
"هندسة الروح".. بين طين العراق وسكينة أوسلو
لم يكن الفنان العراقي وسام الحداد (1968)، يدرك وهو يلاحق خطوات الآثاريين في بغداد، أن ذلك الطين الذي كانت أيدي الأطفال تنتشله من باطن الأرض، سيظل يسكنه إلى الأبد.
هناك، كانت الأرض تبدي أسرارها، وتحرّض خياله الصغير على أن يمدّ يديه إلى ترابها، ليشكّل منه ما كان يخرج من أعماقها: لقى أثرية، أوانٍ منزلية، فخاريات ملوّنة بأكسيد الحديد الأحمر، منقوشة بخطوط مسمارية بإتقان.
لم يكن المشهد مجرد لعبة بصرية لطفل شغوف، بل كان وعداً بلغة تشكيلية ستأتي لاحقاً، حين نضجت اليد، وصارت المادة طيّعة، تستجيب لرغبة الفنان في أن ينتج فنّه الخاص.
الهوية العراقية وسكينة الشمال الأوروبي
من العراق، يحمل الحداد الحرف العربي ككائن حيّ، والشعر كصوت داخلي، والرموز التراثية إلى معرضه "هندسة الروح" في "رام غاليري" بالعاصمة النرويجية أوسلو، ولا يتعامل مع هذه العناصر بوصفها موروثات مقدّسة ينبغي نسخها، بل كمادة خام يعيد قولبتها بلغة معاصرة.
يقدّم في معرضه 10 أعمال خزفية تنتمي إلى عالم تعبيري واحد يدور حول موضوع الحب بمعانيه المتعددة: من الحب الروحي، إلى العاطفي، إلى التأمل الداخلي، وهي تتنوعّ في أحجامها وأشكالها، وكل عمل منها يمثّل تجربة مستقلة من حيث الفكرة والتكوين.
في قلب أعماله الخزفية، يتجسّد التفاعل العميق بين العراق والنرويج، لا كزخرفة ثقافية، بل كحوار داخلي مستمر. يقول الفنان: "إن هذا المزج بين الثقافتين، نشأ من الرغبة في أن أكون صادقاً مع نفسي، وأن أسمح لهويتي المتعددة أن تظهر كما هي من دون رقابة".
في المقابل، تمنحه النرويج أدواته البصرية: الألوان الهادئة، الضوء الخافت، والصمت بوصفه قيمة تشكيلية. في أعماله، نجد أثر الفجر الشمالي، وشفافية الثلج، واتساع الأفق؛ هذه ليست مجرد خلفيات طبيعية، بل مكوّنات فلسفية تدخل في صلب التكوين الفني.
لكن ما يميّز تجربة وسام الحداد، هو هذا التكامل العضوي بين الثقافتين. فالحرف العربي لا يُفرض على اللون النرويجي، ولا تذوب الهوية العراقية في سكينة الشمال.
وعلى الرغم من أن الثقافة العربية تزخر بتراث خزفي عريق، يمتدّ من حضارات العراق القديمة إلى روائع الخزف الإسلامي، إلا أن هذا الفن غالباً ما يُختزل في العصر الحديث، إلى مجرد حرفة تقليدية، ويُقصى عن الساحة الفنية المعاصرة.
انطلاقاً من ذلك، يحمّل الحداد نفسه مسؤولية تتجاوز حدود العمل الفني الفردي، ساعياً إلى استعادة المكانة الحقيقية لهذا الفن من خلال ربطه بأسئلة معاصرة كالحب، والهوية، والهجرة.
يعيدنا معرض "هندسة الروح" إلى علاقة الفنان بالأرض، من حيث كونها المادة الأولى التي شكّل منها أعماله الخزفية، وتطوّر من خلالها إلى إنتاج أعمال مختلفة بالبصمة الخاصة ذاتها.
جميع الأعمال مصنوعة من طين الخزف الحجري عالي الحرق، بدرجة حرارة 1220 مئوية، وهي مُعالَجة بطبقات من التزجيج، وبعضها مزوّد بلمسات من اللمعان المعدني الذهبي أو الفضي.
طبيعة الحب
عن فكرة المعرض يقول لـ"الشرق": "ولدت من تأمّل طويل في طبيعة الحب، ليس فقط كعاطفة شخصية، بل كقوة كونية تحرّك الإنسان والمجتمع وتشكّل التاريخ والذاكرة. وفجأة عاد إلى ذهني كتاب "طوق الحمامة" لإبن حزم الأندلسي، ذاك النص التراثي الذي استطاع أن يقترب من الحب بأسلوب تحليلي وإنساني قلّ نظيره".
وهنا، فإن مرادفات كلمة "حب"، التي أوردها الأندلسي، مثل "الهوى"، "الوجد"، "الصبابة"، كانت ذات حمولات لغوية ودلالية كبيرة، وتنوّعها ومعالجتها للحالات العاطفية، هو دافع لأن تجعل من الفنان في حالة توظيف لها.
يشرح الفنان أن ابن حزم "لا يكتفي بكلمة "حب" وحدها، بل يغوص في تفاصيل الحالة العاطفية، ويمنح لكل مستوى من مستويات الحب، اسمه وصفته الخاصة. رأيت في ذلك خريطة لغوية يمكن أن تتحوّل إلى خريطة بصرية. وهنا جاءت الفكرة: أن أترجم هذه المصطلحات، وهذه الطبقات من العاطفة، إلى أعمال خزفية، كل واحدة تحمل في بنيتها وملمسها ولونها صدىً لتلك الكلمة، هو بالتالي محاولة لتجسيد اللامرئي".
يضيف: "أردت أن أجعل اللغة الطفيفة التي استخدمها ابن حزم ملموسة، محسوسة، تلمسها العين واليد، وتقرأها الروح. من خلال الخزف، الذي هو مادة تحمل في طيّاتها عنف النار ورهافة التشكيل".
البُعد الأثري للقطعة الفنية
يخوض الحداد في هذا المعرض تحدياً تقنياً وجمالياً مع مادة الخزف الحجري "Stoneware"، التي تتطلب حرقاً بدرجات حرارة عالية، بخلاف أعماله السابقة التي أنجزها بدرجات منخفضة.
هذا التحوّل لا يعكس فقط تطوراً في ممارسته التقنية، بل يكشف عن رغبة في منح القطعة الفنية متانة مادية توازي متانتها الشعورية.
تأخذ عوامل التعرية دورها في تعتيق العمل وإظهاره، كما لو أنه ينتمي إلى آلاف السنين، وهذه ميزة يشتغل عليها الفنان الذي لا يكتفي بالبعد البصري، بل يذهب أعمق، إلى ما يمكن تسميته بالبُعد الأثري للقطعة الفنية.
هو لا يرى في التشقّقات أو الخدوش أو التآكل عيوباً، بل رموزاً دالة، لغات ثانية تقول ما لا تقوله الأشكال الصافية. القطعة لديه أشبه بأثر مُكتشف حديثاً، يقول:" إنّ عوامل التعرية والقدم في عملي ليست مجرد تقنيات شكلية، بل هي أدوات لاستحضار البُعد الزمني والروحي للعمل الفني. أستخدم التشققات، والخدوش، والتآكل المتعمّد، كما أدمج طبعات أصابع، وبصمات أدوات قديمة، وملامح سطحية توحي بأنها خرجت من طبقات الأرض أو جدران معبد مهجور. حتى الألوان أتعمّد أن تكون غير لامعة، باهتة أحياناً، فيها إحساس بالزمن، وكأن الزمن ذاته قد مرّ فوقها وترك بصمته".
ولعل أكثر ما يمنح أعماله فرادتها، هو هذه النظرة الفلسفية التي ترى في الحب شعوراً لا ينتمي للحظة الحاضرة وحدها، بل يمتد كممارسة روحية في تاريخ الإنسانية.
يقول: "بهذا المعنى يصبح العمل الفني ليس فقط تجسيداً للحب، بل شاهداً عليه؛ قطعة تعيش في الحاضر لكنها تتكلم بلغة الماضي، لتذكّرنا أن مشاعرنا ليست جديدة، بل امتداد لتجارب إنسانية أعمق وأقدم".
من كلمة إلى إيقاع بصري
في امتداد رؤيته للخزف كجسد تعبيري، لا يظهر الخط العربي في أعمال وسام الحداد بوصفه زينة شكلية أو عنصراً مضافاً على السطح، بل ينبثق من المادة نفسها، كأنه خرج من باطن الطين نفسه.
يقول الفنان إن الخط بالنسبة له "هو لغة مزدوجة، تُقرأ وتُرى. لم أقترب منه كمجرد وسيلة لنقل نصوص أو معانٍ لغوية، بل ككائن بصري حيّ، ينبض بجمالياته الخاصة، ويملك طاقة تعبيرية هائلة حتى في غياب القراءة التقليدية. ما يشدّني فيه هو مرونته البنائية، وقدرته على التحوّل من حرف إلى منحنى، ومن كلمة إلى إيقاع بصري، ومن جملة إلى تشكيل روحي".
في القطع الخزفية التي يقدّمها، يتداخل الحرف مع الجسد الطيني في علاقة عضوية. يُنقش في العمق حيناً، ويبرز على السطح في حينٍ آخر، هذه المعاملة الدقيقة للحرف لا تنفصل عن جوهر المعرض، الذي يتمحور حول الحب بوصفه طيفاً متدرجاً من العواطف.
من هنا، تأتي المفردات المختارة بعناية من "طوق الحمامة"، لا كمفاتيح لغوية، بل كمفاتيح شعورية؛ لكل كلمة جسد خاص، ونَفَس خاص، وطريقة مختلفة في التجلي.
وإذا كان الخط العربي تقليدياً يتم ربطه بالزخرفة أو التجميل، فإن الحداد يفكك هذا القيد، ويعيد للخط روحه الأوّلية، باعتباره أثراً حياً، وامتداداً للذات.
لا يحاكي الفنان المدارس الكلاسيكية في الخط، بل يعيد تشكيل الحروف ضمن منطق المادة: يُخضعها لانحناءات السطح، لتقنيات الحرق، لتغيّرات الضوء، ولمزاج الطين حين يتصلب أو يلين. وهكذا يتحوّل الخط إلى كائن بصري ينبض داخل القطعة، لا ينفصل عنها ولا يعلو فوقها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مجلة سيدتي
منذ 2 ساعات
- مجلة سيدتي
دينا الشربيني وأمينة خليل قصة صداقة سنوات في الحياة والعمل
تربط الفنانتين دينا الشربيني و أمينة خليل صداقة قوية ممتدة عبر سنوات، وظهرت مدى صداقتهما في العديد من الأحداث الفنية والمناسبات الاجتماعية، آخرها حفل زفاف أمينة خليل الثاني الذي أُقيم في اليونان يوم الاثنين الماضي، بحضور العديد من نجوم الفن الذين حرصوا على السفر ومشاركة أمينة خليل لحظاتها السعيدة برفقة زوجها المصور أحمد زعتر. دينا الشربيني تتصدر الترند بسبب ظهورها في حفل زفاف أمينة خليل دينا الشربيني تصدرت محركات البحث على موقع غوغل في الساعات الماضية بعد انتشار العديد من الفيديوهات لها على منصات السوشيال ميديا، من حفل زفاف أمينة خليل ، حيث ظهرت ترقص وتغني مع العروس بحالة من الحب والسعادة لزواج صديقتها المقربة، كما وجهت دينا رسالة إلى أمينة بعد زفافها كشفت عن مدى الحب والصداقة المقربة التي تجمعهما. View this post on Instagram A post shared by ET بالعربي (@etbilarabi) يمكنكِ قراءة: صداقة دينا الشربيني و أمينة خليل لم تكن في الحياة الشخصية فقط، وإنما امتدت أيضاً في العمل، حيث انطلق الثنائي معاً في عالم الشهرة والنجومية خلال عمل واحد ألا وهو "طرف ثالث" الذي قام ببطولته: أمير كرارة، عمرو يوسف، محمود عبد المغني، وسجل هذا العمل ثاني مشاركات أمينة خليل وكذلك دينا الشربيني فقط في الدراما التليفزيونية. دينا الشربيني وأمينة خليل تجتمعان في السينما والدراما توالت مشاركات الثنائي دينا الشربيني و أمينة خليل في الأعمال الفنية، وحققت كل واحدة منهما نجومية بارزة، واحتفظا بصداقتهما التي أسفرت عن اجتماعهما في أكثر من عمل بعد ذلك منها مسلسل "جراند أوتيل" الذي شاركا في بطولته إلى جانب: عمرو يوسف، محمد ممدوح، أحمد داود، وأنوشكا، وأيضاً فيلم "شقو" الذي تم عرضه في موسم عيد الفطر السينمائي 2024. View this post on Instagram A post shared by Amina Khalil (@aminakhalilofficial) رسالة دينا الشربيني إلى أمينة خليل بعد زفافها دينا الشربيني حرصت على تهنئة أمينة خليل على زواجها من خلال رسالة نشرتها على ستوري حسابها بموقع إنستغرام حيث كتبت: "منمونتي، أختي وعروستي، قلبي يرقص فرحاً وأنا أراكِ تبدئين فصلاً جديداً من حياتك. كنا دائماً شريكتين في كل شيء، واليوم أشاهدك إلى جانب من سيكمل معكِ هذا المشوار، وذلك يجعل سعادتي لا تُوصف". وأضافت دينا الشربيني في رسالتها إلى أمينة خليل: "أسأل الله أن تكون بدايتك الجديدة مليئة بالحب والدفء والسعادة. أنا فخورة بكِ وباختيارك، وسعيدة لأنك وجدتِ من تحلمين به شريكاً لحياتك. أحبك من أعماق قلبي". احتفلت أمينة خليل الاثنين الماضي، للمرة الثانية بزفافها على المصور أحمد زعتر باليونان وسط أجواء الطبيعة الساحرة؛ إذ حضر حفل الزفاف عدد من أصدقاء العروسين والمقربين لهما على الساحة الفنية، أبرز هؤلاء: الفنانة أسماء جلال، آسر ياسين، تارا عماد، سلمى أبو ضيف، دينا الشربيني، إنجي كيوان، المخرج كريم الشناوي، أمير المصري وعدد آخر من الفنانين. لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا « إنستغرام سيدتي ». وللاطلاع على فيديوغراف المشاهير زوروا « تيك توك سيدتي ». ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر «تويتر» « سيدتي فن ».


مجلة سيدتي
منذ 6 ساعات
- مجلة سيدتي
قبل زفافها اليوم.. هذا ما قالته منة عدلي القيعي عن عريسها يوسف حشيش
تستعد اليوم الموافق الخميس 12 يونيو؛ الشاعرة الغنائية منة عدلي القيعي ، الاحتفال بزفافها على الكاتب واليوتيوبر يوسف حشيش ، وذلك بحضور الأهل والأصدقاء المقربين للعائلتين؛ بأحد الفنادق الكبرى بالقاهرة؛ وهذا بعد مرور حوالي أقل من شهر على عقد قرانهما. وقد كُللت هذه الزيجة بعد قصة حب بين الثنائي، حيث يحرص دائمًا كلٌ منهما على دعم الآخر سواء في أموره الشخصية أو حياته العملية، وتتحدث العروس منة عدلي القيعي على دعم يوسف حشيش لها باستمرار. منة عدلي القيعي عن يوسف حشيش: بستمد طاقتي منه وفي أواخر لقاءاتها، كشفت منة عدلي القيعي عن علاقتها بزواجها يوسف حشيش ومدى الدعم النفسي الذي يقدمه لها في الحياة أو من خلال مسيرتها الفنية، حيث قالت من خلال تصريحات تلفزيونية لموقع "عرب وود": "يوسف كان له دور كبير في كتابة أغنية "أنا من غيرك" كنا ساعتها لسه مخطوبين جداد وأكيد الواحد بيستمد كلمات الأغنية من الحالة المعينة اللي بيبقى فيها". وأكملت: "أنا بستمد أوقات كتير طاقتي حتى نفسياً أو أي حاجة مش قادرة أكملها من يوسف، هو أول واحد وبيدعمني دايماً بالذات سيزون رمضان اللي فات ده أنا من غيره كنت فعلاً هتوه توهان مش مجرد كلام". View this post on Instagram A post shared by ArabWood (@arabwoodtv) اطلعوا على وقالوا الشعر عن ليلى وحكاية عنوانها يسري ورنا: أغانٍ عبّر بها المشاهير عن فرحتهم بحفلات الزفاف عقد قران منة عدلي القيعي ويوسف حشيش وكان الثنائي منة عدلي القيعي و يوسف حشيش قد احتفلا بعقد قرانهما منذ حوالي ثلاثة أسابيع، تحديداً في منتصف شهر مايو الماضي في حفل عائلي اقتصر على حضور المقربين فقط، وجاء إعلان منة عدلي القيعي عن عقد قرانها بطريقة فكاهية، حيث نشرت عدداً من الصور من عقد القران، معلقة: "وطنط تبقى حماتي". أما العريس يوسف حشيش ، فقد علق على عقد قرانه على عروسه الشاعرة المصرية، قائلاً: "رسمياً، منة عدلي القيعي حرم يوسف حشيش.. كتبنا الكتاب". View this post on Instagram A post shared by Useif Hashish - يوسف حشيش (@useifhashish) وكان الثنائي منة عدلي القيعي و يوسف حشيش قد احتفلا بخطوبتهما في شهر أكتوبر الماضي 2024، وحضر الحفل عدد كبير من نجوم الفن منهم، دياب وزوجته هاجر الإبياري، شيكو، أكرم حسني، والمطربة كارمن سليمان. آخر أعمال منة القيعي ويوسف حشيش تعاونت مؤخراً الشاعرة منة عدلي القيعي مع الفنانة أصالة بلحن "كلام فارغ"، الذي طرحته خلال الأيام الماضية باللهجة المصرية، وذلك عبر قناتها الرسمية بـ"يوتيوب"، وقد حققت الأغنية ما تجاوز أكثر من 3 ملايين مُشاهدة منذ طرحها. وجاءت الأغنية من ألحان الفنان تامر عاشور والتوزيع الموسيقي لفهد، وتقول كلمات الأغنية: "كلام فارغ ماشي تقوله هنا وهناك.. ولو صدق كلامك ألف، أنا عارفاك.. مايصعبش عليك غالي، أنا أدرَى أوي بحالي.. لكن واضح أوي إن انت ماكنتش تعرف اللي معاك". كما تستعد لطرح أغنية فيلم "أحمد وأحمد" بطولة النجمين أحمد السقا وأحمد فهمي، وقد روجت لها من خلال خاصية القصص القصيرة بحسابها الشخصي على "إنستغرام"، وعلقت عليها قائلة: "انتظروا أغنية فيلم أحمد وأحمد بشددددة". أما يوسف حشيش فقد شارك في مسلسل "صفحة بيضا" بطولة النجمة حنان مطاوع ، نور محمود، أحمد الشامي، سامي الشيخ، ومن تأليف حاتم حافظ وإخراج أحمد حسن. لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا « إنستغرام سيدتي ». وللاطلاع على فيديوغراف المشاهير زوروا « تيك توك سيدتي ». ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر «تويتر» « سيدتي فن ».


الشرق الأوسط
منذ 9 ساعات
- الشرق الأوسط
شربل روحانا ومارانا سعد: فيضُ الموسيقى بالمعنى
في كلّ مرة يُقدَّم فيها فنٌّ يرقى إلى مستوى عالٍ من المعنى، نشعر بأننا نصبح بشراً أفضل. وفي أمسية «صدى قصائد الحكمة المغنّاة» التي جمعت الموسيقي اللبناني شربل روحانا، وجوقة «عشتار» التابعة لمعهد «فيلوكاليا»، والفرقة الموسيقية بقيادة الأخت مارانا سعد، ساد شعور بالارتفاع، كما لو أنَّ الأرواح خرجت من ضيق اليوميّ لتتسلَّق جبالاً من نور. سُمِعت كلمات القصائد كأنها دعوة إلى الأعالي ووصية تُقال على أبواب الجدوى. كان كلّ شيء مُعدّاً لخلق دهشة: الأضواء، والموسيقى، والصوت، والشِّعر. وجاء الحفل المُقام على خشبة «كازينو لبنان» ليقول بثقة إنَّ الفنّ الأنيق سيظلُّ قادراً على ملامسة أعمق ما فينا. القصائد لا تُسمع فقط... بل تُرى أيضاً (الشرق الأوسط) شابات جوقة «عشتار» كأنهنّ زهر الربيع، ففساتينهنّ الملوَّنة جعلتهنّ مقيمات في حديقة حيّة. أخذن مواقعهنّ على المسرح، كما فعل الموسيقيون وشربل روحانا، المُعانِق لعوده. وما إن اتّخذت الأخت مارانا سعد مكانها الوسيط، واقفة بعصا المايسترا، حتى اندلعت الموسيقى مثل جرفٍ يسبق الصفاء ليكشف النقطة التي تبدأ منها الحقيقة. 15 أغنية أدّتها الفرقة مع شربل روحانا، تارةً بصوته وعوده، وتارةً بمشاركة شبّان موهوبين من الجوقة: موريال الجردي، وجورج نصراني، ومارك نصر، وجو عازار، ورودولف الخوري. أصواتٌ واثقة وواعدة، والحناجر لا تخشى صعوبة القصيدة، ولا تتعثّر في دهاليز النحو والصرف. تُغنّي بلا ورق وتُتقن المَخارج. فالجمال الفنّي لم يكن في الأداء وحده، وإنما في علاقةٍ متينة مع اللغة العربية، وفي اجتهاد لتقديم القصائد إلى جمهور ذوَّاق يدرك قيمة الكلمة. عود شربل روحانا جسرٌ من وترٍ إلى الذاكرة (الشرق الأوسط) وحين أطلق شربل روحانا تقاسيمه على العود، أخذ الجمهور إلى الغيمة الأولى؛ ومنها توالى الارتفاع. قصيدة «إذا المرء» للإمام الشافعي جاءت مثل إقامة في غيمة مُشبَّعة بالحكمة والماء. في البيت: «فما كلّ مَن تهواه يهواكَ قلبُه/ ولا كلّ مَن صافيتَه لك قد صفا» تكمن بلاغة المسافة بين الحنين والخذلان. هنا كان التحدّي: أن تُحافظ الأمسية على سويّتها العالية. أن تختار جوقة من شابات وشبّان لأداء هذا النوع من القصائد، فهذا هو الرهان، وقد أثبتوا أنهم أهله. تمشي الجوقة بين الضوء والقصيدة (الشرق الأوسط) تخيط القصائدَ رابطةٌ واحدة: الحكمة. في كلّ نصّ، يخفق صوتُ العقل. ذلك الصوت الذي كثيراً ما ينبثق من الألم، كما في قصيدة سعيد بن حميد «أقلل عتابك»، التي تنتهي بعِبرة: «ولعلَّ أيام الحياة قصيرةٌ/ فعلامَ يكثُر عتبنا ويطول». في الإصغاء إلى النصوص، شعور بالأبدية. فبينما يمرّ معظم الفنّ عابراً، تَخلُد بعض القصائد في الذاكرة، ومنها «الآن في المنفى» لمحمود درويش، التي غنّاها روحانا بتوقيرٍ للشِّعر وجمالياته. القصيدة حوار صادق مع الحياة تتشبَّع مفرداته بالوعي والحسرة: «سيري ببطء يا حياةُ لكي أراكِ بكامل النقصان حولي. كم نسيتُك في خضمِّكِ باحثاً عني وعنكِ. وكلّما أدركتُ سراً منكِ قلتِ بقسوةٍ: ما أجهَلَك!». غيمات، تجرُّ غيمات. ومن أبهى عطور الأمسية، فلسفة «الخيال» لميخائيل نعيمة. من كتابه «سبعون»، غنّت الجوقة وصاحب العود، بإيقاع عصا مارانا سعد، هذا النصّ المتّقد بالحكمة: «ألا أطلقوا خيالكم من أقفاص العقل وحلّقوا معه حيثما حلّق بكم، وعندئذٍ تجدون أن ليس في الكون أرجاء إلا ولكم فيها أثر...». تُرافق الموسيقى هذه الأبعاد الشعرية، بتوزيعٍ لنديم روحانا حيناً ولشربل روحانا حيناً آخر؛ وتتلاحق القصائد: «بالله يا قلبي» لجبران خليل جبران، و«رأيتُ الناس» للإمام الشافعي، و«طمأنينة» لميخائيل نعيمة، و«بمَ التعلُّل» لأبي الطيّب المتنبّي، حيث يتكثَّف الاغتراب وتتكشّف الحكمة: «ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركُه/ تجري الرياح بما لا تشتهي السفنُ». كان الغناء طَقْساً شعرياً استعاد فيه الصوت جوهر الكلمة (الشرق الأوسط) ثمّ يستريح الشِّعر الفصيح، ويفسح المجال للهجة المحكيّة. من توزيع شربل روحانا، عادت «عالروزانا» إلى المسرح، ومعها «شو عملت الروزانا... الله يجازيها». الأضواء تبدّلت، وقد أحسن طوني صافي التلاعُب بتشكيلاتها الفنّية، في انسجامٍ تام مع مزاج اللحظة: احترام العقل، مداراة الذوق، وخلق أثر لا يُستهلك في التوّ. هناك ما يُشبه العطر يبقى، وسحرٌ يشتعل. ومن كلمات شربل روحانا، جاءت «تركني الليل»، فيما القمر بدرٌ على الشاشة خلف الفرقة. وطوال الأمسية، أضافت سابين تركي لمسة بصرية رافقت الغناء، فقرّبت الرسوم المُرافِقة القصائدَ من قلوب امتلأت بها. مع «سلامي معك» لبطرس روحانا، و«القهوة» الشهيرة لجاد الحاج، استمرّ الغناء، ليُختَم بـ«ميلي يا حلوة» لجرمانوس جرمانوس. تدير الأخت مارانا سعد اللحظة وتُجمّلها (الشرق الأوسط) هكذا انطوت أمسية «صدى قصائد الحكمة المغنّاة» كما تنطوي صفحة مضيئة من كتابٍ تحلو قراءته. كان الغناء طَقْساً شعرياً استعاد فيه الصوت جوهر الكلمة، ومدَّ الجمالُ يده إلى كلّ قلب جلس يُنصت، ليجعل الحضور شهوداً على لحظة يتّحد فيها الفنّ بالعقل، واللغة بالعاطفة، والقصيدة بالموسيقى. والفنّ، حين يُمسك بالحكمة، ينجح في التخفُّف من عبء العالم، ولو لساعة من الزمن.