logo
بين البيع والرهن والتأجير... من يحدّد سيناريو الإفادة من الذهب؟

بين البيع والرهن والتأجير... من يحدّد سيناريو الإفادة من الذهب؟

المركزية٠٥-٠٥-٢٠٢٥

مع كل وثبة لسعر أونصة الذهب العالمية التي لامست الـ 3500 دولار، تتعزّز قيمة احتياطي الذهب في مصرف لبنان متخطّية عتبة الـ 30 مليار دولار، ما فتح الشهيّة على خيارات الاستثمار به. فمن كان ضدّ بيع جزء من الذهب أو تأجيره، بات "يميل" إلى تعديل موقفه نظراً لارتفاع قيمته إلى نحو ضعف ما كان عليه قبل عامين، ما أثار فكرة إنشاء لجنة لإجراء دراسة معمّقة حول كيفية الاستفادة من الذهب. ماذا يقول الخبراء حول تلك اللجنة والخيارات المطروحة للتصرّف به؟
ad
منذ عهد رئيس الوزراء الأول رياض الصلح في أواخر الأربعينات إلى رئيس الجمهورية كميل شمعون في الخمسينات، كان يتمّ استغلال الفوائض التجارية والاستثمارية وقوة الليرة لتحويل جزء كبير منها إلى ذهب بهدف حماية الاقتصاد. وتابع المسيرة حاكم مصرف لبنان الأول يوسف سالم في الستينات، ثم رئيس الجمهورية الياس سركيس، وصولاً إلى صدور القانون الشهير رقم 42/1986 عن المجلس النيابي، الذي منع بيع الذهب أو رهنه من دون قانون خاص صادر عن مجلس النواب، وذلك لمواجهة مقترحات بيع الذهب من أجل تمويل الدولة أو الحرب آنذاك.
قبل بدء الحرب في العام 1975، بلغ احتياطي الذهب 286.8 طنّاً أو 9221 مليون أونصة تروي Troy ounce والتي تعادل بوزنها 31,1 غراماً وقيمتها اليوم 3,316 دولاراً.
يُخزّن حوالى ثلث هذا الذهب في Fort Knox في الولايات المتحدة، بينما يُحتفظ بالثلثين المتبقيين في خزائن مصرف لبنان في بيروت. وسبق أن تلقّى مصرف لبنان منذ فترة عروضاً من مصارف عالمية، أميركية تحديداً، لاستثمار الذهب اللبناني الموجود في الولايات المتحدة (ثلث الاحتياطي)، بما قد يدرّ عوائد نتيجة هذا الاستخدام مع احتفاظ لبنان بملكية الذهب، وضمان عدم المجازفة به.
لكن طبعاً بما أن الموافقة على أي مشروع استثماري للذهب لا يتمّ بقرار من مصرف لبنان بل يرتّب تعديل القانون القائم من قبل المجلس النيابي، فإن الموافقة أو عدمها تحتاج إلى دراستها وطرحها على طاولة البحث، وهي مهمّة حاكم المركزي الجديد كريم سعيد الذي لم يمضِ على تعيينه سوى شهر واحد.
عائدات محدودة
حول العروض التي تلقاها مصرف لبنان لاستثمار الذهب الموجود في الولايات المتّحدة الأميركية، يقول نائب رئيس مجلس الوزراء السابق، النائب غسان حاصباني لـ "نداء الوطن"، قد يحقق الاستثمار عائدات محدودة لأن الذهب لا يستثمر بالطرق التقليدية. فرهنه او إقراضه قد يدرّ نحو 500 مليون دولار سنوياً على خزينة الدولة، وثلث ذلك يوازي تقريباً 150 مليون دولار وهذا ليس مبلغاً كبيراً بالنسبة إلى حجم الأزمة.
حسنات عدم بيع الذهب
ورداً على سؤال حول حسنات وسيئات الإبقاء على الذهب بأكمله أو الاستثمار بجزء منه، وتأثير ذلك على التفاوض مع الدائنين والثقة الخارجية بلبنان، اعتبر حاصباني أن ⁠الإبقاء على الذهب دون بيعه، يؤمّن غطاء للاستقرار على المدى البعيد. لكن عدم التصرف به وقت الأزمات أو لتفادي وقوعها، يحدّ من أهمية وجوده.
في الأزمات الكبرى وعند الضرورة القصوى، يمكن استخدام جزء من احتياطي الذهب خاصة إذا ارتفعت قيمته. لكن وجوده يبقى عاملاً داعماً للثقة والاستقرار، ولا يجوز استخدامه إلا في الحالات القصوى، ومن خلال مقاربة شاملة ومضمونة النجاح لحل أزمة كبيرة أو تدارك حصولها".
وإذا نظرنا الى سائر دول العالم يتبين لنا أنه خلال الأزمات المالية النظامية، استخدمت بعض الدول، استناداً الى حاصباني، "احتياطياتها من الذهب كضمانة من دون اللجوء إلى بيعها فعلياً. على سبيل المثال، في العام 1991، قامت الهند برهن 47 طناً من الذهب لدى بنوك أجنبية للحصول على قروض طارئة من صندوق النقد الدولي والبنك المركزي البريطاني، لتفادي التخلف عن السداد.
كما لجأت فنزويلا في الفترة بين 2015 و2018 إلى اتفاقيات مبادلة ذهب مع بنوك دولية مثل "دويتشه بنك"، حيث استخدمت الذهب كضمان للحصول على سيولة نقدية من دون بيعه مباشرة. وفي ظل أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو، احتفظت كل من إيطاليا والبرتغال باحتياطياتهما الذهبية دون المساس بها، لكنها كانت تُعدّ ركيزة دعم ضمنية لثقة الأسواق، مع إمكانية استخدامها كضمان عند الحاجة".
الاستثمار بالداخل
العروض المقدمة إلى مصرف لبنان للاستثمار بالذهب تقتصر على الذهب الموجود في الولايات المتحدة. أما الذهب في الداخل، والذي ينتظر مسحاً تقنياً لمعرفة قيمته الحقيقية، نظراً لاحتوائه على سبائك ذهبية وليرات نادرة لم تعد متوافرة، فإن الأنظار تتجه إلى استثماره وفق المعايير العالمية، حيث يمكن أن يتخذ مسارات عدة، منها:
- رهن الذهب للحصول على قروض: المصرف المركزي يمكن أن يستخدم الذهب كضمانة (Collateral) للحصول على قروض دولية بفوائد منخفضة. يبقى الذهب مملوكاً للبنان لكنه مرهون إلى حين سداد القرض.
- بيع جزء من الذهب واستثمار العائد: يتمّ بيع كمية محدودة من الذهب (في سوق الذهب العالمية أو لمستثمرين كبار)، واستخدام العائد للاستثمار في مشاريع إنتاجية، أو لدعم الخزينة العامة. وهذه الخطوة تحتاج موافقة قانونية من مجلس النواب اللبناني استناداً إلى قانون 1986.
- التداول بالذهب عبر عقود مالية: يمكن استخدام الذهب لإبرام عقود تبادل (Swap Agreements) مع بنوك كبرى، بحيث يبقى الذهب محفوظاً لكن يحصل لبنان على سيولة نقدية للاستثمار.
- استخدام الذهب لتأسيس صندوق ثروة سيادي (Sovereign Wealth Fund): وهي فكرة حديثة لم تعتمد للذهب سابقاً بل استخدمت للنفط. يتمّ إنشاء صندوق استثماري مستقل يكون رأس ماله من أصول معينة (النفط مثلاً)، ويتمّ استثماره بعائدات ثابتة (أسهم، سندات، عقارات دولية...).
إشكالية في المسارات المطروحة
بالنسبة إلى لبنان، يدور الحديث عن مسارين للذهب لا يزالان يشكّلان إشكالية: بيع الذهب أو استخدامه كضمانة، أو تأجيره لزيادة عائدات الدولة وليس لردّ أموال المودعين. لكن ألا يجدر تشكيل لجنة من الخبراء المتخصصين بالشأن الاستثماري والذهب لتحديد الخيار الأنسب للبنان؟
يرى الأستاذ الجامعي المتخصص بالشؤون المالية مروان القطب خلال حديثه إلى "نداء الوطن" أنه يُمكن أن يكون تشكيل لجنة من الخبراء المتخصصين في مجال الذهب وكيفية الاستفادة منه خطوة مفيدة، لكن شرط أن تضمّ اللجنة خبراء حقيقيين ومتخصّصين في هذا المجال، وذلك بهدف تقديم تصوّر اقتصادي مبنيّ على دراسة علمية دقيقة لكيفية التصرّف بالذهب.
ويفضّل القطب عدم استخدام احتياطي الذهب لردّ أموال المودعين، وإنما يرى أن عمل هذه اللجنة يجب أن يقتصر على دراسة سبل الاستفادة من احتياطي الذهب، بشكل يحافظ على الأصل الاستراتيجي. أما بالنسبة إلى مسألة ردّ أموال المودعين، فيتطلب ذلك وضع خطة شاملة تُوزَّع فيها المسؤوليات بشكل واضح بين الدولة، المصارف ومصرف لبنان، بما يضمن إعادة الودائع إلى أصحابها من دون المساس باحتياطي الذهب.
كما يعتبر في ما يتعلق ببيع الذهب بصورة كلية لمعالجة الأزمة، أن بيع الذهب يحتاج إلى إصدار قانون من قبل مجلس النواب. وفي هذا المجال يشدّد على أنه في حال تمّ بيع الذهب بدل تعزيز الثقة، سيهتزّ الاقتصاد اللبناني لأن الذهب ضمانة صلبة للاقتصاد الذي انهارت عملته منذ 2019 بقيمة نسبتها 98 %. اليوم يوجد ثبات نسبي غير مستقر للعملة الوطنية وبالتالي أي عامل قلة ثقة بالاقتصاد سيؤدي إلى تدهور قيمة العملة اللبنانية، وهذا أمر لا تحمد عقباه أبداً. لكن كيف يمكن الاستفادة من الذهب؟
الاستخدام الجزئي للمعدن الأصفر
الاستعمال الجزئي لاحتياطي الذهب برأي القطب يمكن أن يكون ضمن إطارين:
الأول، رهن الذهب كضمانة للقروض الثنائية من دولة إلى دولة أو من صندوق إلى الدولة اللبنانية، يستخدم الذهب كضمانة لهذا الاقتراض. ما يؤدي إلى الحصول على قروض بفوائد متدنية خصوصاً إذا أصدرت سندات خزينة بضمانة الذهب، وبالتالي هذه السندات تكون نسبة الفوائد المترتبة عليها منخفضة. كلّ ذلك يكرّر شرط استعادة الثقة وانعدام الهدر والفساد المالي الإداري في القطاع العام.
الثاني، تأجير الذهب وهي الفكرة التي يتمّ اليوم تداولها، وتأتي كبديل عن بيعه، للحصول على عوائد مالية يمكن إدراجها في إيرادات الموازنة، عندها يتقلّص العجز فيها. الفائدة التي تعود علينا ليست كبيرة لكن نستفيد لناحية الإيرادات المالية من دون فقدان الأصل الموجود.
الأرضية اللازمة
لكنّ الشروع في الالتزام بأحد الخيارات المطروحة التي ستخرج بها اللجنة يتطلّب تحضير الأرضية اللازمة للآلية التطبيقية. وحول ذلك، يعتبر القطب أن استعمال الذهب، سواء كلياً أم جزئياً، لا يمكن إلا بعد استعادة مستوى الثقة بالحكومة اللبنانية، خصوصاً في ما يتعلق بإدارتها الشأنين المالي والاقتصادي، ولا يمكن أن يتمّ ذلك إلّا بشروط ثلاثة أساسية:
- مكافحة مختلف مظاهر وصور الفساد المالي والإداري الموجودة في القطاع العام. الفساد يسبّب الهدر وهو أساس الأزمة التي حصلت عام 2019. بعدها إعادة هيكلة القطاع العام من خلال إجراء تعيينات جديدة بالمواقع الشاغرة كافة.
- إعادة هيكلة فعلية للقطاع المصرفي ليس فقط عن طريق إصدار نصوص قوانين أو مراسيم أو اتّخاذ قرارات من البنك المركزي، وإنما لا بدّ من إجراء إعادة هيكلة فعلية عن طريق تقييم الأصول وتحديد من هي المصارف القويّة التي ستستمرّ والضعيفة التي ستدمج أو يتمّ الاستحواذ عليها، أو التي ستتمّ تصفيتها. تلك الإجراءات ستعيد الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني.
- إعادة جدولة الديون المستحقة على الدولة اللبنانية، لتكون الأخيرة موضع ثقة من قبل المستثمرين والمقرضين وخصوصاً أن الدولة اللبنانية توقفت عن سداد سندات الـ "يوروبوندز" المستحقة على لبنان في آذار 2020، ما أدّى إلى عدم تمكّن الدولة اللبنانية من الاقتراض من جديد من خلال السوق ومن خلال سندات جديدة.
كل تلك النقاط إذا ما تمّ تنفيذها ستعزّز الثقة بالحكومة اللبنانية سواء من الداخل اللبناني ومن المجتمع الدولي، عندها نستطيع أن نتحدّث عن استعمال الذهب بصورة كليّة أو جزئية.
لا فائض لفترة 15 عاماً
وفي ظلّ اعتبار البعض أن الذهب يمكن بيعه اليوم والاستفادة من سعر الأونصة المرتفع على أن يُعاد شراؤه في مرحلة لاحقة، يسأل القطب لماذا سنبيع الذهب ثمّ نعيد شراءه، هل سيكون لدينا فائض من المال يخوّلنا إعادة الشراء؟ خصوصاً أن الموازنة في حالة عجز أو في حالة توازن صوري وهمي.
بدل بيع الذهب ثمّ إعادة شرائه، من الأفضل تحديد الالتزامات المترتبة على لبنان مثل ردّ الديون التي تتوجّب على الدولة والوفاء بسندات الدين المستحقة. نبرمجها لمعرفة قيمتها وعلى سنوات عدة ونقوم بعملية "سواب" أي نجدول السندات المستحقة كما تستبدل بسندات جديدة أو نحدّد آجالاً للوفاء بها.
إلى حين الوفاء بالدين بقيمة 100 مليار دولار والمقوّم بقيمة 40 مليار دولار، وفق برنامج محدّد، أقلّه لفترة 15 عاماً لن نشهد فائضاً في الموازنة للتفكير في إمكانية شراء الذهب. بالكاد سنتمكّن من تسديد الديون المترتبة علينا. الذهب يدعم الاقتصاد ويمكن استخدامه كضمانة للقروض تخفّف حجم الفوائد وبالتالي خدمة الدين العام والعجز.
"خبّي قرشك الأبيض"
بدوره، كان للخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة خلال حديثه إلى "نداء الوطن" مقاربة مغايرة بعض الشيء. برأيه، "إن احتياطي الذهب الموجود في مصرف لبنان تكوّن استناداً إلى المثل المعروف: خبّي قرشك الأبيض ليومك الأسود"، ولا بدّ من إعداد دراسة بواسطة لجنة خبراء ومسؤولين قبل استخدامه لتفادي تبديده من دون تحقيق أي فائدة منه. وهناك عدة احتمالات يمكن أن تطرح وهي:
- تأجير الذهب بفائدة بسيطة.
- بيع الذهب، شرط إدراج بند إعادة شراء الذهب بأي خطة اقتصادية ستعدّها الحكومة لاستعادة ما تمّ بيعه".
ورأى أن "الخيار الذي سيتّخذ في ما يتعلق بالتصرف بالذهب وقف على الخطة الاقتصادية التي ستعدّها الحكومة، والتي تتضمّن حلولاً لكيفية الخروج من الأزمة وتحديد الدور الذي سيلعبه الذهب".
لكن هل نصل إلى مرحلة سنتمكن فيها من بيع وشراء الذهب حسب تقلّبات السوق؟
وفي حال وقع الخيار على بيع جزء من الذهب، علينا استناداً إلى عجاقة إعادته، مشيراً إلى أن "وجود الذهب في لبنان يعتبر نقطة قوة تجاه المقرضين أو صندوق النقد الدولي الذي نتفاوض معه، إذ باتت تساوي ثروة الذهب الذي لدينا نحو 30 مليار دولار. لذلك يترتّب على الخطة أن تكون متماسكة لاستخدامه بطريقة ذكية ومجدية ونكسب من خلالها ثقة الداخل والمجتمع الدولي".
بيع وشراء كالصين
بعض الدول في العالم تُقدم على بيع وشراء الذهب مثل الصين، ويقول عجاقة: "الصين تشتري كميّة كبيرة من الذهب، باعتبار أن المعدّل العالمي للذهب عادة يشكل نسبة 12 % من احتياطيات المصرف المركزي، والصين لا تزال نسبتها 4 %، وتبيعه إذا ارتأت ذلك. وفي هذا السياق، نلفت إلى أن العروض الاستثمارية التي تلقاها مصرف لبنان حول التصرف بالذهب الموجود في الولايات المتحدة، لم تتظهّر تفاصيلها إلى العلن وبالتالي لم نعلم شيئاً عنها".
خلاصة الموضوع، أي حركة للذهب تحتاج أولاً، إلى قرار سياسي وقانوني واضح من الدولة اللبنانية ضمن خطتها الاقتصادية المنتظرة التي قد تعيد الثقة المفقودة. وثانياً، إلى تعيين لجنة من الخبراء لإعداد دراسة حول الخيار الأفضل لاستخدامه، مع إدراج ذلك ضمن خطة اقتصادية مُحكَمة. ولحينه تبقى الخشية من ضياع الذهب (الضمانة الوحيدة المتبقية)، الفكرة المسيطرة، رغم الآمال الإيجابية المعلّقة على عهد الرئيس جوزاف عون.
باتريسيا جلاد - نداء الوطن

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

رفع العقوبات عن سوريا: انفراج مرتقب بعد عزلة دولية
رفع العقوبات عن سوريا: انفراج مرتقب بعد عزلة دولية

النهار

timeمنذ 41 دقائق

  • النهار

رفع العقوبات عن سوريا: انفراج مرتقب بعد عزلة دولية

بعد 14 سنة من الحرب والعقوبات، بدأت تلوح في أفق سوريا بوادر خروج من العزلة الاقتصادية. مع سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول (ديسمبر) 2024، والتحرك السريع نسبياً من قبل كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي نحو رفع العقوبات التي كبّلت الاقتصاد السوري، تبدو البلاد مقبلة على مرحلة جديدة قد تحمل معها أملاً بالتعافي، لا فقط داخل سوريا، بل في المنطقة بأكملها، حيث كانت تداعيات الانهيار السوري عبئاً ثقيلاً على دول الجوار. منذ عام 2011، فرض الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، عقوبات شاملة شلّت حركة الاقتصاد السوري. شملت هذه العقوبات حظراً على قطاع النفط والغاز، وتجميداً للأصول، ووقفاً للصادرات التكنولوجية إلى البلاد، ومنعاً للتعاملات المالية معها. هذه الإجراءات، وإن كانت موجهة ضد النظام، تسبّبت بانهيار شبه كامل في البنية التحتية، وحدّت من قدرة السوريين على الوصول إلى أبسط مستلزمات الحياة اليومية. توضح أرقام البنك الدولي حجم الكارثة: تقلّص الناتج المحلي الإجمالي لسوريا من 67.5 مليار دولار عام 2011 إلى 23.6 مليار دولار فقط عام 2022، بانخفاض يقارب 44 في المئة. أما الليرة السورية، ففقدت أكثر من مئة في المئة من قيمتها في مقابل الدولار الأميركي خلال السنوات الماضية. ومع تعذر الاستيراد، ارتفعت أسعار المواد الغذائية والأدوية، وتعطّل القطاع الطبي، وانتشرت البطالة والفقر. لكن أبرز القطاعات التي تأثرت بالعقوبات كان قطاع النفط والغاز، والسلعتان من أهم مصادر دخل البلاد قبل الحرب. كانت سوريا تنتج حوالي 385 ألف برميل يومياً من النفط قبل عام 2011، وتصدّر جزءاً كبيراً منه إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية، ما كان يعود بمليارات الدولارات سنوياً. ومع فرض العقوبات، انخفض الإنتاج إلى أقل من 90 ألف برميل يومياً، وفق تقديرات مستقلة، فيما توقفت أغلب الآبار عن العمل بسبب تدمير البنية التحتية ونقص المعدات والتكنولوجيا. اليوم، مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب منتصف الشهر الجاري الرفع الكامل للعقوبات، بدأت الليرة السورية بالتعافي وسجّلت ارتفاعاً بنسبة ثمانية في المئة أمام الدولار، وفق وكالة الأنباء السورية الرسمية. وبعد أيام، تبنّى الاتحاد الأوروبي قراراً مشابهاً، منهياً واحدة من أعقد حزم العقوبات التي فرضها في تاريخه. ولا شك في أن رفع العقوبات عن سوريا سيفتح الباب أمام استثمارات أجنبية وتدفقات مالية كانت مجمّدة، ما قد ينعش بعض القطاعات الحيوية ويطلق عجلة إعادة الإعمار، كما قد يسهّل عمليات الاستيراد والتصدير، ما يخفّف من أزمة المعيشة ويدعم استقرار الليرة السورية. هذان القراران فتحا الباب أمام احتمال عودة الاستثمارات الأجنبية إلى سوريا. مثلاً، تشير تقديرات أولية إلى أن عودة إنتاج النفط والغاز إلى مستوياته السابقة قد تدر على الدولة ما لا يقل عن سبعة مليارات دولار سنوياً في المرحلة الأولى، وهو مبلغ كفيل بإعادة تحريك الدورة الاقتصادية وتوليد فرص عمل واسعة في المناطق المنتجة للطاقة. ولا يقتصر الأثر الإيجابي على الداخل السوري فقط، بل يمتد إلى دول الجوار التي استقبلت ملايين اللاجئين خلال الحرب. ويمثل رفع العقوبات وإعادة الإعمار فرصة لتقليص أعداد اللاجئين عبر توفير بيئة آمنة واقتصادية محفّزة لعودتهم التدريجية. كذلك من المتوقع أن تسهم عودة سوريا إلى الأسواق الإقليمية في تنشيط التبادل التجاري مع الأردن والعراق، وفتح المجال أمام شركات خليجية للاستثمار في البنية التحتية، الاتصالات، والزراعة. لكن على رغم هذه المؤشرات الإيجابية، لا تزال التحديات كبيرة. فالمجتمع السوري خرج من الحرب منهكاً، ومؤسسات الدولة تحتاج إلى إصلاح عميق. ولا يزال الانتقال السياسي هشاً، فالاتحاد الأوروبي نبّه إلى أن أي تراجع للسلطات السورية عن مبادئ الشفافية والتعددية قد يؤدّي إلى إعادة فرض العقوبات. ومع ذلك، يعكس قرار رفع العقوبات تحوّلاً في مقاربة المجتمع الدولي تجاه سوريا: من سياسة الضغط والردع إلى المشاركة والبناء. ويبقى الأمل معقوداً على أن تستغل القيادة السورية الجديدة هذه اللحظة التاريخية لإعادة إطلاق عجلة الاقتصاد، وفتح صفحة جديدة مع شعب أنهكته الحرب، وجيران ينتظرون منذ سنوات نهاية لهذا النزاع الطويل.

الصدّي: اتّجاه نحو الـ BOT لإنشاء معملين جديدين على الغاز
الصدّي: اتّجاه نحو الـ BOT لإنشاء معملين جديدين على الغاز

صوت لبنان

timeمنذ ساعة واحدة

  • صوت لبنان

الصدّي: اتّجاه نحو الـ BOT لإنشاء معملين جديدين على الغاز

باتريسيا جلاد - نداء الوطن حِملٌ ثقيلٌ يقع على عاتق وزير الطاقة والمياه جو الصدّي، المطلوب منه حلّ مشكلات متراكمة منذ أكثر من 15 سنة في وقت قصير. متحفّظ في الكلام، ولا يحبّذ الخوض في تفاصيل اتفاقات شفهية غير رسمية، ريثما تتبلور الصورة الرسمية والقانونية. وهو يطبّق منذ وصوله إلى الوزارة أي منذ شهرين، المثل اللبناني المعروف «ما تقول فول تيصير بالمكيول». ولهذا السبب لا يسمع اللبنانيون ضجيجاً، إذ يؤمن بالعمل بعيداً عن الصخب. حوار «نداء الوطن» معه، تناول خطة الوزارة، زيادة التغذية الكهربائية وضع المعامل والمصافي في طرابلس والزهراني، التنقيب عن النفط وكيفية معالجة معضلة المياه... - ما هي خطة وزارة الطاقة بالنسبة إلى مشكلة التغذية الكهربائية في لبنان؟ قرّرنا المضي في الالتزام بتطبيق قانون الكهرباء رقم 462/2002 وبدأنا بذلك فعلياً من خلال الهيئة الناظمة للكهرباء التي تعتبر العمود الفقري لإعادة هيكلة القطاع بأكمله. باب الترشيح للهيئة أقفل منذ 10 أيام، وتقدّم إلى الوزارة نحو 341 طلب ترشيح لخمس وظائف باعتبار أن الهيئة تتشكّل من رئيس و 4 أعضاء. اليوم مع OMSAR ومجلس الخدمة المدنية سنبدأ بغربلة السير الذاتية لمقدمي الطلبات والتأكّد ممن تتوفر لديه الشروط المطلوبة، لنتوصّل إلى ما يعرف بالـ Short list وسيستغرق ذلك نحو أسبوعين، وسيتمّ بعدها إجراء مقابلات عمل قد تستغرق ثلاثة أسابيع نظراً إلى رقم المرشحين الكبير. وكما تقتضي الآلية سيشارك في ذلك الوزير المعني، وزير التنمية الإدارية، رئيس مجلس إدارة الخدمة المدنية وخبراء لتأمين الشفافية التامة لاختيار أعضاء الهيئة، لحين اقتراح الوزير المعني عضويتهم. هناك مواصفات بحدّ أدنى مطلوبة ومن لا تتوفّر لديه تلك المواصفات تتمّ تنحيته. وبذلك يكون موضوع تشكيل الهيئة الناظمة وضع على السكّة الصحيحة . - ماذا عن زيادة الطاقة الإنتاجية للكهرباء، كيف سيتمّ ذلك وكم تبلغ الكلفة؟ لدى مؤسسات كهرباء لبنان اليوم طاقة إنتاجية بقدرة 1200 ميغاواط، مقابل طلب يتراوح بين مرتين و3 مرات أكثر. القرار المهمّ الذي يجب أن يُتّخذ، إنشاء معامل حديثة تعمل على الغاز. وهذا القرار كان يجب أن يتّخذ والسير به منذ 15 عاماً. بالنسبة إلى الكلفة، تكلفة معمل بطاقة إنتاجية بسعة 800 ميغاواط يكلّف نحو 800 مليون دولار. نحتاج أقلّه إلى معملين وسنبدأ العمل بمعمل واحد وذلك بالشراكة مع القطاع الخاص، وتصوّري أن يتمّ ذلك من خلال اعتماد نظام البناء والتشغيل والتحويل المعروف بالـ BOT (يُعطى ترخيص من الحكومة لتشييد وتشغيل معمل توليد الكهرباء). وفي الوقت نفسه نعمل على تأمين تغذية المعامل الحالية والمستقبلية بالغاز الطبيعي لأنه مع الوقت سنستغني عن استخدام الفيول المكلف مادياً والمضرّ بيئياً . - كيف سيتمّ استقدام الغاز ليحلّ مكان الفيول؟ هناك طريقتان لاستقدام الغاز إلى معاملنا: أولاً، من خلال الـ Arab Gaz pipeline خط أنابيب الغاز العربي، استخدم لفترة قصيرة منذ سنوات عدة. وثانياً، تأمين مصدر ثان للغاز عبر الـ FSRU (Floating storage regasification unit)، وهي عبارة عن محطّة عائمة لتخزين وتغويز الغاز الطبيعي (وتكون عادة باخرة مجهزة بخزانات وتقنيات لإعادة الغاز المسال المستورد إلى طبيعته الغازية، تمهيداً لنقله مباشرة إلى معامل الكهرباء). إذاً، أمامنا خياران كما قلت سابقاً، خيار خط أنابيب الغاز العربي (بُني لتصدير الغاز الطبيعي المصري إلى الأردن وسوريا ولبنان، مع خطوط فرعية تحت الماء وأخرى برية). يبلغ طوله الإجمالي 1200 كلم، بتكلفة 1.2 بليون دولار، كما هناك خيار محطّة تخزين وتغويز الغاز الطبيعي العائمة لتأمين المواد. - هل بدأتم بالعمل وفق نظام الـ Bot وهل القوانين اللبنانية تسمح بذلك؟ بدأنا بالعمل على كيفية عرض إنشاء المعامل من خلال الـ BOT وتأمين التمويل والضمانات اللازمة لإنشائها. القوانين اللبنانية الموجودة تسمح بذلك، لكن المطلوب اليوم مواكبة البنك الدولي لتحديث دفاتر الشروط وإعادة النظر بها. وإذا احتجنا إلى موافقة قانونية من مجلس الوزراء، طبعاً سنتوجه إليه لنحصل عليها. - كم تستغرق مدة التحضير لعملية للتلزيم؟ ليس لدي الوضوح الكامل حول المدة الزمنية لذلك عندما تتّضح الصورة سأعلنها. - زرت قطر منذ أسابيع، ماذا تحمل المبادرة القطرية في مجال الكهرباء؟ اجتمعت في قطر مع وزير الطاقة القطري وتطرقنا إلى مواضيع عدة، وتوافقنا على مسار سنسلكه لكن بعيداً عن الإعلام، لأننا لا نزال في إطار المحادثات. وعندما تثمر تلك المحادثات قرارات واضحة ومحددة، يمكن الإعلان عنها. لا أعلن عن شيء قبل التأكّد من قدرتنا على تنفيذه. - ماذا عن مؤسسة كهرباء لبنان؟ لناحية مؤسسة كهرباء لبنان، تبلغ نسبة جبايتها من الطاقة الإنتاجية 60 % من المدخول المفروض أن يتحقّق. بما يعني أن هناك هدراً بنسبة 40 %، 10 % منها هدر فني بسبب قِدَم الشبكة التي تحتاج إلى صيانة وإعادة تأهيل، و30 % نسبة التعدّيات والسرقة. في هذا المجال طلبت من مؤسسة كهرباء لبنان وضع خطة لمعالجة تلك المسألة، ووضعت رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء بالصورة. إذ قد نحتاج إلى مواكبة أمنية لإزالة التعديات الموجودة في كل المناطق، وهذا الأمر يتمّ العمل عليه، علماً أن هناك مناطق تشهد تعدّيات أكثر من غيرها. فالتعديات على الشبكة الكهربائية هي سرقة، نسبتها 30 % وتحتاج إلى معالجة. -هل يمكن خفض تعرفة الكهرباء الحالية البالغة 27 سنتاً لكل كيلواط/ساعة للاستهلاك الذي يتجاوز 100 كيلواط/ساعة شهرياً؟ تُعد كلفة الكهرباء في لبنان من بين الأعلى عالمياً، ويرتبط ذلك بكلفة الإنتاج المرتفعة الناتجة عن أسباب تقنية، أبرزها معامل الإنتاج المتهالكة، التي يتجاوز عمرها 30 عاماً، واعتمادها على الفيول أويل، ما يؤدي إلى هدر كبير. هذه الكلفة المرتفعة تُثقل كاهل المواطنين، وتُعتبر غير ملائمة للصناعيين اللبنانيين. من هنا، فإن خفض كلفة الإنتاج يُعد أولوية، ويمكن تحقيقه من خلال التوسّع في استخدام الطاقة الشمسية، عبر إنشاء محطات إنتاج بطاقة تتراوح بين 100 و150 ميغاواط، بما يُساهم في تقليص الكلفة. كما أن إنشاء معامل جديدة تعمل على الغاز بدلاً من الفيول من شأنه أن يخفض الكلفة الإنتاجية بشكل أكبر. يجب العمل على هذه المحاور مجتمعة لتحقيق انخفاض فعلي في كلفة الإنتاج، وهو ما سينعكس بدوره على خفض التعرفة للمستهلكين. - سافرت مع وزير المالية إلى العراق للبحث في مسألة مدّ لبنان بالفيول العراقي والذي يوفّر التغذية بين 6 و8 ساعات يومياً. على ماذا توافقتم ليستمرّ العراق في مدّنا بالفيول، رغم أن لبنان لم يسدّد متوجّباته المادية؟ أمضيت مع وزير المالية يومين في العراق، شكرنا في خلالها دولة العراق على استمرارها بتزويد لبنان بالفيول، وتناولنا هذا الموضوع في مجلس النواب. كما تطرقنا الى دراسة كيفية إعادة تشغيل خط الأنابيب الذي يمتد من العراق وصولاً إلى طرابلس مع مصفاة IPC، واتفقنا على ضرورة درس ذلك من الناحية الفنيّة. هل هذا الأنبوب لا يزال صالحاً عبر سوريا وهل يحتاج إلى صيانة وهل تضرر بسبب الحرب؟ وهناك الشقّ المادي، أي الكلفة وما هو الاستثمار الذي نحتاجه لتسديدها. - كم تبلغ قيمة الدين المترتّب على لبنان تسديده إلى العراق مقابل الفيول؟ تبلغ قيمة الدين المتراكم في السنوات الثلاث المنصرمة نحو 1,2 مليار دولار. طريقة الدفع تتمّ من خلال حساب للدولة العراقية فتح بمصرف لبنان. فتسدّد الدولة متوجباتها بالليرة وفق سعر الصرف الحالي، عبر منصّة تشغلها «إيدال» من خلال مطالبة العراق بخدمات يمكن أن تكون طبية وغيرها... هناك ثلاثة عقود أبرمت. العقد الأول أودع بناء عليه كامل المبلغ المطلوب من الدولة اللبنانية للعراق، وذلك خلال العام 2021 ويبلغ نحو 500 مليون دولار. أما اليوم فيترتّب على الدولة اللبنانية نحو 1,2 مليار دولار، لم تسدّد بعد. - ما هي الإجراءات التي ستتّخذ في ما يتعلق بمصافي النفط؟ بالنسبة إلى مصافي النفط، سنجتمع مع ممثلين عن الدولة العراقية لبدء البحث في مسألة الأنابيب. في الماضي كانت هناك مصافي تكرير، وسنطّلع على ما كان ينص عليه الاتفاق القديم بالنسبة إلى الأنبوب الذي يصل إلى طرابلس والمصفاة. ستتشكل لجنة فنية لدراسته من كل النواحي التقنية والمالية. - ما وضع معامل إنتاج الكهرباء مثل معمل الزوق التي زرته ويتضمن مواد خطرة على السلامة العامة؟ هناك مواد في طرابلس والزهراني تتمّ معالجتها. واتخذت وزارة الطاقة كل الإجراءات اللازمة وأرسلت العيّنات إلى البلد الذي يجب أن يستقبل تلك المواد، وسأعقد مؤتمراً صحافياً للحديث عن تلك المواد الموجودة في المعامل. - هل صحيح أن تقرير «توتال إنرجيز» عن نتائج الحفر للبلوك 9 في المياه البحرية اللبنانية سيصدر خلال أسابيع؟ إجتمعت مع المدراء العامين للشركات الثلاث في الـ«كونسورتيوم» («توتال إنرجيز» الفرنسية و «إيني» الإيطالية وقطر للطاقة القطرية)، وتعهّدوا بتسليم التقرير خلال الأسابيع المقبلة. ومن المرتقب أن يفصح التقرير عن نتائج الحفر، حينها نبني على الشيء مقتضاه، أي على أساس التقرير نخرج بنتيجة الخطوة التالية. مع العمل أننا ندرس مع الـ «كونسورتيوم» الخطوات التالية التي يجب اتّخاذها بعد صدور التقرير. - ما انعكاس وجود نفط في سوريا في البلوك 1 و 2 على لبنان؟ يجب أولاً ترسيم الحدود البحرية مع سوريا، ولا يزال هناك شيء مشترك بين البلدين. - مقبلون، كما بات معروفاً في ظلّ الأمطار القليلة التي هطلت هذه السنة، على أزمة مياه، هل من تصوّر لحلول؟ المياه مسألة حيوية، وهي للأسف شحيحة هذه السنة، وفي السياق طلبت من مدراء مصالح المياه إعداد خطة طوارئ لمعالجة الشحّ، وصلت التوصيات الوزارة منذ يومين وعند التوافق على الخطّة سنعلن عنها قريباً. ومن السيناريوات المطروحة في تلك الخطة طلب ترشيد المياه من المواطنين في ظلّ التقنين. كميّة الأمطار التي هطلت هذه السنة تساوي نصف تلك التي سجّلت في فصل الشتاء في العام الماضي. - هناك آبار فردية تشيّد بشكل عشوائي تتسبّب بشحّ المياه للمزارعين، ماذا تفعلون في هذا السياق؟ ما يحصل أن هناك آلية متّبعة لترخيص الآبار، نعيد النظر بها للتأكّد ما إذا كانت المعايير صحيحة ويُمنح الترخيص بالطريقة المناسبة، وقد نتّخذ إجراءات أخرى بالنسبة إلى التراخيص لتعطى بطريقة مدروسة وملائمة. وفي هذا المجال نعمل مع الجامعة الأميركية في بيروت التي لديها فريق مختص بهذه المسألة. كما نسعى لفتح المجال أمام أكثر من شركتين لإصدار تقارير فنية حول طلب ترخيص إنشاء أي بئر. نريد ان نفتح المجال لغير الشركتين لكسر الحصرية وفتح المجال للمنافسة أمام شركات عدة، خلال شهرين أو ثلاثة ننجز الآلية الجديدة التي سنتبعها في ما يتعلق بترخيص الآبار.

اتفاق بقيمة 800 مليون دولار بين سوريا وموانئ دبي العالمية: بداية مسيرة الألف ميل نحو إنعاش الاقتصاد السوري
اتفاق بقيمة 800 مليون دولار بين سوريا وموانئ دبي العالمية: بداية مسيرة الألف ميل نحو إنعاش الاقتصاد السوري

النهار

timeمنذ ساعة واحدة

  • النهار

اتفاق بقيمة 800 مليون دولار بين سوريا وموانئ دبي العالمية: بداية مسيرة الألف ميل نحو إنعاش الاقتصاد السوري

في خطوة مفصلية تعكس تحوّلاً اقتصادياً وسياسياً في المشهد السوري، وقّعت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية في سوريا مذكرة تفاهم مع شركة "موانئ دبي العالمية" (دي بي ورلد) بقيمة 800 مليون دولار، لتطوير محطة متعددة الأغراض في ميناء طرطوس. هذه الخطوة جاءت بعد إعلان الإدارة الأميركية رفع العقوبات المفروضة على سوريا، ما أتاح المجال أمام اتفاقات استثمارية جديدة لطالما كانت معطّلة بفعل "قانون قيصر". ووفقاً لما أوردته وكالة الأنباء السورية الرسمية، فإن المذكرة تشمل تطوير وإدارة وتشغيل محطة متعدّدة الأغراض، بما يسهم في رفع كفاءة الميناء، وزيادة طاقته التشغيلية، وتعزيز موقعه كمركز محوري في حركة التجارة الإقليمية والدولية. كما اتفق الطرفان على التعاون في إنشاء مناطق صناعية وحرة، وموانئ جافة، ومحطات عبور للبضائع في مواقع استراتيجية داخل سوريا. وتُعدّ شركة "دي بي ورلد" التابعة لمجموعة "دبي العالمية" من أبرز الشركات العالمية في إدارة الموانئ وسلاسل التوريد، ما يعطي الاتفاق بعداً اقتصادياً وجيوسياسياً مهماً، خصوصاً في ظل توقيعه في الأسبوع نفسه الذي أعلن فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال زيارته إلى الرياض، عن قراره رفع العقوبات عن سوريا، بعد مشاورات مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولقائه الرئيس السوري أحمد الشرع. رفع قانون قيصر "حبل الخلاص" للاقتصاد السوري في حديثه لـ"النهار"، يرى الدكتور محمد موسى، الباحث في الشأنين الاقتصادي والسياسي، أن رفع "قانون قيصر" يمثل "حبل الخلاص" الذي طال انتظاره للاقتصاد السوري، مشيراً إلى أن العقوبات كانت تخنق سوريا وتكبّل اقتصادها كما كانت تؤثر سلباً على دول الجوار. ويؤكد موسى أن رفع العقوبات سيعيد فتح نافذة مالية مهمة أمام الدولة السورية والقطاع الخاص، من خلال استعادة الاتصال بالنظام المالي العالمي، وعودة المصارف، وشركات التأمين، والتحويلات المالية، وكذلك أنظمة الدفع العالمية مثل "SWIFT" و"CHIPS"، وبطاقات الائتمان. ويتابع موسى أن هذه التطورات ستعيد الحيوية إلى المالية العامة السورية، وستوفر بيئة استثمارية مؤاتية للقطاع الخاص العربي والدولي دون الخوف من العقوبات الأميركية، لافتاً إلى أن سوريا باتت اليوم محطّ أنظار العديد من الشركات التي ترى فيها فرصة شبيهة بتجربة الخليج في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، نظراً لحجم الفرص المتاحة داخلياً. ويضيف: "اللقاء بين الرئيس السوري والرئيس الأميركي، وحديث ترامب عن تطبيع العلاقات والانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، يعكس نية سياسية واضحة قد تنعكس بشكل إيجابي على البيئة الاستثمارية، في ظل الارتباط العضوي بين واشنطن وتل أبيب، والدفع الأميركي لدمج سوريا ضمن محيطها الإقليمي من جديد". نقلة دراماتيكية واستثمارات "فريش" في قلب الاقتصاد السوري يصف موسى الاتفاق مع "موانئ دبي العالمية" بأنه تطور دراماتيكي على المستويات السياسية والجيوسياسية والجيواقتصادية، خصوصاً أن هذه الاستثمارات تأتي بـ"أموال طازجة" يحتاجها الاقتصاد السوري بشدة. فالاتفاق لا يضخ السيولة فقط، بل يحرّك أيضاً قطاع النقل واللوجستيات المتوقّف منذ عقود، ويفتح الموانئ السورية على العالم من جديد بقبول دولي جديد بعد رفع العقوبات. ويضيف أن دخول الخليج العربي إلى سوريا عبر البوابة الإماراتية خطوة رمزية واستراتيجية، وقد تكون باكورة استثمارات مستقبلية أوسع، فـ800 مليون دولار قد لا تكون سوى البداية. ويشدّد على أن هذه الخطوة تمهّد لعودة سوريا كدولة فاعلة في محيطها الاقتصادي، ومحطة ترانزيت للنقل البحري والبري، وربما لاحقاً بوابة عبور لنفط المتوسط. التحديات لا تزال قائمة: البيئة التشريعية والأمنية على المحك رغم التفاؤل، لا يُنكر الدكتور موسى وجود جملة من التحديات التي قد تعوق تحويل سوريا إلى مركز اقتصادي وصناعي جاذب. أول هذه التحديات هو الوضع الأمني غير المستقر، خصوصاً في بعض المناطق كالمناطق الدرزية والكردية. كما أن البنية التحتية السورية، التي كانت تعاني حتى قبل عام 2011، تحتاج اليوم إلى استثمارات ضخمة لإعادة تأهيلها، سواء من حيث الأموال أو من حيث الكفاءات البشرية. ويؤكد موسى أن أي استثمار جدي يحتاج إلى بيئة آمنة ومستقرة، وإلى قضاء مستقل، وتشريعات واضحة وعادلة، لطمأنة المستثمرين. ويضيف: "لا يكفي رفع العقوبات، بل لا بد من اتخاذ خطوات ملموسة على الأرض، من بينها تسوية سياسية داخلية شاملة، وضمان مشاركة جميع الأطراف، وتعزيز ثقة المجتمع الدولي". ويختم بالقول: "توقيع الاتفاق مع موانئ دبي العالمية هو الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل. ولكن لكي تصبح سوريا فعلاً على المسار الصحيح، لا بد من خطوات إضافية على المستوى السياسي والأمني والتشريعي. وعندما نرى زيارة رسمية رفيعة مثل زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أو حتى الرئيس الأميركي إلى دمشق، فهذه ستكون الإشارة الحقيقية إلى انطلاقة مسار اقتصادي جديد، مدعوم بثقة دولية وإقليمية".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store