logo

'شبكة العنكبوت': هجوم أوكراني جريء يعيد رسم معادلة الحرب مع روسيا!سعيد محمد

ساحة التحريرمنذ 2 أيام

'شبكة العنكبوت': هجوم أوكراني جريء يعيد رسم معادلة الحرب مع روسيا!
سعيد محمد *
في واحدة من أكثر العمليات تعقيداً وجرأة منذ بدء العمليّة العسكريّة الروسيّة في أوكرانيا قبل أكثر من ثلاث سنوات، نفّذت أجهزة استخباراتية يُزعم أنها المخابرات الأوكرانيّة، SBU، هجوماً واسع النطاق باستخدام طائرات مسيّرة على قواعد جوية روسية، طالت مواقع من سيبيريا شرقاً إلى مورمانسك في الشمال الغربي، وأصابت، وفقاً لمصادر أوكرانية، أكثر من أربعين قاذفة استراتيجية روسية. وقد أطلقت كييف على العملية اسم 'شبكة العنكبوت'، ووصفتها بأنها نتاج ثمانية عشر شهراً من التخطيط والتنفيذ، لكنّها أثارت مخاوف من أنها تجاوزت حدود هجوم تكتيكي، واقتربت من تهديد جوهر العقيدة النووية الروسية بعدما استهدفت بعض القواعد التي تُعد مراكز بالغة الحساسية في منظومة الردع النووي الروسي.
وعلى الرغم من أن العملية نُسبت رسمياً إلى جهاز المخابرات الأوكراني، إلا أن شواهد عديدة تشير إلى أن دعماً لوجستياً واستخباراتياً غربياً قد لعب دوراً حاسماً. بريطانيا والولايات المتحدة دربتا سابقاً القوات الخاصة الأوكرانية على عمليات غير تقليدية، وكان لهما دور سابق في عمليات تخريب استخباراتية استهدفت جسر القرم وقاعدة إنغيلس الجوية.
ووفقاً لمعلومات سرّبتها المخابرات الأوكرانيّة إلى وسائل الإعلام، فقد تم تهريب الطائرات المسيّرة إلى الدّاخل الروسي باستخدام شاحنات نقل مزودة بأكواخ خشبية متنقلة، وُضعت فيها الطائرات تحت أسقف تفتح عن بُعد. عند اللحظة المحددة، أُطلقت الطائرات المسيّرة من على بعد أميال قليلة من القواعد الجوية الروسية، مستهدفة قاذفات استراتيجية قادرة على حمل رؤوس نووية من طراز Tu-95 وTu-22 و Tu-160، وأيضاً طائرة الإنذار المبكر A-50.
ورغم أن تقديرات الجانب الاوكراني تحدّثت عن أضرار تتجاوز قيمتها سبع مليارات دولار أمريكي لم تُؤكَّد بشكل مستقل، إلا أن المشاهد المصوّرة والانفجارات والدّخان المتصاعد من قواعد مثل بيلایا في إيركوتسك وأولينيا في مورمانسك تؤكّد أن الضربة كانت موجعة.
وفيما وصف بعض المراقبين الروس الهجوم بأنه أشبه ب'بيرل هاربر روسيا'، في إشارة إلى الهجوم الياباني المفاجئ على الأسطول الأميركي في عام 1941 خلال الحرب العالمية الثانية، أكد خبراء عسكريّون أوكرانيون أنه حتى لو لم تُدمّر جميع الطائرات، فإن الأثر المعنوي واللوجستي لهذه العمليّة كبير، إذ إن هذه الطائرات لم تعد تُنتَج، وإصلاحها يحتاج إلى موارد وخبرات غير متوفرة بسهولة في روسيا، وقارنوها بنجاحات عسكرية بارزة أخرى منذ بدء الحرب، بما في ذلك إغراق السفينة الرائدة في أسطول البحر الأسود الروسي، موسكفا، وقصف جسر كيرتش، وكلاهما في عام 2022، بالإضافة إلى هجوم صاروخي على ميناء سيفاستوبول في العام التالي. وكتب أحدهم ساخراً ما معناه: 'خسارة طائرتين من طراز Tu-160 تشبه خسارة جوادين من قطيع حمير'، وغردت صحيفة 'بيزنس أوكرانيا' 'اتضح أن لدى أوكرانيا أوراقاً بالفعل، وزيلينسكي لعب ورقة الملك: طائرات الدرون'.
أما الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نفسه فقد تباهى بالعملية، وقال فور ورود الأنباء عنها: 'هذه بطولات أوكرانية ستُكتب في كتب التاريخ. نحن ندافع عن أنفسنا، وسنفعل كل ما يلزم ليشعر الروس بضرورة إنهاء هذه الحرب'.
وبالفعل فإن العملية قرأت كرسالة واضحة إلى روسيا: أوكرانيا لا تزال قادرة على الضرب في العمق الروسي رغم التقدّم القوات الروسية المستمر – لكن البطىء – على الجبهة. على أن الرّسالة الأهم ربما كانت موجهة إلى الغرب – والولايات المتحدة تحديداً -، تماماً كما قال أحد المسؤولين الأوكرانيين الذي تحدث أمس لهيئة الإذاعة البريطانيّة: 'إن أكبر مشكلة نواجهها هي أن واشنطن تصرّفت مؤخراً وكأن أوكرانيا خسرت الحرب بالفعل، وهذا ما يبني عليه الجميع مواقفهم.' وعن ذلك كتب الصحافي الأوكراني إيليا بونومارينكو: 'هذه النتيجة هي ما يحدث عندما ترفض أمة تحت الهجوم الاستسلام لرؤية المتشائمين، الذين يكرّرون: لا تملكون أوراقاً، روسيا لا تُهزم، استسلموا من أجل السلام'.
ومن المعلوم أنها ليست المرة الأولى التي تهاجم فيها أوكرانيا العمق الروسي، لكنها الأوسع والأكثر تنسيقاً، وكشفت عن هشاشة الدفاعات الروسية في الداخل، وخطورة تكنولوجيا الدرونات التي بمقدورها أن تهدد طائرات ضخمة تبلغ قيمتها مئات الملايين.
وحتى الآن، ردت روسيا على سلسلة الاستفزازات الأوكرانية الغربية بمزيج من الحذر والضربات المحدودة، ما فسره الغرب على أنه ضعف، وأغرى أوكرانيا على تصعيد جرأتها. لكن هجوم 'شبكة العنكبوت' قد يكون نقطة تحول نوعي. إذ أن الكرملين يرى أن ضرب قاذفات استراتيجية على أراضيه، بالتزامن مع محاولات اغتيال مزعومة للرئيس بوتين نفسه (كما في محاولة استهدافه بطائرة مسيّرة خلال زيارة إلى كورسك)، يُقوّض توازن الردع، ويضع الدولة في خطر وجودي.
وبحسب العقيدة النووية الروسية المحدثة عام 2024، فإن روسيا تحتفظ بحق استخدام الأسلحة النووية في حال تعرض 'مواقع حكومية أو عسكرية حيوية' لهجوم يؤدي إلى تعطيل قدرة الردع النووي. وما قامت به أوكرانيا عبر 'شبكة العنكبوت' يُمكن أن يُفسر في موسكو على أنه ينطبق على هذا البند.
من ناحيتها، قالت وزارة الدفاع الروسية إن الهجمات نُفّذت من مناطق قريبة من القواعد، وإن بعض الطائرات أُصيبت بنيران. كما أعلنت عن اعتقال عدة أشخاص شاركوا في العملية التي وصفتها بأنها 'هجوم إرهابي'.
البعض في موسكو طالب بردّ حازم. وكتب المدوّن العسكري رومان أليخين: 'نأمل أن يكون الرد مثلما ردّت أمريكا على بيرل هاربر، أو أقسى'. وظهرت تكهنات على وسائل الإعلام الروسية حول احتمال التهديد باستخدام السلاح النووي مجدداً. فيما اعتبر معارضون روس في الخارج أن العمليّة خرق أمني مهين لفلاديمير بوتين شخصياً، وانّه سيكون تحت الضغط للقيام رد غاضب.
وأتت هذه العملية العاصفة قبل ساعات من انطلاق جولة جديدة من المحادثات بين روسيا وأوكرانيا في قصر تشيران الفخم في إسطنبول بتركيا، لكن رغم ضخامة هجوم 'شبكة العنكبوت'، لا يُتوقع أن يؤثر كثيراً على المفاوضات التي يبدو أنّها ما زالت بعيدة عن تحقيق أي اختراق. زيلينسكي أعلن أن كييف سترسل وفداً للمحادثات، واشتكى من أن روسيا لم تُرسل مقترحاتها المسبقة حول وثيقة إطار المفاوضات كما كان مطلوباً. لكن وكالة أنباء روسية نقلت عن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قوله إن موسكو بصدد تقديم مذكرة حول 'جميع جوانب التغلب بشكل موثوق على الأسباب الجذرية للأزمة' إلى المسؤولين الأوكرانيين اليوم. وكان لافروف قد تحدث هاتفياً مع نظيره الأمريكي ماركو روبيو عبر الهاتف (الأحد) عشية استئناف المفاوضات، 'وتبادلا وجهات النظر حول مبادرات مختلفة تتعلق بتسوية سياسية للأزمة الأوكرانية'.
وفي هذا السياق، يواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحظة حاسمة. وهو الذي أعلن التزامه بدفع عملية السلام، إذ يجد نفسه الآن أمام معضلة: فهل يندد بالهجوم الأوكراني وحلفائه في الكونغرس الذين يدفعون باتجاه التصعيد، أم يصمت ويواصل دعم الحرب، مخاطِراً بانزلاق العالم إلى صراع نووي لا سيّما وأن مستشاره الخاص لشؤون أوكرانيا، كيث كيلوغ، أقر بأن واشنطن وحلف الناتو مشاركان فعلياً في الحرب، وكذلك فعل وزير خارجيته، روبيو، الذي أكد أن أمريكا تخوض 'حرباً بالوكالة' ضد روسيا.
هذا لم تكن أوكرانيا وحدها من أطلق هجمات بالطائرات المسيّرة، إذ في الليلة التي سبقت الهجوم، نفّذت روسيا أعنف غارة جويّة لها منذ بدء الحرب، فأطلقت 472 طائرة مسيّرة وسبعة صواريخ، استهدفت مدناً من بينها زابوروجيا وكييف وخاركيف، كما قُتل 12 جنديًا أوكرانيًا في ضربة أصابت قاعدة تدريب، ما دفع قائد القوات البرية الأوكرانية، الجنرال ميخايلو دراباتيي، لتقديم استقالته تحملاً المسؤولية.
وعلى كل الأحوال، سواء كان الردّ الروسي وشيكاً أو مؤجلاً، فإن هجوم 'شبكة العنكبوت' قد غيّر قواعد اللعبة، ويهدد بتحول الحرب من صراع إقليمي إلى اختبار وجودي لميزان الردع النووي العالمي.
'شبكة العنكبوت': هجوم أوكراني جريء يعيد رسم معادلة الحرب مع روسيا
لندن
‎2025-‎06-‎03
The post 'شبكة العنكبوت': هجوم أوكراني جريء يعيد رسم معادلة الحرب مع روسيا!سعيد محمد first appeared on ساحة التحرير.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"شبكة العنكبوت".. هجوم أوكراني يستهدف العمق الروسي ويدمر طائرات استراتيجية
"شبكة العنكبوت".. هجوم أوكراني يستهدف العمق الروسي ويدمر طائرات استراتيجية

شفق نيوز

timeمنذ يوم واحد

  • شفق نيوز

"شبكة العنكبوت".. هجوم أوكراني يستهدف العمق الروسي ويدمر طائرات استراتيجية

شفق نيوز/ كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، يوم الأربعاء، أن هجوماً أوكرانياً استهدف قواعد جوية روسية في العمق، وأسفر عن تضرر ما لا يقل عن 13 طائرة، بينها 8 قاذفات استراتيجية من طراز Tu-95 القادرة على حمل أسلحة نووية، بحسب ما أظهرته صور أقمار صناعية وتحليلات خبراء. وأفادت الصحيفة، بأن الطائرات المتضررة كانت جزءاً من الحملة الجوية الروسية ضد أوكرانيا، وفقاً لويل غودهيند، محلل البيانات الجغرافية المكانية في مشروع "كونتيستد غراوند"، المختص بتتبع النزاعات عبر صور الأقمار الاصطناعية. واعتمدت العملية، التي أطلق عليها اسم "شبكة العنكبوت"، على تهريب طائرات مسيّرة إلى داخل الأراضي الروسية، حيث نُقلت داخل صناديق مموهة على متن شاحنات إلى مواقع إطلاق تم اختيارها بعناية، قبل استخدامها لضرب القواعد الجوية الروسية. وبحسب أوكرانيا، فإن العملية أسفرت عن تدمير أو إلحاق أضرار جسيمة بأكثر من 40 طائرة، بينما اعترفت روسيا فقط بتضرر "عدد من الطائرات نتيجة اندلاع حريق"، أما محللون مستقلون يستخدمون مصادر مفتوحة، فقد قدّروا العدد بين 10 و12 طائرة. وفي تقرير منفصل، أشارت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية إلى أن العملية نُفذت بعد تخطيط سري دام 18 شهراً، ووصفتها بأنها "واحدة من أكثر الهجمات جرأة" على العمق الروسي، مستندة إلى صور أقمار صناعية وتحليلات خبراء. ونقل التقرير عن مايكل كوفمان، المحلل العسكري في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أن الضربة الأوكرانية قلّصت قدرة روسيا على تنفيذ ضربات طويلة المدى، نظراً لصعوبة تعويض هذه الطائرات. وأضاف: "هذا لا يعني توقف الغارات الروسية، لكنه يثبت أن استمرار الحرب سيكلف موسكو ثمناً باهظاً على المستويين العسكري والدولي". وأوضحت "فايننشال تايمز" أن الطائرات المستهدفة تمثل نحو 20% من القاذفات الروسية البعيدة المدى الجاهزة للعمل، وهي مصممة لتنفيذ هجمات عميقة وتحمل حمولات ثقيلة. في السياق ذاته، أكد فابيان هوفمان، الباحث في جامعة أوسلو، أن الطائرات المستهدفة كانت من بين الأكثر جهوزية، مقارنة بأخرى كانت في طور الصيانة، مما يجعل خسارتها أكثر إيلاماً للقوات الجوية الروسية. بدوره، قال ويليام ألبيرك، المسؤول السابق في حلف شمال الأطلسي والمحلل في مركز "ستيمسون"، إن هذه الطائرات شاركت في ضرب أهداف مدنية داخل أوكرانيا خلال موجات القصف الأخيرة، ما يضفي أبعاداً إضافية على الهجوم الأوكراني من حيث الأثر العسكري والمعنوي.

'شبكة العنكبوت': هجوم أوكراني جريء يعيد رسم معادلة الحرب مع روسيا!سعيد محمد
'شبكة العنكبوت': هجوم أوكراني جريء يعيد رسم معادلة الحرب مع روسيا!سعيد محمد

ساحة التحرير

timeمنذ 2 أيام

  • ساحة التحرير

'شبكة العنكبوت': هجوم أوكراني جريء يعيد رسم معادلة الحرب مع روسيا!سعيد محمد

'شبكة العنكبوت': هجوم أوكراني جريء يعيد رسم معادلة الحرب مع روسيا! سعيد محمد * في واحدة من أكثر العمليات تعقيداً وجرأة منذ بدء العمليّة العسكريّة الروسيّة في أوكرانيا قبل أكثر من ثلاث سنوات، نفّذت أجهزة استخباراتية يُزعم أنها المخابرات الأوكرانيّة، SBU، هجوماً واسع النطاق باستخدام طائرات مسيّرة على قواعد جوية روسية، طالت مواقع من سيبيريا شرقاً إلى مورمانسك في الشمال الغربي، وأصابت، وفقاً لمصادر أوكرانية، أكثر من أربعين قاذفة استراتيجية روسية. وقد أطلقت كييف على العملية اسم 'شبكة العنكبوت'، ووصفتها بأنها نتاج ثمانية عشر شهراً من التخطيط والتنفيذ، لكنّها أثارت مخاوف من أنها تجاوزت حدود هجوم تكتيكي، واقتربت من تهديد جوهر العقيدة النووية الروسية بعدما استهدفت بعض القواعد التي تُعد مراكز بالغة الحساسية في منظومة الردع النووي الروسي. وعلى الرغم من أن العملية نُسبت رسمياً إلى جهاز المخابرات الأوكراني، إلا أن شواهد عديدة تشير إلى أن دعماً لوجستياً واستخباراتياً غربياً قد لعب دوراً حاسماً. بريطانيا والولايات المتحدة دربتا سابقاً القوات الخاصة الأوكرانية على عمليات غير تقليدية، وكان لهما دور سابق في عمليات تخريب استخباراتية استهدفت جسر القرم وقاعدة إنغيلس الجوية. ووفقاً لمعلومات سرّبتها المخابرات الأوكرانيّة إلى وسائل الإعلام، فقد تم تهريب الطائرات المسيّرة إلى الدّاخل الروسي باستخدام شاحنات نقل مزودة بأكواخ خشبية متنقلة، وُضعت فيها الطائرات تحت أسقف تفتح عن بُعد. عند اللحظة المحددة، أُطلقت الطائرات المسيّرة من على بعد أميال قليلة من القواعد الجوية الروسية، مستهدفة قاذفات استراتيجية قادرة على حمل رؤوس نووية من طراز Tu-95 وTu-22 و Tu-160، وأيضاً طائرة الإنذار المبكر A-50. ورغم أن تقديرات الجانب الاوكراني تحدّثت عن أضرار تتجاوز قيمتها سبع مليارات دولار أمريكي لم تُؤكَّد بشكل مستقل، إلا أن المشاهد المصوّرة والانفجارات والدّخان المتصاعد من قواعد مثل بيلایا في إيركوتسك وأولينيا في مورمانسك تؤكّد أن الضربة كانت موجعة. وفيما وصف بعض المراقبين الروس الهجوم بأنه أشبه ب'بيرل هاربر روسيا'، في إشارة إلى الهجوم الياباني المفاجئ على الأسطول الأميركي في عام 1941 خلال الحرب العالمية الثانية، أكد خبراء عسكريّون أوكرانيون أنه حتى لو لم تُدمّر جميع الطائرات، فإن الأثر المعنوي واللوجستي لهذه العمليّة كبير، إذ إن هذه الطائرات لم تعد تُنتَج، وإصلاحها يحتاج إلى موارد وخبرات غير متوفرة بسهولة في روسيا، وقارنوها بنجاحات عسكرية بارزة أخرى منذ بدء الحرب، بما في ذلك إغراق السفينة الرائدة في أسطول البحر الأسود الروسي، موسكفا، وقصف جسر كيرتش، وكلاهما في عام 2022، بالإضافة إلى هجوم صاروخي على ميناء سيفاستوبول في العام التالي. وكتب أحدهم ساخراً ما معناه: 'خسارة طائرتين من طراز Tu-160 تشبه خسارة جوادين من قطيع حمير'، وغردت صحيفة 'بيزنس أوكرانيا' 'اتضح أن لدى أوكرانيا أوراقاً بالفعل، وزيلينسكي لعب ورقة الملك: طائرات الدرون'. أما الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نفسه فقد تباهى بالعملية، وقال فور ورود الأنباء عنها: 'هذه بطولات أوكرانية ستُكتب في كتب التاريخ. نحن ندافع عن أنفسنا، وسنفعل كل ما يلزم ليشعر الروس بضرورة إنهاء هذه الحرب'. وبالفعل فإن العملية قرأت كرسالة واضحة إلى روسيا: أوكرانيا لا تزال قادرة على الضرب في العمق الروسي رغم التقدّم القوات الروسية المستمر – لكن البطىء – على الجبهة. على أن الرّسالة الأهم ربما كانت موجهة إلى الغرب – والولايات المتحدة تحديداً -، تماماً كما قال أحد المسؤولين الأوكرانيين الذي تحدث أمس لهيئة الإذاعة البريطانيّة: 'إن أكبر مشكلة نواجهها هي أن واشنطن تصرّفت مؤخراً وكأن أوكرانيا خسرت الحرب بالفعل، وهذا ما يبني عليه الجميع مواقفهم.' وعن ذلك كتب الصحافي الأوكراني إيليا بونومارينكو: 'هذه النتيجة هي ما يحدث عندما ترفض أمة تحت الهجوم الاستسلام لرؤية المتشائمين، الذين يكرّرون: لا تملكون أوراقاً، روسيا لا تُهزم، استسلموا من أجل السلام'. ومن المعلوم أنها ليست المرة الأولى التي تهاجم فيها أوكرانيا العمق الروسي، لكنها الأوسع والأكثر تنسيقاً، وكشفت عن هشاشة الدفاعات الروسية في الداخل، وخطورة تكنولوجيا الدرونات التي بمقدورها أن تهدد طائرات ضخمة تبلغ قيمتها مئات الملايين. وحتى الآن، ردت روسيا على سلسلة الاستفزازات الأوكرانية الغربية بمزيج من الحذر والضربات المحدودة، ما فسره الغرب على أنه ضعف، وأغرى أوكرانيا على تصعيد جرأتها. لكن هجوم 'شبكة العنكبوت' قد يكون نقطة تحول نوعي. إذ أن الكرملين يرى أن ضرب قاذفات استراتيجية على أراضيه، بالتزامن مع محاولات اغتيال مزعومة للرئيس بوتين نفسه (كما في محاولة استهدافه بطائرة مسيّرة خلال زيارة إلى كورسك)، يُقوّض توازن الردع، ويضع الدولة في خطر وجودي. وبحسب العقيدة النووية الروسية المحدثة عام 2024، فإن روسيا تحتفظ بحق استخدام الأسلحة النووية في حال تعرض 'مواقع حكومية أو عسكرية حيوية' لهجوم يؤدي إلى تعطيل قدرة الردع النووي. وما قامت به أوكرانيا عبر 'شبكة العنكبوت' يُمكن أن يُفسر في موسكو على أنه ينطبق على هذا البند. من ناحيتها، قالت وزارة الدفاع الروسية إن الهجمات نُفّذت من مناطق قريبة من القواعد، وإن بعض الطائرات أُصيبت بنيران. كما أعلنت عن اعتقال عدة أشخاص شاركوا في العملية التي وصفتها بأنها 'هجوم إرهابي'. البعض في موسكو طالب بردّ حازم. وكتب المدوّن العسكري رومان أليخين: 'نأمل أن يكون الرد مثلما ردّت أمريكا على بيرل هاربر، أو أقسى'. وظهرت تكهنات على وسائل الإعلام الروسية حول احتمال التهديد باستخدام السلاح النووي مجدداً. فيما اعتبر معارضون روس في الخارج أن العمليّة خرق أمني مهين لفلاديمير بوتين شخصياً، وانّه سيكون تحت الضغط للقيام رد غاضب. وأتت هذه العملية العاصفة قبل ساعات من انطلاق جولة جديدة من المحادثات بين روسيا وأوكرانيا في قصر تشيران الفخم في إسطنبول بتركيا، لكن رغم ضخامة هجوم 'شبكة العنكبوت'، لا يُتوقع أن يؤثر كثيراً على المفاوضات التي يبدو أنّها ما زالت بعيدة عن تحقيق أي اختراق. زيلينسكي أعلن أن كييف سترسل وفداً للمحادثات، واشتكى من أن روسيا لم تُرسل مقترحاتها المسبقة حول وثيقة إطار المفاوضات كما كان مطلوباً. لكن وكالة أنباء روسية نقلت عن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قوله إن موسكو بصدد تقديم مذكرة حول 'جميع جوانب التغلب بشكل موثوق على الأسباب الجذرية للأزمة' إلى المسؤولين الأوكرانيين اليوم. وكان لافروف قد تحدث هاتفياً مع نظيره الأمريكي ماركو روبيو عبر الهاتف (الأحد) عشية استئناف المفاوضات، 'وتبادلا وجهات النظر حول مبادرات مختلفة تتعلق بتسوية سياسية للأزمة الأوكرانية'. وفي هذا السياق، يواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحظة حاسمة. وهو الذي أعلن التزامه بدفع عملية السلام، إذ يجد نفسه الآن أمام معضلة: فهل يندد بالهجوم الأوكراني وحلفائه في الكونغرس الذين يدفعون باتجاه التصعيد، أم يصمت ويواصل دعم الحرب، مخاطِراً بانزلاق العالم إلى صراع نووي لا سيّما وأن مستشاره الخاص لشؤون أوكرانيا، كيث كيلوغ، أقر بأن واشنطن وحلف الناتو مشاركان فعلياً في الحرب، وكذلك فعل وزير خارجيته، روبيو، الذي أكد أن أمريكا تخوض 'حرباً بالوكالة' ضد روسيا. هذا لم تكن أوكرانيا وحدها من أطلق هجمات بالطائرات المسيّرة، إذ في الليلة التي سبقت الهجوم، نفّذت روسيا أعنف غارة جويّة لها منذ بدء الحرب، فأطلقت 472 طائرة مسيّرة وسبعة صواريخ، استهدفت مدناً من بينها زابوروجيا وكييف وخاركيف، كما قُتل 12 جنديًا أوكرانيًا في ضربة أصابت قاعدة تدريب، ما دفع قائد القوات البرية الأوكرانية، الجنرال ميخايلو دراباتيي، لتقديم استقالته تحملاً المسؤولية. وعلى كل الأحوال، سواء كان الردّ الروسي وشيكاً أو مؤجلاً، فإن هجوم 'شبكة العنكبوت' قد غيّر قواعد اللعبة، ويهدد بتحول الحرب من صراع إقليمي إلى اختبار وجودي لميزان الردع النووي العالمي. 'شبكة العنكبوت': هجوم أوكراني جريء يعيد رسم معادلة الحرب مع روسيا لندن ‎2025-‎06-‎03 The post 'شبكة العنكبوت': هجوم أوكراني جريء يعيد رسم معادلة الحرب مع روسيا!سعيد محمد first appeared on ساحة التحرير.

الخسائر تقدر بـ 7 مليارات دولار.. أوكرانيا تعلن نتائج ضربة "شبكة العنكبوت"
الخسائر تقدر بـ 7 مليارات دولار.. أوكرانيا تعلن نتائج ضربة "شبكة العنكبوت"

شفق نيوز

timeمنذ 3 أيام

  • شفق نيوز

الخسائر تقدر بـ 7 مليارات دولار.. أوكرانيا تعلن نتائج ضربة "شبكة العنكبوت"

شفق نيوز/ أعلنت أوكرانيا، اليوم الأحد، أن هجوماً واسعاً بطائرات مسيّرة نفذته أجهزة استخباراتها ألحق خسائر فادحة بسلاح الجو الروسي، مقدّرةً الأضرار بأكثر من 7 مليارات دولار. وبحسب جهاز الأمن الأوكراني (SBU)، فإن العملية الخاصة التي أُطلق عليها اسم "شبكة العنكبوت"، استهدفت أربع قواعد جوية روسية، وأسفرت عن تدمير أو إعطاب 41 طائرة حربية، بينها عدد كبير من القاذفات الاستراتيجية التي تحمل صواريخ كروز، أي ما يعادل نحو ثلث القوة الضاربة الجوية الروسية من هذا النوع. وتكمن خطورة العملية في عمق أهدافها، إذ نُفذ الهجوم داخل منطقة إيركوتسك السيبيرية، التي تقع على بعد أكثر من 4300 كيلومتر من الجبهات، في اختراق غير مسبوق لمدى الطائرات المسيّرة الأوكرانية. ووفقاً لتقارير أمنية، فقد جرى تنفيذ الهجوم باستخدام طائرات مسيّرة مخبأة داخل "أعشاش خشبية" وُضعت على شاحنات، اقتُرب بها من القواعد المستهدفة، وبمجرد وصولها، تم فتح الأسطح آلياً لتقلع منها المسيّرات وتبدأ الهجوم. وتداولت مصادر روسية صوراً ومقاطع فيديو تُظهر قاذفات مشتعلة في قاعدة بيلايا الجوية، فيما أقرّ حاكم إيركوتسك بوقوع الهجوم لكنه لم يحدد حجم الخسائر.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store