
النص التأسيسي لنقد الحداثة العربية
هرع اللغويون العرب صوب دراسة النص الديني المقدس والنصوص النبوية وما خلفتها من نصوص دينية متلثمين بنظريات اللسانيات المعاصرة التي طفقت تفكك النصوص الدينية المسيحية في الغرب ، وهم في ملحمة ظنية بأنهم يخدمون الدراسات الدينية الإسلامية ، لكن الحقيقة التي تكمن وراء هذه الاجتهادات لا يمكن توصيفها تحت باب التجديد ا, حتى الاجتهاد ؛ ذلك أنهم كانوا يسعون إلى نقد النص الديني بإطلاقهم عليه لفظة خطاب ، الأمر الذي دفعهم حسب مظانهم التي تبدو لنا مريضة بعض الشئ على استحياء الاتهام بالكل ـ إلى إبراز أخطاء ومثالب تكمن بتلك النصوص .
ومن باب العجب أن مجمل أعمال الحداثيين العرب رغم اختلاف توجهاتهم وتكوينهم الأيديولوجي الذارب في تشويه الماضي برمته أنهم كانوا ولا يزالون يطالبون بإعادة النظر في النص القرآني المقدس وضرورة تأويله وفق مزاعم نظريات علم اللغة واللسانيات الحديثة التي تعضد تفكيك النصوص اللغوية وإعادة بنائها وتركيبها من جديد ، أو خوض مغامرة إخضاع النص الديني لقراءات متعددة ؛ تاريخية وألسنية ، وأنثروبولوجية ، وسيميائية ، وأخيرا قراءة لاهوتية ، الأمر الذي يخرج النص من قداسته إلى رهانات تأويلية مبتذلة محكوم عليها بفقد رصانة التفسير والتحليل.
وينبغي على القارئ العربي أن يفطن إلى ثمة مؤامرات ثقافية استعمارية مفادها أن الغرب لم يعد يحارب بأسلحته التقليدية التي بات العرب يمتلكونها بل يستخدمونها بشراسة أيضا ، لذا فكانت الحرب الراهنة هي حرب تشكيكية زاعمة بأن القوة الآن هي قوة الفكر الحداثي الذي يعطي العقل المكانة الأعلى فقط في نقد النصوص الدينية أو التاريخية أو النصوص التي تتعلق بالموضوعات الدينية الراسخة لدى عموم المسلمين.
الكارثة أن حفنة وجملة من المفكرين العرب الذين درسوا المناهج اللغوية الغربية ودرسوا على أيدي كثيرين ممن يطعنون في دياناتهم الأصلية تأثروا جد التأثر بتلك النظريات والمناهج التي يمكن استخدامها وتوظيفها في خطابات شعرية لأدونيس ومحمود درويش وأنسي الحاج وغيرهم أو كتابات روائية معاصرة فهي نماذج نقدية بشرية تصلح لمعالجة نماذج لغوية بشرية أخرى تماثلها في الكفاءة والطرح والتلقي ، لكن لا يمكن استغلالها في تأويل النص الديني الراسخ والثابت والمحفوظ بعهد من الله عز وجل .
ومجمل زعم هؤلاء رفض تقليد الأوائل من جهة ، وبث روح التمرد والرفض بل ومقاومة التراث العربي الإسلامي من جهة أخرى ، تماما كما وجدنا ذلك في نص الدراسات اللاهوتية التي تناولت الكتاب المقدس منذ مطلع القرن الثامن عشر في أوروبا .
بل إن موجات الهوس لدى بعض الحداثيين العرب وصلت إلى شواطئ بعيدة ترى ضرورة تقييد النص الديني بزمانه وبيئته وجغرافية إنتاجه وكثيرا في حدود ثقافة وجوده أيضا.
وبعد دراسة مفهوم الحداثة المزعومة لدى الكتاب العرب الذين هرعوا إلى نقد النص الديني تارة ، ونقد ودحض الخطاب الفكري العربي تارة أخرى من أمثال عابد الجابري ومحمد أركون وغالبا نصر حامد أبو زيد وحسن حنفي وعبد المجيد الشرفي وأدونيس وقاسم شعيب وغيرهم ممن أصابه قلق الحداثة وتوتر الفكر اللساني المضطرب هوية وجهة وتكوينا يمكن تحديد دلالات الفكر الحداثي العام لدى مؤسسي هذا التيار والتي يمكن استنطاقها من خلال كتاباتهم الضاربة في الانتشار مثل الإيمان المطلق بالإنسان وخبرته وتجربته الفردية الذاتية بل إبراز قدرة هذا الإنسان ـ المكلوم ـ على الخلق والإبداع وتطوير العقل ، وهم بالضرورة يقصود الخلق اللغوي المتمثل في القصيدة والرواية والقصة والمسرحية والطرح النقدي للأجناس الأدبية المختلفة ، لكن هوس القلق المستدام جعلهم ينادون بالإيمان المطلق لاستقلالية المرء ، وسلطة العقل التي لا تفوقها أية سلطة أخرى ، وأن سلطان العقل لن يعتلي سدة الحكم والقوة والسيادة إلا بالقضاء على مرجعيات الماضي والتراث بوصفهما منغصات التجديد والتنوير.
وكان أول مشروع يدشنه أي مفكر تبنى فكر الحداثة الغربية الذي فشل بالغرب قبل إعادة إنتاجه بالبيئة العربية هو الثورة المطلقة والمستدامة بغير انقطاع على المرجعية الدينية ، وأن إخضاع الدين وقضاياه لمنهجيات العلم التجريبي والأهواء الفردانية وتجارب الشخص الذاتية أمر لحتمي لا يمكن الفكاك من أسره إذا أردنا ـ من وجهة نظر هؤلاء ـ التطوير والتحديث لمجتمعاتنا العربية .
هذا ما دفع الكاتب المغربي قاسم شعيب في كتابه ( فتنة الحداثة ) المنشور عام 2013 وهو من الكتابات المعاصرة في هذا الميدان إلى إبراز الرؤية الحداثية التي تتمثل في سيادة العقل أو ما أسماه بالعقلانية المادية ، وأن الحقيقة تستمد قيمتها من كونها نتاجا للعقل الإنساني لتصبح الذات مركز العالم . وبالرجوع إلى المكونات الرئيسة للفكر الحداثي الذي ضرب المجتمعات العربية بالحيرة والجنون في انتفاء التطبيق السوي للسانيات الغربية نجد على سبيل المثال التفكيكية التي يشير إليها دين محمد ميراصاحب في كتابه ( الحداثية وتحدياتها للتفسير القرآني) بأنها تمثل مظهرا صادقا لليأس والحيرة الذين أصيب بهما الإنسان في الغرب والتي نتجت عنها الاستهلاكية المتطرفة .
وهذه النظريات اللسانية النقدية وغيرها مما تم استيراده من الغرب الأوروبي نجمت عن العطب الذي أصاب الحضارة في تلك المجتمعات وأدت إلى سقوط المرجعيات التي تم توصيفها بالتقليدية البائدة بل والرجعية أيضا ، وتمثلت مظاهر الحداثة الفكرية في تلك المجتمعات في نقد الدين ورموزه وموضوعاته ، ونقد ودحض الفكر الموروث ، ثم إعلان بيان تأسيسي جمعي للقطيعة مع الماضي برمته.
هذا الرفض المطلق للأسف أودى بأصحاب تلك النظريات اللسانية والنقدية وبتناولهم للنصوص الدينية المقدسة في الغرب الأوروبي إلى رفض الدين المعادل الموضوعي للإلحاد ؛ ومن ثم إنكار التشريعات الإلهية ورفض سلطة الوحي ، والكارثة هي نقل التجربة النقدية الغربية الصالحة لمجتمعات بعينها إلى بيئاتنا العربية ذات الفكر الأصيل والتكوين اللغوي والديني المتعمق في جذور الإنسان العربي.
والمستقرئ لفكر الحداثة أو التيار الحداثي يدرك على الفور للوهلة الأولى أنها مرادفة للعلمانية المتطرفة التي أسهمت عن جهل وزيف وخداع في رفع القدسية عن مدال الأخلاق والقيم . وكما يذكر دين محمد ميراصاحب (2013) في كتابه المذكور سلفا فإن العلمانية في أصلها ظاهرة غربية خالصة سبب ظهورها عوامل تاريخية عاشتها الأمم الغربية على مدى قرون متتالية في ظل ثقافات تلقي بجذورها إلى وثنيات قديمة على الرغم من المسيحية التي لعبت دورا كبيرا في تشكيل الثقافة الغربية في العصور الوسطى وبعدها .
والمشهد الذي لا يمكن تغافله هو أن العلمانية التي تأصلت في اللسانيات اللغوية المعاصرة والنظريات النقدية أجبرت المسيحية في أوروبا على التقهقر والابتعاد عن المجال العام ، وصولا إلى تيار الليبرالية الذي بات أحد أصنام فكر الحداثة والذي يعني عند بعض مفكر العرب الحداثيين التحرر من كل قيد معروف أو مأثور .
وما إن نجونا مؤقتا من أصنام العلمانية والليبرالية حتى اصطدمنا من خلال ما عرفوا بالمجددين في الفكر العربي المعاصر الراهن بنظرية نقدية مماثلة للحداثة ألا وهي العقلانية المتطرفة . وهي نظرية مفادها إعلاء الفردانية والإيمان المطلق بالعقل في مواجهة نصوص التراث الدينية وأن لا سلطة فوق العقل . والمدهش في هذا الملمح من ملامح فكر الحداثة في الوطن العربي ومن خلال الدراسات النقدية للنص الديني ونصوص التراث وغيرها أيضا من كتابات الأوائل الفقهية والتاريخية أنها ـ العقلانية المتطرفة ـ لا تعترف بما لا يفهمه العقل أو لا يقع تحت سيطرة العقل ، ولا تفرق بين الذي يتناقض مع العقل وبين ما يعلوه على العقل ، بل إن تلك النظرية المهووسة لا تعترف أصلا بوجود ما يعلو على العقل أساسا ، الأمر الذي جعلتها تنظر إلى أساسيات الدين على أنها مجرد مجموعة من الأساطير والخرافات المزعومة .
ونحن بحق بحاجة ماسة إلى توظيف العقل واستخدامه بصورة طبيعية فطرية كما أمرنا الشرع بذلك ، الأمر الذي يدفعنا إلى ترتيب بيت النظريات النقدية الحداثية التي باتت تعبث بالتراث العربي الإسلامي ، وأنه من البدهي الآن إدراك هوية وكنه الحداثة الوافدة إلينا من الغرب عبر سياقات لسانية ولغوية ونقدية ودراسات تاريخية نتجت عن تطورات اجتماعية وسياسية استهدفت تهميش الدين ودوره بل إقرار عجزه في مواجهة التطورات والتحديات ، هذا العبث الذي دفع كثيرين من المفكرين العرب المعاصرين إلى نقد الدين بوصفه خطابا لغويا يمكن تناوله بشكل نقدي .
ولعل هذا التناول البشري القاصر والمحدود بل والجاهل أيضا في مظان كثيرين وأنا منهم هو الذي دفع بعض الكتاب العرب في النصف الثاني من القرن العشرين وصولا إلى أيامنا الراهنة بالتأكيد على مركزية الإنسان وسطوته في مواجهة مركزية الإله . انتهاء بعبث فكري تحت مظلة حداثة واهية تمثلت في الثورة على التراث الديني وإغفال المصدر الإلهي التشريعي ورفض أية مرجعية .
ولنا وقفة عاجلة تحذيرية تؤكد خطورة العبث الحداثي الذي يردده بعض الكتاب العرب والشعراء المعاصرين وبعض دارسي التاريخ الإسلامي ، حيث إنهم تأثروا كثيرا بمزاعم الغرب في نظرياتهم اللسانية والنقدية التي دحضت الكتاب المقدس ونصوصه في الغرب وتعاليم الكنيسة ، فلجأوا تارة إلى تحريف الفكر الديني الإسلامي والتراث العلمي العربي الرصين والمجهودات العلمية لأوائل علماء المسلمين ، وتارة أخرى في تقليد الغرب من خلال توظيف واستخدام النظريات الأدبية ضيقة الرؤية والنفاذ إلى تأويل القرآن الكريم وتفسيره باستغلال تقنيات وآليات تلك النظريات المسكينة بالفعل كما أصحابها.
ويكفي أن نسرد بعض النظريات النقدية واللسانية التي نجمت عن بيئات مضطربة في فترات سياسية واجتماعية عصيبة لندرك العوس العربي في توظيفها على كتابات عربية خالصة بدلا من إنتاج نظريات عربية أصيلة كان لنا السبق في إنتاجها وخير دليل كتابات قدامة بن جعفر في نقد الشعر والنثر وغيره ، فنجد رولان بارت الفرنسي الذي يرجع له فضل تأسيس البنائية السميولوجية وهي علم العلامات والذي تأثر كثيرا وطويلا بالسويسري فرديناند دي سوسير الذي يزعم أنه صاحب علم اللغة الحديث ، وهذا لم يحدث 'لا حينما تخلى العرب عن تراثهم ومنتوجهم اللغوي والنقدي رغم أن أبرز النظريات النقدية أنتجتها بيئة العرب .
ثم نجد الفرنسي كلود ليفي شتراوس مؤسس الأنثروبولوجيا الاجتماعية والذي طبق نظريته على الكتاب المقدس مثله مثل ميشيل فوكو الفرنسي صاحب أركيولوجيا المعرفة والذي يتغنى بفكره الحداثيون العرب رغم امتلاكهم لنظريات عربية رصينة وجيدة النفع.
وصولا إلى أسماء تتبع تيارات الحداثة القلقة والمضطربة أمثال جاك دريدا مؤسس التفكيكية وشلاير ماخر مؤسس الهيرمينوطيقا ، وصولا إلى بول ريكور أبرز من تحدث عن التأويلية التي أفسدت كثيرا من تناول نصوص التراث العربي باستخدامها لأنها تخرج الناقد والقارئ على السواء من فائدة النص إلى دحضه ورفضه والبحث عن بديل آخر يصلح لزمان يوافق هوى المتلقي وعبث مسعاه.
الخطير في كتابات الحداثيين العرب من مثل حسن حنفي ومحمد أركون ونصر حامد أبو زيد وسيد القمني أنهم خرجوا من سياقات نقد الخطاب اللغوي إلى نقد النص الديني وتعرضه لتفصيلات تاريخانية ونظريات ألسنية باهتة ومناهج تحليلية لم تأت بفائدة في بيئات إنتاجها سوى شيوع موجات التطرف والإلحاد والرفض لكل ما هو ديني . بل إن الأخطر هو التفاوت والاختلاف المرضي ( بفتح المين والراء) في حرصهم على التشكيك بالنص وتفكيكه ومن ثم إعادة بنائه ، وإخضاع القرآن الكريم للمنطق التاريخي المادي وربما لا أريد إطلاق العنان لاتهاماتي بعدم الاعتراف بأصله ومصدره.
ومصيبة التفكيكية التي أشرنا إليها سالفا أن معيارها الوحيد هو صحة النص ؛ ودأب النظرية اللغوية والنقدية بعد ذلك أفضت إلى ضرورة أن يكون النص محرفا وهي نتيجة جاهزة منذ البداية كما يذكر ميراصاحب في كتابه ( الحداثية) .
ولنا أن نقدم فروقا جلية بين تلقي النص القرآني وتأويل النصوص البشرية التي لا تخرج عن فلك كتابة الشعر ونظمه والقصة والرواية والخاطرة الأدبية ؛ وهنا تجدر الإشارة إلى التّمييزبين نوعين من أنواع قراءة النّصّ الأدبيّ ؛ الأولىقراءة مطابقة وهي قراءةٌ استنساخيّةٌ غير متجاوزةتقتصر على شرح النّصّ وتفسيره بصورة مباشرةملتزمة بحرفيّة اللّغة النّصّيّة داخل الخطاب الأدبيّولا تتجاوزه إلى ما وراء النّصّ أو الأبعاد المكوّنة لهبغير استنباط أو استدلال أو استنطاق لمعان أخرىمستترة . والقراءة الثّانية هي قراءة الإنتاج والتييمكن تسميتها بالقراءة الكاشفة ، وفيها يبحثالقارئ عن المضمر والمخبوء داخل النّصّ الأدبيّكاشفًا مضامينه ومعانيه. وتلك أمور لا يمكن توظيفها في نص حكيم إلهي قاطع التشريع.
وقراءة النّصوص الأدبيّة مستوياتٌ ومراق ؛بدءًا من التّرديد وتحريك اللّسان ، مرورًا بالفهمالسطحيّ ، وبحلّ شفرة النّصّ الأدبيّ ومحاولةفهمه وتحليله ، ثم الوصول إلى إعادة تركيبه وسبرأغواره أو إنتاج نصّ مواز للنّص المقروء وهو مايعرف بالقراءة التّأويليّة . وهذه القراءة تقتضي منالقارئ الدّخول مع النّصّ الأدبيّ في عملية تفاعليّةتتناص مع مقروء ومخزون خارج النّصّ. والمنظرين لتأويل النصوص الدينية لم يفرقوا عن انتفاء بصيرة بين تفسير وفهم النص القرآني وتأويل النصوص الأدبية البشرية ، فنجدهم يتحدثون عن القراءة التأويلية بوصفها مرادفا ومعادلا موضوعيا للحرية وبالأحرى إعلاء الفردانية ، فهم يرون أنالقراءة التّأويليّة طبقًا لمفهُوم الحُرّيّة اللغويّة هينظامٌ من المُمارسات التّفسيريّة الضّمنيّة أو المُضمرةالتّي تتّسمُ بالاتّساع والإنتاج القرائيّ الإبداعيّ ،وهي قراءةٌ ترتبطُ باستحضار العلاقة بين النّصّوالمرجع ويعني بصفة خاصّة بالمُعطيات الخارجيّةمثل ظُرُوف إنتاج النّصّ وتلقّيها ، لذا فهي قراءةٌتُركّزُ على السّياق الاجتماعيّ التّاريخيّ. وبذلكفإنّها ـ القراءةُ التّأويليّةُ ـ لا تتوقّفُ عند حًدُودالتّلقّي المُباشر ، بل تًسهم في إنتاج وجهة نظرجديدة يحملها النّص الأدبي بين طيّاته.
وجهل الحداثيين المعاصرين أنهم لم يفطنوا للفرق بين قدسية النص القرآني والنصوص الأدبية الإبداعية ؛ لذلك فهم عن جهل مقصود اعتبرواالقراءة التّأويليّةُ ـ كمُنتج لُغويّ ـ انفااحًا إيجابيايرتكزُ على الحوار والسّجال بين القارئ والنّصّوالكاتب ، فضلا عن كونها منهجًا لإماطة اللّثام عنمعنى النّصّ لا عن طريق التّحليل والفهم وإعمالالعقل في صُورته الظّاهريّة فحسب ؛ بل بالنّفاذ إلىعُمق النّصّ وتجاويفه المُضمرة ، لذا يُمكنُ القولُ بإنّالقراءة التّأويليّة هي نتاجُ الوعي بالنّصّ وُحُضُورُالقارئ بقُوّة في خلق وتشكيل النّصّ الأدبيّ وذلكمن خلال ما يُمارسُه من مهارات تأويليّة تستهدفُإعادة تشكيل النّصّ الأدبيّ وبناء معانيه ، وخلقحالة من التّفاوُض والمُعارضة من جانب القارئللنّصّ، وهذا يعني أنّ القراءة هُنا تُصبحُ إبداعًا آخرللنّصّ، بمعنًى أنّها ليست قراءةً سلبيّة، بل إنّالقارئ يُفسّرُ معانّي النّص ويؤوله من خلال حوارمع خلفيّته الثّقافيّة وتجارب الحياة الشّخصيّة لهُ.
ومشكلة الحداثيين ونحن نختتم سطورنا عن مخاطر هذا التيار الجارف أنهم لا يفرقون بين النص الديني الإلهي والنصوص البشرية الأخرى ، بل إن كثيرا من الأكاديميين العرب المعاصرين والذين يلهجون وراء الألسنية الغربية يصرون على التعامل مع النص القرآني كنص بشري عادي ، ومن هنا وكما يشير دين محمد ميراصاحب كان تهافتهم على المناهج التأويلية الغربية واستعانتهم بأصولها وقواعدها في فهم الكلام الإلهي.
ـ أستاذ المناهج وطرائق تدريس اللغة العربية

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


موقع كتابات
منذ 5 ساعات
- موقع كتابات
متى تعيد المرجعية فتح أبوابها؟
تحتل المرجعية الرشيدة في النجف الأشرف مكانة كبيرةليس في قلوب العراقيين فحسب بل وفي قلوب المسلمين عامة ، وتحديدا الشيعة منهم باعتبارها مرجعية للفقه الشيعي بشكل خاص وللفقه الاسلامي بشكل عام ، ويعدها البعض ويقارنها بالجامع الأزهر في مصر، وقد تخرج الكثير الكثير من رجال العلم والمعرفة والفقه من المرجعية ، ولا زالت تستقبل الطلاب من كل أرجاء العالم للدراسة فيها ، ولا يعد رجل الدين مرجعا ويحق له الفتوى الا اذا كان قد درس وتخرج من المرجعية ، التي لها أصولها وضوابطها التدريسية والعلمية في الفقه وأصول الدين وباقي العلوم والمعارف الأخرى . وحظيت المرجعية باحترام وتقدير كل الحكومات التي حكمت العراق من ملكية الى جمهورية منذ تأسيس الدولة العراقية في 1920 ، ورغم عدم تدخل المرجعية في الكثير من الأحداث التي شهدها العراق من ثورات وانقلابات في عهديه الملكي والجمهوري ، حيث لم يكن يسمح لها التدخل بالشأن السياسي في العراق!! ،وأنحصر دورها في الأمور الدينية والفقهية ، ألا أنها حافظت على مكانتها ومنزلتها وهيبتها لدى كل حكام العراق . ولكن برزت المرجعية الرشيدة بشكل واضح وملفت ،وكان لها دور كبير ومساهم في بناء وتأسيس العملية السياسية من بعد الاحتلال الأمريكي البريطاني الغاصبللعراق عام 2003 وخاصة في توجيهها وحثها للأمريكان والزعامات السياسية العراقية بالإسراع في موضوع كتابة (الدستور وأجراء اول انتخابات برلمانية في البلاد!) ،وهكذا ظلت المرجعية الرشيدة قريبة من كل الأحداث السياسية الاقتصادية والاجتماعية والدينية التي جرت بالبلاد ، وخاصة في موضوع تعيين رئيس الحكومة الذييجب ان يحظى بمباركة المرجعية وموافقتها! . ألا أن المرجعية فاجأت الجميع بانسحابها من صورة المشهد العراقي بكل تفاصيله على خلفية أحداث انتفاضة تشرين / عام 2019 وعبرت عن عدم رضاها على كيفية تعاملالحكومة التي كان يرأسها ( عادل عبد المهدي) مع المتظاهرين وعابت عليه وعلى أجهزته الأمنية القسوة المفرطة في التعامل مع المتظاهرين السلميين الذين كانوا يرفعون شعار( نريد وطن)! ، كما وحرصت المرجعية في كل خطبة جمعة على توجيه الحكومة وقواها الأمنية على عدم القسوة مع المتظاهرين وضرورة الاستماع الى مطالبهم وتحقيقها ، وبعد أن خاب أمل المرجعية بالأحزاب السياسية الحاكمة وشعرت أنهم لا يأخذون بتوصياتها ولا بتوجيهاتها رغم أن لها الفضل الكبير على تلك الأحزاب منذ أول انتخابات جرت!! ، وبعد أن وجدت الوطن يزداد تخلفا وتراجعا وأن الكثير من الشعب يعانون من شظف العيش ، وان رغيف الخبز لم يعد في فم الجميع وأن أزمات العراق تزداد يوما بعد يوم ومن حكومة الى أخرى ، كما لمست كثرة التدخلات الخارجية بالشأن العراقي من قبل دول الجوار، فأعلنت المرجعية قطع العلاقة تماما بينها وبين قادة وزعامات تلك الأحزاب والكتل السياسية وغلقت أبوابها بوجوههم! ، وكذلك ألغت صلاة الجمعة المهمة والهامة! وانسحبت نهائيا من المشهد العراقي بكل تفاصيله! وقالت قولتها المدوية ( لقد بح صوتنا من كثرة النصح والارشاد) . وفي الحقيقة أن غلق المرجعية لأبوابها لم يؤثر على الأحزاب السياسية ولا على قادتها! ، بل استثمروا ذلك لصالحهم ووجدوها فرصة سانحة لهم للعمل كما يريدون ويشتهون فلا رقيب عليهم ولا حسيب!! ، فالمرجعية التي كانت تمثل امامهم سدا منيعا وصوتا مانعا لأي انحراف وأية فساد غابت عن المشهد تماما ، تاركة لهم العراق بين مخافة الله والضمير!. وفي الحقيقة منذ أن أغلقت المرجعية أبوابها والغيت صلاة الجمعة وخفت صوت المرجعية ومن يمثلها في صلاة الجمعة ، ازدادت أحوال العراق سوء وكثر الفساد اكثر واكثر، وتراجع العراق في كل شيء وازدادت ازماته وكثر أعداء الداخل ، وتاهت بوصلة العراق ، فلا احد يدري الى أين يسير مصير العراق والى أين سترسو به الأقدار فلا من موجه ولا من رقيب ولا ناصح ! . أرى أن المرجعية تمثل الأب الحنون والأم الرؤوم لهذا الوطن ولهذا الشعب وهي كانت صمام الأمان له ، لذا ارى ويرى معي الكثيرين ان صبر المرجعية على الطبقة السياسية يجب ان يطول اكثر واكثر ولا تنفك من النصح والارشاد ، لأن غلق أبوابها وسكوتها عما يجري ألحق ضررا كبيرا بالعراقوبالشعب وليس بالطبقة السياسية! ، كما وأنفسح المجال أكثر لكل أعداء العراق في الداخل والخارج ان يستبيحوا العراق نهبا وسرقة! ، ولا أعتقد أن المرجعية لا تدري ما الذي يجري بالعراق وأين وصلت أحواله وأين وصلت وتراكمت ازماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ،فغالبية العراقيين يرون بان العراق يعاني من ضياع كبير في ظل غياب المرجعية وصوتها ، وهنا لابد من التذكير والقول ، بان المرجعية لو كانت قد انسحبت من العمل السياسي ولم تتدخل به منذ 2003 لكنا لا نعتب عليها ولا نترجاها ان تتدخل! ، ولكنها هي من قادت العملية السياسية منذ 2003 وشاركت وكانت على بينة وقريبة من كل الأحداث التي جرت بالعراق ، ولغاية أحداث انتفاضة تشرين/ 2019 ، واقالة رئيس الوزراء الأسبق (عادل عبد المهدي ) . خلاصة القول أن العراق وعلى ضوء الأحداث السياسية التي تعصف بالمنطقة ، لاسيما وهو بعين العاصفة ، حيث تتجاذبه أطراف خارجية كثيرة ، ووضعهالسياسي والاقتصادي الداخلي غير مستقر ودخان الصراعات السياسية وبين الأحزاب بسبب الانتخابات المقرر اجرائها في شهر تشرين الثاني القادم لا ينذر بخير! ، فالعراق يعيش على صفيح ساخن من الأحداث الأزمات .لذا فالشارع العراقي وكل الأمة العراقية بحاجة الى الوجود الروحي والنفسي للمرجعية ولسماع صوتها من خلال إعادةصلاة الجمعة ، لترعب الفاسدين وكل من عاثوا خرابا وفسادا بالعراق . فهل ستستجيب المرجعية الى نداء الأمة العراقية وتعيد فتح أبوابها ثانية فالوطن والشعب بحاجةللمرجعية الرشيد الآن ، اكثر من حاجته لها بداية الاحتلال في 2003؟. والله من وراء القصد.


موقع كتابات
منذ 5 ساعات
- موقع كتابات
رواتب الاقليم وما ادراك ماخلفها !!
لم تعد قضية رواتب موظفي اقليم كردستان بحاجة الى عرّافين وقارئي فناجين لنعرف انها ورقة لعب سياسية تستخدمها بغداد ضد الاقليم كلّما احتاجت الى صفقة او تمرير قضية ، وهو استخدام يفتقر الى ابسط قيم الاخوة والمواطنة والاخلاق والموقف الانساني ، لسبب بسيط ووحيد وواضح ، هو ان المتضرر الوحيد هو المواطن البسيط في الاقليم بعقوبة على ذنب او اختلاق ذنب لم يرتكبه ! الحكومة الاتحادية لاتحتاج الى جهد كبير لاختلاق المبررات ، لانجد حاجة لتكرارها ، من أجل استخدام هذه الورقة الفاقدة لأي مبررات دستورية وقانونية . والشفافية الاخلاقية لدى الحكومة الاتحادية ووزارة ماليتها ، ان يكون قرار ايقاف صرف الرواتب قبل عطلة عيد الاضحى بأيام كهدية لموظفي ومتقاعدي الاقليم ن هدية مغلّفة بأخلاق صفراء حاقدة تنتمي الى عهود الاستبداد ! لايمكن اعفاء السوداني من موقف خبيث كهذا .. لا يمكن اعفاء الاطار التنسيقي من هذا الموقف الذي يعبّر عن ' روح وطنية ' يهمها التآخي ووحدة الوطن ! لايمكن اعفاء وزيرة المالية من 'صحوتها ' الضميرية المبكرة أو المتأخرة لافرقلديها لان الهدف من هذه الصحة هو هدف عقلية شوفينية حاقدة …! اعتقد ان الكرة الآن في ملعب الكرد ، بقدر ماهي بملعب السوداني الذي قد يكون مستهدفا من هذه الحركة المشبوهة ،لاستثمار كل الاوراق السياسية الداخلية والخارجية لاخراج ورقة لعب الرواتب من طاولة أي تسويات سياسية او مقايضات او صفقات .. فلا صفقة ولا تسوية ولا توافق ولا مقليضات على حساب لقمة الفقراء والتلاعب بها حسب المزاجيات .. ينبغي اخراج هذه الورقة من سياسة ' هذا الشهر والقادم الله كريم' …! على الاحزاب الكردية ان تنفض عن كاهلها الخلافات والترضيات والخروج بموقف موحد بشأن هذه القضية الاكثر حساسية لدى الشعب الكردي..!


موقع كتابات
منذ 6 ساعات
- موقع كتابات
لم نخاصم التفكير الاستراتيجي
التفكير أساس المخلوق الآدمي: الآدمي مكرم ومخلوق كنموذج مفكر عاقل، نجاحه في مسيرة الحياة هو نجاح منظومته العقلية وليس أي شيء آخر، فليس هو ناجح إن أشبع غريزته كحب السيادة والتملك والنوع مالم يك بطريق صائبة، وليس هو ناجح إن وفر أسباب الرفاهية، بل النجاح في رضا الله من خلال تحقيق فاعلية المنظومة الإصلاحية أو في مسار الحياة، فحسن التفكير وسلامته هو معيار للمنظومة العقلية ودليل عليها ولها. التفكير الاستراتيجي والتاريخ: في الحديث عن التفكير الاستراتيجي لا نتحدث عن استراتيجية الحروب فالحرب لها معاملها في الإدارة للمعارك والتحضير لها، وممكن أن تنجح فتنتصر أو تخسر فلا استخلاص منها بشكل مباشر وإنما يربد مع عدة معاملات لتقيَّم، إننا نتحدث عن امر اعم من استراتيجية الجيوش نتحدث عن تفكير محكم شامل، وفي التاريخ والحاضر أمثلة نستل منها ما يفيد كعبره ونموذج. في التفكير الاستراتيجي هنالك حسم في تقديم أولوية التفكير، وتأخير الأساليب العنيفة، وهذا يعني ضبط رد الفعل والتوجه لتقوية الأدوات، ليس إلغاء خيار العنف أو الحرب نهائيا بل وضعها في التخطيط وليس رد الفعل، في الوسائل إلى الغايات وليس في الشعارات. أمثلة على أثر التفكير الاستراتيجي في السياسة: 1- ما بعد معركة الزلاقة لم يخطط بشكل جيد للحفاظ على وحدة الأندلس فتعاظمت مع الضعف التباينات والتمزق إلى أن فقدت الأندلس بمساعدة الطامعين والطامحين. 2- ضعف الإدارة وإعداد القادة العباسيين جعلهم يرضون بحكم شكلي للأطراف وترك تلك البلاد تواجه لوحدها هزة عنيفة مثل المغول بدل أن يصرف الأموال لتمكينه من الإدارة المباشرة بحيث يتحسس الخطر المغولي ويضع له الخطط للقضاء عليه. 3- دخول العراق الكويت، ومقابلة إيران، هذا ليس تفكيرا استراتيجيا من الحكومات الثلاث فالخسائر كبيرة وهم ليسوا وحدهم في العالم أو يملكون القرار النهائي، لهذا كانت الحروب تدار لتستنزف المنطقةوليست واقعة ضمن التفكر الاستراتيجي وإنما اكتفت باستراتيجيات الحروب. 4- أسلوب الكويت نفسها في قبول التوسع دون إرادة دولة جارة أكبر لم تستقر لاحد في تصور أن التوسع سيكون تحصيل حاصل واستثمار المنطقة وحرمانها من منفذها البحري، هذا ليس تفكيرا استراتيجيا، وكان بالإمكان اتباع أساليب أخرى وتحصيل نتائج متوازنة للبلدين، لأننا سنخلق مشكلة تعبر إلى الأجيال فهنالك وثائق وهنالك محاكم وكان لابد اعتماد الوثائق. 5- ما يجري الآن في غزة من إبادة جماعية وجرائم حرب سيكون له بعد لأحداث تاريخية، تنفيذ رغبات عقلية عدمية لا تحترم الإنسانية ولا تعتبر أن الإنسان في فلسطين بشر وان من يقاتل دفاعا عن أرضه وحريته، ليقترح تهجيره وتسكين المهاجر، هذا ليس تفكيرا استراتيجيا. 6- خلق الكيان الصهيوني محيط تتضاعف فيه الكراهية اعتمادا على الظرفية من الحماية من الدول الكبرى، ويسبب مشاكل للمنطقة لكي يثبت انه قادر على حماية مصالح الغرب ويكون قاعدة متقدمة لهم، هذا تكتيك ظرفي وليس تفكير استراتيجي. أمثلة على التفكير الاستراتيجي المفقود في الدولة: • في ديمومة النظم: اغلب الدول في عالمنا العربي تقيم أنظمتها على إخضاع الجماهير وغياب الشفافية معها وترتكز على تثبيتها بدعم وهمي من الخارج لا يعمل إلا على قدر مصالحها لذا فكلفة البقاء غير المضمون هذا عالية، وهذا ليس تفكيرا استراتيجيا. • في العراق مثلا تواجه النخبة والحكومة مشكلة المياه بلا منطق أو واقعية، حيث تعتمد روتين أساليب قديمة كانت تفيد حينها ومتاحة، أما اليوم فمواجهة هذا باستثمار النفط لبناء مشاريع مياه ضخمة وإبداع أساليب في نقل تدوير المياه ومعالجتها، وإقامة مشاريع ونظم إدارية عابرة للحدود السياسية، فالبقاء بالكلام عن حصص وغيرها ليس تفكيرا استراتيجيا.