
ماذا لو كان الجولاني شيعياً
اياد حمزة الزاملي
ان الهدف من هذا المقال ليس البعد الطائفي كما سيفسره الاغبياء و انما هو حقائق من التاريخ تؤكد و بما لا يقبل الشك بان هناك كره و حقد دفين لدى الكثير من العرب لاهل البيت (صلوات الله عليهم) و هذه الحقيقة واضحة وضوح الشمس في رائعة النهار و لا تخفى حتى على البسطاء من الناس
الخلفية التاريخية و الخلاف السياسي التاريخي
بدأ الانقسام السياسي بعد وفاة الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) حول أحقية الخلافة من بعده و قد نكث و غدر العرب ببيعة الغدير المباركة بعدما أوصى الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) بالخلافة من بعده لأمير المؤمنين الامام علي (صلوات الله عليه) و هذه الحقيقة التاريخية موثقة في كتب السنة اكثر من كتب الشيعة
العداء العربي لشيعة اهل البيت (صلوات الله عليهم) من الأمويين الى العباسيين الى العثمانيين
مارس الأمويون و العباسيون و العثمانيون سياسة القتل و البطش و سفك الدماء ضد شيعة اهل البيت (صلوات الله عليهم) و مذبحة كربلاء الدموية التي يندى لها جبين الانسانية بل حتى الوحوش في الأرض و الحجر و السماء بكت على هذه المذبحة التي قتل فيها سبط الرسول و ريحانته و روحه التي بين جنبيه سيد الشهداء و سيد شباب أهل الجنة الامام الحسين (صلوات الله عليه) و اهل بيته الاطهار و اصحابه النجباء
و ستبقى مذبحة كربلاء وصمة عار في جبين العرب الى يوم القيامة
اكثر من ثمانون عاماً و امير المؤمنين و سيد الأوصياء و المرسلين الامام علي (صلوات الله عليه) يسب على منابر العرب و المسلمين
و هناك من الدول العربية مازالت تسبه لحد الآن
هذا الملك العظيم التجلي الالهي بين الناسوت و اللاهوت الذي قال فيه الرسول الأعظم محمد (ص) (لا تسبوا علياً فإنه ممسوس بذات الله) و في حديث آخر قال الرسول الأعظم محمد (ص) (يا علي لولا ان يقولوا الناس فيك كما قالوا في عيسى ابن مريم لقلت فيك مقال ما ان مررت بقوم حتى قبلوا التراب الذي تحت نعليك و عبدوك دون الله)
الثورة الاسلامية المباركة في ايران
عام ١٩٧٩ حدثت معجزة من السماء و هو قيام الجمهورية الاسلامية المباركة في ايران و شكلت هذه الثورة الاسلامية نقطة تحول استراتيجي كبير في الشرق الأوسط و غيرت مجرى التاريخ و قلبت حسابات امريكا و اسرائيل و الغرب رأساً على عقب و اختلت موازين القوى في الشرق الأوسط بعد ان رفع الامام الخميني العظيم (عليه السلام) شعار (نصرة المستضعفين و تحرير فلسطين و القدس من براثن الاحتلال الصهيوني القذر) و حوله من شعار الى واقع عملي ملموس طوق فيه الكيان الصهيوني القذر من جميع الاتجاهات
من لبنان بحزب الله المبارك و من فلسطين بحماس و من سوريا بالمقاومة المباركة و بالحوثيين من اليمن و جعل الكيان الصهيوني القذر تحت رحمة صواريخ المقاومة الاسلامية المباركة و ما حدث من تراجع تكتيكي الآن هو ليس أكثر من (استراحة مقاتل) و تسمى في القاموس العسكري (وثبة الأسد)
فالعقيدة الشيعية الشامخة لا تموت بل تزداد قوة و شموخاً و ألقاً
انها كالنجوم كلما ازدادت ظلمة الطواغيت عليها ازدادت ألقاً و نوراً و انها كالنار كلما اشتدت عليها رياح الحقد و الاستكبار ازدادت توهجاً و سعيرا
الحرب العراقية الايرانية
حركت امريكا و اسرائيل و الغرب ذنبها المقبور صدام بالحرب ضد الجمهورية الاسلامية المباركة في ايران و اسقاطها لانها رفعت شعار (تحرير فلسطين) و دعمته معظم الدول العربية و خصوصاً محميات الخليج بالمال و السلاح و جعلت الحرب شيعية _ شيعية و ذلك بغضاً بعلي و شيعته و ذهب ضحية هذه الحرب اكثر من مليونين شيعي من الطرفين
تحول الشيعة من محكومين الى حاكمين بعد عام ٢٠٠٣
لاول مرة في التاريخ الشيعي يتحرر الشيعة من حكم السنة الظالم و البغيض و يتنفس الصعداء و يمارس طقوسهم و تقاليدهم بكل حرية بعد ظلم و تنكيل و قتل و تشريد في الأرض دام لأكثر من ١٤٠٠ سنة و تسلموا مقاليد الحكم و لكن بقيود
هكذا تخلت امريكا القذرة عن ذنبها المقبور صدام الذي خدمها خدمة العمر و رمت به في مزبلة التاريخ و هكذا تعامل امريكا عملائها بمنتهى القسوة و الاحتقار بعد ان تستنفذ مصالحها منهم مثل أنور السادات و حسني مبارك و شاه ايران و زين العابدين بن علي و جعفر نميري
حتى جاء في الحديث الشريف (اللهم اضرب الظالمين بالظالمين)
وهكذا ترسل السماء اسرارها و اشاراتها الى العراق و ايران لتكون دولة الحق و العدل الالهي التي ينتظرها العالم منذ الآف السنين انها (دولة صاحب الزمان) (صلوات الله عليه) شاء من شاء و أبى من أبى و من لم يقتنع فاليضرب برأسه في الجدار
ماذا حصل عندما تسلم الشيعة الحكم عام ٢٠٠٣
وقع ساسة الشيعة في خطأ استراتيجي قاتل و ذلك عندما جعلوا الحكم مناصفة بينهم و بين السنة و الأكراد
الحكم كان في ظاهره شيعي و لكن للامانة و التاريخ لم يكن كذلك و انما كان للشيعة بنسبة ٢٥٪ و للسنة ٢٥٪ و للأكراد ٢٥٪ و ٢٥٪ متفرقة بين الطوائف الاخرى
كان على ساسة الشيعة ان يكونوا اذكى من ذلك و ان يحكموا العراق بنسبة ١٠٠٪ لأنهم الأغلبية حيث يشكل الشيعة في العراق حوالي ٨٠٪ من نسبة المجتمع العراقي و الديمقراطية تعني حكم الأغلبية
حزب المؤتمر الهندي يحكم الهند متفرداً بالسلطة لوحده منذ اكثر من ثمانون عاماً و لا يشكل وجوده في الهند سوى ٥٠٪ و هذا هو الصواب و الذكاء بعينه
تعرض الساسة الشيعة لاكبر و أشرس و أقسى هجمة عرفها التاريخ الحديث قادتها الدول العربية الشقيقة السنية و خصوصاً محميات الخليج مثل السعودية و قطر و الامارات و البحرين حيث دفعت هذه المحميات اكثر من ٨٠٠ مليار دولار للجماعات الارهابية المسلحة مثل القاعدة و داعش و النصرة و اخواتها لأسقاط حكم الشيعة في العراق
علماً ان هذه التنظيمات القذرة التي نشأت في مستنقع آسن و عفن و قذر الا و هو مستنقع الوهابية القذرة
ولو أن دول عظمى و كبرى مثل امريكا و بريطانيا و فرنسا تعرضت لمثل ما تعرض له العراق من عمليات ارهابية لسقطت و انهارت خلال شهر واحد
و لكن العناية الالهية و الإمدادات الغيبية و عين صاحب الزمان (صلوات الله عليه) التي لا تنام هي التي حفظت العراق و شعبه و مقدساته حتى لا يقع ضحية في أنياب خنازير البعث مرة أخرى و ليس حباً من أجل ساسته
اكثر من ٨ الآف سيارة مفخخة و اكثر من ١١ الف حزام ناسف كانت هدية من اخواننا و اشقائنا العرب للشعب العراقي و قد حصدت هذه الهدايا العربية اكثر من مليون عراقي جلهم من الشيعة و خصوصاً من النساء و الاطفال و الشيوخ
ادخلوا العراق في حروب مستمرة و بلا توقف مع الارهاب منذ عام ٢٠٠٣ و لحد الآن و صرف العراق في سبيل القضاء على هذه التنظيمات الإرهابية الجرثومية اكثر من ٥٠٠ مليار دولار و كان الله في عون كل الحكومات السابقة باستثناء حكومة الكاظمي لانها كانت حكومة عميلة لامريكا و اسرائيل بنسبة ١٠٠٪ و كان كل ذلك من أجل اسقاط حكم الشيعة في العراق
و كما يقول الشاعر بشار برد
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه .. اذا كنت تبنيه و غيرك يهدم
نعم البعث يهدم العرب يهدمون امريكا و اسرائيل تهدم محميات الخليج تهدم تركيا تهدم و خير دليل على ذلك القاعدة و داعش و النصرة و غيرها من هذه الجراثيم التي تم صنعها في مختبرات ال CIA و الموساد
و السؤال المهم و الحيوي هو لماذا يمجد العرب المقبور صدام و يعتبرونه زعيم الأمة العربية و بطل العروبة (بطل الحفرة) و سيف العرب و العشرات من هذه الألقاب الجوفاء
مع أنه هناك زعماء أفضل من المقبور صدام بعشرات المرات مثل جمال عبد الناصر و هواري بو مدين و معمر القذافي و حافظ الأسد
الجواب لان المقبور صدام قتل اكثر من خمسة ملايين شيعي في العراق و هناك اكثر من الف مقبرة جماعية لضحايا الشيعة و قتل مراجع الشيعة و قتل و أعدم اكثر من مليون شيعي معارض و ضرب مراقدهم المقدسة في النجف الأشرف و كربلاء المقدسة و قم المقدسة بعشرات الصواريخ المحرمة دولياً (أرض أرض)
و الا ما هي بطولات المقبور صدام
كان يملك جيشاً كبير جداً تعداده اكثر من مليونين مقاتل و احدث الأسلحة و لكنه سلم بغداد للأمريكان خلال ساعتين و وجدوه مختبئاً في حفرة كالجرذ و دخل المقبور صدام و جيشه المهزوم موسوعة غينيس في أسرع هزيمة عالمية في التاريخ
كذلك المجرم الأرهابي (الجولاني) يستقبل بالأحضان و القبلات و الاحتفال في كل دولة عربية يزورها و كأنه محرر فلسطين و لكن في الحقيقة ليس هذا السبب و انما السبب الحقيقي هو أن المجرم الارهابي (الجولاني) قتل اكثر من ١٠ الآف من شيعة العراق معظمهم من النساء و الاطفال و قتل في محافظة بابل وحدها فقط اكثر من ٨٠٠ شخص من النساء و الأطفال خلال دقيقة واحدة عندما فجر ثلاث سيارات مفخخة قرب مستشفى بابل
ترامب المجرم القذر كذلك هو الآخر يستقبل الجولاني بالأحضان لانه قتل عشرات الآلآف من الشعب العراقي المظلوم و تحول الجولاني بين ليلة و ضحاها عند ترامب من ارهابي مطلوب لأمريكا الى رئيس دولة يستقبل بالاحضان و القبلات
هذا هو الوجه الحقيقي القذر لامريكا (امبراطورية الشيطان)
بينما يقوم المجرم الأخرق ترامب بقتل القائدين العظيمين قاسم سليماني و ابو مهدي المهندس (رضوان الله تعالى عليهما) أبطال التحرير الذان حررا العراق من براثن الأحتلال الداعشي الأرهابي القذر
هذا هو الوجه الحقيقي القبيح القذر لامريكا القذرة العفنة
و هناك الآلآف من ابناء الرفيقات في العراق يطبلون و يزمرون بالحب و الترحيب و الولاء لامريكا القذرة
هناك جمهورية إسلامية عظمى يقودها العدل المنتظر و الفجر المنتظر و أمل المستضعفين في كل العالم انها جمهورية الامام المهدي (صلوات الله عليه) و العالم كله بانتظاره و هي باقية ما بقي الليل و النهار و تزول شمس الدنيا و شمس جمهوريتنا لن تزول
ايتها السماء أشهدي اننا نحيي و نحرر العالم بعد موته بدمائنا و جماجمنا و لا يهمنا لو وقف العالم كله ضدنا لان الله سبحانه و تعالى معنا و عين مولانا صاحب الزمان علينا
و ان قصيدة في العشق الحسيني لا تكتب الا بالدم
و ان الفجر لا يكون عظيماً حتى تنسج خيوطه بالدم
قال تعالى {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ } صدق الله العلي العظيم
والعاقبة للمتقين...

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


موقع كتابات
منذ 4 ساعات
- موقع كتابات
النص التأسيسي لنقد الحداثة العربية
هرع اللغويون العرب صوب دراسة النص الديني المقدس والنصوص النبوية وما خلفتها من نصوص دينية متلثمين بنظريات اللسانيات المعاصرة التي طفقت تفكك النصوص الدينية المسيحية في الغرب ، وهم في ملحمة ظنية بأنهم يخدمون الدراسات الدينية الإسلامية ، لكن الحقيقة التي تكمن وراء هذه الاجتهادات لا يمكن توصيفها تحت باب التجديد ا, حتى الاجتهاد ؛ ذلك أنهم كانوا يسعون إلى نقد النص الديني بإطلاقهم عليه لفظة خطاب ، الأمر الذي دفعهم حسب مظانهم التي تبدو لنا مريضة بعض الشئ على استحياء الاتهام بالكل ـ إلى إبراز أخطاء ومثالب تكمن بتلك النصوص . ومن باب العجب أن مجمل أعمال الحداثيين العرب رغم اختلاف توجهاتهم وتكوينهم الأيديولوجي الذارب في تشويه الماضي برمته أنهم كانوا ولا يزالون يطالبون بإعادة النظر في النص القرآني المقدس وضرورة تأويله وفق مزاعم نظريات علم اللغة واللسانيات الحديثة التي تعضد تفكيك النصوص اللغوية وإعادة بنائها وتركيبها من جديد ، أو خوض مغامرة إخضاع النص الديني لقراءات متعددة ؛ تاريخية وألسنية ، وأنثروبولوجية ، وسيميائية ، وأخيرا قراءة لاهوتية ، الأمر الذي يخرج النص من قداسته إلى رهانات تأويلية مبتذلة محكوم عليها بفقد رصانة التفسير والتحليل. وينبغي على القارئ العربي أن يفطن إلى ثمة مؤامرات ثقافية استعمارية مفادها أن الغرب لم يعد يحارب بأسلحته التقليدية التي بات العرب يمتلكونها بل يستخدمونها بشراسة أيضا ، لذا فكانت الحرب الراهنة هي حرب تشكيكية زاعمة بأن القوة الآن هي قوة الفكر الحداثي الذي يعطي العقل المكانة الأعلى فقط في نقد النصوص الدينية أو التاريخية أو النصوص التي تتعلق بالموضوعات الدينية الراسخة لدى عموم المسلمين. الكارثة أن حفنة وجملة من المفكرين العرب الذين درسوا المناهج اللغوية الغربية ودرسوا على أيدي كثيرين ممن يطعنون في دياناتهم الأصلية تأثروا جد التأثر بتلك النظريات والمناهج التي يمكن استخدامها وتوظيفها في خطابات شعرية لأدونيس ومحمود درويش وأنسي الحاج وغيرهم أو كتابات روائية معاصرة فهي نماذج نقدية بشرية تصلح لمعالجة نماذج لغوية بشرية أخرى تماثلها في الكفاءة والطرح والتلقي ، لكن لا يمكن استغلالها في تأويل النص الديني الراسخ والثابت والمحفوظ بعهد من الله عز وجل . ومجمل زعم هؤلاء رفض تقليد الأوائل من جهة ، وبث روح التمرد والرفض بل ومقاومة التراث العربي الإسلامي من جهة أخرى ، تماما كما وجدنا ذلك في نص الدراسات اللاهوتية التي تناولت الكتاب المقدس منذ مطلع القرن الثامن عشر في أوروبا . بل إن موجات الهوس لدى بعض الحداثيين العرب وصلت إلى شواطئ بعيدة ترى ضرورة تقييد النص الديني بزمانه وبيئته وجغرافية إنتاجه وكثيرا في حدود ثقافة وجوده أيضا. وبعد دراسة مفهوم الحداثة المزعومة لدى الكتاب العرب الذين هرعوا إلى نقد النص الديني تارة ، ونقد ودحض الخطاب الفكري العربي تارة أخرى من أمثال عابد الجابري ومحمد أركون وغالبا نصر حامد أبو زيد وحسن حنفي وعبد المجيد الشرفي وأدونيس وقاسم شعيب وغيرهم ممن أصابه قلق الحداثة وتوتر الفكر اللساني المضطرب هوية وجهة وتكوينا يمكن تحديد دلالات الفكر الحداثي العام لدى مؤسسي هذا التيار والتي يمكن استنطاقها من خلال كتاباتهم الضاربة في الانتشار مثل الإيمان المطلق بالإنسان وخبرته وتجربته الفردية الذاتية بل إبراز قدرة هذا الإنسان ـ المكلوم ـ على الخلق والإبداع وتطوير العقل ، وهم بالضرورة يقصود الخلق اللغوي المتمثل في القصيدة والرواية والقصة والمسرحية والطرح النقدي للأجناس الأدبية المختلفة ، لكن هوس القلق المستدام جعلهم ينادون بالإيمان المطلق لاستقلالية المرء ، وسلطة العقل التي لا تفوقها أية سلطة أخرى ، وأن سلطان العقل لن يعتلي سدة الحكم والقوة والسيادة إلا بالقضاء على مرجعيات الماضي والتراث بوصفهما منغصات التجديد والتنوير. وكان أول مشروع يدشنه أي مفكر تبنى فكر الحداثة الغربية الذي فشل بالغرب قبل إعادة إنتاجه بالبيئة العربية هو الثورة المطلقة والمستدامة بغير انقطاع على المرجعية الدينية ، وأن إخضاع الدين وقضاياه لمنهجيات العلم التجريبي والأهواء الفردانية وتجارب الشخص الذاتية أمر لحتمي لا يمكن الفكاك من أسره إذا أردنا ـ من وجهة نظر هؤلاء ـ التطوير والتحديث لمجتمعاتنا العربية . هذا ما دفع الكاتب المغربي قاسم شعيب في كتابه ( فتنة الحداثة ) المنشور عام 2013 وهو من الكتابات المعاصرة في هذا الميدان إلى إبراز الرؤية الحداثية التي تتمثل في سيادة العقل أو ما أسماه بالعقلانية المادية ، وأن الحقيقة تستمد قيمتها من كونها نتاجا للعقل الإنساني لتصبح الذات مركز العالم . وبالرجوع إلى المكونات الرئيسة للفكر الحداثي الذي ضرب المجتمعات العربية بالحيرة والجنون في انتفاء التطبيق السوي للسانيات الغربية نجد على سبيل المثال التفكيكية التي يشير إليها دين محمد ميراصاحب في كتابه ( الحداثية وتحدياتها للتفسير القرآني) بأنها تمثل مظهرا صادقا لليأس والحيرة الذين أصيب بهما الإنسان في الغرب والتي نتجت عنها الاستهلاكية المتطرفة . وهذه النظريات اللسانية النقدية وغيرها مما تم استيراده من الغرب الأوروبي نجمت عن العطب الذي أصاب الحضارة في تلك المجتمعات وأدت إلى سقوط المرجعيات التي تم توصيفها بالتقليدية البائدة بل والرجعية أيضا ، وتمثلت مظاهر الحداثة الفكرية في تلك المجتمعات في نقد الدين ورموزه وموضوعاته ، ونقد ودحض الفكر الموروث ، ثم إعلان بيان تأسيسي جمعي للقطيعة مع الماضي برمته. هذا الرفض المطلق للأسف أودى بأصحاب تلك النظريات اللسانية والنقدية وبتناولهم للنصوص الدينية المقدسة في الغرب الأوروبي إلى رفض الدين المعادل الموضوعي للإلحاد ؛ ومن ثم إنكار التشريعات الإلهية ورفض سلطة الوحي ، والكارثة هي نقل التجربة النقدية الغربية الصالحة لمجتمعات بعينها إلى بيئاتنا العربية ذات الفكر الأصيل والتكوين اللغوي والديني المتعمق في جذور الإنسان العربي. والمستقرئ لفكر الحداثة أو التيار الحداثي يدرك على الفور للوهلة الأولى أنها مرادفة للعلمانية المتطرفة التي أسهمت عن جهل وزيف وخداع في رفع القدسية عن مدال الأخلاق والقيم . وكما يذكر دين محمد ميراصاحب (2013) في كتابه المذكور سلفا فإن العلمانية في أصلها ظاهرة غربية خالصة سبب ظهورها عوامل تاريخية عاشتها الأمم الغربية على مدى قرون متتالية في ظل ثقافات تلقي بجذورها إلى وثنيات قديمة على الرغم من المسيحية التي لعبت دورا كبيرا في تشكيل الثقافة الغربية في العصور الوسطى وبعدها . والمشهد الذي لا يمكن تغافله هو أن العلمانية التي تأصلت في اللسانيات اللغوية المعاصرة والنظريات النقدية أجبرت المسيحية في أوروبا على التقهقر والابتعاد عن المجال العام ، وصولا إلى تيار الليبرالية الذي بات أحد أصنام فكر الحداثة والذي يعني عند بعض مفكر العرب الحداثيين التحرر من كل قيد معروف أو مأثور . وما إن نجونا مؤقتا من أصنام العلمانية والليبرالية حتى اصطدمنا من خلال ما عرفوا بالمجددين في الفكر العربي المعاصر الراهن بنظرية نقدية مماثلة للحداثة ألا وهي العقلانية المتطرفة . وهي نظرية مفادها إعلاء الفردانية والإيمان المطلق بالعقل في مواجهة نصوص التراث الدينية وأن لا سلطة فوق العقل . والمدهش في هذا الملمح من ملامح فكر الحداثة في الوطن العربي ومن خلال الدراسات النقدية للنص الديني ونصوص التراث وغيرها أيضا من كتابات الأوائل الفقهية والتاريخية أنها ـ العقلانية المتطرفة ـ لا تعترف بما لا يفهمه العقل أو لا يقع تحت سيطرة العقل ، ولا تفرق بين الذي يتناقض مع العقل وبين ما يعلوه على العقل ، بل إن تلك النظرية المهووسة لا تعترف أصلا بوجود ما يعلو على العقل أساسا ، الأمر الذي جعلتها تنظر إلى أساسيات الدين على أنها مجرد مجموعة من الأساطير والخرافات المزعومة . ونحن بحق بحاجة ماسة إلى توظيف العقل واستخدامه بصورة طبيعية فطرية كما أمرنا الشرع بذلك ، الأمر الذي يدفعنا إلى ترتيب بيت النظريات النقدية الحداثية التي باتت تعبث بالتراث العربي الإسلامي ، وأنه من البدهي الآن إدراك هوية وكنه الحداثة الوافدة إلينا من الغرب عبر سياقات لسانية ولغوية ونقدية ودراسات تاريخية نتجت عن تطورات اجتماعية وسياسية استهدفت تهميش الدين ودوره بل إقرار عجزه في مواجهة التطورات والتحديات ، هذا العبث الذي دفع كثيرين من المفكرين العرب المعاصرين إلى نقد الدين بوصفه خطابا لغويا يمكن تناوله بشكل نقدي . ولعل هذا التناول البشري القاصر والمحدود بل والجاهل أيضا في مظان كثيرين وأنا منهم هو الذي دفع بعض الكتاب العرب في النصف الثاني من القرن العشرين وصولا إلى أيامنا الراهنة بالتأكيد على مركزية الإنسان وسطوته في مواجهة مركزية الإله . انتهاء بعبث فكري تحت مظلة حداثة واهية تمثلت في الثورة على التراث الديني وإغفال المصدر الإلهي التشريعي ورفض أية مرجعية . ولنا وقفة عاجلة تحذيرية تؤكد خطورة العبث الحداثي الذي يردده بعض الكتاب العرب والشعراء المعاصرين وبعض دارسي التاريخ الإسلامي ، حيث إنهم تأثروا كثيرا بمزاعم الغرب في نظرياتهم اللسانية والنقدية التي دحضت الكتاب المقدس ونصوصه في الغرب وتعاليم الكنيسة ، فلجأوا تارة إلى تحريف الفكر الديني الإسلامي والتراث العلمي العربي الرصين والمجهودات العلمية لأوائل علماء المسلمين ، وتارة أخرى في تقليد الغرب من خلال توظيف واستخدام النظريات الأدبية ضيقة الرؤية والنفاذ إلى تأويل القرآن الكريم وتفسيره باستغلال تقنيات وآليات تلك النظريات المسكينة بالفعل كما أصحابها. ويكفي أن نسرد بعض النظريات النقدية واللسانية التي نجمت عن بيئات مضطربة في فترات سياسية واجتماعية عصيبة لندرك العوس العربي في توظيفها على كتابات عربية خالصة بدلا من إنتاج نظريات عربية أصيلة كان لنا السبق في إنتاجها وخير دليل كتابات قدامة بن جعفر في نقد الشعر والنثر وغيره ، فنجد رولان بارت الفرنسي الذي يرجع له فضل تأسيس البنائية السميولوجية وهي علم العلامات والذي تأثر كثيرا وطويلا بالسويسري فرديناند دي سوسير الذي يزعم أنه صاحب علم اللغة الحديث ، وهذا لم يحدث 'لا حينما تخلى العرب عن تراثهم ومنتوجهم اللغوي والنقدي رغم أن أبرز النظريات النقدية أنتجتها بيئة العرب . ثم نجد الفرنسي كلود ليفي شتراوس مؤسس الأنثروبولوجيا الاجتماعية والذي طبق نظريته على الكتاب المقدس مثله مثل ميشيل فوكو الفرنسي صاحب أركيولوجيا المعرفة والذي يتغنى بفكره الحداثيون العرب رغم امتلاكهم لنظريات عربية رصينة وجيدة النفع. وصولا إلى أسماء تتبع تيارات الحداثة القلقة والمضطربة أمثال جاك دريدا مؤسس التفكيكية وشلاير ماخر مؤسس الهيرمينوطيقا ، وصولا إلى بول ريكور أبرز من تحدث عن التأويلية التي أفسدت كثيرا من تناول نصوص التراث العربي باستخدامها لأنها تخرج الناقد والقارئ على السواء من فائدة النص إلى دحضه ورفضه والبحث عن بديل آخر يصلح لزمان يوافق هوى المتلقي وعبث مسعاه. الخطير في كتابات الحداثيين العرب من مثل حسن حنفي ومحمد أركون ونصر حامد أبو زيد وسيد القمني أنهم خرجوا من سياقات نقد الخطاب اللغوي إلى نقد النص الديني وتعرضه لتفصيلات تاريخانية ونظريات ألسنية باهتة ومناهج تحليلية لم تأت بفائدة في بيئات إنتاجها سوى شيوع موجات التطرف والإلحاد والرفض لكل ما هو ديني . بل إن الأخطر هو التفاوت والاختلاف المرضي ( بفتح المين والراء) في حرصهم على التشكيك بالنص وتفكيكه ومن ثم إعادة بنائه ، وإخضاع القرآن الكريم للمنطق التاريخي المادي وربما لا أريد إطلاق العنان لاتهاماتي بعدم الاعتراف بأصله ومصدره. ومصيبة التفكيكية التي أشرنا إليها سالفا أن معيارها الوحيد هو صحة النص ؛ ودأب النظرية اللغوية والنقدية بعد ذلك أفضت إلى ضرورة أن يكون النص محرفا وهي نتيجة جاهزة منذ البداية كما يذكر ميراصاحب في كتابه ( الحداثية) . ولنا أن نقدم فروقا جلية بين تلقي النص القرآني وتأويل النصوص البشرية التي لا تخرج عن فلك كتابة الشعر ونظمه والقصة والرواية والخاطرة الأدبية ؛ وهنا تجدر الإشارة إلى التّمييزبين نوعين من أنواع قراءة النّصّ الأدبيّ ؛ الأولىقراءة مطابقة وهي قراءةٌ استنساخيّةٌ غير متجاوزةتقتصر على شرح النّصّ وتفسيره بصورة مباشرةملتزمة بحرفيّة اللّغة النّصّيّة داخل الخطاب الأدبيّولا تتجاوزه إلى ما وراء النّصّ أو الأبعاد المكوّنة لهبغير استنباط أو استدلال أو استنطاق لمعان أخرىمستترة . والقراءة الثّانية هي قراءة الإنتاج والتييمكن تسميتها بالقراءة الكاشفة ، وفيها يبحثالقارئ عن المضمر والمخبوء داخل النّصّ الأدبيّكاشفًا مضامينه ومعانيه. وتلك أمور لا يمكن توظيفها في نص حكيم إلهي قاطع التشريع. وقراءة النّصوص الأدبيّة مستوياتٌ ومراق ؛بدءًا من التّرديد وتحريك اللّسان ، مرورًا بالفهمالسطحيّ ، وبحلّ شفرة النّصّ الأدبيّ ومحاولةفهمه وتحليله ، ثم الوصول إلى إعادة تركيبه وسبرأغواره أو إنتاج نصّ مواز للنّص المقروء وهو مايعرف بالقراءة التّأويليّة . وهذه القراءة تقتضي منالقارئ الدّخول مع النّصّ الأدبيّ في عملية تفاعليّةتتناص مع مقروء ومخزون خارج النّصّ. والمنظرين لتأويل النصوص الدينية لم يفرقوا عن انتفاء بصيرة بين تفسير وفهم النص القرآني وتأويل النصوص الأدبية البشرية ، فنجدهم يتحدثون عن القراءة التأويلية بوصفها مرادفا ومعادلا موضوعيا للحرية وبالأحرى إعلاء الفردانية ، فهم يرون أنالقراءة التّأويليّة طبقًا لمفهُوم الحُرّيّة اللغويّة هينظامٌ من المُمارسات التّفسيريّة الضّمنيّة أو المُضمرةالتّي تتّسمُ بالاتّساع والإنتاج القرائيّ الإبداعيّ ،وهي قراءةٌ ترتبطُ باستحضار العلاقة بين النّصّوالمرجع ويعني بصفة خاصّة بالمُعطيات الخارجيّةمثل ظُرُوف إنتاج النّصّ وتلقّيها ، لذا فهي قراءةٌتُركّزُ على السّياق الاجتماعيّ التّاريخيّ. وبذلكفإنّها ـ القراءةُ التّأويليّةُ ـ لا تتوقّفُ عند حًدُودالتّلقّي المُباشر ، بل تًسهم في إنتاج وجهة نظرجديدة يحملها النّص الأدبي بين طيّاته. وجهل الحداثيين المعاصرين أنهم لم يفطنوا للفرق بين قدسية النص القرآني والنصوص الأدبية الإبداعية ؛ لذلك فهم عن جهل مقصود اعتبرواالقراءة التّأويليّةُ ـ كمُنتج لُغويّ ـ انفااحًا إيجابيايرتكزُ على الحوار والسّجال بين القارئ والنّصّوالكاتب ، فضلا عن كونها منهجًا لإماطة اللّثام عنمعنى النّصّ لا عن طريق التّحليل والفهم وإعمالالعقل في صُورته الظّاهريّة فحسب ؛ بل بالنّفاذ إلىعُمق النّصّ وتجاويفه المُضمرة ، لذا يُمكنُ القولُ بإنّالقراءة التّأويليّة هي نتاجُ الوعي بالنّصّ وُحُضُورُالقارئ بقُوّة في خلق وتشكيل النّصّ الأدبيّ وذلكمن خلال ما يُمارسُه من مهارات تأويليّة تستهدفُإعادة تشكيل النّصّ الأدبيّ وبناء معانيه ، وخلقحالة من التّفاوُض والمُعارضة من جانب القارئللنّصّ، وهذا يعني أنّ القراءة هُنا تُصبحُ إبداعًا آخرللنّصّ، بمعنًى أنّها ليست قراءةً سلبيّة، بل إنّالقارئ يُفسّرُ معانّي النّص ويؤوله من خلال حوارمع خلفيّته الثّقافيّة وتجارب الحياة الشّخصيّة لهُ. ومشكلة الحداثيين ونحن نختتم سطورنا عن مخاطر هذا التيار الجارف أنهم لا يفرقون بين النص الديني الإلهي والنصوص البشرية الأخرى ، بل إن كثيرا من الأكاديميين العرب المعاصرين والذين يلهجون وراء الألسنية الغربية يصرون على التعامل مع النص القرآني كنص بشري عادي ، ومن هنا وكما يشير دين محمد ميراصاحب كان تهافتهم على المناهج التأويلية الغربية واستعانتهم بأصولها وقواعدها في فهم الكلام الإلهي. ـ أستاذ المناهج وطرائق تدريس اللغة العربية


وكالة أنباء براثا
منذ 5 ساعات
- وكالة أنباء براثا
المالية تخاطب السوداني: الخزينة لا تتحمل تبعات مالية اضافية
التعليقات علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ... الموضوع : وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي ----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ... الموضوع : تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41) منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ... الموضوع : النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ... الموضوع : الحسين في قلب المسيح ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ... الموضوع : محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ... الموضوع : مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !! ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ... الموضوع : المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ... الموضوع : كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!! م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ... الموضوع : كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!


الزمان
منذ 8 ساعات
- الزمان
علي (ع) وميزان العدالة
ثمة إرشيف طويل لفتى الاسلام الاول لايمكن اختصاره بهذه العجالة واقتضابه بكلمات محدودة المعنى، فالحديث عن علي بن ابي طالب (ع) يفتح أكثر من افق بل الآفاق كلها، فهو كالبحر يغترف منه الانسان ماشاء فحياته عليه السلام كلها آفاق رحبة يتيه فيها من يسبر غورها وقد لايصل الى مقصوده، فعلي بن ابي طالب(ع) اختصر بحياته تاريخ الرسالة الاسلامية وجوهرها ومعناها المحمدي الاصيل وهو كان التطبيق العملي لها. آفاق علي (ع) متعددة خاصة السياسية منها ويطيب لي ان الجَ احد هذه الافاق واطلّ عليها من كوة الاستكشاف وحب الفضول لرجل ملأ الدنيا وشغل التاريخ انه الافق الاجتماعي/ السياسي وفي وقت اصبح الحديث عن حقوق الانسان والعدالة الاجتماعية والمساواة ضربا من الخيال العلمي وترفا فكريا وفلسفة لا مكان لها في الواقع لكنها كانت واقع حال يومي عند علي بن ابي طالب ومنهج عمل.ولو كان علي بن ابي طالب (ع) رجلا عاديا لمرّ عليه التاريخ مرور الكرام كنموذج للإنسان الانسان ولكن ان يكون على راس هرم لدولة تعادل رقعتها الجغرافية بمقاييس اليوم بأكثر من خمسين دولة تشكّل بالحسابات الجيوبولوتيكية والاهمية الجيوسياسية قلب العالم والعصب الحيوي للدولة الإسلامية، فنرى من يتربع على 'عرش' هذه الدولة يعيش في مستوى اجتماعي اقلّ من رعاياه بل هو أفقرهم ويشير الى بطنه بعد ان شدها بحزام (صوّتى ماتشائين لا تشبعين حتى يشبع فقراء المسلمين).وفي مضمار العدالة الاجتماعية يعطينا كذلك علي بن ابي طالب (ع) اعلى وأكمل المبادئ ذات الامثلة العملية فضلا عن النظرية حيث يتطابق العمل مع التطبيق وتتساوق المبادئ والافكار مع الافعال والاعمال وينسجم المثال مع الواقع ونجد ان كل ذلك قد تطابق تطابقا كاملا في فكر وعمل علي بن ابي طالب (ع) الى حد اذهل كل متصفح لسيرته العظيمة، بل وجعل ذلك التطابق من الصعب او المستحيل تكرار ذلك عند غيره فصارت عدالته الاجتماعية والسياسية بصمة انفرد بها وحده. ومن هذا التمهيد ممكن ان ننطلق الى رحاب علي بن ابي طالب (ع) الواسعة ومنه عدالته السياسية التي صارت مضربا للمثال ومنها نستقرئ فشل الاساليب القمعية التي مارسها حكام الجور لاسيما الذين حكموا الناس تحت لواء الاسلام والشريعة السمحاء، فكان علي (ع) لوحده المثل الاعلى للحاكم الاسلامي العادل وماعداه هم نماذج شيطانية بديكور إسلامي، وما حادثة منع الماء عنه وعن جيشه في صفين الا مثلا من امثلة لاتعد ولاتحصى عن اخلاق المعصوم كيف لا والامام علي هو امير المؤمنين فكان ان سمح لجيشه بان يسمح بتدفق المياه الى جيش عدوه الذي منعه بالأمس، وهذا المثل هو القمة في الرحمة والانسانية المتأتية عن الحكم الرشيد، وليس هنالك مثل اعلى من علي (ع) في التعاطي مع الحكم الرشيد سوى معلمه واستاذه النبي الاكرم صلى الله عليه وآله. ولا اعتقد انه توجد نخبة حاكمة تستطيع ان ترتقي الى مصاف العلو الذي كان عليه.