية مقرّر في حزيران/يونيو في فيينا، وسيتم خلاله التطرّق خصوصاً إلى الأنشطة النووية الإيرانية. وينصّ الاتفاق الدولي المبرم مع طهران والذي بات اليوم حبراً على ورق رغم أن مفاعيله تنتهي مبدئياً في تشرين الأول/أكتوبر 2025، على إمكان إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران في حال لم تف بالتزاماتها. في أواخر نيسان/أبريل أكّد وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو أنّ بلاده وألمانيا والمملكة المتحدة لن تتردّد "للحظة" في إعادة فرض العقوبات على إيران إذا تعرّض الأمن الأوروبي للتهديد بسبب برنامجها النووي. الاتفاق الدولي للعام 2015 مبرم بين إيران وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا (والولايات المتحدة قبل انسحابها)، وكذلك الصين وروسيا.