logo
هل هناك تنسيق بين الدماغ والأمعاء؟

هل هناك تنسيق بين الدماغ والأمعاء؟

الوسط٠٩-٠٥-٢٠٢٥

Getty Images
تستوطن أمعاء الإنسان أكثر من 100 مليون خلية عصبية، وهي مسؤولة عن إنتاج 95 في المئة من السيروتونين – وهو ناقل عصبي مرتبط بصحة الجسم.
وأكدت دراسات حديثة أهمية الميكروبات المعوية لصحة الجسم والعقل على السواء.
وتشتمل الميكروبات المعوية على تريليونات وتريليونات من البكيتريا، والفيروسات، والفطريات وغيرها من الكائنات المجهرية.
ويعني ذلك أن الأمعاء والدماغ مرتبطان، وأن كليهما يؤثر في الآخر؛ ألم تلحظ ما ينتابُك أحياناً من شعور داخلي بالغثيان قبل اجتماع مُهمّ، أو ما قد تشعُر به من انفعال إذا كنت تعاني إمساكاً؟
ولكن كيف نشأ الارتباط بين الدماغ والأمعاء؟ وهل في الإمكان تحسين هذا الرابط بينهما من أجل صحة أفضل وحياة أكثر سعادة؟
محور الأمعاء-الدماغ
يرتبط هذان العضوان عبر ثلاثة محاور مختلفة، حسبما تشرح الباحثة صالحة محمود أحمد، المتخصصة في أمراض الجهاز الهضمي بمركز أبحاث الأمعاء في المملكة المتحدة:
المحور الأول، يتمثل في العصب الحائر (أو المُبهم) – وهو بالغ الأهمية ويربط بشكل مباشر بين الدماغ والعديد من الأعضاء، كالقلب والأمعاء.
المحور الثاني، يتمثّل في أن الدماغ والأمعاء يتواصلان فيما بينهما بمساعدة من الهرمونات. (هذه الهرمونات، من أمثال الغريلين والببتيد الشبيه بالغلوكاغون-1 (الذي يُرمز إليه بالرمز ''جي إل بيه-1")، تُفرزها غُدد وتتولى مهمة إرسال إشارات إلى جميع أنحاء الجسم.
المحور الثالث، فيتمثل في الجهاز المناعي.
تقول الباحثة: "العديد من الناس يعتقدون أن خلايا المناعة لا تعيش إلا في الدم أو العُقد الليمفاوية، لكن الواقع يشير إلى أن نسبة كبيرة من خلايا المناعة تعيش في الأمعاء وتؤدي دور الوسيط بينها وبين الدماغ وكل أجزاء الجسم".
ويرى بانكاج جيه باسريشا، استشاري أمراض الجهاز الهضمي بمستشفى مايو كلينيك في الولايات المتحدة، أن هذا الترابط الخاص بين الأمعاء والدماغ يحدث لأن الأخير يحتاج إلى الكثير من الطاقة حتى يؤدي مهامه، والأمعاء هي مُولّد الطاقة الخاص بنا.
ويشير باسريشا إلى أن الدماغ يمثل اثنين في المئة فقط من وزن الجسم، بينما يستهلك 20 في المئة من طاقة هذا الجسم. ويوضح أن وظيفة الأمعاء تتمثل في "تكسير الطعام" إلى جزيئات صغيرة قبل أن تمتصّها وتحوّلها إلى طاقة للجسم كله.
لكننا إزاء علاقة في اتجاهين؛ فالدماغ يؤثر على الأمعاء، والأمعاء تؤثر هي الأخرى على الدماغ.
وبإمكاننا أن نضرب العديد من الأمثلة في حياتنا اليومية التي توضّح طبيعة تلك العلاقة بين الدماغ والأمعاء.
عندما نواجه موقفاً خطيراً أو مخيفاً، أو عندما نتأهب لحدث شديد الأهمية، فإن أحد أوائل الاستجابات الفسيولوجية تحدث في الأمعاء؛ فقد نشعر بالغثيان، أو قد نُصاب بتشنّجات في المعدة، وأحياناً يصل الأمر إلى مرحلة الإسهال.
أما عندما يغمرنا شعور بالحُبّ، فإننا نحسّ كما لو كانت هناك "فراشات" في مَعدتنا، أو ذلك الشعور النفسي المرتبط بالإثارة الناجمة عن الإحساس بأن أحداً نحبه بشِدّة يقترب منّا.
على الجانب الآخر، إذا كنتَ مصاباً بالإمساك، ولم تشعر بالحاجة للذهاب إلى المرحاض على مدى عدة أيام، فإن ذلك قد يتركك عُرضة للشعور بالهياج والتوتّر.
Getty Images
مشروبات تحتوي على البكتيريا النافعة تباع في الهند
عالم كامل في بطنك
تستوطن أمعاءنا ما بين 10 إلى 100 تريليون خلية ميكروبية، تضمّ بكتيريا، وفيروسات، وفطريات وكائنات أولية (بروتوزا)، وغير ذلك من الكائنات المجهرية، ويزيد هذا العدد على عدد خلايا جسم الإنسان.
ويرى متخصصون أن هذه التريليونات من الخلايا الميكروبية تتعايش في علاقة تكافلية مع الإنسان؛ فهي تستخلص العناصر الغذائية من الطعام الذي نتناوله وتساعدنا على الهضم، لكنها تساعدنا كذلك في تكسير بعض المكوّنات التي لا طاقة لنا بتكسيرها من دون مساعدتها.
وعلى مدى العشرين عاماً الأخيرة، كشفت الأبحاث والدراسات الكثير والكثير عن هذه الخلايا الميكروبية وعن تأثيرها على صحة الإنسان.
وتشير الباحثة صالحة أحمد إلى أنّ هناك أدوات جديدة واختبارات تمّ تطويرها على أيدي علماء، وهي تساعد في حساب أعداد الكائنات الدقيقة التي تستوطن الأمعاء، كما تساعد هذه الأدوات والاختبارات في فَهْم كيف تؤثر هذه الكائنات الدقيقة في الإصابة بأمراض معيّنة.
ويقول الباحث باسريشا إن "الاختلال في توازُن الميكروبات المعوية، فيما يُعرف عِلمياً باسم 'ديسبيوسيس'، مرتبط بعدد من أشهر الأمراض التي يصاب بها جسم الإنسان".
وفي عام 2011، قاد الباحث باسريشا فريقاً من الباحثين في دراسة رائدة على فئران تجارب تظهَر عليها أعراض اضطرابات في المعدة في الأيام الأولى من حياتها.
ووجدتْ الدراسة أن هذه الأعراض قد تتطور إلى "اكتئاب وسلوكيات شبيهة بالقلق قد يطول مداها".
وأظهر بحثٌ آخر أن الاختلال في توازُن الميكروبات المعوية او الـ ديسبيوسيس، مرتبط بالإصابة بالبدانة المُفرطة أو السِمنة، وبأمراض القلب والأوعية الدموية، بل وحتى بمرض السرطان.
ومع ذلك، يقول الباحث باسريشا إننا لا نملك ما يكفي من الأدلة للربط بشكل قاطع بين السبب والنتيجة، أو لكي نجزم بالقول إن اضطرابات في توازُن الميكروبات المعوية هي سبب العديد من الأمراض.
يقول باسريشا: "هناك بعض الأدلة، التي وجدتْها أبحاث أُجريت على الحيوان والإنسان، تشير إلى أنّ وجود خَلل في توازُن الميكروبات المعوية يمكن أن يصاحبه وجود قلق أو اكتئاب. لكنْ هل هذه الأمراض تحدُث بسبب الأمعاء؟ هذا ما لا نعرفه حتى الآن".
Getty Images
يقول خبراء إن الأطعمة التي تحتوي على أنواع محددة من البكتيريا هي صحية للجهاز الهضمي
وصفة لبكتيريا مفيدة
على ضوء الاكتشافات الحديثة بخصوص البكتيريا، وبشأن الارتباط القائم بين الأمعاء والدماغ، فإنه من الممكن تحقيق توازن مثالي للكائنات الدقيقة التي تعيش في بطوننا.
لكن الباحثة صالحة أحمد ترى صعوبة في ذلك؛ لأن كل شخص لديه تركيبة مختلفة من البكتيريا، والفيروسات وغيرها من الكائنات الدقيقة.
تقول صالحة: "لدى كل شخص تركيبته الخاصة والمختلفة من الكائنات الدقيقة التي تعيش في بطنه، ولا توجد نقطة بداية واحدة مشتركة بين اثنين من البشر".
لكن خبراء يقولون إن هناك بعض التدخُّلات العامة التي يمكن أن تكون ذات نفع لصحة الأمعاء لدى الجميع، ومن ذلك: اتّباع نظام غذائي يتسّم بالاتزان والتنوّع - على سبيل المثال - كبداية.
وثمة أغذية يُنصح بها في هذا الخصوص مثل: "
البروبيوتيك
" - أو الأطعمة التي تحتوي على أنواع معيّنة من البكتيريا المفيدة للجهاز الهضمي، كلَبن الزبادي الطبيعي والكفير والكومبوتشا؛ و"
البريبيوتيك
" - أو الأطعمة الغنيّة بالألياف والتي تغذي الكائنات الدقيقة في الأمعاء كالفواكه والخضروات.
تقول الباحثة صالحة أحمد: "يمكنني القول إن اتباع نظام غذائي متنوّع هو أمر بالغ الأهمية، لا سيما فيما يتعلق بعدد الأطعمة النباتية التي يتناولها الإنسان".
وتوصي أخصائية أمراض الجهاز الهضمي بأنْ يحرِص كل شخص على أن يتضمن طعامه كمية مُعتبَرة من الفواكه، والخضروات، والحبوب الكاملة، والبقوليات، والمكسرات، والبذور والتوابل.
وتضيف صالحة أحمد: "لستُ نباتية، لكنني أعتقد أن هناك حاجة إلى زيادة حصة الخضروات في نظامنا الغذائي".
وتشير الباحثة إلى ما كشفتْه دراسات بشأن التوازن الصحي للميكروبات في أمعاء الأشخاص الذين يتناولون نحواً من 30 نوعاً مختلفاً من النباتات كل أسبوع.
لكنْ، هل لتغيير النظام الغذائي أثر يُذكَر على المشاعر، وهل يمكن مثلا أن يساعد ذلك التغيير في علاج أمراض كالاكتئاب؟
في محاولة للإجابة على هذا السؤال، أُجريت دراسة في جامعة أكسفورد، بالمملكة المتحدة.
وجمع الباحثون عيّنة من 71 شخصاً يعانون من الاكتئاب وقسّموهم إلى مجموعتين؛ وتناولت المجموعة الأولى "البروبيوتيك" – أو تلك الأطعمة التي تحتوي على أنواع معيّنة من البكتيريا المفيدة للجهاز الهضمي لمدة أربعة أسابيع، بينما تناولت المجموعة الثانية دواء وهمياً.
ولقد كانت هذه التجربة "عشوائية ومزدوجة التعمية" وفقاً للوصف العِلمي؛ والذي يعني أن أياً من الباحثين أو أفراد العيّنة لم يكد يعرف مَن تناوَل ماذا؟!
Getty Images
ينصح الخبراء بتنويع النظام الغذائي، وبأن يحتوي على الفواكه والخضروات
وفي أثناء التجربة، أجرى الباحثون عددا من الاختبارات لقياس عدد من العوامل: كالحالة المزاجية، والقلق، والنوم والكورتيزول اللُعابي (مادة مصاحبة للتوتّر).
وترى الباحثة في علم النفس الإكلينيكي ريتا باياو، وهي التي قادتْ فريق الدراسة، أن الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب يميلون إلى إبداء اهتمام أكبر بالمشاعر السلبية والتعبيرات الوجهية، مقارنةً بالمشاعر والتعبيرات المحايدة أو الإيجابية.
تقول الباحثة باياو: "نريد أن نعرف ما إذا كان تناوُل البروبيوتيك يؤثر على معالجة المعلومات العاطفية في الدماغ".
وتضيف باياو: "مع المجموعة التي تناولت البروبيوتيك، لاحظنا ميلاً أقلّ إلى البحث عن أسباب المشاعر السلبية".
وتعتقد الباحثة أن البروبيوتيك قد يساعد في تخفيف بعض أعراض الاكتئاب – لكن ثمة حاجة إلى مزيد من البحث، "لا نزال بحاجة إلى بيانات أقوى، رغم أنّ هناك مؤشرات على أن البروبيوتيك يمكن أن يعطي أثراً إيجابيا متمثلا في مستوى لا بأس به من القدرة على التحمُّل مع مستوى أقل من الآثار الجانبية"، بحسب باياو.
وقال الباحث باسريشا إن تغيير تركيبة ميكروبات الأمعاء يمكن أن يستغرق عقودا حتى تظهر نتائجه.
وأضاف: "نعرف أنه من الصعب جداً الحفاظ على بعض السلوكيات لدى بعض الأشخاص، وإلا لما كان لدينا وباء السِمنة".
"لكننا نحاول تجميع الأجزاء الضرورية الناقصة من الصورة"، حسبما استدرك باسريشا.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"الرجال بلا مشاعر" ومعلومات مغلوطة أخرى لا نفهمها عن "الرجولة"
"الرجال بلا مشاعر" ومعلومات مغلوطة أخرى لا نفهمها عن "الرجولة"

الوسط

timeمنذ 4 ساعات

  • الوسط

"الرجال بلا مشاعر" ومعلومات مغلوطة أخرى لا نفهمها عن "الرجولة"

Getty Images من الشائع في مجتمعاتنا العربيّة أن ينشأ الأولاد في أسرٍ لا يُظهر فيها الآباء مشاعرهم بشكلٍ صريح. وإذا عبّروا عنها، فإنّ الغضب غالباً ما يكون الشعور الوحيد المسموح بإظهاره. وإن "تلصصنا" على المحادثات الخاصة لشابات في يومنا على إنستغرام، قد نجد هاجساً مشتركاً، وهو السخرية أو الغضب من من برود الرجال العاطفي، ولا مبالاتهم، والحيرة في كيفيّة التعامل معهم، وضرورة عرضهم على أطباء نفسيين. ورغم أنّ هذه المواد تبدو، في ظاهرها، نوعاً من المزاح البريء المنتشر على الإنترنت، إلا إنّها تسلّط الضوء على أزمةٍ أعمق، تتعلّق بطريقة تفاعل الرجال مع مشاعرهم، ومع الآخرين، في العلاقات التي تتطلّب قدراً من التعبير العاطفيّ. هناك اعتقاد سائد لا يزال راسخاً في ثقافتنا، أنّ الرجال لا يعبرون عن عواطفهم، أنهم "بلا مشاعر". ويرى كثيرون أنه من "المعيب" على الرجل أن يشكي همه، يفصح عن هشاشته أو مشاعره، فالرجال "لا يبكون". ولكن هذه الأفكار قد تكون خطيرة وتؤثّر على صحة الرجال النفسية والجسدية على المدى الطويل. فهل يعاني الرجال حقاً من "برود عاطفي"، أم أنه نتاج لتوقعات اجتماعيّة مفروضة عليهم؟ 1- "الرجال غير عاطفيين" واحدة من أكثر المعلومات المغلوطة شيوعاً التي تتردد في مجتمعاتنا هي أنّ الرجل "بطبيعته" أقلّ عاطفية، أو غير قادر على الإحساس العميق. هذه الفكرة، المتداولة على نطاقٍ واسع، تُعامل كحقيقة بيولوجية، وكأنّ الرجل مؤهّل للتعبير أو حتى الشعور. يرى المعالج النفسي هادي أبي المنى في حديث إلى بي بي سي عربي أن "واحدة من أبرز الصور النمطية المغلوطة في مجتمعاتنا هي الاعتقاد بأنّ التعبير عن المشاعر سلوكٌ "أنثوي"، وكأنّ المشاعر بطبيعتها ترتبط بالأنوثة. في المقابل، يُنظر إلى كتمان المشاعر أو تحمّل الألم بصمتٍ على أنه دليل على "الرجولة". هذا الربط القائم بين قمع المشاعر و"الرجولة" لا ينعكس فقط على الحياة العاطفية للرجال، بل على صحّتهم النفسيّة أيضاً، إذ يحرم كثيرون من فرصة العيش بتوازنٍ وهدوءٍ داخليّ، خوفاً من أن يساء فهم ضعفهم أو حساسيّتهم. يقول المعالج النفسي هادي أبي المنى في حديثٍ إلى بي بي سي عربي: "كثيراً ما يقال إنّ الرجال ليسوا عاطفيّين بما يكفي، أو أنّهم غير قادرين على الشعور بعمق، وبالتالي لا يعبّرون عن مشاعرهم بالطريقة نفسها المتوقعة من النساء. يعتقد أنّ هذا أمرٌ طبيعي، يولد به الذكر. لكن الحقيقة أنّ جميع البشر، رجالاً ونساءً، يتساوون في القدرة على الشعور وعمق الإحساس". ما الذي يحدث إذن؟ بحسب أبي المنى، فإنّ الرجل، وخصوصاً في مجتمعاتنا، "يتعلّم منذ الصغر ألّا يعبّر عن مشاعره بالكلام". هذا التعليم لا يلغي المشاعر، بل يدفنها، أو يعيد توجيهها. ويشرح المعالج النفسي أنّ هذه المشاعر "لا تختفي، بل تتحوّل وتظهر بطرقٍ أخرى، مثل الصمت، أو الغضب، أو الانغماس المفرط في العمل". عندما سألناه إن كان الانشغال بالعمل يمنح شعوراً مؤقّتاً بالراحة، أجاب: "على المدى القصير، نعم. لكن استبدال الشعور الأساسي بمشاعر أو أفعالٍ أخرى، يمنع الفرد من إدراك مشاعره وتحليلها، والاعتراف بها وفهمها والتعبير عنها، أي أنه يتجنّبها تماماً". ويشدّد أبي المنى على أنّ هذا التجنّب "ليس حلاً طويل الأمد، ولا يساهم في معالجة المشاعر أو حلّ المشكلة الأساسيّة". Getty Images 2- "الكلام لن يحلّ المشكلة" يشيرهادي أبي المنى إلى أنّ واحد من أكثر الأفكار المتكرّرة التي يسمعها من الرجال الذين يتجنّبون اللجوء إلى العلاج النفسي، هي أن "الحديث عن المشكلة لا قيمة له، لأنه لا يساعد في حلّها". لكنّه يوضح أنّ الحديث عن المشكلة هو بالضبط ما يشكّل جوهر العلاج النفسي. ويقول: "يسمح العلاج النفسي للشخص بالتحدّث عن مشكلاته ومشاعره، ويفهم ماذا يحدث معه، حتى لو لم يجد حلولاً فوريّة للمشكلة. ذلك يعطي فكرة عن كيفية التعامل مع مشاعره وتنظيمها". ويلفت إلى نقطة مهمّة غالباً ما تغفل: "حين يقوم الشخص بتسمية مشكلاته، يعطيه ذلك القليل من القوة أمامها". من جهتها، ترى المعالجة النفسية جيزيل صليبا أنّ تردّد الرجال في اللجوء إلى العلاج النفسي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بصورة نمطيّة رُسّخت في أذهانهم منذ الصغر. وتقول لـبي بي سي عربي: "الرجال الذين يتخذون قرار اللجوء إلى معالج نفسي غالباً ما يكونون متردّدين جداً، بسبب اعتقادهم بأنّ ذلك يُعدّ ضعفاً أو يقلّل من رجولتهم". وتشرح قائلة: " دائماً ما يؤكّدون أنّ أحداً لا يجب أن يعلم بالأمر. يحصل ذلك لأنهم سمعوا منذ الصغر عبارات مثل: أنت رجل، عليك أن تكون قادراً على فعل كل شيء وحدك، أو حلّ كل شيء من دون مساعدة". وتضيف: "تجنّب التعبير عن المشاعر شائعٌ جداً بين الرجال، لأنّهم كأطفال قيل لهم إنّ البكاء أو التعبير عن التوتر أو الخوف أو الانزعاج، لا يليق بالذكور، وأن الرجال لا يفعلون ذلك". Getty Images عادةً ما يستهزئ مشجعو كرة القدم ببكاء لاعب الفريق المنافس باعتباره "ضعيف" و"كثير المشاعر" 3- "الوقت كفيل بحل كل شيء" لطالما سمعنا في الأمثال الشعبيّة والأغاني المتداولة بلغاتٍ عدّة أنّ "الوقت كفيل بحلّ كل شيء" أو "الزمن يُنسي". لكنّ الأبحاث أثبتت مراراً أنّ هذا الاعتقاد الشائع لا يستند إلى أساسٍ علميّ. ويشرح هادي أبي المنى أنّ تجاهل المشكلة أو الامتناع عن الحديث عنها لا يساهم في حلّها، بل يؤدّي إلى تفاقمها مع مرور الوقت. ويقول: "تجنّبنا الحديث عن أمرٍ ما يجعل المشكلة تتضخّم، فبدلاً من أن تختفي، تصبح أكثر تعقيداً". ويقدّم مثالاً توضيحيّاً قائلاً: "ليس بالضرورة أن تصاب أسناننا بالتسوّس كي نبدأ بتنظيفها. الحقيقة أنّنا ننظّفها كي لا تصاب بالتسوّس، أو تتفاقم المشكلة لاحقاً". ويشدّد على أهمية التدخّل المبكر، قائلاً إنّه "كلّما حصل التدخّل في وقتٍ أبكر، كلّما خفّت حدّة المشكلة، وتراجعت احتمالات امتدادها إلى جوانب أخرى من حياة الفرد". 4- "الرجال يتدبرون أمورهم بدون مساعدة" Getty Images ويشير هادي أبي المنى إلى أنّ أحد الأسباب الجذريّة وراء تردّد الرجال في طلب الدعم النفسي، هو أنّهم ببساطة لم يتعلّموا أنّ طلب المساعدة أمرٌ طبيعي. ويشرح أنّ الرجل، حين يبادر إلى طلب الدعم، "يحمَّل بالعار وينظر إليه على أنّه ضعيف"، لأنّ المجتمع يربط بين مفهوم "الرجولة" وبين الاستقلاليّة التامّة وعدم الحاجة إلى أحد. ويقول: "الصورة النمطيّة للرجل القوي، الذي يمكنه حلّ كل شيء بنفسه، والذي لا يحتاج ولا يطلب مساعدة، ما زالت مرتبطة اجتماعياً بفكرة الرجولة والقوة. في المقابل، ينظَر إلى الرجل الذي يطلب المساعدة أو يعبّر عن مشاعره على أنّه ليس رجلاً بما فيه الكفاية". هذه المعايير المغلوطة، كما يشير أبي المنى، تثير أسئلة كثيرة حول تأثير التوقّعات الاجتماعيّة غير المنطقيّة على الصحة العقليّة للرجال، وعلى قدرتهم في التفاعل مع أنفسهم والآخرين بصدقٍ وراحة. 5- "الرجل الناجح هو المتماسك دائماً" يؤكّد هادي أبي المنى أنّ النجاح الحقيقي لا يقاس بمدى التماسك الظاهري أو الصلابة الخارجيّة، بل يرتبط بالقدرة على تحقيق توازن داخلي يمكّن الفرد من فهم مشاعره ومشكلاته والتعامل معها بشكلٍ صحّي. ويضيف أنّ الوعي بالمشاعر والقدرة على تنظيمها هو ما يوفّر للشخص أدوات فعليّة للتقدّم بثبات، بينما أيّ اضطراب داخلي غير معالَج في التعامل مع الأفكار والمشاعر قد يعيق تطوّره الشخصي والمهنيّ على حدّ سواء. من جهتها، تلفت المعالجة النفسيّة جيزيل صليبا إلى أنّ بعض الأشخاص الذين يسعون إلى التحكّم الكامل بأنفسهم، ويحاولون أن يكونوا عقلانيّين طوال الوقت، إنّما يعبّرون عن تربية قائمة على تصوّرٍ خاطئ مفاده أنّ المشاعر أمرٌ سلبي. وتقول: "هناك من يعتقد أنّ عليه أن يهتم فقط بالعمل ويقمع أي وجود للمشاعر. هؤلاء غالباً ما نشأوا على فكرة أنّ الشعور هو ضعف، وأنّ الانشغال بالوجدان أمرٌ غير منطقي أو غير مجدٍ". هل تزيد التوقعات الاجتماعية من معاناة الرجل؟ Getty Images يجمع خبراء الصحة النفسية على أنّ تطوّر أي اضطراب نفسي أو مرض عقلي لا يحدث نتيجة عاملٍ واحد فقط، بل هو نتيجة تقاطع ثلاثة عوامل رئيسية: التكوين البيولوجي، والخلفيّة النفسية، والظروف الاجتماعيّة المحيطة. وفي هذا السياق، تؤكّد جيزيل صليبا أنّ كبت المشاعر والضوابط الاجتماعيّة غير المنطقيّة التي تُفرض على الرجال، قد تجعلهم أكثر عرضةً لتطوّر مشكلات في الصحة العقليّة. تقول إن هناك "ضغوطاً كبيرة يضعها المجتمع على الرجل، من بينها أنّه لا يجب عليه التعبير عن مشاعره أو التأثّر أو الحديث عن ذلك". هذه الضغوط لا تغيّر فقط من شكل التجربة النفسيّة، بل تؤثّر حتى على طبيعة الأعراض التي تظهر لدى الرجال. وتوضح: "نعتقد أن الاكتئاب مثلاً، يظهر لدى الجميع بشكل حزنٍ وانطواء. لكنّه يظهر لدى كثير من الرجال على شكل غضبٍ دائم، لأنّ التعبير عن الحزن غير مسموح به للذكور". وتضيف أنّ نسب الانتحار أعلى بكثير لدى الرجال مقارنةً بالنساء، قائلةً: "لكي يصل أحدهم إلى هذه المرحلة، فهذا يعني أنّه بلغ وضعاً نفسيّاً بالغ الصعوبة". وتفسّر هذه الأرقام بقولها: "النساء عادةً لا يواجهن مشكلة في التحدّث عن مشكلاتهنّ ومشاعرهنّ، بينما الرجال غالباً ما يحتفظون بكل شيء لأنفسهم ويكبتون الألم والمشاعر". Getty Images "أنت رجل لا يمكنك البكاء" تشير المعالجة النفسية جيزيل صليبا إلى أنّ نِسب استخدام المواد المخدّرة والإدمان على الكحول أعلى بكثير لدى الرجال مقارنةً بالنساء، كما أنّ اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، الذي يتميّز بأنماط سلوكية تتجاهل حقوق الآخرين وتعتمد على الخداع أو التلاعب والتهوّر، يظهر بشكلٍ أكبر لدى الذكور. هذا الاضطراب يكون مرتبطاً بعوامل بيولوجيّة وراثيّة بحسب هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية، إضافةً إلى تجارب الطفولة المؤلمة، مثل التعرّض للإهمال أو الإساءة العاطفية أو غياب أحد الوالدَين من الناحية الوجدانية. أما على الصعيد الجسدي، فيُجمع كلّ من صليبا وهادي أبي المنى على وجود علاقة موثّقة بين الكبت والتوتّر والإجهاد العاطفي من جهة، وظهور أمراض جسديّة من جهة أخرى. ويضرب أبي المنى مثالاً بمرضي الروماتيزم والفيبروميالجيا، حيث تساهم المشكلات العاطفية، بحسبه، في تفاقم الأعراض. ويقول: "تحريك الجسد، كالمشي أو التمارين الرياضيّة، يساهم كثيراً في تحسين الصحة النفسيّة. أما الكبت والتوتّر، فقد يؤدّيان إلى آلام جسديّة حقيقيّة، مثل الصداع أو ارتفاع ضغط الدم". وتنبه صليبا إلى خطورة التقليل من شأن التوتّر، وتقول: "في السنوات الأخيرة، نلاحظ تزايداً في الشكاوى الجسديّة التي لا يكون لها تفسير عضوي. ننسى في هذه الحالات أنّ الأمر لا يعني أننا بخير، بل أن التوتّر أو القلق قد تَسبّب فعلاً بمشكلة جسديّة حقيقيّة". وتشرح قائلة: "أظهرت الدراسات أنّ التوتّر قد يضعف المناعة، يؤثّر على صحّة القلب، يسبّب اضطرابات النوم، أو حتى اضطرابات الأكل، وكلّها ترتبط بعدم القدرة على التعامل مع مشاعرنا بشكلٍ صحّي". وتختم صليبا بنصيحة توجّهها إلى الأهل، وتحديداً إلى من يربّون أطفالاً ذكوراً: "جملة مثل 'أنت رجل، لا يمكنك البكاء'، كفيلة بأن تجعل الطفل عاجزاً عن التعامل مع مشاعره طوال حياته". وتضيف: "بدلاً من أن نصنع منه رجلاً أقوى، كما نتصوّر، نكون بذلك قد زرعنا فيه أزمة عاطفيّة عميقة وغياباً للراحة الداخليّة". وتؤكّد في النهاية: "لا يمكننا أن نمنع أحداً من أن يشعر. ما نفعله، هو أنّنا نجعل مهمّة فهم هذه المشاعر والتعامل معها أصعب بكثير".

إصابة الرئيس السابق جو بايدن بالسرطان "الأكثر عدوانية"، ما هو بروتوكول العلاج؟
إصابة الرئيس السابق جو بايدن بالسرطان "الأكثر عدوانية"، ما هو بروتوكول العلاج؟

الوسط

timeمنذ يوم واحد

  • الوسط

إصابة الرئيس السابق جو بايدن بالسرطان "الأكثر عدوانية"، ما هو بروتوكول العلاج؟

Getty Images بايدن فقد ابنه في 2015 بسبب السرطان وأطلق مبادرة ضخمة للحد من الوفيات بسبب السرطان أعلن مكتب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، البالغ من العمر 82 عاماً، إصابته بسرطان البروستاتا وانتشار الورم في عظامه. وقال المكتب في بيان يوم الأحد، إن الأطباء اكتشفوا حالة بايدن، يوم الجمعة، أثناء فحوصات بعد شكوى من ألم وأعراض أخرى أثناء التبول، وعثر الأطباء على كتلة صغيرة (عقيدة) في غدة البروستاتا. وأوضح البيان أن هذا النوع من السرطان هوأكثر عدوانية، وأن بايدن وعائلته يراجعون خيارات العلاج. وغادر بايدن منصبه في يناير/كانون الثاني الماضي، وكان أكبر رئيس ينا في الحكم في تاريخ الولايات المتحدة، وكان هناك الكثير من الشكوك والتساؤلات حول صحته خلال فترة ولايته، مما دفعه إلى سحب ترشحه من الانتخابات الرئاسية الماضية وتنازل لنائبته كامالا هاريس. وأضاف مكتب الرئيس السابق: "في الأسبوع الماضي، خضع الرئيس جو بايدن لفحص جديد لكتلة (عُقيدة) في البروستاتا بعد أن عانى من أعراض بولية متزايدة." وتم تشخيص سرطان البروستاتا، الذي يتميز بدرجة 9 على مقياس غليسون (الدرجة الخامسة) مع انتقاله إلى العظام. وعلى الرغم من أن هذا يمثل شكلاً أكثر عدوانية من المرض، إلا أن هذا النوع يبدو حساساً للهرمونات، مما يسمح بالعلاج الفعال." وبحسب مؤسسة أبحاث السرطان في بريطانيا، فإن درجة غليسون التي تبلغ تسعة تعني أن مرضه يُصنف بأنه "شديد الخطورة"، وأن الخلايا السرطانية قد تنتشر بسرعة. دعم ومواساة فور انتشار أنباء التشخيص بالمرض، تلقى بايدن دعماً كبيراً من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وكتب الرئيس دونالد ترامب، على منصته الاجتماعية "تروث سوشيال"، سالة لبايدن، قال فيها إنه والسيدة الأولى ميلانيا ترامب "يشعران بالحزن لسماعهما خبر التشخيص الطبي الأخير لجو بايدن". ووجه حديثه إلى السيدة الأولى السابقة جيل بايدن: "نتقدم بأحرّ وأطيب تمنياتنا لجيل وعائلتها. نتمنى لجو الشفاء العاجل والناجح". أما كامالا هاريس، نائبة بايدن السابقة والمرشحة السابقة في الانتخابات الرئاسية، فكتبت على منصة "إكس" أنها وزوجها دوغ إمهوف، "يدعوان لعائلة بايدن بالشفاء العاجل." وقالت هاريس: "جو مقاتل، وأعلم أنه سيواجه هذا التحدي بنفس القوة والمرونة والتفاؤل التي ميزت حياته وقيادته". بيما عبر الرئيس السابق باراك أوباما، الذي تولى الرئاسة من عام 2009 إلى عام 2017 وكان جو بايدن نائبه، عن دعمه هو وزوجته ميشيل، وقال في بيان على إكس إنهما "يفكران في عائلة بايدن بأكملها". وأضاف أوباما: "لم يبذل أحد جهداً أكبر لإيجاد علاجات مبتكرة للسرطان بجميع أشكاله أكثر مما فعله جو، وأنا على يقين من أنه سيواجه هذا التحدي بعزيمته وصبره المعهود. ندعو الله له بالشفاء العاجل والكامل". وأثناء حكم أوباما، كلف بايدن فيعام 2016، بقيادة برنامج بحثي حكومي على نطاق واسع لمكافحة السرطان. ومن بريطانيا قال رئيس الوزراء كير ستارمر: "أشعر بحزن شديد لسماع أن الرئيس بايدن أُصيب بسرطان البروستاتا. أتمنى كل التوفيق لجو وزوجته جيل وعائلتهما، وأتمنى له علاجاً سريعاً وناجحاً". تأتي هذه الأخبار بعد قرابة عام من انسحاب الرئيس السابق من الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 بسبب مخاوف بشأن صحته وتقدمه في العمر. واجه بايدن، المرشح الديمقراطي آنذاك الذي كان يتنافس على إعادة انتخابه، انتقادات متزايدة لأدائه الضعيف في مناظرة تلفزيونية ضد منافسه الجهوري في ذلك الوقت الرئيس الحالي دونالد ترامب، في يونيو/حزيران 2024. ليتم في النهاية استبداله كمرشح ديمقراطي بنائبته، كامالا هاريس. وأصبح ترامب، البالغ من العمر 78 عاماً، ليكون أكبر شخص سناً يؤدي اليمين الدستورية كرئيس للولايات المتحدة عندما تولى منصبه خلفاً لبايدن. بروتوكول العلاج يُعد سرطان البروستاتا ثاني أكثر أنواع السرطان شيوعاً بين الرجال، بعد سرطان الجلد، بحسب بيانات عيادة كليفلاند. وتشير مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة، إلى أن 13 من كل 100 رجل سيصابون بسرطان البروستاتا في مرحلة ما من حياتهم. ويُعتبر التقدم في العمر العامل الأخطر والأكثر شيوعاً للإصابة بالمرض، وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها. ويرى الدكتور ويليام داهوت، كبير المسؤولين العلميين في الجمعية الأمريكية للسرطان وطبيب متخصص في سرطان البروستاتا، أن هذا السرطان "أكثر عدوانية بطبيعته"، وفقاً للمعلومات المُعلن عنها حول تشخيص بايدن. وقال الدكتور داهوت لبي بي سي: "بشكل عام، إذا انتشر السرطان إلى العظام، فلا نعتقد أنه يمكن أن يكون سرطاناً قابلاً للشفاء". ومع ذلك، أوضح أن معظم المرضى يستجيبون جيداً للعلاج الأولي، "ويمكن للناس أن يعيشوا سنوات عديدة بعد تشخيصهم بالمرض". وعن البروتوكول العلاجي، أضاف الدكتور داهوت، "من المرجح تقديم علاجات هرمونية لمريض بنفس سرطان بايدن، لتخفيف الأعراض وإبطاء نمو الخلايا السرطانية." وتوارى بايدن عن الأنظار بصورة كبيرة منذ مغادرته البيت الأبيض، ولم يظهر علناً إلا نادراً. وكان أول ظهور إعلامي له منذ فوز ترامب، مع بي بي سي في مايو/آيار، وأقر خلاها بأن قرار التنحي عن انتخابات 2024 كان "صعباً". وواجه بايدن أسئلة حول حالته الصحية في الأشهر الأخيرة. لكنه نفى في لقاء مع برنامج "ذا فيو" الأمريكي في مايو/آيار الماضي أيضا، مزاعم معاناته من "تدهور إدراكي" خلال أخر سنة في حكمه، وقال: "لا يوجد ما يدعم ذلك". وكان بايدن من أبرز المدافعين عن أبحاث السرطان، خلال سنوات طويلة. في عام 2022، أعاد هو والسيدة جيل بايدن إطلاق مبادرة "الانطلاقة الكبرى للسرطان" بهدف حشد الجهود البحثية لمنع أكثر من أربعة ملايين حالة وفاة بالسرطان بحلول عام 2047. فقد بايدن نفسه ابنه الأكبر، بو، بسبب سرطان الدماغ عام 2015.

كيف تزيد أعداد المتعايشين مع الإيدز في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتنخفض في باقي العالم؟
كيف تزيد أعداد المتعايشين مع الإيدز في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتنخفض في باقي العالم؟

الوسط

timeمنذ 4 أيام

  • الوسط

كيف تزيد أعداد المتعايشين مع الإيدز في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتنخفض في باقي العالم؟

Getty Images صورة تعبيرية كانت ليلى -اسم مستعار- حاملاً في شهرها الثاني عندما علمت أنها مصابة بفيروس نقص المناعة البشرية "الإيدز"، في أغسطس/ آب العام الماضي. بعد أسابيع، أنكر زوجها نسب الجنين إليه عندما أظهرت الفحوصات أنه لا يحمل الفيروس، واتهمها أنها على علاقة بشخص آخر نقل العدوى إليها، وهو ما تنفيه ليلى. تقول ليلى "لم يترك زوجي إنساناً إلا أخبره أنني متعايشة مع الإيدز. لم يبق إلا أن يحكي للقطط والكلاب في الشارع". فيروس نقص المناعة البشرية، هو عدوى تهاجم الجهاز المناعي في الجسم، مما يضعف قدرته على الدفاع عن نفسه ضد الأمراض، وينتقل عبر ممارسة الجنس بطريقة غير آمنة، والدم، والولادة. فجأة وجدت الشابة البالغة من العمر 24 عاماً نفسهاً وجنينها معاً في مواجهة الفيروس، والنظرة السلبية تجاه المتعايشين مع الإيدز، فضلاً عن معارك قانونية لإثبات نسب الطفل. يظهر تقرير جديد نشرته منظمة فرونت لاين إيدز، "ارتفاعاً مثيراً للقلق" في حالات الإصابة بالفيروس في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبشكل خاص في مصر، في وقت يتباطأ فيه انتشاره في باقي العالم. التقرير يضيف أن نحو 20 في المئة من الإصابات الجديدة بفيروس نقص المناعة البشرية، تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً، وهو رقم غير مسبوق بحسب المنظمة. Getty Images صورة تعبيرية "نواجه المرض وغياب الوعي" عندما تأكدت ليلى من نتيجة فحوصاتها أصيبت بالصدمة. تقول لبي بي سي "شعرت أن نهايتي وشيكة، وأنني سأموت خلال أسبوع أو أسبوعين بسبب الخوف مما سمعت، رغم أن حالتي الصحية لم تكن خطيرة في ذلك الوقت. لكن هذا ليس أصعب ما واجهته". كان عليها أن تواجه غياب الوعي بالفيروس في كل مكان، حتى في بعض العيادات الطبية. تقول إن طبية أمراض النساء طلبت منها مغادرة العيادة قبل إتمام الفحص، فور علمها بأنها متعايشة مع الفيروس، وطلبت من المساعدين تعقيم المكان. "التوعية ينبغي أن تكون لكل الناس وليس للمتعايشين مع الفيروس فقط"، هذا ما تعتقده ليلى. بعدما وضعت جنينها، أقامت ليلى في منزل أهلها بعض الوقت. لم تصدق عائلها ادعاءات الزوج بأنها على علاقة برجل آخر، ودعمت مسارها القانوني لإثبات نسب ابنها. بعد فترة عادت ليلى مع طفلها إلى منزلها في حي راق في القاهرة، حيث غادره الزوج بعد ضغط من أهلها. لكن نظرات الجيران كانت تحمل إدانة بفعل تقول إنها لم ترتكبه، كما تحكى لبي بي سي. تقول "عشت أياماً صعبة عندما اتصل بعضهم بالحجر الصحي ليحتجزني في المستشفى، خوفاً من العدوى". ثم تدخلت أسرتها لوضع حد لمضايقات الجيران. Getty Images صورة تعبيرية لعنة الوصم يرجح أطباء ليلى إصابتها بالفيروس أثناء عملية جراحية أجرتها قبل زواجها عام 2019. ولا تظهر أعراض الإصابة الفيروس بالضرورة بشكل فوري، بل يستغرق الأمر مدة قد تصل في بعض الحالات ل 10 سنوات، وفقاً لوزارة الصحة البريطانية. لكن زوجها لم يصدق أنها حملت الفيروس طوال هذه المدة دون أن ينتقل إليه. لا تؤدي ممارسة الجنس مع شخص يحمل الفيروس إلى الإصابة بالإيدز بشكل حتمي، وفقاً لموقع ستانفورد هيلث كير، التابع لجامعة ستانفورد الأمريكية، فمن الصعب حساب نسبة احتمال انتقال العدوى عند التعرض لأحد أسبابه. "قد يصاب الشخص بالعدوى من خلال ممارسة الجنس غير الآمن مرة واحدة أو قد يمارس الشخص الجنس غير الآمن عدة مرات دون أن يصاب بالعدوى". بدأت ليلى بتوعية الجيران، لكن الوصم ظل يلاحقها. تقول "ظلوا يفترضون أنني أقيم علاقات جنسية مع أي شخص، وعرض أحدهم أن يُقبّلني طالما أن الفيروس لا ينتقل عبر اللعاب. وقال آخر، لماذا لا نمارس الجنس طالما أن هناك طرق آمنة". Getty Images صورة تعبيرية أعداد متزايدة بعد تشخيص ليلى بالفيروس، وقفت في طابور أحد المستشفيات في القاهرة لاستلام العلاج مع 8 نساء اكتشفن إصابتهن في اليوم نفسه. تقول إنها تتعرف كل يوم على مصابين جدد. وفقاً لتقرير منظمة "فرونت لاين إيدز" ارتفعت الحالات الجديدة في المنطقة بنسبة 116 في المئة منذ عام 2010. بينما ارتفعت 609 في المئة في مصر خلال الفترة نفسها، في المقابل شهدت الإصابات الجديدة بالفيروس انخفاضاً في العالم بنسبة 39 في المئة خلال الفترة نفسها. وتحذر المنظمة من أن المنطقة قد تواجه وباءً إقليمياً ربما يخرج عن نطاق السيطرة، إذا لم تتخذ إجراءات عاجلة. ويتفاقم هذا الخطر بعد إغلاق مكتب برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في 2023 بسبب نقص التمويل، وهو البرنامج المعني بتنسيق الاستجابة بين الوكالات الأممية والحكومات، وفقاً للتقرير. تعتقد جولدا عيد مسؤولة البرامج في منظمة فرونت لاين إيدز التي أصدرت التقرير، أنه "لا بد من الاستثمار بشكل مستدام لمواجهة الفيروس. كما أن هناك حاجة ماسة لتنسيق سياسي أقوى لمواجهة الفيروس". لكن هذا يعتبر تحدياً في ظل العقبات الاقتصادية وأزمات النزوح التي تواجهها عدة دول في المنطقة. لذا تطالب عيد بدمج مواجهة فيروس نقص المناعة البشرية في برامج الاستجابة الإنسانية والرعاية الصحية الشاملة. وتشكو عيد من نقص بيانات المحدثة والدقيقة، وهو ما يصعب الاستجابة بشكل صحيح. كما أن تجريم بعض الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس يلعب دوراً إضافياً في ضعف الاستجابة، كما تؤكد عيد: "الآن بعض الجمعيات تواجه خطراً قانونياً عندما تقدم دعمها لمثليي الجنس ومتعاطي المخدرات والأشخاص العابرين جندرياً، المعرضين أكثر من غيرهم للإصابة بالإيدز". Getty Images صورة تعبيرية دعم خاص للنساء تشعر ليلى بالارتياح لأن حالتها باتت مستقرة، وبأن لديها الوعي بكيفية التعامل مع الفيروس، بفضل الأطباء الذين يتابعون حالتها، بالإضافة لمجموعة مغلقة انضمت إليها على فيس بوك. تدير روزا- 45 عاماً- هذه المجموعة، وهي إحدى شريكات منظمة فرونت لاين إيدز في مصر، وتحمل الفيروس أيضاً منذ أكثر من عشرين عاماً. خاضت روزا، رحلة العلاج مع زوجها السابق بعدما فقدت جنينها بسبب مضاعفات الإصابة. بعد التعافي من أعراض الفيروس، بدأت روزا رحلة في دعم المتعايشين مع الإيدز. دعم النساء أولوية بالنسبة لها. تقول: "عندما كنت ألقي أحد التدريبات في اليمن قبل نحو 15 عاماً، وقالت لي إحدى المشاركات: أريد أن أقتل زوجي الذي نقل إلى الفيروس. منذ ذلك اليوم قررت أن أركز مجهودي على دعم المتعايشات مع الإيدز". الدعم النفسي مرتبط بالتمويل "قبل أن أتعرف على متعايشين آخرين مع الإيدز، شعرت أنني الوحيدة في العالم التي تحمل الفيروس"، تحكي روزا لبي بي سي. لكنها كانت محظوظة، لأنها كانت من بين أول 20 شخصاً اكتشفوا إصابتهم وانضموا لبرنامج الحملة القومية لمكافحة الإيدز في مصر، وهي حملة حكومية، كانت في أوج نشاطها في ذلك الوقت كما تحكى لبي بي سي. تقول إن البرنامج كان يقدم العلاج الطبي، والدعم النفسي لتخطي هذه الفترة. الآن يبلغ عدد حاملي الفيروس نحو 30 ألفاً في مصر، وفقاً لوزارة الصحة المصرية، وبرنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز. تركز الخدمة الطبية الحكومية في مصر حالياً على تقديم الدواء بشكل مجاني، كما هو الحال في لبنان ودول أخرى في المنطقة، لكن الدعم النفسي والاجتماعي يتراجع بسبب صعوبات التمويل في هذه البلدان. يظل الدعم الذي تقدمه روزا عبر مجموعتها محدوداً، مقارنة بما تلقته بعد إصابتها قبل 21 عاماً. فهي تقدم التوعية، وتنظم أنشطة ترفيهية، ورشاً يدوية لتساعد أعضاء المجموعة على ممارسة حياتهن بشكل طبيعي. Getty Images صورة تعبيرية يشير تقرير منظمة" فرونت لاين إيدز" إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا "تعاني من نقص في تمويل مشاريع مكافحة نقص فيروس نقص المناعة البشرية تصل نسبته إلى 85 في المئة، وأنها تتلقى أقل من 1 في المئة من إجمالي استثمار التمويل العالمي للفيروس". الحصول على تمويل مخصص لمواجهة الفيروس صار أصعب خلال السنوات الأخيرة، حيث يركز المانحون على تقديم الدعم الإنساني لفئات أخرى مثل النازحين، كما تقول الدكتورة نادية بدران مديرة جمعية العناية الصحية للتنمية الشاملة، التي تعمل في لبنان منذ نحو 35 عاماً. تضيف: لا نستطيع التوسع في برامج التوعية أو الدعم النفسي والمجتمعي للمتعايشين مع الفيروس بسبب نقص التمويل، وصرنا نقدم هذه الخدمة ضمن مجموعة خدمات أخرى لضمان استمرارها. الأدوية التي توفرها الحكومة للمصابين بالفيروس أيضاً تنفق عليها المنح الدولية، كما تقول بدران، وتتخوف من نتائج كارثية إذا تقلص هذا الدعم في المستقبل. ماذا يخفي المستقبل لحاملي الفيروس؟ الإجابة تتوقف على مدى الدعم النفسي والمجتمعي الذي يحظى به حامل الفيروس، ومدى تقبله لحالته، كما تقول الدكتور نادية بدران. وتشرح قائلة: "المصاب بالإيدز مرفوض اجتماعياً، على عكس الشخص المصاب بالسرطان مثلاً يحظى بدعم العائلة. يجب أن يحصل المتعايش مع الفيروس على الدعم، وأن يتقبل وضعه ليكون قادراً على الالتزام بالعلاج، وإلا تتدهور حالته". وتضيف: هناك شاب لجأ إلينا قبل سنوات، اكتشف إصابته بالإيدز عندما كان عمره 17 عاماً. كان مكتوم القيد (لا يملك أوراق هوية رسمية) وكان لديه عدد من الأزمات النفسية. لم يكن قادراً على تقبل وضعه، فلم يلتزم بالعلاج، وظل يعاني حتى توفي بعد إصابته بالسرطان. في حالة روزا وليلى، كان دعم المقربين منهما عاملاً أساسياً لتعافيهما من الأعراض، بجانب العلاج الدوائي. الآن، مر شهران منذ ولدت ليلى طفلها، وقد أثبتت الفحوصات تراجع نسبة الفيروس في دمها. أما الطفل، الذي فكرت في إجهاضه، خوفاً انتقال الفيروس إليه أثناء الولادة، فبشرها الأطباء قبل أيام بخلوه من الفيروس، بعد أن خضعا معاً لبرنامج علاجي مخصص. تقول "عندما عرفنا أننا سنواصل حياتنا بشكل طبيعي، شعرنا أن متنا، وبعثنا من جديد. الآن ننتظر حكم القضاء لإثبات نسب ابني، لنطوي هذه الصفحة من حياتنا".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store