
اللعب على المكشوف.. شغف شباب العراق يتحول إلى سوق للأصوات الانتخابية
شفق نيوز/ مع غروب الشمس، تضاء مصابيح ملعب صغير في حي الزعفرانية، حوله العشرات من الشبان المتجمعين أمام سور حديدي. في الداخل، تتطاير الكرة بين أقدام لاعبين وآخرين يرتدون قمصان موحّدة، لكن الغريب هذه المرة، انتشار شعارات أو صور لا تمت إلى كرة القدم بصلة: صورة مرشح سياسي مبتسم، مع وعود انتخابية مطبوعة أسفلها.
في زاوية الملعب، رجل في منتصف العمر يوزع زجاجات مياه معدنية وقمصاناً جديدة للفرق المشاركة. لا توجد كاميرات تلفزيونية هنا، ولا خطابات من على منصات عالية، فقط لعبة كرة قدم شعبية تحولت بصمت إلى منصة نفوذ سياسي.
على مدى السنوات القليلة الماضية، لم تعد الملاعب الخماسية في بغداد مجرد ساحات لرياضة الفقراء أو لهواة كرة القدم. باتت وسط غياب رقابة تنظيمية واضحة ساحة مغرية لسياسيين يبحثون عن أصوات الشبان في الأحياء الشعبية، مستخدمين شغف العراقيين باللعبة الأكثر شعبية في البلاد كجسر نحو صناديق الاقتراع.
وفق رصد أجرته وكالة شفق نيوز وفي شهادات جمعتها من متعهدين ولاعبين ومراقبين، فإن هذا الزحف الانتخابي إلى قلب الملاعب وقبل موعد الانتخابات الفعلي بشهور، يكشف جانباً آخر من العلاقة المعقدة بين الرياضة والسياسة في عراق ما بعد 2003 حيث لا تزال حدود النفوذ السياسي تتسلل إلى كل زاوية من زوايا الفضاء العام، حتى وإن كان ملعباً صغيراً من العشب الصناعي في أطراف بغداد.
على امتداد بغداد، من ملاعب حي العامل إلى مدينة الصدر، تتكرر المشاهد ذاتها: مستأجرون سياسيون يعيدون رسم صورة الملعب، طابور من الفرق الشعبية الشابة التي تلهث وراء دعم قد يضمن لها قمصاناً جديدة أو كرة أفضل، وشباب لا يزالون في مساحة رمادية بين الرياضة وبين الانجذاب القسري لحملات انتخابية ناعمة.
"لعبة الكل"
في بلد يفتقر إلى البنية التحتية الرياضية الحديثة، تعتبر الملاعب الخماسية المتنفس الأساسي لآلاف الشبان العراقيين.
يقول جعفر الشيخ، رئيس الاتحاد العراقي لكرة القدم المصغرة (سوكا)، إن "هذه الملاعب توفّر بيئة آمنة ومنظّمة لممارسة كرة القدم، بعيداً عن العشوائية والملاعب الترابية". لكنه يقرّ أيضاً بأن "الانتشار الكبير لهذه الملاعب، خصوصاً في المناطق الشعبية، جعلها محط أنظار فئات سياسية متنوعة".
يوضح أن أنواع الملاعب المصغّرة تتراوح بين الخماسي، السداسي، السباعي والثماني لكن الملاعب الخماسية هي الأكثر شيوعاً. تكلفة استئجار الملعب في بغداد، بحسب الشيخ، تتراوح بين 20 إلى 50 ألف دينار عراقي للساعة الواحدة، ما يجعلها خياراً مناسباً للشباب، وأيضاً للمرشحين الذين يبحثون عن وسيلة رخيصة وفعالة للوصول إلى جمهور واسع.
تشهد الملاعب نشاطاً يومياً محموماً. يقول عبد الواحد علي، متعهد ملعب الصالحية، إن "المباريات هنا تبدأ من الخامسة مساءً حتى ما بعد منتصف الليل"، ويستضيف الملعب أكثر من 7 فرق يومياً.
لكن مع كل موسم انتخابي، تتغير ديناميكيات هذه الملاعب: "تأتينا طلبات من مرشحين لتنظيم بطولات رمزية، أو لرعاية بطولة قائمة"، يقول عبد الواحد. "نحن لا نمانع، فالاتحاد لا يفرض أي قيود، والتأجير يتم حسب الاتفاق مع المتعهد".
عبد علي موحان، متعهد ملعب آخر في الشرطة الرابعة، يؤكد هذا الغياب في الرقابة: "سبق لي تأجير الملعب لمرشحين سياسيين خلال الانتخابات. نحن نوفر الملعب فقط، ولا علاقة لنا بمحتوى الفعالية أو نوايا المستأجرين".
هذا الفراغ التنظيمي، كما يشير مراقبون، جعل الملاعب الخماسية بيئة خصبة للتوظيف السياسي لا توجد قواعد تمنع استغلالها، ولا معايير لضبط الرسائل التي تمر عبرها.
الشباب.. الهدف الأكثر قابلية للتأثير
في المشهد العراقي الحالي، حيث يعاني كثير من الشباب من البطالة وغياب الفرص الرياضية الحقيقية، تصبح أي مبادرة من مرشح سياسي ذات وقع مضاعف.
"بطولة شعبية بسيطة لا تكلف أكثر من مليون ونصف دينار"، يقول اللاعب الشعبي حسن مصطفى من الزعفرانية. "بالمقارنة مع حملات انتخابية تُنظّم في قاعات فنادق كبرى، هذا خيار أكثر فعالية للوصول إلى أصوات الشباب".
حسن يؤكد أن الشبان يشعرون فعلياً بحاجة لهذا النوع من الدعم: "نحن نلعب من جيوبنا، فحين يقدّم لنا مرشح أطقم ملابس جديدة أو يدعم بطولتنا، يصعب ألا نميل إليه. وهذا هو ما يجعل الشباب هدفاً مباشراً وسهل التأثير في الملاعب".
ومع اقتراب كل موسم انتخابي، تتزايد هذه الأنشطة في الملاعب. في مناطق مثل حي العامل والجهاد والشرطة الخامسة، أفاد شهود عيان بأن مرشحين سياسيين يطلقون أسماءهم صراحة على الملاعب التي يستأجرونها، وينظّمون فيها مؤتمرات انتخابية غير رسمية وسط حضور جماهيري شبابي كثيف.
في ظل غياب قوانين واضحة تفصل بين النشاط الرياضي والسياسي، تبدو هذه الملاعب مرشحة لأن تظل أداة تسويقية مغرية للمرشحين. وفي الوقت ذاته، يواجه الشباب خياراً صعباً بين الحفاظ على المسافة من السياسة أو القبول بالدعم الذي يحتاجون إليه في غياب أي بديل مؤسسي.
رغم ذلك، لا يزال كثير من الشباب العراقيين يطالبون بالحفاظ على الطابع الرياضي لهذه الفضاءات. "نريد أن تبقى ملاعبنا بعيدة عن السياسة"، يقول حسن مصطفى. "نحن نلعب كرة القدم لنرتاح، لا لنكون أداة في الحملات الانتخابية".
لكن في عراق ما بعد 2003 حيث السياسة تتداخل في كل تفاصيل الحياة اليومية يبدو أن حتى ملاعب العشب الصناعي الصغيرة لم تعد بعيدة عن هذا التمدد.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شفق نيوز
منذ ساعة واحدة
- شفق نيوز
مكافأة المنتخب العراقي.. الاتحاد يوضح بشأن "التكريم الخاص" وغير المشمولين به
شفق نيوز/ أصدر الاتحاد العراقيّ لكرة القدم، يوم الخميس، توضيحاً بشأن تكريم المنتخب الوطنيّ بعد الفوز على نظيره الأردنيّ ضمن التصفيات الآسيويّة المؤهلة لنهائيات كأس العالم. وذكر الاتحاد في بيان ورد لوكالة شفق نيوز، أنه "ينفي الأخبار المتداولة في وسائل الإعلام المختلفة، بشأن شمول أعضاء الاتحاد بالتكريم الخاصّ المقدم من الاتحاد إلى وفد المنتخب الوطنيّ لكرة القدم بعد الفوز على المنتخب الأردنيّ الشقيق ضمن التصفيات الآسيويّة المؤهلة لنهائيات كأس العالم". وبيّن الاتحاد أن "تلك الأخبار غير صحيحة، ولا تمت إلى الواقع بصلة، لأن التكريم شمل الملاكين الفنيّ والإداريّ للمنتخب الوطنيّ، ولم يشمل الأعضاء". وأشار الاتحاد، إلى أن "التكريم يأتي بعد الجهود المميزة المبذولة في المباراة أمام الشقيق الأردنيّ، ويعدّ خطوة لبذل المزيد من أجل خطف بطاقة التأهل إلى المونديال المقبل في منافسات الملحق الآسيويّ المرتقب". وأهاب الاتحاد بوسائل الإعلام كافة بـ"التعاطي مع الأخبار بمصداقية، والحصول عليها من مصادرها، والابتعاد عن إثارة القضايا التي لا تخدم مشوار المنتخب في الملحق، وبهذه المناسبة ندعو الجميع إلى التكاتف من أجل تهيئة جميع الظروف المناسبة لمنتخبنا الوطنيّ لتحقيق حلم الملايين بالتواجد في المونديال". وكان عضو الاتحاد العراقي لكرة القدم، غالب الزاملي، كشف لوكالة شفق نيوز، الخميس، أن الاتحاد كرّم لاعبي المنتخب الوطني العراقي لكرة القدم بمبلغ مالي قدره 3000 دولار، وذلك لتحقيقهم الفوز على المنتخب الأردني بهدف دون مقابل على أرض الخصم. وكان وفد المنتخب العراقي عاد الى العاصمة بغداد يوم الأربعاء الماضي بعد خوض المنتخب مباراته الأخيرة ضمن التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم وتحقيق الفوز على نظيره الأردني في الجولة الأخيرة من منافسات المجموعة الثانية من التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم 2026.


شفق نيوز
منذ 6 ساعات
- شفق نيوز
رسمياً.. الاتحاد الآسيوي لكرة القدم يحظر اللعب على العشب الصناعي
شفق نيوز/ أعلن الاتحاد الآسيوي لكرة القدم رسمياً، يوم الخميس، عن حظر المباريات على العشب الصناعي في بطولات رسمية للرجال والسيدات واعتماد العشب الطبيعي فقط. وأكد الاتحاد الآسيوي بحسب متابعة شفق نيوز، أن الحظر يبدأ اعتباراً من شهر آب المقبل 2025، وتطبق على المنتخبات الوطنية كافة. وسيتم حظر المباريات على العشب الصناعي في العديد من البطولات الرئيسية التي تدخل ضمن منهاج الاتحاد الآسيوي لكرة القدم ليكون العشب الطبيعي هو الرسمي. وينطبق هذا الحظر على بطولات تم تحديدها من قبل الاتحاد الآسيوي وهي: الدور النهائي من تصفيات كأس آسيا، تصفيات كأس آسيا للسيدات، تصفيات كأس العالم لكرة القدم (بدءاً من الدور الثاني فصاعداً)، و تصفيات الألعاب الأولمبية للسيدات، ودوري أبطال آسيا، ودوري أبطال آسيا الدرجة الثانية، ودوري أبطال آسيا للسيدات.


شفق نيوز
منذ 9 ساعات
- شفق نيوز
قاآني يتهكم على ترامب ويتحدى: لا أحد يجرؤ على شن حرب ضدنا
شفق نيوز/ قال قائد فيلق القدس الإيراني، الجنرال إسماعيل قاآني، يوم الخميس، إن لا أحد "يجرؤ" على شن حرب ضد إيران، متهكماً بذلك على تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وقال قاآني في كلمة تابعتها وكالة شفق نيوز "لسنا بصدد خوض أي حرب لكن لا أحد يجرؤ على شنّ حرب ضدنا. وضعف إيران والمقاومة هو مجرد حلم". واعتبر قاآني أن "رد الرئيس الأميركي على اليمن عبر منصة (إكس) الذي قال فيه: إذا لم تطلقوا الصواريخ فلن نطلق الصواريخ أيضاً، كان فضيحة للأميركيين". وتابع "على الجميع أن يعلم أن إيران تفاوض اليوم من مبدأ الحكمة والتدبير، وعلى عكس ما سبق فإن البلاد اليوم غير مرهونة للمفاوضات". وأكد أن "التطور الذي حققه القطاع العسكري في إيران خلال الأشهر الستة الماضية مدهش جداً"، محذراً بالقول "الكيان الصهیوني الذي يزعم أنه أقوى جيش في المنطقة ومن خلفه الولايات المتحدة والناتو لم يتمكنوا من التغلب على المقاومة رغم حربه ضد حزب الله لمدة 66 يوماً". يأتي ذلك على خلفية التصعيد الأمني بين الولايات المتحدة وإيران وتبادل التهديدات بتوجيه ضربات عسكرية بعدما لم تصل المفاوضات على الملف النووي الإيراني إلى اتفاق بين الطرفين. ومساء يوم أمس الأربعاء، نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر عراقية وأميركية أن واشنطن قررت إخلاء دبلوماسييها وموظفيها من السفارة الأميركية في بغداد وعدد من الدول الخليجية.