صاروخ بن غوريون وتغيير المعادلات: كيف فرضت القوات اليمنية المسلحة الحصار الجوي على 'إسرائيل'؟محمد الأيوبي
صاروخ بن غوريون وتغيير المعادلات: كيف فرضت القوات اليمنية المسلحة الحصار الجوي على 'إسرائيل'؟
محمد الأيوبي
في لحظة خاطفة، تهاوى وهم 'السماء المحصّنة'. ففي الرابع من أيار/مايو 2025، لم يكن الشرق الأوسط على موعد مع مجرّد تصعيد جديد، بل مع ولادة معادلة إستراتيجية غير مسبوقة. بإعلان القوات اليمنية المسلحة فرض 'حصار جوي شامل' على الكيان 'الإسرائيلي'، تحوّلت خارطة الاشتباك من جغرافيا غزّة إلى فضاء إقليمي مفتوح، تجاوز خطوط التماس المباشر، ليضرب أحد أكثر رموز البنية التحتية 'الإسرائيلية' حساسية: مطار 'بن غوريون' الدولي.
الضربة: لحظة كسر الردع
الصاروخ الذي استهدف مطار 'بن غوريون' لم يكن اعتياديًا. لقد اخترق طبقات الدفاع المتعددة، الأميركية و'الإسرائيلية'، ليصيب هدفه بدقة، وسط صدمة استخبارية لم تنفع معها التبريرات. فشل منظومات الدفاع 'القبابيّة' كشف هشاشة ما سُمّي لعقود بـ'حصن الردع الإسرائيلي'، وكشف معه محدودية القدرة الأميركية في تأمين الحليف المدلل في لحظة الحقيقة.
من غزة إلى 'بن غوريون': المعركة تتّسع
منذ أيلول/ سبتمبر 2024، دأبت القوات اليمنية على إطلاق صواريخها باتجاه البحر الأحمر والأراضي الفلسطينية المحتلة، دعمًا واضحًا وصريحًا للمقاومة في غزة. لكن استهداف المطار المركزي لـ'إسرائيل' شكل نقطة تحوّل: فالأمر لم يعد مجرّد إسناد رمزي، بل دخول فعلي في معركة فرض المعادلات.
ما جرى لم يكن فقط خرقًا أمنيًا؛ بل خرقًا مفهوميًا لمعنى 'الحدود الآمنة'، وأسّس لمرحلة جديدة، تُفقد 'تل أبيب' تفوقها الجوي والناري، وتضع مطاراتها ومرافئها تحت رحمة قرار يُتخذ من جبال صعدة أو كهوف عمران.
الحصار الجوي: إسقاط إحدى أهم مزايا 'إسرائيل'
القدرة على التحرك الجوي كانت جزءًا من تفوق 'إسرائيل' الإستراتيجي: حركة الطيران المدنية والعسكرية، استقبال الدعم الخارجي، والهروب نحو الملاذات الدولية عند الأزمات. اليوم، كل تلك القواعد باتت مهددة. فحين تُصبح مطارات 'اللد' و'إيلات' و'ريشون لتسيون' ضمن مدى نيران منظمة ومتكررة، فإن 'إسرائيل' لم تعد نقطة منيعة في شرق المتوسط، بل هدفًا مرصودًا ضمن مجال ناري يمتد من اليمن إلى لبنان، مرورًا بسورية والعراق.
الرسائل تتجاوز 'إسرائيل': الغرب في مرمى المعادلة
ما يحرج واشنطن أكثر من الضربة نفسها هو العجز عن منعها. الغارات الأميركية على اليمن، وإسقاط طائرة 'إف-18 سوبر هورنت' في البحر الأحمر، والانكشاف الاستخباري أمام منصات الإطلاق المتنقلة، جميعها مؤشرات على مأزق الردع الأميركي، لا تجاه اليمن فحسب، بل تجاه المحور الذي تقوده طهران ويضم صنعاء وبغداد وبيروت وغزة.
الإدارة الأميركية، العالقة بين مستنقع أوكرانيا وارتدادات صراع غزة، تدرك أن توسيع الجبهة ضد إيران لم يعد خيارًا واقعيًا، خصوصًا بعد دخول روسيا علنًا على خط الحلف الإستراتيجي مع طهران. فالاتفاقية العسكرية الموقّعة بين موسكو وطهران، والتي دخلت حيز التنفيذ لعشرين عامًا، تقلب طاولة التهديدات، وتجعل أي عدوان على إيران مغامرة غير محسوبة العواقب.
إيران: البنية التي لا تُرى.. وتُخشى
حين دعا 'بيني غانتس' إلى ضرب إيران ردًا على صاروخ يمني، لم يكن ذلك زلة خطابية، بل إقرار ضمني بحقيقة التكوين الجديد للميدان. 'إسرائيل' تعرف – كما تعرف واشنطن – أن هذا المحور ليس تجمّع 'ميليشيات متفرقة'، بل مشروع مقاومة متكامل، يتشارك المعرفة والقدرات والقرار، ويعمل على قاعدة التنسيق العملياتي الذكي، وليس الانفعال الميداني.
الضربة على مطار 'بن غوريون'، سواء نُفذت بصاروخ يمني خالص أو بدعم تقني إيراني، تؤكد أن هناك عقلًا عسكريًا يتجاوز ردود الأفعال، ويشتغل على مراكمة القدرات النوعية في صمت، ليفاجئ الخصم بضربات مدروسة توقيتًا وهدفًا.
فشل الردع التقليدي: ولادة معادلة ردّ جديدة
الضربات الأميركية و'الإسرائيلية' لم توقف مسار الصواريخ اليمنية، بل زادت من وتيرتها ومن دقتها. وهذا بحد ذاته يُسقط إحدى أهم ركائز العقيدة العسكرية الغربية: القدرة على الضرب الاستباقي. فالحوثي – كما تُصرّف النخبة السياسية الغربية اسمه – لم يعد مجرد 'متمرّد' في نظرهم، بل فاعل إقليمي يمتلك ناصية القرار في منطقة حساسة، تمتد من باب المندب إلى عمق الأراضي الفلسطينية.
أما التهديدات 'الإسرائيلية' بالردّ 'بسبعة أضعاف' فهي أقرب إلى الاستعراض الإعلامي منها إلى الخطط الفعلية. فتجربة اليمن أثبتت أن الحرب المفتوحة مع صنعاء مكلفة ومكشوفة ومحفوفة بالمخاطر، سواء من ناحية الجغرافيا أو القدرة القتالية أو حتى مناخ الإسناد الشعبي العربي المتصاعد.
من الدفاع إلى الهجوم السياسي: تكريس معادلة الفعل
اليوم، لم تعد صنعاء في موقع الدفاع عن غزة، بل أصبحت لاعبًا يفرض مفاعيل قراره على عمق 'إسرائيل'. الحصار الجوي لم يأتِ كرد فعل، بل كخيار هجومي مدروس، ينقل المواجهة من الرمزيات التضامنية إلى فرض المعادلات الصلبة.
تل أبيب في مرمى النيران الدقيقة، وواشنطن في مأزق الخيارات، وعواصم الغرب أمام اختبار حقيقي لصدقية تحالفاتها. أما العرب، فإن لحظة الحقيقة أمامهم: إمّا أن يكونوا شهودًا على تغيير التاريخ، أو شهود زور في محكمة تسقط فيها فلسطين مرة أخرى.
زمن السماء المفتوحة انتهى
الضربة اليمنية لم تُعطّل مطارًا فحسب، بل عطّلت أيديولوجيا بكاملها، تلك التي بُنيت على تفوّق السماء. لقد ولّى زمن الهيمنة الجوية، وبدأ زمن الأهداف المكشوفة. ومن لا يملك سماءه، لن يفرض شروطه على الأرض.
2025-05-10
The post صاروخ بن غوريون وتغيير المعادلات: كيف فرضت القوات اليمنية المسلحة الحصار الجوي على 'إسرائيل'؟محمد الأيوبي first appeared on ساحة التحرير.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الأنباء العراقية
منذ 10 ساعات
- الأنباء العراقية
هجوم صاروخي جديد من اليمن يستهدف وسط الكيان الصهيوني
متابعة - واع دوت صافرات الإنذار فجر اليوم الجمعة في تل أبيب ومناطق واسعة من الكيان الصهيوني نتيجة هجوم صاروخي من اليمن هو الثالث خلال 24 ساعة. وقال المتحدث باسم الجيش الصهيوني: " أنه عقب الإنذارات التي تم تفعيلها قبل قليل في عدة مناطق، تم اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن". وأضاف أنه "تم رصد صاروخ أطلق من اليمن باتجاه الأراضي الصهيونية، وأن أنظمة الدفاع تعمل على اعتراض التهديد". وأعلن أنصار الله (الحوثيون) في وقت سابق من الخميس استهداف مطار بن غوريون بصاروخ بالستي بعد ساعات من صاروخ آخر تم إطلاقه على الكيان الصهيوني.


اذاعة طهران العربية
منذ 3 أيام
- اذاعة طهران العربية
إلغاء 45 رحلة جوية إلى مطار بن غوريون
وكشفت مواقع أقمار صناعية، اليوم الثلاثاء، عن تأثير هذا الحصار على الملاحة الجوية للاحتلال، والذي دخل أسبوعه الثاني. وأظهر موقع "فلايت رايدر 24" المتخصص في تتبع حركة الملاحة الجوية تراجعاً ملحوظاً في عدد الرحلات الجوية إلى مطارات الاحتلال، حيث تم إلغاء نحو 45 رحلة لمختلف شركات الطيران الدولية خلال الـ 24 ساعة الماضية فقط إلى مطار اللد، المعروف صهيونياً بمطار "بن غوريون". ويعتبر هذا الإلغاء بمثابة صفعة قوية للكيان الصهيوني. في سياق متصل، تواصل القوات المسلحة اليمنية تحذيراتها لشركات الطيران من مغبة استمرار رحلاتها إلى الأراضي المحتلة، مؤكدة أن جميع مطارات الاحتلال أصبحت على قائمة الأهداف. من جانبها، أشارت وسائل الإعلام العبرية إلى حجم الضربات التي تعرض لها الاحتلال من قبل صنعاء منذ استئناف عدوانه على غزة في 19 مارس الماضي، حيث تم إطلاق 35 صاروخاً باليستياً وما لا يقل عن 10 طائرات مسيّرة على الأراضي المحتلة.


اذاعة طهران العربية
منذ 3 أيام
- اذاعة طهران العربية
القوات اليمنية تفرض حظراً بحرياً على ميناء حيفا
وحذّر المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، الشركات التي لديها سفن في ميناء حيفا أو متجهة إليه، داعياً إياها إلى أخذ ما ورد في البيان وما سيصدر لاحقاً بعين الاعتبار. وأشار سريع إلى أن هذا القرار يأتي بعد نجاح القوات المسلحة اليمنية في فرض الحصار على ميناء أم الرشراش، مما أدى إلى توقفه عن العمل. وأكد العميد سريع أن القوات المسلحة اليمنية "لن تتردد في اتخاذ ما يلزم من إجراءات إضافية" لدعم الشعب الفلسطيني ومقاومته وإسناداً لهما. كما جدد التأكيد على أن جميع الإجراءات والقرارات المتعلقة ب الاحتلال الإسرائيلي ستتوقف "حال توقف العدوان على غزة ورفع الحصار عنها". تأتي هذه الخطوة بعد أن أعلنت القوات المسلحة اليمنية، في الرابع من مايو الحالي، عن نيتها فرض حصار جوي شامل على الاحتلال، من خلال استهداف المطارات، وعلى رأسها مطار اللد، المعروف إسرائيلياً بمطار "بن غوريون". وقد تلت ذلك عدة عمليات استهدفت المطار، مما دفع بملايين المستوطنين الإسرائيليين إلى الملاجئ، بينما حذرت صنعاء شركات الطيران من توجّه طائراتها نحو المطار.