logo
الضفة تتبخر وسط دخان غزة

الضفة تتبخر وسط دخان غزة

صحيفة الشرقمنذ يوم واحد
144
هديل رشاد
بينما تُدفن غزة تحت الركام، وتُحاصر بلقمة العيش والماء، تتحرك آلة الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية ببطء وثبات، تُوسّع مستوطناتها، تُهجّر سكانها، وتُعيد رسم الخارطة الديموغرافية بما يخدم مشروع إسرائيل الكبرى، إنها جريمة مركبة، وجهها الأول مجازر ومجاعة في غزة، ووجهها الثاني تهويد وصمت خبيث في الضفة. تقرير صادر عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في مارس 2025 أكد أن الاحتلال الإسرائيلي صعّد عمليات الاستيطان بشكل غير مسبوق، إذ شرع ببناء أكثر من 10.300 وحدة سكنية جديدة داخل مستوطنات قائمة، وأنشأ 49 بؤرة استيطانية في الضفة والقدس الشرقية خلال عام واحد، وهو الرقم الأعلى منذ بدء التوثيق الأممي في القدس فقط، خُطط لبناء 20,000 وحدة استيطانية جديدة، بينما هُدمت 214 منشأة فلسطينية في عام واحد، من دون تصاريح أو بدعوى «البناء غير القانوني» في المقابل، مُنع الفلسطينيون من البناء حتى في أراضيهم الخاصة، فُرضت قيود مشددة على التوسع العمراني، وصودرت الأراضي بحجج أمنية أو بمراسيم عسكرية، ما دفع العائلات الفلسطينية للعيش في مساكن أشبه بعلب السردين، محاطة بجدران ومستوطنات، لا ترى فيها الشمس ولا تتنفس فيها الحياة. منذ أكتوبر 2023 وحتى مايو 2025، تم تهجير 1.222 فلسطينياً قسراً من 19 تجمعاً رعويا بسبب عنف المستوطنين، بينما قُتل 9 فلسطينيين برصاص المستوطنين، و396 آخرون برصاص الجيش الإسرائيلي، وتؤكد الأمم المتحدة أن هذه الممارسات ترقى إلى جرائم حرب، حيث إن نقل السكان المدنيين، وهدم المنازل، ومنع تصاريح البناء، كلها انتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني. الأخطر أن التقرير الأممي يحذر من أن الخط الفاصل بين إجرام المستوطنين وعنف المحتل قد تلاشى، لدرجة أن بعض المستوطنين أصبحوا يتلقون الحماية والمساندة اللوجستية من الجيش الإسرائيلي نفسه.
أحد أكثر الأحداث دموية في هذا السياق وقع في كفر مالك قبل أيام، حين هاجم أكثر من 100 مستوطن القرية، وأضرموا النار في منازل ومركبات الفلسطينيين، وسط غياب تام للحماية، أسفر الهجوم عن استشهاد ثلاثة فلسطينيين وإصابة آخرين، بينما اكتفى الجيش بالتدخل بعد وقوع المجزرة، ثم أفرج عن المستوطنين المتهمين، ما جرى في كفر مالك ليس استثناء، بل حلقة جديدة في سلسلة طويلة من العنف الممنهج الذي يهدف إلى تفريغ الأرض من سكانها الأصليين.
في قلب هذه الجريمة المركبة، يظهر بوضوح دور وزير الأمن القومي بن غفير ووزير المالية سموتريتش، وهما من رموز اليمين المتطرف الديني القومي، بن غفير الذي لا يُخفي تبنيه لأفكار مائير كاهانا –حاخام متطرف أسس لحركة كاخ اليمينية المتطرفة عام -1971، يصرّح علنًا بأن غزة «يجب أن تُمسح»، وأن تهجير سكانها «حل ضروري ونهائي»، أما سموتريتش، فقد أعلن من على منصة الكنيست أن «الفرصة التاريخية في غزة يجب أن تترافق مع حسم الوجود الفلسطيني في الضفة»، مؤكدًا أن الضفة «ليست منطقة نزاع بل أرض الآباء»، وأن على الدولة «فرض السيادة اليهودية الكاملة عليها».
الخطاب المتطرف الذي يتبناه بن غفير وسموتريتش لم يعد مجرد تصريحات، بل تحول إلى سياسة فعلية على الأرض، فخطة وزارة المالية تنص بوضوح على ضخ مليارات الشواكل –عملة الاحتلال-لدعم بناء البؤر الاستيطانية وتوفير البنية التحتية لها، بينما تتلقى الجمعيات الاستيطانية تسهيلات قانونية وإعفاءات ضريبية، تُمنع عنها بالمقابل القرى الفلسطينية المهددة بالهدم، المشروع الاستيطاني اليوم لم يعد تمدداً، بل ابتلاعاً متسارعاً مدعوماً بالدولة وأذرعها القضائية والعسكرية.
كل ذلك يحدث بينما تغيب السلطة الفلسطينية كلياً، لا تصدٍّ ميداني، لا تحرك سياسي، لا حماية قانونية، ولا حتى احتجاج فاعل في المحافل الدولية، الرئيس محمود عباس بدا منذ بدء الحرب على غزة وكأنه خارج السياق، يراوح في مربع الإدانات الجوفاء، بينما الأرض تُنهب، والناس تُطرد، والخرائط يعاد تخطيطها، حتى الأجهزة الأمنية للسلطة لا تتحرك لحماية الفلسطينيين من اعتداءات المستوطنين، بل في حالات كثيرة كانت شاهدة صامتة على عمليات الطرد والهدم، وبعضها سُجّل عليه تواطؤ ضمني خوفًا من الاصطدام مع الاحتلال أو خشية فقدان الامتيازات المالية التي تربطها بالتنسيق الأمني.
المجتمع الدولي بدوره يمارس دور المتفرج، يكتفي بتقارير أممية لا تتبعها مساءلة، وإدانات لفظية لا تردع الفاعل، أما الولايات المتحدة، فهي تغض الطرف بالكامل عن ما يجري في الضفة، ما دامت تساند حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في غزة، هذا الصمت الدولي شجّع الاحتلال على تكثيف جريمته المزدوجة: إبادة غزة وقضم الضفة.
ختاماً...
الاحتلال يعرف تمامًا ما يفعل. يشعل غزة ويقضم الضفة على وقع عذابات الأولى، فالمجازر هناك تُغطي على جريمة التهجير هنا، والتجويع يُخدر الإدراك العالمي عن التطهير العرقي الذي يمضي بإيقاع بطيء هادئ في الضفة، حتى إن بعض النشطاء الإسرائيليين أنفسهم باتوا يحذرون من استخدام حرب غزة كـ»ستار دخاني» لفرض وقائع لا رجعة عنها في الضفة، تهدف إلى دفع المجتمع الدولي مستقبلًا للقبول بـ»ضم واقعي» للضفة، بعد أن يصبح السكان الفلسطينيون أقلية مطوقة ومهجرة.
مساحة إعلانية

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الرئيسان الإماراتي والروسي يبحثان القضايا الإقليمية والدولية
الرئيسان الإماراتي والروسي يبحثان القضايا الإقليمية والدولية

صحيفة الشرق

timeمنذ 2 ساعات

  • صحيفة الشرق

الرئيسان الإماراتي والروسي يبحثان القضايا الإقليمية والدولية

18 الإمارات روسيا الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد بحث سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عددا من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. واستعرض الجانبان، خلال جلسة محادثات في إطار زيارة رسمية يقوم بها الرئيس الإماراتي إلى روسيا، سبل تعزيز علاقات التعاون بين البلدين في الاقتصاد والتجارة والطاقة وغيرها من المجالات. مساحة إعلانية

وزارة الداخلية تنوه بـ3 إغلاقات مرورية الجمعة
وزارة الداخلية تنوه بـ3 إغلاقات مرورية الجمعة

صحيفة الشرق

timeمنذ 2 ساعات

  • صحيفة الشرق

وزارة الداخلية تنوه بـ3 إغلاقات مرورية الجمعة

محليات 118 A- وزارة الداخلية طريق الكورنيش نبهت وزارة الداخلية مستخدمي الطرق إلى وجود بعض الإغلاقات المرورية الجمعة 8 أغسطس الجاري، داعية إلى الالتزام باللوحات الإرشادية والتقيد باللوائح والقوانين، حرصاً على انسيابية الحركة المرورية وسلامة الجميع. وأوضحت عبر حسابها بمنصة "إكس" مساء اليوم الخميس أن الإغلاقات المرورية تشمل: 1- طريق الكورنيش (من تقاطع الشيراتون حتى تقاطع الدفنة): تحويل مروري على طريق الكورنيش لوجود إغلاق جزئي مؤقت لمسارين على شارع الكورنيش من تقاطع الشيراتون إلى تقاطع الدفنة اعتباراً من الجمعة 8 أغسطس الجاري حتى الساعة 5 صباحاً من يوم الأحد 10 أغسطس 2025. 2- شارع البدع (باتجاه الجنوب): إغلاق مروري مؤقت باتجاه الجنوب، ولشارع عمر المختار اعتباراً من الجمعة 8 أغسطس حتى الأحد 10 أغسطس. 3- نفق شرق: إغلاق مروري مؤقت لنفق شرق يوم الجمعة 8 أغسطس من الساعة 2 فجراً حتى 10 صباحاً.

أكاديمية الشرطة تحتفل بتخريج الدفعتين الخامسة والسادسة من "شرطة الغد"
أكاديمية الشرطة تحتفل بتخريج الدفعتين الخامسة والسادسة من "شرطة الغد"

صحيفة الشرق

timeمنذ 3 ساعات

  • صحيفة الشرق

أكاديمية الشرطة تحتفل بتخريج الدفعتين الخامسة والسادسة من "شرطة الغد"

محليات 42 أكاديمية الشرطة شرطة الغد احتفلت أكاديمية الشرطة، ممثلة بكلية الشرطة، بتخريج الدفعتين الخامسة والسادسة من برنامج 'شرطة الغد'، وذلك في ختام البرنامج التدريبي لصيف عام 2025. حضر حفل تخريج الدفعة السادسة سعادة اللواء الركن عبدالله بن محمد السويدي، مساعد وكيل وزارة الداخلية للشؤون الفنية والتخصصية، فيما حضر حفل تخريج الدفعة الخامسة اللواء محمد جاسم السليطي، مدير عام الأمن العام، بحسب وزارة الداخلية عبر منصة "إكس" مساء اليوم الخميس. وتخللت الفعاليات عروض أمنية ومهارية متميزة، عكست المستوى العالي من التدريب والانضباط الذي اكتسبه المشاركون، وأظهرت مدى ترسيخ قيم الولاء والانتماء والمسؤولية لديهم. وشمل البرنامج تدريبات متنوعة إلى جانب محاضرات تثقيفية وتوعوية. وأعرب أولياء الأمور عن بالغ سعادتهم بما شهده أبناؤهم من تطور ملحوظ خلال فترة البرنامج، مؤكدين أن برنامج شرطة الغد ساهم في تنمية شخصياتهم، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم. مساحة إعلانية

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store