
وزير الداخلية لـ'الأمن': وضعنا خطة أمنية لحماية السياح والناس واالانتخابات النيابية في موعدها والتحضيرات جارية
أكد وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجّار في حديث الى مجلة 'الامن'، ان الانتخابات النيابية ستجري في موعدها، وستكون مرآةً حقيقية لإرادة الناس وتجديد الحياة السياسية في لبنان'.
ووجّه كلمة وجدانية في مناسبة عيد قوى الأمن الداخلي ال١٦٤، متحدثًا عن المؤسسة التي نشأ فيها، وعرفها من الداخل، ويفتخر بأنه ابنها ويتشرف بالانتماء اليها، مؤكدًا أن 'قوى الأمن هي ضمانة المواطن'.
وشرح ماذا يعني إعادة العمل بقاعة محكمة سجن رومية، عارضًا لبعض الحلول لمشكلة اكتظاظ السجون، ومقترحًا إعادة إدارة السجون إلى مصلحة السجون بوزارة العدل حسب القانون.
سئل: كيف تقيّمون سير العملية الانتخابية البلدية والاختيارية التي حصلت؟
أجاب: 'سارت بشكل ممتاز بالرغم من كل الصعوبات والتحديات التي كانت موجودة، علمًا أن التحضير لها جرى في فترة قصيرة بعد تشكيل الحكومة. لكن الإصرار والجهد اللذين بُذلا جعلا الانتخابات تُنجز وتسير بشكل جيد، بل ممتاز'.
سئل: هل هناك دروس مستخلصة من هذه التجربة سيتم اعتمادها في الاستحقاق النيابي المقبل؟
أجاب: 'طبعًا، بالنسبة إلي كانت تجربة جديدة. لقد كانت أول انتخابات يتم التحضير لها في فترة قصيرة وأشرفتُ عليها شخصيًا وتحملتُ المسؤولية كاملة مع فريق العمل في الوزارة بدءًا من التحضيرات إلى مواكبة العملية الانتخابية بالكامل. كنا نجري جلسة تقييم أسبوعية لتلافي الثغرات والاستفادة من الأمور الإيجابية ونطوّرها. ونحن نجري الآن عملية تقييم شاملة للاستفادة منها في الانتخابات النيابية المقبلة إن شاء الله'.
سئل: هل تعتقدون أن نتائج الانتخابات تعكس فعلًا إرادة الناس؟
أجاب الحجار: 'وضعنا شعار 'الحياد التام' ونفّذناه منذ بداية الانتخابات، الحياد كان بتوجيهات من رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، ومن وزارة الداخلية والبلديات، كما اعتمدنا مبدأ الشفافية وكانت كل الإجراءات واضحة أمام الرأي العام. تابعَنا الإعلاميون مباشرة، وفتحت لهم أبواب الوزارة لتزويدهم بكل ما يريدون من معلومات عبر الشاشات التي وضعت في غرفة العمليات المركزية وفي الباحة الداخلية. عملية الفرز، إصدار النتائج، كل الأمور جرت وفق أعلى معايير الشفافية. بذلنا جهدًا كبيرًا لملاحقة المال الانتخابي وكل المخالفات، وسعينا للمحافظة على النزاهة الكاملة. كل هذه الأمور ساهمت في إنجاح العملية الانتخابية، وجاءت النتائج لتعكس فعليًا إرادة الناس الذين عبروا عن رأيهم بحرية تامة'.
سئل: ' إذا لم تحصل تطورات أمنية إقليمية أو محلية، نحن على أبواب صيف واعد. هل اتخذتم تدابير لتأمين الأجواء الأمنية للسياح؟
أجاب: 'رغم الظروف التي تتحدث عنها، وضعنا خطة أمنية قبل أسابيع لحماية السياح، سواء من اللبنانيين القادمين من الخارج ومن الدول العربية أم الغربية، عبر خلق أجواء مريحة. بدأنا هذه التدابير في مطار رفيق الحريري الدولي – بيروت عبر زيادة عدد الكونتوارات وتسهيل المعاملات دخولًا وخروجًا، بالإضافة إلى مشروع تأهيل وتحسين طريق المطار، إنارتها وتجميلها وتخطيطها بتوجيه وإشراف رئيس الحكومة وعدد من الوزراء، وأنا من بينهم، بالإضافة إلى إجراءات أمنية ظاهرة ومستترة على طول الطريق وصولًا إلى وسط بيروت، كما تشديد التدابير الأمنية في كل لبنان وبصورة خاصة في الاماكن التي يرتادها السياح في العاصمة بيروت والخط الساحلي والجبل'.
سئل: ما أسباب ارتفاع معدل السرقات والجريمة؟
أجاب: 'أحيانًا نلاحظ، حسب الإحصاءات، ارتفاعًا في بعض أنواع الجرائم مثل النشل والسرقات في بعض المناطق، وخصوصًا في بيروت، لكن في المقابل نلاحظ تراجعًا في سرقات السيارات. وارتفاع السرقات قابله ارتفاع بنسبة التوقيفات بحدود 25%، ما يدل على فعالية قوى الأمن الداخلي في مكافحة هذه الظواهر، والتي تعود لأسباب متعددة، من بينها الأزمة الاقتصادية، الحرب التي مرت على لبنان، النزوح السوري واللبناني، والتراكمات من السنوات الماضية قبل انتخاب فخامة رئيس الجمهورية أو تشكيل الحكومة. نحن الآن نعمل بشكل جدي وفعّال على مكافحة هذه الظواهر في بيروت والمدن الكبرى وكل المناطق'.
سئل: هل تنسّقون مع الأجهزة الأمنية الأخرى؟
أجاب: 'طبعًا. كما تعلم، يرأس وزير الداخلية مجلس الأمن الداخلي المركزي، ومنذ استلامي مهامي عملت على عقد اجتماعات متتالية لهذا المجلس، وهو الإطار الأمثل للتنسيق بين جميع الأجهزة الأمنية من جيش وأمن داخلي وأمن عام وأمن دولة وغيرها. وحرصت على أن يكون المجلس هو منصة للعمل الأمني المشترك، وقد أعطينا توجيهات للتنسيق الكامل بين القادة الأمنيين، وهذا أعطى نتائج إيجابية في الانتخابات البلدية وسنراها في المرحلة المقبلة، سواء في التحضير لموسم الاصطياف أو في الإجراءات الأمنية الأخرى'.
سئل: ماذا تقول للمواطن اللبناني وللسائح الذي يزور لبنان؟
أجاب الحجار: 'أقول لهم إن لبنان ينتظرهم، والشعب اللبناني يفتح قلبه لكل سائح أو مغترب. لبنان بلد فريد يتمتع بطقس جميل، وضيافة مميزة، وعلاقات طيبة مع الجميع، وأمن جيّد بفضل الإجراءات التي بدأناها من المطار. لا أنكر أن الوضع الأمني في المنطقة ضاغط، لكن اللبناني يمتلك إرادة الحياة. فرغم وجود الاحتلال الإسرائيلي، أجرينا الانتخابات في الجنوب وسار لبنان بأجندة الدولة، ونجحنا في الجنوب وفي كل لبنان، بفضل إرادة الحياة والبقاء التي نملكها'.
سئل: 'لعل موقف الحكومة الأخير بضرورة حياد لبنان يبعده عن المخاطر؟
أجاب: 'أكيد. نحن لا نرغب بأن يدخل لبنان في مشاكل أكبر منه. نريده بمنأى عن تداعيات الأحداث في المنطقة'.
سئل: هل يمكن أن نطمئن الشعب اللبناني أن الانتخابات النيابية ستجري في موعدها؟
أجاب: 'كما أجرينا الانتخابات البلدية والاختيارية في موعدها، بعد التأجيل الذي حصل لثلاث مرات متتالية، أرى أنه لا يوجد أي سبب يمنع إجراء الانتخابات النيابية في موعدها. إنه استحقاق مهم لتجديد الحياة السياسية. وزارة الداخلية منكبة على التحضيرات، والحكومة ستواكب ذلك. وهذا قرار متخذ على أعلى المستويات'.
وعن أبرز التحديات في التحضير لهذه الانتخابات؟
قال الحجار: 'أشارك في اجتماعات اللجان النيابية لمناقشة التعديلات المقترحة على قانون الانتخابات، كتصويت المغتربين والبطاقة الممغنطة. وقد شُكلت لجنة وزارية برئاستي مع عدد من الوزراء المعنيين للنظر في هذه التعديلات. كل هذه الأمور تهدف إلى ضمان إجراء الانتخابات في وقتها رغم التحديات الأمنية والإدارية'، مضيفا 'طموحنا هو إجراء الانتخابات إلكترونيًّا بكبسة زر، لكن ذلك يتطلب تحضيرات وبنية تحتية، ونحن نعمل على ذلك، ولكن قد لا تكون جاهزة للانتخابات المقبلة. نحن بصدد العمل على بطاقة هوية إلكترونية (Digital ID) ونعمل على تأمين التمويل اللازم. أما البطاقة الممغنطة، فالموضوع قيد الدراسة وكل ذلك مرتبط بالتعديلات على قانون الانتخاب، ونحن نواكبها'.
سئل: هل تعدون الناس بانتخابات نيابية نزيهة أيضًا؟
أجاب: 'الجميع شهد على نزاهة وشفافية الانتخابات البلدية والاختيارية، والدولة كانت على الحياد التام، ونفتخر بذلك. الفضل ليس لي وحدي، بل لكل فريق العمل، من المدراء العامين إلى الموظفين والضباط والإعلاميين. كان عملاً جماعيًّا، وقوى الأمن الداخلي أدت واجبها بالكامل. أعدكم بأن تكون الانتخابات النيابية المقبلة نزيهة وشفافة، وأن تعكس صناديق الاقتراع تطلعات الناس، وأن تجدد الحياة السياسية لمستقبل أفضل للبنان'.
سئل: كيف تقيّمون وضع مؤسسة قوى الأمن الداخلي في ظل الأوضاع الاقتصادية الضاغطة؟
أجاب: 'عانت قوى الأمن الداخلي كما غيرها من المؤسسات من الظروف الصعبة التي شهدتها البلاد. ومع ذلك، أثبتت أنها ضمانة أمن المواطنين. لم تتأخر يومًا عن تأدية مهامها، وأنا واكبت عملها حتى بعد تقاعدي وحاليًّا كوزير للداخلية. هذه المؤسسة تستحق كل دعم. نعمل حاليًا على تحسين رواتب الضباط والعناصر والموظفين المدنيين، وكلهم لهم حقوق يجب على الدولة أن تلبيها.أنا أعرف مشاكل وهموم المؤسسة قيادة وضباطًا وعناصر وسأبقى صوتهم بهدف تحقيق مطالبهم المحقة'.
وعن خطة تطوير قوى الأمن الداخلي؟
قال الحجار: 'قوى الأمن الداخلي لم تتوقف يومًا عن التطور. كنت في قيادة معهد قوى الأمن الداخلي، وأعددت الخطة الاستراتيجية 2018–2022 التي ساهمت بنقلة نوعية. حاليًا، أعمل على خطة استراتيجية لوزارة الداخلية، وطلبت من قوى الأمن الداخلي إعداد خطة خاصة بها. وسأتابع ذلك مع اللواء المدير العام للبناء على ما تحقق، واستكمال تطوير المؤسسة'.
وحول مناسبة عيد قوى الأمن، والكلمة التي توجهها للضباط والعناصر، قال الحجار: 'أعتز أنني ابن قوى الأمن الداخلي، وأفتخر أنني خرجت من هذه المؤسسة. أقول لرفاقي من كل الرتب: يجب أن تكونوا قدوة في مواجهة الأزمات والصعاب. حقوقكم أمانة، وسأسعى دائمًا لتحقيقها. كونوا كما عرفتكم دائمًا على قدر تطلعات المواطنين'.
سئل: ماذا يعني فعليًّا إعادة العمل بقاعة محكمة سجن رومية؟
أجاب: 'شاركت بوضع الحجر الأساس لهذه القاعة يوم كنت قائدًا لمعهد قوى الأمن. وتم تشييدها، لكنها لم تعمل لفترة طويلة، ومؤخرًا بعد التنسيق مع وزير العدل مشكورًا والذي أوجه له تحية، عملنا على إعادة العمل في القاعة وبالفعل تم إنجاز عدد كبير من المحاكمات وهي ما زالت مستمرة بهدف تخفيف الاكتظاظ في سجن روميه المركزي والاسراع في الاحكام'.
سئل: قلتم إن السجن يجب أن يكون إصلاحيًّا لا عقابيًّا. ماذا يعني ذلك في لبنان؟
أجاب الحجار: 'السجن يجب أن يؤهل السجين لا أن يعاقبه فقط. سجن رومية بني كمؤسسة إصلاحية، وكان فيه مشاغل تعليمية، لكنها تحولت إلى غرف بسبب الاكتظاظ. نعمل الآن على إعادة تأهيل المساجين للانخراط في المجتمع، وقد بدأنا بذلك في سجن الأحداث في الوروار بدعم من الاتحاد الأوروبي وأصدقاء من لبنان. نريد أن تكون هذه التجربة نموذجًا. فالسجين هو مواطن جنح لكن لا يمكن حذفه من المجتمع'، مضيفا 'نعمل على تخفيف الاكتظاظ، ونأمل في إعادة إدارة السجون إلى وزارة العدل كما ينص القانون، بحيث تبقى قوى الأمن مسؤولة عن الحماية الخارجية فقط، وهذا يعني التحول إلى ادارة سجون متخصصة من قبل إدارة متخصصة'.
سئل: هل تملكون رؤية شاملة لإصلاح السجون؟
أجاب: 'نعم. نحتاج إلى بناء سجون جديدة، وإدارة حديثة تحت إشراف وزارة العدل. هناك خطة لم تُنفّذ سابقًا لأسباب متعددة، ونأمل تنفيذها قريبًا''.
وختم الحجار: 'أتمنى أن أكون وزير الناس. دائمًا كان يقال بأن وزير الداخلية والبلديات هو الحاكم الإداري للجمهورية، إلا أنني أقول بأن طموحي هو أن أكون خادمها الإداري. هذه هي السياسة كما أفهمها: التضحية والعمل ونذر النفس والشفافية والابتعاد عن الطموحات الشخصية والمصالح… والعمل من أجل الناس. سأبقى أتابع شكواهم وأتفاعل معهم مباشرة. الأمن، السير، الدراجات، وكل الملفات ستكون أولويتنا، وسيكون الهم الأمني للناس هو الشغل الشاغل بالنسبة إلي، وسنُطلق قريبًا خدمة الشكاوى المباشرة للمواطنين. أنا حاليًّا اتلقى الشكاوى وأعالجها لكن في القريب سنطلق هذه الخدمة لأنه من حق المواطن أن يحصل على حقه عند أي تقصير أو خلل في المرافق التابعة لوزارة الداخلية'.
وعايد 'كل الزملاء في قوى الأمن الداخلي، قيادة وضباطًا ورتباءَ وأفرادًا، بمن فيهم المتقاعدون'، مؤكدًا 'أنه لن يدخر جهدًا مع الحكومة للعمل على إعطائهم حقوقهم، وأن كل الجهود تهدف إلى تقديم أفضل خدمة وضبط الأمن في كل لبنان'.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرأي
منذ ساعة واحدة
- الرأي
... الدور على غزة!
أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بما لا يدع مجالاً للشك دفاعه المستميت عن رئيس وزراء العدو الإسرائيلي نتنياهو، بل وتمسكه به للحفاظ على بقائه بالحكومة ضد المعارضة الداخلية التي تسعى لإسقاطه وإحالته للمحكمة، خاصة بعد أن انتهت الحرب (الإسرائيلية-الإيرانية) ولا يوجد جديد يشغل الشارع الإسرائيلي! وقد أكد ذلك بدفاعه عنه الأسبوع الماضي ضد محاكمته بقضايا فساد وطالب بالغائها، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة «ستكون الآن من سينقذه» كما «أنقذت إسرائيل»! الآن بدأت مهمة ترامب الثانية في إنقاذ حكم وحكومة نتنياهو، فبعد أن تدخل وعطل البرنامج النووي الإيراني بعد ضرب المنشآت النووية لتخصيب اليورانيوم في (فوردو) و(نطنز) و(أصفهان) جاء دوره لحماية حكمه من المعارضة الداخلية بالتركيز على إنهاء الحرب على غزة! ليس حباً في أهل غزة أو في إحلال السلام، لكن من أجل عقد صفقة مفاوضات مع المقاومة الفلسطينية تنتهي بإخراج جميع الأسرى الإسرائيليين، وبالتالي يكون قد (ضرب أكثر من عصفور بحجر) أخمد نيران المعارضة وأسقط محاولة محاكمته وأوقف الحرب ونال قبول الشارع وأهالي الأسرى ليبقى في سدة الحكم! هذا السيناريو جعل ترامب، يتحدث عن ضرورة إيقاف الحرب في غزة خلال أسبوعين! المتوقع في المقبل من الأيام زيادة الضغط على المقاومة الفلسطينية لإخراج الصهاينة أحياء أم جثثاً بأي طريقة، المهم إيقاف الحرب بأي ثمن حتى لو تطلب ذلك تدخل الطائرات الأميركية لضرب غزة... والله المستعان! على الطاير: • تخيلوا... الاتحاد الاوروبي فرض 18 حزمة عقوبات على روسيا بسبب حربها على أوكرانيا! • لكن لم يتمكن من فرض عقوباته على إسرائيل التي خرقت المادة الثانية لحقوق الإنسان ضمن اتفاقية الشراكة بين الاتحاد وإسرائيل، ولم يطبق عقوباته الاقتصادية مكتفياً بالتنديد والتهديد رغم عقد 13 اجتماعاً أوروبياً لقادته واجتماعات شهرية لوزراء خارجيته منذ بداية الحرب على غزة! • حتى البيان الختامي الأخير لقادته أجل الحسم في موضوع فرض العقوبات بسبب غير معلن... هو وجود (ترامب)! ومن أجل تصحيح هذه الأوضاع، بإذن الله نلقاكم! email:[email protected] twitter: bomubarak1963


اليوم الثامن
منذ 2 ساعات
- اليوم الثامن
مبادئ الفلسفة الوجودية ومفهوم الحرِّية
"لقد خلقنا الله أحرارًا ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا"، تلك الجملة الخالدة التي نطق بها بكل قوَّة وثقة الزعيم المصري "أحمد عرابي" في وجه "الخديوي توفيق" عام 1881—لم يكن يعلم أبدًا أنها أحد أهم مبادئ الفلسفة الوجودية، وعلى وجه الخصوص واحدة من أهم الموضوعات التي تناولها لاحقًا الفيلسوف الفرنسي "جون بول سارتر" Jean-Paul Sartre (1905-1980)، في كتابه "الوجود والعدم" (1943)، والتي بها أشعل نيران النداء بحرية الإنسان ليس فقط في أوروبا، بل أيضًا امتد لظاها إلى جميع أرجاء العالم. ويعد السبب الأوَّل في تفشي الإيمان بحرِّية الفرد في ذاك الوقت، بالتحديد أثناء الحرب العالمية الثانية، هو المحاولة الدؤوبة للتخلُّص، قبل أي شيء، من جميع ألوان القيود الاجتماعية التي تكون أقوى من أي قيد ديني أو سياسي؛ فخوف البشر من نظرة بعضهم للآخر يفوق أي سُلطة أخرى, فالتأثير المباشر الفوري لآراء الآخرين يخلق ضربًا من ضروب السُّلطة التي قد تجعل أي شخص قد يتبنَّى سلوكًا ليس "أصيلًا"، أو بالأحرى لا يتوافق مع طبيعته، لمجرَّد الخشية من التعرَّض للانتقاد أو فقد القبول الاجتماعي. والفلسفة الوجودية انتشرت في جميع أرجاء العالم منذ منتصف القرن الماضي تقريبًا، ولا زالت تحظى بالعديد من المؤيدين؛ بسبب أنها لم تتبِّع المنهاج التقليدي للتيَّارات الفلسفية، بوجه عام، والتي تحاول تفسير السلوك البشري من خلال منظور موضوعي ومجرَّد. فالفلسفة الوجودية، والتي أيضًا تعنى بدراسة البشر، اختارت دراسة الأفراد وسلوكهم بشكل مستقل عن الثقافة والتقاليد والقوانين، أي أنها تعنى بالإنسان ووجوده ككائن حي بعيدًا عن أي جدليات أو قيود. وبما أن الفلسفة الوجودية تؤكِّد أن الإنسان حرّ وله مطلق الحرِّية في جميع أفعاله، فبدراسة سلوك البشر لوحظ أن الإنسان يعتقد أن تلك الحرِّية هي عبء يُثقِل كاهله، ويود التخلُّص منه في كثير من الأحيان كي يحظى بالقبول الاجتماعي ولا يتعرَّض للانتقادات. وتلك الظاهرة قد أطلق عليها "سارتر" ما يسمى ب"سوء المعتقد" Mauvaise foi، وهي ظاهرة نفسية تجعل الفرد يتصرَّف بشكل غير أصيل؛ أي منافي لطبيعته التي جبله الله عليها، وهذا لاستسلامه للظروف الاجتماعية الخارجية. وينجم عن ذلك تبني الفرد لقيم زائفة، والأدهي من ذلك، التبرُّأ من حريته الفطرية التي جعلت منه كيان بشري واعي. أضف إلى هذا، فإن حالة "سوء المعتقد" تنشأ أيضًا من اقتران الفرد بمفاهيم تجعله يخدع ذاته، أو يساير آخرين بالشعور بالامتعاض ورفض بعض الأمور والسلوكيات ظاهريًا؛ خشية من مخالفة الرأي السائد، مما قد يجعله هو ذاته محور الانتقاض والازدراء. ووفقًا لسارتر، "الواقع البشري هو ما ليس عليه، وهو ليس ما هو عليه". تلك الجملة الملغزة تعني أن الإنسان يُدرك تمامًا أن إدراكه بذاته وقدراته وأراءه التي يحبسها بداخله لا تعكس أبدًا هذا السلوك أو إدراك الذات الذي يتبنَّاه ظاهريًا كي يصير مقبولًا اجتماعيًا. فالإنسان لم يُخلق ليكون "شيئًا مقصودًا" Intentional Thing، مما يعني أنه يجب أن يخضع للقيود الخارجية التي يفرضها الواقع الشخصي، أو الجسدي، أو التاريخي أو حتى المسئولية الموضوعية. فعلى سبيل المثال، تبعًا ل"سارتر"، قد يقول البعض أنهم لا يودون الاستمرار في وظيفة ما، لكن ما يكبِّلهم هو وجوب العيش طبقًا لمستوى اجتماعي معيَّن حتى لا يفقدوا احترام الآخرين لهم، أو لكي يفوا بالتزاماتهم الاجتماعية إزاء، على سبيل المثال، عائلتهم. ففي كلا الحالتين يجنح الفرد لكبح حريته الشخصية خشية نظرة الآخرين له، والحكم عليه بأنه قد هجر إلتزاماته من أجل السعي وراء متطلَّباته الشخصية. ولعل ذاك هو السبب الذي يجعل الأفراد يزعمون بأريحية أن التقاليد، أو أي شكل من أشكال النواميس الاجتماعية، تفرض عليهم أمر ما ؛ لأن ذلك يجعلهم يشعرون براحة أكثر، لعدم الرغبة في تحمُّل مسئولية حرِّية تصرفاتهم. فتحمُّل عبء الحرِّية الفردية التي منحها الخالق لأي إنسان هي أمر مُرعب. ووفقًا لذلك، فإن مبدأ "إرادة القوَّة" الذي كان ينادي به الفيلسوف الألماني "فريديريك نيتشه" صعب التطبيق ومرعبًا للكثيرين، بل أن "نيتشه" جاوز هذا بالتوكيد بأن من استطاع تطبيق إرادته الحرَّة يصبح نموذجًا ل"الفوق إنسان" أو كما يترجمه البعض ال"سوبرمان". وبما أن تلك المعضلة لا يمكن تجاوزها، فإن "سارتر" يحزم الجدل بقوله أن أفضل تعريف للشخص هو تعريفه من منظور سلبي، باعتباره "ما ليس عليه"، وهذا النفي هو التعريف الإيجابي الوحيد لـ "ما هو عليه". لقد ألقى الإنسان بنفسه في خضم جحيم الآخرين عندما اعتبر نظراتهم تجاهه ورأيهم فيه، أي أنه قايض وعيه الأصيل بنفسه بوعي الآخرين الزائف به، الذي حتمًا قد يتغيَّر تبعًا لتغيير حالتهم المزاجية أو حتى مواقفهم تجاهه؛ أي أنه يتبنى لنفسه "سوء المعتقد" كي يتخلَّص من عبء الحرِّية التي قد تكشف "ماهو عليه" والذي قد يكون حقًا صادمًا له شخصيًا. ولقد عبَّر "جون-بول سارتر" عن تلك الفكرة بكل وضوح وعبقرية في مسرحيته الموجزة "خلف الأبواب الموصدة" Hui Clos (1944)، وهذا العنوان مستعارًا من اللغة اللاتينية ويستخدم في المحاكم عندما تكون الجلسات الجنائية تستبعد حضور العامة وتقصر الجلسات على المدَّعين والدفاع والقاضي؛ أي أن الانطباع الرئيسي هو وجود محكمة وحساب. ولقد وصف النقَّاد تلك المسرحية بأنها من الأعمال الجيدة التي يجب أن يراها كل فرد؛ فهي تدور حول فكرة فريدة من نوعها؛ وهي مسألة الحساب بعد الموت. وعلى عكس وصف حساب الآخرة وجهنم، كما ورد في "الكوميديا الإلهية" عند "دانتي" أو في حتى الكتب السماوية، جاء حساب الآخرة في مسرحية "خلف الأبواب الموصدة" بشكل محتلف تمامًا. عقاب جهنم يأتي في هيئة حبس ثلاثة أفراد مع بعضهم البعض في حجرة حديثة الأثاث ويجب على كل واحد فيهم تحمُّل الآخر، والأصعب تحمُّل نظرته له ورأيه فيه. في بادئ الأمر، يحاول "جارسين" الصحفي و"إيستيل" الجميلة اللعوب إخفاء حقيقتهما، بل أن "إيستيل" تدعي أنها قدمت لهذا المكان عن طريق الخطأ، وهذا ضمن محاولة يائسة منهما لتحسين صورتهما. وعلى النقيض، "إيناز" تعترف بخطاياها بكل شجاعة، وتعلن بأن وضعهم في تلك الغرفة المغلقة هو مخطط جهنمي؛ فلن يوجد جلادًا يلقون عليه اللوم أو يستريحون لمجرَّد أن خطاياهم لسوف تظل مستترة ومخفية عن عيون الآخرين، فالعذاب الحقيقي هو تعذيب كل منهم للآخر للأبد. حتى عندما تم فتح الباب، لم يستطع أي منهم الخروج بالرغم من الشعور بالضجر الشديد؛ وهذا خشية أن ينتشر خبر آثامهم وفشلهم في الحياة، مما يعطي إنطباع سيء عنهم أمام جمهور أكبر. المعضلة الرئيسية أنهم حتى بعد الموت لا يدركون أن نظرة الآخرين لهم أصبحت لا قيمة لها، لكن العذاب الحقيقي أن الإنسان يسجن نفسه في "سوء المعتقد" بمحض إرادته. في مسرحية "خلف الأبواب الموصدة" أُطلقت العبارة الشهيرة "الجحيم هو الآخرين"، والتي لا تزال متداولة حتى الآن. والمدهش أن الإنسان لم يكتفِ بزيف شخصه وسوء معتقده للدوائر المحيطة به، بل أنه في عصر وسائل التواصل الاجتماعي يحاول نشرهما على مدى أوسع، ويضع لنظرة الآخرين العديد من الاعتبارات. فالإنسان الحديث يسعد عندما يجمع أكبر عدد من المشاهدات وعلامات الإعجاب والتعليقات على منشوراته. لكن مصدر سعادته تلك تنقلب لشقاء عندما تكون المشاهدات لفضيحة أو كلام مسيء، وتتحوَّل علامات الإعجاب لعلامات غضب، والتعليقات إلى سباب. وكثيرًا ما يقع معتنقي "سوء المعتقد" في مشكلات كبرى قد تتحوَّل إلى محاكمات جنائية وتتطور إلى عقوبات بالسجن أو الغرامة أو كليهما، وهذا سعيًا وراء تصدُّر "الترند". وبعد هذا يشتكي الفرد من الظلم الواقع عليه، بل وتأتي الشكوى بنفس الطريقة التي يأمل أن تجعل منه "ترند" وقد تعرضه للسباب. أي أن الإنسان أصبح يدور في دائرة مفرغة لا فرار منها. وعندما يصبح الجحيم هو الآخرين، فيجب أن يعلم أي شخص أنه هو من فتح بوابات الجحيم عندما قايض حريته ب "نظرة الآخرين" واعتبار آرائهم. فجميع المخلوقات قد جُبِلَت على الحرِّية حتى ولو كانت حبيسة أعتى السجون أو واقعة تحت أشد أنواع القهر، لكن يأتي كبح تلك الحرية من سجن الفرد لنفسه بمحض اختياره.


الوطن الخليجية
منذ 3 ساعات
- الوطن الخليجية
قوات الإحتلال تأمر بإخلاء شمال غزة وتكثف ضرباتها الجوية وسط دعوة ترامب لاتفاق ينهي الحرب
أصدر الجيش الإسرائيلي يوم الأحد أوامر جديدة بإخلاء مناطق واسعة في شمال قطاع غزة، بما في ذلك جباليا وأجزاء كبيرة من مدينة غزة، في خطوة تمهد لتوسيع العمليات العسكرية ضد حركة حماس. وجاءت هذه التطورات بالتزامن مع دعوة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى إنهاء الحرب، عبر منشور على منصة 'تروث سوشيال' كتب فيه: 'أبرموا اتفاق غزة، واستعيدوا الرهائن'، في إشارة إلى مساعٍ جديدة لوقف إطلاق النار قد تكون قيد النقاش خلف الكواليس. ووفقاً لمصادر أمنية إسرائيلية، من المقرر أن يترأس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اجتماعاً في وقت لاحق من اليوم الأحد لتقييم تقدم العملية العسكرية في غزة. وأشار مسؤول أمني كبير إلى أن الجيش سيبلغ نتنياهو بأن الحملة تقترب من تحقيق أهدافها، لكنه سيحذر في الوقت ذاته من أن توسيع العمليات إلى مناطق جديدة قد يهدد سلامة الرهائن المتبقين لدى حماس. في المقابل، أطلق الجيش الإسرائيلي نداءات عبر منصة 'إكس' (تويتر سابقاً) وعبر رسائل نصية مباشرة إلى سكان شمال القطاع، مطالباً إياهم بالتوجه نحو منطقة المواصي في خان يونس، والتي تصنفها إسرائيل بأنها 'منطقة إنسانية آمنة'. غير أن مسؤولين فلسطينيين وممثلين عن الأمم المتحدة جددوا التأكيد بأنه 'لا يوجد أي مكان آمن في غزة'، في ظل استمرار الغارات والقصف في كل أرجاء القطاع. وقال الجيش الإسرائيلي في بيانه: 'قوات الدفاع تعمل بقوة شديدة جداً في هذه المناطق، وستتوسع الأعمال العسكرية غرباً باتجاه مركز مدينة غزة، بهدف تدمير قدرات المنظمات الإرهابية'. ويُعتقد أن العمليات الحالية تهدف إلى تفكيك البنية التحتية العسكرية لحماس، وإضعاف قدرتها على إطلاق الصواريخ واحتجاز الرهائن. في جباليا شمال غزة، أفاد مسعفون وسكان محليون بأن القصف الإسرائيلي اشتد خلال ساعات الصباح الأولى، ما أدى إلى تدمير عدة منازل واستشهاد ستة أشخاص على الأقل قبل أن يطلب جيش الإحتلال بإخلاء شمال غزة. وفي خان يونس جنوباً، قُتل خمسة أشخاص جراء غارة جوية استهدفت مخيماً قريباً من منطقة المواصي. كما أسفرت غارات متفرقة وإطلاق نار في أنحاء القطاع عن استشهاد ما لا يقل عن 12 شخصاً آخرين، لترتفع بذلك حصيلة ضحايا اليوم إلى 23 شهيداً على الأقل، بحسب ما أكدته مصادر طبية. وفي مستشفى ناصر بمدينة خان يونس، احتشدت عائلات الضحايا لتقديم واجب العزاء قبل دفن الشهداء. وقال زياد أبو معروف، أحد سكان خان يونس، إن ثلاثة من أطفاله قُتلوا وأصيب رابعهم في غارة استهدفت منزلهم في المواصي، التي سبق أن طلبت إسرائيل من الفلسطينيين التوجه إليها باعتبارها منطقة آمنة. وأضاف أبو معروف في حديثه لوكالة 'رويترز': 'قبل شهر، قالوا لنا اطلعوا على المواصي، رحنا وقعدنا هناك شهر. الآن ضربوا المواصي. وين نروح؟'، قبل أن يوجه نداءً مؤثراً قائلاً: 'نرجو من الله ثم من العرب إنهم يتحركوا، ينهوا الاحتلال هذا والظلم اللي بيصير'. في ظل استمرار العمليات الإسرائيلية وتصاعد أعداد الضحايا المدنيين، تتزايد الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار وإيجاد ممرات آمنة للمدنيين. ومع غياب أي أفق سياسي واضح، يبقى سكان غزة عالقين في دوامة حرب تتجدد فصولها يوماً بعد يوم، وسط تحركات دبلوماسية خجولة لا تزال بعيدة عن تحقيق أي اختراق حقيقي.