
بريطانيا توسع نفوذها في أفريقيا تحت غطاء الأمن
"الجيش البريطاني يفتح الأبواب أمامي حقاً"، بهذه العبارة اختصرت المفوضة البريطانية العليا في ملاوي ، هولي تيت، الحيوية التي تتصف بها "الدبلوماسية الأمنية" في الحفاظ على أهمية الدور الذي تلعبه لندن في القارة الأفريقية.
وقد شهدت السنوات الماضية بروزا لاستخدام لندن مظلة التعاون العسكري الأمني لتعزيز نفوذها الجيوسياسي والانخراط في ما يصفه العديد من المراقبين ب ـ"التكالب الثاني على أفريقيا"، ببناء شراكات مع دول القارة السمراء، مستفيدة من شبكة من الأدوات تمتد من التدريب العسكري إلى المشاركة في مهام حفظ الأمن الأممية في القارة.
بريطانيا العالمية
مثّل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) منعطفاً حاسماً دفع لندن إلى إعادة رسم شبكة تحالفاتها الدولية، وإعادة تعريف دورها العالمي بتعزيز إستراتيجية "بريطانيا العالمية".
ففي مارس/آذار 2021، نشرت حكومة رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون أوسع مراجعة شاملة لقضايا السياسة الخارجية والأمن، التي وفرت بدورها إطاراً شاملاً لمشاركة المملكة المتحدة في الخارج حتى عام 2030.
التزمت هذه الرؤية المشاركة متعددة الأوجه في أفريقيا بما يخدم الدور العالمي للمملكة المتحدة، بالاستثمار الاقتصادي والتنموي، مشيرة خاصة إلى ضرورة القيام بدور فاعل في قضايا عسكرية وأمنية كدعم حل النزاعات وحفظ السلام ومواجهة المخاوف الأمنية ومكافحة الإرهاب وتوثيق التعاون الدفاعي مع دول في القارة.
كما حفز تزايد نفوذ قوى دولية وإقليمية في أفريقيا بريطانيا على السعي نحو دور نشط يضمن مصالحها الاقتصادية واستثمارات شركاتها في "قارة المستقبل"، وتشير دراسة صادرة عن المعهد الملكي للخدمات المتحدة إلى ما وصفتها بـ"بيئة دولية متزايدة التنافسية" تفرض تحدياتها على صانع إستراتيجية لندن في شرق أفريقيا.
وبنشاطها العسكري، تسعى بريطانيا إلى تأمين حرية الملاحة وضمان استمرار تدفق السلع والطاقة إلى أوروبا عبر ممرات بحرية إستراتيجية هامة كمضيق باب المندب وخليج غينيا، حيث تلعب البحرية البريطانية دورا بارزا في هذا المجال.
ويؤكد كتاب أصدرته وزارة الدفاع البريطانية بعنوان "الدفاع في عصر تنافسي" على أهمية المساهمة الفعالة في مكافحة التنظيمات الإرهابية في القرن الأفريقي ومنطقة الساحل بالتعاون مع الحلفاء الأفارقة والدوليين.
إلى جانب ما سبق، تعزو لندن مشاركتها في أفريقيا إلى تعزيز الاستقرار الأمني ومكافحة الجريمة المنظمة وعصابات التهريب بما يسهم في الحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا، وهو ملف ضاغط سياسياً في بريطانيا دفع الحكومة السابقة إلى توقيع اتفاقية مع رواندا تستقبل الأخيرة بموجبها هذه الشريحة حتى يبت في ملفاتهم، قبل أن تلغى الاتفاقية في وقت لاحق.
وفق مقاربة تقوم على حل هذه المعضلة بتجفيف المنابع، وقد أعلن وزير وزارة الخارجية البريطانية ديفيد لامي عام 2024 إطلاق حزمة تمويل بلغت 84 مليون جنيه إسترليني سينفق جزء منها على تعزيز القدرة على مجابهة مخاطر النزاع وتغير المناخ في مناطق منها أفريقيا "بغية خفض أعداد المهاجرين".
تقدم المملكة المتحدة تدريبات متخصصة للجيوش الأفريقية لتعزيز قدراتها في مواجهة التحديات الأمنية والمساهمة في مهام حفظ السلام، وتشير معلومات منشورة على موقع الحكومة البريطانية عام 2017 إلى استثمار ثلثي إجمالي جهود فريق التدريب البريطاني قصير الأمد على مستوى العالم في أفريقيا، وهو ما يعادل نحو 18 ألف يوم تدريب سنوياً.
وعادة ما تكون هذه التدريبات مكثفة وقصيرة الأمد، تتراوح بين أيام وأسابيع، ويتم تنفيذ بعضها في المعسكرات البريطانية داخل أفريقيا، أو داخل الدول المستفيدة منها، كما قد يستضاف الجنود في المملكة المتحدة في برامج تدريبية متقدمة، وتشمل قائمة الدول المستفيدة من هذه التدريبات تونس ومالي وجنوب أفريقيا وسيراليون ومالاوي وغامبيا وتنزانيا وأوغندا إلى جانب دول أخرى.
وتعتبر نيجيريا وكينيا من أهم الدول المستفيدة من هذه البرامج، حيث تدرب آلاف الجنود على مجالات كمكافحة الجماعات المسلحة والتمرد والعمليات البرية والتكامل الجوي البري وتقنيات الإسعاف وتحسين الجاهزية العملياتية.
أما في الصومال فتركز الجهود البريطانية على دعم بناء قوات النخبة في الجيش الصومالي وتأهيلها للقيام بالعمليات الخاصة ومكافحة الإرهاب وحماية المنشآت الحيوية وتحرير الرهائن.
الأمن البحري
يمثل أمن الممرات المائية أحد المحاور الرئيسية للنشاط العسكري الأمني البريطاني في القارة الأفريقية، ويُعتبر كل من خليج غينيا وباب المندب ركيزتين أساسيتين لأمن الطاقة والتجارة البريطانية، إضافة إلى كونهما مسرحين أساسيين لتعزيز الحضور العسكري والدبلوماسي لبريطانيا في مواجهة تحديات القرصنة والمنافسة الدولية.
ويحتوي خليج غينيا على احتياطيات ضخمة من النفط والغاز، وتعمل فيه شركات بريطانية كبرى مثل بي بي وشيل، ما يجعله مصدراً مهماً للطاقة للأسواق البريطانية والأوروبية.
كما ذكرت مادة منشورة على موقع الحكومة الإنجليزية عام 2021 أن هذه المنطقة يمر عبرها سنوياً تجارة بريطانية تزيد قيمتها على 6 مليارات من الجنيهات الإسترلينية سنوياً.
وتشير ورقة صادرة عن "مجلس الجيوستراتيجية"، وهو مركز أبحاث بريطاني مهتم بالشؤون الجيوستراتيجية، للبحر الأحمر باعتباره يحمل خط الاتصال البحري الرئيسي لبريطانيا إلى احتياطيات الطاقة في الخليج العربي ومصانع شرق وجنوب شرقي آسيا.
وتزيد أهميته مع توجه لندن إلى جعل منطقة المحيطين الهندي والهادئ "ركيزة دائمة" للسياسة الخارجية البريطانية وجمع منطقتي المحيطين الهندي والهادئ والأوروبي الأطلسي معاً.
ومع التزايد الكبير لتهديدات القرصنة والهجمات على السفن التجارية في المنطقتين، انخرطت المملكة المتحدة في الجهود الدولية والإقليمية لتعزيز الأمن البحري في خليج غينيا، حيث أرسلت سفناً حربية مثل "إتش أم إس ترينت" لتنفيذ دوريات أمنية وتدريب القوات البحرية المحلية.
وشاركت في مناورات متعددة الجنسية، كما دعمت إنشاء مراكز معلومات بحرية مثل (MTISC) في غانا، وتشارك في مبادرات دولية مثل مجموعة أصدقاء خليج غينيا التي أسستها لندن عام 2013.
وفي نفس السياق، عززت بريطانيا وجودها البحري والاستخباري في باب المندب وخليج عدن، وشاركت في تحالفات بحرية دولية لتأمين الملاحة فيهما والمساهمة في إنشاء ممرات عبور آمنة ودعم عمليات المراقبة البحرية والتدريبات المشتركة مع حلفائها الدوليين والإقليميين.
اتفاقيات عسكرية وأمنية
وقعت بريطانيا العديد من الاتفاقيات العسكرية والأمنية مع دول أفريقية، بما يوفر للندن مدخلاً لتحقيق مجموعة من الأهداف، يأتي على رأسها تعزيز علاقاتها مع حكومات هذه الدول، وقد وصفت مندوبة بريطانيا في ماولاي، هولي تيت، التعاون العسكري بأنه "طريقة رائعة لفتح محادثات مع الرئيس ومع كبار الوزراء ومع آخرين للحديث عن شراكتنا الأمنية".
إلى جانب ما سبق، تعمل بريطانيا من خلال هذا المعاهدات على مواجهة تعاظم نفوذ القوى الدولية والإقليمية المنافسة كالصين وروسيا وتركيا، والترويج "للعلامة التجارية" للجيش البريطاني سواء في ما يتعلق بالتدريب أو التصنيع في مواجهة منافسين كمجموعة فاغنر الروسية على سبيل المثال، كما أن هذه الشراكات تمثل جسراً لتعزيز الصادرات العسكرية البريطانية إلى أفريقيا.
وفي هذا السياق، تأتي اتفاقية التعاون الدفاعي مع كينيا، التي وقعت في عام 2021، ضمن جهود تعزيز الأمن والدفاع المشترك وتبادل الخبرات والتدريبات المشتركة بين البلدين.
إضافة إلى ذلك، أبرمت لندن مذكرة تفاهم أمنية مع نيجيريا في عام 2018، تهدف أساسا إلى مكافحة تنظيم بوكو حرام و"تنظيم الدولة-ولاية غرب أفريقيا".
قوات حفظ السلام القوة الناعمة
تشارك بريطانيا بفعالية في قوات حفظ السلام في بؤر توتر مختلفة بالقارة، ومن خلال مساهماتها العسكرية والمالية، إضافة إلى برامج التدريب وبناء القدرات، تسعى لندن إلى دعم الاستقرار في أفريقيا بما يصب في حماية أمنها القومي، حيث إن النزاعات في القارة يمكن أن تؤدي إلى تهديدات عابرة للحدود مثل الإرهاب والهجرة غير الشرعية.
وبالنظر إلى الأهمية التي أولتها إستراتيجية "بريطانيا العالمية" للتجارة والاستثمار في أفريقيا تستهدف لندن من خلال مشاركتها في عمليات حفظ السلام خلق بيئة مواتية للاستثمار وتعزيز العلاقات التجارية مع الدول الأفريقية.
ويشير مقال للدكتور فولا آينا المتخصص في الأمن إلى أن انخراط بريطانيا في عمليات السلام في غرب أفريقيا سيحمي مصالح المملكة المتحدة في المنطقة عبر ضمان سوق سلمية وناجحة ومستقرة تستفيد منها، لا سيما في ظل تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على الاقتصاد البريطاني.
من جهة أخرى تعد المشاركة في قوات حفظ السلام مدخلاً للندن تمارس عبره نوعاً من "القوة الناعمة" تعزز مكانتها في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، وتظهر التزامها بالسلام والأمن الدوليين، وتحسن علاقتها بالمجتمعات المحلية في القارة.
وفي هذا السياق ساهمت بريطانيا في العديد من البعثات الأممية والأفريقية في دول كمالي وجنوب السودان والصومال، بما يتضمن توفير قدرات استطلاع طويلة الأمد، وجمع المعلومات الاستخبارية، ودعم المجتمعات المحلية في مواجهة التهديدات الأمنية، وتحسين البنية التحتية، وتقديم الدعم الطبي.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2023 أعلنت المملكة المتحدة عن نموذج تدريب محسّن لقوات حفظ السلام، يشمل مرافقة الجنود البريطانيين للقوات الأممية خلال أداء مهامها وتقديم تدريب متقدم في مجالات مختلفة، إضافة إلى ذلك، توفر لندن الدعم المالي والمدربين لتعزيز مركز كوفي عنان الدولي لتدريب حفظ السلام في غانا.
تحديات
تواجه الإستراتيجية البريطانية لتعزيز نفوذها في القارة الأفريقية باستخدام الأدوات العسكرية والأمنية العديد من التحديات، وقد أبرز الانسحاب المفاجئ للقوات البريطانية التي كانت جزءاً من مهمة الأمم المتحدة في مالي عام 2022، نتيجة الاضطرابات السياسية وتعاون باماكو مع مجموعة فاغنر الروسية، صعوبة العمل في بيئات سياسية غير مستقرة ملقياً بظلاله على إمكانيات التخطيط الإستراتيجي بالنظر إلى موجة الانقلابات التي ضربت القارة أخيراً على سبيل المثال.
كما تواجه لندن العديد من الانتقادات من المنظمات الحقوقية على خلفية دعمها أنظمة قمعية وتغاضيها عن سجلها المشين مقابل الحصول على أثمان سياسية.
وفي هذا السياق، يؤكد تقرير نشرته "ديكلاسيفايد يو كي"، وهي منظمة تعمل على التحقيق في أنشطة الوكالات العسكرية والأمنية البريطانية، أن الوثائق توضح الدعم الكبير المقدم من هذه الوكالات لنظام رئيس الكاميرون بول بيا رغم معرفة مسؤوليها بانتهاكاته حقوق الإنسان، في سبيل ضمان تصويت ياوندي إلى جانب لندن في "منظمة حظر الأسلحة الكيمائية".
إلى جانب ما سبق، لا تبدو علاقة "جنود جلالة الملك" مع المجتمعات المحلية في أفضل أحوالها في كينيا التي تستضيف القاعدة العسكرية البريطانية الوحيدة في القارة.
ويسرد تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية تحقيقات علنية وشهادات مؤلمة عن انتهاكات مزعومة ارتكبها جنود بريطانيون في قاعدة نانيوكي، مضيفاً أن أكثر من 7 آلاف كيني رفعوا دعاوى على الجيش البريطاني بعد حريق في محمية طبيعية سببه تدريبات عسكرية، أدى إلى أضرار بيئية وصحية جسيمة.
ويوجّه العديد من الناقدين البريطانيين والأفارقة سهامهم نحو المقاربة الأمنية للندن في التعاطي مع القارة، متجاهلة المشكلات الجوهرية التي تعاني منها كالفقر وفساد النظم السياسية وفشل الدول في العديد من المجالات.
واعتبروا أن حلحلة هذه الملفات الشائكة هي المدخل الحقيقي لتمكين الأفارقة من بناء واقع أفضل يحول دون ازدهار العديد من الأنشطة الإجرامية التي تهدد بالتأثير على بريطانيا كتهريب البشر وغيرها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 13 ساعات
- الجزيرة
اقتراح أوروبي بتخفيف قيود إعادة طالبي اللجوء
اقترحت المفوضية الأوروبية ، اليوم الثلاثاء، تخفيف قيودها بشأن إعادة طالبي اللجوء، استجابة لدعوات متكررة من الدول الأعضاء لتشديد سياستها المتعلقة بالهجرة. وينص القانون الأوروبي حاليا على أنه يمكن إعادة طالبي اللجوء إلى بلدان لم يأتوا منها، لكنها مصنفة "آمنة" بالنسبة للبلدان الأوروبية المعنية، في حين يتطلب الاقتراح الجديد حتى يدخل حيز التنفيذ، حصوله على موافقة البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء. ومع ذلك، يجب أن يكون هناك "رابط" كافٍ بين الشخص المعني والبلد الثالث، إذ يجب أن يكون أحد أفراد الأسرة مقيما هناك، أو أن يكون طالب اللجوء -مثلا- قد عمل سابقا في هذا البلد، في حين يقترح الاتحاد الأوروبي حاليا إلغاء شرط "الرابط" هذا، ما من شأنه تسريع عملية الإرجاع. وتثير هذه القضية قلق منظمات غير حكومية ترى أن الإجراء المقترح غير ذي جدوى، إذ تحذر من أنه في حال إرسال طالبي اللجوء إلى بلد ليس لديهم ارتباط به، فإنهم قد يحاولون العودة إلى أوروبا مجددا. وحذرت سارة تشاندر من "مبادرة إكينوكس للعدالة العرقية"، في بيان، من أن " الاتحاد الأوروبي يشوه مفهوم "الأمان" ليناسب أهدافه القمعية"، فيما وصفت جوزفين سولانكي من معهد "ترانسناشونال" هذا المفهوم بأنه "خيال سياسي". وترى هذه المنظمات أن الحكومات الأوروبية ستتعرض هي الأخرى للابتزاز من جانب هذه الدول، التي قد تضع جملة مطالب سياسية ومالية في مقابل استقبال طالبي اللجوء هؤلاء. وترفض المفوضية هذه الانتقادات، مؤكدة أن الهدف الرئيسي من هذا الاقتراح هو تسريع معالجة طلبات اللجوء، وأن البلدان التي ستتم إعادتهم إليها تحترم الحقوق الأساسية. وتتعرض بروكسل لضغوط من الدول الأعضاء لتشديد سياستها المتعلقة بالهجرة، في ظل صعود اليمين بأنحاء القارة. وتتخذ المفوضية الأوروبية خُطا سريعة في هذا الشأن، إذ كشفت في منتصف مارس/آذار الماضي عن تدابير أولية لتسريع عملية طرد المهاجرين غير النظاميين. وكانت المفوضية الأوروبية قد اقترحت إطارا قانونيا لإنشاء مراكز للمهاجرين خارج حدودها، أُطلق عليها اسم "مراكز العودة". وتأتي الدعوات إلى فرض سياسة أكثر صرامة بشأن الهجرة في الاتحاد الأوروبي، في وقت انخفض عدد المهاجرين غير النظاميين عبر حدود الاتحاد بشكل كبير. وفي العام 2024، وصل عدد هؤلاء إلى أدنى مستوى له منذ عام 2021، عندما كانت تدفقات الهجرة لا تزال ضعيفة بسبب جائحة كورونا، وفق بيانات الوكالة الأوروبية "فرونتكس"، ووكالة الصحافة الفرنسية.


الجزيرة
منذ 16 ساعات
- الجزيرة
الأونروا تنتقد ضآلة المساعدات لغزة وتحذير أممي من مجاعة
انتقدت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بشدة ضآلة المساعدات التي دخلت قطاع غزة وتؤكد أن سكان بحاجة إلى دعم هائل ومتواصل لضمان عدم دخولهم في مجاعة ، بينما جدد الاتحاد الأوروبي ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية والطبية للقطاع بشكل عاجل. ودخلت إلى قطاع غزة أمس الثلاثاء 5 شاحنات فقط من 11 شاحنة عبر معبر كرم أبو سالم ، رغم إعلان إسرائيل موافقتها على دخول 100 شاحنة. ووصف مسؤول في الاتحاد الأوروبي ذلك بأنه "قطرة في محيط". وقال المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني إن "إسرائيل تستغل الجوع والغذاء لأغراض سياسية وعسكرية، وغزة بحاجة لدعم هائل ودون عوائق أو انقطاع لضمان مواجهة الجوع المتفاقم الذي يعاني منه سكان القطاع ". وحذرت أونروا من أسوأ أزمة إنسانية قد يواجهها قطاع غزة منذ بداية العدوان الإسرائيلي في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأضافت في منشور عبر صفحتها بموقع فيسبوك "أسفر القصف الإسرائيلي المكثف من الجو والبر والبحر عن سقوط مئات الضحايا وتشريد جماعي". وأكدت أونروا أنها تحتاج لدعم هائل بلا عوائق ولا انقطاع لضمان وقف انتشار الجوع في غزة، ودعت إلى عدم تسييس المساعدات الإنسانية لأن الأوضاع في قطاع غزة تتدهور بشكل يومي وسوء التغذية ينتشر في القطاع. ودعت الوكالة إلى الضغط على إسرائيل من أجل إدخال المساعدات إلى غزة. احتجاز المساعدات بدوره، أفاد مسؤول في حكومة غزة، بأن 5 شاحنات مساعدات فقط دخلت إلى غزة، الاثنين. وأضاف المسؤول الحكومي لمراسل الأناضول، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، أنه لم يتم توزيع أي كميات من المساعدات التي دخلت وما زالت في مناطق وجود القوات الإسرائيلية. وبين أنه حسب المعلومات المتوفرة من المنظمات الإغاثية الدولية، فإن هذه الشاحنات تتضمن مقدارا قليلا جدا من دقيق القمح ومكملات غذائية، وبدائل حليب للأطفال إضافة إلى كميات من الأكفان. ولفت إلى أن هذه الكميات "لا تلبي احتياجات حتى 1% من الفلسطينيين بالقطاع ليوم واحد ولو كانت محملة بشكل كامل بالأغذية". واعتبر المسؤول في حكومة غزة أن إسرائيل تستخدم المساعدات "ورقة ضغط" وتواصل تجويع الفلسطينيين في القطاع. وتؤكد الأمم المتحدة أن غزة بحاجة إلى 500 شاحنة على الأقل من المساعدات والسلع التجارية يوميا. وذكر برنامج الأغذية العالمي أن أكثر من 116 ألف طن من الغذاء، وهي كمية تكفي لإطعام مليون شخص لمدة تصل إلى أربعة أشهر، جاهزة للتوصيل. غضب أوروبي وفي سياق متصل، دعا رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الثلاثاء إسرائيل لزيادة حجم المساعدات الإنسانية التي ستسمح بدخولها إلى غزة، واصفا كميات الطعام التي سمح بدخولها إلى القطاع مؤخرا بأنها " غير ملائمة على الإطلاق". وقال ستارمر لنواب مجلس العموم البريطاني خلال جلسة برلمانية "لا يمكننا السماح بأن يواجه شعب غزة المجاعة". كما جددت الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، التأكيد على ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. وأشارت كالاس -في تصريحات صحفية في بروكسل، قبيل اجتماع لوزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي- إلى وجود آلاف الشاحنات التي تنتظر على معابر غزة للدخول إلى القطاع، الذي يتعرض لحصار إسرائيلي خانق. إعلان والاثنين، هدد قادة بريطانيا وفرنسا وكندا يوم الاثنين باتخاذ إجراءات ضد إسرائيل إذا لم توقف حملتها العسكرية على غزة وترفع القيود المفروضة على المساعدات. وذكر بيان مشترك للدول الثلاث نشرته الحكومة البريطانية أن "منع الحكومة الإسرائيلية إدخال المساعدات الإنسانية الأساسية إلى السكان المدنيين أمر غير مقبول وينتهك القانون الإنساني الدولي". خطر الإغلاق في الأثناء، قالت منظمة الصحة العالمية إنّ مستشفيات شمال غزة معرضة لخطر الإغلاق التام. وأضافت المنظمة في حسابها على منصة إكس أنّ الأعمال العدائية المكثفة والوجود العسكري مستمران بالقرب من المستشفى الإندونيسي منذ الثامن عشر من الشهر الجاري. ولفتت إلى أن معظم المرضى خرجوا بأنفسهم بعد اشتداد القتال في الخامس عشر من الشهر الجاري، مشيرة إلى ورود تقارير عن بقاء 15 شخصًا فقط بينهم مرضى وموظفون في المستشفى وهم في حاجة ماسة إلى الطعام والماء. ونبهت منظمة الصحة العالمية إلى تدهور الوضع بسرعة في مستشفى العودة شمال القطاع والمكتظ بالإصابات والذي يعاني من نقص حاد في الإمدادات. ودعت المنظمة إلى الحماية الفعالة للرعاية الصحية، مشددة على أنه لا ينبغي أبدًا عسكرة المستشفيات أو استهدافها. ومنذ 2 مارس/آذار الماضي، تواصل إسرائيل سياسة تجويع ممنهج لنحو 2.4 مليون فلسطيني بغزة، عبر إغلاق المعابر بوجه المساعدات المتكدسة على الحدود، ما أدخل القطاع مرحلة المجاعة وأودى بحياة كثيرين. وبدعم أميركي مطلق ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 جرائم إبادة جماعية في غزة خلّفت أكثر من 174 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، بجانب مئات آلاف النازحين.


الجزيرة
منذ 18 ساعات
- الجزيرة
تفاصيل الاتفاق الدفاعي بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي
لندن – رغم أن ذاكرة العلاقات السياسية بين بريطانيا وجيرانها الأوروبيين لا تحفظ إلا تاريخا صعبا من المفاوضات الشاقة، فإن الجانبين استطاعا تجاوز تلك العقدة وإبرام اتفاق جديد يحاول طي صفحة خروج لندن من الاتحاد الأوروبي ويستدرك الأزمات التي تسبب فيها ذلك القرار. لكن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بدا حريصا خلال حديثه أمس الاثنين عن الاتفاق إلى جانب زعماء الاتحاد على وصفه بالصفقة التي عُقدت بين بلاده بوصفها دولة مستقلة والاتحاد بوصفه كتلة، والتي لا تخضع لقوانين الاتحاد وتفاوضه تحقيقا لمكاسب متبادلة. وعُقدت القمة البريطانية الأرووبية لأول مرة بعد توقيع اتفاق بريكست عام 2020 القاضي بفك الارتباط بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وبعد أسابيع من مفاوضات صعبة امتدت للساعات الأخيرة قبل إعلان الاتفاق. مكاسب وتنازلات ويصر ستارمر على إن إعادة تأهيل العلاقة مع الاتحاد لم تكن سوى وفاء بوعد انتخابي قطعه للناخبين بفتح أبواب الأسواق الأوروبية مجددا أمام السلع الغذائية البريطانية، وهو امتياز يلمّح رئيس الوزراء البريطاني إلى أن اتفاق البريكست فشل في الحفاظ عليه قبل 5 سنوات. لكن الاتحاد الأوروبي ألزم -في المقابل- السلع الغذائية البريطانية بالانضباط للمعايير الأوروبية الصارمة، وقبول تحكيم المحكمة الأوروبية في حال نشوب أي خلاف، مما يراه منتقدو الصفقة عودة غير معلنة للاتحاد وخضوعا لقوانين لا يشارك البريطانيون في صياغتها. ولم يتأخر رئيس الوزراء السابق وزعيم حزب المحافظين بوريس جونسون ، الذي قاد مفاوضات خروج لندن من الاتحاد قبل 5 سنوات، في تصويب سهام النقد الحاد للخطوة، معتبرا أن ستارمر جعل من بريطانيا دولة منزوعة صلاحيات التصويت في الاتحاد. ووافقت المملكة المتحدة على التوقيع على اتفاق جديد مع الاتحاد يسمح للقوارب الأوروبية بالصيد في المياه الإقليمية البريطانية لمدة 12 سنة إضافية بعد انتهاء صلاحية الاتفاق الحالي العام المقبل. ومثّل منح الأوروبيين حقوقا للصيد طويلة الأمد التنازل الذي فضل المفاوضون البريطانيون تقديمه مقابل رفع قيود التفتيش المعقدة على الحدود على الصادرات البريطانية إلى دول الاتحاد وتأمين حركة أسهل للسلع الغذائية. يحاول ستارمر الترويج لمنجزه السياسي بوصفه زعيما براغماتيا قادرا على خوض المفاوضات الصعبة، مستغلا لحظة التوقيع على الاتفاق الذي يقول إنه الثالث على التوالي الذي ينتزعه في غضون 3 أسابيع بعد تأمينه صفقة تجارية مع كل من الهند والولايات المتحدة. قطيعة تاريخية ولم تُخف وزيرة الخزانة البريطانية راشيل ريفيز طموحها بأن يدفع هذا التقارب التجاري الأوروبي البريطاني لعقد شراكات تجارية أوسع مع الاتحاد تسمح بتسهيل أكبر للتبادل التجاري بين الجانبين، في إشارة إلى رغبة حكومة حزب العمال في مواصلة جسر الهوة مع الجيران الأوروبيين. لكن مثنى العبد الله، الباحث في السياسات الدولية وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة لندن، يرى أن قرار خروج بريطانيا من الاتحاد كان لحظة قطيعة تاريخية يصعب جبرها بالتوقيع على اتفاق عمل عبره الأوروبيون كما البريطانيون بجهد لإصلاح أعطاب البريكست، لكن دون القدرة على التراجع عنه. ويضيف للجزيرة نت أن الدبلوماسية الدؤوبة لستارمر ونجاحه في إعادة بريطانيا بزخم أكبر للفعل السياسي على الساحة الدولية، فضلا عن نجاحه في إبرام اتفاقيات تجارية كان أبرزها مع واشنطن، لم تعوض حاجة البريطانيين الماسة للتنسيق مع الأوروبيين وطرق أبواب السوق الأوروبية من جديد التي يصعب أن استبدالها بأخرى. لكن حكومة حزب العمال يُتوقع أن تجد نفسها تحت ضغط لا يهدأ لأنصار فك الارتباط بالاتحاد الأوروبي الغاضبين مما يصفونها بخيانة لعقيدة البريكست التفافا على الإرادة الشعبية التي صوتت عليه. فقد فتح السجال بشأن البريكست شهية الزعيم اليميني "المتطرف" نايجل فاراج ، أحد أبرز الداعمين لخيار فك الاتباط مع الاتحاد، لانتقاد زعيم حزب العمال، مذكرا الناخبين البريطانيين بأن إرضاء الاتحاد أصبح يمثل نهجا ثابتا للحكومة العمالية. ورغم الاندفاع البريطاني لرص الصفوف مع الاتحاد في لحظة جيوسياسية بالغة الحساسية، بدا رئيس الوزراء البريطاني حذرا في الموافقة على أي قرار يعيد فتح أبواب الهجرة في وجه الأوروبيين. واكتفت الحكومة بوعد تسهيل حركة الشباب دون سن الـ30 دون أن تتورط في اتفاق قد يناقض وعودها بتقليص أعداد المهاجرين، ويضفي شرعية على سردية اليمين الشعبوي الصاعدة بقوة على الساحة السياسية البريطانية، والتي تتهم الحكومة بالتقصير في حماية البلاد من تدفق المزيد من أفواج المهاجرين. استسلام وتراجع وقالت زعيمة حزب المحافظين كيمي بادينوك إن الاتفاق استسلم لشروط الاتحاد الأوروبي وتراجع عن مكاسب البريكست عبر منح الاتحاد اليد العليا في فرض شروطه وقوانينه، والاندفاع لشراكة دفاعية معه على حساب مركزية حلف شمال الأطلسي (ناتو). ورغم مواطن الخلاف الكثيرة بين الأوروبيين والبريطانيين، فإن الرغبة في تشكيل حلف دفاعي جديد شكلت قوة دفع شجعت الجانبين -على حد سواء- على إعادة ضبط العلاقات بينهما. حيث يحاولان تجاوز خلافاتهما في لحظة جيوسياسية لا يتردد الحليف الأميركي في تذكير الأوروبيين باستعداده للتخلي عن عبء توفير مظلة حماية لأمنهم الجماعي. ويمنح الاتفاق الدفاعي شركات الصناعات الحربية البريطانية إمكانية دخول سوق السلاح الأوروبية والظفر بعقود مغرية، كما سيمنح أيضا للجيش البريطاني فرصة تحديث ترسانته العسكرية عبر شراء معدات من الاتحاد الأوروبي بكلفة أقل. ويرى نايك ويتني، الباحث في شؤون الدفاع الأوروبي بالمركز الأوروبي للسياسات الخارجية، أن توقيع اتفاق دفاعي جديد سيسهم في تعزيز الوحدة الأوروبية، ويُعد ضرورة سياسية وتقنية لتجاوز تباينات عدة بين بريطانيا والاتحاد لبناء منظومة دفاعية أوروبية صلبة، في وقت يبدو فيه أمن القارة مهددا أولا بالتخلي الأميركي عن توفير غطاء الحماية قبل أن يكون محاصرا بالخطر الروسي. ويضيف للجزيرة نت أن هناك تعقيدات قانونية وتمويلية كثيرة ترتبط بتنزيل هذا الطموح البريطاني الأوروبي بالاستقلال عن التبعية لمنظومة الدفاع الأميركية، لكن الاتفاق سيصبح إطارا مناسبا للبدء في هذا المشروع المؤجل لسنوات. وحسب الباحث ويتني، فإن استثمار هذه الحاجة للتعاون دفع كلا من لندن والاتحاد الأوروبي إلى خوض مفاوضات بحساسيات سياسية أقل ونزعة براغماتية واضحة للعمل على تجاوز العقبات التجارية التي فرضها البريكست والتمهيد لمسار تعاون أشمل.