
محطات المفاوضات الروسية الأوكرانية لوقف الحرب.. كيف جرت؟ ولماذا فشلت؟
موسكو- مع انتظار حسم موضوع المفاوضات الروسية الأوكرانية المفترضة في تركيا ، والغموض الذي ما زال يلف حظوظ نجاحها بوقف الحرب التي دخلت عامها الرابع بين البلدين، تعود إلى الأذهان سلسلة المفاوضات السابقة لتسوية الخلافات بين الجانبين والتي انعقدت في أكثر من بلد وعلى مستويات تمثيلية مختلفة لكنها باءت جميعها بالفشل.
بعد 3 أيام فقط من اندلاع الحرب بينهما، بدأت روسيا وأوكرانيا رسميا مفاوضاتهما الأولى في 28 فبراير/شباط 2022، وذلك بمبادرة من الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو.
انعقدت الجولة الأولى بين وفدي البلدين بمدينة غوميل البيلاروسية، ومثّل الجانب الروسي رئيس لجنة الشؤون الدولية بمجلس الدوما ليونيد سلوتسكي، ونائب وزير الدفاع ألكسندر فومين، ونائب وزير الخارجية أندريه رودينكو، والسفير الروسي في مينسك بوريس غريزلوف.
بينما ضم الوفد الأوكراني وزير الدفاع أوليكسي ريزنيكوف، ونائب وزير الخارجية ميكولا توتشيتسكي، ومستشار رئيس مكتب رئيس أوكرانيا ميخايلو بودولياك.
انعقدت الجولة الثانية من المفاوضات في الثالث من مارس/آذار 2022 بمقاطعة بريست في بيلاروسيا. وفي نهاية الاجتماع، أشار ممثلو البلدين إلى أن النتائج المتوقعة لم تتحقق، ومع ذلك، تمكنت الأطراف من التوصل إلى بعض الاتفاقات بشأن القضايا المتعلقة بالمجال الإنساني.
إعلان
أما الجولة الثالثة فعُقدت في السابع من الشهر نفسه، ولكن لم يتم تحقيق أي تقدم يذكر. وبعد مرور بعض الوقت، تم نقل المفاوضات إلى تركيا. وفي العاشر مارس/آذار 2022، احتضنت أنطاليا مفاوضات بين وزيري خارجية روسيا سيرغي لافروف وأوكرانيا ديمتري كوليبا، بمشاركة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو كوسيط.
في أعقاب الاجتماع، صرح كوليبا أن الأطراف لم تتمكن من التوصل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار، بينما أكد لافروف استعداد موسكو لمواصلة عملية التفاوض. ورغم أن وزير الخارجية التركي صرح في حينه بأنه ليس من المتوقع التوصل إلى حل كامل لجميع القضايا في هذا الاجتماع، لكنه وصفه بأنه خطوة أولى مهمة.
في 29 مارس/آذار 2022، جرت الجولة التالية من المفاوضات بين ممثلي موسكو وكييف في إسطنبول. وفي ختام اللقاء، اقترح الجانب الأوكراني تجميد قضية وضع شبه جزيرة القرم لمدة 15 عاما، فضلا عن إبرام اتفاقية دولية بشأن الضمانات الأمنية، التي ينبغي أن توقّع وتصدق عليها جميع الدول التي تضمن أمن أوكرانيا.
في المقابل، أعلن الوفد الروسي عن نيته تقليص أنشطته العسكرية بشكل كبير في شمال أوكرانيا.
بيان إسطنبول
بحلول نهاية مارس/آذار 2022، أسفرت المحادثات التي بدأت في الأسابيع الأولى للحرب عن ما يُسمى بيان إسطنبول، وهو إطار عمل للتسوية.
كان من شأن الصفقة الأساسية في هذا الإطار أن تتضمن التزام أوكرانيا بالحياد الدائم، واستبعاد عضويتها المحتملة في حلف شمال الأطلسي (الناتو) ، مقابل ضمانات أمنية صارمة من موسكو، لكن الجانبين فشلا في إبرام الاتفاق واستمرت الحرب حتى الآن ودخلت عامها الرابع.
واتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في 17 مايو/ أيار، كلا من بريطانيا والولايات المتحدة بممارسة الضغوط على الوفد الأوكراني "لإطالة أمد الصراع وزيادة الخسائر في صفوف الجيش الروسي".
إعلان
وفي أعقاب المحادثات التي عقدت في 29 مارس/آذار في إسطنبول، توقف الحوار بين الطرفين فعليا. وحتى الآن، لا يزال كلا الطرفين يعطيان الأولوية لمخاوف الأمن القومي وقضايا أخرى، كوضع المناطق المتنازع عليها، وتخفيف العقوبات عن روسيا، وتمويل إعادة الإعمار الاقتصادي في أوكرانيا بعد الحرب.
في إسطنبول، أعطى كلا البلدين الأولوية لمعالجة أمن ما بعد الحرب على كل شيء آخر. على هذا الأساس، أصرت موسكو على تخلي كييف عن عضوية حلف الناتو، وعدم استضافة أي قوات أجنبية أو إجراء مناورات عسكرية تشمل قوات أجنبية على أراضيها، وقبول بعض القيود على حجم وهيكل جيشها.
وساطة تركية
من جانبها، رفضت كييف فرض قيود على قواتها، وأصرت على حقها في الحصول على ضمانات أمنية من شركائها الغربيين، وقبول موسكو الضمني بأن هذه القوى ستهب للدفاع عن أوكرانيا في حال شنت روسيا هجوما جديدا.
في سبتمبر/أيلول 2022، وقّع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قانونا يستبعد إمكانية التفاوض مع روسيا.
في مقابل ذلك، أعلنت موسكو أنها لن تتخلى عن الأساليب الدبلوماسية لحل النزاع، وستبقي شروطها المقترحة دون تغيير.
،في ليلة 11 مايو/ أيار 2025، اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على كييف استئناف المفاوضات المباشرة في إسطنبول يوم 15 من الشهر ذاته، مشيرا إلى أن بلاده مستعدة للمفاوضات دون شروط مسبقة.
وبينما شكر بوتين الرئيس الأميركي دونالد ترامب على جهود الوساطة التي بذلها في التسوية الأوكرانية، لم يستبعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار خلال المفاوضات.
من جانبه، وافق الرئيس الأوكراني على الاقتراح، لكنه قال إن المفاوضات لن تبدأ إلا بعد أن تعلن الأطراف عن وقف إطلاق النار لمدة 30 يوما.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 39 دقائق
- الجزيرة
نتنياهو يسحب وفد التفاوض من الدوحة وحماس تتهمه بخداع العالم
قرر رئيس الوزاء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إعادة فريق التفاوض بالدوحة إلى تل أبيب، في حين اتهمت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسرائيل بخداع العالم وعدم الجدية في التوصل لاتفاق لوقف الحرب في غزة. وقال مكتب نتنياهو إن "فريق التفاوض رفيع المستوى سيعود إلى إسرائيل للتشاور ويبقى الفريق الفني، وذلك بعد نحو أسبوع من الاتصالات بالدوحة". وأضاف مكتب نتنياهو أن إسرائيل وافقت على مقترح المبعوث الأميركي ستيفن ويتكوف لإعادة المحتجزين بناء على خطة ويتكوف، لكن حماس لا تزال متمسكة برفضه حتى الآن. من جهته قال رئيس الأركان الإسرائيلي أيال زامير إن لدى حماس خيار واحد فقط هو الإفراج عن المحتجزين، متوعدا الحركة بدفع ثمن ما وصفه بتعنتها ومواجهة نيران كثيفة. كما هدد زامير بتوسيع العملية البرية والسيطرة على مناطق وتدمير البنية التحتية لما سماه الإرهاب، مشيرا إلى أنه إذا تم التوصل إلى اتفاق فإن الجيش الإسرائيلي يعرف كيفية تعديل أنشطته وفقا لذلك وفي أول رد فعل من جانبها، قالت عائلات الأسرى الإسرائيليين بغزة إن "إعادة فريق المفاوضات من الدوحة يؤكد أنه ليس لدى الحكومة خطة حقيقية لوقف الحرب، كما يعني خسارة الأسرى والغرق بوحل غزة ودفْع الجنودِ ثمنا كبيرا". إعلان وأضافت عائلات الأسرى الإسرائيليين في بيان أن غالبية الشعب تؤيد عودة جميع الأسرى حتى لو كان ذلك على حساب وقف القتال في غزة. في حين كشف استطلاع للقناة 13 الإسرائيلية أن 67% من الإسرائيليين يؤيدون صفقة تنهي الحرب وتعيد جميع الأسرى، بينما يرفض 22% فقط من الإسرائيليين صفقة تنهي الحرب. خداع العالم في المقابل، اتهمت حركة حماس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتضليل الرأي العام العالمي عبر ما وصفته بالتظاهر الكاذب بمشاركة وفد إسرائيلي في مفاوضات الدوحة لا يملك صلاحية التوصل إلى اتفاق، ومن دون الدخول في أية مفاوضات جادة أو حقيقية منذ يوم السبت الماضي. وأضافت حماس في بيان أن تصريحات نتنياهو بشأن إدخال مساعدات إلى قطاع غزة، محاولة لذر الرماد في العيون، وخداع المجتمع الدولي ، حيث لم تدخل أي شاحنة إلى القطاع حتى الآن، بما فيها تلك التي وصلت معبر كرم أبو سالم ولم تتسلّمها أي جهة دولية. وأكدت الحركة أن تصعيد العدوان والقصف المتعمد للبنية التحتية المدنية، وارتكاب المجازر الوحشية يفضح نيات نتنياهو الرافضة لأي تسوية ويكشف تمسّكه بخيار الحرب والدمار. وحملت حماس حكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن إفشال مساعي التوصل لاتفاق، في ضوء تصريحات مسؤوليها بعزمهم مواصلة العدوان وتهجير الفلسطينيين من أرضهم. وثمنت الحركة جهود الوسطاء مؤكدة استمرارها في التعامل الإيجابي والمسؤول مع أي مبادرة توقف العدوان. وكان رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ، قال في وقت سابق اليوم الثلاثاء إن "قطر تواصل مع مصر والولايات المتحدة جهود التوصل لوقف إطلاق النار بغزة". وأضاف رئيس الوزراء القطري في كلمته أمام منتدى قطر الاقتصادي المنعقد في الدوحة أنه بعد الإفراج عن عيدان ألكسندر ساد اعتقاد بأن ذلك سينهي مأساة غزة لكن الرد كان قصفا عنيفا. إعلان كما كشف عن هوة أساسية بين طرفي المحادثات تحول دون التوصل الى اتفاق في المحادثات الجارية في الدوحة. وردا على سؤال خلال جلسة في منتدى قطر الاقتصادي المنعقد في الدوحة اليوم حول بدء إسرائيل عمليةً برية في مناطق عدة داخل قطاع غزة، شدد رئيس الوزراء القطري، على أن إنهاء حرب إسرائيل على غزة يكون عبر الدبلوماسية. من جانبها، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يريد وقفا لإطلاق النار في غزة، وإفراجا عن جميع الأسرى. وأضافت ليفيت، في مؤتمر صحفي، أن الإدارة الأميركية تتواصل مع طرفي الصراع في غزة، وأن ترامب أوضح لحركة حماس أن عليها إطلاق سراح الأسرى. وفي وقت سابق، قال المبعوث الأميركي للرهائن آدم بولر"إننا نقترب أكثر فأكثر من التوصل إلى اتفاق في غزة"، كما أكد البيت الأبيض ضرورة وقف إطلاق النار وإطلاق الأسرى، في الوقت الذي تستمر فيه المفاوضات غير المباشرة بين حركة حماس وإسرائيل في العاصمة القطرية الدوحة. ونقلت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية عن بولر قوله إنه "إذا أرادت حماس الحضور وتقديم عرض مشروع وإذا كانت مستعدة للإفراج عن الرهائن فنحن دائما منفتحون على ذلك". وذكرت صحيفة واشنطن بوست، أمس الاثنين، أن الضغوط الأميركية على إسرائيل أصبحت أكثر شدة، حيث حذر مسؤولون مقربون من الرئيس ترامب القيادة الإسرائيلية من أن الولايات المتحدة قد توقف دعمها لتل أبيب إذا لم تنهِ الحرب في قطاع غزة.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
3 نجاحات استثنائية لأردوغان
شهدت تركيا في الأسبوع الماضي حركة غير مسبوقة في تاريخها. فقد أمضى الدبلوماسيون والصحفيون ورجال الأمن والمسؤولون الرسميون ليالي بلا نوم، وعانوا من إرهاق شديد أنهك قواهم. وبصفتي صحفيًا حاول أن يواكب كل ما جرى، ويكتب المقالات، ويُفسّر الأحداث التي عرضت على الشاشات ليل نهار، نالني نصيبي من هذا الأسبوع المذهل على هيئة تعبٍ شديد. كانت التطورات سريعة إلى حد أن ما نكتبه من مقالات، أو ما ننشره من مشاركات، كان يفقد راهنيته في غضون ساعات قليلة. لعل هذا ما دفع القنوات التلفزيونية إلى التخلّي عن إعداد التقارير الخبرية، واللجوء عوضًا عن ذلك إلى البثّ المباشر المتواصل، حيث راحوا يربطون المراسلين بالأحداث ليرووها لحظة بلحظة. كيف شارك أردوغان في اجتماع الرياض؟ كان العالم بأسره يترقب زيارة ترامب التاريخية لثلاث دول خليجية، وكان الإعلام التركي يغطي التطورات على رأس كل ساعة. لكن عندما أُعلن فجأة عن لقاء سيُعقد بين ترامب وأحمد الشرع، تحوّلت الأنظار كلها إلى الرياض. وكأنّ ذلك لم يكن كافيًا، فقد أُعلن أيضًا عن انضمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى اللقاء الذي جمع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وترامب، والشَرع، مما جعل من هذا الحدث محور اهتمام عالمي. في تلك الأثناء، كانت وزارات خارجية 32 دولةً عضوًا في حلف الناتو تعقد اجتماعًا في أنطاليا، وحين وصل خبر اللقاء الرباعي إلى هواتفهم المحمولة، كتب المساعدون ملاحظات خاصة وأبلغوا الوزراء به. فبدأت مئات القنوات التلفزيونية، المتواجدة هناك، بتحويل تغطيتها من أنطاليا إلى الرياض. سألتُ مسؤولًا رفيع المستوى يتابع مجريات اللقاء عن كيفية انضمام أردوغان للاجتماع، فأجابني: "ولي العهد السعودي هو من دعا أردوغان إلى الاجتماع. في الواقع، كان أردوغان يودّ الحضور إلى الرياض شخصيًا، لكن لأسبابٍ لوجيستية لم يكن ذلك ممكنًا، فشارك عبر نظام الاتصال المرئي". اللقاء الرباعي يُغضب إسرائيل بشدة يحمل هذا الاجتماع الرباعي في الرياض أهمية مصيرية لمستقبل سوريا. فالرجل الذي كان رأسه مطلوبًا سابقًا، بات يجلس أمام ترامب بوصفه رئيس دولة، وقد أصبح فاعلًا جديدًا في معادلة متغيرة بالمنطقة، وهذا التحول قد تمّ تثبيته بالفعل. في الحقيقة، من منح الشرع هذا الموقع الفريد، وأوصله إلى موقع الندّ لترامب، هما القائدان المشاركان في الاجتماع: محمد بن سلمان، ورجب طيب أردوغان. فلو لم تقدّم السعودية وتركيا هذا القدر من الدعم لسوريا، لما وافق ترامب على اللقاء. ومن هذا نفهم أنّ تحالف السعودية وتركيا قادر على حلّ مشاكل المنطقة. وقد انعكست أصداء هذا اللقاء بهتافات فرح في سوريا، وفخر في تركيا والسعودية، وغضب في إسرائيل. إذ تلقّت إسرائيل، التي كانت تخطّط لتقسيم سوريا وابتلاعها تدريجيًا، كلمات ترامب بشأن الشرع كصفعة مدوّية: "شاب، وسيم، حازم، ومقاتل…". وخلال اللقاء، قال ترامب للقادة الثلاثة: "سأطلب من إسرائيل أن تكف عن سلوكها العدائي تجاه سوريا وأن تلتزم التهدئة". أما الإعلام الإسرائيلي، فقد أفاض في نشر كل الكلمات القاسية التي كان نتنياهو يتمنّى لو قالها لترامب. ويا للأسف، فقد صبّت إسرائيل غضبها من هذا اللقاء في غزة، حيث قتلت مئات الفلسطينيين الأبرياء، وبدأت من جديد عملية احتلال مادي للأرض. عجز مليشيا YPG سيصيب إسرائيل بالذعر أكثر ما كانت تتحسّس منه تركيا هو رفض مليشيا YPG تسليم أسلحتها داخل سوريا، وإخلالها بالاتفاق المبرم مع دمشق. والسبب الوحيد وراء رفض YPG التخلي عن السلاح بينما يتخلى عنه حزب العمال الكردستاني (PKK)، هو الدعم الإسرائيلي لهم. وفي الاجتماع الرباعي، التفت ترامب إلى الشرع قائلًا: "تسلّم أنت السيطرة على سجون ومخيمات الدواعش، وسيد أردوغان، نرجو منكم دعم دمشق في هذا الأمر". مع أنّ هذا الموضوع لم يكن مطروحًا ضمن أجندة الاجتماع، إلا أنّ ترامب فتحه بنفسه. والمعنى من ذلك أنّ ذريعة دعم قوات سوريا الديمقراطية (YPG)، بالسلاح والمال، كانت محاربة تنظيم الدولة. فالمليشيا كانت تتولى إدارة تلك السجون والمخيمات، وتحصل بذلك من الولايات المتحدة على 142 مليون دولار سنويًا من الأموال والأسلحة. ومع زوال هذه المهمة، ستصبح YPG بلا دور، وستنقطع عنها المساعدات الأميركية، ولن تجد بدًا من الاندماج في الدولة السورية. وقد استقبل كلّ من أردوغان والشرع هذا التفاهم بارتياح كبير. وختم المسؤول التركي الذي قدّم هذه المعلومات قائلًا: "ستحزن إسرائيل كثيرًا من هذا، ونحن بدورنا نتحلى بالحذر. وغالبًا ما تكون اللوبيات الإسرائيلية قد بدأت العمل بالفعل لتغيير هذا القرار". لماذا لم يأتِ بوتين؟ فيما كنا نتابع المباحثات المتعلقة بسوريا في الرياض، دخل الرئيس الأوكراني زيلينسكي الأجواء التركية على متن طائرة خاصة متجهًا مباشرة إلى أنقرة. وكان ترامب في ذلك الوقت يصرّح من الرياض والإمارات قائلًا: "إن حضر بوتين، فأنا أيضًا سأحضر". وقد بذلت تركيا جهودًا كبيرة لإقناع بوتين بالحضور، لكنه أصرّ كعادته على موقفه، ورفض المشاركة في الاجتماع الذي فُرض عليه فرضًا من قبل زيلينسكي. وقد التقى زيلينسكي بأردوغان في أنقرة، ثم قرّر عدم المشاركة في المباحثات الروسية- الأوكرانية في إسطنبول، قبل أن يُقنعه أردوغان والمسؤولون الأتراك بالعدول عن قراره. فاجتمعت الوفود في قصر دولما بهتشه بإسطنبول، بعد أن أُنهك وزير الخارجية هاكان فيدان من اجتماعات أنطاليا، وانضم إليه رئيس الاستخبارات إبراهيم كالن، الذي كان لاعبًا رئيسًا في كواليس كل هذه الأحداث. لم يُتوصل إلى وقف إطلاق النار خلال الاجتماع، لكن تمّ الاتفاق على تبادل ألف أسير بين الطرفين، وهو ما ستساهم تركيا في إنجازه. وقد هيّأ هذا الاجتماع الأرضية المناسبة للقاء القادة لاحقًا. سألتُ مسؤولًا مطّلعًا: لماذا لم يأتِ بوتين؟ فقال: "بصراحة، شعرنا ببعض الانزعاج لعدم حضوره. فقد بذلنا جهودًا كبيرة لحلّ هذه الأزمة. لكن بوتين لا يريد لقاء زيلينسكي، بل يريد التوصل إلى اتفاق مع الغرب. وسيبدأ ذلك بالاجتماع مع ترامب أولًا، ثم التوافق على شروط الاتفاق مع الغرب، وبعدها يبحث السلام مع أوكرانيا. ولو حضر إلى إسطنبول ووجد ترامب هناك، لكان مضطرًا لتوقيع اتفاق لا يريده. كما أنّ فرض زيلينسكي للأمر الواقع قد أغضبه كثيرًا". غزة.. الحزن الوحيد المتبقي بينما لم تكن المباحثات بين أوكرانيا وروسيا قد انتهت بعد، انطلقت في إسطنبول مباحثات أخرى بشأن البرنامج النووي الإيراني داخل مبنى القنصلية الإيرانية التاريخي، وشاركت فيها وفود من بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيران، لمناقشة التهديدات التي كان ترامب يوجّهها لإيران من حين لآخر. لكن وسط كل هذه التطورات المتسارعة، بقيت هذه المباحثات في الظل. وبعد انتهاء جولته الخليجية، عاد ترامب إلى أميركا حاملًا في جعبته اتفاقات جعلته سعيدًا، وصرّح قائلًا: "طلب مني أحد القادة الثلاثة في الخليج أن أتدخّل، لأن الناس يموتون جوعًا في غزة". في تركيا، سعيت لمعرفة إن كان اجتماع أردوغان في الرياض قد أسفر عن قرار بخصوص غزة. وقد علمت أنّ أردوغان طرح موضوع غزة، لكن ترامب لم يصدر قرارًا واضحًا بشأنها. وما إن انتهت زيارة ترامب، حتى بدأت إسرائيل عدوانًا شاملًا على غزة بكل وحشيتها، متحدّية بذلك ترامب والعالم بأسره. ويا للأسى، فقد كانت غزة، وسط كل تلك اللقاءات الرامية للسلام، الموضوع الحزين الوحيد الذي بقي بلا حلّ.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
بعد نهاية العمل المسلح في تركيا.. أسئلة السلام والقضية الكردية
جاء في بيان رسمي يمتلك صفة شرعية كاملة: بناءً على ما توصل إليه المؤتمر اللائحي لحزب العمال الكردستاني "PKK" المنعقد في 5-7 من مايو/ أيار 2025، قرّر الحزب ما كان يعتبره أنّه من الأحلام، وهو التالي: حلّ الحزب وتشكيلاته وتنظيماته. انتهاء العمل المسلّح والحرب مع الدولة التركية. الدخول في العمل الديمقراطي السلمي طويل المدى من أجل نيل الحقوق. إن شعبنا يراقب بدقة ومن قرب مسار عملية السلام. شارك في المؤتمر 232 ممثلًا في جوّ اتّسم بالسرية التامة في موقعين مختلفين في جبال قنديل، وبذلك تنتهي 41 سنة من المواجهات المسلحة، التي خلّفت أكثر من 50 ألف قتيل من الطرفين، وانتهى الحزب الذي أُسس سنة 1974 على يد عبدالله أوجلان في صورته التاريخية، ليبدأ النضال بشكل ومسار جديدين وفقًا للقانون. بثّ الحزب مشاهد من البيان الختامي للمؤتمر بتاريخ 12-5-2025، بقراءة جماعية لنصوص أكدت على التمسك بالحقوق عبر النضال الديمقراطي، والهتاف بحياة مؤسسه أوجلان. هذه الخطوة تعتبر من أهمّ الخطوات التي يشهدها التاريخ الحديث لتركيا، ومن أهم المحطات في تاريخ الصراع الكردي مع الدول الأربع التي يعيش فيها عشرات الملايين من الكُرد. على ماذا تدلّ هذه الخطوة المتفرّدة؟ أن النضال العسكري من أجل الحقوق لم يعد ذا مغزى عند توفر الشروط السلمية الديمقراطية، وأن أطراف النزاع لن تتمكن من إفناء بعضها بعضًا. تؤكد على التقدم الحاصل في تركيا منذ مجيء العدالة والتنمية ومرجعيته الإسلامية للعمل، التي لا تعترف بعلوّ مقام عِرق على عِرق آخر، وللرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورفاقه الدور الأبرز. التغيير في الذهنية القومية الطورانية، هذه الذهنية التي فرقت العالم الإسلامي كله وهو ما حذّر منه الإمام سعيد النورسي قبل قرن كامل، وجعل مكونات الشعوب في موقف عداء مع الدولة التركية، وهذا التغيير كامن وراء موقف التيارات القومية التركية الجديد بعد أن تبين لها أنها تسير على الطريق الخطأ، وأن الدولة التركية بسياستها القومية المتطرفة التي أسس لها الفكر القومي التغريبي فرقت بين أبنائها. وتدلّ قبل كل هذا على السطوة الروحية والمكانة العالية التي يتمتع بها المرشد الروحي والفكري للحزب، عبدالله أوجلان، الرجل الذي مرّ بمراحل فكرية مختلفة طيلة ستة وعشرين عامًا من السجن في جزيرة إمرالي، هذا الرجل قاد العمل السياسي والفكري لأنصاره من داخل الزنزانة! القوة الروحية التي يمتلكها على عناصر الحزب لم تُبقِ على منفذ يسمح لمن يريد المخالفة العبور منه. لكن حلّ حزب العمال الكردستاني، وتفكيك تنظيماته، ليس بعيدًا عن الأحداث الجارية التي مرّت خلال السنتين الماضيتين على المنطقة.. إن أحداث سوريا كانت عاملًا مؤثرًا جدًا، لأن القيادة السياسية التركية -وفي المقدمة "دولت بهتشلي"- كانت حذرة للغاية من ارتدادات انهيار النظام السوري على أمن تركيا، خاصة أن قوى إقليمية مستعدة لتقديم الدعم الكامل للحركة الكردية ضد تركيا. الدعم الجاهز للتقديم ليس من أجل الحق الكردي، وإنما من أجل إزعاج تركيا، واللعب بورقة القضية القومية الكردية في الشرق الأوسط، وبترك العمل المسلح سقطت هذه الورقة، ولم يعد اللعب بها -في المدى المنظور- متاحًا للقوى الإقليمية. إن ترك العمل المسلح، والذي يتزامن مع الحوارات الجارية في أنقرة-إمرالي، هو انتصار لمبدأ السلام، والاعتراف بالآخرين، كل الآخرين المختلفين دينًا وقوميةً، كما تنص نصوص الوحي الإلهي، وكذلك المبادئ التي اتفقت عليها العقول البشرية، وتجلت في صورة مبادئ ومعاهدات لحقوق الإنسان على المستوى العالمي. وما تم هو – كذلك- انتصار للشعبين التركي والكردي، وانهزام لقوى الشرّ المحلية والإقليمية والدولية. ماذا بعد؟ لا نقصد بـ"ماذا بعد؟" مصير آلاف المقاتلين؛ فأفق عملهم واضح وهو العمل السلمي الأهلي لمن أراد، والعودة إلى الحياة الطببعية الروتينية لمن لم يتقن العمل السياسي.. وإنما نقصد بـ"ماذا بعد؟" الخطوات العملية التي نتوقعها لتساعد القيادة العسكرية على قبول ترك أسلحتهم؟ وبما أن القيادة السياسية في الدولة التركية كانت على علم بكل الخطوات التي تتم، حتى بموعد عقد المؤتمر الخاتم للحزب، فهذا دليل على أن هناك مسارًا مرسومًا متفقًا عليه بين الطرفين، وأن العمل يجري من خلال رئاسة حزب "دام بارتي" القريب من الكرد، وبإشراف مباشر وحاسم من عبدالله أوجلان مع المؤسسة الرسمية للدولة، بمعنى أن هناك خطوات قانونية تؤطر العمل الجاري من أجل وضع نهاية للمشكلة، أو على الأقل الشروع بالخطوات الأولى من أجل الانتهاء منها، وهي مرحلة جديدة جدًا في تاريخ تركيا، وقد فتحت بابًا جديدًا، كما ورد في البيان الترحيبي لحزب العدالة والتنمية الحاكم. لكن نجاح المسار السلمي بحاجة إلى جملة من الأمور: الصدق، القيمة الإسلامية والإنسانية السامية، الصدق في النوايا، الصدق المثمِر للإخلاص في العمل، هؤلاء يعملون من أجل شعوبهم، من أجل خير هذه الشعوب وسعادتها في الدنيا والآخرة، وإن إحلال عملية السلام بين الأطراف المتقاتلة والمتصارعة يستوجب تجنب الخداع، فالحرب هي الخدعة وليس الصلح والسلام. هنا يتوجب تفعيل معايير السلم وسلوكياته، وتجنب كل ما يوحي بأن أحد الأطراف يبحث عن الوقيعة بالآخر تحت عنوان السلام الكاذب، ومما يشكل أمارة على صدق النوايا، الإفراج عن عشرات الآلآف من السجناء السياسيين بتهمة الانتماء لتنظيمات الحزب، وفي الصدارة صلاح الدين دميرتاش، وتخفيف ظروف أوجلان، والانفتاح الأولي على المسائل الثقافية لحين إقرارها في الصيغ القانونية، وتغيير الدستور بما يوافق رغبة الطرفين، لتدخل تركيا قرنها الجديد كما تنبأ به الرئيس رجب طيب أردوغان. التعلم من مرارة وآلام العقود السابقة، والبحث عن الأسباب الحقيقية من أجل حلها.. التجربة أثبتت أن سفك الدماء بين أبناء الشعب الواحد لن يأتي سوى بالهدم والتدمير، في حين أن الإنسان مكلف بالبناء والتعمير. تفعيل القيم الدينية والإنسانية، وفي المقدمة مبدأ "العدالة والمساواة"، وبالعدل قامت السماوات والأرض، وهو مقصد قرآني أمر الله، سبحانه، عبادَه بتحقيقه في الأرض.. غياب العدل يأتي بالظلم، والله لن يسمح للظالم أن يفلح، وإن عدم الالتزام بمبادئ العدل والمساواة يتسبب ببروز حركات متمردة أخرى، ليس شرطًا أن يكون في هذا الجيل، ربما في أجيال مقبلة. لهذا، لا مفرّ من القضاء على كل الأسباب المؤدية إلى تفجير المجتمعات. ما يجري على الأرض يحتم علينا أن نقول: "الحمد لله رب العالمين".