logo
عدوى الانفصال.. لماذا تنقسم أرض الصومال إلى كيانين؟

عدوى الانفصال.. لماذا تنقسم أرض الصومال إلى كيانين؟

الجزيرةمنذ 5 أيام

ربما يُوصف ميلاد ولاية خاتمة الصومالية بأنه نموذج لظاهرة يمكن تسميتها بالانفصال عن المنفصل أصلا، فمدينة لاسعانود وما يحيط بها من مدن وقرى وتضاريس متنوعة واسعة لطالما شكّلت الأجزاء الشرقية الجنوبية لجمهورية أرض الصومال"صومالي لاند" التي أعلنت انفصالها عن الصومال عام 1991، وبذلت جهودا متواصلة لنيل الاعتراف الدولي لأكثر من ثلاثة عقود دون أن يحالفها التوفيق.
وأما إعلان انفصال ولاية خاتمة عن أرض الصومال فقد جاء بعد حرب استمرت نحو ستة أشهر، خاضها أهالي خاتمة ضد القوات المسلحة في الجمهورية المعلنة من طرف واحد، وانتهت بهزيمة قوات أرض الصومال وانسحابها من لاسعانود في 25 أغسطس/آب 2023.
وفي 12 أبريل/نيسان المنصرم، زار رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري ، وبرفقته عدد كبير من الوزراء ونواب البرلمان، مدينة لاسعانود مركز ولاية خاتمة، حيث قوبل بحفاوة بالغة وبمسيرات شعبية كبيرة اكتست بالعلم الصومالي. وشهدت الزيارة تدشين مشاريع خدمية عدة، وإعلان انضمام ولاية خاتمة بصفة رسمية إلى الولايات الاتحادية الصومالية.
دلالات الزيارة
تلك أول زيارة لمسؤول صومالي رفيع إلى مدينة لاسعانود منذ انهيار حكومة زياد بري وانفصال "أرض الصومال" في الشمال عن باقي البلاد عام 1991، وأتت الزيارة عقب تداول أخبار بشأن نية الولايات المتحدة الأميركية الاعتراف بـ"أرض الصومال" دولة مستقلة، أو على الأقل منحها امتيازات للتعاون الدبلوماسي والعسكري مع واشنطن ، وتهجير أهل غزة إلى أرض الصومال مقابل الاعتراف بها، وهذا يعني خطوة تكتيكية من مقديشو لقطع الطريق على أي إشاعة من شأنها أن تغذي النزعة الانفصالية في الشمال.
وكان توقيع رئيس صومالي لاند (أرض الصومال) السابق موسى بيحي عبدي، مطلع يناير/كانون الثاني من العام الماضي، مذكرة تفاهم مع إثيوبيا لمنحها أرضا سيادية في السواحل الغربية بصومالي لاند لإنشاء قاعدة عسكرية إثيوبية قد أغضب الحكومة المركزية الصومالية في مقديشو، التي اعتبرت الخطوة انتهاكا صارخا للسيادة الصومالية ، فعملت على إضعاف صومالي لاند وثنيها عن المساعي الانفصالية من خلال دعم الحركات الداخلية الرافضة للمشروع الانفصالي في الشمال.
كما أن الزيارة حملت دلالات، من بينها بحث حكومة مقديشو عن مخرج من حالة الانسداد التي تمر بها في ظل تفاقم الخلافات بين الحكومة المركزية وولايتي بونتلاند وجوبالاند بشأن نوعية الانتخابات البرلمانية والرئاسية المتوقع عقدها العام المقبل.
ولوجود روابط قبلية بين سكان الولايتين المذكورتين وولاية خاتمة، فإنه يمكن للأخيرة أن تنوب عنهما في جلسات مجلس التشاور الوطني المنتظر انعقاده قريبا، بعد أن تلقت الدعوة الرسمية للحضور من قِبَل رئيس الحكومة الذي ينتمي إلى ولاية جوبالاند.
وأما إدارة أرض الصومال، التي تعتبر نفسها دولة مجاورة للصومال، فقد نددت بزيارة بري إلى لاسعانود. وعلى لسان رئيسها عبد الرحمن محمد عبد الله وصفت الزيارة بأنها تصرف غير مسؤول، وانتهاك صارخ لسيادة "أرض الصومال"، وأن رئيس الحكومة في مقديشو يتحمل مسؤولية أي تبعات أمنية لزيارته. كما صرحت أرض الصومال على لسان وزير إعلامها أحمد شيخ علي بالانسحاب من التفاوض مع الصومال.
ربما لا يستوعب القارئ غير المُلم بالأوضاع المحلية في القرن الأفريقي، وتحديدا في الصومال، اتهام رئيس إقليم انفصالي رئيس وزراء البلاد الأم بانتهاك سيادة الإقليم الانفصالي، وعليه فإن مما ينبغي توضيحه أن الصومال لم يبسط نفوذه على الشمال منذ 1991، وأن إدارة أرض الصومال تميزت بوضع استثنائي طوال تلك الفترة، بفضل ما حققته من استقرار مشهود مقارنة ببقية الصومال، وممارسات ديمقراطية تمثلت في تنظيم مختلف أنواع الانتخابات المحلية والنيابية والرئاسية على مدى عقدين تقريبا.
وروّجت أرض الصومال طوال تلك الفترة لأحقيتها بنيل الاعتراف الدولي، غير أن المشهد لم يخلُ من تذمر بعض المناطق في الشمال وتعبيرها عن الشعور بالغبن في توزيع المناصب والثروات والمعونات الخارجية، واتهام قاطني عاصمة الشمال هرجيسا ومدن وبلدات أخرى بوسط أرض الصومال بالاستئثار بالحكم والنفوذ على حساب سكان المناطق الشرقية والغربية، وتلك معادلة تستند إلى القبيلة، ومن هنا يرى أهالي ولاية خاتمة أنهم عانوا التهميش والإقصاء في أرض الصومال خلال عقود ثلاثة.
حيّ على القتال
في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2020، اجتاحت مدينة لاسعانود ثورة زرقاء تنادي بالوحدة وترفع علم الصومال، وبوصول شيخ قبائل لاسعانود ومحيطها، الغراد جامع ابن الغراد علي، وتوليه قيادة الثورة الغاضبة وقولته الشهيرة "حيّ على القتال" تغير كل شيء.
حاصرت قوات أرض الصومال مدينة لاسعانود بهدف إجبارها على ما يمكن تسميته بـ"الوحدة الانفصالية"، وقصفتها بالمدافع الثقيلة على مدى أشهر عدة، والأخيرة صامدة تطلق الرصاصة بيد وتلملم جراحها باليد الأخرى، في مشهد مأساوي لم يحظَ بمتابعة إعلامية دولية وعربية رغم فداحته، ما عدا بعض التقارير الأممية التي أشارت في ذلك الوقت إلى مقتل العشرات ونزوح أكثر من 80 ألف نسمة من مدينة لاسعانود جراء تواصل الحرب.
و"غراد" في منطقة خاتمة، لمَن لا يعرف معناها، تعني زعيم قبيلة، والغراد جامع عاش في منفاه الاختياري خارج منطقة قبيلته أكثر من 15 عاما تأفُّفا مما اعتبره استيلاءً وتزويرا لإرادة قومه الذين لا يرغبون في مشروع صومالي لاند الانفصالي.
وقد أعادت أحداث انفصال ولاية خاتمة ذكريات تاريخ لاسعانود النضالي ضد الاستعمار البريطاني، واستضافة أبناء هذه المنطقة ثورة الدراويش، وعلى رأسها المناضل الصومالي السيد محمد عبد الله حسن الذي حارب الإنجليز في شمال الصومال.
وأما "أرض الصومال" فهي دولة معلنة من طرف واحد، تقع في القرن الأفريقي على شاطئ خليج عدن، وبالتحديد بشمال الصومال. وحسب الحدود الجغرافية الموروثة من الاستعمار البريطاني، تحدّها إثيوبيا من الغرب، وجيبوتي من الشمال الغربي، ومن الشمال الشرقي خليج عدن، ومن الشرق والجنوب إقليم بونت لاند ذي الحكم الذاتي ضمن الحكومة الصومالية الفدرالية، والأخير نازع أرض الصومال فترات ماضية على حكم ولاية خاتمة لأسباب عشائرية.
وقد أعلن إقليم صومالي لاند بقيادة جبهة الحركة الوطنية الصومالية (SNM) انفصاله عن باقي الصومال عام 1991، بعد حروب أهلية شهدها الصومال فأدت إلى انهيار الحكومة الصومالية المركزية. وأُعلن ميلاد ما سُمي بـ"جمهورية أرض الصومال" من طرف واحد، في 18 مايو/أيار 1991 في اجتماع قبلي حضره ممثلون لمكونات الإقليم الشمالي.
الحدود الاستعمارية
تاريخيا، ظلت منطقة أرض الصومال باسمها الحالي (Somali land) مستعمرة بريطانية خلال الفترة (1884-1960)، بينما كان الجنوب الصومالي يخضع للاستعمار الإيطالي، ولما استقلت أرض الصومال في 26 يونيو/حزيران 1960 بادرت بالانضمام إلى الصومال الجنوبي الذي استقل بدوره في الأول من يوليو/تموز من العام نفسه.
لكنّ الشماليين، وخاصة قبيلة العاصمة هرجيسا والمحافظات الواقعة بوسط أرض الصومال، اشتكوا فيما بعد من التهميش واستئثار الجنوب بغالبية المناصب، فعارضوا حكم الراحل محمد زياد بري، وعانوا القمع والتضييق طورا، والاستهداف والقصف تارة أخرى، وأسسوا حركتهم المسلحة، واستعانوا بإثيوبيا، وأسهموا ضمن حركات مسلحة أخرى في الإجهاز على الدولة والنظام في الصومال.
ومن الجدير بالإشارة أن مختلف الحركات المسلحة التي أسقطت الحكومة المركزية تشكَّلت بدوافع قبلية وبمساندة خارجية.
ورغم أن التاريخ يكاد يعيد نفسه في أرض الصومال، فإن الانفصاليين في الشمال يستندون إلى حجج من ضمنها ما يلي:
أن الإقليم الشمالي بحدوده الموروثة من الاستعمار البريطاني استقل بدولته في 26 يونيو/حزيران 1960، واعتُرف به دولة مستقلة لولا تحمس أهل الشمال للوحدة مع الجنوب، علما بأن الحدود الاستعمارية لأرض الصومال تشمل ولاية خاتمة التي انضمت أخيرا إلى الولايات الصومالية الفدرالية.
يحق للشماليين استعادة دولتهم على حدود المحمية البريطانية والحصول على اعتراف دولي وفق هذا الأساس.
في المقابل، يرى أنصار الوحدة الصومالية أن الصومال كلٌّ لا يتجزأ، وأن الاستعمار فرّق بين شطريه الشمالي والجنوبي، وأن وحدة البلاد أمر لا يقبل النقاش. كما يتمسك أبناء لاسعانود برفضهم الشديد لأي إرث منسوب إلى الاستعمار البريطاني الذي حاربوه تحت راية الدراويش.
مستقبل أرض الصومال
تميزت إدارة أرض الصومال بأمنها واستقرارها النسبي، وتعاقب على حكمها 6 رؤساء ينتمون جميعا إلى قبيلة إسحاق بالمنطقة الوسطى بأرض الصومال، سوى رئيس واحد ينتمي إلى قبيلة جدبورسي بإقليم أودل غربي صومالي لاند، وشهدت السنوات الأخيرة أصداء واسعة لمنجزاتها ومساعيها لنيل الاستقلال بفعل تزايد الاهتمام الجيوسياسي بمنطقة البحر الأحمر وخليج عدن، لكن أحداث لاسعانود في 2023 غيّرت ملامح دولة الشمال التي فقدت أجزاء واسعة كانت تشملها حدودها الاستعمارية، وعليه فإن مستقبل أرض الصومال بعد انفصال ولاية خاتمة لا يخلو من سنياريوهات ثلاثة على النحو الآتي:
1- ضم ولاية خاتمة من جديد بقوة السلاح، والمُضي قُدما في طريق السعي للاعتراف الدولي باستقلال أرض الصومال، وهذا يبدو بعيدا، خاصة أن أهالي منطقة خاتمة خاضوا معركة طاحنة لانفصالهم عن المنفصل أصلا، كما أنهم مستعدون لبذل النفس والنفيس من أجل الحفاظ على مكتسبات ثورتهم في حال تكرار مشاهد مماثلة لأحداث 2023. ومن المنطقي أيضا أن تتم جهود البحث عن اعتراف دولي في أي مكان في العالم من خلال القوة الناعمة وليس الخشنة.
2- التخلي عن ولاية خاتمة والاكتفاء بما تبقى والمُضي قُدما في طريق البحث عن الاعتراف الدولي بحدود الأمر الواقع التي فرضها انفصال ولاية خاتمة، وهذا أيضا لن تستسيغه إدارة أرض الصومال بسهولة، لكونه ينسف نظرية الاحتكام إلى الحدود الاستعمارية التي طالما تمسكت بها النخبة الحاكمة في الشمال.
3- التعامل مع ملف ولاية خاتمة بنفَس طويل، وإضعافها من خلال إذكاء النعرات في المناطق التي يصعب حسم حدودها بسبب التداخل القبلي، واستخدام المال السياسي لاستمالة بعض أبناء لاسعانود، وهذا سيُضعف الجانبين، ولن يُنهي الأزمة بينهما على الأقل في المدى القريب. وسيعتمد حسم الموضوع على مدى قدرة الحكومة المركزية على تخطي أزماتها وبسط سيطرتها على كامل تراب الوطن الصومالي.
ويتضح مما سبق أن القبليّة هي العامل الأبرز في الخلافات الصومالية المحلية، وعليه فإن انفصال ولاية خاتمة عن أرض الصومال يشجع انفصال مناطق أخرى عن أرض الصومال للأسباب ذاتها، فحركة ولاية أودل لا تزال نشطة في المهجر، وتعد عدّتها لبسط سيطرتها على محافظتَيْ أودل وسلل وأجزاء من جبيلي بشمال غربي أرض الصومال، بهدف فصل تلك المحافظات التي تُشكِّل قبيلة جدبورسي غالبية سكانها تمهيدا للعودة إلى الوحدة مع الصومال الكبير، حسب البيانات التي تبثها الحركة عبر وسائل الإعلام.
وفي هذا الصدد، عبّر قائد حركة ولاية أودل الدكتور علي بحر عن سعادته بزيارة رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري إلى لاسعانود، مهنئا شعب ولاية خاتمة على التضحيات التي قدمها في سبيل الوحدة الوطنية. وقال بحر إن هذه الزيارة تضع حدًّا لأوهام الانفصال في الشمال.
وكان الأكاديمي الأميركي الصومالي قد زار في سبتمبر/أيلول 2023 العاصمة الصومالية، والتقى وزير الخارجية ومسؤولين آخرين بهدف نيل دعم الحكومة المركزية ومساندة جهود حركة ولاية أودل للانفصال عن أرض الصومال.
المعيار القبلي
في الصومال والقرن الأفريقي بصفة عامة، يحضر العامل القبلي بقوة في كل شيء، فالنائب البرلماني الصومالي يمثل أبناء عمومته على سبيل المثال، وكذلك الرئيس والوزير والسفير وغيرهم، وتشكيل الحكومة يعتمد منذ مؤتمر المصالحة الصومالية في عرتا بجيبوتي عام 2000 على معادلة المحاصصة القبلية "4.5"، أي تقاسم الكعكة على أساس أربع قبائل ونصف.
وفي أرض الصومال يُدهَش المشاهد البعيد بطوابير الناخبين الذين يدلون بأصواتهم لاختيار ممثليهم في أمن وأمان، لكن الرؤية ربما تختلف عند معرفة أن كل قبيلة تختار نائبها أو نوابها في البرلمان، وتمارس الديمقراطية حسب تقاليدها القبلية، في صورة تعيد إلى الأذهان تنافس العرب بشعرائهم في أسواق عكاظ ومجنة وذي المجاز.
لا شك أن القاسم المشترك في دوافع قيام الولايات الصومالية هو العامل القبلي، وواضح أن الولايات المنضوية تحت الحكم الاتحادي قائمة أيضا على أسس عشائرية، ومن غير المستبعد أن كل واحدة منها مستعدة للانفصال عن الحكومة المركزية فور الشعور بأي شيء يهدد مصالحها الخاصة، والنتيجة تعنُّت شبه دائم ورفض للانقياد لنفوذ الدولة لأسباب عشائرية محضة، لأن من سمات القبلية الأنفة وعدم الرضا بحكم قبيلة أخرى.
ومن المفارقة أن مشروع "حركة الشباب المجاهدين" في جنوب ووسط الصومال، وأتباع "داعش" بشرق البلاد، من أبرز المشاريع التي يمكن وصفها بالبعيدة عن المنطق القبلي في هرمها التسلسلي، إذ تضم عضويتها مقاتلين أجانب وصوماليين من مختلف العشائر، ولكنها في الوقت نفسه مشاريع فتاكة تزهق الأرواح وتعوق التنمية بهجماتها المتكررة على المقرات الحكومية بدعوى أن أعضاءها كفار يخدمون أجندات خارجية.
وللتعرف على الخريطة القبلية الصومالية فإن إقليم بنادر، ومركزه مقديشو، وولايتي هيرشبيلي وغلمودغ بوسط الصومال، كلها من الولايات التي تُشكِّل غالبية سكانها قبيلة هوية، بينما يُشكِّل الداروديون أغلبية ولايتي بونتلاند، وجوبالاند، و"خاتمة" الجديدة، وقبيلة رحنوين تُشكِّل غالبية سكان الولاية الجنوبية الغربية. وأما قبيلة دِر فهي ذات وجود معتبر في الولايات الجنوبية والوسطى، وتُشكِّل غالبية سكان صومالي لاند وجيبوتي.
التدخلات الخارجية
كلما كانت الدولة مبنية على أسس قبلية أو عشائرية سرى في مفاصلها الفساد والضعف وعدم الاستجابة لمتطلبات العصر، ومن هنا تصبح الدولة فريسة سهلة للتدخلات الخارجية حتى من أقرب الجيران، فالسياسة لا تعترف بمنطق مساعدة الضعيف، والدول ليست جمعيات خيرية، وعليه فإن التشرذم والانقسامات الداخلية ليسا سوى أبواب للتأثير الخارجي، وهذا ما تفسره معاناة الصومال من التدخلات الأجنبية المتمثلة في تعامل بعض الدول مع الولايات الفدرالية والحكومات الانفصالية مباشرة دون المرور بقصر الحكم في مقديشو، وهذا يطرح تساؤلات مهمة بشأن السيادة وفق مقتضيات معاهدة ويستفاليا.
وتجدر الإشارة إلى أن المعيار القبلي والإثني في تقاسم المناصب الحكومية ليس مقصورا على الصومال، بل إن الأمر يمتد إلى دول عدة في شرق أفريقيا وخارجه، لكن المُجمع عليه أن تلك الدول هشة ومرشحة للزوال أو التغيير في أي لحظة، وهذا يعني أن المنطق القبلي والإثني، ومثله الطائفي المستند إلى الأيديولوجية الدينية، في بناء الدول لا يأتي إلا بالدمار في نهاية المطاف.
ففي إثيوبيا استمرت حرب التغراي حولين كاملين، وأسفرت عن خسائر بشرية ومادية هائلة قبل أن تنتهي بتوقيع اتقافية سلام في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 في جنوب أفريقيا، وكان وراء اندلاع تلك الحرب أطماع عرقية التقراي للانفصال عن باقي جمهورية إثيوبيا المكونة من 12 ولاية فدرالية موزعة على أساس عرقي.
وفي جيبوتي يحدث تقاسم السلطة بناء على المعيار القبلي، وعليه فإن بعض مكونات شعبها يجهر بالشعور بالغبن والتظلم.
وفي هذا الصدد يقول المفكر الجيبوتي عبد الرحمن بشير، في منشور على صفحته بفيسبوك، إن جيبوتي تعرضت في العقود الأربعة الماضية لهزات سياسية خطيرة وأزمات اجتماعية كادت في بعض الأحيان أن تحرق وجود الدولة، مرجعا الصراع المسلح في شمال البلاد في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات إلى وجود شعور من القومية العفرية بأن الدولة ليست لهم، في إشارة إلى اعتقاد منها بتفرد قبيلة عيسى بالسيطرة على أهم مفاصل السلطة في البلاد.
ويشتكي أبناء قبيلة جدبورسي في جيبوتي من إقصاء منهجي دائم منذ عهد الاستعمار الفرنسي، ويعتقد كثير من مثقفيها أن الحكم في البلاد كان لهم، لولا خلاف مع المحتل أفضى في النهاية إلى تمكين العيسى والعفر وتهميش جدبورسي بسبب اعتراضهم على الأجندة الفرنسية وتمسكهم بضرورة توحيد إقليم "الصومال الفرنسي" مع الصومال الكبير.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2015، أسفر دهم قوات الأمن لاحتفال شعبي تقليدي أقامته عشيرة يونس موسى، أحد فروع قبيلة عيسى، عن قتلى وجرحى في صفوف المدنيين الحاضرين. وذلك حدث أمني اعتبره المحتفلون استهدافا قمعيا على أساس عشائري تقوم وراءه النخبة الحاكمة، وهذا يبرهن على أن القبلية لا تعرف الحدود، وأن من الممكن نشوب صراعات دامية داخل الفصيل القبلي الواحد متى ما امتد الخلاف إلى كرسي الحكم.
ولا يختلف الحال في كينيا التي شهدت أعمال عنف دامية عام 2007 بسبب الاحتجاجات العرقية التي نظّمها مناصرو المرشح ريلا أودينغا بعد إعلان خسارته في الانتخابات الرئاسية في البلاد أمام مواي كباكي الذي فاز بولاية ثانية.
التجربة الرواندية
في رواندا بشرق أفريقيا، يتكوّن الشعب من قبيلتين هما هوتو وتوتسي، أدى بهما التناحر إلى ضرب الرقم القياسي في ارتكاب الإبادة الجماعية بدعوى نصرة القبيلة، إذ شهدت رواندا مقتل نحو 800 ألف نسمة في أقل من 100 يوم.
إعلان
وجاء ذلك بعد أن أُسقطت طائرة تقل الرئيس الرواندي جوفينال هابياريمانا، وهو من قبيلة هوتو التي شكَّلت نحو 80% من البلاد، فاتهمت التوتسي (20%) بالضلوع في مقتله، فقررت الثأر منها.
لكن ثمة نموذج مشرق لبناء الدولة الحديثة والقضاء على العنصرية القبلية والعرقية، فقد نجح زعيم الجبهة الوطنية بول كاغامي بعد توليه مقاليد الحكم في 2000 في القضاء على النعرات القبلية من خلال سن تشريعات صارمة غيّرت ملامح رواندا. وكما يؤكد الكاتب عزيز سعدون فقد قام كاغامي فور تسلمه الحكم بما يلي:
تشكيل مجلس حكماء (لجان مصالحة وطنية): شُكِّل مجلس حكماء في كل منطقة من البلاد للإصلاح بين الناس، يقوم المجلس بجلب الطرفين والجلوس معا، يقوم المذنبون بالاعتراف بجرائمهم وذنوبهم، وبعدها يبدأ العفو والتسامح والصفح. وما فعلوا ذلك إلا بعد أن تيقنوا أن الحرب تقتل الجميع وتهدم بنيانهم ولا يوجد رابح في الحروب القبلية، وإن لم يعفوا ويسامحوا ويصفحوا فستدوم الثارات والقتل حتى ينتهي الجميع.
وضع دستور للبلاد ينص على المصالحة والوحدة الوطنية، وتجريم كل مَن يتلفظ بلفظ عنصري في البلاد.
إعداد وتطبيق برامج تثقيفية وتعليمية لإعادة تأهيل المواطنين، وخاصة الذين شاركوا في عمليات القتل والتدمير والتخريب.
إعادة تقسيم المحافظات: كانت كل قبيلة تسيطر على عدة محافظات ومناطق، فقامت الحكومة بوضع برامج لإعادة التوزيع السكاني في المحافظات وفتح مدارس تضم أبناء القبيلتين معا بعد أن كان لكل قبيلة مدارسها الخاصة.
تنمية وتطوير القطاع التعليمي، والقيام بحملات توعية في عموم البلاد تحارب العنصرية وتبين مساوئها ونتائجها الكارثية على الجميع، وتخصيص ميزانية كبيرة لأبناء الفقراء لينالوا نصيبهم من التعليم والتثقيف.
وضع قانون خاص بالمدارس يمنع منعا باتا التلفظ باسم القبيلة أو القول بالانتساب إليها، ومَن يفعل ذلك يعاقب.
تطوير وتنمية القطاع الصحي ووضع ميزانية كبيرة له.
تسهيل الإجراءات على المستثمرين، حتى بات بإمكان رجل الأعمال أن يُنشئ شركته في يوم واحد فقط وبمكان واحد.
تشكيل مجلس استشاري يتألف من ذوي الكفاءات والخبرة والعلم من إداريين وأطباء وخبراء وعلماء في شتى المجالات لوضع خطط إستراتيجية لتنمية وتقدم البلاد وطرح حلول للمشكلات التي تواجه الدولة.
إعلان
وقد آتت تجربة رواندا ثمارها في سبيل الارتقاء بالبلاد، ومن المعلوم أن المواطن الرواندي، سواء كان في الداخل أو المهجر، ينزعج من السؤال عن قبيلته، ولا يتردد في الاعتذار عن عدم الإفصاح عنها تقديرا لميثاق وطني يلتزم به.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مجلس الشيوخ الأميركي يوافق على تعيين والد صهر ترامب سفيرا بفرنسا
مجلس الشيوخ الأميركي يوافق على تعيين والد صهر ترامب سفيرا بفرنسا

الجزيرة

timeمنذ 14 ساعات

  • الجزيرة

مجلس الشيوخ الأميركي يوافق على تعيين والد صهر ترامب سفيرا بفرنسا

وافق مجلس الشيوخ الأميركي، مساء الاثنين، على تعيين تشارلز كوشنر سفيرا للولايات المتحدة في فرنسا وموناكو، بأغلبية 51 صوتا مقابل 45، في خطوة أثارت جدلا واسعا نظرا لتاريخه الجنائي وصلته العائلية الوثيقة بالرئيس الأميركي دونالد ترامب. وكان كوشنر، والد جاريد كوشنر، صهر ترامب، قد أمضى عاما في السجن بعد إدانته عام 2005 بـ18 تهمة تشمل التهرب الضريبي وتقديم تبرعات انتخابية غير قانونية والتلاعب بالشهود. وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، أصدر ترامب عفوا رئاسيا عن كوشنر في نهاية ولايته الأولى. وقال كوشنر خلال جلسة الاستماع الخاصة بتثبيته إنه ارتكب "خطأ فادحا جدا"، مضيفا أنه دفع "ثمنا باهظا" لذلك. وأكد التزامه بإعادة بناء العلاقات القوية بين الولايات المتحدة وفرنسا، خصوصا في ظل التوترات الأخيرة حول السياسات التجارية الأميركية ودور واشنطن في الحرب الأوكرانية. وأشار كوشنر إلى أنه سيعمل على تحقيق توازن اقتصادي أكبر مع فرنسا، وتشجيعها على الاستثمار في قدراتها الدفاعية وتوجيه الاتحاد الأوروبي نحو التوافق مع الرؤية الأميركية للأمن. وكانت السيناتورة الديمقراطية جين شاهين قد حذرت خلال الجلسة من أن ترشيحه يأتي في "وقت حرج" نظرا لـ"قلق حلفاء واشنطن الأوروبيين"، كما أثارت مجددا مسألة ماضيه الجنائي.

لماذا يتعجل ترامب الاعتراف بأرض الصومال؟
لماذا يتعجل ترامب الاعتراف بأرض الصومال؟

الجزيرة

timeمنذ يوم واحد

  • الجزيرة

لماذا يتعجل ترامب الاعتراف بأرض الصومال؟

تقع أرض الصومال (إقليم صوماليلاند) في الجزء الشمالي من جمهورية الصومال، ويحتل موقعًا إستراتيجيًا يطل على خليج عدن وباب المندب، ومع تنامي الأهمية الإستراتيجية لهذه المنطقة- والتي أصبحت ساحة ساخنة للصراع الدولي حول قضايا الأمن والطاقة وحركة التجارة العالمية، لا سيما مع تصاعد خطر الحوثيين في خليج عدن- ازداد الاهتمام بالإقليم الطامح للاستقلال عن الصومال، رغم أنه لم يحظَ بالاعتراف الدولي من أي دولة حتى الآن. يستعرض هذا المقال التطور السياسي لأرض الصومال ويشرح لماذا قرر الإقليم الانفصال عن الدولة الأم الصومال، وما هي أهميته الإستراتيجية، ويوضح لماذا ترغب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الاعتراف به. نهاية حلم الصومال الكبير قسمت القوى الاستعمارية الغربية الصومال إلى عدة أقسام، توزعت عقب مؤتمر برلين بين فرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، حيث سيطرت إيطاليا على الصومال الجنوبي وعاصمته مقديشو، بينما سيطرت بريطانيا على الصومال الشمالي، وعاصمته هرجيسا، واستعمرت فرنسا شريط جيبوتي. فضلًا عن ذلك سيطرت إثيوبيا في مرحلة لاحقة على الأوغادين، بينما تمددت كينيا شمالًا في الأقاليم الصومالية. وهكذا قسم الاستعمار الشعب الصومالي إلى خمسة كيانات مختلفة تخدم كلها مصلحة القوى الاستعمارية. وبفعل هذا التقسيم، تولد حلم قومي، هو ضرورة توحيد الشعوب الصومالية في دولة واحدة تمتد على طول الشريط الساحلي للبحر الأحمر حتى خليج عدن. تبلورت فكرة الصومال الكبير أثناء فترة مقاومة الوطنيين الصوماليين للقوى الاستعمارية الغربية، وأصبحت فكرة مركزية وملهمة لحركات النضال والتحرر للشعوب الصومالية، وتوافقت القوى الوطنية على ضرورة إنهاء الاستعمار، وإعادة الاندماج لتكوين الصومال الكبير. بنهاية حقبة الاستعمار في العام 1960، استقل الصومال الشمالي كدولة مستقلة عاصمتها مدينة هرجيسا- واعترف باستقلاله عدد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. بينما نال الصومال الجنوبي استقلاله في ذات العام من إيطاليا باسم جمهورية الصومال وعاصمتها مقديشو. ونظرًا لتجذر فكرة الصومال الكبير، اتفق زعماء الصومال الجنوبي والشمالي على الوحدة لتكوين دولة واحدة تُسمى جمهورية الصومال، وعاصمتها مقديشو، على أن تنضم إليها لاحقًا جيبوتي بعد استقلالها من الاستعمار الفرنسي. وتأكيدًا لمحورية فكرة الصومال الكبير، وُضعت خمس نجمات في علم الدولة الرسمي في إشارة لأقاليم الصومال الخمسة التي مزقها الاستعمار. بيدَ أن حلم الوحدة وإقامة الصومال الكبير سرعان ما تراجع، بعد استقلال جيبوتي ورفضها الوحدة مع الصومال، وفشلت الحكومة الصومالية في ضم المناطق الصومالية في إثيوبيا، وشمال كينيا. وأدت سياسات الرئيس سياد بري الداخلية الدموية إلى اضطراب الوضع الداخلي، الذي أدخل البلاد في حالة فوضى شاملة انتهت بحرب أهلية أطاحت بحكومة سياد بري، وامتدت أكثر من عشرين عامًا انهار فيها كيان الدولة تمامًا. وبرغم اتساع نار الحرب الصومالية، فإن قادة صوماليلاند تمكنوا بسرعة من بسط الأمن والاستقرار في الإقليم الشمالي، وتكونت حكومة محلية ترأسها محمد إبراهيم عقال، أدارت البلد وحققت قدرًا معقولًا من التنمية. وبسبب الحرب الأهلية الطويلة، وانهيار فكرة الصومال الكبير، قرّر قادة صوماليلاند العودة إلى مرحلة ما قبل الوحدة، وإعلان الاستقلال عن جمهورية الصومال، وإعلان جمهورية صوماليلاند ـ أرض الصومال ـ دولة مستقلة في العام 1991. استطاعت هذه الدولة الوليدة أن تحافظ على الأمن والاستقرار لمواطنيها في منطقة مضطربة، لكنها لم تحظَ بالاعتراف الدولي حتى الآن. ميزة الجغرافيا والديمغرافيا لعبت عوامل الجغرافيا والديمغرافيا دورًا كبيرًا في دفع فكرة استقلال إقليم أرض الصومال إلى الأمام، وبسبب هذه العوامل يبدو أن الاعتراف بهذه الجمهورية من قبل المجتمع الدولي، أصبح قاب قوسين أو أدنى. استطاع الإقليم أن يمنع انتقال فوضى الحرب الأهلية الصومالية إلى أراضيها، وذلك بسبب الديمغرافيا، لأن غالبية السكان تنتمي إلى قبيلة إسحاق، وأدى تماسك هذا العرق إلى تماسك الدولة. على عكس جمهورية الصومال التي استعرت فيها الحرب وما تزال بسبب التناحر بين الأعراق والقبائل، ويشهد على ذلك أن معظم الحلول التي اقترحت لتسوية الصراع في البلاد، كانت تقوم على إشراك الأعراق الكبرى مثل الهوية، الدارود، الرحوانيين، الدر، وغيرهم. وهكذا أسهمت الديمغرافيا في إنجاح جهود الدولة في بسط الأمن والسلام في ترابها الوطني، وتحقيق تنمية معقولة، كما نجحت الدولة أيضًا في اعتماد نظام ديمقراطي يضمن الانتقال السلس للسلطة. من جانب آخر، فقد كانت الجغرافيا عاملًا حاسمًا في اهتمام القوى الإقليمية والدولية بهذا الإقليم غير المعترف به. حيث تحظى أرض الصومال بموقع إستراتيجي مهم على خليج عدن وباب المندب، مدخل البحر الأحمر، وهو ممر دولي مهم تمر عبره 12% من تجارة العالم، وأكثر من 40% من التبادل التجاري بين أوروبا وآسيا. أصبحت هذه المنطقة منطقة صراع دولي كبير، يؤكده العدد الكبير من الأساطيل البحرية العسكرية الغربية والشرقية التي تتقاطع في هذه المنطقة، لمحاربة القرصنة البحرية المتعاظمة، وغيرها من التحديات الأمنية، والتي أثرت بشكل مباشر على سلامة التجارة العالمية العابرة عبر البحر الأحمر، وقناة السويس في الطريق إلى أوروبا والولايات المتحدة. ونلمس ذلك عمليًا فيما يقوم به الحوثيون من تهديد مباشر لأساطيل الدول الكبرى رغم اختلاف ميزان القوى. بالرغم من عدم الاعتراف الدولي بالإقليم، إلا أن كثيرًا من الدول كانت تتعامل معها بحكم الأمر الواقع، في قضايا التجارة والاستثمار لا سيما في الصيد البحري. وقد كانت إثيوبيا سباقة لتقنين التعامل مع أرض الصومال، حيث أنشأت مكتبًا تجاريًا، كان بمثابة السفارة في العاصمة هرجيسا. وكانت موانئ أرض الصومال أيضًا معبرًا لبعض السفن والأساطيل التجارية التي تنقل البضائع والمنتجات من وإلى أرض الصومال دون اعتراض أية جهة. تجدد الصراع على إقليم أرض الصومال بشكل كبير في شهر يناير/ كانون الثاني من العام الماضي عندما أعلنت إثيوبيا عن اتفاقية وقعتها مع حكومة أرض الصومال قامت بموجبها باستئجار قطعة أرض في ميناء بربرة لتكونَ ميناء مستقلًا تستخدمه إثيوبيا وتشرف عليه القوات البحرية الإثيوبية لمدة نصف قرن، وذلك ضمن خطة إثيوبيا المعلنة للحصول على ميناء يتبع لها مباشرة على شاطئ البحر الأحمر. أثار هذا القرار ردود فعل حادة من دول الإقليم، بالذات في الصومال ومصر، واستدعى حركة دبلوماسية واسعة أدت لقيام تحالفات جديدة عززت من الصراع الإقليمي والدولي حول البحر الأحمر وخليج عدن. ولكن أهم تداعيات القرار الإثيوبي هو بروز تيار في العديد من الدول ينادي بالاعتراف بجمهورية أرض الصومال دولة مستقلة، بالرغم من التحفظات القانونية لهكذا قرار، ويبدو أن الولايات المتحدة الأميركية تدعم هذا التيار بقوة. لماذا الاعتراف الأحادي الأميركي؟ دفع الصراع الدولي المتصاعد على البحر الأحمر وخليج عدن مراكز التفكير الأميركية لدراسة السبل المختلفة لتعظيم الوجود والنفوذ الأميركي في هذا الممر المائي الهام، وظهرت آراء عديدة تنبه وتحذر بأنه في حال قيام أي قوة دولية معادية لأميركا بالتمركز على شاطئ الإقليم الإستراتيجي فمن شأن ذلك أن يهدد المصالح الأميركية في باب المندب والخليج العربي. تُعتبر الدراسة التي أعدتها مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية السابقة جنداي فريزر وآخرون، والتي نشرها مركز هوفر التابع لجامعة ستانفورد، واحدة من أهم ما كُتب بشأن العلاقة بين الولايات المتحدة وصوماليلاند. خلاصة هذه الدراسة الهامة، والتي تُعتبر كاتبتها من قادة التيار الأفريقاني للحزب الجمهوري، دعت الولايات المتحدة للاعتراف أحاديًا باستقلال الإقليم كدولة مستقلة عن الصومال. وقدمت الدراسة حيثيات موضوعية من وحي مواقف دبلوماسية سابقة طبقتها أميركا، أهمها قرار الولايات المتحدة في العام 2008 الاعتراف أحاديًا باستقلال كوسوفو، رغم أنه لا يوجد إجماع دولي على ذلك، وأشارت الدراسة إلى أن جميع الحيثيات التي أوردتها وزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس للاعتراف الأحادي باستقلال كوسوفو تنطبق تمامًا على إقليم أرض الصومال. وهي: مصلحة الولايات المتحدة، ووجود حكومة تسيطر على حدود الدولة، وضعف احتمال العودة إلى الوضع القديم، وإمكانية قيام نظام ديمقراطي في الدولة الجديدة. أكدت الدراسة وجود حكومة مستقرة تسيطر جيدًا على الأمن والحدود، وتطبق الحكومة نظامًا ديمقراطيًا متميزًا مقارنة بدول الإقليم حولها، وأنه بعد أكثر من ثلاثين عامًا من انفصال الإقليم، فإنه لا يوجد احتمال للعودة للوضع القديم لتكون جزءًا من الصومال. ركزت الدراسة بشكل أساسي على المصالح الكبيرة التي ستجنيها أميركا من اعترافها الأحادي بأرض الصومال، بالذات فيما يتعلق بتعزيز نفوذ أميركا وحلفائها في خليج عدن وباب المندب، والحفاظ على أمن البحر الأحمر ومحاربة القرصنة وضمان سلامة التجارة الدولية، التصدي لخطر الحوثي المتزايد، وغيرها من التهديدات الجيوستراتيجية في منطقة ذات أهمية اقتصادية وأمنية وسياسية بالغة لأميركا. قللت الدراسة من ردود الفعل الإقليمية والدولية، بالذات رد فعل الصومال والاتحاد الأفريقي، واقترحت أن يتم إسكات الصومال بمنحها حوافز مادية كبيرة، وأن يُطلب من الاتحاد الأفريقي قبول الدولة الجديدة على غرار قراره السابق بقبول عضوية الجمهورية الصحراوية. تحديات إستراتيجية الدراسة التي كتبتها جنداي فريزر، تمثل رؤية تيار واسع من أقطاب التيار الأفريقاني في إدارة الرئيس دونالد ترامب، على رأسهم بيتر فام وبروس قيلي، وعضو الكونغرس الجمهوري سكوت بيري، الذي قدم مشروع قانون يطلب من حكومة الولايات المتحدة الاعتراف الأحادي باستقلال الإقليم. ولذلك يبدو أن مسألة الاعتراف الأحادي ستكون مسألة وقت فقط، ريثما تحصل الإدارة الأميركية الجديدة على كل ما تريده من حكومة الإقليم. ومما يدعو أميركا للتعجيل بالاعتراف الأحادي باستقلال إقليم أرض الصومال، هو قرار الحكومة البريطانية بتسليم أرخبيل جزر شاغوس إلى موريشيوس، ومن شأن هذا القرار أن يحد من فاعلية استخدام أميركا قاعدة دييغو غارسيا في عرض المحيط الهندي. كما أن الوجود الأميركي الدائم في هذا الممر المائي الهام يضمن لأميركا تأمين طريق تجاري آخر في مواجهة مبادرة الحزام والطريق التي تقودها الصين. وفي كلتا الحالتين، فإن الإقليم سيكون ذو أهمية إستراتيجية عسكرية وتجارية لأميركا وحلفائها تبرر قرار الاعتراف الأحادي. بالمقابل، فإن قرار الاعتراف الأحادي في حالة تنفيذه سيؤدي إلى تأجيج الصراع الدولي على البحر الأحمر، وستصبح هذه المنطقة مجال شد وجذب شديدين بين القوى المختلفة الطامعة في خيرات المنطقة، كما من شأنه أن يصعد حركة المقاومة الوطنية في الصومال لهذا التدخل الخارجي غير المحمود. وإذا أخذنا في الحسبان توجه الإدارة الأميركية الجديدة التي ترغب في ضم كندا وغرينلاند وقناة بنما وتهجير سكان غزة، فإن هذا يعني نهاية العالم القديم القائم على السيادة وقدسية الحدود، وبروز عالم جديد أقرب لقانون الغاب، يقوم على القوة والقهر. وحينها لن يبقى مكان للضعفاء، ولن يكون العالم مكانًا آمنًا على الإطلاق.

قتلى في تفجير بمقديشو وحركة الشباب تعلن مسؤوليتها
قتلى في تفجير بمقديشو وحركة الشباب تعلن مسؤوليتها

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

قتلى في تفجير بمقديشو وحركة الشباب تعلن مسؤوليتها

قتل ما لا يقل عن 10 أشخاص بينهم مجندون وأصيب عشرات آخرون في تفجير بالعاصمة الصومالية مقديشو تبنته حركة الشباب المجاهدين. ووقع التفجير عند بوابة معسكر "دَمَانْيُو" في حي "هُدُنْ" الذي كان يتجمع فيه شبان يرغبون في الالتحاق بالجيش الصومالي. ونقلت وكالة رويترز عن شهود أن الشبان كانوا يصطفون عند بوابة القاعدة العسكرية عندما فجر المهاجم المتفجرات التي كانت بحوزته. وأعلنت حركة الشباب مسؤوليتها عن الهجوم وقالت إنه أسفر عن مقتل 30 جنديا وجرح 50 آخرين. وقد فرضت القوات الحكومية طوقا أمنيا حول المنطقة بأكملها بسرعة، بينما نقل مسعفون الضحايا إلى مستشفيات قريبة. تفاصيل الهجوم وروى ضابط في الجيش الصومالي ما شاهده لحظة الهجوم بقوله "كنت على الجانب الآخر من الطريق. توقفت دراجة توك توك مسرعة وترجل منها رجل وركض لداخل الطابور ثم فجر نفسه. رأيت 10 أشخاص ميتين، من بينهم مجندون ومارة. قد يرتفع عدد القتلى". وأكد شاهد آخر أنه رأى مئات الشبان عند بوابة الثكنة أثناء مروره بحافلة، مشيرا إلى حدوث انفجار قوي ثم غطى دخان كثيف المكان. وقال الطاقم الطبي في المستشفى العسكري بمقديشو إنهم استقبلوا 30 مصابا جراء الانفجار، توفي 6 منهم على الفور. وما تزال حركة الشباب تنفذ تفجيرات وهجمات مسلحة أخرى في مقديشو ومناطق أخرى في الصومال على الرغم من العمليات العسكرية التي تستهدفها. وتعرضت الحركة في الأشهر الماضية لضربات جوية أميركية في مناطق ينتشر فيها مقاتلوها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store