
الرؤية السعودية... نحو دولة فلسطينية
هذه الرؤية، التي بدت جريئة في زمن التردد العربي والمزايدات الفارغة، تتكشف اليوم عن مشروع سعودي ناضج، يتحرك بخطى محسوبة، في لحظة بالغة القسوة، تتسم بتطرف الحكومة الإسرائيلية، وذروة الدعم الأميركي، وتراجع ملف فلسطين في أجندات القوى الكبرى. وبينما اختار البعض الانسحاب من المشهد، أو الاكتفاء بالمواقف اللفظية، خاضت السعودية معركة دبلوماسية هادئة وشاقة، هدفها الأول إعادة الاعتراف بفلسطين كدولة، لا كقضية مؤجلة.
فحين رفضت إسرائيل كل المبادرات، وتعاملت مع الواقع الفلسطيني كملف أمني لا سياسي، فهمت السعودية أن الحل لا يمكن أن يكون عبر أميركا أو حتى إسرائيل، بل من خلال فرض مشروعية دولية جديدة تعيد تعريف شروط الحل... من هنا جاء التحرك السعودي خلال العامين الماضيين، الذي بلغ ذروته مع اعتراف ثلاث دول أوروبية - إسبانيا والنرويج وإيرلندا - بالدولة الفلسطينية، بدعم مباشر من السعودية، ثم بتنسيقها المباشر مع فرنسا، القوة الأوروبية الكبرى، التي أعلنت رسمياً نيتها الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر (أيلول) المقبل.
هذه الاعترافات لم تأتِ من فراغ، بل سبقتها جولات شاقة قادها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، ووفود رسمية حملت الرؤية السعودية شرقاً وغرباً، في عواصم القرار ومراكز التأثير، ورسخت أن الوقت قد حان للانتقال من إدارة الصراع إلى الاعتراف بالحقوق. ويمثل المؤتمر الوزاري المشترك بين السعودية وفرنسا الذي يعقد في نيويورك أحد أبرز ثمار هذا الجهد، إذ سيوفر منصة دولية فاعلة لبدء مسار سياسي عملي، يتجاوز الشعارات إلى وضع العالم أمام مسؤولياته.
السؤال الذي يُطرح الآن، هل لهذا الجهد معنى ما دامت واشنطن خارج الصف؟ الإجابة ليست دبلوماسية بل واقعية، فالتحولات السياسية لا تبنى على ضوء أخضر أميركي، بل تصنع على الأرض عبر التراكم والضغط وتغيير المزاج الدولي. ومن يظن أن الدولة الفلسطينية لن تقام إلا بإذن البيت الأبيض يتجاهل كيف يُصنع القرار الأميركي نفسه، الذي يتأثر بالحراك الدولي، وبتزايد الأصوات الغربية المؤيدة للاعتراف، وبتحولات داخلية تضغط على صانع القرار الأميركي.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإن كانت السعودية لا تراهن على الوهم، فهي كذلك لا تسلم بالاستسلام، فالرياض تدرك حجم التحديات، وأن الطريق طويل، لكنها تحاول إعادة تعريف معادلة الصراع: من قضية محصورة بين احتلال وشعب أعزل، إلى حشد سياسي ومعركة قانونية دولية حول حق شعب في تقرير مصيره وبناء مؤسساته، ومن هنا جاءت رسائل الضغط التي وجهتها السعودية للدول المترددة، مطالبة إياها بالاعتراف بفلسطين، لا كتعبير عن التضامن، بل كموقف مسؤول من أجل استقرار المنطقة.
المبادرة السعودية ليست إعلان نيات، بل مشروع قائم على أربع ركائز: اعتراف فوري وواسع بالدولة الفلسطينية ضمن حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وإصلاح السلطة الفلسطينية وتوحيد الصف الداخلي، وضمان الأمن الإقليمي لجميع الأطراف، والتمهيد لشراكة سياسية مدنية تمنح الفلسطينيين حقوقهم وتمنح الإسرائيليين ضمانات واقعية للسلام. وما يميز هذه الرؤية أنها لا تسعى إلى إرضاء أحد، ولا تنطلق من حسابات شعبوية، بل من فهم عميق لتبدلات العالم. فبعد عقود من الجمود بات كثير من صناع القرار الغربيين يرون أن استمرار الاحتلال من دون أفق سياسي يهدد أمن المنطقة والعالم، ويقوض صدقية النظام الدولي نفسه. والسعودية اليوم لا تكتفي بالتذكير بهذه الحقيقة، بل تعمل على تحويلها إلى موقف عملي، وتحشد من أجلها تحالفاً دولياً يتنامى يوماً بعد آخر.
وفي وجه حكومة إسرائيلية تتقن القتل والمراوغة، ترد السعودية بلغة القانون، وتخاطب الضمير الدولي بلغة الممكن، وتدفع العالم نحو ما ظل يؤجله، اعتراف كامل بدولة لا يمكن مواصلة تجاهلها، فالقضية الفلسطينية تعيش اليوم لحظة اختبار للشرعية الدولية، ولصدقية الدول الكبرى. والسعودية، التي تمارس هذا الدور من موقع الثقة والتأثير لا تطرح شروطاً مستحيلة، ولا تملي على أحد، لكنها تقول بصوت واضح: لا أمن ولا استقرار ولا تطبيع، من دون دولة فلسطينية مستقلة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


حضرموت نت
منذ 11 دقائق
- حضرموت نت
#بيان صادر اللجنة الأمنية م حضرموت الوادي والصحراء بشأن المستجدات #الأمنية وتهدئة الأوضاع
(حضرموت21) خاص تحية طيبة إلى أبناء محافظة حضرموت الأوفياء.. في ظل التطورات الأخيرة التي شهدتها بعض مديريات الوادي والصحراء من توترات ناتجة عن ظروف استثنائية تمر بها البلاد، فإن اللجنة الأمنية تتابع عن كثب مجريات الأحداث وتؤكد على التالي: تهيب اللجنة الأمنية بكافة المواطنين التحلي بأقصى درجات الوعي وضبط النفس والابتعاد عن أي سلوك من شأنه أن يخل بالأمن العام أو يعكر صفو السلم المجتمعي. كما تدعو اللجنة الأمنية جميع الأطياف المجتمعية من مشايخ وأعيان و وجهاء ومنظمات مجتمع مدني ووسائل إعلام إلى القيام بأدوارهم الوطنية في تعزيز لغة الحوار والتفاهم والمساهمة في خلق فكر مجتمعي مساند لحفظ الامن والسكينة العامة ورفض اي تجاوزات تسيئ لمكانة حضرموت وسمعة اهلها الاوفياء. و تؤكد اللجنة الأمنية أنها لن تألو جهداً في اتخاذ الإجراءات اللازمة لحفظ الأمن والاستقرار في كافة مديريات الوادي والصحراء بما يضمن سلامة الأرواح والممتلكات العامة والخاصة. كما تشيد اللجنة الأمنية بالدور الإيجابي الذي لعبته الجهات المجتمعية والقيادات المحلية خلال الأيام الماضية، وتدعوهم لمواصلة الجهود وتقريب وجهات النظر والمساهمة في احتواء الموقف بروح حضرمية أصيلة. ونؤكد اننا نعمل في اللجنة الأمنية بالتنسيق الكامل مع القيادات المحلية والمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني لضمان استمرار الخدمات العامة والاحتياجات الأساسية للمواطنين كما تم توجيه كافة الاجهزة الامنية بمساندة السلطة المحلية بالنزول الميداني لتنفيذ قرار رئيس الوزراء بالاشراف والرقابة على الاسعار بما يتناسب مع انخفاض سعر صرف العملات الاجنبية واتخاذ الاجراءات القانونية تجاه المخالفين. كما تترحم اللجنة الامنية بالوادي والصحراء على روح المواطن محمد سعيد يادين الذي اصيب بطلق ناري في موقع الاعتصام بمديرية تريم وتتقدم باحر التعازي الى اهله وذوية وكافة ال يادين واهالي تريم عامة وتؤكد اتخاذ الاجراءات بعد الحادثة مباشرة واحالة الموقوف على ذمة القضية للبحث لجمع الاستدلال واحالة ملف القضية الى النيابة العامة. ختامًا نؤكد أن مديريات وادي وصحراء حضرموت كانت وستظل أرض الأمن والتعايش والسلام ولن نسمح لأي جهة كانت بجرها إلى مربع الفوضى أو الإضرار بحالة الامن والاستقرار التي يعيشها اهلنا . نسأل الله أن يحفظ حضرموت وأهلها الكرام. صادر عن: اللجنة الأمنية م حضرموت الوادي والصحراء


الأمناء
منذ 4 ساعات
- الأمناء
بكل فخر.. نبارك تخرج الشيخ سالم حنش من معهد الثلايا لتأهيل القادة والأركان
بكل فخر واعتزاز، نتقدم بخالص التهاني وأسمى التبريكات إلى الشيخ/ سالم علي بن علي حنش أركان حرب المعسكر التدريبي بئر أحمد، وذلك بمناسبة تخرّجه المشرف من معهد الثلايا لتأهيل القادة والأركان، سائلين الله له دوام التوفيق والسداد. لقد كان هذا الإنجاز ثمرة جهدٍ متواصل وعزيمة لا تلين، ويحق لنا اليوم أن نرفع القبعات احتراماً لهذا التفوق المستحق، ونبارك لك من أعماق القلب هذا النجاح الباهر، سائلين الله أن يجعله بداية لمسيرة حافلة بالمناصب العليا والمهام الوطنية المشرفة. ألف ألف ترليون مبروك يا أبا علي جعل الله النجاح حليفك أينما حللت، ومزيدًا من الرقي والتميز في ميادين الشرف والقيادة. المهنئون: الدكتور حسين عثمان يوسف عبده


Independent عربية
منذ 6 ساعات
- Independent عربية
ترمب قلب العالم من أجل "نوبل للسلام"
لا يخفي الرئيس الأميركي دونالد ترمب هوسه بالفوز بـ"نوبل" السلام لأسباب كثيرة قد يعود أبرزها إلى تعطشه لنيل مكانة عالمية، ومزاحمته الرئيس السابق باراك أوباما، ولربما حتى من باب التحدي. وقد "حان الوقت كي ينال دونالد ترمب (نوبل) للسلام"، وفق ما قالت الناطقة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت في الـ31 من يوليو (تموز) في إحاطتها الإعلامية الدورية، مثيرة ردود فعل تراوحت ما بين الاستغراب والاستهزاء في أوساط معارضي الرئيس الجمهوري. وأشارت إلى أن الرئيس الأميركي قام منذ عودته إلى البيت الأبيض في الـ20 من يناير (كانون الثاني) الماضي بالإشراف على إبرام "وقف لإطلاق النار أو اتفاق سلام في الشهر الواحد"، ضاربة أمثلة على توسطه بين الهند وباكستان، وكمبوديا وتايلاند، ومصر وإثيوبيا، ورواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وصربيا وكوسوفو، على سبيل التعداد. رأساً على عقب وتطرقت كارولاين ليفيت أيضاً إلى إيران، حين أمر ترمب بضربات أميركية على منشآت نووية، في سياق القرارات التي أسهمت، على حد قولها، في تعزيز السلام في العالم. ولم تأت المتحدثة باسم البيت الأبيض على ذكر الحرب في أوكرانيا أو في غزة، وهما نزاعان تعهد الرئيس الأميركي بحلهما بسرعة. وبالنسبة إلى بعض الزعماء الأجانب، بات ذكر هذه الجائزة العريقة وسيلة للتودد إلى رئيس أميركي قلب النظام العالمي رأساً على عقب. ورشحت باكستان ترمب لـ"نوبل" للسلام، شأنها في ذلك شأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وخلال اجتماع عقد مطلع يوليو الماضي في البيت الأبيض، سألت صحافية رؤساء ليبيريا والسنغال وموريتانيا وغينيا- بيساو والغابون، إن كان الملياردير الأميركي يستحق هذه الجائزة. وعند سماع إجابات الزعماء الأفارقة الزاخرة بالإطراء، قال الرئيس الأميركي "حبذا لو كان ذلك طوال النهار". ويمكن لآلاف أو عشرات آلاف الأشخاص اقتراح أسماء شخصيات على اللجنة القيمة على جوائز "نوبل"، من برلمانيين ووزراء وبعض أساتذة الجامعات وأعضاء اللجنة أنفسهم وفائزين سابقين وغيرهم. وينبغي تقديم الترشيحات قبل تاريخ الـ31 من يناير لجوائز يعلن عن الفائزين بها في أكتوبر (تشرين الأول)، وفي العاشر منه تحديداً هذا العام. وقد قدمت أستاذة الحقوق أنات ألون-بيك، اسم الرئيس الأميركي إلى الأعضاء الخمسة في اللجنة المعينين من البرلمان النرويجي. وأوضحت لوكالة الصحافة الفرنسية أنها أقدمت على هذه الخطوة نظراً إلى ما أظهره ترمب من "سلطة رائعة" و"موهبة استراتيجية" في "تعزيز السلام وضمان الإفراج عن الرهائن" المحتجزين في غزة. وقالت الأكاديمية التي تحاضر في كلية الحقوق التابعة لجامعة "كايس ويسترن ريزيرف"، إنها اتخذت قرارها بصفتها "أستاذة حقوق، ولكن أيضاً مواطنة أميركية - إسرائيلية". على بساط النقاش وغالباً ما يطرح ترمب شخصياً هذا الموضوع على بساط النقاش، ففي يونيو (حزيران) الماضي كتب على شبكته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشال"، "مهما فعلت، لن أحصل على جائزة (نوبل)"، وفي فبراير (شباط) الماضي قال بحضور بنيامين نتنياهو "أنا أستحقها، لكنهم لن يعطوني إياها أبداً". وقال المتخصص في العلاقات الدولية في الجامعة الأميركية غاريت مارتن، لوكالة الصحافة الفرنسية إن "ترمب مولع بصورة خاصة بالجوائز والتكريمات، وسيسعد كثيراً بالطبع بهذا التقدير الدولي". وأشار إلى أن الملياردير الجمهوري "يقدم نفسه منذ الإعلان عن طموحاته الرئاسية قبل 10 أعوام على أنه الخصم الأبرز لباراك أوباما"، الذي نال من جهته "نوبل" السلام عام 2009. وما زال منح "نوبل" للرئيس الأميركي الديمقراطي السابق بعد تسعة أشهر على توليه رئاسة الولايات المتحدة محط جدل. وفي أكتوبر 2024 خلال الشق الأخير من الحملة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة، قال ترمب "لو كنت أدعى أوباما، لكنت حصلت على جائزة (نوبل) في عشر ثوان". وكانت أعرق جائزة في مجال السلام من نصيب ثلاثة رؤساء أميركيين آخرين هم تيودور روزفلت ووودرو ويلسون وجيمي كارتر. كما حظي بها هنري كيسنجر عام 1973، وقد أثار اختيار وزير الخارجية الأميركي السابق الذي كان يجسد في بلدان كثيرة نهجاً همجياً ومتغطرساً للدبلوماسية انتقادات لاذعة. وتبقى اللائحة الكاملة لأسماء المرشحين لـ"نوبل" السلام طي الكتمان، ما عدا الإعلانات الفردية التي تصدر عن عرابي الترشيحات، لكن يتم الكشف عن عددهم الإجمالي، وهم 338 مرشحاً لعام 2025. وبحسب بعض مواقع المراهنات، يحتل ترمب المرتبة الثانية بعد يوليا نافالنيا أرملة المعارض الروسي أليكسي نافالني، الذي توفي في السجن في روسيا.