logo
التكلفة الاقتصادية للصراع: الشرق الأوسط يدفع الثمن*د.حمد الكساسبة

التكلفة الاقتصادية للصراع: الشرق الأوسط يدفع الثمن*د.حمد الكساسبة

Amman Xchangeمنذ 3 ساعات

الراي
يشير التصعيد العسكري الأخير بين إيران وإسرائيل إلى عمق الأزمة البنيوية التي يعيشها الشرق الأوسط. فعلى الرغم من أن المواجهة تبدو ثنائية، إلا أنها تكشف عن هشاشة النظام الإقليمي وغياب آليات فعالة لإدارة الأزمات، ما يفتح المجال أمام اتساع رقعة التوتر واستمرار حالة عدم الاستقرار.
تمتلك المنطقة موارد طبيعية هائلة من النفط والغاز والطاقة الشمسية والرياح، كما تحتل موقعًا جغرافيًا استراتيجيًا يربط بين ثلاث قارات. ورغم هذه المزايا، تظل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية مقلقة. فمعدلات البطالة والفقر مرتفعة، وجودة التعليم والخدمات الصحية في تراجع، وكل تصعيد أمني يؤدي إلى تراجع الثقة بالاقتصاد، وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، وإبطاء عجلة التنمية.
تشير تقديرات متخصصة إلى أن بعض الدول الإقليمية تنفق على التسلّح أكثر من ضعف ما تنفقه على التعليم أو الرعاية الصحية، ما يعكس اختلالًا في الأولويات الاقتصادية ويؤدي إلى تأجيل الاستثمارات الحيوية في المستقبل.
وتزداد صعوبة التعامل مع هذه التحديات في ظل غياب مؤسسات إقليمية فاعلة قادرة على التنسيق والاستجابة للأزمات. فقرارات الدول تُتخذ بشكل منفرد، وغالبًا ما تُفضي إلى مفاقمة التوترات. ولا يمكن فصل ذلك عن استمرار غياب حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، التي لا تزال تمثل حجر عثرة أمام بناء الثقة بين شعوب المنطقة.
في المقابل، يعكس ضعف التكامل الاقتصادي محدودية الرؤية التنموية المشتركة. فالتجارة البينية منخفضة، والتعاون في مجالات الابتكار والتعليم والطاقة محدود، رغم وجود طاقات شبابية هائلة قادرة على قيادة النهضة، إذا توفرت لها فرص التأهيل والتمكين.
أما على الصعيد الدولي، فلا تزال القوى الكبرى تؤثر في مسار المنطقة من منطلقات قصيرة الأمد، غالبًا ما تُغيب الاعتبارات التنموية والاستقرار طويل الأجل. ويبرز هنا ضرورة تطوير مقاربة دولية أكثر اتزانًا، تُعلي من شأن التنمية والأمن المشترك.
ومن بين أبرز العوامل الداخلية التي تؤجج التوتر وتعيق فرص الاستقرار، استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، والابتعاد عن مسار التسوية العادلة. فهذا الواقع يُعمّق مشاعر الإحباط لدى شعوب المنطقة، ويُصعّب إطلاق أي مسار إقليمي جاد نحو سلام مستدام.
وإذا استمر الصراع بين إيران وإسرائيل، فإن المنطقة ستواجه تداعيات اقتصادية بعيدة الأثر. قد تتهدد طرق التجارة، وتتراجع الاستثمارات، وتُستنزف الميزانيات لصالح التسلّح بدل التعليم والصحة. كما ستتأثر السياحة، وقد تتعطل مشاريع الطاقة، ما يزيد من اتساع الفجوة التنموية بين الشرق الأوسط والمناطق الناشئة الأخرى.
إضافة إلى التكاليف المباشرة للصراع، تعاني المنطقة من تأخر رقمي وتكنولوجي واضح. فبينما تتسابق الأقاليم الناشئة نحو الذكاء الاصطناعي واقتصاد المعرفة، تظل استثمارات المنطقة في هذا المجال متواضعة ومشتتة. إن أي مسار تنموي حقيقي لا يمكن أن يتحقق دون بيئة مستقرة تشجع على الابتكار والتحول الرقمي.
كما أن استمرار النزاعات يعطّل قدرة دول المنطقة على مواجهة التحديات البيئية المتفاقمة، ويقوّض أمنها الغذائي والمائي، في وقت تُسجل فيه درجات الحرارة والضغط على الموارد مستويات غير مسبوقة.
تُظهر تجربة دول جنوب شرق آسيا كيف يمكن تحويل التوترات التاريخية إلى مسارات تكامل اقتصادي عززت الاستقرار ورفعت مستوى المعيشة، وهو ما يمكن الاستفادة منه في بناء نموذج تعاون إقليمي عربي فعّال.
إن الشرق الأوسط اليوم أمام لحظة فاصلة: إما أن يستمر في دوامة الصراعات، أو أن يتجه نحو بناء شراكات قائمة على التنمية والكرامة الإنسانية. فالتاريخ لا يرحم الجمود، ولا يمكن للمنطقة أن تواكب العالم دون إصلاح جذري شامل.
إن إنهاء الصراع الإيراني – الإسرائيلي لم يعد ترفًا دبلوماسيًا، بل ضرورة إقليمية ملحة. فاستمراره لن يحقق الأمن لأي طرف، بل يهدد مستقبل الجميع. وقد آن الأوان لأن تنعم شعوب هذه المنطقة، كما غيرها، بحقها في السلام والازدهار. والاستقرار الحقيقي لا تصنعه الاتفاقيات فقط، بل تبنيه أيضًا إرادة الشعوب المصمّمة على تحويل الأزمة إلى فرصة.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

السفارة الروسية في "إسرائيل" توصي رعاياها بمغادرة البلاد
السفارة الروسية في "إسرائيل" توصي رعاياها بمغادرة البلاد

سرايا الإخبارية

timeمنذ 29 دقائق

  • سرايا الإخبارية

السفارة الروسية في "إسرائيل" توصي رعاياها بمغادرة البلاد

سرايا - أوصت السفارة الروسية في "إسرائيل"، اليوم الاربعاء، جميع رعاياها المتواجدين في البلاد بمغادرتها مؤقتاً حتى عودة الأوضاع إلى طبيعتها. ونقلت وكالة "نوفوستي" عن بيان صادر عن السفارة، أن هذا الإجراء يأتي في ظل التصعيد الأمني المتواصل والمخاطر المحتملة على حياة المواطنين الروس. وأكدت السفارة أنها تتابع التطورات عن كثب، وتبقى على تواصل مستمر مع الجالية الروسية لتقديم أي دعم أو معلومات ضرورية بشأن المغادرة الآمنة.

الخارجية الصينية: نقل 700 من رعايانا في "إسرائيل" إلى أماكن آمنة والإجلاء متواصل
الخارجية الصينية: نقل 700 من رعايانا في "إسرائيل" إلى أماكن آمنة والإجلاء متواصل

سرايا الإخبارية

timeمنذ 29 دقائق

  • سرايا الإخبارية

الخارجية الصينية: نقل 700 من رعايانا في "إسرائيل" إلى أماكن آمنة والإجلاء متواصل

سرايا - أعلنت وزارة الخارجية الصينية، اليوم الأربعاء، أنها قامت بنقل 700 من رعاياها المتواجدين في "إسرائيل" إلى أماكن أكثر أمانًا، في ظل تصاعد التوترات العسكرية في المنطقة. وأوضحت الوزارة في بيان لها أن أكثر من ألف مواطن صيني آخرين في طريقهم إلى الإجلاء من إيران و "إسرائيل"، ضمن خطة طوارئ تهدف إلى الحفاظ على سلامة المواطنين الصينيين في بؤر التوتر. وأكدت الخارجية الصينية أن السفارات والقنصليات المعنية تعمل على مدار الساعة لضمان تنفيذ عمليات الإجلاء بسلاسة، مع استمرار التنسيق مع الأطراف المعنية لتوفير ممرات آمنة.

"مؤتمر حل الدولتين": الأحداث الراهنة تؤكد هشاشة الوضع في المنطقة
"مؤتمر حل الدولتين": الأحداث الراهنة تؤكد هشاشة الوضع في المنطقة

الانباط اليومية

timeمنذ 31 دقائق

  • الانباط اليومية

"مؤتمر حل الدولتين": الأحداث الراهنة تؤكد هشاشة الوضع في المنطقة

الأنباط - صدر بيان عن الرئاسة المشتركة لمؤتمر الأمم المتحدة الدولي رفيع المستوى بشأن التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتطبيق حل الدولتين (المملكة العربية السعودية وجمهورية فرنسا) ورؤساء مجموعات العمل التابعة للمؤتمر (البرازيل، وكندا، ومصر، وإندونيسيا، وإيرلندا، وإيطاليا، واليابان، والأردن، والمكسيك، والنرويج، وقطر، والسنغال، وإسبانيا، وتركيا، والمملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية) تاليًا نصه: أعرب أعضاء "مؤتمر حل الدولتين"، عن بالغ قلقهم إزاء التصعيد المستمر والتطورات الأخيرة التي استدعت تعليق مؤتمر الأمم المتحدة الدولي رفيع المستوى بشأن التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتطبيق حل الدولتين، حيث تؤكّد هذه الأحداث صحة التحذيرات حول هشاشة الوضع بالمنطقة، والحاجة الملحة إلى استعادة الهدوء، واحترام القانون الدولي، وتعزيز العمل الدبلوماسي. وأعادوا التأكيد في هذا الظرف الدقيق على التزامهم الكامل بأهداف المؤتمر وضمان استمرار أعماله وتحقيق أهدافه، مشيرين إلى أن الرؤساء المشتركون لمجموعات العمل سيعلنون عن موعد انعقاد مداولات المؤتمر المستمرة في القريب العاجل، وذلك للاستفادة من إسهامات مجموعات العمل للوصول لالتزامات دولية واضحة ومُنسَّقة تعكس عزمنا تطبيق حل الدولتين. وشددوا على أن الوضع الراهن، يتطلب أكثر من أي وقت مضى أن مضاعفة الجهود الداعية لاحترام القانون الدولي، واحترام سيادة الدول، وتعزيز السلام والحرية والكرامة لجميع شعوب المنطقة. كما أعادوا التأكيد على استمرار دعمهم غير المتزعزع لكافة الجهود الرامية لإنهاء الحرب في غزة، وتحقيق تسوية عادلة ومستدامة للقضية الفلسطينية من خلال تطبيق حل الدولتين، وضمان الاستقرار والأمن لجميع الدول في المنطقة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store